في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)



الصلاتين، وظاهره التأخير بهذا المقدار وإن لم يصلّهما وإن كان مقتضى الإحتياط هو الثاني. نعم ينبغي اضافة مقدار الغسل قبل الصلاتين للتصريح به في جملة من الرّوايات.
هذا وأما التأخير إلى وقت العصر فلا يجوز لعدم دلالة شيء من الرّوايات على جوازه، بل ظهور جملة منها في لزوم إتيان الموقف بعد الأعمال المذكورة بلا فصل. نعم بناء على كون الواجب من الوقوف مطابقاً للركن وهو المسمّى يجوز التأخير إليه فاللازم إحالة هذا البحث إلى المسألة الثالثة الآتية الموضوعة لهذا البحث، فانتظر. هذا تمام الكلام بالإضافة إلى المبدأ.
وأمّا المنتهى فلا خلاف في أنه هو الغروب الشرعي. ويدل عليه نصوص مستفيضة مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأفاض بعد غروب الشمس.(1)
ورواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه وإن كان متعمّداً فعليه بدنة.(2)
ورواية ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس. قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام

(1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، الباب الثاني والعشرون، ح1.
(2) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الباب الثالث والعشرون ح1.

(الصفحة82)

في المراد بالوقوف

مسألة 2 ـ المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف من غير فرق بين الركوب وغيره والمشي وعدمه. نعم لو كان في تمام الوقت نائماً أو مغمى عليه، بطل وقوفه. [1]


ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطرى أو في أهله.(1) هذا وقد تقدّم التحقيق في ماهيه الغروب الشرعي وحقيقته في باب اوقات الصلاة، فراجع.
[1] وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين:
أحدهما: إن المراد بالوقوف الواجب في عرفات أعم من الرّكن وغيره، هو مطلق الكون في ذلك المكان الشريف. سواء كان راكباً أم غيره، وسواء كان ماشياً أم لم يكن. والدليل عليه استمرار السيرة القطعية العملية من المسلمين جميعاً على عدم الاستمرار على الحالة التي كانت عليها عند الشروع في الوقوف والذهاب إلى قضاء حوائجهم المختلفة وصرف الوقت في الصلاة المركبة من حالات مختلفة وغيرها من الحالات، فيدل ذلك على أن المراد بالوقوف ماذكرناه في المتن.
وثانيهما: إنه لو كان في تام الوقت نائماً أو مغمى عليه، يكون وقوفه باطلا. والسرّ فيه إنّ الوقوف الواجب لابد وأن يكون مستنداً إلى الفاعل وصادراً عن إرادة واختيار، وهو لا يتحقق مع كونه نائماً في جميع الوقت ومن الزوال إلى الغروب أو مغمى عليه كذلك وإن كان قبله عازماً على الوقوف وناوياً لإتيانه مع جميع الشرائط المعتبرة في عبادته مثل قصد القربة في ظرفه الزماني، إلاَّ أنه مع استيعاب

(1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الباب الثالث والعشرون ح3.

(الصفحة83)

في أن الركن مسمّى الوقوف

مسألة 3 ـ الوقوف المذكور واجب، لكن الركن منه مسمّى الوقوف ولو دقيقة أو دقيقتين، فلو ترك الوقوف حتى مسمّاه عمداً، بطل حجّه. ولكن لو وقف بقدر المسمّى وترك الباقي عمداً، صحّ حجّه وإن أثم. [1]


النوم أو الإغماء ـ كما لا يخفى ـ.
[1] قد مرّ في المسألة الأولى انّ مبدأ الوقوف الواجب ليس هو الزوال بمعناه الحقيقي، بل يجوز التأخير بمقدار ساعة تقريباً. وظاهر الروايات المتقدمة هناك لزوم الشروع بالوقوف بعد المقدار المذكور. لكنه ذهب جملة من الفقهاء إلى عدم إختلاف الواجب والركن في باب الوقوف وانه في كليهما هو المسمّى واسم الحضور. وقد استدلّ صاحب الرياض في ذيل كلامه المتقدم بالأصل النافي للزائد بعد الإتفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه وعدم اشتراط شيء زائد منه فيه مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة ودلالتها على الوجوب غير واضحة. وأمّا ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية. ومع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة. وأمّا ما تضمن منها فعله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذلك بناء على عدم وجوب التأسي، وعلى تقدير وجوبه في اعبادة فإنما غاية الوجوب الشرطي لا الشرعي وكلامنا فيه لا في سابقه للإتفاق ـ كما عرلفت على عدمه ـ.
ولكن الظاهر، إن المتفاهم العرفي من النصوص والروايات المزبورة وجوب الإتيان إلى الموقف بعد الفراغ عن الصلاتين مع الجمع بينهما. ودعوى عدم كونه مفيداً للفورية أو عدم ظهوره في الوجوب مندفعة بفهم العرف في خصوص المقام.

(الصفحة84)



ويؤيّده فهم المشهور منها ذلك. بل قد عرفت أن صاحب المدارك اعتبر الوقوف من أوّل الزوال ناسباً له إلى الأصحاب وأن تقدم توجيه كلامه وتفسير مرامه، مع انه لا خلاف ظاهراً في حرمة الإفاضة قبل الغروب وثبوت الكفارة عليها مع التعمّد. وهذا الحكم لا يجتمع مع كون الواجب هو المسمّى كالركن، لأن الإفاضة مسبوقة بتحقق الواجب حينئذ فلا وجه للحرمة واحتمال كونها حكماً آخر غير وجوب الوقوف، بحيث كان هناك حكمان مستقلان غير مرتبطين لا مجال له أصلا ـ كما هو أوضع من أن يخفى حكمه ـ.
نعم يقع بعد ذلك في أمرين:
الأوّل: إنه لا مجال لاحتمال كون جميع أجزاء الوقوف الواجب ركناً بحيث كان الإخلال بشيء منه عمداً موجباً لبطلان الحج بناء على ما مر مراراً من تفسير الركن في باب الحج ومغايرته مع الركن في باب الصلاة، والدليل على بطلان هذا الإحتمال الروايات التي تقدم بعضها في ذيل المسألة الأولى الدالة على أنّ الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمداً يترتب عليه الكفارة. ومعناها عدم كونه موجبة لبطلان الحج مع أنه لو كان الوقوف الركني شاملا لجميع أجزاء الوقت المذكور لكانت الإفاضة العمدية موجبة لبطلان الحج وعدم تماميته. فهذه الروايات شاهدة على عدم كون الركن شاملا لجميع أجزاء الوقت ـ كما هو ظاهر ـ.
الثاني: إنه لا مجال لاحتمال أنه لا يتصف الوقوف بعرفة بالركنية أصلا، بحيث كان واجباً غير ركني ويدل على الإتصاف بالركنية في الجملة مضافاً إلى ما رواه العامّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوجد مثله في عض روايات الخاصة، إنه قال: «الحجّ عرفة» فإنّه

(الصفحة85)



لامصحح لهذا التعبير بدون الإتصاف بالركنية. كذلك ماورد بطريق صحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال: «أصحاب الاراك لا حج لهم» مثل ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الموقف ارتفعوا عن بطن عرنة، وقال: «أصحاب الأراك لا حجّ لهم».(1)
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا وقفت بعرفات فادن من الهضاب «الهضبات» والهضاب هي الجبال. فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إن أصحاب الأراك لا حج لهم» يعني الذين يقفون عند الأراك.(2)
فإن الأراك من حدود عرفة، وحدود عرفة كلها خارجة عنها. فالحكم بنفي الحج لأصحاب الأراك الظاهر في بطلان حجهم لا يجتمع إلاَّ مع كون الوقوف ركناً في الجملة مؤثراً في البطلان مع الإخلال به ـ كما لا يخفى ـ.

(1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب التاسع عشر، ح10.
(2) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب التاسع عشر، ح11.

(الصفحة86)

في الإفاضة من عرفات قبل الغروب

مسألة 4 ـ لو نفر عمداً من عرفات قبل الغروب الشرعي وخرج من حدودها ولم يرجع، فعليه الكفارة ببدنة يذبحها الله في أيّ مكان شاء. والأحوط الأولى أن يكون في مكّة، ولو لم يتمكن من البدنة صام ثمانية عشر يوماً. والأحوط الأولى أن يكون على ولاء. ولو نفر سهواً وتذكّر بعده يجب الرجوع، ولو لم يرجع أثم ولا كفارة عليه وإن كان أحوط، والجاهل بالحكم الناسي، ولو لم يتذكّر حتى خرج الوقت، فلا شيء عليه. [1]


[1] لا شبهة في أن الإفاضة من عرفات قبل الغروب الشرعي لا توجب بطلان الحج وفساده وإن كان متعمّداً في ذلك ولم يرجع إليها وأمّا بالإضافة إلى الكفارة فتارة تكون الإفاضة عمداً وأخرى جهلا وثالثة سهواً.
ففي الصوره الأولى قد نفى صاحب الجواهر (قدس سره) وجدان الخلاف في ثبوت الكفارة فيها، بل عن المنتهى إنه قول عامة أهل العلم إلاَّ من مالك، فقال: لا حجّ له، وقال: ولا نعرف أحداً من أهل الأمصار قال بقوله.
ويدل على ثبوت الكفارة روايات متعدّدة، مثل:
صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه وإن كان متعمّداً فعليه بدنة.(1)
وصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل أفاض من

(1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب الثالث والعشرين. ح1.

(الصفحة87)



عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو في أهله.(1) وبعض الروايات الآخر والصحيحة الأولى الظاهرة في اختصاص الكفارة بالمتعمد مقيدة للصحيحة الثانية الظاهرة في إطلاق ثبوت الكفارة ـ كما هو ظاهر ـ.
والمحكي عن الصدوقين إن الكفارة شاة، ولم يعرف لهما مستند. نعم في محكي الجامع نسبه إلى الرواية، وعن خلاف الشيخ (قدس سره) إنّ عليه دماً، للإجماع والإحتياط وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خبر ابن عبّاس: من ترك نسكاً فعليه دم، وتمسكه بالإحتياط يشعر بأنّه في مقابل من لم يوجب عليه شيئاً من العامة، فلا يكون مراده من الدم خصوص الشاة، كما هو المنصرف إليه من اطلاق الدم في باب كفارات الحجّ. وكيف كان فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى الروايات الصحيحة الظاهرة في ثبوت خصوص البدنة، وفي الصورة الثانية ـ وهي صورة الجهل ـ يكون مقتضى النص والفتوى عدم ثبوت الكفارة.
وفي الصورة الثالثة ـ وهي صورة النسيان ـ فالمشهور إن حكمها حكم الصورة الثانية وانّه لا شيء على الناسي كالجاهل. وعن الحدائق الإستشكال في الإلحاق نظراً إلى أن حكم الناسي غير مذكور في الرواية. والالحاق لا دليل عليه ولا مانع من اختصاص الحكم بالجاهل. لأنه أعذر. والناسي بسبب علمه سابقاً غفلته لاحقاً لا يساوي الجاهل الذي لم يتلبس بالعلم أصلا. ولذا ورد النص على وجوب قضاء الصلاة على ناسي النجاسة دون الجاهل بها.

(1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب الثالث والعشرين، ح3.

(الصفحة88)



ويرد عليه أوّلا ان المراد من المتعمد الذي معناه هو صدور الفعل عنه عن عمد وقصد وإرادة وإختيار، هل هو الذي أفاض قبل الغروب مع قصد الإفاضة وإرادتها في مقابل من أفاض جبراً بلا إرادة وإختيار؟ أو أن المراد منه هو الذي يكون قاصداً للمخالفة ومريداً لها. فعلى الأوّل لا يصح التقابل بينه وبين الجاهل لأنه أيضاً يفيض عن قصد وعمد. غاية الأمر إنه لايكون عالماً بالحرمة، فالمقابلة شاهدة على بطلان هذا الإحتمال، وعلى الثاني يكون الناسي داخلا في الجاهل، لعدم كونه قاصداً للمخالفة بعد فرض النسيان والغفلة عن حرمة الإفاضة كلاًّ. بل الناسي لأجل الغفله يكون أولى من الجاهل في هذه الجهة ـ كما هو ظاهر ـ.
وثانياً انه لو سلم عدم التعرض في الصحيحة لحكم الناسي، يكون مقتضى حديث رفع الخطأ والنسيان عدم وجوب الكفارة على الناسي. ومما ذكرنا ظهر أن الأصل في عدم ثبوت الكفارة بمقتضى الرواية هو الجاهل والناسي ملحق به، بخلاف ماهو المذكور في المتن. ثم إن ظاهر الصحيحة لزوم كون نحرها يوم النحر الذي هو يوم العيد الأضحى الذي يكون الحاجّ فيه بمنى لأجل أعماله ومناسكه. ومقتضى مناسبة الحكم والموضوع التي يفهمها العرف، ان مكانه أيضاً هو منى، خصوصاً مع التعبير عن العيد بيوم النحر. وعليه فلو لم يكن الذبح يوم العيد وفي منى أقوى من حيث الفتوى، فلا شبهة في أنه مطابق للإحتياط الوجوبي، فتدبّر.
ثم الظاهر بملاحظة صحيحة ضريس ـ مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة في مطلق الصوم المتعدد من جهة اعتبار التتابع والتوالي وعدمه المبحوث عنها في كتاب الصوم ـ عدم إعتبار التوالي في صيام ثمانية عشر يوماً وأن اللازم

(الصفحة89)



رعاية نفس العدد المزبور من دون فرق بين الإتّصال والإنفصال. ودعوى الإنصراف إلى التتابع ممنوعة جداً. كما في مثله من الأمور العادية، فإنه لو أمر الطبيب مريضه بالمشي كل يوم ساعتين لا يستفاد منه إلاَّ لزوم المشي فيهما من دون أن يكون منصرفاً إلى اعتبار التوالي بينهما. نعم رعاية الإحتياط الإستحبابي لا.
بقى الكلام في النّاسي من جهة أنه لو لم يتذكر بعد الإفاضة حتى خرج الوقت ودخل الغروب فلا شيء عليه أصلا. وأمّا لو تذكر قبل الخروج بنحو لو رجع إلى عرفات يدرك مقداراً من الوقت قبل الغروب فلا إشكال بمقتضى ما ذكرنا من وجوب الإستيعاب وأن دائرة الواجب في الوقوف أوسع من دائرة الركن الذي هو المسمّى في وجوب الرجوع إلى عرفات لدرك ذلك المقدار من الوقت. فإن امتثل وأتى بالواجب فلا إشكال. وإن خالف ولم يرجع فلا شبهة في تحقق الإثم واستحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الوجوبي. وهل يجب عليه الكفارة لأجلها أم لا؟ حكي عن المسالك إنه يكون كالعامد في لزوم الدمّ.
ولكنّه ممنوع، لأن الكفارة لا تكون مترتبة على مخالفة التكليف الوجوبي المتعلق بالوقوف، ولا يكون اللازم ثبوت الكفارة على من ترك الوقوف بعرفات عمداً، عدا لحظة منه قبل غروب الشمس. مع أنه من الواضح خلافه، بل تكون مترتبة على عنوان الإفاضة المحرّمة قبل الغروب، والمفروض أن الإفاضة لا تكون محرمة بالإضافة إلى الناسي. غاية الأمر إنه كان الرجوع إلى عرفات واجباً عليه في هذه الصورة. وقد تحققت المخالفة بالنسبة إلى هذا التكليف. ولم يدل دليل على ايجابه للكفارة. لكن مقتضى الإحتياط الإستحبابي رعايتها.

(الصفحة90)

مسألة 5 ـ لو نفر قبل الغروب عمداً وندم ورجع ووقف إلى الغروب، أو رجع لحاجة لكن بعد الرجوع وقف بقصد القربة، فلا كفارة عليه. [1]


[1] الوجه في عدم ثبوت الكفارة على العامد في الفرضين، ان المتفاهم عند العرف من الإفاضة التي علّق عليها الحكم بثبوت الكفارة في الرّوايتين المتقدمتين، هي الإفاضة التي لم يتعقبها الرجوع إلى عرفات، بحيث يدرك مقداراً من الوقوف قبل الغروب. وأمّا الإفاضة المتعقبة بالرجوع بالنحو المذكور، فهي وإن كانت محرّمة أيضاً ضرورة إلاَّ أنه لا يستفاد من الدليل انها أيضاً توجب الكفارة، للفهم العرفي المذكور. وعليه فلا يكون البحث في سقوط الكفارة حتى يقال، أن السقوط بعد الثبوت يحتاج إلى دليل وهو مفقود. كما عن النزهة واستوجهه في مجمي كشف اللثام لما عرفت من عدم دلالة الدليل على ثبوتها في هذه الصورة بوجه. نعم الإستدلال على عدم الثبوت بمثل مافي الجواهر من أنه لو لم يقف إلاَّ هذا الزمان لم يكن عليه شيء، غير صحيح أيضاً. لأنه لا محال لتوهّم المماثلة بعد عدم تحقق الإفاضة في الفرض المذكور بوجه. وقد مرّ آنفاً في ذيل المسألة السابقة، ان الكفارة لا تكون مترتبة على ترك الوقوف الواجب، بل على الإفاضة المحرّمة، فلا وجه للتشبيه أصلا. والعمدة في الدليل ماذكرنا، فتدبّر.

(الصفحة91)

في الوقوف الإضطراري للعرفات

مسألة 6 ـ لو ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب لعذر ـ كالنسيان وضيق الوقت ونحوهما ـ كفى له ادراك مقدار من ليلة العيد ولو كان قليلا. وهو الوقت الإضطراري للعرفات، ولو ترك الإضطراري عمداً وبلا عذر، فالظاهر بطلان حجّه وإن أدرك المشعر، ولو ترك الإختياري والإضطراري لعذر كفى في صحة حجّه، إدراك الوقوف الإختياري بالمشعر الحرام ـ كما يأتي ـ . [1]


[1] للوقوف بعرفات وقتان. إختياري وإضطراري. أمّا الإختياري فهو ما تقدّم من أوّل الزوال أو مضي مقدار ساعة منه إلى الغروب. ومرّ أن الواجب هو الوقوف في المجموع والإستيعاب والركن هو المسمّى منه المتحقق بدقيقة أو دقيقتين. ومرّ ان الإخلال بالركن إذا كان عن علم وعمد فهو يوجب البطلان. وأمّا إذا كان عن عذر فلا يوجب الفساد بوجه. ولهذه الجهة تصل النوبة بالإضافة إلى هذا النحو من الترك إلى الإضطراري وهو من الغروب إلى طلوع الفجر من يوم النحر. وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر. بل حكي عن المدارك وغيرها الإجماع عليه، وعن الشيخ في الخلاف إطلاق أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم العيد. وأورد عليه إبن إدريس بأن هذا القول مخالف لأقوال علمائنا. وإنما هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيراداً لا إعتقاداً. وأجاب عنه العلاّمة في المختلف بأن النزاع هنا لفظي. وأن الشيخ قصد الوقت الإختياري، وهو من زوال الشمس إلى غروبها، والإضطراري وهو من الزوال إلى طلوع الفجر، فتوهم إبن

(الصفحة92)



إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الإختياري، فأخطأ في إعتقاده...
وكيف كان، فالظاهر إن الواجب والركن في الوقت الإضطراري واحد، وهو مسمّى الوقوف ليلا بعرفة. وبهذا يفترق عن الوقت الإختياري، كما أن مقتضاه إنّ الإخلال بالوقوف الإضطراري إذا كان عن غير عذر موجب لبطلان الحج وفساده. فما تشعر به عبارة العلاّمة في محكي القواعد من أنّ الوقوف الإختياري بعرفة ركن، من تركه عامداً بطل حجّه من اختصاص الركن بالوقوف الاختياري لا يكون مقصوداً له ظاهراً، خصوصاً بعد ظهور النصوص والفتاوى في غيره. مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال في رجل أدرك الإمام وهو بجمع، فقال: إنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها، وإن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تم حجّه.(1)
وصحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل.(2)
ورواية إدريس بن عبدالله، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أدرك الناس

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني والعشرون، ح1.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني والعشرون ح2.

(الصفحة93)



بجمع وخشي أن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: إن ظنّ أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشى أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه.(1)
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر فإذا شيخ كبير. فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن ظنّ أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها. وإن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها وقد تم حجّه.(2) ويغلب على الظن اتحادها مع صحيحة الأولى، وإن كانت هذه مشتملة على أزيد من تلك. لكن وحدة التعبيرات والراوي والمرويّ عنه يوجب الظنّ الغالب بالإتّحاد. والمستفاد من مجموع هذه الروايات وضم بعضها ببعض أمور:
الأولّ: ثبوت الوقت الإضطراري للعرفات، وعدم الإختصاص بالوقت الإختياري.
الثاني: إختلاف الوقتين الإختياري والإضطراري في مقدار الواجب. فإن الواجب من الوقت الإختياري عبارة عن مجموع ساعات متعددة، والوقت الإضطراري الواجب عبارة عن مقدار قليل من الليل.
الثالث: ثبوت الركن للوقت الإضطراري أيضاً، ولازمه كون الإخلال به لغير عذر موجب لبطلان الحج، وإن كان الإخلال بالوقوف الإختياري لعذر مانع عن

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني والعشرون، ح3.
(2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني والعشرون، ح4.

(الصفحة94)

فيما لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا

مسألة 7 ـ لو ثبت هلال ذي الحجّة عند القاضي من العامّة وحكم به ولم يثبت عندنا فإن أمكن العمل على طبق المذهب الحقّ بلا تقية وخوف وجب، وإلاَّ وجبت التبعية عنهم وصحّ الحج لو لم تبين المخالفة للواقع، بل لا تبعد الصحة مع العلم بالمخالفة ولا تجوز المخالفة، بل في صحة الحج مع مخالفة التقية إشكال، ولما كان أفق الحجاز والنجد مخالفاً لآفاقنا، سيّما أفق إيران، فلا يحصل العلم بالمخالفة إلاَّ نادراً. [1]


بطلان الحج.
الرابع: إنه لو كان ترك الوقتين مستنداً إلى العذر، يكفي في صحة الحج وتماميته إدراك الوقوف الإختياري للمشعر الحرام، المتحقق بالإدراك قبل طلوع الشمس وقبل الإفاضة من المشعر إلى منى. وسيأتي البحث في هذا الأمر في مباحث الوقوف بالمشعر إن شاء الله.
[1] لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا ولكنه ثبت عند القاضي من العامّة وحكم على طبقة فإن لم يكن في البين تقيّة ولا خوف وجب العمل على طبق المذهب الحق وهو مقتضى استصحاب عدم ثبوت الهلال في ليلة اليوم المشكوك وعدم كون اليوم المزبور أوّل ذي الحجة. ولكنه لابد وأن يعلم انه ربما لا يكون في البين خوف شخصي وخطر متوجه إلى الشخص نفساً أو غيرها، بل يكون في البين هتك حرمة الشيعة وانحطاط شأنهم وجعلهم في معرض التهمة ومظنة السّوء، كما إذا كانوا مجتمعين في الحج والوقوف ـ كما في هذه الأزمنة ـ فإنه لابد في هذه الصورة من حفظ

(الصفحة95)



مقامهم لئلاّ يقعوا في معرض الإتهام وينظر الناس إليهم بعين الإبتعاد عن الإسلام والإلتزام بشؤونه. فلا يجوز التخلف عنهم في الوقوف ونحوه، وإن لم يكن تقية ولا خوف في البين أصلا.
وكيف كان ففي صورة التقية ومثلها تجب المتابعة عنهم ورعاية شؤون التقية ولا شبهة في هذه الجهة من حيث الحكم التكليفي. فقد وردت روايات متواترة، بل فوق حدّ التواتر في مشروعيه التقية ولزوم رعايتها. وفي بعضها أنه لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً.
إنّما الكلام في الإجزاء عن الواجب الواقعي الأولي وللاتصاف بالصحة والتمامية. ومحلّ البحث في الإجزاء في باب التقيّة ما إذا كانت التقية موجبة للإخلال بالجزء أو بالشرط أو الإتيان بالمانع أو القاطع، كما إذا كانت التقية موجبة لترك مسح الرجلين والغسل بدل المسح في باب الوضوء أو غسل اليد منكوساً ومعكوساً أو التكتف أو قول آمين في الصلاة. وأمّا إذا كانت التقية موجبة لترك الواجب رأساً كما في الإفطار في يوم الشك من آخر رمضان إذا حكم قاضيهم بكونه يوم العيد، فإنه لا مجال لتوهم الإجزاء بعد ترك العبادة رأساً. وعليه فالحكم بالقضاء في مثله لا يستلزم الحكم بعدم الإجزاء في محلّ البحث. كما في مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: دخلت على أبي العبّاس في الحيرة، فقال: يا أبا عبدالله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا. فقال: يا غلام عليَّ بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان، فكان

(الصفحة96)



إفطاري يوماً وقضائه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله.(1)
فمحلّ الكلام ما ذكرنا وحينئذ إن قلنا بأن الضابطة في المسألة الأصولية التي يبحث فيها عن إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الإضطراري وأنه يجزي عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الإختياري ـ كما هو الظاهر ـ أم لا بالاجزاء، فاللازم هو القول بالإجزاء في امقام لانّ التقية من موارد الإضطرار، وقد عبّر عنها به في بعض الروايات الصحيحة المعروفة بصحيحة الفضلاء، قالوا سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن التقية في كل شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له.(2)
وإن لنا بعدم الإجزاء في المسألة الأصولية، فاللازم هو القول بالإجزاء في خصوص المقام لا لما ذكره صاحب الجواهر من انّه لا يبعد القول بالإجزاء هنا إلحاقاً له بالحكم للحرج، واحتمال مثله في القضاء. قال: وقد عثرت على الحكم بذلك منسوباً للعلامة الطباطبائي (قدس سره) ولكن مع ذلك فالإحتياط لا ينبغي تركه.
بل لأنّه قد مضى على الائمة (عليهم السلام) وشيعتهم ما يزيد عن مأتي سنة كان ثبوت الهلال مرتبطاً بحكم الحاكم وقاضيهم ولم يكن مورد واحد ولو إشارة وإشعاراً حكموا فيه ببطلان الحج، بلحاظ كون الوقوف مستنداً إلى حكم قاضي النّاس مع عدم ثبوته عند الشيعة. وكون مقتضى الإستصحاب العدم. ومن الواضح ثبوت الإختلاف كثيراً بهذه الكيفية الراجعة إلى الثبوت عندهم والشك عند الشيعة. ولا مجال لدعوى عدم وقوع الاختلاف أصلا في هذه المدة الكثيرة، خصوصاً مع ملاحظة مثل موثقة

(1) وسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع والخمسون، ح
(2) وسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع والخمسون، ح

(الصفحة97)



أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) وكان بعض أصحابنا يضحي، فقال: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يصوم الناس.(1)
كما أن دعوى إن ذلك من جهة عدم تمكن الشيعة من الوقوف الثاني مدفوعة بمنع عدم التمكن دائماً، لا مكان الوقوف في برهة من الزمان، ولو مرّة واحدة في طول هذه المدّة، ولو بعنوان آخر بحسب الظاهر. فلا وجه لذلك غير الإجزاء وكفاية الوقوف الصّادر تقيةً.
مع أنه هنا شيء آخر ينبغي الإلتفات إليه وهو أنّ الأئمّة (عليهم السلام) وشيعة المدينة كانوا يحجون من المدينة وهم باعتبار قرب بلدهم إلى مكة لم يكن اللازم عليهم الخروج عنها قبل هلال ذي الحجة. فالقاعدة تقتضي الخروج بعده وإن كانت المراكب السابقة غير المراكب الفعلية، لكنه مع ذلك لم يكن الخروج قبله بلازم وحينئذ في مورد الشك وعدم الثبوت لو كان الحج كذلك غير صحيح. ولا محالة لا يكون مستحبّاً أيضاً. لأن العمل الباطل لا يتصف بشيء من الوجوب والإستحباب، لما كان وجه للخروج إلى الحجّ، خصوصاً بعد وضوح عدم اختلاف أفق مدينة ومكة، وكون حكم القاضي في الأولى نافذاً بالإضافة إلى الثانية أيضاً، مع أنه لم يعلم ولو مرة واحدة إمتناعهم عن الخروج لأجل ذلك. وتبيين هذه العلة ولو لخواصّ أصحابهم مع التعرض لمثله في موارد كثيرة، فلا مجال لاحتمال عدم الإجزاء مع التوجه إلى ما ذكرنا في صورة عدم العلم بالمخالفة.
وأمّا في صورة العلم بالمخالفة وعدم موافقة حكم القاضي للواقع قطعاً، فقد نفى

(1) وسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع والخمسون، ح7.

(الصفحة98)



البعد في المتن عن الحكم بالصحة فيها، ولكنه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) في مناسكه انه في هذه الصورة لا يجزي الوقوف معهم. فإن تمكن المكلف من العمل بالوظيفة ـ والحال هذه ولو بان ـ يأتي بالوقوف الإضطراري في المزدلفة دون أن يترتب عليه أيّ محذور ـ ولو كان المحذور مخالفته للتقية ـ عمل بوظيفته. وإلاَّ بدّل حجه بالعمرة المفردة ولا حج له. فإن كانت استطاعته من السنة الحاضرة ولم تبق بعدها سقط عنه الوجوب، إلاَّ إذا طرأت عليه الإستطاعة من جديد.
أقول: الظاهر هو الحكم بالصحة في هذه الصورة أيضاً، لأن تحققها في ذلك الزمان الطويل الذي أشرنا إلى أنه يزيد عن مأتي سنة، وإن كان قليلا بالإضافة إلى صورة الشك وعدم العلم بالمخالفة، إلاَّ أنه لا مجال لإنكاره. وقد مرّ في مرسلة رفاعة، أن الإمام (عليه السلام) حلف بأن اليوم الذي أفطر فيه تقية كان من شهر رمضان، وإنه كان عالماً بذلك حين الإفطار، ومع ذلك أفطر كذلك. فيدل ذلك على وقوع هذه الصورة أحياناً. ومع ذلك لم نر ولم نعهد منهم (عليهم السلام) الإشارة إلى عدم الإجزاء ولزوم التطرق إلى طريق صحيح، ومع عدم إمكانه لزوم تبديل الحج بالعمرة المفردة، ولو في مورد واحد مع كون فريضة الحج من الفرائض المهمة الإلهية.
ودعوى كون السيرة العملية من الأدلة اللبية التي لابد فيها من الإقتصار على القدر المتيقن ـ وهي صورة الشك وعدم العلم بالمخالفة ـ مدفوعة بأنه مع ملاحظة ما ذكرنا لا يكون شمولها لصورة العلم مشكوكاً حتى لا يجوز الإستدلال له بها. بل الظاهر إنه لا شك في الشمول نعم ربما يستدل على عدم الإجزاء ـ كما في تقريرات بعض الأعلام (قدس سره) في شرح المناسك ـ بأنه بعد عدم ثبوت السيرة في هذه الصورة

(الصفحة99)



وعدم نص خاص على الإجزاء ليس في البين إلاَّ أدلة التقية، وهي مع أنها لا تدل على الإجزاء تكون دلالتها عليها على تقديرها في خصوص صورة الشك لا في مورد القطع بالخلاف أيضاً. فإن العامّة لا يرون نفوذ حكم حاكمهم حتى عند القطع بالخلاف، فالعمل الصادر منه لا يكون مصداقاً للتقية.
أقول: الظاهر ان عدم نفوذ حكم حاكمهم في صورة القطع بالخلاف إنّما هو بالإضافة إلى متابعيهم من الناس، وأمّا بالإضافة إلينا فحيث إنه لا دليل على كون المخالفة مستندة إلى القطع بالخلاف تجري التقية ويكون العمل الصادر مصداقاً لها. ولولا ذلك ينسد باب التقية في مثل الوقوف وأعمال منى وعيد الفطر إذ كان للشيعة الإعتذار عن المخالفة بالعلم بالخلاف وعدم نفوذ حكم الحاكم في هذه الصورة. مع أنك عرفت تحقق الإفطار منه (عليه السلام) مع العلم بالخلاف. فلم لم يعتذر عن عدمه بالعلم بكون الواقع مخالفاً بحكم القاضي؟ وبالجملة لازم هذا القول إنسداد باب التقية في الوقوف مطلقاً، ولا اقلّ في خصوص صورة العلم بالمخالفة واقعاً. وهذا ما لا يقول به المستدل، فالجمع بين جريان التقية الخوفية في صورة العلم بالمخالفة، كما لا محيص عن الالتزام به، ولذا حكم بإتمام حجه عمرة مفردة في هذه السنة في كلامه المتقدم وبين عدم الإجزاء وبين عدم نفوذ حكم حاكمهم في هذه الصورة لا يكاد يمكن، فلابد إمّا أن يقال بأنه لا تقية في هذه الصورة أصلا، وإمّا أن يقال بالإجزاء، كما في صورة الشك وحيث إنه لا سبيل إلى الأوّل فيتعين الثاني.
بقى الكلام في المسألة في حكم مخالفة التقيّة وإن العمل العبادي المخالف للتقية هل يتصف بالصحة والإجزاء أم لا؟ وفيه إحتمالات، بل أقوال:

(الصفحة100)



أحدها: القول بالبطلان مطلقاً. وهو المحكي عن شارحي الشرايع صاحبي الجواهر والمصباح (قدس سرهما) .
ثانيها: القول بالصحة كذلك. وهو المحكي عن جماعة. وذهب إليه الامام الخميني (قدس سره) وإن إستشكل فيها هنا.
ثالثها: التفصيل بين الأجزاء والشرائط التي تكون متحدة مع العبادة، وبين الأجزاء والشرائط التي تكون خارجة عنها. ففي الأوّل ترك التقية موجب للبطلان ـ كالسجدة على التربة ـ إذا كانت التقية مقتضية لتركها وفي الثاني لا يوجب البطلان ـ كترك التكتف في الصّلاة كذلك ـ وهو المحكي عن الشيخ الأعظم الأنصارى وتبعه المحقق النائيني وبعض آخر.
والعمدة ملاحظة مايمكن أن يكون وجهاً للبطلان، وهو أحد أمرين:
الأمر الأوّل: كون العمل المخالف للتقية منهيّاً عنه. والنهي المتعلق بالعبادة يوجب فسادها.
ولكنه يرد عليه إن تعلق النهي بالعمل المذكور إن كان من جهة أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد، فقد حقق في المباحث الاصولية إنه لا يقتضي النهي عن الضد، إلاّ يلزم اجتماع حكمين في موارد ثبوت الوجوب.
وإن كان من جهة استفادة الحرمة من بعض التعبيرات الواردة في التقية، مثل ماورد من أن تركها موجب لوهن المذهب، أو أن تركها ذنب لا يغفر. فمن الواضح إنه لا وجه للإستفادة المزبورة أصلا ـ كما هو غير خفي ـ.
الأمر الثاني: إن العمل المخالف للتقية وإن لم يكن منهيّاً عنه ومتعلقاً للحرمة

<<التالي الفهرس السابق>>