في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة121)




المطلب الخامس :




في


قضاء الصلوات


(الصفحة122)






(الصفحة123)







قضاء الصلوات


قد اتّفقت الآراء بين فقهاء العامّة والخاصّة على وجوب القضاء في الجملة ، وروى ذلك عن الجمهور بطرقهم عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)(1) ، والخاصّة أيضاً عنه (صلى الله عليه وآله) وعن العترة الطاهرة(عليهم السلام) التي يكون قولهم من الحجج والأدلّة عند الخاصة ، فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه ، إنّما الكلام في خصوصية الصلاة التي يجب قضاؤها مع الفوت ، وكذا في خصوصية الفوت الذي يوجب القضاء ، فنقول:
من فاتته الصلاة ولم يتحقّق منه عمل كان مصداقاً لهذا العنوان ولا يخلو إمّا أن يكون مسلماً وإمّا أن يكون كافراً ، والكافر قد يكون كفره أصليّاً وقد يكون مرتدّاً ، والمرتدّ إمّا أن يكون فطريّاً وإمّا أن يكون ملّياً . وعلى التقديرين إمّا أن يكون رجلا وإمّا أن يكون امرأة .
والمسلم الذي فاتته الصلاة إمّا أن يكون إماميّاً وإمّا أن لا يكون كذلك .
وغير الإماميّ إمّا أن يكون محكوماً بالكفر كالنواصب والغلاة وغيرهما من

(1) صحيح البخاري1: 166 ب37 ح597; سنن النسائي 1: 331 ـ 333 ب52 ـ 54; صحيح مسلم5: 149 ب55.

(الصفحة124)

المنتحلين للإسلام ، وإمّا أن لا يكون كذلك . والإماميّ الذي فاتته الصلاة تارة لم يكن مكلّفاً بالصلاة في وقت الفوت ، كما إذا كان في وقت الفوت صغيراً ، أو مجنوناً أو حائضاً ، أو نفساء ، أو مغمى عليه ، أو غافلا ، أو كان فاقداً للطهورين ، وأُخرى كان مكلّفاً بها ، غاية الأمر أنه تركها متعمّداً في ذلك .
إذا عرفت هذه الصور فنقول:
لا خلاف بين المسلمين قاطبة في أنّ الكافر بالكفر الأصلي بعدما أسلم لايجب عليه القضاء ، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله(1) ، وإن وقع الاختلاف بينهم في تكليف الكفّار بالفروع كالاُصول على قولين:
1 ـ عدم كونهم مكلّفين بها كما اختاره أبو حنيفة وجماعة(2) .
2 ـ كونهم مكلّفين بالفروع كالاُصول ، واختاره أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين(3) .
ولكن لا خلاف بينهم في عدم وجوب القضاء بعد ما أسلم(4) .
والمناقشة في تكليفهم بجميع الفروع التي منها العبادات التي يعتبر في صحّتها الإسلام ضرورة، فهي في حال الكفر غير مقدورة ، فكيف يمكن تعلّق التكليف بها .
مندفعة بمنع عدم القدرة بعد كونه متمكّناً من شرط الصحّة الذي هو الإسلام ، ضرورة أنه قادر على أن يسلم ثمّ يصلّي ويصوم مثلا .
نعم ، هنا إشكال مشهور في خصوص التكليف بصلاة القضاء ، وتقريره أنّ

(1) المعتبر 2: 403; روض الجنان: 355; مدارك الأحكام 4: 289; الحدائق 11: 2; رياض المسائل 4: 71; مستند الشيعة 7: 269; جواهر الكلام 13: 6 ، مسند أحمد 4: 199 و 204 و 205; جامع الصغير 1 : 474 ، ح3064; عوالي اللآلي 2: 54 ح145; تذكرة الفقهاء 2: 349; كشف اللثام 4 : 437 .
(2) المستصفى 1 : 128 .
(3) نهج الحق: 383 ـ 384 .
(4) الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 488  .

(الصفحة125)

الكافر بعد ما أسلم لا يكون مكلّفاً بالقضاء على ماهو المفروض ، من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، وما دام كونه باقياً على الكفر لا يكون قادراً على متعلّق التكليف ، لاشتراط الإسلام في متعلقه والقدرة عليه شرط في صحة التكليف ، ولذا التزم صاحب المدارك(1) على ماحكي عنه بعدم كونه مكلّفاً بالقضاء من بين الفروع وإن كان مكلّفاً بغيره من التكاليف .
ويمكن أن يقال في تصوير ذلك: إنّ القضاء ليس طبيعة مغايرة لطبيعة الأداء بحيث كانت صلاتا القضاء والاداء ماهيّتين متغايرتين ، بل صلاة القضاء كالاداء هي نفس طبيعة الصلاة; غاية الأمر تعلّق الأمر بطبيعة الصلاة ، وأمر آخر بالإتيان بها في الوقت .
واحتياج القضاء إلى دليل جديد ، وعدم كفاية الدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الوقت في وجوبه لا ينافي ما ذكرنا ، من عدم كون القضاء مغايراً للأداء ، وأنّ الأمر تعلّق بنفس الطبيعة ، ضرورة أنّ ذلك إنّما هو في مقام الاثبات ، بمعنى أنه لو لم يكن دليل على وجوب القضاء لما أمكن استفادة ذلك من نفس الدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الوقت بعدما كان ظاهراً في إيجاب واحد متعلّق بالمقيّد .
ضرورة أنّ مثل قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}(2) ظاهر في أنّ الواجب أمر واحد مقيّد ، غاية الأمر إنّه بعد قيام الدليل على وجوب القضاء يستكشف أنّ الأمر لم يتعلّق بالطبيعة المقيّدة ، بل هنا أمران تعلّق أحدهما بنفس الطبيعة ، والآخر بالإتيان بها في الوقت .
إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الكافر بعدما ترك الصلاة في الوقت يسقط عنه الأمر الثاني المتعلّق بالإتيان بها في الوقت ، لعدم تمكّنه حينئذ من امتثاله ، وأمّا الأمر

(1) مدارك الأحكام 4: 289 .
(2) الاسراء: 78 .

(الصفحة126)

الأول المتعلّق بنفس الطبيعة فهو بعد باق مادام كونه باقياً على الكفر ، وإذا أسلم يسقط عنه ، لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يكن يأمر من أسلم بعد الكفر بقضاء ما فاته في حاله من الصلاة والصيام وغيرهما .
وأمّا قوله(صلى الله عليه وآله): «الإسلام يجبّ ما قبله» فهو لايدلّ على سقوط هذا الأمر ، لأنّ مقتضاه كون الجبّ متعلقاً بما قبل الإسلام وبما فات منه في حال الكفر ، والمأمور به بهذا الأمر لم يكن فائتاً عن الكافر لبقاء القدرة على امتثاله بعد خروج الوقت ، سواء أسلم أم لم يسلم .
هذا ، ولكنّ التحقيق في المقام ما اختاره صاحب المدارك من عدم كون الكافر مكلّفاً بالقضاء وإن كان مكلّفاً بغيره من التكاليف .
وذكر بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب الصلاة في مقام تصوير توجّه التكليف بالقضاء إلى الكافر ما ملّخصه: إنّ الكافر في الوقت مكلّف بالإتيان بالصلاة أداءً ومكلّف أيضاً بالإتيان بها في الخارج على تقدير تركها في الوقت ، والتكليف الأول مطلق ، والثاني مشروط بترك العمل في الوقت ، والإسلام في الوقت كما أنه مقدّمة لصحّة العمل الواجب عليه أداءً لكونه شرطاً لها ، فيجب عليه تحصيله كذلك مقدّمة للعمل الواجب عليه خارج الوقت مشروطاً بالترك في الوقت .
لأنّه لو لم يسلم في الوقت وبقي على كفره لم يصحّ منه ، وإن أسلم يخرج عن موضوع التكليف ، فالاسلام في الوقت مقدّمة لصحّة العمل القضائي ، فيجب عليه تحصيله ، لما قلنا في محلّه من أنّ الواجب المشروط لو ترك مستنداً إلى ترك غير ما علّق عليه الطلب تصحّ المؤاخذة عليه ، ولا يلزم من ذلك ثبوت المؤاخذة عليه ، وإن أسلم خارج الوقت ، نظراً إلى عدم إسلامه في الوقت حتّى يتمكّن من القضاء ، وذلك لأنّ الإسلام خارج الوقت بمنزلة الصلاة في الوقت ، والتكليف بالقضاء

(الصفحة127)

مشروط بتركهما معاً ، فهو في الوقت مكلّف بأحد الأمرين: إمّا الصلاة في الوقت ، وإمّا الإسلام خارجه ، فلا يلزم ما ذكر(1) . انتهى ملخصاً  .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ ذلك مجرّد تصوير عقليّ لا يساعده شيء من الأدلّة النقلية الواردة في القضاء كما هو غير خفيّ ـ أنّ الإسلام في الوقت وإن كان مقدّمة لصحّة العمل الواجب عليه إداءً ، إلاّ أن دعوى مقدميته لصحة العمل القضائي ممنوعة جداً ، ضرورة اشتراط صحة الصلاة أداءً كانت أو قضاءً بالإسلام حال الإتيان بها ، لوضوح أنه لو أسلم في الوقت ثمّ ارتدّ عن الإسلام في خارجه لم يصحّ منه العمل القضائي بداهة .
فالشرط في صحة العمل هو الإسلام حال الاشتغال به ، وأمّا الإسلام في الوقت فلا وجه لأن يكون شرطاً للعمل الذي يكون ظرف الإتيان به خارج الوقت ، فقياس القضاء بالاداء من هذه الجهة باطل جدّاً .
نعم ، لو أسلم في الوقت دون خارجه يتوجّه إليه التكليف بالقضاء ، لكنّه شرط في توجّهه إليه لا في إمكان تحقق العمل منه ، ومجرّد خروجه عن موضوع التكليف مع الإسلام خارج الوقت لا يوجب أن يكون الإسلام في الوقت مقدّمة لصحّة نفس العمل كما هو واضح ، فالإنصاف أنّ هذا الجواب غير تامّ ، هذا كلّه في الكافر بالكفر الأصلي .
وأمّا المرتدّ الذي رجع عن ارتداده ، فالظاهر كما هو المشهور(2) ـ على ما ادعي وهو غير بعيد ـ إنّه يجب عليه قضاء مافاته في حال ارتداده ، سواء كان ملّياً أو فطريّاً ، بناءً على قبول توبته واقعاً ، وسواء كان رجلا أو امرأة ، وذلك لعدم

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 557 ـ 558 .
(2) شرائع الإسلام 1 : 110; المنتهى 1: 421; مدارك الأحكام 4: 292; كشف اللثام 4: 437; مفتاح الكرامة 3: 381; جواهر الكلام 13: 13 ـ 14 .

(الصفحة128)

الدليل على سقوط القضاء عنه بعد شمول أدلّة وجوبه له ، وعدم كون معاملة النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع من أسلم من الكفّار وعدم أمره لهم بالقضاء شاملة للمرتدّ ، كما أنّ الظاهر انصراف قوله(صلى الله عليه وآله): «الإسلام يجبّ ما قبله» عن اسلام المرتدّ .
وأمّا النواصب والغلاة وغيرهما من المنتحلين للإسلام المحكومين بالكفر ، فالظاهر أنّ حكمهم حكم غيرهم من العامّة المحكومين بالاسلام وسيجي .
وأمّا المخالف إذا استبصر ، فالظاهر أنه أيضاً لا يقضي ما أخلّ بها في حال المخالفة بشرط الإتيان بها موافقة لمذهبه ، ولا فرق في ذلك بين الصلاة وغيرها من العبادات ، نعم ، قد اختصّت الزكاة من بينها بلزوم أدائها ثانياً ، لكونها حقّاً ماليّاً لأصناف خاصّة مع صفات خاصّة ، قد وضعها المخالف في غير موضعها ، ويدلّ على ذلك الروايات الكثيرة المستفيضة(1) .
وأمّا الحائض والنفساء فسقوط القضاء عنهما قطعيّ ، ولم يخالف فيه أحد من المسلمين(2) ، ويدلّ عليه أيضاً أخبار كثيرة(3) ، كما أنّ عدم سقوطه عن النائم في جميع الوقت والساهي عن الصلاة كذلك محلّ اتّفاق بين المسلمين(4) ورواه الجمهور بطرقهم عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)(5) ، بل لا يكون وجوب القضاء متّفقاً عليه بينهم إلاّ بالنسبة إليهما ، لأنّهم اختلفوا في العامد والمغمى عليه(6) .


(1) الوسائل 9: 216 . أبواب المستحقين للزكاة ب3  .
(2) شرائع الإسلام 1: 110; تذكرة الفقهاء 1: 262; مدارك الأحكام 4: 288; مستند الشيعة 7: 268 وج2 : 461; جواهر الكلام 13: 6; الفقه على المذاهب الأربعة 1: 488 .
(3) الوسائل 2: 345 ـ 346  . أبواب الحيض ب40 و41 ، صحيح البخاري 1: 95 ب21 ، سنن البيهقي 1: 308 .
(4) شرائع الإسلام1: 110; تذكرة الفقهاء2:349 مسألة55;مستندالشيعة7:90 و275; جواهرالكلام13: 11 ـ 12.
(5) صحيح البخاري1: 166 ب37 ح597; سنن ابن ماجة1: 227 ب10; سنن النسائي1: 331 ـ 332 ب52 و 53.
(6) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 491; بداية المجتهد 1 : 185  .

(الصفحة129)

والسرّ فيه عدم ثبوت رواية عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فيهما ، وقد تشبّث من قال منهم بوجوب القضاء فيهما بالقياس ونحوه .
هذا ، ولكن ثبوت الوجوب بالنسبة إلى العامد عند أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين ممّا لاخلاف فيه ولا اشكال(1) .
وأمّا الإغماء المستوعب الموجب لفوات الصلاة ، فمقتضى الأخبار الكثيرة المروية عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين عدم وجوب القضاء عليه(2) ، لكن في مقابلها روايات اُخر تدلّ بعضها على وجوب القضاء مطلقاً .
مثل مارواه ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «كلّ شيء تركته من صلاتك لمرض اُغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت»(3) .
وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يغمى عليه ثمّ يفيق؟ قال: «يقضي ما فاته ، يؤذّن في الاُولى ويقيم في البقيّة»(4) .
ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المغمى عليه قال: «يقضي كلّ ما فاته»(5) .
وما رواه رفاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن المغمى عليه شهراً ما يقضي من الصلاة؟ قال: «يقضيها كلّها ، إنّ أمر الصلاة شديد»(6)  .


(1) شرائع الإسلام 1: 110; مدارك الاحكام 3: 91; جواهر الكلام 13: 11; مستند الشيعة 7: 267; مفتاح الكرامة 3: 382; كشف اللثام 4: 437 .
(2) الوسائل 8 : 258 . أبواب قضاء الصلوات ب3  .
(3) التهذيب 4 : 244 ح721 وج3 : 304 ح935; الإسبتصار 1: 459 ح1782; الوسائل 8: 264 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح1  .
(4) و (5) التهذيب 3 : 304 ـ 305 ح936 و 937 وج4 : 244 ح722; الاستبصار 1: 459 ح1783 و1784; الوسائل 8 : 265  . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح2 و 3  .
(6) التهذيب 3: 305 ح938 وج4 : 244 ح719; الاستبصار 1 : 459 ح1785; الوسائل 8 : 265 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح4  .

(الصفحة130)

وبعضها على التفصيل بين إغماء ثلاثة أيّام أو أكثر ، مثل مضمرة سماعة قال: سألته عن المريض يغمى عليه؟ قال: «إذا جاز عليه ثلاثة أيّام فليس قضاء وإذا اُغمي عليه ثلاثة أيّام فعليه قضاء الصلاة فيهنّ»(1)  .
وبعض تلك الروايات يدلّ على وجوب قضاء يوم واحد ، مثل رواية حفص عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن المغمى عليه؟ فقال: «يقضي صلاة يوم»(2) .
وبعضها على وجوب قضاء ثلاثة أيّام وإن جاز إغماؤه عنها ، مثل رواية أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): رجل أُغمي عليه شهراً يقضي شيئاً من صلاته؟ قال: «يقضي منها ثلاثة أيّام»(3)  .
هذا ، ولكن هذه الروايات محمولة على مراتب الاستحباب ، لصراحة الطائفة الأولى في نفي الوجوب وعدم كونها خبراً واحداً ، مضافاً إلى وجود الاختلاف بين الطائفة الثانية ، فلابدّ معه من الحمل على مراتب الاستحباب ، ولو لم يكن في مقابلها شيء كما لايخفى .
نعم ، الظاهر أنّ المراد بما يدلّ على قضاء يوم واحد هو قضاء اليوم الذي أفاق فيه ، كما صرح به في بعض الروايات ، وعليه فالمراد من القضاء ليس ما يقابل الأداء ، بل مجرّد الإتيان بالصلاة ، وحينئذ فيسقط عن المعارضة للطائفة الاُولى .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من الإغماء الموجب لسقوط القضاء هوالإغماء العارض

(1) التهذيب 3: 303 ح929  ، وج4 : 244 ح720; الإستبصار 1: 458 ح1776; الوسائل 8 : 265 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح5  .
(2) التهذيب 3: 303 ح930; الإستبصار 1: 458 ح1777; الوسائل 8 : 267 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح14  .
(3) التهذيب 4 : 244 ح723; الوسائل 8 : 266 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح11  .

(الصفحة131)

للمكلّف  ، من دون أن يكون مستنداً إلى إرادته واختياره أصلا ، كما إذا كان بآفة سماوية ، لأنّه الذي يجري فيه قطعاً التعليل الوارد في جملة من أخبار الإغماء ، وهو قوله(عليه السلام): «كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر»(1) .
وكيف كان ، فهذا ممّا لاإشكال فيه ، كما أنه لا إشكال ظاهراً في عدم القضاء فيما إذا أوجد سببه إختياراً مع الالتفاف إلى سببيته وعدم الاضطرار إلى إيجاده ، ووجه عدم الإشكال وضوح عدم جريان ذلك التعليل في هذا المورد .
إنّما الإشكال فيما إذا حصل لا من فعله بل بفعل غيره ، أو حصل بفعله لكن كان مضطرّاً إلى ايجاده لأجل المرض ، سواء كان مع التوجّه والإلتفات إلى سببيته للإغماء أو مع عدم التوجّه إليها ، أو لم يكن مضطرّاً إلى ايجاده ولم يكن ملتفتاً إلى تأثيره أيضاً .
ومنشأ الإشكال الشكّ في جريان التعليل ، ومعه يشكل رفع اليد عن عمومات أدلّة ثبوت القضاء ، خصوصاً إذا كان من فعله ، سيّما إذا كان مع التوجّه والالتفات إلى السببية وأنه يوجب الإغماء  ، فالأحوط لو لم يكن أقوى ثبوت القضاء وعدم سقوطه في هذه الصورة فتدبر ، هذا في المغمى عليه .
وأمّا السكران ، فالظاهر وجوب القضاء عليه ، سواء كان مع العلم أو الجهل ، وسواء كان مع الاختيار على وجه العصيان ، أو للضرورة ، أو الإكراه ، وأمّا فاقد الطهورين فوجوب القضاء عليه محلّ إشكال(2)  ، لعدم كونه مكلّفاً بالأداء حتّى يصدق بالنسبة إليه عنوان الفوت الذي قد أخذ في موضوع وجوب القضاء ، لكن الأحوط الوجوب .


(1) الوسائل 8 : 259 ـ 260  . أبواب قضاء الصلوات ب3 ح3  ، 7  ، 8  ، 13  .
(2) المقنعة : 60; المبسوط 1: 31; الوسيلة : 71; السرائر 1: 139; المعتبر 2: 405; شرائع الإسلام 1: 110; المنتهى 1: 143; البيان : 86 ; نهاية الأحكام 1: 201; الروضة البهيّة 1: 350 .

(الصفحة132)


الترتيب بين الفائتة والحاضرة

لا خفاء في عدم اشتراط الترتيب بين الصلوات الواقعة في أوقاتها ، بحيث كان الإتيان بالسابقة من شرائط تحقق اللاحقة ، ومجرّد تأخّر بعضها عن بعض ، تبعاً للزمان الذي هو من الموجودات التدريجيّة المتأخّرة بعض قطعاتها عن بعض بالذات ، ويكون كلّ قطعة منها وقتاً لصلاة خاصّة لا يوجب اشتراط ماهو المشروط منها بالزمان اللاحق ، بوقوع السابقة في زمانها السابق على الزمان اللاحق ذاتاً .
نعم ، قد دلّ الدليل على اشتراط وقوع الظهر والإتيان بها في صحة العصر ، وكذا المغرب بالنسبة إلى العشاء(1) ، وأمّا في غيرهما كاشتراط الإتيان بالصبح في صحة الظهرين ، أو الإتيان بهما في صحة العشائين ، فهو ممّا لم يقم عليه دليل أصلا ، بل لا خلاف في عدمه .
وكيف كان فقد وقع الخلاف في اعتبار الترتيب بين الفوائت المتعدّدة بعضها مع بعض ، وكذا في اعتبار الترتيب بين الفائتة والحاضرة .
ولنقدّم البحث في المسألة التي وقعت معنونة في كلام كثير من الفقهاء بعنوان المضايقة والمواسعة ، وصنّفوا فيها رسائل مستقلّة ، إمّا لكونها معركة عظيمة ـ على ما قال الشهيد والعلامة(2) ـ وإمّا لكونها مورداً لابتلاء العامّة ، وعلى أيّ حال ففي المسألة أقوال كثيرة وآراء متشتّتة ، ونحن نقتصر على أصولها ، فنقول:
الأول: القول بالمضايقة المطلقة ، وقد حكي هذا القول عن ظاهر كلام القديمين

(1) الوسائل 4 : 125 . أبواب المواقيت ب4 و ص183 ب17  .
(2) مختلف الشيعة 3 : 8 ; غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1 : 98  .

(الصفحة133)

والشيخين والسيّدين والقاضي والحلبي والحلّي ، وعن المعتبر نسبته إلى الديلمي ، وهذا هو المشهور بين القدماء كما حكي عن غير واحد(1) .
الثاني: المواسعة المطلقة المحضة ، حكي ذلك عن عبيدالله بن عليّ الحلبي في أصله الذي ذكر أنه عرضه على الصادق(عليه السلام) واستحسنه ، وعن الحسين بن سعيد ، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ، والصدوقين ، والجعفي صاحب الفاخر ، والشيخ أبي عبدالله الحسين بن أبي عبدالله المعروف بالواسطي الذي كان من مشايخ الكراجكي والمعاصر للمفيد ، وإليه ذهب عليّ بن موسى رضي الدين ابن طاووس ، وحكاه عن بعض من تقدّم كالحلبي والواسطي ، وجمع آخر وكثير من المتأخّرين(2) .
الثالث: القول بالتضييق مع وحدة الفائتة ، وبخلافه مع تعددها ، ذهب إليه المحقّق في كتبه وتبعه صاحب المدارك ، وقوّاه الشهيد في بعض كتبه ، وحكي عن بعض آخر(3) .
الرابع: التفصيل بين فائتة اليوم ، متعدّدة كانت أو واحدة ، وبين غيرها بالمضايقة في الاُولى ، والمواسعة في الثانية ، وهو المحكيّ عن مختلف العلاّمة(قدس سره)(4) .
الخامس: القول بالمواسعة إذا فاتت عمداً وبالمضايقة إذا فاتت نسياناً ، حكي

(1) المقنعة: 211; المبسوط 1: 127; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 38; الغنية: 98 ـ 99; المهذّب 1: 126; الكافي في الفقه: 150; السرائر 1: 274; المراسم: 90; وحكاه عن العمّاني وابن الجنيد في مختلف الشيعة 3 : 4 ; مدارك الأحكام 4: 298; جواهر الكلام 13: 38 .
(2) مفتاح الكرامة 3: 386; مستند الشيعة 7: 288 ـ 289 ; غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 99 ـ 102; رسالة عدم المضايقة ، المطبوع في مجلّة تراثنا 7 : 338 ـ 354  .
(3) المسائل العزّيّة (الرسائل التسع): 112; المعتبر 2: 405; شرائع الإسلام 1: 110; المختصر النافع: 70; مدارك الأحكام 4: 295 ، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 116; كشف الرموز 1: 210 .
(4) مختلف الشيعة 3: 6 .

(الصفحة134)

ذلك عن وسيلة الشيخ عماد الدين بن حمزة(1) .
السادس: التفصيل بين الفائتة الواحدة إذا ذكرها يوم الفوات وبين المتعدّدة والواحدة المذكورة في غير يوم الفوات ، حكي ذلك عن ابن أبي جمهور الإحسائي(2) .
والظاهر أنّ ما حكاه ابن طاووس عن بعض القدماء من الأصحاب من القول بالمواسعة المطلقة غير ثابت ، لأنّ الفوريّة كانت متّفقاً عليها بينهم ظاهراً ، وإن اختلفوا بين من يقول باستثناء دخول وقت الحاضرة مع الاشتغال بها ، وبين من يقول باستثناء وقت تضيّقها  .
ثمّ إنّ عمدة المطالب التي يدور عليها القول بالمضايقة ، مطالب ثلاثة:
أحدها : فوريّة القضاء ، وفيها احتمالان:
1 ـ كون القضاء موقتاً بالذكر ، بمعنى أنه متى ذكر فوات الفريضة فذلك الزمان الذي هو زمان حدوث الذكر هو وقت الإتيان بها قضاءً ، بحيث لو أخّرها عن ذلك الوقت تصير كتأخير الفريضة عن وقتها الأدائي قضاء أيضاً ، وهذا هو الذي نسبه إليهم العلاّمة(قدس سره)(3) .
2 ـ مجرّد فوريّة وجوب القضاء من دون أن يكون موقّتاً بالذكر ، بل يكون وجوبه مطلقاً غير مشروط بوقت ، غاية الأمر لزوم المبادرة إلى الإتيان بمتعلّقه ، بمعنى تعلّق الوجوب بالفوريّة بعد تعلّقه بأصل الطبيعة ، فهنا أمران تعلّق أحدهما بنفس طبيعة القضاء ، والآخر بالمبادرة إليها وفوريّة الإتيان بها .
ثانيها: ترتّب الحاضرة على الفائتة ، وفيه احتمالان أيضاً:


(1) الوسيلة : 84  .
(2) نقله عنه في جواهر الكلام 13: 41 .
(3) مختلف الشيعة 3: 3 ـ 6 ; تذكرة الفقهاء 2 : 350 مسألة 56  .

(الصفحة135)

1 ـ مجرّد لزوم الإتيان بالفائتة قبل الحاضرة ، لأجل كون الوجوب المتعلّق بها فوريّاً من دون أن يكون الإتيان بها شرطاً في صحة الحاضرة .
2 ـ كون الإتيان بها من شرائط صحة الحاضرة ، كشرطيّة الإتيان بالظهر للعصر والمغرب للعشاء .
ثالثها: العدول بالنيّة من الحاضرة إلى الفائتة ، إذا نسي الإتيان بها وذكرها في أثناء الحاضرة ، وليعلم أنّ هذا المطلب لا يستفاد من القائلين بالمضايقة من العامّة أصلا ، فانّهم يحكمون في هذا الفرض ببطلان الصلاة ولا يجوّزون العدول كالقائلين بالمواسعة منهم .
ثمّ إنّ مقتضى الأصل العملي مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة للطرفين هو القول بالمواسعة ، لأنّ كلّ واحد من المطالب الثلاثة المتقدّمة على خلاف الأصل ، ضرورة أنّ الأصل يقتضي عدم التوقيت وعدم تعلّق أمر آخر بالمبادرة والفوريّة ، وعدم كون الإتيان بالفائتة من شرائط صحة الحاضرة ، وعدم وجوب العدول منها إليها بالنية إذا ذكر فوتها في أثناء الحاضرة .
نعم ، يمكن أن يورد على جريان الأصل ، بأنّ توجّه التكليف بطبيعة القضاء عند فوت الفريضة في وقتها ممّا لاشكّ فيه ، واللازم على المكلّف الخروج عن عهدة هذا التكليف المتوجّه إليه يقيناً ، بأن أتى بمتعلّقه في أوّل أوقات الإمكان ولم يؤخّر عمداً ، وإلاّ فمع التأخير عن أوّل أوقاته إلى ثانيها وثالثها و . . . ، يحتمل أن لايبقى متمكّناً من الإتيان به في ذلك الوقت ، ومع هذا الاحتمال لا يجوز له إجراء الأصل مع كون توجّه التكليف إليه معلوماً .
ولكن ربما يتوهّم جريان الأصل الموضوعي ، وهو استصحاب بقاء المكلّف وعدم زوال تمكنه بعروض موت ونحوه . وهذا مندفع بعدم جريان مثل هذا الاستصحاب ، بعد عدم كون المستصحب حكماً شرعيّاً ، ولا مترتّباً عليه حكم

(الصفحة136)

شرعيّ ، ضرورة أنّ بقاء المكلّف وعدم زوال تمكنه لا يترتّب عليه شيء من الآثار الشرعية .
نعم ، يمكن معه الامتثال ، ولكنّه ليس بأثر شرعيّ كما هو واضح ، فإجراء الأصل مطلقاً ممنوع ، فلو أخّر المكلّف الامتثال ولم يزل تمكّنه في ثاني الأوقات وثالثها و . . . ، لا يكون مستحقّاً للعقاب إلاّ من جهة التجرّي الحاصل بتأخير الإمتثال مع احتمال زوال التمكّن ، كما أنه إذا زال تمكّنه ولم يأت به في ذلك الوقت يستحق العقاب من جهة تعمّد التأخير مع احتمال الزوال .
وبالجملة: المماطلة والمسامحة في امتثال التكليف المتوجّه إلى المكلّف قطعاً ممّا لا يجوّزها الأصل بعد احتمال عروض ما يمنع عن امتثاله .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر(قدس سره) استدلّ للقول بالمواسعة أوّلا بالأصل ، وقد قرّره بوجهين:
1 ـ استصحاب عدم وجوب العدول عليه ، لو كان الذكر في الأثناء وجواز فعلها قبل التذكّر ، ويتمّ بعدم القول بالفصل .
2 ـ البراءة عن حرمة فعلها أو فعل شيء من أضداد الفائت بل وعن التعجيل ، لأنّه تكليف زائد على أصل الوجوب والصحّة المتيقّن ثبوتهما على القولين ، لأن القائل بالتضييق لا ينكرهما في ثاني الأوقات مع الترك في أوّلها وإن حكم بالإثم .
وقال بعد ذلك ما ملخّصه إنّه ليس المراد إثبات خصوص التوسعة المقومة للوجوب مقابل الفوريّة والتضييق ، حتّى يرد أنّ إجراء الأصل لا يصلح لإثبات ذلك ، بل المراد مجرّد نفي التكليف بالفورية قبل العلم ، كنفي التكليف بالوجوب للفعل المتيقّن ، طلب الشارع له طلباً راجحاً في الجملة .
بل ربما قيل بثبوت الندب في الأخير ، لاستلزام نفي المنع من الترك الذي هو فصل الوجوب ، وثبوت الجواز الذي هو نقيضه ، فيتقوّم به الرجحان المفروض

(الصفحة137)

تيقّن ثبوته ويكون مندوباً ، ضرورة صيرورته راجح الفعل جائز الترك ونحوه جار في المقام ، إلاّ أنه كما ترى فيه نظر واضح ، لظهور الفرق بين الجواز الثابت بالأصل عند الشكّ في التكليف ، وبين الجواز المقوّم للندب كما حرر ذلك في محلّه .
وقد أخذ بعد ذلك في دفع كلام يرجع محصّله إلى ما أوردناه على إجراء الأصل بما حاصله: منع اقتضاء طبيعة الوجوب الذي هو القدر المتيقّن من القولين حرمة التأخير وكفاية الأصل المعلوم حجيته في ثبوت الإذن الشرعية بالتأخير ، وإن لم يكن إلى بدل حتّى العزم; إلى أن قال في ذيل كلامه: فظهر حينئذ سقوط جميع ما سمعته من تلك الدعوى ، حتّى ما ذكر أخيراً منها من الإحتياط الذي لا دليل على وجوب مراعاته هنا ، خصوصاً بعد ملاحظة استصحاب السلامة والبقاء الذي به صحّ الحكم بوجوب أصل الفعل على المكلّف  ، وإلاّ فالتمكّن مقدّمة وجوب الفعل ، وبدون إحرازها لا يعلم أصل الوجوب . . .(1) .
وأنت خبير بأنّ استصحاب السلامة والبقاء لا يجوّز التأخير ، لعدم جريانه بعد عدم ترتّب أثر شرعيّ عليه كما عرفت ، كما أنّ كفاية الأصل المعلوم حجيّته في ثبوت الإذن الشرعيّ بالتأخير إنّما يتمّ لو كان مراد القائل بالمضايقة ثبوت أمر آخر متعلق بالفورية والمبادرة ، فانه حينئذ يقال عليه: إنّ مقتضى الأصل البراءة من ذلك الأمر بعد عدم ثبوته بدليل شرعيّ ، وأمّا لو استند في قوله إلى ما أوردناه على جريان أصالة البراءة فلا مجال حينئذ للأصل كما لا يخفى .
ومنه يظهر أنّ القائل بالتضييق كما أنه لا ينكر الوجوب والصحّة في ثاني الأوقات مع الترك في أوّلها ، كذلك لا يحكم بالإثم ، نعم قد عرفت أنه يمكن أن يقال باستحقاق العقاب من جهة التجرّي الحاصل بالتأخير مع احتمال زوال التمكّن ، هذا

(1) جواهر الكلام 13: 43 ـ 46  .

(الصفحة138)

كلّه فيما يتعلّق بجريان الأصل ، ولعلّنا نتكلّم فيه فيما سيأتي أيضاً .
وبعد ذلك لابدّ من ملاحظة أدلّة الطرفين العامّة والخاصّة ونبدأ بذكر الأخبار التي رواها العامّة بطرقهم في كتبهم المعدّة لنقل الأحاديث النبوية ، حتّى يظهر مقدار دلالتها ، وأنه هل ينطبق مع فتاويهم في هذا الباب ، فنقول:
روى الترمذي في سننه في باب ما جاء في النوم عن الصلاة ، عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبيّ(صلى الله عليه وآله) نومهم عن الصلاة؟ فقال: «إنّه ليس في النوم تفريط ، إنّما التفريط في اليقظة ، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها» . قال الترمذي: وفي الباب عن ابن مسعود ، وأبي مريم ، وعمران بن حصين ، وجبير بن مطعم ، وأبي جحيفة ، وأبي سعيد ، وعمرو بن اُميّة الضّمري ، وذي مِخبَر ، وهو ابن أخ النجاشي ـ وقال بعد ذلك: ـ قال أبو عيسى: وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح .
وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة ، عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، فقال بعضهم: يصلّيها إذا استيقظ أو ذكر ، وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، وهو قول أحمد واسحاق والشافعي ومالك وقال بعضهم: لا يصلّي حتّى تطلع الشمس أو تغرب(1) .
وروى فيها أيضاً في باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة عن أنس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من نسي صلاةً فليصلّها إذا ذكرها» ـ وقال بعد ذلك: ـ وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة ، قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح .
وروي فيها أيضاً في باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيّتهنّ يبدأ ، عن

(1) سنن الترمذي 1 : 221 ح 177  .

(الصفحة139)

أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: قال عبدالله بن مسعود: «إنّ المشركين شغلوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)عن أربع صلوات يوم الخندق حتّى ذهب من الليل ما شاء الله ، فأمر بلالا فأذّن ، ثمّ أقام فصلّى الظهر ، ثمّ أقام فصلّى العصر ، ثمّ أقام فصلّى المغرب ، ثمّ أقام فصلّى العشاء» . ـ وقال بعد ذلك: ـ وفي الباب عن أبي سعيد وجابر .
وروى فيه عن جابر بن عبدالله: أنّ عمر بن الخطاب قال يوم الخندق ، وجعل يسبّ كفار قريش ، قال: يا رسول الله ما كدت اُصلّي العصر حتّى تغرب الشمس ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «والله إن صلّيتها» قال: فنزلنا بطحان ، فتوضّأ رسول الله(صلى الله عليه وآله)وتوضّأنا ، فصلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) العصر بعدما غربت الشمس ، ثمّ صلّى بعدها المغرب» . ـ وقال بعد نقل هذه الرواية: ـ قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح(1) .
وروى البخاري في جامعه عن أنس بن مالك ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: «من نسي صلاة فليصلّ إذا ذكرها لا كفّارة لها إلاّ ذلك: (أقم الصلاة لذكري) وروى في باب آخر رواية الجابر المتقدّمة . وهنا رواية اُخرى مشتملة على قصّة التعريس ونوم النبيّ(صلى الله عليه وآله)والذين معه عن صلاة الصبح ، والإتيان بقضائها بعد ارتفاع الشمس وابياضّها(2) .
وحكى العلاّمة في كتاب المنتهى عن الجمهور: إنّهم رووا عن ابن عباس أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)قال: «إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي فوقها ، فإذا فرغ منها صلّى التي نسي»(3) . ولكن هذه الرواية غير موجودة في جوامعهم المعدّة لنقل الروايات التي رووا عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، مضافاً إلى أنّ متنها

(1) سنن الترمذي 1 : 222 ـ 224 ح178 ـ 180  .
(2) صحيح البخاري 1: 166 ح597 .
(3) المنتهى 1: 421 .

(الصفحة140)

مضطرب لا يعلم المراد منه كما لا يخفى .
هذه هي الروايات المروية بطرقهم ، وهي تدلّ على اُمور ثلاثة:
أحدها: وجوب القضاء متى ما ذكر الفوات .
ثانيها: قصّة يوم الخندق .
ثالثها: قصّة التعريس ، ولابدّ حينئذ من ملاحظة أنه هل يستفاد من تلك الروايات شيء من المطالب الثلاثة المتقدّمة التي يدور عليها القول بالمضايقة أم لا؟ ، فنقول:
أمّا ما يدلّ على وجوب القضاء متى ما ذكر الفوات ، فلا دلالة له لا على التوقيت ولا على الفورية ، لأنّه متفرّع على كون المراد به وجوب الإتيان به عند حدوث الذكر ، مع أنه يحتمل قويّاً أن يكون المراد هو الوجوب عند وجود الذكر لا عند حدوثه ، ولعلّ التعبير بذلك كان للإشارة إلى أنّ الفائتة لا تكون كالنافلة ، حيث يكره الإتيان بها في بعض الأوقات كبعد العصر وبعد طلوع الشمس ، بل يجوز الإتيان بها من غير كراهة في جميع أوقات الذكر من دون استثناء .
ومنه يظهر أنّه لا دلالة لهذه الطائفة على ترتّب الحاضرة على الفائتة وشرطيتها لها ، كما أنه لا دلالة لها على العدول ، وقد عرفت أنّهم لا يقولون به أيضاً .
وأمّا قصّة يوم الخندق(1) ـ فمضافاً إلى أنه لا أساس لها عند الإمامية ، لأنّه خلاف ما يقتضيه أصول مذهبهم كما هو غير خفي ـ لا دلالة لها على الفورية ولا على الترتّب ، أمّا عدم دلالتها على الثاني فلعدم ظهور الرواية في بقاء وقت العشائين أو خصوص المغرب ، لأنّه يحتمل خروج وقت جميع الصلوات ، مع أنه

(1) تذكرة الفقهاء 2 : 351 مسألة 58 ; بداية المجتهد 1 : 187  .

<<التالي الفهرس السابق>>