في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)



الحائض تحت ثيابها غلالة(1) .
واما ما يدلّ على جواز لبس مطلق الثياب لهنّ ما دون القفازين فروايات:
منها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن  (عليه السلام) قال سألته عن المحرمة أيّ شيء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلّها إلاّ المصبوغة بالزعفران والورس ولا تلبس القفازين(2).
والقفاز كَرِمان وهو شيء يعمل لليد يحشى بقطن ويكون له ازرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها وحكى عن بني دريد وفارس وعباد انه من جنس الحلّى لليدين والرجلين ويؤيده التعرض لهما في مورد النساء فقط مع انه لو كان الغرض منهما التحفظ عن البرد لايكون فرق بينها وبين الرجل ويؤيده ايضاً شيوع استعمالهما في هذه الأزمنة في النساء ايضاً لغرض التزيّن.
وكيف كان فالرواية ظاهرة في جواز لبس الثياب كلّها للنساء إلاّ المصبوغة بالطيب لأجل كون الطيب من محرمات الاحرام مطلقاً وفي حرمة لبس القفازين عليهن في حال الاحرام.
ومنها رواية ابي عينية عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس وهي محرمة؟ فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين والبرقع والحرير الحديث...(3)
وقد تقدم البحث في جواز لبس النساء للحرير في بحث ثوبي الاحرام والظاهر ان حرمة البرقع لكونه ساتراً للوجه الذي يجب على المرأة اسفاره في حال الاحرام لأنه

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والخمسون، ح1.
(2) الوسائل، ابواب الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح2.
(3) الوسائل، ابواب الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح3.

(الصفحة82)

مسألة 18 ـ كفارة لبس المخيط شاة فلو لبس المتعدد في كل واحد شاة، ولو جعل بعض الألبسة في بعض ولبس الجميع دفعة واحدة فالأحوط الكفارة لكل واحد منها، ولو


لا فرق بينه وبين النقاب من هذه الجهة والعجب ان صاحب الجواهر  (قدس سره) بعد ان حكى عن التذكرة الفتوى بحرمة البرقع قال: «ولكن لم يحضرني الآن موافق له على تحريم ذلك» وعلى ما ذكرنا فلا ارتباط لحرمة البرقع بالمقام.
ومنها رواية يحيى بن ابي العلاء عن أبي عبدالله  (عليه السلام) عن أبيه  (عليه السلام) انه كرّه للمرأة المحرمة البرقع والقفازين...(1)
والظاهر انّ المراد من الكراهة ليس هي الكراهة المصطلحة المقابلة للحرمة بل خصوص الحرمة أو الأعم منها ومن الكراهة فيحمل على الحرمة بقرينة الروايات الاُخر الظاهرة في الحرمة وعليه لا مجال لاحتمال الكراهة في القفازين كما حكى عن بعض متأخري المتأخرين.
ومنها صحيحة عيص بن القاسم قال قال ابو عبدالله  (عليه السلام) المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غيرالحرير والقفازين الحديث(2).
اضف الى ما ذكرنا استمرار سيرة المتشرعة من النساء على لبس المخيط في حال الاحرام ومن الواضح اتصال هذه السيرة بزمان الائمة المعصومين  (عليهم السلام) وعدم انكارهم لها مع ان التستر المطلوب منهنّ لايتحقق نوعاً بدون لبس المخيط فلا اشكال في الجواز أصلاً.

(1) الوسائل، ابواب الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح6.
(2) الوسائل، ابواب الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح9.

(الصفحة83)

اضطر الى لبس المتعدد جاز ولم تسقط الكفارة 1 .

مسألة 19 ـ لو لبس المخيط كالقميص ـ مثلاً ـ وكفّر ثم تجرد عنه ولبسه ثانياً أو لبس قميصاً آخر فعليه الكفارة ثانياً، ولو لبس المتعدد من نوع واحد كالقميص أو القباء فالأحوط تعدد الكفارة وان كان ذلك في مجلس واحد 2 .

السابع ـ الاكتحال بالسّواد ان كان فيه الزينة وان لم يقصدها، ولا يترك الاحتياط بالاجتناب عن مطلق الكحل الذي فيه الزينة، ولو كان فيه الطيب فالأقوى حرمته 3 .


(1) و (2) في هاتين المسألتين وقع التعرض لأمرين:
احدهما ان كفارة لبس المخيط شاة ويدل عليه الروايات المتقدمة في شرح المسألة السادسة عشر الواردة في ثبوت الكفارة في صورة الاضطرار وانه لا فرق بين الصورتين من جهة الكفارة وان كان بينهما فرق من جهة الحرمة والجواز ومن تلك الروايات صحيحة محمد بن مسلم الواردة فيمن احتاج الى ضروب من الثياب الدالة على مفروغية ثبوت الفدية التي يكون المراد بها الشاة في صورة الاختيار.
ثانيهما تعدد الكفارة وعدمه وقد تقدم البحث عنه أيضاً في المسألة الخامسة عشر مفصّلاً فراجع والعجب من المتن انه هناك قد فصّل في كفارة استعمال الطيب مع التكرر وعدم تخلل الكفارة بين ما اذا كان في أوقات مختلفة وبين ما اذا كان في وقت واحد وهنا احتاط بالتعدد وان لبس الجميع مع جعل بعض الألبسة في بعض دفعة واحدة أو كان ذلك في مجلس واحد مع ظهور كون مراده من الوقت والمجلس واحداً ولا مجال لتوهّم الفرق بين المخيط وبين الطيب من هذه الجهة وقد ذكرنا ما هو مقتضى التحقيق عندنا من جهة مقتضى القاعدة والجمع بين الروايات فراجع.
(3) قال المحقق في الشرايع في عداد محرمات الاحرام: «والاكتحال بالسواد على قول أو بما فيه طيب ويستوي في ذلك الرجل والمرأة» وظاهره الترديد في حرمة

(الصفحة84)



الاكتحال بالسواد والفتوى بحرمته بما فيه طيب والأوّل محل خلاف فقد حكم القول بالحرمة عن المفيد والشيخ وسلاّر وبني حمزة وادريس وسعيد وغيرهم، والقول بالكراهة عن الاقتصاد والجمل والعقود والخلاف والغنية والنافع بل عن الشيخ دعوى اجماع الفرقة عليه والثاني هو المشهور شهرة عظيمة قد ادعى الاجماع عليه واللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الواردة في هذا المقام:
منها صحيحة معاوية بن عمار التي رواها عنه فضالة وصفوان جميعاً عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: لابأس ان يكتحل وهو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحة فامّا للزينة فلا(1) . وهي تدلّ بمفهوم الجملة الأولى على ثبوت البأس الظاهر في الحرمة في الاكتحال بما كان فيه طيب يوجد ريحة وبمنطوق الجملة الثانية على حرمة ما اذا اكتحل بقصد الزينة ولا محالة يكون ما يكتحل به زينة إذ لامعنى لقصد الزينة بما ليس بزينة فالقصد لاينفك عنها بخلاف العكس ويحتمل ان يكون المراد من الجملة الثانية النهي عن الاكتحال بما وضع للزينة سواء كان قصدها الزينة أم لا.
ومنها صحيحة اُخرى لمعاوية رواها عنه فضالة عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال: لايكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلاّ من علّة(2).
ومنها مضمرة زرارة عنه  (عليه السلام) قال: تكتحل المرأة بالكحل كلّه إلاّ الكحل الأسود للزينة(3). والاستثناء قرنية على كون المراد هي المرأة في حال الاحرام مع انه حكى عن المصدر: «المرأة المحرمة» كما انه رواه الصدوق في المقنع مرسلاً بلام واحدة،

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح1.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح2.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح3.

(الصفحة85)



ويجري على تقدير اللامين الاحتمالان المتقدمان في الرواية الأولى السابقة وعلى تقدير لام واحدة يتعين الاحتمال الأول كما لايخفى ومنها صحيحة حريز عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال: لاتكتحل المرأة المحرمة بالسواد انّ السواد زينة(1) . وهذه الرواية بلحاظ اشتمالها على التعليل تدلّ من جهة على سعة دائرة حرمة الاكتحال بالسّواد لما اذا قصد به الزينة وما اذا لم يقصد به ذلك كما انه تدل من جهة اُخرى على عموم الحكم للاكتحال بكل زينة وان لم يكن سواداً.
ومنها صحيحة عبدالله بن سنان قال سمعت أبا عبدالله  (عليه السلام) يقول: يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران(2). وليس معناها النهي عمّا فيه زعفران وان توقف العلاج عليه كما يوهمه بعض الفتاوى فانه ليس باولى من الاضطرار الى استعمال الطيب شمّاً أو أكلاً بل المراد عدم الاكتحال بما فيه الزعفران مع التمكن من التداوي بغيره.
ومنها رواية هارون بن حمزة عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال: لايكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، وليكحل بكحل فارسي(3). وحكى عن المصدر التعبير بالاكتحال في كلا الموردين.
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله  (عليه السلام): سألته عن الكحل للمحرم فقال: امّا بالسّواد فلا ولكن بالصبر و الحضض(4). والحضض دواء قيل انه يعقد من أبوال الابل وقيل عصارة شجر، منه مكّي ومنه هندي.

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح4.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح5.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح6.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح7.

(الصفحة86)



ومنها مرسلة ابان عمّن اخبره عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال اذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب...(1)
ومنها رواية عبدالله بن يحيى الكاهلي عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال سأله رجل ضرير وانا حاضر فقال: اكتحل اذا أحرمت؟ قال: لا، ولِمَ تكتحل؟ قال اني ضرير البصر واذا انا اكتحلت نفعني وان لم اكتحل ضرّني قال: فاكتحل قال فاني اجعل مع الكحل غيره قال: وماهو ؟ قال اخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة واعصبهما بعصابة الى قفاي فاذا فعلت ذلك نفعني واذا تركته ضرّني قال فاصنعه(2).
ومنها رواية النضر بن سويد عن ابي الحسن  (عليه السلام) في حديث: ان المرأة المحرمة لاتكتحل إلاّ من علّة...(3)
وهذه الرواية كالسابقة ظاهرة في حرمة مطلق الاكتحال في غير حال الضرورة.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر  (عليه السلام) قال: يكتحل المحرم عينيه ان شاء بصبر ليس فيه زعفران ولا ورس...(4)
ومنها رواية ابي بصير عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال: لابأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور اذا اشتكى عينيه وتكتحل المرأة المحرمة بالكحل كلّه إلاّ كحل اسود لزينة(5).
ومنها صحيحة الحلبي قال سألت ابا عبدالله  (عليه السلام) عن المرأة تكتحل وهي محرمة؟

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح9.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح10.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح11.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح12.
(5) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح13.

(الصفحة87)

مسألة 20 ـ لاتختص حرمة الاكتحال بالنّساء فيحرم على الرجال ايضاً 1 .


قال لاتكتحل قلت بسواد ليس فيه طيب قال: فكرهه من أجل انه زينة وقال اذا اضطرّت اليه فلتكتحل(1) .
هذه هي الروايات الواردة في الباب والمستفاد من ملاحظة مجموعها ثبوت الحرمة في موردين بلا شبهة: احدهما الاكتحال بالسواد مع قصد الزينة ثانيهما الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه مع عدم وجود الاضطرار في شيء من الموردين.
وامّا المورد الثالث وهو الاكتحال بالسواد مع عدم قصد الزينة فالمستفاد من التعليل في بعض الروايات ومن اطلاق النهي عن الاكتحال بالسواد في البعض الآخر هي الحرمة أيضاً وقد وقع التصريح به في المتن.
كما ان المورد الرابع وهو الاكتحال بغير السواد الذي يكون فيه الزينة فقد احتاط وجوباً فيه بتركه والاجتناب عنه مع ان مقتضى التعليل بكون السواد زينة كما في صحيحة حريز وفي الرواية الأخيرة بعد ظهور كون المراد من الكراهة الحرمة وهو الحكم بالحرمة ولعلّ منشأ التنزل الى الاحتياط الوجوبي هي دلالة مثل صحيحة زرارة على استثناء خصوص الكحل الأسود من الحكم بجواز الاكتحال ولكن الظاهر هو لزوم الأخذ بمقتضى التعليل خصوصاً اذا كان مقروناً بقصد الزينة لصلاحيته لتقييد اطلاق مثل رواية زرارة وامّا المورد الخامس وهو ما اذا لم يكن بالسواد ولا بما فيه طيب ولا بما فيه زينة فلا اشكال في جوازه لتقييد المطلقين بغيرهما مما ذكر.
(1) الوجه في عدم اختصاص حرمة الاكتحال بالنساء وان كانت جملة من الروايات المتقدمة واردة فيهنّ مضافاً الى اطلاق عنوان «المحرم» في بعضها ورود بعض الروايات في الرجل المحرم وتصريح الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمار المتقدمة

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح14.

(الصفحة88)

مسألة 21 ـ ليس في الاكتحال كفارة لكن لو كان فيه الطيب فالأحوط التكفير 1 .

مسألة 22 ـ لو اضطر الى الاكتحال جاز 2.

الثامن: النظر في المرآة من غير فرق بين الرجل والمرأة، وليس فيه الكفارة لكن يستحبّ بعد النظر ان يلبيّ، والاحوط الاجتناب عن النظر في المرآة ولو لم يكن للتزيين  3.


بكلا العنوانين.
(1) امّا عدم ثبوت الكفارة في الاكتحال بغير الطيب فلعدم الدليل عليها إلاّ رواية علي بن جعفر المتقدمة التي يستدلّ بها على ثبوت الكفارة لكلّ خلاف المشتملة على كلمة مرددة بين «خرجت» و «جرحت»(1) . وقد تقدمت المناقشة في الاستدلال بها سنداً ودلالة في المسألة الخامسة عشر فراجع.
واما الاكتحال بما فيه الطيب فان قلنا باعتبار وصف وجدان الريح فيه كما ذكرنا فالظاهر ثبوت الكفارة فيه لا من باب الاكتحال بل من باب شمّ الطيب الذي قد عرفت ثبوت الكفارة فيه كما انه ان قلنا بحرمة مسّ الطيب ولو بالاضافة الى الباطن كما في الاحتقان بالطيب فالظاهر فيه ايضاً ثبوت الكفارة من ذلك الباب وامّا لو لم نقل بحرمة مسّ الطيب أو قلنا بها بالاضافة الى خصوص الظاهر فلا مجال للحكم بثبوت الكفارة ولو بنحو الاحتياط الوجوبي ومما ذكرنا ينقدح النظر فيما في المتن فانه على تقدير لابد من الفتوى بالتكفير وعلى تقدير آخر لا وجه له نعم الحكم به بنحو الاحتياط الاستحبابي لا مانع منه اصلاً.
(2) الوجه فيه واضح.
(3) من محرّمات الاحرام النظر في المرآة والكلام فيه يقع من جهات:

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح5.

(الصفحة89)



الجهة الأولى في أصل حرمته في الجملة في مقابل الكراهة مطلقاً فنقول: قال المحقق في الشرايع: وكذا ـ يعني لايجوز في حال الاحرام ـ النظر في المرآة على الاشهر. ونسبه في محكى المدارك بل غير واحد الى الأكثر لكن عن جملة من كتب القدماء كالجمل والعقود والوسيلة والمهذب والغنية انه مكروه كالمحقق في النافع بل ربما نسب الى الخلاف لكن استدلاله على الكراهة مضافاً الى الاجماع بطريقة الاحتياط يدلّ على ان مراده من الكراهة هي الحرمة لأنها ربما تستعمل فيها.
وكيف كان فالظاهر انه لا مجال لدعوى الكراهة بعد كون جميع ماورد في الباب من الروايات الثلاثة أو الأربعة ظاهرة في الحرمة أعم مما عبر فيها بالجملة الانشائية وما عبّر فيها بالجملة الخبرية وليس في مقابلها ما يقتضي الحمل على الكراهة فلا محيص عن الأخذ بظاهرها وسيأتي التعرض لها انشاء الله تعالى في الجهة الآتية.
الجهة الثانية في انّ المحرم هل هو النظر في المرآة مطلقاً او انه يختص بما اذا كان النظر للزينة ظاهر الكلمات هو الاول لكن المحكّى عن الذخيرة يقتيد الحكم بالقيد المذكور ويستفاد من صاحب الوسائل ذلك ايضاً حيث انه قيّد عنوان الباب بذلك واللازم ملاحظة الروايات فنقول:
منها صحيحة حمّاد يعني ابن عثمان عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال: لاتنظر في المرآة وانت محرم فانّه من الزينة...(1)
وأصل الحكم المذكور في الصدر وان كان مطلقاً وظاهره حرمة النظر في المرآة كذلك إلاّ ان التعليل بقوله فانّه من الزينة يوجب التضييق والاختصاص بما اذا كان الغرض من النظر الزينة لا أمراً آخر فان الظاهر ان مرجع الضمير في قوله: فانّه هو النظر

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثلاثون، ح1.

(الصفحة90)



لا المرآة بداهة انّ المرآة لاتكون بنفسها زينة بل النظر اليها ربما يكون لغرض التزيين وإلاّ فنفس النظر ايضاً لايكون زينة وليس النظر كالاكتحال الذي تقدم الذي يكون زينة بنفسه. وعليه، فلا مجال لاحتمال كون مرجع الضمير هي المرآة كما ان الظاهر في مثل المقام مما تكون العلّة عنواناً معلوماً لدى العرف ومعرّفاً في اللغة، ان لاتكون أمراً تعبدياً حتى ترجع الى حكم الشارع بثبوت العلّة تعبّداً وان كان على خلاف ما هو الثابت عند العرف واللغة.
وعلى ما ذكرنا فالعلّة المذكورة في الرواية توجب اختصاص الحكم بالحرمة بما اذا كان الغرض من النظر في المرآة الزينة فاحتمال كون العلّة أمراً تعبدياً غير موجب لتضييق دائرة الحكم كما أفاده بعض الأعاظم  (قدس سرهم) لا سبيل اليه اصلاً كما ان ما أفاده بعض الاعلام  (قدس سرهم) من انه لو قيل بالاطلاق وعدم دخل الزينة في الحكم فمعناه ان مجرد النظر الى الزينة حرام وهذا ليس بحرام قطعاً إذ لانحتمل ان النظر الى الزينة كالنظر الى الحلّى ونحوه حرام شرعاً، من عجائب الكلام إذ لو فرض ثبوت الاطلاق وعدم اقتضاء التعليل للتقييد يكون مقتضاه اطلاق حرمة النظر في المرآة ولا ارتباط لذلك بالنظر الى المرآة الذي لم يقع التعرّض له في الرواية بوجه ومرجع الاطلاق الى انه لافرق في الحرمة المذكورة بين ان يكون النظر في المرآة لغرض التزيين وبين ان يكون لغرض آخر كالسائق الذي ينظر في المرآة ليرى خلفه من السيارات وغيرها.
ومنها صحيحة حريز عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال لا تنظر في المرآة وانت محرم لأنه من الزينة(1) . والبحث فيها كالبحث في الصحيحة المتقدمة من دون فرق.
ومنها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله  (عليه السلام) قال: لاتنظر المرأة المحرمة

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثلاثون، ح3.

(الصفحة91)



في المرآة للزينة(1) . والظاهر كون اللام للغاية لا للتعليل وعليه فظهورها في الاختصاص أقوى من السابقتين.
ومنها صحيحة اُخرى له قال: قال أبو عبدالله  (عليه السلام) لاينظر المحرم في المرآة لزينة فان نظر فليلب(2). وهي على تقدير كونها رواية اُخرى وان كان يحتمل قويّاً اتحادها مع السابقة وان كان بينهما الاختلاف في التعبير يكون ظهورها أقوى من الجميع لعدم جريان احتمال التعليل فيه بوجه كما لايخفى.
اذا عرفت الروايات الواردة في الباب فاعلم ان المحكى عن السبزواري صاحب الذخيرة ان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد هو حمل المطلق منها على ما ظاهره التقييد بصورة ما اذا كان الغرض من النظر الزينة.
وأورد عليه صاحب الجواهر بما يرجع الى انه حيث لا منافاة بين المطلق والمقيد هنا لا مجال للحمل المذكور وعبّر عن هذا بعض الاعاظم  (قدس سرهم) بانه حيث يكونان مثبتين أي غير مختلفين في الاثبات والنفي لاتجري قاعدة الحمل المذكورة ولكنك بملاحظة ما عرفت من التحقيق في معنى الروايات وانّها بين ما يكون مشتملاً على التعليل المقتضى للتضييق وبين ما وقع فيه التقييد بما اذا كان الغرض من النظر الزينة يظهر لك انه ليس في المقام مطلق اصلاً حتى يتكلم في لزوم حمله على المقيد وعدمه بل الروايات بأجمعها تدلّ على مدخلية القيد امّا من طريق التعليل وامّا من طريق التقييد.
نعم يبقى الكلام ـ ح ـ فيما أفاده في المتن من ان مقتضى الاحتياط الوجوبي ترك النظر في المرآة ولو لم يكن للتزيين فانه بعد عدم دلالة الروايات على الاطلاق وكون

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثلاثون، ح2.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثلاثون، ح4.

(الصفحة92)



مقتضى اصالة الجواز هو عدم الحرمة لا مجال لايجاب الاحتياط ويمكن ان يكون الوجه فيه عدم القول بالتفصيل قبل صاحب الذخيرة من دون فرق بين القائلين بالحرمة في أصل المسألة وبين القائلين بالكراهة ففي الحقيقة يكون الاجماع المركب على خلافه و ـ ح ـ يشكل التفصيل وان كان تقتضيه النصوص المتقدمة فتدبّر.
ثم انه ذكر في الجواهر انه لابأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة والظاهر انه لامجال لهذا الاستثناء بناء على مختاره من ثبوت الحرمة بنحو الاطلاق سواء كان المراد به هو الفرق بين الناظرين من جهة اعتياد النظر للزينة وغيره أو كان المراد به هو الفرق بين المرائي من جهة كونها معدة للنظر اليها للزينة أو موضوعة للنظر اليها لغيرها كما في المثال المتقدم وهي المرآة التي يرى فيها السائق السيارات الاُخر.
الجهة الثالثة في عدم اختصاص هذا المحرم بالرجال واشتراك النساء معهم فيه والدليل عليه مضافاً الى ظهور أكثر الروايات المتقدمة في ان الموضوع للحكم هو عنوان المحرم وان الحرمة انّما هي مترتبة على نفس الاحرام احدى صحيحتي معاوية بن عمار الواردة في المرأة المحرمة والتعرض لها انّما هو لأجل ارتباطها مع المرآة نوعاً فلا يكون له مفهوم اصلاً كما لايخفى.
الجهة الرابعة في عدم ثبوت الكفارة في هذا المحرّم والوجه فيه عدم دلالة شيء من الروايات المتقدمة الدالة على اصل الحكم على ثبوت الكفارة في صورة المخالفة نعم قد مرّ انّ مقتضى بعض الروايات وهي رواية علي بن جعفر  (عليه السلام) ثبوت الكفارة في جميع موارد التخلف لكن تقدمت المناقشة فيها من حيث السند وكذا من حيث الدلالة لتردّد العبارة بين قوله: خرجت وبين قوله: جرحت والدلالة انّما هي على التقدير الثاني وهو غير ثابت.

(الصفحة93)

مسألة 23 ـ لابأس بالنظر الى الاجسام الصقيلة والماء الصافي ممّا يرى فيه الأشياء، ولا بأس بالمنظرة ان لم تكن زينة وإلاّ فلا تجوز 1 .


الجهة الخامسة قد عرفت ان ظاهر الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمّار وجوب التلبية ولكن حيث ان المتسالم عليه هو عدم الوجوب فلابد من حمل الأمر على الاستحباب والكلام في هذه الجهة انّما هو في انّ الاستحباب هل يكون ثابتاً بنحو الاطلاق فلا فرق فيه بين العالم والجاهل والناسي كما ربما يقال او انّ مورده خصوص العالم العامد الذي يكون فعله محرّماً بالحرمة الفعليّة.
الظاهر هو الثاني، لأن التلبية انّما لأجل التدارك والجبران وان كان مستحبة والجاهل والناسي لم يتحقق منهما المخالفة المقتضية للتدارك فتدبّر وان شئت قلت ان قوله  (عليه السلام) في الرواية: فان نظر فليلب بصورة التفريع ظاهر في النظر المتعلق للحكم بالحرمة المذكور في صدر الرواية فيختص بصورة العلم والعمد.
(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين:
الفرع الاول: النظر الى مثل المرآة من الاجسام الصيقلية والماء الصافي وغيرهما مما يرى فيه الأشياء ولكنّه لم يعدّ للنظر كالمرآة والظاهر ان كل من تعرض لهذا الفرع قد نفى البأس عن النظر اليه في حال الاحرام ومقتضى الاطلاق انه لابأس ولو كان الغرض الزينة والوجه فيه انّ عنوان المحرّم هو النظر في المرآة ولا مجال للتعدي الى غيرها وان كان يرى فيه الأشياء خصوصاً بعد عدم كونه معدّاً للنظر.
ولكن يمكن المناقشة فيه بانّ ما اشتمل من الروايات المتقدمة على التعليل كصحيحتي حمّاد وحريز يشمل هذه الأشياء ايضاً لجريان العلّة فيها والعلّة تعمّم كما انها تخصّص وعليه فمقتضى العلّة ان كل نظر يكون من الزينة بالمعنى الذي ذكرنا وهو كونه مقدمة لها وبقصد التزيين يكون محرّماً نعم ما اشتمل منها على حرمة النظر في

(الصفحة94)

التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخفّ والجورب وغيرهما، ويختص ذلك بالرجال ولا يحرم على النساء، وليس في لبس ما ذكر كفارة، ولو احتاج الى لبسه فالأحوط شقّ ظهره 1 .


المرآة للزينة أو لزينة لايدلّ على الحرمة في غير المرآة لعدم الدليل على التعدي.
الفرع الثاني: النظر بسبب المنظرة والظاهر انه لا ارتباط لهذا الفرع بالمقام اصلاً لأنّ المنظرة انما تكون وسيلة للنظر بها ورؤية البعيد والقريب بسببها على اختلاف الأعين واختلاف المناظر وهذا لايرتبط بالنظر في المرآة بوجه بل يكون داخلاً في بحث الزينة التي سيأتي التكلّم فيها انشاء الله تعالى.
ثم ان الظاهر ان المراد بقوله في المتن: «ان لم تكن زينة»، هو عدم كون الغرض منها الزينة لا نفس عدم كونها زينة ويأتي البحث في هذه الجهة ايضاً في محلّه.
(1) قال المحقق في الشرايع في عداد محرمات الاحرام: «ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم» وقال في الجواهر في شرحه: «اختياراً كما في الاقتصاد والجمل والعقود والوسيلة والمهذب والنافع والقواعد والارشاد وغيرها على ما حكى عن بعضها بل في الذخيرة نسبته الى قطع المتأخرين بل في المدارك الى الاصحاب بل في الغنية نفى الخلاف قال فيها: وان يلبس ما يستر ظاهر القدم من خفّ أو غيره بلا خلاف بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلاً عن إرادة الاجماع منه».
والمستند هي الروايات المتعددة الواردة في هذا المقام:
منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله  (عليه السلام) في حديث قال: ولا تلبس سراويل إلاّ ان لايكون لك ازار ولا خفيّن إلاّ ان لايكون لك نعلان(1) .
ومنها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال وأيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح1.

(الصفحة95)



له نعلان فله ان يلبس الخفين اذا اضطّر الى ذلك والجوربين يلبسهما اذا اضطّر الى لبسهما(1) .
ومنها رواية أبي بصير عن ابي عبدالله  (عليه السلام) في رجل هلكت ولم يقدر على نعلين قال: له ان يلبس الخفين ان اضطّر الى ذلك فيشق «وليشقه خ ل» عن ظهر القدم الحديث(2).
ومنها رواية رفاعة بن موسى انه سئل ابا عبدالله  (عليه السلام) عن المحرم يلبس الجوربين قال نعم والخفين اذا اضطر اليهما(3).
ومنها رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر  (عليه السلام) في المحرم يلبس الخف اذا لم يكن له نعل؟ قال نعم لكن يشق ظهر القدم(4).
اذا عرفت ذلك فالكلام في مفاد الروايات يقع من جهات:
الجهة الأولى: انّ العنوان المحرم المأخوذ فيها، هو لبس الخفين والجوربين فهل الحكم يختص بهما أو يتعدى عنهما الى غيرهما مما يشابههما. ظاهر العبارات المتقدمة وصريح المتن عدم الاختصاص بل هو معقد الاجماع الذي ادّعاه صاحب الغنية بل اتفاق المسلمين لكن المحكى عن المقنع والتهذيب الاقتصار على الخفّ والجورب بل عن كشف اللثام والنهاية الاقتصار على الخفّ نعم في محكى المبسوط والخلاف والجامع اضافة الشمشك وعطفه على الخفّ، والشمشك بضم الشين وكسر الميم يكون ظاهراً معرّب چمشك أو چمش وهو حذاء يستر ظاهر القدم وباطنه فقط

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح2.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح3.
(3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح4.
(4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح5.

(الصفحة96)



من دون ان يستر من السّاق شيئاً ومن هذه الجهة يغاير الخف والجورب اللذين يستران من السّاق أيضاً شيئاً وقدأفتى الاصحاب في كتاب الصلاة بعدم جواز الصلاة في الشمشكولاالنعل السندي بخلاف النعل العربية التي تجوز الصلاة فيها،بل تكون مستحبة.
وكيف كان فقد ذكر بعض الأعاظم  (قدس سرهم) على مافي تقريرات بحثه في الحج انه بعدما كان المذكور في الروايات هو العنوانان المتقدمان لا مجال لدعوى ظهور اللفظ في المثال وكون الموضوع للحكم بالحرمة هو كل ما يستر ظهر القدم لكونه منوطاً بالغاء الخصوصية وكون العنوانين مذكورين من باب المثال ولا سبيل لنا الى احراز ذلك ولم يحصل لنا القطع بوحدة المناط والظن بها بعد عدم حجيته لايغني من الحقّ شيئاً فاذاً لا وجه للتعدي عن العنوانين بل اللازم الاقتصار عليهما كما عرفت في بعض الكلمات.
وقد وقع العنوانان موضوعاً للحكم بالحرمة في كلام بعض الاعلام  (قدس سرهم) وان احتاط وجوباً بالاجتناب عن كل ما يستر ظهر القدم هذا والظاهر هو عدم الاختصاص لأنه مضافاً الى ثبوت الشهرة العظيمة الفتوائية عليه كما عرفت في الكلمات نقول انّ المتفاهم عند العرف بعد ملاحظة انّ الحكم الثابت في هذا المقام هو حكم واحد بمعنى انّه ليس لبس كل واحد منهما موضوعاً لحكم تحريمي مستقل بحيث كان هنا محرّمان في باب الاحرام وملاحظة اشتراك العنوانين في الجهات المتعددة والخصوصيات المتكثرة وهي الساترية لظاهر القدم ولباطنه ولِمقدار من السّاق وهو كون المتعلق للحرمة هي تلك الجهات والخصوصيات لا نفس العنوانين. نعم قد علم من الخارج ان الساترية لباطن القدم لاتكون دخيلة في ذلك لأن النعل العربية يجوز الاحرام فيها قطعاً مع انّها ساترة لباطن القدم فتبقى الساترية للظاهر ولمقدار من السّاق وعليه فكل ما يكون واجداً للوصفين لايجوز لبسه في حال الاحرام فيخرج الشمشك ايضاً

(الصفحة97)



لما عرفت لكن يستفاد من الجواهر شبهة تحقق الاجماع على عدم مدخلية الساترية للسّاق فيكون موضوع الحكم ـ ح ـ ما يستر ظهر القدم كما في المتن وغيره.
الجهة الثانية: انه حيث يكون الخف والجورب ساترين لجميع ظهر القدم فمقتضى التعدّي عنهما الى غيرهما الحكم بحرمة كلّ ما يستر الجميع وامّا ما يستر البعض فقط ولو كان هو الأكثر فلا دليل على حرمته، فما عن الرّوضة من ان الظاهر ان بعض الظهر كالجميع إلاّ ما يتوقف عليه لبس النعلين، لا مجال له اصلاً لعدم الدليل على ان حكم البعض حكم الكلّ ولعلّه توهم ان الحكم انحلالى كما في باب العموم الاستغراقي الذي يكون لكل فرد من الأفراد حكم مستقلّ وله موافقة ومخالفة كذلك مع ان الظاهر في المقام تعلّق حكم واحد بستر الجميع على سبيل العموم الاستيعابي ولا يكون له إلاّ موافقة واحدة ومخالفة كذلك.
ثم انه لم يعلم انّ مراده من المستثنى خصوص ما يتوقف عليه لبس النعلين أو مقدار ذلك ولو كان في غير النعلين.
الجهة الثالثة: انه هل يكون الحكم مختصّاً بالرجال أو يعم النساء أيضاً ظاهر مثل المحقق في الشرايع وهو كثير من الفتاوى حيث لم يقع في كلامه تقييد الحكم بالرجل عدم الاختصاص والامكان اللازم التقييد كما في لبس المخيط.
ويدلّ على العموم انّ الموضوع للحكم بالحرمة في الروايات هو عنوان «المحرم» بنحو الاطلاق أو العموم وعلى كلا التقديرين يشمل النساء وظاهره انّ الحرمة مترتبة على نفس الاحرام من دون فرق بين ان يكون المتصف به هو الرجل أو المرأة نعم في بعض الروايات، ذكر عنوان «الرجل» كما في رواية ابي بصير ولكنه ذكر بعض الأعاظم  (قدس سرهم) انه لايتحقق في المقام ضابطة باب الاطلاق والتقييد المقتضية لحمل

(الصفحة98)



الأول على الثاني لعدم التنافي الموجب للحمل وكونهما مثبتين وقد حكى ذلك عن المبسوط والنهاية وأظهر منهما الوسيلة، نعم جزم بالاختصاص الشهيد حاكياً له عن الحسن.
ولكن يدلّ على الاختصاص مضافاً الى ان السيرة العملية في النساء والمتشرعات عدم رعاية هذا الأمر بل ستر الجميع بالجورب ونحوه ولم يعلم الاعتراض عليهن بوجه والى ان مذاق الشرع في باب النساء ربما لايلائم مع اظهار ظاهر القدم مثل صحيحة عيص بن القاسم قال: قال ابو عبدالله  (عليه السلام): المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير والقفازين(1) .
نظراً الى ظهور المستثنى في جواز لبس النساء ما شائت من الثياب ودلالة المستثنى على كون القفازين اللذين هما لباس اليدين ثياباً وإلاّ يلزم ان يكون الاستثناء منقطعاً وهو خلاف الظاهر ومن المعلوم انه لافرق بين لباس اليدين ولباس الرجلين كالجوربين من هذه الجهة اصلاً فتخصيص المستثنى بلباس اليدين ظاهر في كون لباس الرجلين والقدمين داخلاً في المستثنى منه كما ان استثناء الحرير دليل على ان المستثنى منه عام من حيث المادة والهيئة نعم قد عرفت الخلاف في جواز لبس النساء للحرير في حال الاحرام وان كان الظاهر الاتفاق على الجواز في حال الصلاة.
ويؤيد الاختصاص ما ربما يحتمل او يقال في اصل المسألة من ان حرمة لبس الخف والجورب سواء قيل بالاختصاص أو بالتعدي انّما هي من أجل كونهما مخيطاً أو شبه مخيط لا لأجل نفس العنوانين وقد تقدم في باب حرمة لبس المخيط الاختصاص بالرجال ولكن هذا الكلام أو الاحتمال مردود بظهور الفتاوى والنصوص في كون لبس

(1) ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح9.

(الصفحة99)



الأمرين محرَّماً مستقلاً وغير مرتبط بلبس المخيط وان كان الخف مخيطاً والجورب شبه مخيط لكن الحرمة ليست لأجل ذلك بل لأجل العنوانين بنفسهما أو من جهة كونهما ساترين لظهر القدم.
نعم لازم ما ذكرنا، ان لبس أحد الأمرين يوجب تحقق عنوانين محرّمين ولا بأس بالالتزام به وترتيب آثار كليهما من الكفارة وغيرها كما لايخفى.
وكيف كان الظاهر ما في المتن بالاختصاص كما في لبس المخيط وان كانا أمرين مستقلين من الأمور المحرّمة في باب الاحرام.
الجهة الرّابعة: في ثبوت الكفارة في لبس ما يستر ظهر القدم وعدمه صريح المتن وظاهر الفتاوى باعتبار عدم التعرض لثبوت الكفارة في المقام وهو العدم نعم حكى عن جماعة القول بثبوت الكفارة كما انّ ظاهر الروايات المتقدمة الواردة في اصل المسألة ايضاً ذلك لعدم التعرّض له فيها أصلاً ولكن الظاهر انّ ثبوت الكفارة لو لم يكن أقوى لكان مقتضى الاحتياط الوجوبي.
وذلك لأن رواية علي بن جعفر المتقدمة التي ربما يمكن ان يستدلّ بها لثبوت الكفارة في كل محرّم احرامي وان كانت ضعيفة من حيث السّند وغير تامة من حيث الدلالة للدوران بين «خرجت» و «جرحت» إلاّ ان هنا روايتان صحيحتان وان كان الظاهر وحدتهما وكونهما رواية واحدة تدلان على ثبوت دم شاة في المقام وهما صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت ابا جعفر  (عليه السلام) يقول من نتف ابطه، أو قلّم ظفره، أو حلّق رأسه، أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء، ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة(1) .

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.

(الصفحة100)



وصحيحته الاُخرى عن ابي جعفر  (عليه السلام) قال: من لبس ثوباً لاينبغي له لبسه وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه ومن فعله متعمداً فعليه دم(1) .
والظاهر كما عرفت وحدة الروايتين خصوصاً مع كون الراوي عن زرارة في كلتيهما هو علي بن رئاب، والراوي عن ابن رئاب هو الحسن بن محبوب، ومقتضى اطلاق قوله  (عليه السلام) لبس ثوباً لاينبغي له لبسه الشمول للمقام كما انه يشمل لبس المخيط وقد مرّ انه لا مجال للمناقشة في اطلاق الثوب على مثل الخف والجورب بعد اطلاقه على القفازين في صحيحة عيص المتقدمة، لأنه لا فرق بين لباس اليدين والرجلين من هذه الجهة، واطلاق الدم في الرواية الثانية ينصرف الى دم الشاة كما في جميع الروايات المطلقة الواردة في الكفارة وعليه فالأحوط لو لم يكن أقوى ثبوت الكفارة في المقام.
الجهة الخامسة: في انه لا مجال للاشكال في جواز لبس الخفين في صورة الاضطرار الذي من مصاديقه عدم وجود النعلين له ويدلّ على الجواز مضافاً الى انه مقتضى حديث الرفع كثير من الروايات الواردة في خصوص المقام، لكن حيث ان بعضها يدل على امر زائد وهو لزوم شقّ ظهر القدم في صورة لبس الخفين فالبحث يقع في أمرين:
احدهما انّ الشق المذكور هل هو واجب او مستحب. فنقول امّا من جهة الفتاوى فقد ذكر المحقق في الشرايع بعد نقل القول بوجوب الشق: وهو متروك، وهو كما في الجواهر يشعر بالاجماع على العدم كما حكى التصريح به عن ابن ادريس لكن المحكّى عن المبسوط والوسيلة والجامع لابن سعيد والعلاّمة في المختلف والشهيدين في

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح4.

<<التالي الفهرس السابق>>