في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)

مسألة 8 ـ لا يشترط في الاجارة تعيين الطريق، و ان كان في الحج البلدي لكن لو عيّن لا يجوز العدول عنه الاّ مع احراز انه لا غرض له في الخصوصية، و انّما ذكرها على المتعارف و هو راض به، فحينئذ لو عدل يستحق تمام الاجرة، و كذا لو اسقط حق التعيين بعد العقد، و لو كان الطريق المعين معتبرا في الاجارة فعدل عنه، صحّ الحج عن المنوب عنه و برئت ذمّته، إذا لم يكن ما عليه مقيّدا بخصوصية الطريق المعين، و لا يستحق الاجير شيئا لو كان اعتباره على وجه القيدية، بمعني ان الحج المقيّد بالطريق الخاص كان موردا للاجارة، و يستحق من المسمّى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة، إذا كان الطريق معتبرا في الاجارة على وجه الجزئية1 .


1 - يقع الكلام في هذه المسألة ايضا من جهات:
الجهة الاولى: انه لا يشترط في الاجارة تعيين الطريق، لا من جهة الجوّ و البحر و البرّ، و لا تعيين الخصوصية إذا كانت لها طرق متعددة، و ذلك لعدم مدخلية الطريق في غرض المستأجر للحج نوعا، لان غرضه كذلك انما يتعلق باصل المناسك و الاعمال، و هذا بخلاف انواع الحج المتقدمة في المسألة السّابقة، و لا فرق في عدم الاشتراط بين كون المتعلق للاجارة، الحج الميقاتي، و بين كونه هو الحج البلدي، و ذلك لان مرجع الحج البلدي الى لزوم كون الشروع من البلد، و هو لا يستلزم تعيين طريق خاص، كما هو ظاهر.
الجهة الثانية: انه مع عدم الاشتراط لو فرض التعيين من ناحية المستأجر، فهل يجوز للاجير العدول عنه الى طريق اخر ام لا؟ في المسئلة اقوال متعددة:
احدها: القول بجواز العدول مطلقا، حكي ذلك عن الشيخ في المبسوطو النهاية، و عن المهذب و السرائر و الجامع، و حكاه في الحدائق عن ظاهر الصدوق

(الصفحة82)



فيمن لا يحضر.
ثانيها: ما يظهر من عبارة الشرايع حيث قال: و لو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول ان تعلق بذلك غرض. فانّ ظاهره انحصار عدم جواز العدول بما إذا احرز تعلق غرض المستأجر بخصوص ذلك الطريق، و لازمه جواز العدول في صورة الشك و عدم الاحراز، و قال في الجواهر بعد العبارة المذكورة: وفاقا للمشهور.
ثالثها: ما يظهر من المتن ـ تبعا للعروة ـ من انحصار جواز العدول بما إذا احرزعدم تعلق غرض المستأجر بالخصوصية، و ان ذكرها، كان على المتعارف، و في الحقيقة كان ذكر الخصوصية انما هو في اللفظ و العبارة من دون ان يكون الغرض متعلقا بها. هذا، و مقتضي القاعدة انّما هو القول الثالث، و لكن مستند القائل بجواز العدول هي صحيحة حريز بن عبد الله. قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اعطى رجلا حجّة يحج عنه من الكوفة، فحجّ عنه من البصرة.
فقال: لا باس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّة.(1) و يرد على الاستدلال بها: لجواز العدول بانّ الظاهر ان قوله7: إذا قضى... انّما يكون مرتبطا بقوله: لا بأس. و لا يكون حكما مستقلا غير مرتبط بذلك القول. و عليه، فمفاد الصحيحة تمامية حجّ الاجير إذا قضى جميع المناسك، و وقوعه عن المنوب عنه و مبرءا لذمّته، و لكن البحث فعلا ليس في ذلك، بل في اصل جواز العدول و عدمه من حيث الحكم التكليفي، فلا ينطبق الدليل على المدعيّ. نعم، لو كان الجواب مشتملا على حكمين غير مرتبطين، احدهما نفي البأس الظاهر في الحكم التكليفي، و ثانيهما صحة الحج مع التخلف و العدول عن

1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الحادي عشر ح ـ 1.

(الصفحة83)



الطريق المعين، لكان للاستدلال بها على المقام مجال، لكن حمل الرواية على ذلك، و ان كان يساعده ظهور نفي الباس في الحكم التكليفي، الاّ انه يستلزم ان يكون محطّ السؤال و مورد نظر السائل ايضا امرين، و هو خلاف ظاهر السؤال.
و بالجملة: حيث يكون جواز العدول مع تعيين الطريق و عدم العلم بانه لا غرض للمستأجر الى الخصوصية، على خلاف القاعدة، فلا بد في اثبات حكم مخالف لها من تمامية الرواية سندا و دلالة، و اثبات ظهورها في ذلك الحكم، و لم يثبت هذا الظهور بالاضافة الى الصحيحة في المقام، فلا مجال للعدول عمّا تقتضيه القاعدة.
ثم انه ذكر للرواية محامل، كلها خلاف الظاهر، بل لا مجال لحمل السّؤال على بعضها اصلا، مثل ما عن ذخيرة الفاضل السبزواري، من ان قوله: من الكوفة، متعلق بقوله: اعطى. و ما عن المدارك، من: انه صفة لقوله: رجلا. و ماعن السيد الجزائري، من حملها على الشرط الخارج عن العقد، و هو لا يجب الوفاء به عند الفقهاء. و ما عن المنتقى، من حملها تارة: على ما إذا علم عدم تعلق الغرض بالخصوصية، و اخرى: على ان الاعطاء المفروض في السؤال لا يكون من باب الاجارة، بل من قبيل البذل و الرزق.
و يجري في السؤالّ احتمال اخر، و هو ان يكون السؤال عن التخلف بالاضافة الى المبدأ، الذي يكون الغرض متعلقا به في الحج البلدي و يؤيده التعبير بكلمة «من» و على هذا الاحتمال تخرج الرواية عمّا هو مورد البحث في المقام، و الظاهرانه لم يقل احد بجواز العدول بالاضافة اليه، و كيف كان، لا تنهض الرواية لاثبات حكم على مخالف القاعدة، فيما نحن فيه، فاللازم الاخذ بها، و هو موافق لمافي المتن.
ثم انه الحق في المتن صورة اسقاط التعيين، بصورة العلم بعدم تعلق الغرض

(الصفحة84)



بالخصوصية في الحكم بجواز العدول، الذي لازمه استحقاق الاجرة ايضا، و الظاهر ان المراد من اسقاط الحق المذكور هو ما لو كان الحقّ ناشئا عن اشتراط الطريق المعين الذي يوجب ثبوت الحق للشارط، فمرجعه الى انه في صورة الشرط يجوزللمستأجر اسقاط الحقّ الثابت له بسبب الشرط، فيجوز للاجير بعد الاسقاط العدول، و يستحق الاجرة ايضا.
و الدليل على كون المراد هو الاشتراط، عدم التعرض له في الفرع اللاحق، الذي تعرض فيه لحكم استحقاق الاجير، بل وقع التعرض لصورتي القيدية و الجزئية.
توضيح ذلك: انه قد مرّ في المسألة السابقة: ان تعيين النوع من النواع الحج، تارة: يكون بعنوان القيدية، و اخرى: بعنوان الشرطية، و يجري في المقام صورة ثالثة، و هي ان يكون تعيين الطريق بنحو الجزئية، و الوجه في الاختلاف: انّ عنوان النوع من الاوصاف، و لا يكون بحسب نظر العقلاء و العرف قابلا لان يؤخذ بنحو الجزئية، التي مرجعها الى وقوع بعض من مال الاجارة في مقابله، بخلاف المقام، فانّ سلوك الطريق، حيث انه عمل له وجود مستقل و يبذل بازائه المال، يمكن ان يؤخذ في الاجارة بنحو الجزئية، فهذه المسألة تغاير المسألة السابقة، و عليه، فحيث انه لم يقع التعرض في ذيل هذه المسألة الاّ لصورتي القيدية و الجزئية، فاللازم حمل قوله: لو اسقط حق التعيين. على صورة الشرط.
فتدّبر. و كان المناسب التصريح بالشرطيّة خصوصا مع ملاحظة ما مرّ منا في ضابطة القيدية و الشرطية، فان مقتضاها كون هذه المسألة بصورة الشرطية، لخروج الطريق عن مهية الحج، و حقيقته، بخلاف المسألة المتقدمة، التي يكون مقتضى الضابطة المذكورة وقوعها بنحو القيدية، كما عرفت.

(الصفحة85)



الجهة الثالثة: في انه مع العدول يقع الحج صحيحا و تتحقق براءة ذمة المنوب عنه، لوقوعه نيابة عنه، كما هو المفروض، و لا فرق في هذا الحكم بين القول بجواز العدول و بين القول بعدمه.
امّا على الاوّل: فالحكم بالصحة و البراءة واضح، لانه لا مجال للمناقشة في الصحّة بعد حكم الشارع بجواز العدول و مشروعيّته للاجير.
و امّا على الثاني: فلان حرمة العدول و استحقاق العقوبة عليه لا تكاد تسري من متعلقها، الذي هو العدول عن الطريق المعين و السلوك من طريق اخر الى الحج، الذي هو عبارة عن مجرد الاعمال و المناسك، لعدم الارتباط بينهما، فالحج عبادة واقعة مع جميع شرائط الصحة، فاللازم الحكم بها و وقوعها مبرأة لذّمة المنوب عنه، و عدم استحقاق الاجرة في بعض صور المسألة لا يقدح في الصحة و الابراء، بل اللازم الحكم بوقوعه بنحو التبرع، خصوصا مع العلم بعدم الاستحقاق مع العدول فيه، لانه لا يكاد ينفك ذلك عن قصد التبرع و وقوعه بلا اجرة، كما لا يخفى.
نعم، يستثنى من الحكم ببراءة ذمة المنوب عنه ما إذا كان ما عليه مقيّدابخصوصية الطريق المعين في عقد الاجارة، كما إذا نذر الحج المقيد بها. و قد عرفت في فصل الحج بالنذر: انه إذا تعلق النذر باصل الحج مقيدا بخصوصية، لا يلزم ان تكون تك الخصوصية راجحة شرعا، بل اللازم ان يكون المتعلق راجحا، و في مثل ذلك يكون الحج الكذائي راجحا بالاضافة الى تركه، كما إذا نذر ان يصلّي صلاة الليل في داره.
و الوجه في عدم البراءة في الصورة المذكورة واضح، لانه لم يتحقق من الاجيرفي الخارج ما تكون ذمّة المنوب عنه مشتغلة به، فلا مجال للبراءة، و ان كان ما هو

(الصفحة86)



الواقع منه صحيحا و واقعا عن المنوب عنه، لاقترانه بقصد النيابة، الاّ انه لا يكفي مع ذلك في حصول البراءة فيما هو المفروض، ثم ان الحكم بالصحة و البراءة مع فرض عدم جواز العدول لا فرق فيه بين انواع تعيين الطريق من الشرطية و القيدية و الجزئية، كما هو ظاهر.
الجهة الرّابعة: في استحقاق الاجير للاجرة و عدمه، و التفصيل: انّ تعيين الطريق، كماعرفت: قد يكون بنحو الشرطية و قد يكون بنحو القيدية و قد يكون بنحو الجزئية.
امّا إذا كان بنحو الشرطية، فالحكم فيه ما مرّ في المسألة السابقة، من: ان التخلف عن الشرط و العدول يوجب ثبوت الخيار للمستأجر، فان اختار الابقاء و عدم الفسخ، فاللازم استحقاق الاجير للاجرة المسماة لبقاء الاجارة بحالها، و تحقق المتعلق من الاجير، غاية الامر تخلفه عن الشرط و مخالفته للحكم التكليفي بوجوب الوفاء بالشرط المقتضية لاستحقاق العقوبة، و كذا ثبوت الخيار للمستأجر.
و ان اختار الفسخ، فاللازم الحكم باستحقاق الاجير لاجرة المثل، لانه قد اتى بمتعلق الاجارة، لفرض كون خصوصية الطريق مأخوذة بنحو الشرطية، فالمتعلق واقع بأمر المستأجر مع عدم اقترانه بقصد التبرع. و قد اشار الى الفرض الاوّل في المتن بقوله: و كذا لو اسقط حق التعيين بعد العقد، على ما عرفت.
و امّا إذا كان بنحو القيدية، فاللازم الحكم بعدم استحقاق الاجير شيئا من الاجرة المسماة و اجرة المثل، لعدم تحقق متعلق الاجارة منه في الخارج، و هذا كما في التكاليف، فانه إذا كان المكلف به مقيّدا، مثل عتق الرقبة المؤمنة، لا يكفي في تحقق موافقة التكليف ـ و لو في الجملة ـ الاتيان بذات المقيد، كعتق الرقبة غيرالمؤمنة، و لا فرق باب التكاليف و بين باب العقود بعد وقوع التقييد في

(الصفحة87)



متعلقها، كما هو المفروض. و عليه، فكما لا يستحق الاجرة المسماة كذلك لا يستحق اجرة المثل، لعدم كون ذات المقيد بدون القيد واقعا بامره و اذنه.
هذا، و لكن ذهب صاحب الجواهر الى استحقاق ما يقابل العمل من الاجرة في هذا الصورة ايضا، حيث قال فيها: «و ان كان المراد الجزئية من العمل المستأجر عليه على وجه التشخيص به، فقد يتخيل في بادي النظر: عدم استحقاق شيء ـ كما سمعته من سيد المدارك ـ لعدم الاتيان بالعمل المستأجر عليه، فهو متبرع به حينئذ، لكن الاصحّ خلافه، ضرورة كونه بعض العمل المستأجر عليه و ليس هو صنفا اخر، و ليس الاستيجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه ـ مثلا ـ باولى منه بذلك».
و يرد عليه، ما عرفت من: انّه مع التقييد لا مجال لدعوي كون ما اتى به بعض العمل المستأجر عليه، و انه ليس صنفا اخرى فانّ المغايرة بين البشرط شيء و اللاّ بشرط القسمي واضحة لا ريب فيها، و قد مرّ: انه لا فرق بين باب التكاليفو باب العقود في هذه الجهة اصلا، و التنظير بمسألة الخياطة في غير محلّه، فالانصاف انه لا وجه لما افاده ـ قدّس سره ـ.
و امّا إذا كان بنحو الجزئية، و المقصود منه ما إذا كان المتعلق مركّبا من جزئين و يكون المجموع متعلقا واحدا للاجارة، احدهما الاعمال و المناسك، و ثانيهما الطريق المعين فيها، و امّا إذا كان كل واحد من الجزئين متعلقا مستقلاللاجارة قد تعلق به الغرض كذلك غاية الامر، اجتماعهما في عبارة واحدة و انشاء واحد، فهو خارج عن فرض الجزئية، و ان جعله بعض الاعلام احد فرضي الجزئية، فهو خارج عن فرض الجزئية، و ان جعله بعض الاعلام احد فرضي الجزئية، لكنه في غير محله. و كيف كان، ففي فرض الجزئية إذا تخلف و لم يأت بالجزء الذي هو الطريق المعين في الاجارة، يستحق من الاجرة المسماة ما يقابل الجزء المأتي به، و هو الحج، و لكن الظاهر ثبوت خيار تبعض الصفقة للمستأجر،

(الصفحة88)

مسألة 9 ـ لو أجر نفسه للحج المباشري عن شخص في سنة معينة ثم اجر عن اخر فيه مباشرة بطلت الثانية و لو لم يشترط فيها او في احديهما المباشرة صحّتا، و كذا مع توسعتهما او توسعة احديهما او اطلاقهما او اطلاق احديهما لو لم يكن انصراف منهما الى التعجيل. و لو اقترنت الاجارتان في وقت واحد بطلتا مع التقييد بزمان واحد و مع قيد المباشرة فيهما1 .


فان اختار الفسخ يستحق الاجير اجرة مثل ما عمله لا من الأجرة المسماة، فالفرق بين صورة الشرط و صورة الجزئية انّما هو في: ان الاستحقاق في الصورة الاولى انّماهو بالنسبة الى الجميع، و في الصورة الثانية انّما هو بالاضافة الى البعض من دون فرق بين صورتي الفسخ و عدمه، كما لا يخفى.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الاوّل: فيما لو تعاقبت الاجارتان المشتملتان على قيد المباشرة، المتحقق بالاشتراطو التصريح به ـ على ما يظهر من العبارة و ان كان سيأتي ما يخالفه ـ و قيد الزمان الواحد المتحقق بالاشتراط او الاطلاق المنصرف الى التعجيل، و الظاهر تسالم كل من تعرض للمسألة على بطلان الاجارة الثانية و عدم وقوعها صحيحة، انما الكلام في وجه البطلان، فنقول: قد استدلّ السيّد (قدس سره) في العروة تبعا لصاحب الجواهر بعدم القدرة على العمل بالاجارة الثانية بعد وجوب العمل بالاجارة الاولى، و قد ارتضاه اكثر شراح العروة، مع انه يرد عليه: انه ان كان المراد بعدم القدرة عليه هو عدم القدرة تكوينا، بحيث تصير الاجارة الثانية فاقدة لشرط القدرة التكوينية المعتبرة في مطلق الاجارة، فمن الواضح: ان مجرد وجوب العمل بالاجارة الاولى و الوفاء بها لا يكون سالبا للقدرة و موجبا لانتفائها، ضرورة بقاء القدرة التكوينية و تحقق القدرة لها بالاضافة الى الحج عن اخر، كما هو واضح. و ان كان المراد بعدم القدرة عليه هو

(الصفحة89)



عدم القدرة شرعا، و مرجعه الى حرمة العمل بما لاجارة الثانية، نظرا الى كون مشروعية العمل و اباحته معتبرة في الاجارة مطلقا، و وجوب العمل بالاجارة الاولى يقتضي كون العمل بالاجارة الثانية محرما غير مشروع. فيرد عليه: ان الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضد العام فضلا عن الضدّ الخاص ـ كما حققناه في محلّه في الاصول ـ فمجرد ثبوت الوجوب لا يقتضي حرمة الترك فضلا عن الضدالخاص للواجب، فان الوجوب امر اعتباري بسيط و لا يكون المنع من الترك جزء من معناه و دخيلا في مفهومه. و عليه، فالثابت بمقتضى الاجارة الاولى انّما هو مجرد وجوب الوفاء بها و لزوم الحج عن الشخص الاول و اما حرمة الحج عن اخرفلا يكون هنا شيء يقتضي ثبوتها، حتى يقال: ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا، فانه ليس في البين ممنوعية شرعية بوجه. و قد ذكرنا في مسألة من استقر عليه الحج: انه لا دليل على بطلان استنابته و استيجاره، و انه إذا حج نيابة عن الغير يقع حجّة صحيحا. و عليه، فالدليل المذكور في العروة محلّ نظر بل منع.
و قد ذكر في كتاب الاجارة ضابطة كلية لنظائر المسألة، و هي: انّه لو أجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معين ثم أجر نفسه لمثل ذلك العمل كذلك، اي مع قيد المباشرة و في ذلك الوقت المعين، كما إذا أجر نفسه للخياطة لزيد في يوم معين ثم اجر نفسه للخياطة لعمرو في ذلك اليوم، يكون المستأجر في الاجارة الاولى مخيّرا بين فسخ الاجارة و استرجاع تمام الاجرة إذا لم يعمل له شيئا، او بعضها إذا عمل شيئا و بين ان يبقيها و يطالبه اجرة مثل العمل، و بين فسخ الاجارة الثانية و اخذ الاجرة المسماة فيها.
و عليه، فمقتضى ذلك صيرورة الاجارة الثانية فضولية، و امر امضائها و ردّها بيد المستأجر الاوّل. و الوجه فيه: ان التقييد بالمباشرة مع التوقيت يوجب انتقال منفعته الخاصة في الزمان الخاص الى المستأجر، فكما ان اجارة الدّار سنة ـ مثلا

(الصفحة90)



يوجب انتقال منفعتها فيها الى المستأجر، و لازمنه انه إذا اجرها في تلك السنة من آخر تصير الاجارة الثانية فضولية، لعدم كون مالك الدار مالكا للمنفعة بعد الاجارة الاولى، بل المالك لها هو المستأجر، فالاجارة الثانية فضولية و امرها بيد المستأجر الاوّل، كذلك منفعة الشخص إذا اضيفت اليه بالتقييد بالمباشرة تنقل الى المستأجر الاوّل، فنقلها الى المستأجر الثاني فضولي، يتوقف على الاجارة، و ليس ذلك مثل ما إذا تقبل عملا في الذّمة، فانه لا ينافي تقبل مثله فيها بالاضافة الى شخص اخر، و لذا تبطل الاجارة في مثل المقام بموت الاجير و لا تبطل بموته في صورة التقبل في الذمة، بل تجب على الوارث ابراء ذمّة الميت، بان يخيط ثوب المستأجر بنفسه او بغيره، لان المفروض عدم مدخلية المباشرة، التي لا يمكن ان تتحقق بعد الموت.
هذا و مقتضى هذه الضابطة كون الاجارة الثانية في المقام فضولية، مع ان ظاهر العبارات بطلانها بالمرّة، كالبطلان في المقام الثاني، و هي صورة اقتران الاجارتين المحكومة ببطلانهما، مع ان مقتضى الدليل المتقدم ايضا على تقدير صحته هو البطلان بالمرة.
و بالجملة: لا يجتمع الحكم بالبطلان بالمرة في المقام مع الضابطة المتقدمة المذكورة في كتاب الاجارة، التي مقتضاها كون الاجارة الثانية فضوليّة، و لامحيص عن الاخذ بتلك الضابطة و عدم الحكم بالبطلان بالمرّة، كما لا يخفى.
ثم انه يقع الكلام في هذا المقام في امور:
الاوّل: انه لا اشكال في صحة الاجارة الثانية إذا لم تشترط المباشرة في شيءمن الاجارتين، و كذا فيما إذا لم تشترط في خصوص الاجارة الاولى، و امّا فيما إذا اشترطت في الاجارة الاولى دون الثانية، فربما يقال، كما في الجواهر ببطلان الثانية، نظرا الى انّه يعتبر في صحة الاجارة تمكن الاجير من العمل بنفسه،

(الصفحة91)



فلا تجوز، اجارة الاعمى على قراءة القرآن، و ان لم تشترط فيها المباشرة، و كذااجارة الحائض لكنس المسجد، كذلك.
و لكن الظاهر بطلان هذا القول المعتبر في صحة الاجارة هي القدرة على متعلق الاجارة، فاذا كان المتعلق غير مقيد بالمباشرة، بل كان هو الجامع بين المباشرة و التسبيب، فلا يعتبر حينئذ تمكن الاجير من العمل بنفسه، بل المعتبر هوتمكنه من العمل بنفسه او بغيره و عليه، لا مجال للحكم ببطلان الاجارة في المثالين و في مفروض هذا الامر.
الثاني: انه لا اشكال في صحة الاجارة الثانية مع التصريح في الاجارتين او في احديهما، سواء كانت هي الاولى او الثانية بالتوسعة و عدم التقييد بزمان معين، فانه لا منافاة بينهما حينئذ بوجه اصلا و قدرة الاجير على العمل بكلتيهما، و لو كان قيد المباشرة مأخوذا في احديهما او فيهما، و لا يجري فيه الضابطة المتقدمة، التي عرفت: ان مقتضاها الفضولية، كما هو ظاهر.
الثالث: ما إذا كانت الاجارتان او احداهما مطلقة من حيث الزمان، من دون التقييد بزمان معين و من دون التصريح بالتوسعة و اختلفت الفتاوي فيه على قولين: فالمحكي عن الشيخ و غيره: الحكم ببطلان الاجارة الثانية، و قد اختاره المحقق في الشرايع، بل يظهر من كلامه التوقف في صحة الثانية إذا كانت معينة في غير السنة الاولى. و حكى في الجواهر، عن العلامة، في المنتهى الجزم بعدم البطلان.
و الظاهر انه لو لم يكن مراد الشيخ و من تبعه خصوص صورة الانصراف الى التعجيل، التي هي بحكم التصريح بالتقييد بزمان معين، لما كان وجه للحكم ببطلان الاجارة الثانية، لانه مع الاطلاق و عدم الانصراف لا منافاة بين الاجارتين، و لو كان قيد المباشرة مأخوذا في البين فلا يجري فيها دليل البطلان، و لا

(الصفحة92)



دليل الفضولية اصلا.
ثم ان الحكم بعدم البطلان انّما هو مع عدم انصراف الاطلاق الى التعجيل.
و قد حكي عن الشهيد (قدس سره) في بعض تحقيقاته انه حكم باقتضاء الاطلاق في كل الاجارات، التعجيل. و حكي في الجواهر عن جماعة، التصريح باقتضاء الاطلاق في الحج، التعجيل. و لكن عن المدارك بعد نقل قول الشهيد، انه قال: و مستنده غير واضح. نعم، لو كان الحج المستأجر عليه حج الاسلام، او صرّح المستأجر بارادة الفورية و وقعت الاجارة على هذا الوجه، اتجه ما ذكر.
و قال صاحب الجواهر بعد نقل ما افاده في المدارك: و هو كذلك بناء على الاصحّ، من عدم اقتضاء الامر الفور، و الفرض عدم ظهور في الاجارة بكون قصد المستأجر ذلك.
اقول: الظاهر عدم ارتباط المقام بمسألة دلالة الامر على الفوريّة، التي هي مختلف فيها، و قد اختار المحققون عدم دلالته لا على الفور و لا على التراخي، و ذلك.
لان الفورية على تقدير دلالة الامر عليها، انّما تكون متعلقة للتكليف الوجوبي و لا تكون دخيلة في المتعلق بنحو القيدية، بل و لا بنحو الشرطية، و لذا يجب على المكلف مع الاخلال بها الاتيان بالمأمور به في الزمان الثاني و هكذا، فهي على التقدير المذكور قد تعلق بها حكم وجوبي بالنحو المذكور، اي فورا، ففورا بخلاف المقام.
و بعد ذلك يكون التعجيل مرتبطا بالانصراف، و الظاهر ان دعوى الانصراف في كل الاجارات ممنوعة، فانه لا ينصرف الاستيجار للخياطة الى التعجيل قطعا، و كذلك الاستيجار للعبادات مثل الصلاة و الصيام، و امّا في باب الحج فلا تبعد دعوى الانصراف فيه، و لكن مع ذلك ادّعائه في كل زمان و مكان مشكل، و لعلّ اختلافهما كان دخيلا في ثبوته و عدمه. ثم ان مرجع الانصراف على

(الصفحة93)

10 ـ لو أجر نفسه للحج في سنة معينة، لا يجوز له التأخير و التقديم الاّ برضا المستأجر. و لو أخّر، فلا يبعد تخير المستأجر بين الفسخ و مطالبة الاجرة المسماة و بين عدمه و مطالبة اجرة المثل، من غير فرق بين كون التأخير لعذر اولا، هذا إذا كان على وجه التقييد، و ان كان على وجه الاشتراط: فللمستأجر خيار الفسخ، فان فسخ يرجع الى الاجرة المسمّاة، والاّ فعلى المؤجر أن يأتي به في سنة اخرى و يستحق الاجرة المسماة، و لو اتى به مؤخرا لا يستحق


تقدير ثبوته الى التصريح بالفورية، الذي لا يخلو عن كون اوّل الازمنة دخيلا بنحو القيدية او الشرطية، كما سيأتي تصويرهما في المسألة الآتية، هذا تمام الكلام في المقام الاوّل.
المقام الثاني: في اقتران الاجارتين مع الخصوصيتين المذكورتين في تعاقب الاجارتين.
و الظاهر ان الحكم فيهما هو البطلان من رأس، كما في المتن و غيره. و الوجه فيه: ليس هو عدم امكان الجمع بين الاجارتين من جهة الحكم التكليفي بوجوب الوفاء، فانه لا يقتضي البطلان، كما في المتزاحمين، بل الوجه: هو عدم امكان اعتبار مالكين مستقلين بالاضافة الى شيء واحد في وقت واحد، عينا كان، كما في البيع، او منفعة، كما في منفعة الدار او منفعة الاجير في المقام و مثله، و كذلك لا يمكن اعتبار زوجين بالاضافة الى زوجة واحدة في زمان واحد، و عليه، فاللازم لحكم ببطلان كليهما، لعدم امكان اجتماعهما و الحكم بصحة احدهما دون الآخر، ترجيح من غير مرجح، و لا مجال للرجوع الى القرعة بعد عدم ثبوت واقع مجهول، كما لا يخفى.
ثم ان فرض اصل اقتران الاجارتين و مثلهما، امّا فيما إذا كان الايجابان واقعين بنحو التعاقب او الاقتران، و لكن تحقق القبول من الاجير بلفظ واحد بالاضافة الى كليهما، و امّا فيما إذا تحقق احدهما من الموكل و الآخر من الوكيل مع اقترانهما، او تحقق من الوكيلين كذلك.

(الصفحة94)

الاجرة على الاوّل و ان برئت ذمة المنوب عنه به، و يستحق المسمّاة على الثاني الاّ إذا فسخ المستأجر فيرجع الى اجرة المثل، و ان اطلق و قلنا بوجوب التعجيل لا يبطل مع الاهمال، و في ثبوت الخيار للمستأجر و عدمه تفصيل1 .


1 - في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الاولى: عدم جواز التأخير و كذا التقديم من جهة مجرد الحكم التكليفي، الاّ برضا المستأجر، و لا اشكال فيه بعد كون الزمان المعين، مأخوذا بنحو القيدية او الشرطية، كما هو المفروض. نعم، في خصوص صورة التقديم ربما يقال بالجواز، لانه زاد خيرا، و لكن الظاهر خروج مثل هذا الفرض عن محلّ الكلام، لان مرجعه الى كون الغرض متعلقا بعدم التأخير لا به و بعدم التقديم معا، ففي مفروض الكلام: كما لا يجوز التأخير كذلك لا يجوز التقديم ايضا.
الجهة الثانية: لو تخلف المستأجر و أخرّ عن السّنة المعينة، سواء كان لعذر او لغيره، فتارة: يكون اعتبار تلك السنة بنحو التقييد، كأن يقول: استأجرتك للحج في هذه السنة، و اخرى يكون بنحو الاشتراط، كأن يقول: استأجرتك للحج و اشترطت عليك الاتيان به فيها امّا الأولى فهل الحكم فيها هو انفساخ عقد الاجارة قهرا كما اختاره السيّد (قدس سره) في العروة، أو التخيير المذكور في المتن؟ فيه
وجهان: و الظاهر هو الوجه الثاني، لأنّ التخلف المذكور لا يكون اسوء حالا من تعذر التسليم الطاري على العقد، و كما ان التعذر المذكور لا يوجب الانفساخ، كذلك التخلف في المقام، فهو لا يوجب الاّ الخيار، فان اختار المتسأجر الفسخ فله مطالبة

(الصفحة95)



الاجرة المسماة و استردادها، و ان اختار الامضاء فله مطالبة اجرة المثل من الاجير، لتفويته المنفعة المقيدة المملوكة للمستأجر عليه، فيكون ضامنا لاجرة المثل. و الظاهر ان مستند السيد (قدس سره) في الحكم بالانفساخ، هو: ان التخلف من حيث الزمان مع كونه مأخوذا بنحو القيدية، مثل موت الاجير قبل العمل مع التقييد بالمباشرة، فكما انه يوجب البطلان، كذلك التخلف من حيث الوقت في الفرض المذكور. و لكن المقايسة في غير محلّها، لان قيد المباشرة له دخل في صيرورة الاجير اجيرا خاصّا، بخلاف قيد الزمان، الذي يجتمع مع تقبل العمل في الذمة.
و امّا الثانية: فالحكم فيها هو ثبوت خيار تخلف الشرط، فان اختار المشروط له الفسخ، فاللازم استرداد الاجرة المسماة، و ان اختار الامضاء فمرجعه الى اسقاط حق الشرط، و عليه، فاللازم على الاجيران يأتي به في الزمان اللاّحق، و ليس للمستأجر الرجوع الى اجرة المثل في هذه الصورة، لعدم وقوع شيء من الاجرة في مقابل الزمان المعين، و عدم تحقق تفويت العمل المستأجر عليه على المستأجر، بخلاف الصورة المتقدمة، فمرجع الامضاء في هذه الصورة الى اسقاط حق الشرط، و فرض المعاملة كأن لم تكن مشتملة عليه، و من الواضح: ان الحكم فيه لزوم الاتيان بالعمل فيما بعد تلك السنّة.
الجهة الثالثة: في استحقاق الاجير للاجرة و عدمه، لو تخلف و اتى بالحج مؤخّرا عن السنة المعيّنة، و الحكم فيها ايضا التفصيل بين صورتي التقييد و الاشتراط.
فان كان اعتبار الزمان المعين بنحو التقييد، فالظاهر انه لا يستحق اجرة مطلقا، لا الاجرة المسماة و لا اجرة المثل، امّا عدم استحقاق الاجرة المسماة،

(الصفحة96)



فلعدم الاتيان بالعمل المستأجر عليه المقيد بذلك الزّمان، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده، فلا مجال لاستحقاق تلك الاجرة. و امّا عدم استحقاق اجرة المثل، فلعدم وقوع العمل بأمر المستأجر و اذنه، و مجرد عود نفعه اليه لحصول براءة ذمة المنوب عنه بعمل الاجير لا يستلزم الاستحقاق بوجه، و امّا حصول البراءة، المتوقف على صحة الحج الواقع نيابة عن المنوب عنه، فلاجل انه لا وجه للمناقشة في الصّحةو مجرّد كون الداعي الى اتيانه اخذ الاجرة، لا يوجب البطلان عند التخلف و عدم تحقق الداعي.
و ان كان الاعتبار بنحو الاشتراط و وقع العمل من الاجير مؤخرا، فان لم يفسخ المستأجر الاجارة و اسقط حق الشرط يستحق الاجير الاجرة المسمّاة، لوقوع العمل المستأجر عليه و صدوره من الاجير، و الفرض اسقاط المشروط له حق الشرط، فيستحق تلك الاجرة. و ان فسخ المستأجر الاجارة و لم يسقط حق الشرط يستحق الاجير اجرة المثل، لوقوع العمل المستأجر عليه. غاية الامر، تأثير الفسخ في استحقاق اجرة المثل دون المسماة.
و ينبغي التعرض بعد البحث في مسائل التأخير من البحث عن حكم التقديم، و ان لم يقع البحث عنه الاّ بالاضافة الى الحكم التكليفي في صدر المسألة و هو عدم جواز التقديم. فنقول: اعتبار التقديم ان كان بمعنى تعلق الغرض بعدم التأخير عن الزمان المعين، فقد عرفت: انه خارج عن محل الكلام، لان مرجعه الى اعتبار عدم التأخير عنه، فلا فرق بين ايقاعه فيه و بين ايقاعه قبله اصلا، كما هو ظاهر.
و ان كان بمعنى تعلق الغرض بعدم التقديم كتعلقه بعدم التأخير، كما إذا كان غرضه متعلقا بأن يأتي بالحج عنه في كل عام اجير، و قد استأجر اجيرا لهذه السّنة قبلا، و استأجر هذا الاجير للسنّة الآتية، فاذا قدمه عليها و اتى به في هذه السنة،

(الصفحة97)



فلم يتحقق غرضه اصلا، فهو داخل في محلّ البحث.
و قد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في مورد التقديم: «لو قدّمه عن السنة المعيّنة، فعن التذكرة: الاقرب الجواز، لأنّه زاد خيرا، و هو المحكي عن الشافعي، و في المدارك: في الصحة و جهان، اقربهما ذلك، مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين، و فيه، انه يرجع الى عدم ارادة التعيين من الذكر في العقد و حينئذ لا اشكال في الاجزاء، انما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين و لا ريب في عدم الاجتزاء به عن الاجارة، الاّ إذا كان بعنوان الشرطية لا لتشخيص العمل».
اقول: الفرق بين التقديم و التأخير مع اشتراكهما في تعلق الغرض بعدمهما، هوعدم جريان احتمال الانفساخ في التقديم، لانه لا يوجب تفويت العمل المستأجر عليه، لعدم منافاته مع الاتيان به في زمانه المعين، بخلاف التأخير، و كذا لا يجري الخيار ايضا، لما ذكر، فان مجرّد التقديم و الاتيان بالحج في السنة المتقدمة لا ينافي الاتيان به في السنة المعيّنة سواء كان اعتبارها بنحو التقييد او الاشتراط، نعم، في صورة الاشتراط و عدم الاتيان به فيها، إذا فسخ المستأجر يرجع الاجير الى اجرة المثل، لما اتى به في السنة المتقدمة، و إذا لم يفسخ يرجع الى الاجرة المسمّاة.
و بالجملة: فالخيار ليس لاجل التقديم، بل لاجل عدم الاتيان به في السنة المعينة.
و من هنا يمكن ان يناقش في اصل عدم جواز التقديم من جهة الحكم التكليفي ايضا، فان التقديم من حيث هو لا وجه لان يكون محرّما، و انما المحرّم هو عدم الاتيان بالعمل المستأجر عليه في زمانه، الذي له دخل فيه بنحو التقييد اوالاشتراط، كما لا يخفى. و لعله لما ذكرنا، من: عدم ثبوت حكم تكليفي بالاضافة الى التقديم بعنوانه، و لا ترتب اثر عليه من الانفساخ او الخيار، لم يقع التعرض لصورة التقديم في المتن، و كذا في العروة. فتدبّر.

(الصفحة98)



الجهة الرابعة: في حكم صورة الاطلاق و عدم التعرض للزمان المعين ـ تقييدا او اشتراطا ـ فان قلنا بعدم وجوب التعجيل فيها، فهي خارجة عن مفروض المسألة، الذي هو تخلف الاجير من حيث الزمان، لعدم امكان التخلف مع الاطلاق، و ان قلنا بوجوب التعجيل، فقد ذكر في العروة: انها لا تبطل مع الاهمال. و في ثبوت الخيارللمستأجر حينئذ و عدمه و جهان، من ان الفورية ليست توقيتا، و من كونه بمنزلة الاشتراط.
و يرد عليه: انه على تقدير كون الفورية توقيتا، فما الوجه في كونها بمنزلة الاشتراط؟ بل الظاهر كونها بمنزلة التقييد، و قد حكم في صدر المسألة: بان الحكم في صورة التقييد هو الانفساخ و البطلان.
و التحقيق في هذه الجهة، ما اشار اليه في المتن و فصلّه في التعليقة على العروة، بقوله: «ان قلنا: بان وجوب التعجيل لاجل انصراف العقد الى ذلك، ففي بطلان العقد و عدمه و ثبوت الخيار و جهان، و ان قلنا: بان الوجوب حكم شرعي، فالظاهر عدم البطلان و عدم ثبوت الخيار».
و توضيحه: انّ منشأ وجوب التعجيل، ان كان هو انصراف الاطلاق فلا محالة يرجع الى التقييد، لان الانصراف يحوّل الامر الى ما يقابل الاطلاق، و هو التقييد، و لا معنى لتحويله الى الاشتراط. و عليه، فيجري حينئذ ما تقدم في التقييد، من الحكم بالانفساخ، كما اختاره في العروة، او الخيار بالنحو المذكور فيه، كما اختاره في المتن.
و امّا لو لم يكن منشأ وجوب التعجيل هو الانصراف، الذي مرجعه الى التقييد، بل كان منشأه دلالة الامر على الفور ـ على خلاف ما هو الحق المحقق في

(الصفحة99)

مسألة 11 ـ لو صدّ الاجير او احصر، كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الاعمال، و تنفسخ الاجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة و يبقى الحج على ذمّته مع الاطلاق، و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبارها على وجه الاشتراط في ضمن العقد، و لا يجزي عن المنوب عنه، و لو كان ذلك بعد الاحرام و دخول الحرم، و لو ضمّن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب اجابته، و يستحق الاجرة بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال، على التفصيل المتقدم1 .


محلّه ـ او شيئا اخر، مثل لزوم رفع اشتغال الذمة فورا او وجوب ردّ الامانة كذلك، فلا يكون في البين الاّ مجرد حكم تكليفي، و هو وجوب التعجيل على الاجير و من الواضح: انّ مجرد مخالفة الحكم التكليفي لا يوجب تأثيرا في الاجارة انفساخا او خيارا، و عليه، فلا يؤثر الاهمال و عدم رعاية التعجيل فيها اصلا، كما لا يخفى.
1 - المصدود: هو الممنوع عن الحج لمانع، مثل العدوّ، و حكمه في الحاجّ عن نفسه: ذبح الهدي في مكان الصد و التحللّ به عن الاحرام، و المحصور: هو الممنوع عن الحج لمانع، مثل المرض، و حكمه: ان يبعث هديا و يتحلل بعد الذبح الا من النساء. و مورد كليهما هو بعد التلبس بالاحرام. و يأتي تفصيل حكمهما، و بعد ذلك يقع الكلام في الاجير المصدود او المحصور من جهات:
الجهة الاولى: انه هل وظيفة الاجير كذلك وظيفة الحاج عن نفسه، ام لا؟ الظاهر هو الاوّل، لاطلاق ادلة حكمهما و عدم الاختصاص بالحاجّ عن نفسه.
الجهة الثانية: عدم اجزاء ما على الاجير المصدود او المحصور من الاعمال المأتي بها عن المنوب عنه، و لو كان ذلك بعد الاحرام و دخول الحرم، لان الاجزاء في هذه الصورة، اي بعد الاحرام و دخول الحرم، انما ثبت على خلاف القاعدة، بالنص في

(الصفحة100)



مورد الموت، و لا دليل على التعدي الى غيره، و ان كان المحكي عن الشيخ (قدس سره) في الخلاف: ان الاحصار بعد الاحرام، كالموت بعده، في خروج الاجير عن العهدة، مستدلا عليه باجماع الفرقة، و ان الحكم منصوص لهم لا يختلفون فيه، و لكن ضعفه ظاهر، لما عرفت: من ورود النص في الموت، و القياس عليه لا وجه له.
الجهة الثالثة: في حكم الاجارة، و قد وقع فيه التفصيل في المتن بين صور التقييد و الاشتراطو الاطلاق، بالحكم: بالانفساخ في الاولى، و ثبوت الخيار للمستأجر في الثانية، و بقاء الحج على ذمته في الثالثة، و الوجه في ذلك:
امّا في صورة التقييد، التي حكم فيها بالانفساخ بخلاف التقييد في مسألة التأخير المتقدمة، التي حكم فيه في العروة بالانفساخ، و قد خالفه في المتن، فحكم بثبوت الخيار للمستأجر، بالنحو المتقدم، فهو ثبوت الفرق بين المقام و بين تلك المسألة، لان الموجب للانفساخ في المقام، هو كشف الصّد و الاحصار عن عدم القدرة على التسليم، المعتبرة في صحة الاجارة، فان ثبوت احدهما الموجب لعدم القدرة على اتمام الحج و اكماله، كاشف عن عدم القدرة للاجير واقعا، غاية الامر، عدم اطلاعه عليها و كذا عدم اطلاع المستأجر، و من المعلوم اعتبارها في صحة الاجارة، و هذا بخلاف مسألة التأخير، فانه لا يكشف عن عدم القدرة، و لو كان لعذر، فان الظاهر انه ليس المراد من العذر ما يوجب سلب القدرة، بل ما يوجب الجواز و عدم الحرمة بالاضافة الى التأخير، فمرجعه الى عدم تحقق التسليم من الاجير لا عدم القدرة. و عليه، فيظهر وجه ثبوت الخيار هناك و تحقق الانفساخ هنا، كما لا يخفى.

<<التالي الفهرس السابق>>