في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة181)



والكفاية. وأمّا لو لم يبق بل ارتفع بحيث يمكن له الرمي بالمباشرة في الوقت، فالظاهر هو الاجزاء وعدم لزوم الاستيناف مباشرة لأجل قاعدة الإجزاء المحققة في الأصول. ولو نوقش فيها لكان مقتضى الروايات الواردة في المقام هو الإجزاء كما هو المتفاهم منها عند العرف فان مفادها لا يكون مجرد بيان المشروعية للنيابة في الرمي في الجملة، بل هو مع صحة الرمي الواقع نيابة في مورد العذر وعدم لزوم الإعادة كما لا يخفى. نعم هنا فرض رابع وهو زوال العذر في أثناء الرمي وامكان الإتيان بالمجموع مباشرة ولاشبهة فيه في عدم جواز اكمال النائب الباقي بعد ارتفاع العذر وزوال الاغماء والمرض ـ مثلاً ـ . إنّما الإشكال في لزوم استيناف المجموع من رأس مباشرة أو كفاية ما رماه النائب وإكمال المنوب عنه الباقي. فيه وجهان، والظاهر هو الوجه الأوّل لعدم وضوح شمول الروايات المتقدمة لهذه الصورة. وقد عرفت انّ النيابة انما تكون على خلاف القاعدة ويحتاج جريانها في مورد إلى قيام الدليل الظاهر فيه. وعليه فاللازم هو الاستيناف من رأس وعدم الاكتفاء بما رماه النائب. نعم مقتضى الإحتياط الراجح هو الجمع بين الامرين.
بقي في هذه المسألة أمران:
أحدهما: انّ الظاهر هو استحباب حمل المريض في صورة الإمكان إلى محلّ الرمي والرمي في حضوره. وإن كان ظاهر الموثقة وبعض الروايات الآتية في مسألة الرمي في الليل هو الوجوب: ولذا جعله في المتن أحوط.
ثانيهما: انّ الظاهر ان جريان النيابة في الموارد الخمسة المذكورة انّما هو بعد تحقق الاستنابة من المنوب عنه وصدور الإذن منه. نعم في الصبي لا يحتاج إلى الإستنابة،

(الصفحة182)

في من كان معذوراً في الرمي يوم العيد

مسألة 6 ـ من كان معذوراً في الرّمي يوم العيد جاز له الرّمي في الليل. [1]


بل يتصدّى الولي لنفسه أو يستنيب هو، ولا حاجة إلى اذن الصبي، كما أنه في المغمى عليه لا مجال للاستنابة لعدم امكانها، بل يتصدّى الولي لذلك، ومع عدمه المؤمنون، بل ربما يستفاد من صحيحة رفاعة المتقدمة الوجوب بنحو الواجب الكفائي بناء على كون قوله: يرمي عنه الجمار دالاًّ على وجوب الرمي عنه لا مجرد مشروعية النيابة بالاضافة إليه.
[1] قال المحقق في الشرايع: ولا يجوز أن يرمي ليلاً إلاّ لعذر كالخائف والمريض والرعاة والعبيد. وقال في الجواهر عقيبه: بلا خلاف أجده فيه.
والمستند الروايات الكثيرة الواردة في هذه المسألة، مثل:
صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليّل.(1)
وموثقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص للعبد والخائف والراعي، في الرمي ليلاً.(2)
وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في الخائف: لابأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحي بالليّل ويفيض بالليّل.(3)

(1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 1.
(2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 2.
(3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 4.

(الصفحة183)



ورواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال: الحاطبة والمملوك الذي لا يملك من امره شيئاً، والخائف والمدين والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي، يحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي وإلاَّ فارم عنه وهو حاضر.(1)
والمستفاد من الروايات جواز الرّمي في الليل بالإضافة إلى العناوين المذكورة فيها وجامعها عنوان المعذور كما فهمه الفقهاء. وغير خفي انّ هذه العناوين تختلف مع الطوائف الثلاثة الذين رخص لهم النفر من المشعر إلى منى قبل طلوع الفجر حيث انّ الظاهر جواز الرمي لهم بعد الورد إلى منى وإن لم يطلع الفجر من ليلة العيد، فضلاً عن طلوع الشمس يومه. كما وقع التصريح بذلك في بعض الروايات الدالة على الترخيص فان النساء بعنوانهن من جملة ملك الطوائف مع أنه لا يصدق عليهن عنوان المعذور إلاَّ بالإضافة إلى بعضهن كالرجال. والثمرة تظهر في جواز الرمي في الليل في غير ليلة العيد، فإنه لا يجوز على الطوائف المذكورة ذلك إلاَّ مع الدخول في عناوين روايات هذا الباب، كالخائف ـ مثلاً ـ في بعض مصاديقه. وكيف كان ظاهر روايات المقام الدالة على جواز الرّمي في الليل أنه لا فرق في الليل بين المتقدم والمتأخر لعموم النصوص والفتاوى. كما ذهب إليه صاحب الجواهر تبعاً لكاشف اللثام.
ولكن قال في محكّي المدارك: « والظاهر أن المراد بالرّمي ليلاً رمي جمرات كل يوم في ليلته، ولو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنه

(1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح1.

(الصفحة184)

في جواز الرّمي ماشياً وراكباً

مسألة 7 ـ يجوز الرّمي ماشياً وراكباً، والأوّل أفضل. [1]


أولى من الترك أو التأخير وربما كان في اطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه».
ومقتضى الإطلاق إنه لا فرق بين صورتي التمكن وعدمه، وعليه فيجوز المعذور في الليلة الثاني عشر رمي الجمار مرتين، مرة لليوم الماضي وأخرى لليوم الآتي.
فرع: هل المريض الذي لا يتمكن من الرمي في اليوم، يجب عليه أن يستنيب للرمي في اليوم، أو يتعين عليه أن يصبر ويرمي بالمباشرة في الليل، أو يتخير بين الأمرين; وجوه ظاهر الماتن (قدس سره) في الجواب عن السؤال عنه هو الوجه الثالث ولعلّ وجهه جريان كلا الدليلين بالإضافة إليه الدليل الدال على أن غير المتمكّن يرمى عنه الجمار. وقد ورد بعض رواياته في خصوص المريض. والدليل الدّال على أن المعذور عن الرّمي في اليوم يرمي في الليل وحيث إنه لا ترجيح لإحدهما على الآخر فهو يتخير بين الأمرين ويحتمل ترجيح الثاني على الأوّل، لأن النيابة أمر على خلاف القاعدة لا يصار إليها إلاَّ مع قيام الدليل الواضح عليها. ومع وجود الدليل على توسعة زمان الرّمي بالإضافة إلى الليل ولو بالنسبة إلى خصوص بعض العناوين لا يصار إلى النيابة. ولعلّ في رواية أبي بصير المتقدمة إشارة لولا دلالة إلى ذلك، فتدبر. فالأحوط الرمي في الليل في الفرض المزبور.
[1] قد وقع التصريح في جملة من الكتب الفقهية بانّ المستحب هو الرمي ماشياً. والظاهر انّ المراد هو الرّمي راجلاً. لانّ الرّمي يغاير الطواف والسعي حيث إن

(الصفحة185)



الحركة مأخوذة في مفهومهما، بخلاف الرّمي، فإنه لا تعتبر الحركة في معناه ومهيته. فالمراد من عنوان الماشي هو الراجل في مقابل الرّاكب. نعم في الحركة عن الخيمة التي هي مقره إلى محلّ الرمي يتصور عنوان الماشي. وكيف كان فالدليل على الإستحباب وجواز الرّمي راكباً ملاحظة الجمع بين الروّايات المتعددة الواردة في المقام، مثل:
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرمي الجمار ماشياً.(1)
ورواية أحمد بن محمّد بن عيسى، انّه رأى أبا جعفر (عليه السلام) رمى الجمار راكباً.(2)
ومرسلة محمد بن الحسين عن بعض أصحابنا عن أحدهم (عليه السلام) في رمي الجمار، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رمى الجمار راكباً على راحلته.(3)
ورواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل رمى الجمار وهو راكب فقال لا بأس به.(4)
هذا وعن المبسوط والسرائر: انّ الركوب أفضل لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رماها راكباً وفي محكي المدارك: لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الاصحاب.
قلت: لو كان المراد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رماها راكباً أحياناً فهو لا يدل على استحبابه خصوصاً بعد دلالة صحيحة علي بن جعفر، على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرمي الجمار ماشياً. ولو كان المراد استمرار عمله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرمي راكباً، فلا يكون في البين ما يدل عليه

(1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح1.
(2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 1.
(3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 2.
(4) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن، ح 4.

(الصفحة186)



اصلاً.
ثم إن هنا بعض الروايات المتعرضة لكيفيّة الحركة إلى محل الرّمي، مثل:
رواية عنبسة بن مصعب، قال: رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) بمنى يمشي ويركب، فحدثت نفسي أن أسأله حين أدخل عليه، فابتدأني هو بالحديث، فقال: إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يخرج من منزله ماشياً إذا رمى الجمار ومنزلي اليوم انفس ( ابعد ) من منزله فاركب حتى آتي إلى منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى ارمي الجمار «الجمرة».(1)
ومرسلة الحسن بن صالح عن بعض أصحابه، قال: نزل أبو جعفر (عليه السلام) فوق المسجد بمنى قليلاً عن دابته حتى توجه ليرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك لم نزلت هيهنا؟ فقال: انّ هذا مضرب علي بن الحسين (عليه السلام) ومضرب بني هاشم وأنا احبّ أن أمشي في منازل بني هاشم.(2)
ورواية علي بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة، ثم ينصرف راكباً وكنت اراه ماشياً بعدما يحاذي المسجد بمنى.(3) وفي دلالة بعضها على استحباب المشي إلى الرّمي بعنوانه تأمل وإشكال، والأمر سهل.
وينبغي في باب الرّمي التنبيه على أمرين:
أحدهما: أنه ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في معنى الجمرة، والمراد منها ما ملخّصه: «أن المراد منها البناء المخصوص أو موضعه، إن لم يكن كما في كشف اللثام. سمّى بذلك

(1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 2.
(2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع ح5.
(3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع ح2.

(الصفحة187)



لرميه بالحجار الصغار المسماة بالحجار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها أو من الاجمار بمعنى الاسراع، لما روى ـ في نهاية ابن الأثير ـ أن آدم (عليه السلام) رمى فاجمر إبليس من بين يديه، أو من جمرته وزمرته الى نحيته، وفي الدروس انّها اسم لموضع الرّمي وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى، وقيل هي مجتمع الحصى لا السائل منه. وصرّح علي بن بابويه بأنه الأرض. ولا يخفى عليك ما فيه من الاجمال إلى أن قال بعد ترجيح كلام الدروس على كلام كشف اللثام الظاهر في تقييد الصدق على الأرض بزوال البناء معللاً استبعاد موقف الصدق عليه: ويمكن كون المراد بها المحلّ بأحواله التي منها الارتفاع ببناء أو غيره أو الانخفاض».
وفي رواية ابي غسان المتقدمة، تشبيه الجمار بالصفا والمروة وانّها حيطان وظاهرها كون المراد منها هو البناء، لكن الرواية غير معتبرة.
ثانيهما: ذكر بعض الاعلام (قدس سره) انّ الجمرة الموجودة في زمن النبي والأئمة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لا ريب في تغييرها لعدم امكان بقائها فشخصها لا يلزم رميه جزماً بعد عدم امكان البقاء وبقاء، حكم الرمي إلى يوم القيامة قطعاً. وعليه فإذا كان التغيير بنحو بنى بعد زوالها جمرة أخرى أو رممت أو طليت بالجص والسمنت بحيث يعدّ ذلك جزء منها لا بأس برميها. وأمّا إذا فرض أنه بنى على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة الموجودة في زمانهم (عليهم السلام) كما في زماننا هذا فلا يجتزي برمي المقدار الزائد المرتفع لعدم وجود هذا المقدار في زمانهم، فلم نحرز جواز الإكتفاء برمي هذا المقدار. قال: والاحوط لمن لا يتمكن من رمي نفس

(الصفحة188)



الجمرة القديمة أن يرمي بنفسه المقدار الزائد المرتفع ويستنيب شخصاً آخر لرمي الجمرة القديمة المزيد عليها.
ويرد عليه:
أوّلاً: أن البناء على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة يستلزم الاضافة والزيادة بالنسبّة إلى الأصل أيضاً ولا يكون التغيير ـ حينئذ ـ بمجرد الكيفية فقط، بل التغيير في الكمية أيضاً أصلاً وفوقاً و ـ حينئذ ـ فاللازم عدم الاجتزاء برمي الأصل أيضاً ولا مجال للالتزام به.
وثانياً: أنه مع قطع النظر عما ذكرنا، نقول: أن ارتفاع الجمرة لا يستلزم خروج المقدار المرتفع عن عنوانها، فإن الجمرة سواء كان المراد بها الارض أو كان المراد البناء باقية بعنوانها، ولا تكون الجمرة المرتفعة جمرة وإضافة بل المجموع هي الجمرة.
ويؤيد ما ذكرنا التوسعة المتحققة في المسجدين، المسجدالحرام ومسجدالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث إنّها لا توجب خروج الزائد عن العنوان ولا عن الاحكام المترتبة عليهما، فإذا قلنا بالتخيير بين القصر والإتمام في خصوص المسجدين لا في مجموع البلدين يكون التخيير المزبور ثابتاً في جميع أجزائهما ولو الاجزاء الحادثة في الازمنة المتعددة.
كما انّ الإحرام للحج بالإضافة إلى المتمتع اللاّزم وقوعها في بلد مكّة قد مّر البحث سابقاً في انه يجوز ايجاده من أية نقطة من نقاط مكة وحتى النقاط الحادثة في الأزمنة الأخيرة، وقد تقدم الإستدلال عليه.
وعليه فالتوسعة لا تقتضي عدم توسعة الحكم والمقام من هذا القبيل فان

(الصفحة189)

2 - الهدي

الثاني من الواجبات، الهدي. ويجب أن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل والبقر والغنم، والجاموس بقر، ولا يجوز سائر الحيوانات والأفضل الإبل ثم البقر، ولا يجزي واحد عن اثنين أو الزيادة بالإشتراك حال الإختيار، وفي حال الإضطرار يشكل الإجتزاء، فالأحوط الشركة والصوم معاً. [1]


الارتفاع لا يقتضي سلب العنوان، وهو الملاك في الأحكام كما لا يخفى، فيجوز من المقدار المرتفع الموجود في هذه الأزمنة أيضاً.
[1] في هذا الأمر جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في أنه يختص وجوب الهدي بحج التمتع بخلاف رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير. وأمّا غير حج التمتع فلا يجب فيه الهدي. قال الله تبارك وتعالى: (فاذا امنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) الآية.(1) ومقتضى ظاهره أنه في صورة الأمن وعدم الإحصار يجب على المتمع ما استيسر من الهدي والروايات الدالة على ذلك كثيرة، مثل:
صحيحة زرارة، قال: سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل؟ فقال: المتعة، فقلت: وما المتعة؟ فقال: يهلّ بالحج في أشهر الحج فإذا طاف بالبيت فصلّى الركعتين خلف المقام وسعى بين الصّفا والمروة وقصّر وأحلّ، فإذا كان يوم التروية وأهلّ بالحج ونسك المناسك وعليه الهدي، فقلت: وما الهدي؟ فقال: أفضله

(1) البقرة، الآية 192.

(الصفحة190)



بدنة وأوسطه بقرة وأخفضه شاة، الحديث.(1)
ورواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) من تمتع في أشهر الحج، ثم أقام بمكة حتى يحضر الحاج من قابل فعليه شاة، ومن تمتع في غير اشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنّما هي حجة مفردة وانّما الاضحى على أهل الامصار.(2) وغير ذلك من الروايات الظاهرة في أن الهدي من خصائص حج التمتع ولا يجب في غيره.
لكن هنا رواية ربما يكون ظاهرها غير ذلك، وهي صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في رجل اعتمر في رجب، فقال: إن كان أقام بمكّة حتى يخرج منها حاجّاً فقد وجب عليه هدي، فان خرج من مكّة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي.(3) وقد حملها الشيخ (قدس سره) في التهذيب على من بقى وأقام بمكة ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، ولازمه خروجه من مكّة في الحج. لأن إحرام حج التمتع لا بد وأن يقع في مكّة، والشرطية الثانية ناظرة إلى غير المتمتع. ويحتمل الحمل على وجوه أخر، مثل الحمل على ضرب من الندب أو على أنه ليس المراد بالهدي ما هو الواجب في حج التمتع، بل المراد به هي الكفارة بلحاظ وجوب الحج عليه من خارج مكة بالنذر أو غيره فاحرم منها. وقد احتمل في الجواهر أن ما في الدروس بعد نقل الحديث من أن فيه دقيقة إشارة إلى هذا الوجه. وعلى تقدير عدم امكان الحمل لابد من ردّ علمه إلى أهله، كما لايخفى. وكيف كان فلا شبهة في وجوب الهدي في التمتع بل

(1) وسائل: ابواب اقسام الحج، الباب الخامس، ح3.
(2) وسائل: ابواب اقسام الحج، الباب العاشر، ح 1 .
(3) وسائل: ابواب الذبح، الباب الأوّل، ح2.

(الصفحة191)



في اختصاصه به وعدم وجوبه في غيره حتى القران لعدم تعينه بوجه.
نعم وقع الكلام في أن المكي إذا تمتع هل يجب عليه الهدي أم لا؟ فالمشهور شهرة عظيمة هو الأوّل، بل في الجواهر: لم يحك الخلاف فيه إلاَّ عن الشيخ في المبسوط جزماً والخلاف احتمالاً.
والوجه في خلافه قوله تعالى في ذيل الآية المتقدمة: (ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام) بناء على رجوع اسم الاشارة إلى الهدي لا إلى التمتع، لأنه كقوله من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصياً في الرجوع إلى الجزاء دون الشرط.
وأجيب عنه بأن مقتضى كون كلمة « ذلك » إشارة إلى البعيد أن يكون المشار إليه بها هو التمتع دون الهدي.
أقول: البحث في الآية يقع تارة بملاحظة ما هو مقتضاها في نفسها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها وأخرى مع ملاحظة تلك الروايات.
أمّا مع قطع النظر عنها، فالظاهر أن وقوع إسم الإشارة عقيب الجملة الشرطية التي اشير به إليها يقتضي أن يكون المشار إليها هو مفاد الجملة الشرطية، وهو ثبوت الملازمة بين الشرط والجزاء وترتب الثاني على الأوّل. فالمشار إليه بكلمة «ذلك» في الآية الشرطية هي ترتب وجوب الهدي على حج التمتع الذي هو مفاد الشرطية في قوله تعالى (فاذا امنتم بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) ولا معنى لإرجاعه إلى الهدي وحده، ولا وجه لإرجاعه إلى مشروعية التمتع بعد عدم كون الآية مسوقة لبيانها، بل غاية مفادها أن التمتع يلازم وجوب الهدي. وعليه فلا وجه للإشارة إلى

(الصفحة192)



التمتع، وإن حكى عن أبي حنيفة. فالآية بمقتضى ظاهرها تنطبق على فتوى الشيخ (قدس سره) لا بالتقريب الذي أفاده بل بالتقريب الذي ذكرنا.
وأمّا مع ملاحظة الروايات المفسرة فلا يبقى ارتياب في أن مفاد الآية بلحاظ الذيل هي مشروعية التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فانظر مثل:
صحيحة عبيدالله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير كلّهم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس لأهل مكّة ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف متعة وذلك لقول الله عزّوجلّ: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) .(1) ومرّ موضع على مرحلة من مكّة وسرف ككتف موضع قرب التنعيم، ودلالة الرواية على أن المراد بالكتاب هي مشروعية التمتع ووجوبه واضحة إلاَّ أن الاستشهاد بالكتاب لابد وأن يكون مبتنياً على ظهوره ودلالة العرفية التي يكون العرف حاكماً بمفاده، وقد عرفت منع الظهور في الآية في نفسها.
ومثلها صحيحة علي بن جعفر، قال: قلت لأخي موسى بن جعفر (عليه السلام) لأهل مكة أن تمتعوا بالعمرة الى الحج؟ فقال: لا يصلح أن يتمتعوا لقول الله عزوجل: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) .(2)
نعم، صحيحة زرارة ظاهرة في التفسير وخالية عن الإستشهاد. حيث روى عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام) قول الله عزوجل في كتابه: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) ; قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، الحديث.(3)

(1) وسائل: أبواب اقسام الحج، الباب السادس، ح 1.
(2) وسائل: أبواب اقسام الحج، الباب السادس، ح2.
(3) وسائل: أبواب اقسام الحج، الباب السادس ح 3.

(الصفحة193)



فلا يبقى بملاحظة الروايات المتقدمة ومثلها في المراد من الآية، وعليه فمقتضى اطلاق ما دل على وجوب الهدي على المتمتع أنه لا فرق بين المتمتع النائي وبين المكّي إذا تمتع ولو إستحباباً. فإن استحباب الشروع لا ينافي الوجوب بعد وجوبه بالشروع.
الجهة الثانية: في أن الهدي لابد وأن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل والبقر والشاة. ويدل عليه قوله تعالى: (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) فإن الأنعام لا يصدق إلاَّ على الثلاث المذكورة التي في رأسها الإبل، بحيث إنه قيل بعدم صدق الجمع إذا لم يكن الإبل في البين، فإضافة البهيمة إلى الأنعام إنما هي من قبيل إضافة الجنس إلى النوع، كما أن التوصيف بالثلاثة انّما هو للتوضيح لا للإحتراز.
وكذا يدل عليه مثل صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على السؤال عن الهدي. والجواب بأن أفضله الإبل وأوسطه البقرة وأخفضه الشاة. فإن مفادها عدم خروجه عن هذه الأنواع الثلاثة، مع أن مقتضى السيرة العملية المستمرة من الصدر الأول إلى يومنا هذا ذلك. ولم ينقل من أحد منهم الخلاف، فلا شبهة في هذه الجهة. وامّا الجاموس فقد وردت فيه رواية علي بن الريّان بن الصلت، كتب إلى ابي الحسن الثالث (عليه السلام) يسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية؟ فجاء في الجواب: إن كان ذكراً فمن واحد وإن كان انثى فمن سبعة.(1)
الجهة الثالثة: في عدم إجزاء الهدي الواحد إلاَّ عن الواحد. فلا يجتزي به عن

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح1.

(الصفحة194)



اثنين أو الزيادة بالشركة، كما هو المشهور بل في الجواهر: عن ضحايا الخلاف الاجماع عليه. ويدل عليه مضافاً إلى قوله تعالى: (فما استيسر من الهدي) نظراً إلى انّ «من» للتبيين. والمراد بالهدي المستيسر هو بيان النعم الثلاثة وأن الميسور منها كاف دون اجزاء الهدي وأبعاضه. وكذا قوله تعالى عقيبه: (فمن لم يجد فصيام...) لظهوره في أن المراد عدم وجدان الهدي الكامل التامّ الروايات الكثيرة المتعددة مثل:
صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما (عليهما السلام) قال: لا يجوز البدنة والبقرة إلاَّ عن واحد بمنى(1) والمراد بعدم الجواز هو عدم الاجزاء ولا اختصاص للحكم بالبدنة والبقرة، بل يشمل الشاة أيضاً. وعدم التعرض لها باعتبار عدم تحقق غرض الشركة فيها غالباً، باعتبار عدم كثرة قيمتها والتخصيص بمنى وأن كان يوجب خروج الاضحية بغيرها إلاَّ أن مقتضى الإطلاق أنه لا فرق في منى بين الهدي وغيره. والقدر المتيقن هو الأوّل.
ورواية محمد بن عليّ الحلبي، قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال: أمّا في الهديّ فلا وامّا في الاضحى فنعم.(2) والرواية ظاهرة الدلالة على عدم إجزاء الهدي الواحد، ولو كان بقرة عن غير الواحد إلاَّ انّ في سندها محمد بن سنان.
وصحيحة الحلبي ـ الذي يراد به عند الاطلاق عبيدالله بن علي الحلبي ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تجزي البقرة أو البدنة في الامصار عن سبعة ولا تجزي بمنى إلاَّ عن

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح1.
(2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح10.

(الصفحة195)



واحد.(1)
فلا إشكال بملاحظة ما ذكر في عدم الاجزاء في حال الاختيار وعدم الضرورة. وأمّا في حال الضرورة فالمشهور هو عدم الإجزاء أيضاً. ولكنه ذكر في الشرايع بعد الحكم بعدم الإجزاء مطلقاً: وقيل يجزي مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد، وظاهره انّ القول المقابل للمشهور هو الحكم بالإجزاء مع وجود الضرورة وكون المشتركين أهل خوان واحد. وذكر بعده في الجواهر أنه لم يعرف القائل بذلك. بل حكي عن جماعة الجواز عند الضرورة مطلقاً، كالشيخ في جملة من كتبه، وعن بعض الكتب الجواز إذا كانوا أهل خوان واحد. والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة. لكن المهمّ منها ثلاث روايات معتبرة:
احديها: صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا ابراهيم (عليه السلام) عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال لا احبّ ذلك إلاَّ من ضرورة.(2) والرواية ظاهرة الدّلالة على جواز الاجتماع في ذبح بقرة واحدة في حج التمتع في حال الضرورة من دون فرق بين القول بأن التعبير في الجواب بقوله: «لا أحبّ» ظاهر في الكراهة المصطلحة، وبين القول بانه ظاهر في المبغوضية التي تجتمع مع الحرمة والكراهة. فإنه على أي تقدير يكون مفاده الجواز في صورة الضرورة، كما أنه من الواضع ثبوت الهدي في حج التمتع مطلقاً، سواء كان واجباً

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح4.
(2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 10.

(الصفحة196)



أومستحبّاً. فإن التمتع المستحب يصير واجباً بالتلبس به والشروع فيه. فيجب فيه الهدي وهذه الصحيحة صالحة للتقييد لإطلاق الروايات المتقدمة الذي كان مقتضاه عدم الفرق بين الإختيار والإضطرار كما لا يخفى.
ثانيتها: صحيحة حمران، قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار فسأل أبوجعفر (عليه السلام) عن ذلك، فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم؟ قال: ما خفّ فهو أفضل. قال: فقلت عن كم تجزى؟ فقال عن سبعين.(1) والظاهر أنّه لاخصوصية لسبعين، بل هي كناية عن الكثرة. وهذه الرواية وإن كان مفادها جواز الإشتراك مطلقاً إلاَّ أن رواية الحلبي المتقدمة المفصلة بين الهدي وغيره تصلح لتقييد هذه الرواية بغير الهدي وإن كان يبعده أن الحمل عليه يوجب الحمل على الافراد النادرة لندرة غير الهدي بمنى ودعوى كون اكثر الحجاج سابقاً كان حجّهم حجّ افراد ممنوعة جدّاً.
ثالثتها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد.(2)
والظاهر أنّها الرواية المعتبرة الوحيدة الدلالة على استثناء ما إذا كان الشركا أهل خوان واحد بعد ظهور أنه لا خصوصية للبقرة بوجه.
وأورد عليه تارة بأن وقوع أبي الحسين النخعي في سند هذه الرواية وفي سند صحيحة الحلبي المتقدمة قرينة على أن مورد هذه الرواية الأضحية لا الهدي

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 11.
(2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 5.

(الصفحة197)



الواجب.
وأخرى بأنه على تقدير الإغماض عن تلك الرواية تكون دلالتها على الإجتزاء حتى في الهدي الواجب بالإطلاق. فتقع المعارضة بينها وبين رواية الحلبي المتقدمة الدالة على عدم اجزاء الاشتراك في الهدي. فان مقتضى اطلاقها أنه لا فرق بين ما إذا كانوا من أهل خوان واحد وعدمه. والنسبة عموم من وجه، ومادة الاجتماع هو الهدي بالإضافة إلى جماعة يكونون أهل خوان واحد. فإن صحيحة معاوية تدل بالاطلاق على الاجتزاء ورواية الحلبي على عدمه، فيتعارضان ويرجع إلى إطلاق الادلة العامّة الدّالة على لزوم الهدي التام الكامل على كل متمتع.
والإيراد الأوّل مدفوع بأن وقوع راو واحد في سند الروايتين لا ينافي التعارض بينهما ولا موجب لجعله قرينة على التصرف في دلالة الأخرى بوجه، بل اللازم ملاحظة نفس الدلالتين كما هو ظاهر.
كما أنّ الإيراد الثاني مدفوع أيضاً، مضافاً إلى أن هذه الرواية للحلبي لا تكون صحيحة، لوقوع محمد بن سنان في سندها على ما مرّ بأن وقوع المعارضة بينها وبين صحيحه معاوية بن عمّار بنحو العموم والخصوص من وجه، والحكم بالتساقط ثم الرجوع إلى الادلة العامّة، انّما هو فيما إذا لم يكن لاحد الدليلين خصوصية موجبة لتعين وروده فيه وشموله له، بحيث لا يمكن إخراج مادة الاجتماع عنه. بخلاف الدليل الآخر الذي يكون شموله لها بمجرد الاطلاق ولا مانع من تقييده وإخراج مورد الاجتماع عنه. ففي مثله يجب تقييد اطلاق أحد الدليلين وابقاء الاخر على حاله والمقام يكون ظاهراً من هذا القبيل. فإن تقييد رواية الحلبي الدالة على عدم الاجزاء

(الصفحة198)



في الهدي بما إذا لم يكن النفر أهل خوان واحد وأن كان ممكناً لا مانع منه أصلاً. إلاَّ أن تقييد صحيحة معاوية بن عمار الدالة على جواز الإشتراك في بقرة واحدة فيما إذا كان المشتركون أهل خوان واحد بغير الهدي الواجب، بمقتضى رواية الحلبي مشكل بل غير جايز. لأنه لو لم يكن فيه التقييد بمنى لم يكن مانع عن هذا التقييد بوجه. وأمّا مع إضافة عنوان منى يكون مقتضاها ـ حينئذ ـ انّ جواز الاشتراك فيما إذا كانوا أهل خوان واحد يكون مقيّداً بما إذا كان بمنى. مع أنه في الأضحية غير الواجبة لا يكون جواز الاشتراك مقيّداً بمنى بوجه، لوضوح جواز الاشتراك فيها في غير منى مطلقاً، سواء كانوا من أهل خوان واحد أم لم يكونوا. ولا تكون الصحيحة مسوقة لبيان المفهوم حتى يكون الغرض الاصلي منها افادة عدم الجواز في صورة عدم كونهم أهل خوان واحد بل الظاهر أن الغرض الاصلي منها بيان المنطوق وهو الجواز في صورة الاهليّة المذكورة. ومع ملاحظة ما ذكرنا هل يحتمل جواز حمل الضحية على غير الهدي أو أن التقييد بمنى يوجب نصوصيتها في الشمول لمادة الإجتماع؟ فالإنصاف أنه لا مجال لإخراجها عن الصحيحة، فلا وجه للإيراد الثاني.
وعلى تقدير ما ذكر تدل الصحيحة على جواز الاشتراك إذا كانوا أهل خوان واحد. كما أن صحيحة ابن الحجاج المتقدمة دلّت على الجواز في صورة الضرورة. فهل يحكم بلزوم اجتماع القيدين في الحكم بالجواز كما حكاه في الشرايع، أو يحكم بكفاية وجود احدهما في الحكم المذكور وأن كان لا يظهر من الفقهاء بوجه؟ لا يبعد الثاني لما مرّ من وجه.
ثم أنه على تقدير عدم وضوح حكم الضرورة من الأدلة نفياً وإثباتاً يكون

(الصفحة199)

في اعتبار السنّ في الهدي

مسألة 8 ـ يعتبر في الهدي أمور: الأوّل، السنّ، فيعتبر في الابل الدخول في السّنة السادسة، وفي البقر الدخول في الثالثة على الأحوط ، والمعز كالبقر، وفي الضأن الدخول في الثانية على الأحوط . [1]


مقتضى العلم الإجمالي بلزوم الإشتراك أو الصوم الذي هو بدل عن الهدي هو الإحتياط بالجمع بين الأمرين كما افيد في المتن.
[1] اقول أمّا الابل فالنص والفتوى متوافقان على أنّ أقلّ ما يجزي منه هو الثني وهو الذي له خمس ودخل في السّادسة ولا إشكال ولا خلاف في هذا التفسير في صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول: الثنية من الإبل والثنية من البقر والثنية من المعز والجذعة من الضأن.(1) فلا شبهة في حكم الإبل.
وأمّا البقر فقد ورد في صحيحة العيص الثني منها أيضاً. والمشهور في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل في محكي كشف اللثام نسبته إلى قطعهم انّ الثني من البقر ما له سنة ودخل في الثنية. وعن جماعة بل قيل أنه المعروف في اللغة هو ما دخل في الثالثة. فإن فيها تسقط ثنيتها على ما قيل.
وفي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الإبل والبقر أيّهما أفضل أن يضحي بها؟ قال: ذوات الأرحام. وسألته عن أسنانها، فقال: أمّا البقرة فلا يضرك

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 1.

(الصفحة200)



بأيّ أسنانها ضحيت، وأمّا الإبل فلا يصلح إلاَّ الثنيّ فما فوق.(1) وهي وإن كانت ظاهرة في عدم اعتبار سن خاص في البقر، إلاَّ أن ملاحظة أن صدق البقرة وانطباق عنوانه يتوقف على مضيّ زمان، لانه قبله يصدق عنوان العجل دون البقر، كما فيما يرادفه من سائر اللغات مثل اللغة الفارسية، وهذا يقتضي مضيّ زمان اقلّه سنة واحدة. فهذا يؤيّد التفسير المشهور في ثني البقر، كما عرفت.
وفي صحيحة محمد بن حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اسنان البقر تبيعها ومسنّها في الذبح سواء.(2) وقد ذكر عنوان التبعية في باب الزكاة، وقالوا هناك أن المراد منها ما اكمل سنة واحدة ودخل في الثانية، والظاهر عدم اختلاف المراد في الموردين، فيدل ذلك على أن المراد بالتبعية هو الثني بالتفسير المشهور. وعليه فيرتفع اختلاف الروايات، ومنه يظهر أنه لا وجه للإحتياط الوجوبي الذي هو ظاهر المتن. بل الظاهر إن الإحتياط إستحبابي.
وامّا الغنم فالمعز منه يعتبر أن يكون ثنيّاً فما فوق. والمراد من ثنيّه ما هو المراد من ثني البقر ممّا عرفت. وامّا الضأن فمقتضى جملة من الروايات الإكتفاء بالجذع منه. كما في صحيحة العيص المتقدمة وفي رواية ابن سنان، قال: سمعت ابا عبدالله (عليه السلام) يقول: يجزي من الضأن الجذع ولا يجزي من المعز إلاَّ الثنيّ.(3) وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سأل عن الأضحية، فقال: اقرن إلى أن قال: والجذع من الضأن

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح5.
(2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 7.
(3) وسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح6.

<<التالي الفهرس السابق>>