في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)







فروع العلم الإجمالي


قد اشتهر بين الفقهاء في خاتمة مسائل الشكّ التكلّم في كثير من فروع العلم الإجمالي ، وقد تعرض السيّد الطباطبائي صاحب العروة(قدس سره)(1) فيها لخمس وستين مسألة من المسائل المتفرّقة ، لكنّها لا تنحصر بما إذا كان في البين علم إجماليّ ، بل يوجد فيها بعض مسائل الشكّ الخالي عن العلم الإجمالي .
كما أنّ ما اشتمل على العلم الإجمالي بين ما كان العلم الإجمالي متعلقاً بأصل الصلاة وهي مسألة واحدة من المسائل الختامية ، وبين ما كان العمل الإجمالي متعلقاً بركعاتها وهي عشر من تلك المسائل ، وبين ما كان متعلقاً بافعالها وهي خمس عشرة منها ، كما أنّ متعلّق العلم الإجمالي في الأفعال قد يكون هو الزيادة وقد يكون هي النقيصة فلا تغفل ، وكيف كان فنحن نقتصر على جملة منها التي يكون الابتلاء بها أكثر من غيرها فنقول :


(1) العروة الوثقى 1: 687 .

(الصفحة82)

الأولى:
إذا كان في الركعة الرابعة مثلا ، وشكّ في أنّ شكّه السابق بين الإثنتين والثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما ، قال(قدس سره) في العروة : بنى على الثاني ، كما أنه كذلك إذا شكّ بعد الصلاة(1) . وقد استشكل ـ في البناء على كون الشكّ بعد الإكمال ـ السيّد الاصفهاني(قدس سره) في حاشية العروة ، واحتاط بالبناء وعمل الشاكّ ثمّ إعادة الصلاة(2) .
ويمكن أن يكون الوجه في استشكاله أنّ مستند البناء على الثاني وكون الشكّ بعد الإكمال لابدّ وأن يكون قاعدة التجاوز ، وهي لاتجري في المقام ، لانّ مجراها هو ما إذا كان الشكّ في وجود جزء بعد التجاوز عن محلّه ، وهنا ليس الشكّ في وجود الجزء ، وإنّما الشكّ في صحة الأجزاء السابقة وبطلانها ، والشك في الصحة لا يكون مورداً لجريان القاعدة .
ويمكن أن يناقش فيه بعدم اختصاص مجراها بذلك ، بل تجري فيما إذا كان الشكّ في صحة الموجود أيضاً كما هنا ، إلاّ أن يقال : إنّ الشكّ في المقام ليس في صحة الموجود ، ضرورة أنّ الأجزاء السابقة التي وقعت صحيحة لا تخرج عن الصحة التأهلية مع العلم بوقوع المبطل ، فضلا عن الشكّ فيه ، فالشكّ ليس في صحتها بل إنّما هو في صحة الصلاة ، ولا مجال لاحرازها بقاعدة التجاوز الجارية في أثناء العمل ، بل المحرز لها هي قاعدة الفراغ ، ومورد جريانها هو الشكّ بعد الفراغ عن العمل .
ومنه ظهر الفرق بين ماإذا عرض له هذا الشكّ في الأثناء أو بعد الفراغ ، فالحكم باتّحاد الصورتين كما عرفت من العروة لا يخلو عن النظر ، فتدبّر .


(1) العروة الوثقى 1: 688; المسألة الرابعة .
(2) تعليقة السيّد الاصفهاني : 38 .

(الصفحة83)

ويظهر من المحقّق الحائري(قدس سره) الإشكال في البناء بوجه آخر ، حيث قال : وفيه إشكال من جهة أن احتمال المضيّ على الشكّ قبل إكمال السجدتين ، وإن كان خلافاً للأصل ، ولكنّه لا يثبت به حدوث الشكّ بعد الإكمال الذي هو موضوع للبناء ، فلا يمكن الرجوع إلى أحكام الشكّ مع الشكّ في المصداق ، فمقتضى الإحتياط العمل بقواعد الشكّ ثمّ إعادة الصلاة(1) . . .
وظاهر هذه العبارة وإن كان يعطي أنّ احتمال المضيّ على الشكّ قبل الإكمال على خلاف الأصل ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مراده كون احتمال حدوث الشكّ قبل الإكمال مخالفاً للأصل ، لأنّ مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الشكّ إلى زمان الإكمال ، إلاّ أنه لا يثبت التأخّر وكونه حادثاً بعد الإكمال .
الظاهر عدم الاحتياج إلى إثباته ، لأنه لا يعتبر إحراز كون الحدوث بعد الإكمال بعد عدم اختصاص مورد أدلّة البناء على الأكثر بخصوص هذا الفرض ، بل مقتضى إطلاقها البناء على الأكثر ولو بالنسبة إلى الأوليين . غاية الأمر أنه قد ورد النصّ على لزوم حفظ الأوليين وكون عدمه موجباً للإعادة ، وحينئذ فيمكن إجراء الإستصحاب بالنسبة إلى الحفظ ، وجرّه إلى زمان تحقّق الركعتين بإكمال السجدتين من ثانية الركعتين .
ويمكن أن يناقش في جريان هذا الأصل ـ وهو استصحاب عدم تحقّق الشكّ إلى زمان إكمال الركعة الثانية المتحقّق بإكمال السجدتين منها ـ بأنّه معارض باستصحاب عدم تحقّق إكمال الركعة الثانية إلى زمان حدوث الشكّ ، فلا مجال لجريانه ، إمّا لأجل المعارضة وكونها هي المانعة من جريان الأصل في مجهولي التاريخ من الحادثين ، وإمّا لما أفاده المحقّق الخراساني(قدس سره) في وجه عدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ ، من إختلال أركان الاستصحاب ، لعدم إحراز اتّصال زمان

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 421 .

(الصفحة84)

الشكّ باليقين فلا يجري ، ولو لم تكن هنا معارضة لأجل عدم ترتّب أثر شرعيّ على المستصحب في واحد منهما(1) .
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الشكّ في كون الشكّ السابق بين الإثنتين والثلاث هل حدث قبل إكمال الركعتين أو بعده ، ليس مرجعه إلى الشكّ في زمان حدوث شكّ واحد وهو الشكّ بين الإثنتين والثلاث ، وأنه هل هو قبل الإكمال أو بعده كي تقع المعارضة بين الأصلين ، أو يختلّ أركان الإستصحاب فيسقط كلّ منهما ولو لم تكن المعارضة في البين؟ .
بل مرجعه إلى الشكّ في أنّ شكّه السابق هل هو الشكّ بين الإثنتين والثلاث أو الشكّ بين الواحدة والإثنتين؟ لأنّ المراد بالركعات هي الركعات التامّة ، وحينئذ فالشكّ بين الإثنتين والثلاث من هذه الجهة لا يكون بمبطل ، بل المبطل هو الشكّ بين الإثنتين كما ورد هذا العنوان في خمس أو ستّ من الروايات الواردة في هذا الباب .
نعم ورد في رواية سماعة السهو في الركعتين الأوليين ، ولكنّه فرّع عليه قوله(عليه السلام) : «فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين(2) . . .» وفي بعض الروايات الاُخر اعتبار الحفظ أو ا لسلامة أو نفي السهو(3) .
وبالجملة: فمقتضى الروايات أنّ ما يوجب البطلان هو الشكّ في الأوليين وأنه صلّى واحدة أم اثنتين ، وأمّا الشكّ في الإثنتين والثلاث فهو ليس بمبطل ، لظهور الأخبار الواردة فيه في كون مورده هو الشكّ في الركعات التامّة ، كما هو كذلك

(1) كفاية الاصول 2: 336 .
(2) الكافي 3: 350 ح2; التهذيب 2: 176 ح704; الاستبصار 1: 364 ح1381; الوسائل 8: 191 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح17  .
(3) الوسائل 8 : 188 ـ 190  . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح1  ، 3  ، 4  ، 8  ، 13 .

(الصفحة85)

بالنسبة إلى الروايات الواردة في سائر الشكوك ، كالشكّ بين الإثنتين والأربع ، أو بين الثلاث والأربع ، أو غيرهما من الشكوك .
وحينئذ فمرجع شكّه في المقام إلى أنّ شكّه السابق هل كان هو الشكّ بين الواحدة والإثنتين حتّى يوجب بطلان الصلاة ، أو الشكّ بين الإثنتين والثلاث حتّى تصحّ الصلاة ، ويجب عليه البناء على الأكثر والإتيان بالنقص المحتمل بعد الصلاة ، ، والتمسّك بقاعدة التجاوز لاثبات الصحّة قد عرفت ما فيه ، من أنّ تحقّق المبطل في الأثناء يوجب عدم تحقّق عنوان الصلاة ، ولا يخرج الأجزاء السابقة عن الصحّة التأهلية التي مرجعها إلى قابلية وقوعها جزءً فعلياً ، مع انضمام سائر الأجزاء إليها بشرائطها ، وعدم شيء من موانعها ، فالشكّ في عروض المبطل لا يرجع إلى الشكّ في صحة ما وقع قبله من الأجزاء حتّى تجري فيه قاعدة التجاوز ، بناءً على عدم اختصاص مجراها بخصوص ما إذا شكّ في وجود الجزء ، بل يعمّ ما إذا شكّ في صحة الجزء الموجود أيضاً .
هذا ، ولكن الظاهر أنه لا مانع من جريان القاعدة ، بتقريب أنّ مفاد الأدلّة الدالّة على اعتبار حفظ الركعتين الأوليين شرطاً لكونهما فرض الله ، أو على مانعية السهو فيهما ليس أنّ إحراز تحقّقهما والإتيان بهما شرط في صحة الصلاة ، بحيث كان اللازم فيها مجرّد إحراز الإتيان بهما ، كيف ، ولازم ذلك عدم بطلان الصلاة مع الشكّ قبل إكمال الركعة الثانية ، لأنه بعد الإتيان بباقي الأجزاء منها يتحقّق إحراز الإتيان بالركعتين الأوليين ، فلا مجال لبطلان الصلاة بعد حصول شرط صحّتها .
وبالجملة: فلا يكاد يتّفق عدم إحرازهما إلاّ نادراً ، وذلك لأنّ النقص المحتمل بالآخرة هو نقص الركعة الأخيرة أو أزيد ، نعم لو شكّ بين الواحدة والأربع مثلا ثمّ أتمّ الصلاة لا يكون بذلك محرزاً للأوليين ، وأمّا في غير هذا المورد ممّا لم يكن شيء من طرفي الشكّ أو أطرافه احتمال الركعة الواحدة ، فلا يكاد يتحقّق عدم الاحراز

(الصفحة86)

كما هو واضح .
فليس المراد من الروايات الواردة بهذا المضمون اعتبار حفظ الاُوليين شرطاً في صحة الصلاة أو السهو عنهما مانعاً عنها ، بل الذي يقتضيه النظر أنّ مفاد تلك الروايات هو اعتبار حفظ الاُوليين شرطاً لصحتهما أو السهو مانعاً عنها ، بحيث كان الاخلال به مضرّاً بوقوعهما على ما يجب أن تقعا عليه ، فيترتّب عليه بطلان الصلاة لا لفقدها لشرط صحتها ، أو وجود المانع عنها ، بل لفقدانها للركعتين اللتين هما فرض الله ، وهو لا يحتمل السهو ولا يقبل لأن يقع ظرفاً للشكّ والذهول عن الواقع .
وحينئذ فالشكّ في الصلاة وأنه هل صلّى واحدة أو ثنتين ، يبطلها لأجل خلّوها عن الركعتين الاُوليين ، فمرجع الشكّ في أنّ شكّه السابق هل كان شكاً بين الواحدة والإثنتين أو بين الإثنتين والثلاث إلى أنّ الركعتين الاُوليين هل وقعتا صحيحتين جامعتين للشرط المعتبر فيهما ، أو خاليتين عن المانع المخل بهما ، فلا مانع حينئذ من اجراء القاعدة بناءً على عموم موردها للشكّ في الصحّة أيضاً كما هو الظاهر ، فالتحقيق يوافق ما ذهب إليه السيّد(قدس سره) صاحب العروة ، ولا موقع للاشكال فيه .
الثانية:
إذا شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر ، فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده ، وإن كان لم يصلّها أو شكّ في أنه صلاّها أو لا ، عدل به إليها(1) . لأنه إن كان الشروع بنيّة الظهر فجعلها بعد الشك بالنية كذلك لا يكون عدولا ، بل هذه النية استدامة للنية التي كانت عند الشروع ، وان كان الشروع بنيّة العصر فالحكم بمقتضى النصّ والفتوى العدول منها إلى الظهر لو تذكّر في الأثناء أنه لم يأت بالظهر بعد ، أو شكّ في

(1) العروة الوثقى 1 : 687 المسألة الاُولى والثانية .

(الصفحة87)

أنه صلاّها .
ومثله في الحكم ما لو شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء ، ولم يكن صلّى المغرب أو شكّ في أنه صلاّها ، فإنه يعدل بالنية إلى المغرب ما دام لم يأخذ في القيام إلى الركعة الرابعة(1) ، بناءً على مااختاره العلاّمة وتبعه صاحب الجواهر(قدس سرهما) ، أو مادام لم يدخل في ركوع الركعة الرابعة بناءً على ما هو المشهور(2) .
الثالثة:
إذا شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أنه سهى عن المغرب ، قال في العروة : بطلت صلاته وإن كان الأحوط إتمامها عشاءً والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب(3)  .
أقول : هذه المسألة مبتنية على مسألة اُخرى معنونة في باب العدول ، وهو أنه قد وقع الخلاف في أنه لو تجاوز محلّ العدول فيما إذا كان في العشاء وقد سهى عن المغرب وتذكّر أنه لم يأت بها بعد ، بأن دخل في ركوع الركعة الرابعة ، فهل اللازم عليه الاتمام عشاءً ثمّ الإتيان بالمغرب ، كما لو تذكّر بعد الفراغ عن العشاء أنه لم يكن صلّى المغرب ، أو أنه تبطل الصلاة لعدم إمكان العدول إلى المغرب بعد التجاوز عن محلّه ، كما هو المفروض ؟  .
ولا دليل على سقوط شرطية الترتيب المستفاد من قوله(عليه السلام) : «إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(4) ومن أدلّة العدول كما مرّ مراراً ، لأنّ القدر المتيقّن من السقوط ما إذا تذكّر بعد الفراغ من اللاحقة أنه فاتت منه السابقة ولم يكن صلاّها ، وأمّا إذا تذكّر قبل

(1) العروة الوثقى 1 : 687 المسألة الاُولى والثانية .
(2) المنتهى 1: 422; جواهر الكلام 7: 316 .
(3) العروة الوثقى 1: 689; المسألة السادسة .
(4) الوسائل 4: 1256 و 130  . أبواب المواقيت ب4 ح5 و20 و 21  .

(الصفحة88)

الفراغ فلا دليل عليه .
فإن قلنا بالأوّل الذي مرجعه إلى سقوط اعتبار الترتيب لو تذكّر في الأثناء أيضاً مع عدم إمكان العدول ، فالحكم في المقام أيضاً إتمام الصلاة عشاءً ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ثمّ بالمغرب ، لأنه لا فرق بين المسألتين من حيث عدم امكان العدول  ، غاية الأمر أنه هناك لأجل استلزام العدول زيادة ركوع في صلاة المغرب وهي مبطلة ، وهنا لأجل استلزامه وقوع الشكّ في عدد الركعات في صلاة المغرب وهو أيضاً مبطل; وإن قلنا بالثاني فالحكم البطلان والإتيان بالمغرب ثمّ بالعشاء .
والظاهر هو الوجه الأول ، لالغاء الخصوصية من الدليل الدال على سقوط اعتبار الترتيب فيما إذا تذكّر بعد الفراغ من صلاة العشاء ، بدعوى عدم اختصاصه بخصوص هذه الصور ، بل يعمّ ما إذا تذكّر قبل الفراغ فيما إذا تجاوز عن محلّ العدول أيضاً فتدبر .
الرابعة:
إذا صلّى الظهرين ، وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنه إما نقص من ظهره ركعة والركعة التي بيده رابعة العصر ، وإمّا أنه أتى بالظهر تامّة وهذه الركعة التي بيده ثالثة العصر ، فالاحتمالان اللذان هما طرفا العلم الإجمالي مع قطع النظر عن كونهما طرفين له ، يكون أحدهما مجرى قاعدة الفراغ ، والآخر مورد أدلّة البناء على الأكثر .
وذلك لانّ الشكّ بالنسبة إلى صلاة الظهر شكّ بعد الفراغ فتجري قاعدته وبالنسبة إلى صلاة العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، وحكمه البناء على الأكثر والتسليم ، ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط . وأمّا بملاحظة العلم الإجمالي وكون الاحتمالين طرفين له فذكر سيّد الأساطين في العروة: أنه لا يمكن إعمال القاعدتين معاً ، لأنّ الظهر إن كانت تامّة فلا يكون ما بيده رابعة ، وإن كان ما بيده رابعة فلا

(الصفحة89)

يكون الظهر تامّة ، فتجب إعادة الصلاتين لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين . نعم ، الأحوط الإتيان بركعة اُخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات(1) ، انتهى (2) .
والوجه فيه أن مقتضى قاعدة الفراغ الجارية بالنسبة إلى صلاة الظهر ليس الحكم بوقوعها تامّة واقعاً ، بل غايته الحكم بتماميتها ظاهراً ، الذي مرجعه إلى عدم الاعتناء بهذا الشكّ الحادث بعد الفراغ ، لأنه على تقدير وقوعها ناقصة واقعاً كانت مقبولة عند الشارع ، كما إذا صلّى صلاة تامّة فليس مقتضى هذا الحكم الحكم بنقص العصر .
كما أنّ الحكم بالبناء على الأكثر مع الشكّ بين الثلاث والأربع ليس مرجعه إلى الالتزام بكون ما بيده هي الركعة الرابعة التي آخر الركعات ، وأنّها لا تكون ناقصة بوجه ، بل غايته الحكم بالمعاملة مع مابيده معاملة الرابعة ، وإن كان شاكّاً فيها مع جبر النقص المحتمل بصلاة الإحتياط ، فلا تدافع بين نفس القاعدتين بوجه .
وأمّا عدم التدافع بينهما وبين العلم الإجمالي ، فلأنّ مقتضى التحقيق ـ تبعاً لما أفاده الشيخ المحقّق الأنصاري(قدس سره)(3) ـ أنّ عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي ليس لأجل المناقصة بين الأصلين ، أو الاُصول والعلم الإجمالي ، حتّى ترجع هذه المناقضة إلى التناقض في أدلّة الاُصول ، بل عدم الجريان إنّما هو لأجل

(1) العروة الوثقى 1: 697 المسألة السادسة والعشرون .
(2) وأورد عليه سيّدنا العلاّمة الاستاذ (ادام الله أظلاله على رؤوس المسلمين) في تعليقته المباركة ما لفظه : الحكم بتماميّة الظهر ظاهراً لا يستلزم الحكم بنقص العصر ، وأنّ ما بيده ثالثتها ، وليس الواجب عند الشكّ في الثلاث والأربع هو الالتزام بعدم النقص وأنّها أربع ، بل إتمامها على ما بيده كائناً ما كان مع جبر النقص المحتمل فيها بصلاة الإحتياط ، فلا تدافع بين القاعدتين ولا بينهما وبين العلم الإجمالي ، والعمل بهما متعيّن . انتهى تعليقة السيّد البروجردي(رحمه الله) على العروة الوثقى: 71 . «المقرّر» .
(3) فرائد الاصول: 19 .

(الصفحة90)

استلزام جريانه لطرح تكليف منجّز عليه ، فيختصّ عدم الجريان بما إذا استلزم ذلك دون ما إذا لم يستلزم ، كما إذا علم إجمالا بطهارة واحد من الإنائين المسبوقين بالنجاسة ، فإنّ إجراء استصحاب النجاسة في كلّ منهما لا تلزم منه مخالفة تكليف منجّز كما هو واضح .
إذا ظهر لك ذلك فنقول : لابدّ من ملاحظة أنّ إعمال القاعدتين في المقام هل يستلزم نفي حكم ثابت بسبب العلم الإجمالي بوقوع النقص في إحدى الصلاتين أم لا؟ ، الظاهر عدم الاستلزام ، وذلك لأنّ مقتضى العلم الإجمالي لزوم مراعاة النقص الواقع في إحدى الصلاتين ، وإعمال القاعدتين لا ينفي ذلك ، غاية الأمر أنّ مقتضاها أنّ النقص على تقدير وقوعه في الصلاة السابقة يكون كالعدم .
لانّ الشارع بمقتضى قاعدة الفراغ ، تقبل الصلاة الناقصة مقام التامّة الكاملة ، وعلى تقدير وقوعه في هذه الصلاة التي بيده ، يكون مجبوراً بصلاة الإحتياط التي شأنها جبر النقص المحتمل ، فلا يكون النقص المحتمل في كلّ من الصلاتين غير معتنى به ، بل روعي كمال المراعات ، وكون حكمه على تقدير الوقوع في الصلاة السابقة هو عدم الاعتناء به ، وعلى تقدير الوقوع في الصلاة اللاحقة هو الجبر والتدارك بركعة مفصولة لا يوجب عدم مراعاته كما هو غير خفيّ .
هذا ، ولكن يبقى في المقام شيء ، وهو أنّ مرجع العلم الإجمالي بالنقص في إحدى الصلاتين إلى العلم التفصيلي ببطلان خصوص العصر على تقدير التسليم في هذه الركعة إمّا من جهة نقصانها وكون الركعة ثالثة العصر ، وإمّا من جهة نقصان الظهر الموجب لعدم صحة العصر من جهة فقدانها للترتيب المعتبر فيها ، ومورد أدلة البناء على الأكثر هوما إذا كانت الصلاة صحيحة من غير جهة الشكّ في الركعة .
هذا ، ولكن يدفع ذلك انّ نقصان الظهر إنّما يؤثّر في بطلان العصر من جهة

(الصفحة91)

فقدان الترتيب إذا كان موجباً لبطلان نفسها ، ومع جريان قاعدة الفراغ المقتضية للصحة والتمامية لا يترتّب على نقصانها بطلان العصر ، كما أنّ نقصان العصر أيضاً لا يقتضي عدم تماميتها بعد كونه مجبوراً بصلاة الإحتياط كما عرفت ، فالمتعيّن في المسألة بالقاعدتين معاً فتدبّر جيّداً .
وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ في المسألة وجوهاً ثلاثة .
أحدها : ما اختاره سيّد الأساطين في العروة من الحكم بوجوب إعادة الصلاتين ، للتدافع بين القاعدتين وعدم ترجيح في البين .
ثانيها : إنحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي ، ببطلان خصوص صلاة العصر ، والشكّ البدوي بالنسبة إلى صلاة الظهر ، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليها وتجب اعادة العصر .
ثالثها : مااخترناه من إعمال القاعدتين والحكم بجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الظهر ، وكون الشكّ بالنسبة إلى العصر مورداً لأدلّة البناء على الأكثر ، ومرجعه إلى كون صلاة الإحتياط جابرة للنقص المحتمل ، إمّا واقعاً كما ربّما يستفاد من بعض الروايات الواردة في ذلك الباب ، وإمّا كونها حكماً ظاهرياً في مورد الشكّ ، وقد حققنا في محلّه أنّ امتثال الأمر الظاهري مجز عن الواقع(1) .
الخامسة:
إذا توضّأ وصلّى ثمّ علم أنه إمّا ترك جزءً من وضوئه أو ركناً من صلاته ، قال في العروة : الأحوط إعادة الوضوء ثمّ الصلاة ، ولكن لا يبعد جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ في الوضوء ، لأنها لاتجري في الصلاة حتّى يحصل التعارض ، وذلك للعلم ببطلان الصلاة على كلّ حال(2) ، انتهى .


(1) نهاية الاُصول: 125; مبحث الأجزاء .
(2) العروة الوثقى 1: 710 ، المسألة السابعة والخمسون .

(الصفحة92)

وهذه المسألة قريبة من المسألة السابقة ، ولكن نفى السيّد(قدس سره) البعد هنا عن جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء ، ولزوم إعادة خصوص الصلاة للعلم ببطلانها على كلّ حال ، وذلك لما أشار إليه من الفرق بين المقامين وهو ثبوت التعارض بين القاعدتين هناك ، بناءً على مذهبه وأمّا هنا فليس إلاّ قاعدة واحدة جارية بالنسبة إلى الوضوء ، بعد انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ، فهذا الوجه هنا أقوى .
السادسة:
إذا علم أنه صلّى الظهرين ثمان ركعات وقبل السلام من العصر شكّ في أنه هل صلّى الظهر أربع ركعات فالتي بيده رابعة العصر ، أو أنه نقص من الظهر ركعة فسلّم على الثلاث وهذه التي بيده خامسة العصر ؟
فالحكم هو ما أفاده في العروة: من أنّ هذا الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام ، وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الأربع والخمس ، فيحكم بصحّة الصلاتين ، إذ لا مانع من إجراء القاعدتين ـ لعدم التدافع بينهما بوجه ـ فبالنسبة إلى الظهر تجري قاعدة الفراغ والشكّ بعد السلام ، فيبني على أنه سلّم على الأربع ، وبالنسبة إلى العصر يجري حكم الشكّ بين الأربع والخمس ، فيبني على الأربع إذا كان بعد إكمال السجدتين ، فيتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو .
هذا بالنسبة إلى الظهرين ، وكذا الحال بالنسبة إلى العشائين إذا علم قبل السلام من العشاء أنه صلّى سبع ركعات وشكّ في أنه سلّم من المغرب على ثلاث فالتي بيده رابعة العشاء ، أو سلّم على الإثنتين فالتي بيده خامسة العشاء ، فإنّه يحكم بصحة الصلاتين واجراء القاعدتين(1) .


(1) العروة الوثقى 1: 699; المسألة الثامنة والعشرون .

(الصفحة93)

السابعة:
لو انعكس الفرض السابق بأن شكّ ـ بعد العلم بأنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات قبل السلام من العصر ـ في أنه صلّى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر أو صلاّها خمساً فالتي بيده ثالثة العصر ، فقال في العروة : إنّه بالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، ولا وجه لإعمال قاعدة الشكّ بين الثلاث والأربع في العصر ، لأنه إن صلّى الظهر أربعاً فعصره أيضاً أربعة فلا محلّ لصلاة الإحتياط ، وإن صلّى الظهر خمساً فلا وجه للبناء على الأربع في العصر وصلاة الإحتياط ، فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين ، انتهى(1) .
والظاهر أنه لا مانع من جريان قاعدة الشكّ بين الثلاث والأربع ، بل اللازم العمل بها ، لانّ صحة الظهر وإن كانت مستلزمة لصحّة العصر وهي مستلزمة لعدم المورد لصلاة الإحتياط ، إلاّ أنّ هذا الاستلزام إنّما هو بحسب الواقع ، وأمّا بحسب الحكم الظاهري فالحكم بصحة الظهر لا يلازم الحكم بصحة العصر ، بل مفاده هو مجرّد الحكم بصحّة الظهر بملاحظة كون الشكّ حادثاً بعد الفراغ عنها ، وأما بالنسبة إلى صلاة العصر فلابدّ من ملاحظة أنّ موضوع صلاة الإحتياط وهو احتمال النقص له هل يكون متحقّقاً أم لا؟ ، ومن المعلوم أنه متحقق وجداناً كما هو واضح .
الثامنة:
لو علم أنه صلّى الظهرين ثمان ركعات ، ولكن لم يدر أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة وزاد في الاُخرى .
فالحكم ما أفاده في العروة : من أنه بنى على أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات ، عملا بقاعدة عدم اعتبار الشكّ بعد السلام ـ الجارية بالنسبة إلى كلتا الصلاتين ،

(1) العروة الوثقى 1: 699; المسألة التاسعة والعشرون .

(الصفحة94)

ولا تدافع بينهما بعد احتمال أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات ـ ، وكذا إذا علم أنه صلّى العشائين سبع ركعات ، وشكّ بعد السلام في أنه صلّى المغرب ثلاثة والعشاء أربعة ، أو نقص من إحداهما وزاد في الاُخرى ، فيبني على صحّتهما(1) .
التاسعة:
إذا صلّى الظهرين وعلم بعد السلام بنقصان إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان العلم بعد الإتيان بالمنافي مطلقاً عمداً وسهواً أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة للعلم ببطلان إحدى الصلاتين وصحة الاُخرى ، فيأتي بواحدة مردّدة بينهما ويحصل به العلم ببراءة الذمّة عن التكليف ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة ، لاحتمال كونها هي الناقصة ، ثمّ سجد للسهو لأجل التسليم في غير المحلّ ثمّ أعاد الصلاة الاُولى ، لعدم العلم بتحقّق الفراغ عنها ، لاحتمال كونها ناقصة ، والترتيب المعتبر بين الصلاتين يحصل بذلك كما هو غير خفيّ .
وقال في العروة : إنّ الأحوط أن لا ينوي الاُولى ، بل يصلّي أربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامّة محسوبة ظهراً(2) .
أقول : منشأ هذا الاحتمال هي صحيحة زرارة الواردة في العدول الدالّة على العدول من العصر إلى الظهر ولو بعد الفراغ من العصر(3) ، وحيث أنّ هذا الحكم الذي تشتمل عليه الصحيحة غير مفتى به لأحد من الأصحاب ، فلا يبقى مجال لهذا الاحتمال ، وحينئذ فيأتي بأربع ركعات بقصد الصلاة الاُولى .
ثمّ إنّه قد يقال ، فيما لو كان العلم الإجمالي قبل الإتيان بالمنافي: بأنه يحصل الفراغ عن عهدة التكليفين بالإتيان باربع ركعات مردّدة بين الصلاتين . ولا

(1) العروة الوثقى 1: 698 ، المسألة السابعة والعشرون .
(2) العروة الوثقى 1: 697 ، المسألة الرابعة والعشرون .
(3) الكافي 3: 291 ح1; التهذيب 3: 158 ح340; الوسائل 4: 290  . أبواب المواقيت ب63 ح1 .

(الصفحة95)

موجب لاضافة ركعة موصولة ثمّ إعادة خصوص الصلاة الاُولى ، وذلك لأنه بهذا النحو يتحقّق العلم بالفراغ عنهما بعد كون المعلوم بالاجمال هو نقصان إحدى الصلاتين .
ولكن الظاهر ما ذكرنا ، فإنّ مرجع العلم الإجمالي بنقصان إحداهما إلى العلم الاجمالى بثبوت واحد من التكليفين ، لزوم إعادة الصلاة الاُولى ، وعلى تقدير كونها هي الناقصة ، ولزوم إضافة ركعة موصولة إلى صلاة العصر على تقدير كونها كذلك ، ومقتضى هذا العلم لزوم مراعات كلا التكليفين من باب الإحتياط .
وقد يقال أيضاً: بأنّه يكفي في مثل هذا الفرض الإتيان بالنقيصة المحتملة ركعة كانت أو أزيد ، بنية مردّدة بين الصلاتين  ، ولا ملزم لإعادة الاُولى أو الإتيان بصلاة تامة مردّدة بين الصلاتين .
ولكن هذا القول مبنيّ على جواز اقحام صلاة في صلاة ، ونحن لا نقول به .
فانقدح من جميع ذلك أنّ الأظهر بل الظاهر ما ذكرنا من أنه لو كان العلم بالنقص قبل الإتيان بالمنافي يجب الإتيان بالنقص المحتمل ثمّ إعادة الاُولى .
والفرق بينه وبين المسألة الرابعة المتقدّمة ـ وهي ما لوكان العلم بالنقص قبل أن يسلّم للعصر ، حيث اخترنا فيها إعمال القاعدتين : قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الظهر ، والبناء على الأكثر بالنسبة إلى العصر ـ واضح ، فإنّك قد عرفت هناك أنّه لا يلزم من إعمال القاعدتين مخالفة عملية للعلم الإجمالي ، فلا مانع من جريانهما ، وأمّا في المقام ، فإجراء فردين من قاعدة الفراغ بالنسبة إلى كلتا الصلاتين يستلزم المخالفة العملية للعلم الإجمالي ، فلا يجري شيء منهما ، بل اللازم مراعات العلم الإجمالي بلزوم إعادة خصوص الظهر أو إضافة ركعة موصولة إلى العصر كما عرفت .
هذا كلّه فيما لوعلم بنقصان إحدى الصلاتين وصحة الاُخرى ، وأمّا لو احتمل

(الصفحة96)

نقصان الاُخرى أيضاً فالحكم أيضاً كذلك ، لأنه تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليها وإن كانت غير معينة ، لأنه لامانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى أحدهما لا على التعيين ، كما هو الشأن في غيرها من القواعد والاُصول .
ألا ترى أنه لو علم إجمالا بكون عامّ مخصّص بالنسبة إلى بعض افراده وشكّ في تخصيصه بالنسبة إلى بعض آخر ، وكان البعض الخارج بالتخصيص مشتبهاً مع البعض الذي شكّ في تخصيص العام بالنسبة إليه ، فإنّه لا إشكال في جريان أصالة العموم بالنسبة إلى الفرد المشكوك وإن كان غير معيّن فتدبّر .
العاشرة:
إذا صلّى المغرب والعشاء ثمّ علم بعد السلام من العشاء أنه نقص من إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي عمداً وسهواً وجب عليه إعادتهما ، وإن كان قبل ذلك ، قام فأضاف إلى العشاء ركعة ثمّ يسجد سجدتي السهو ثمّ يعيد المغرب(1) ، لما ذكر في المسألة السابقة ، ويجري في هذه المسألة جميع ما ذكر هناك .
والفرق بينهما إنّما هو في خصوص ما لو كان العلم بعد الإتيان بشي من المنافيات ، فإنك عرفت في المسألة السابقة أنه لا يجب في هذه الصورة إلاّ الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، ظهراً كان أو عصراً ، وهنا تجب إعادة العشائين ، والفرق إنّما هو كون الظهرين متجانسين ، والعشائين متخالفين ، كما هو واضح .
الحادية عشر:
وهذه المسألة هي التي تتعلّق بالعمل الإجمالي المتعلّق بأصل الصلاة ، لأنّك عرفت أنّ المسائل الختامية المذكورة في العروة بين ما كان من فروع العلم الإجمالي وما كان من مسائل الشكّ والسهو ، كما أنّ ما يتعلّق بالعلم الإجمالي بين ما كان العلم الإجمالي متعلقاً بأصل الصلاة ، وهي مسألة واحدة من تلك المسائل ، وبين ماكان

(1) العروة الوثقى 1: 697 ، المسألة الخامسة والعشرون .

(الصفحة97)

العلم الإجمالي متعلقاً بركعاتها ، وهي عشر من تلك المسائل وبين ما كان متعلقاً بأفعالها ، وهي خمس عشرة منها .
ومنه يظهر أنّ مسائل الشكّ والسهو ترتقي إلى ثلاثين .
وكيف كان ، فالمسألة الواحدة المتعلّقة بالعلم الإجمالي المتعلّق بأصل الصلاة هي ما لو شكّ في أنه صلّى المغرب والعشاء أم لا ، قبل أن ينتصف الليل ، والمفروض أنه عالم بأنه لم يصلّ في ذلك اليوم إلاّ ثلاث صلوات من دون العلم بتعيينها .
فيحتمل أن تكون الصلاتان الباقيتان المغرب والعشاء ، ويحتمل أن يكون آتياً بهما ونسي اثنتين من صلوات النهار ، فاللازم عليه بملاحظة الأصول والقواعد الإتيان بالمغرب والعشاء فقط ، لانّ الشكّ بالنسبة إليهما شكّ في الوقت(1) ، ومقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الإتيان بهما ، وأمّا صلوات النهار فالشكّ بالنسبة إليها شكّ بعد الوقت ولا اعتبار به .
وهذا لا فرق فيه بين أن نقول بكون الشكّ بعد الوقت من جزئيّات قاعدة واحدة جامعة له ، وللشكّ بعد التجاوز ، والشكّ بعد الفراغ ـ كما ربّما يستفاد من الشيخ(قدس سره) في رسالة الاستصحاب(2) ، حيث أورد الروايات الواردة في الشكّ بعد الوقت في ضمن الروايات الدالّة على عدم الإعتناء بالشكّ بعد التجاوز أو الفراغ ـ أم لم نقل بذلك ، كما هو الظاهر على ماعرفت سابقاً .
الثانية عشر:
إذا صلّى الظهر والعصر ثمّ علم إجمالا بأنّه شكّ في إحداهما بين الإثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ، ولا يدري أنّ الشكّ المذكور في أيّهما كان؟ قال في

(1) العروة الوثقى 1: 708 ، المسألة الثالثة والخمسون .
(2) فرائد الأصول: 410 .

(الصفحة98)

العروة : يحتاط بإتيان صلاة الإحتياط وإعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة(1) .
أقول : الظاهر أنه يحتاط باتيان صلاة الإحتياط وإعادة خصوص صلاة الظهر ، للعلم الإجمالي بأنّ الشكّ إما وقع في صلاة العصر ، فيجب عليه جبر النقص المحتمل فيها بصلاة الإحتياط ، وإمّا وقع في صلاة الظهر فتجب إعادتها في المقام لعدم جبر نقيصتها المحتملة بسبب الفصل الموجب لبطلانها .
ومنه يظهر أنّ صلاة الإحتياط إنّما يؤتى بها بعنوان جبر النقص المحتمل في صلاة العصر ، وأمّا ماذكره من إعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة فهو مبنيّ على جواز العدول من العصر إلى الظهر ولو بعد الفراغ منها ، وقد عرفت أنه ممّا لا قائل به ، وإن كان مستنده صحيحة زرارة الطويلة الواردة في مسائل العدول كما عرفت(2) .
ثمّ إنّه قد يتوهم أنّ الإحتياط لا يتحقّق بما ذكرنا ، لعدم إحراز الترتيب المعتبر في صلاة العصر حال الإتيان بصلاة الإحتياط ، ولكنّه مندفع بأنّ صلاة الإحتياط على تقدير الاحتياج إليها واجدة للترتيب ، لأنّه على هذا التقدير تكون صلاة الظهر تامّة ، وعلى تقدير عدم الاحتياج إليها لا معنى لإحراز ترتيب حالها كما لا يخفى .
الثالثة عشر:
إذا صلّى الظهرين وعلم بعد التسليم من العصر أنّه صلاّهما تسع ركعات ، ولا يدري أنّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر؟ فمقتضى العلم الإجمالي بالزيادة المبطلة في إحداهما لا على التعيين لزوم إعادة كلتا الصلاتين ، لكن حيث تكونان متجانستين ، فلا يجب عليه إلاّ الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، للعلم

(1) العروة الوثقى 1: 709 ، المسألة الرابعة والخمسون .
(2) الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب63 ح1 .

(الصفحة99)

بوقوع إحداهما صحيحة ، وهذا ممّا لا اشكال فيه .
وأمّا لو كان قبل السلام من العصر ، فبالنسبة إلى الظهر يكون الشكّ من مصاديق الشكّ بعد السلام الذي هو مجرى قاعدة الفراغ ، وبالنسبة إلى العصر يكون من الشكّ بين الأربع والخمس ، فمع قطع النظر عن العلم الإجمالي وكون الاحتمالين طرفين له ، لا مانع من إعمال القاعدتين ، وأمّا مع ملاحظته ففي المسألة وجوه ثلاثة :
أحدها : ما اختاره سيّد الأساطين في العروة ، من أنه لا يمكن إعمال الحكمين ، لكن لو كان بعد إكمال السجدتين عدل إلى الظهر ، وأتمّ الصلاة وسجد للسهو يحصل له اليقين بظهر صحيحة ، إمّا الاُولى أو الثانية(1) ، وتبعه في ذلك بعض الأعاظم من المعاصرين مصرّحاً بأنّه لا فرق فيما ذكرنا من العلم بصحّة الظهر إجمالا بعد العدول من العصر إليها ، بين أن يكون بعد إكمال السجدتين أو قبله ، بل ذكر أنه يصحّ لو كان في حال القيام أيضاً(2) .
ثانيها : ما حكي عن المحقّق العراقي(قدس سره) في الحاشية(3) على العروة ، من انحلال العلم الإجمالي بوقوع الزيادة المبطلة في إحداهما إلى العلم التفصيلي ببطلان العصر ، إما من جهة اشتمالها على الزيادة المبطلة ، وإمّا من جهة بطلان الظهر المترتّب عليه بطلان العصر ، مع عدم العدول وعدم تحقّق الفراغ منها ـ كما هو المفروض ـ والشكّ البدوي بالنسبة إلى صلاة الظهر ، فتجري فيها قاعدة الفراغ ولا يجب إلاّ إعادة خصوص صلاة العصر والإتيان بأربع ركعات بعنوانها .
ثالثها: القول بإعمال القاعدتين لعدم التدافع بينهما ، كما اخترناه فيما لو علم

(1) العروة الوثقى 1: 700 المسألة الثلاثون .
(2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 432 .
(3) تعليقة المحقّق العراقي على العروة الوثقى: 145 .

(الصفحة100)

بالنقص في إحدى الصلاتين نظراً إلى أن العلم الإجمالي بتحقّق زيادة في إحدى الصلاتين لا يستلزم العلم الإجمالي ببطلانها ، لأنّ الزيادة إن كانت واقعة في صلاة الظهر فلا توجب بطلانها لأجل قاعدة الفراغ الجارية بالنسبة إلى الظهر ، لكون الشكّ حادثاً بعد الفراغ عنها ، وإن كانت متحقّقة في صلاة العصر ، فلا توجب أيضاً بطلانها ، نظراً إلى أدلّة الشكّ بين الأربع والخمس .
وهذا لا فرق فيه بين أن نقول بكون سجدتي السهو الواجبتين في الشكّ بين الأربع والخمس إنّما هما عقوبتان للسهو والذهول عن ركعات الصلاة ، وأنّ احتمال الزيادة مندفع بالأصل كما نفينا عنه البعد فيما سبق ، أو نقول بكون السجدتين جابرتين للزيادة المحتملة وإن كان عدم البطلان بناءً على الاحتمال الثاني أوضح .
وذلك لأنّه لا يكون حينئذ فرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ، وهي ما لو علم قبل السلام بنقصان إحدى الصلاتين ، لأنّه كما يكون النقص المحتمل مجبوراً هناك بصلاة الإحتياط ، كذلك الزيادة المحتملة هنا مجبورة بالسجدتين .
ثمّ إنّه بناءً على هذا الوجه يختصّ إعمال القاعدتين بما إذا كان العلم عارضاً بعد إكمال السجدتين ، وذلك لأنّ مورد أدلّة الشكّ بين الأربع والخمس على ما عرفت سابقاً إنّما هو خصوص هذه الصورة .
هذا ، ويرد على هذا الوجه الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ، وذلك لأنّ المصلّي هناك ، وإن كان يحصل له العلم الإجمالي بالنقص في إحدى الصلاتين إذا بنى على الأربع وسلّم; إلاّ أنّ النقص على تقدير وقوعه في صلاة العصر كان منجبراً بصلاة الإحتياط ، ولم يكن قادحاً في صحة الصلاة أصلا ، وهنا كان العلم الإجمالي بالزيادة المبطلة في إحدى الصلاتين حاصلا له قبل أن يسلّم .
ومقتضى هذا العلم الإجمالي مع ملاحظة اعتبار الترتيب في الصلاة اللاحقة وإن كان هو العلم التفصيلي ببطلانها ، إمّا لوقوع الزيادة المبطلة فيها ـ ودعوى كون

<<التالي الفهرس السابق>>