في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة341)

يشهد به النصّ والفتوى أنه لا مدخليّة لهذا القصد في تحقّق ذاك الاتّصاف .
وكذلك الرواية تدلّ بذيلها المرويّ في التهذيب والفقيه على أنّه إذا لم يأت بالسجدتين من الركعة الثانية للإمام بنيّة الركعة الاُولى ، فعليه أن يسجد سجدتين اُخريين ينوي بهما الركعة الاُولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامّة ، مع أنّه يلزم على ذلك زيادة السجود الذي هو ركن وهي مبطلة .
نعم ، ذكر الشهيد(رحمه الله) في محكيّ الذكرى(1) أنّه لا بأس بالعمل بهذه الرواية لاشتهارها بين الاصحاب وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالّة على الابطال بزيادة السجود عن الدلالة ، وأمّا ضعف الراوي فلا يضرّ مع الاشتهار ، على أنّ الشيخ قال في الفهرست : إنّ كتاب حفص معتمد عليه(2) ، انتهى .
ويمكن أن يقال : بعدم كون الذيل تتمّة للرواية بل هو فتوى الصدوق ، كما هو دأبه في كتاب الفقيه ، حيث يذكر فتواه بعد نقل الرواية ، ولعلّه صار سبباً لإضافة الشيخ أيضاً ، حيث إنّه زعم كونه جزءً للرواية ، ولم يرجع إلى المصدر لكثرة اشتغاله .
ومنها : رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم الجمعة وإمّا في غير ذلك من الأيّام ، فيزحمه الناس إمّا إلى حائط وإمّا إلى أُسطوانة ، فلا يقدر على أن يركع ولا يسجد حتى رفع الناس رؤوسهم ، فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ثمّ يستوي مع الناس في الصفّ؟ قال : «نعم لا بأس بذلك»(3) .


(1) الذكرى 4  : 127; الوسائل 7  : 336 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ذ ح2 .
(2) الفهرست : 61  .
(3) التهذيب 3: 248 ح680 وفيه: «حتى يرفع الناس»; الوسائل 7 : 336 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح3.

(الصفحة342)

ومنها : رواية اُخرى لعبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي مع إمام يقتدي به ، فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ثمّ يلحق بالإمام والقوم في سجودهم ، أم كيف يصنع؟ قال : «يركع ثمّ ينحطّ ويتمّ صلاته معهم ولا شيء عليه»(1) .
هذه هي الروايات الواردة في المقام ، وقد انقدح لك أنّ الأخير منها واردة في التخلّف المستند إلى السهو عن الركوع ، وغيرها في التخلّف الناشيء عن الالجاء والاضطرار لأجل الازدحام الموجب لفوت الركوع والسجود من ركعة واحدة أو الركوع من ركعة والسجود من اُخرى .
فمرجع غير الاخيرة إلى أنه لو حصل التخلّف ولو بالنسبة إلى الزائد من ركن واحد ولكن كان مستنداً إلى الالجاء والاضطرار فلا بأس بذلك ، ولا يوجب بطلان القدوة إلاّ أن يقال : إنّ رواية حفص لا دلالة لها إلاّ على تحقّق القدوة في خصوص الركوع والسجود الذي تابع فيه الإمام ، ونوى جزئيته للركعة الاُولى ، وعليه فلم يتحقّق التخلّف ، لأنّ ما هو المحسوب جزءً للركعة الاُولى هو الركوع الواقع فيها والسجود الواقع في الركعة الثانية ، والمفروض تحقّق المتابعة بالنسبة إلى كليهما .
هذا ، ولكن رواية عبدالرحمن صريحة في عدم اختلال القدوة بحصول التخلّف في الزائد عن الركن الواحد في صورة الالجاء والاضطرار ، والظاهر بملاحظة الرواية الواردة في السهو أنّ ذلك لا يختصّ بحال الإضطرار ، بل التخلّف السهوي بالنسبة إلى الزائد من ركن لا يوجب أيضاً خللا في القدوة ، كما أنّ الظاهر إنّه لا خصوصيّة للالجاء والاضطرار ، بل يعمّ مطلق صور الاعتذار ويخرج

(1) التهذيب 3 : 55 ح188 ; الوسائل 7 : 337 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح4  .

(الصفحة343)

خصوص صورة العمد والالتفات .
وكيف كان ، فلا ريب في دلالة الروايات على عدم اختلال القدوة بالنسبة إلى الأجزاء السابقة على الجزء الذي وقع فيه التخلّف ، وكذا الأجزاء اللاحقة عليه ، فلا مجال للمناقشة في ذلك ، وأمّا بالنسبة إلى نفس الجزء الذي وقع فيه التخلّف ، فإن قلنا : بعدم وقوعه متّصفاً بوصف الجماعة كما ربّما يستظهر من قول الراوي في إحدى روايتي عبدالرحمن «فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده؟» فاللازم الالتزام بأحد أمرين :
إمّا دعوى أنّ الجماعة والفرادى وصفان لكلّ جزء من الأجزاء على سبيل الاستقلال لا للمجموع بحيث كان المصلّي عند كلّ جزء مخيّراً بين إيقاعه فرداً أو في جماعة ، وعليه فكما أنه لا مانع من العدول عن الائتمام إلى الانفراد ، كذلك لا مانع من العدول عن الانفراد إلى الائتمام ، بل لا معنى للعدول أصلا ، لأنّ المتّصف بذلك هو كلّ جزء مستقلاًّ فلا يتحقّق العدول .
وإمّا الالتزام بأنه يكفي في تحقّق الجماعة كون صلاة المأموم واقعة في حال صلاة الإمام وإن لم يتحقق المتابعة بالنسبة إلى كلّ جزء .
نعم ، لا محيص عن اعتبار المتابعة بالنسبة إلى معظم الأجزاء .
هذا ، ولكنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة منذ تشريع الجماعة وتعليمها للناس الذي كان مقروناً مع تعليم أصل الصلاة ، كما مرّت الاشارة إليه في بعض المباحث السابقة(1) ، أنّ الموصوف بوصف الجماعة هو مجموع الصلاة لا كلّ جزء على سبيل الاستقلال ، هذا كلّه حكم صور العذر .
وأمّا إذا تخلّف عن الامام بالتأخّر الفاحش عمداً ، فإن قلنا : باعتبار المتابعة شرطاً في صحّة الجماعة فاللازم الحكم بالبطلان ، وإن لم نقل بذلك بل قلنا : بتعلّق

(1) راجع 3 : 191 .

(الصفحة344)

الوجوب النفسي بها كما اخترناه فيما سبق(1) ، فالظاهر عدم إيجابه خللا في الجماعة ، كما صرّح به في الجواهر وحكى عن اطلاق المنتهى والموجز ، بل عن الثاني التصريح بالجواز ، كما في نصّ الذكرى(2) ، نعم يتوقّف في محكيّ التذكرة في بطلان القدوة بالتأخير بركن(3) .
وكيف كان ، فالظاهر بناءً على هذا المبنى عدم البطلان مع حفظ صورة الجماعة وعدم صحّة سلبها  .
ثمّ إنّ في الفرض الذي ورد فيه إحدى روايتي عبدالرحمن بن الحجّاج وكذا رواية حفص المتقدّمتان ـ وهو الذي كان التخلّف مستنداً إلى الزحام في يوم الجمعة أو فيه وفي غيره ـ تتصور صور كثيرة :
1 ـ ما ورد في مورده رواية عبدالرحمن وهو ماإذا منعه الزحام عن الركوع والسجدتين من الركعة الاُولى ، وقد نفت الرواية البأس عن أن يركع ويسجد وحده ثمّ يلتحق بالإمام في الركعة الثانية ، والقدر المتيقن من موردها ما إذا أدرك الإمام في حال القيام من الركعة التالية قبل أن يركع الإمام ، فإنّه لا ريب في هذه الصورة في عدم حصول الاختلال في القدوة ، ولا فرق فيه بين دعوى كون الجماعة والفرادى وصفين لكلّ بعض على سبيل الاستقلال ، وبين القول بكونهما وصفين للمجموع من حيث هو مجموع .
والظاهر أنّ الحكم كذلك وإن ادرك الإمام في ركوع الركعة التالية لا في حال القيام . وأمّا إذا أدركه بعد الركوع وفات منه ركوع الركعة التالية أيضاً كالركوع والسجدتين من الركعة الاُولى ، ففي بطلان القدوة وصحتها وجهان ، والاقرب

(1) راجع 3 : 318 .
(2) المنتهى : 1 : 379; الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : 113; الذكرى 4  : 452; جواهر الكلام 13 : 206 .
(3) تذكرة الفقهاء 4  : 347 مسألة 606  . وفيه : ولو تأخّر عنه بركنين ، ففي الإبطال نظر .

(الصفحة345)

الصحة بناءً على ما اخترناه من كون الجماعة وصفاً للمجموع ، كما هو المرتكز عند المتشرّعة والمغروس في أذهانهم ، لأنّه لم يخرج بالزحام عن كونه مقتدياً ، فلا وجه للحكم ببطلان صلاته خصوصاً مع عدم كون التخلّف عمديّاً ، بل مستنداً إلى الزحام كما هو المفروض .
2 ـ ما إذا منعه الزحام عن خصوص السجدتين من الركعة الاُولى والحكم فيه الصحة أيضاً بأقسامه الثلاثة : من الالتحاق بالإمام قبل الركوع من الركعة التالية ، أو في حاله ، أو بعده كما عرفت في الصورة الاُولى .
3 ـ ما وردت فيه رواية حفص المتقدّمة ، وهو ماإذا منعه الزحام عن السجدتين من الركعة الاُولى والركوع من الركعة الثانية ، وقد حكم فيها بأنّه إن نوى السجدتين من الركعة الثانية للركعة الاُولى فقد تمّت له الاُولى ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة ، وإن كان لم ينو بهما الركعة الاُولى لم تجز عنه للاُولى ولا للثانية .
وقد عرفت أنّ اعتبار النيّة في ابعاض الركعة وأنّها هل تكون من الركعة الاُولى أو الثانية ، وهكذا ممّا لم يذهب إليه أحد من الفقهاء رضوان الله عليهم أجمعين .
وقد عرفت اشتمالها على زيادة بناءً على رواية الشيخ والصدوق ، ومقتضى تلك الزيادة الدالّة على لزوم الإتيان بالسجدتين بنيّة الركعة الاُولى بعد الاخلال بها في السجدتين اللتين أدركهما مع الإمام في الركعة الثانية ، تحقّق القدوة بإدراك ركوع واحد في مجموع الركعتين وهو مستبعد جدّاً ، مضافاً إلى استلزامه لزيادة السجود الذي هو ركن ، وحنيئذ فيشكل العمل بالرواية وإن نفى البأس عنه في الذكرى(1) كما عرفت .


(1) الذكرى 4  : 127  .

(الصفحة346)

4 ـ ما إذا منعه الزحام عن خصوص الإتيان بالسجدة الثانية من الركعة الثانية ، والظاهر فيها صحّة الجمعة وعدم اختلال القدورة ، بل يأتي بها متى تمكّن منها ، ولا فرق في ذلك بين صورتي التمكّن منها قبل فراغ الإمام من الصلاة والتمكّن منها بعده ، كما هو واضح .
5 ـ ما إذا منعه الزحام عن خصوص الإتيان بالسجدة الثانية من الركعة الاُولى مقتدياً بالإمام في سجدته ، فإن تمكّن من الإتيان بها واللحوق بالإمام قبل الركوع من الركعة الثانية أو في الركوع ، فالحكم كما لو منعه الزحام عن كلتا السجدتين من الركعة الاُولى إذا تمكّن من الإتيان بهما واللحوق بالإمام قبل الركوع أو بعده ، وإن لم يتمكّن من الإتيان بها إلى أن دخل الإمام في السجدة الثانية من الركعة الثانية .
فالمستفاد من رواية حفص لزوم متابعة الإمام والإتيان بالسجدة بقصد أنّها من الركعة الاُولى ، لأنّه لم يأت بها بعد ، فعليه أن يأتي بها مع ذلك القصد ، ويتمّ له بذلك ركعة واحدة ، وعليه أن يصلّي ركعة أخرى  .
وأمّا إذا تمكّن من الإتيان بها مع الإمام في السجدة الاُولى من الركعة الثانية فلا ريب في لزوم متابعته فيها بمقتضى ما يستفاد من رواية حفص ، وينوي بها السجدة الثانية من الركعة الاُولى ، إنّما الاشكال والارتياب في أنه هل يلزم عليه إطالة السجود حتى يلحق به الإمام في السجدة الثانية ثمّ يتابعه في رفع الرأس منها ، أو أنه يلزم عليه متابعة الإمام في رفع الرأس من السجدة الاُولى والجلوس بين السجدتين ثمّ الإتيان بالسجدة الثانية لأجل المتابعة؟ وجهان .
ولا يبعد ترجيح الوجه الثاني للزوم متابعة الإمام مهما أمكن ، وإن استلزمت زيادة الركن ، أو كان العمل الذي تقع فيه المتابعة صادراً عن الإمام في غير المحل كالقنوت في غير الركعة الثانية حيث إنّه ورد النصّ على متابعة المأموم للإمام فيه(1)

(1) التهذيب 2: 315 ح1287; الوسائل 6: 287. أبواب القنوت ب17 ح1 .

(الصفحة347)

وإن وقع في غير محلّه .
والمتابعة وإن لم تكن بعنوانها مأموراً بها في الروايات الصادرة عن العترة الطاهرة «صلوات الله عليهم أجمعين» إلاّ أنه يستفاد اعتبارها من الفروع التي وقع التعرض لها فيها ، بل يستفاد أنّ وجوبها كان مفروغاً بين الرواة ولم يكن لهم ارتياب في ذلك ، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا لزوم المتابعة في المورد المفروض .
ثمّ إنّه لو وقع التخلّف في شيء من الموارد المذكورة مستنداً إلى التعمّد والاختيار دون النسيان أو الزحام والاضطرار ، فهل يوجب ذلك بطلان القدوة أم لا؟ التحقيق أن يقال : إن قلنا باعتبار المتابعة العمليّة في حقيقة القدوة عرفاً ، بحيث لم يمكن تحقّقها بدونها عند العرف ، كما ربّما يحكى ذلك عن الشيخ الأعظم العلاّمة الأنصاري(قدس سره)(1) ، فالتخلّف والاخلال بالمتابعة يوجب اختلال القدوة بلا ارتياب ، إلاّ أنّ هذا القول ممّا لا يساعده الدليل ، ولا ينبغي الالتزام به ، فإنّه لو كانت المتابعة دخيلا في حقيقة القدوة وماهيتها ، لم يكن فرق في ذلك بين صورتي الاختيار والاضطرار أصلا ، مع ظهور الروايات المتقدّمة في بقائها ، وعدم اختلالها بالتخلّف الناشئ عن السهو أو الزحام .
فهذا المعنى ممّا لا يمكن الالتزام به ، اللّهم إلاّ أن يراد أنّ الاخلال بالمتابعة عمداً لا يجتمع مع نيّة الاقتداء المقرونة بالشروع في الصلاة ، ولكنّه يرد عليه أيضاً أنّ عدم إمكان اجتماع ذلك مع تلك النيّة متفرّع على عدم إمكان اجتماعه مع المنويّ ، بل ليست المضادّة والمنافاة إلاّ معه ، ضرورة أنّ النيّة من حيث هي مع قطع النظر عن ملاحظة المنويّ ، لا مضادّة بينها وبين التخلّف والاخلال بالمتابعة العمليّة ، كما هو أوضح من أن يخفى  .


(1) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري : 298  .

(الصفحة348)

نعم ، لو قلنا : بعدم اعتبار المتابعة في حقيقة القدوة عرفاً ، بل باعتبارها فيها شرعاً ، فاللازم الالتزام بعدم تحقّقها مع التخلّف الاختياري فقط ، لدلالة الأدلّة المتقدّمة على عدم قدح الاخلال بها في حالتي السهو والاضطرار .
هذا ولكن هذا المبنى أيضاً عندنا غير صحيح ، لأنك قد عرفت أنّ وجوب المتابعة على ما يعطيه التأمّل في الدليل الدالّ عليه ، لا يكون وجوباً شرطيّاً بحيث يكون لمتعلّقه دخل في الاقتداء شرعاً ، بل لا يكون إلاّ وجوباً نفسياً لا يترتّب على مخالفته سوى الإثم واستحقاق العقوبة .
وممّا ذكرنا يظهر الخلل فيما أفاده صاحب المصباح حيث قال :
والذي يقتضيه التحقيق هو أنه لابدّ في تحقّق مفهوم الائتمام عرفاً أو شرعاً من المتابعة ، ألا ترى أنّه لو سبق المأموم الإمام في مجموع صلاته أو تأخّر عنه كذلك لا يعدّ مؤتمّاً به ، ولكنّه قد يلاحظ الائتمام بالنظر إلى مجموع الصلاة على سبيل الاجمال ، وبهذه الملاحظة يصحّ أن يقال لمن صلّى خلف زيد الظهر مثلا بنيّة الائتمام إذا تابعه في معظم أفعالها : أنه صلّى الظهر مقتدياً بزيد ، وإن تخلف عنه في بعض أفعالها بتقديم أو تأخير .
وقد يلاحظ كونها فعلا تدريجيّاً حاصلا بمتابعة الإمام في أفعالها المتدرّجة ، ففي كلّ جزء تخلّف عنه بتقديم أو تأخير لا يتحقّق بالنسبة إليه الاقتداء ، ولكن لا ينفي ذلك صدق كونه مقتدياً في أصل الصلاة عند ملاحظتها على سبيل الإجمال ، فلا يبطل به الائتمام من أصله ما لم يكن ذلك مقروناً بنية الإعراض عن الجماعة أو بالعزم على الإتيان به كذلك من أوّل الأمر ، بحيث يكون هذا الجزء بنفسه مستقلاًّ بالملاحظة .
فمن نوى الائتمام بشخص في صلاته مقتضاه أن يتابعه في جميع الهيآت الصادرة منه من القيام والقعود والركوع والسجود ، فلو خالفه في شيء منها وهو على هذا

(الصفحة349)

العزم فقد تعدّى عمّا هو وظيفته من المتابعة ، فهو آثم لكونه مشرّعاً ، ولكن لا تبطل قدوته بذلك ما لم يكن التخلّف بمقدار ينقطع به علاقة الائتمام عرفاً(1) ، إنتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه  .
ويرد عليه أنه لا وجه لدعوى اعتبار المتابعة في ماهية الجماعة عرفاً أو شرعاً ، لأنك قد عرفت أنّ مقتضى التأمّل في دليل وجوب المتابعة أنه لا يكون وجوبها إلاّ وجوباً نفسيّاً لا يترتّب على مخالفته سوى الإثم واستحقاق العقوبة ، وقد عرفت أيضاً أنّ معروض وصف الجماعة على حسب ارتكاز المتشرّعة منذ تشريعها الحاصل بتشريع أصل الصلاة ، إنّما هو مجموع الصلاة لا كلّ جزء على سبيل الاستقلال .
فلحاظ الصلاة من حيث اتّصافها بالجماعة تارة على سبيل الاجمال ، واُخرى على نحو التفصيل ، ثمّ دعوى أنّ الاخلال بالمتابعة في جزء موجب لبطلان القدوة في خصوص ذلك الجزء دون غيره من الأجزاء السابقة اللاحقة ممّا لا وجه له ، بعدما عرفت من كون معروض الجماعة هو المجموع ، ولا يقدح بذلك التخلّف عمداً ، فضلا عن السهو والاضطرار .

قراءة المأموم خلف الإمام

هذه المسألة ممّا اختلف فيه الأقوال وتشتّت فيه الآراء ، والتحقيق أنّ الخصوصيّات التي بها يختلف الحكم لا بدّ من النظر فيها مستقلاًّ ، لأجل التعرّض لها في الروايات تصريحاً أو تلويحاً ، فهنا أُمور :


(1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 648  .

(الصفحة350)

أحدها : الركعتان الأوّلتان من الصلوات الجهرية مع عدم سماع صوت الإمام ولو همهمة .
ثانيها : هذا الفرض مع سماع صوت الإمام .
ثالثها : الصلوات الإخفاتيّة .
رابعها : الركعتان الأخيرتان مطلقاً .
وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في حكم كلّ من هذه الخصوصيّات(1) ، وهنا خصوصية اُخرى ، وهي كون الإمام مرضيّاً ومقتدى به أو غير مرضيّ لعدم كونه من الإمامية ، ولكن هذه الخصوصيّة خارجة عن محطّ النظر في المقام ، ولعلّه يجىء التكلّم في حكم القراءة خلف من لايقتدى به في ما بعد .
وكيف كان ، فالأخبار الواردة في هذا المقام كثيرة جدّاً ، وقد أوردها في الوسائل في أبواب متعدّدة ، ولكنّها مختلفة من حيث المورد ، لأنّ طائفة منها واردة في الصلاة الجهرية ، واُخرى في الصلاة الإخفاتيّة ، كما أنّ ما ورد منها في الصلاة الجهرية بعضها وارد في حكم القراءة مع سماع صوت الإمام ، وبعضها في حكمها مع عدمه ، كما أنّ بعضاً منها وارد في حكم القراءة في الاخيرتين .
أمّا ما ورد منها في الركعتين الأوّلتين من الصلاة الجهرية مع سماع صوت الإمام فهي كثيرة ، ومدلولها النهي عن القراءة بعضها بالصراحة وبعضها بالاطلاق .
منها : صحيح الحلبي الذي رواه المشايخ الثلاثة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءَته أم لم تسمع ، إلاّ أن تكون

(1) الحدائق 11  : 123 ـ 137 ; جواهر الكلام 13 : 181 ـ 200 ; مفتاح الكرامة3 : 445 ـ 459; مستند الشيعة 8  : 74 ـ 92  .

(الصفحة351)

صلاة تجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ»(1) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «إن كنت خلف إمام فلا تقرأَنّ شيئاً في الأوّلتين وانصت لقراءَته ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول للمؤمنين : (وإذا قُرئ القرآن ـ يعني في الفريضة خلف الإمام ـ فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم ترحمون)(2) فالأخيرتان تبعان للأوليين(3) .
ومنها : رواية زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو جعفر(عليه السلام) : «كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول : من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة(4)» . والظاهر أنّ النظر في ا لرواية إنّما هو إلى العامّة الذاهبين إلى لزوم القراءة خلف الامام ، فالمراد أنّ ذلك تشريع يوجب البعث على غير الفطرة الاسلاميّة .
ومنها : رواية المرافقي والبصري عن جعفر بن محمد(عليهما السلام) أنه سئل عن القراءة خلف الإمام ، فقال : إذا كنت خلف الإمام تولاّه وتثق به ، فإنّه يجزيك قراءَته ، وإن احببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت ، قال الله تعالى : (وانصتوا لعلّكم ترحمون)(5) .
ومنها : رواية يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الصلاة خلف من ارتضي به أقرأ خلفه؟ قال : «من رضيت به فلا تقرأ خلفه»(6) .


(1) الكافي3 : 377 ح2; الفقيه 1 : 255 ح1156; التهذيب 3 : 32 ح115; الاستبصار1 : 428 ح1650; الوسائل 8 : 355 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح1  .
(2) الأعراف  : 204  .
(3) الفقيه1 : 256 ح1160; السرائر 3 : 585; الوسائل 8 : 355 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح3 .
(4) الكافي3 : 377 ح6; الفقيه 1 : 255 ح1155; عقاب الأعمال  : 274; المحاسن 1 : 158 ح220; التهذيب 3 : 269 ح 770; السرائر 3 : 585; الوسائل 8  : 356 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح 4 .
(5) التهذيب 3  : 33 ح120; الوسائل 8  : 359  . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح15  .
(6) التهذيب 3 : 33 ح 118; الاستبصار1 : 428 ح1653; الوسائل 8  : 359 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح 14 .

(الصفحة352)

ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة وهو يقتدي به ، هل له أن يقرأ من خلفه؟ قال : «لا ولكن يقتدي به» .
قال في الوسائل بعد حكاية هذه الرواية عن كتاب قرب الإسناد : ورواه عليّ ابن جعفر في كتابه إلاّ أنّه قال : ولكن ينصت للقرآن(1) .
ومنها : رواية أبي خديجة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا فاتحة الكتاب ، وعلى الامام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين»(2) .
ومنها : مارواه سماعة في حديث قال : سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول؟ فقال : «إذا سمع صوته فهو يجزيه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(3) .
ومقتضى هذه الروايات أنه لاتجوز القراءة في الأوّلتين مع سماع قراءة الإمام والمراد من سماعها أعمّ من سماع الصوت ولو همهمة ، كما وقع التصريح به في بعضها .
وأمّا ما ورد منها في الركعتين الأوّلتين من الجهرية مع عدم سماع صوت الإمام فبعضها ظاهر في الأمر بها ، وبعضها دالّ على النهي عنها بالاطلاق ، وواحدة تدلّ عل التخيير .
أمّا ما يظهر منه الأمر بالقراءة  :


(1) قرب الإسناد  : 177 ح797 مسائل عليّ بن جعفر  : 127 ح101 ; الوسائل 8  : 359 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح16  .
(2) التهذيب3 : 275 ح 800 ; الوسائل 8  : 362 . أبواب صلاة الجماعة ب32 ح6 .
(3) التهذيب3 : 34 ح123; الاستبصار 1 : 429 ح 1656; الوسائل 8  : 358  . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح10 .

(الصفحة353)

فمنها : صحيح الحلبي المتقدّم .
ومنها : رواية قتيبة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءَته فاقرأ أنت لنفسك ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(1) .
ومنها : رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الصلاة خلف الإمام ، أقرأ خلفه؟ فقال : «أمّا الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أُمر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت وإن لم تسمع فاقرأ»(2) .
وأمّا ما يدلّ على النهي بالاطلاق فهي صحيحة زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) ، قال : «إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت وسبّح في نفسك»(3) ورواية زرارة ومحمد بن مسلم المتقدّمة ، ورواية يونس المتقدّمة أيضاً .
وأمّا ما يدلّ على التخيير فهي رواية عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأوّل(عليه السلام) عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ قال : «لابأس إن صمت وإن قرأ»(4) .
وروى الشيخ هذه الرواية في التهذيب والاستبصار معاً في باب صلاة الجماعة ، ولكنّه رواه في الاستبصار عن سعد بن عبدالله ، عن أبي جعفر ، عن

(1) الكافي 3 : 377 ح4; التهذيب 3 : 33 ح 117; الاستبصار 1 : 428 ح1652; الوسائل 8  : 357 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح7  .
(2) الكافي 3 : 377 ح1; التهذيب 3 : 32 ح 114; الاستبصار 1 : 427 ح1649; علل الشرائع : 325 ح1; الوسائل 8  : 356 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح5  .
(3) الكافي 3 : 377 ح3; التهذيب 3 : 32 ح 116; الاستبصار 1 : 428 ح1651; الوسائل 8  : 357 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح6 .
(4) التهذيب 3  : 34 ح122; الاستبصار1 : 429 ح1657 ; الوسائل 8  : 358 ، أبواب صلاة الجماعة ب31 ح11 .

(الصفحة354)

الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه عليّ بن يقطين . وفي التهذيب عن سعد بن عبدالله ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن الأوّل(عليه السلام) ولكنّه مضطرب ، والصحيح ما في الاستبصار .
وحيث إنّ هذه الرواية معمول بها عند الأصحاب فتصير قرينة على تقييد المطلقات الناهية بما إذا سمع قراءة الإمام ، وعلى أنّ المراد بالأمر الوارد في الروايات الآمرة هي الإباحة ، لكونها واردة في مقام توهّم الحظر ، كما يظهر بالتأمّل في بعضها كرواية الحلبي وشبهها ، وإن أبيت عن ذلك فلا محيص عن الحمل على الاستحباب ، ودعوى كون القراءة في هذه الصورة مستحبّة ، كما لايخفى .
وأمّا ما ورد في الصلاة الإخفاتيّة :
فمنها : المطلقات الناهية المتقدّمة(1) .
ومنها : إطلاق صدر رواية الحلبي المتقدّمة ، فإنّ الاستثناء فيها قرينة على شمول الصدر للصلاة الاخفاتية أيضاً .
ومنها : إطلاق رواية زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر(عليه السلام) .
ومنها : رواية سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أيقرأ الرجل في الاُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال : «لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلى الإمام(2)» .
ومنها : رواية عبدالرحمن بن الحجّاج المتقدّمة ، الظاهرة بصدرها في النهي عن القراءة في الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت خلف إمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ ، وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ

(1) راجع الوسائل 8  : 355 . أبواب صلاة الجماعة ب31  .
(2) التهذيب 3 : 33 ح 119; الاستبصار1 : 428 ح1654 ; الوسائل 8  : 357 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح8  .

(الصفحة355)

خلفه في الأوّلتين» ، وقال : «يجزيك التسبيح في الأخيرتين» ، قلت : أيّ شيء تقول أنت؟ قال : «أقرأ فاتحة الكتاب»(1) .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن رجل يصلّي خلف إمام يقتدي به في الظهر والعصر ، يقرأ؟ قال : «لا ، ولكن يسبّح ويحمد ربّه ويصلّي على نبيّه(صلى الله عليه وآله)» .
ومنها : رواية بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إنّي أكره للمرأ أن يصلّي خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنّه حمار» ، قال : قلت : جعلت فداك فيصنع ماذا؟ «قال : يسبّح»(2) .
وهنا روايتان ظاهرتان في التخيير  :
1 ـ رواية المرافقي المتقدّمة(3) .
2 ـ رواية عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الركعتين اللّتين يصمت فيهما الإمام ، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ فقال  : «إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس»(4) .
هذا ، ويحتمل أن يكون المراد بالركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، الركعتين الأخيرتين من الصلاة الجهرية ، بل لعلّه الظاهر ، وذلك لأنّ التعبير بالركعتين لايلائم مع إرادة الصلاة الاخفاتية التي يجب الاخفات في جميع ركعاتها .
هذا ، ولكن رواية المرافقي صريحة في جواز القراءة فيما يخافت فيه الإمام ، وهي تصير قرينة على تقييد المطلقات وحمل النهي في غيرها على كونه وارداً في

(1) التهذيب3 : 35 ح124; الوسائل 8  : 357  . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح9  .
(2) قرب الاسناد : 47 ح 112; الفقيه1 : 256 ح 1161 التهذيب3 : 276 ح 806; الوسائل 8 : 360 . أبواب صلاة الجماعة ب32 ح1  .
(3) الوسائل 8  : 359 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح15  .
(4) التهذيب 2  : 296 ح1192; الوسائل 8  : 358  . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح13  .

(الصفحة356)

مقام توهّم الوجوب كما لايخفى .
نعم، لاينبغي المناقشة في أنّ مقتضى الاحتياط بملاحظة الروايات الناهية الترك.
وأمّا ورد في الركعتين الأخيرتين :
فمنها : رواية زرارة المتقدّمة(1) ، والظاهر اختصاصها بأخيرتي الجهرية ، وقد حكم فيها بالنهي عن القراءة لأجل التبعيّة للأوليين  .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان المتقدّمة أيضاً(2) ، الظاهرة في إجزاء التسبيح في الأخيرتين ، والظاهر عدم كون الملحوظ في هذه الفقرة فيها خصوص حال الجماعة ، بل أعمّ منه ومن حال الإنفراد ، فلا دلالة لها حينئذ بالمنطوق على حكم الأخيرتين خلف الإمام .
ومنها : رواية زرارة الواردة في المأموم المسبوق ، وأنّه كان مسبوقاً بركعتين في الظهر أو العصر أو العشاء ، قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه باُمّ الكتاب وسورة ـ إلى أن قال : ـ «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما(3)» ، هذا ، والمستفاد منها مجرد الفرق بين الأخيرتين والأوّلتين من دون دلالة على كيفية الفرق .
وقد انقدح أنه لا دليل على النهي عن القراءة في الأخيرتين ، أمّا في الاخفاتية من الصلاة فواضح ، وأمّا في الجهرية فمقتضى رواية زرارة وإن كان هو النهي ، إلاّ أنّها لا تنهض دليلا عليه بعد عدم كون النهي ثابتاً في الأوّلتين منها مع سماع صوت الإمام ، فالأقوى الجواز والتخيير بينها وبين التسبيح .


(1) الوسائل 8  : 355 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح3  .
(2) الوسائل 8  : 357 . أبواب صلاة الجماعة ب31 ح9  .
(3) الفقيه 1 : 256 ح 1162; التهذيب 3 : 45 ح158; الاستبصار 1 : 436 ح 1683; الوسائل 8 : 388 . أبواب صلاة الجماعة ب47 ح4 .

(الصفحة357)



موارد إدراك الجماعة وتحقّقها

لا إشكال في تحقّق الجماعة فيما لو اقتدى بالإمام بعد فراغه عن تكبيرة الاحرام ، ولكنّ الظاهر أنه لا دليل على لزوم ذلك ، والرواية النبويّة المتقدّمة(1)الظاهرة في الأمر بالتكبير بعد تكبير الإمام لا دلالة لها على لزوم كون شروع المأموم بالتكبير بعد فراغ الإمام من تكبيره ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بذلك في مثل الركوع والسجود المذكورين في الرواية بعد التكبير ، مضافاً إلى أنّ الرواية كما عرفت سابقاً لا تدلّ على أزيد من حكم نفسي مستقلّ ، ولا دلالة فيها على اعتبار شيء في الجماعة .
وكيف كان ، فلا إشكال في عدم لزوم ذلك ، كما أنه لا إشكال في عدم تحقّق الجماعة فيما لو تلبّس المأموم بالصلاة قبل أن يتلبّس الإمام بها ، لا لأجل وجوب المتابعة واعتبارها ، بل لأجل كون الاقتداء بالإمام إنّما هو في صلاته ولم تتحقّق منه صلاة بعد ، كما هو المفروض .
إنّما الاشكال في أنه هل تكفي المقارنة عند الشروع أو يعتبر التأخّر؟ وعلى التقديرين هل يكفي الفراغ من التكبير قبل الإمام أو يعتبر عدم الفراغ قبله؟ والمنسوب إلى المشهور بل المعظم عدم جواز المقارنة الحقيقية في التكبير(2) .
ولكنّ الظاهر أنه لا فرق بين التكبيرة وغيرها من أفعال الصلاة ، فكما أنه

(1) راجع 3 : 314 .
(2) المنتهى 1 : 379; الذكرى 4  : 445; الروضة البهيّة 1  : 384 ; الدروس 1  : 221; البيان : 138; مدارك الاحكام4 : 327; الذخيرة : 398; مستند الشيعة 8 : 96 ـ 97; جواهر الكلام 13 : 207 ـ 208 .

(الصفحة358)

تجوز المقارنة فيها بلا إشكال ، كذلك ينبغي القول بجواز المقارنة في التكبير ، وذلك لعدم الدليل على اعتبار التأخير ، ويؤيّده خبر عليّ بن جعفر المرويّ في قرب الاسناد عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي أله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال : «لا يكبّر إلاّ مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبير»(1) هذا ، ولكنّ الظاهر أنه بصدد النهي عن التقدّم ، ولا نظر له إلى حال التقارن أصلا .
مضافاً إلى أنّ مورد السؤال هو الرجل في حال الصلاة واشتغاله بها ، والبحث في المقام فيمن أراد التلبّس بها ولم يتلبّس بعد ، فهي أجنبية عن المقام . وأمّا القول بعدم جواز الفراغ قبل الإمام بل عدم جواز المقارنة معه ، فيستند إلى أنّ تكبيرة الإحرام حيث جعلت فاتحة للصلاة يكون فراغ المأموم منها قبل الإمام بمنزلة ما لو دخل في الصلاة قبله . فكما أنّ التلبّس بالتكبيرة قبل الإمام ينافي الائتمام ، كذلك الفراغ قبله بعد ملاحظة أنّ الشارع اعتبر مجموعها إفتتاحاً ، وأنّه ما لم تتمّ التكبيرة كأنّه لم يدخل في الصلاة .
هذا ، ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ، فإنّ بناء المتشرّعة وسيرتهم لا يكون على الالتزام بأن لا يكبّروا إلاّ بعد فراغ الإمام من تكبيره ، بل يكبّرون بمجرّد شروعه فيها ، وكون التكبيرة إفتتاحاً لا يوجب بطلان الاقتداء فيما لو فرغ من التكبيرة قبل الإمام ، لأنّ كونها إفتتاحاً إنّما هو لأجل كونه أوّل أجزاء الصلاة ، والدخول فيها إنّما يتحقّق بمجرّد الشروع فيها كما لا يخفى ، هذا كلّه فيما لو اقتدى بالإمام في حال التكبير أو بعده بلا فصل .
وأمّا الاقتداء بالإمام في أثناء القراءة فهو وإن كان ممّا لاخلاف في جوازه وصحته ، إلاّ أنه يمكن أن يناقش فيه من حيث ما ورد من أنّ الإمام ضامن لقراءة

(1) قرب الاسناد : 183 ح840; الوسائل 3 : 101 . أبواب صلاة الجنازة ب16 ح1 .

(الصفحة359)

المأموم(1) لأنّ ظاهر ذلك عدم سقوط القراءة عن المأموم ، غاية الأمر أنّ الإمام ضامن لها .
ومن الواضح أنّ هذا فيما لو اقتدى به في جميع أجزاء القراءة ، ولا دليل على ضمان الإمام فيما لو اقتدى به في الاثناء . هذا ، ولكنّه لا ينبغي الاشكال في أصل الحكم من حيث بناء المتشرّعة وفتاوى الأصحاب(2) .
وأمّا الاقتداء بالإمام في حال الركوع ، فربّما يقال كما حكى عن بعض الأقدمين : بعدم كونه موجباً لإدراك الجماعة في الركعة التي اقتدى فيها ، بل الموجب له هو إدراك الإمام في تكبير الركوع(3) ولكنّ المشهور أنّ إدراكه في حال الركوع يكفي في درك الاقتداء وتحقّقه في تلك الركعة(4) ، والمنشأ للاختلاف اختلاف الروايات الواردة في هذا الباب بحسب الظاهر .
أمّا ما يدلّ على مذهب غير المشهور فهو ما جمعه في الوسائل في باب 44 من أبواب الجماعة .
منها : رواية عاصم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة» .
ومنها : ما رواه جميل ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال لي :

(1) الفقيه1 : 247 ح 1104; التهذيب 3 : 279 ح 820 ; الاستبصار1 : 440 ح 1694; الوسائل 8 : 353 ، 354  . أبواب صلاة الجماعة ب30 ح 1 و3  .
(2) النهاية : 113; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 41; الفقيه 1  : 263; الكافي في الفقه : 145; السرائر 1 : 286; المنتهى1 : 384; مختلف الشيعة 3  : 75 ـ 78; مجمع الفائدة والبرهان 3 : 327; مدارك الاحكام 4 : 383; مستند الشيعة 8 : 145 ـ 146; الحدائق 11  : 242  .
(3) النهاية : 114 ; التهذيب 3 : 43; الاستبصار1 : 435; المبسوط1 : 158; المهذّب 1 : 82 .
(4) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3 : 41; الوسيلة  : 107; الكافي في الفقه : 145; السرائر 1 : 285; مختلف الشيعة 3  : 79 وحكاه عن ابن الجنيد أيضاً; المنتهى 1  : 383; الدروس 1  : 222; مدارك الأحكام 4 : 385 .

(الصفحة360)

«إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» .
ومنها : ما رواه علاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة(1)» وقد انقدح أنّ الراوي في جميعها هو محمّد بن مسلم ، والمرويّ عنه هو أبو جعفر الباقر(عليه السلام) ، نعم واحدة منها مرويّة عن الإمام الصادق(عليه السلام) .
وأمّا ما يدلّ على المذهب المشهور فهو ما جمعه في الوسائل في باب 45 من أبواب الجماعة .
منها : رواية سليمان بن خالد عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه : «فقد أدرك الركعة»  .
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا ادركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة»(2) .
ومنها : رواية أبي أسامة زيد الشحام أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل انتهى إلى الإمام وهو راكع؟ قال : «إذا كبّر وأقام صلبه ثم ركع فقد أدرك» .
ومنها : رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا جاء الرجل

(1) الكافي 3 : 381 ح 2; التهذيب 3  : 43 ح149 ـ 151; الإستبصار 1 : 434 ـ 435 ح1676ـ 1678; الوسائل 8  : 381 . أبواب صلاة الجماعة ب44 ح1 ـ 4  .
(2) الكافي3 : 382 ح6 و5 ; الفقيه1 : 254 ح 1149; التهذيب3 : 43 و271 ح 152 و153 و781; الاستبصار 1 : 435 ح 1679 و 1680; الوسائل 8 : 382 . أبواب صلاة الجماعة ب45 ح1 و2 .

<<التالي الفهرس السابق>>