في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة401)



والظاهر أن المراد من تجاوز النصف وعدمه، هو بلوغ الأربع وعدمه. وقد مرّ في مسألة الطواف البحث في هذه الجهة، فراجع.
وكيف كان فالدليل على المقام ـ بعد كون مقتضى القاعدة الإعادة; لعدم حصول المأمور به على وجهه واعتبار الترتيب مطلقاً ـ النصوص الواردة في هذا المجال:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: وقال في رجل رمى الجمار، فرمى الاُولى بأربع والأخيرتين بسبع سبع، قال: يعود فيرمى الاُولى بثلاث وقد فرغ، وإن كان رمى الاُولى بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد وليرمهن جميعاً بسبع سبع، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الاُخرى فليرم الوسطى بسبع، وإن كان رمى الوسطى بأربع، رجع فرمى بثلاث(1).
ومنها: صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمار، ويحتمل قوياً أن تكون صدر الصحيحة السابقة لا رواية مستقلة، والتقطيع قد تحقق من صاحب الوسائل، كما أنه يحتمل قوياً أن تكون صحيحة ثالثة لمعاوية بن عمار، مذكورة في الباب السابع من أبواب العود إلى منى، مرتبطة بهذه الرواية، ويكون المجموع رواية واحدة.
وكيف كان فقد روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل رمى الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع، قال: يعيد فيرميهن جميعاً بسبع سبع قلت فان رمى الاولى باربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع قال: يرمي الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع، قلت: فإنه رمى الجمرة الاُولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع، قال: يعيد فيرمي الاُولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة(2).

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح1.
(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح2.

(الصفحة402)



ومنها: الزيادة المذكورة في نقل صاحب المدارك، صحيحة حماد والحلبي جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى وجمرة العقبة(1). وهي: «فإن كان قد رمى الجمرة الاُولى أقل من أربع حصيات وأتم الأخيرتين، فليعد على الثلاث جمرات; وإن كان قد رمى من الاُولى أربعاً فليتم ذلك، ولا يعيد على الأخيرتين. وكذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثاً فليعد عليها وعلى الثالثة، وإن كان قد رماها بأربع ورمى الثالثة بسبع فليتمها ولا يعيد الثالثة».
لكنه استظهر صاحب الجواهر (قدس سره) كون هذه الزيادة من كلام الشيخ ـ الناقل للرواية ـ لا من الرواية، قال: كما يظهر لك بالتأمل فيما في الكافي وما رواه في التهذيب عنه، ولعله لذا لم تذكر في الوافي والوسائل.
وكيف كان فلا يبقى بملاحظة النصوص والروايات الوجه في صحة ما أفاده المشهور وأنه لا مجال لخلافها.
نعم يبقى الكلام في أن الحكم هل يشمل العامد، أو يختص بغيره من الناسي والجاهل؟
استظهر من عبارة شرايع المحقق المتقدمة ومن النافع والمحكي عن المبسوط والخلاف والجامع والتحرير والتلخيص واللمعة الأول. خلافاً للفاضل في جمع من كتبه والشهيدين في الدروس واللمعة حيث قيدوه بالناسي، بل عن الحدائق نسبة التقييد به وبالجاهل إلى الأصحاب، وإن ذكر صاحب الجواهر: وإن كنّا لم نتحققه في الثاني، نعم ألحقه الشهيدان منهم بالناسي.

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح3.

(الصفحة403)



وقد استدل العلامة للاختصاص بأن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان، وردّ بأنه مصادرة وإعادة للمدعى. وعن الروضة الاستدلال له بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقاً، وإن ضعف أيضاً بأنه اجتهاد في مقابل النص.
أقـول: بعد قيام الدليل على أن الواجب في رمي كل جمرة هو السبع، وبعد قيام الدليل أيضاً على اعتبار الترتيب في رمي الجمار، لابد من ملاحظة أن الروايات التي هي الأساس في محل البحث، هل تشمل العالم العامد أيضاً أم لا؟
ودعوى عدم الشمول للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب، مدفوعة، بأنها أيضاً مصادرة. لأن الندرة ممنوعة مع فرض الشمول، لأن العالم العامد لا يتحقق العمل الفاسد نوعاً، وأما العمل الصحيح فلا.
فالحق أن يقال: إن التعبير في قول الراوي وسؤاله بكلمة «رمى» التي ترجع إلى السؤال عن العمل الواقع، والرمي المتحقق في السابق، مع أن الداعي إلى السؤال ومحط نظر السائل هي الصحة، بالإضافة إلى العمل الواقع وعدمها، يقتضي أن يكون مورد السؤال غير صورة العمد الذي تحققت فيها المخالفة للترتيب المأمور به قطعاً.
وبعبارة اُخرى، قد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية في المقام هو الفساد، لأن المأتي به لا يكون موافقاً للمأمور به قطعاً. وحيث إن مورد السؤال هو صحة الرمي الواقع والعمل المتحقق. ومن الواضح أن قيام الأكثر مقام الكل أمر قد تحقق بمثل هذه الروايات. فلا مجال لدعوى الشمول للعالم العامد بعد عدم ثبوت القيام قبلها.
ولذا ذكر الماتن (قدس سره) أن مقتضى الاحتياط الوجوبي في صورة العمد الإعادة والاستيناف رأساً، وإن كان ذيل عبارته لعله يدل على الصحة مع العمد، إلاّ أنه لا

(الصفحة404)

في ما لو نسي رمي الجمار

مسألة 6 ـ لو نسي الرمي من يوم، قضاه في اليوم الآخر، ولو نسي من يومين، قضاهما في اليوم الثالث. وكذا لو ترك عمداً. ويجب تقديم القضاء على الأداء وتقديم الأقدم قضاء، فلو ترك إلى يوم العيد وبعده، أتى يوم الثاني عشر أولا بوظيفة العيد ثم بوظيفة الحادي عشر ثم الثاني عشر.
وبالجملة يعتبر الترتيب في القضاء ـ كما في الأداء ـ في تمام الجمار وفي بعضها. فلو ترك بعضها كجمرة الاُولى ـ مثلا ـ وتذكر في اليوم الآخر، أتى بوظيفة اليوم السابق مرتبة، ثم بوظيفة اليوم. بل الأحوط فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات فتذكر في اليوم الآخر، أن يقدم القضاء على الأداء وأقدم قضاءاً على غيره . [1]


يجتمع مع ذلك الاحتياط الوجوبي أصلا. ولذا أوردنا عليه في الحاشية: أن مقتضاه الصحة مع العمد. وهو لا يجتمع مع الاحتياط الوجوبي بالإعادة على العامد، فتدبر.
[1] يدل على أصل وجوب قضاء الرمي المنسي في اليوم الآخر، وكذا لزوم مراعاة الترتيب في الرمي القضائي أيضاً روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: قلت الرجل ينكس في رمي الجمار، فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة، وإن كان من الغد.(1)

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 4 .

(الصفحة405)



فإن مورد السؤال إما صورة النسيان أو الجهل وقوله «وإن كان من الغد» ظاهر في وجوب القضاء ولزوم الترتيب في الرمي القضائي. ويستفاد منه حكم صورة نسيان أصل الرمي في يوم، وإطلاق قوله «من الغد» يشمل اليوم الثالث عشر بالإضافة إلى اليوم الذي بعده وإن كان هو اليوم الرابع عشر، ويحتمل قوياً أن تكون الرواية قطعة من رواية معاوية بن عمار المفصلة ـ كما عرفت نظيرها ـ .
ثم إن المشهور قد التزموا بتقديم القضاء على الأداء، بل ادعى الإجماع على ذلك، وحكموا بأن الإتيان بالقضاء بكرة وبالأداء عند الزوال مستحب. واستدلوا عليه بصحيحة ابن سنان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما فاته والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه، وليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والاُخرى عند زوال الشمس(1).
وبملاحظة الروايات الدالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى الغروب، يستفاد أن الحكم بالتفريق في الرمي القضائي، وكذا كون القضائي أول النهار والأدائي عند زوال الشمس حكم استحبابي، ولا يلازم استحباب أصل القضاء مع أن التفريق المستحب بالنحو المذكور استحبابي إجماعاً.
نعم يرد على الاستدلال بها: أنها واردة في رمي جمرة العقبة الذي هو من أعمال منى ومناسكه وجزء من أجزاء الحج، بخلاف رمي الجمار الذي عرفت أنه خارج عن أجزاء الحج، والتقديم في جزء الحج على ما ليس جزء له هو مقتضى القاعدة،

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح1.

(الصفحة406)

في مالو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة

مسألة 7 ـ لو رمى على خلاف الترتيب وتذكر في يوم آخر، أعاد حتى يحصل الترتيب، ثم يأتي بوظيفة اليوم الحاضر . [1]


ولا حاجة فيه إلى الرواية، بخلاف المقام. فكيف يمكن التعدي من ذلك إلى رمي الجمار، والحكم بأن قضاء اليوم الحادي عشر مع نسيان الرمي فيه مقدم على الأداء في اليوم الثاني عشر، مع كونهما بنحو واحد في الخروج عن أعمال الحج وعدم كونه جزءاً من أجزائه؟ اللهم إلاّ مع إلغاء الخصوصية من هذه الجهة. ويؤيده اشتراك الرميين في الشرائط والخصوصيات الاُخرى.
نعم فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات وتذكر في اليوم الآخر، يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما في المتن ـ تقديم القضاء على الأداء، وتقديم الأقدم قضاءاً على غيره. فالحكم في مثله بل في أصله مبني على الاحتياط، من دون أن يكون عليه دليل واضح; فتدبر.
[1] قد تقدم البحث عن خلاف الترتيب نسياناً، وكذا الترتيب بين القضاء والأداء في المباحث السابقة، ولا حاجة إلى الإعادة، فراجع.

(الصفحة407)

مسألة 8 ـ لو نسي رمي الجمار الثلاث ودخل مكة، فإن دخل في أيام التشريق يجب الرجوع مع التمكن، والاستنابة مع عدمه، ولو تذكر بعدها أو أخّر عمداً إلى بعدها، فالأحوط الجمع بين ما ذكر والقضاء في العام القابل، في الأيام التي فات منه إما بنفسه أو بنائبه. ولو نسي رمي الجمار الثلاث حتى خرج من مكة، فالأحوط القضاء في العام القابل ولو بالاستنابة. وحكم نسيان البعض في جميع ما تقدم كنسيان الكل; بل حكم من أتى بأقل من سبع حصيات في الجمرات الثلاث أو بعضها حكم نسيان الكل على الأحوط . [1]


[1] قال المحقق (قدس سره) في الشرايع: ولو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع ورمى، وإن خرج من مكة لم يكن عليه شيء إذا انقضى زمان الرمي. والظاهر أن قوله: «إذا انقضى زمان الرمي» ـ مع ملاحظة أن زمان الرمي هي أيام التشريق على ما عرفت ـ متعلق بالجملة الأخيرة. وقيد صاحب الجواهر (قدس سره) الجملة الاُولى بقوله: «مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان الرمي».
وكيف كان، فيدل على وجوب الرجوع من مكة مع بقاء أيام التشريق ـ سواء كان المنشأ للترك هو الجهل أو النسيان ـ روايات متعددة، ويستفاد منها صورة العمد بطريق أولى، لكن التقييد بأيام التشريق وقع في رواية واحدة فقط، وهي:
رواية عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه (و خ) فإنه لا يكون رمي الجمار

(الصفحة408)



إلاّ أيام التشريق(1).
لكن في طريقها محمد بن عمر بن يزيد، ولم يرد فيه توثيق ولا مدح يعتدّ به. ولكن ضعف السند منجبر بفتوى المشهور على طبقها واستنادهم إليه، وبه يقيد إطلاق قوله (عليه السلام) «وإن كان من الغد» في صحيحة معاوية بن عمار في المسألة السابقة، وإن قلنا بأن مقتضى إطلاقه القضاء في اليوم الرابع عشر أيضاً، إذا فاته الرمي من اليوم الثالث عشر.
وكيف كان فاحتاط وجوباً في المتن في القضاء بعد هذه الأيام لو تذكر بعدها أو أخّر عمداً، والإتيان به من قابل في الأيام التي فات منه، إمّا بنفسه وإمّا بالاستعانة والاستنابة.
كما أنه احتاط فيما إذا تذكر بعد الخروج من مكة ويكون نوعاً بعد أيام التشريق، لأن الخروج من مكة مع قصد الرجوع إلى الأهل والوطن يكون بعدها نوعاً.
ومنشأ الاحتياط سكوت بعض الروايات من هذه الجهة، وظاهرها عدم وجوب الإعادة والإتيان من القابل مطلقاً، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرمي، قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقاً، يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد(2).

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح4.
(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح3.

(الصفحة409)

في أن المعذور يستنيب

مسألة 9 ـ المعذور ـ كالمريض والعليل ـ وغير القادر على الرمي ـ كالطفل ـ يستنيب، ولو لم يقدر على ذلك ـ كالمغمى عليه ـ يأتي عنه الولي أوغيره، والأحوط تأخير النائب إلى اليأس من تمكن المنوب عنه، والأولى مع الإمكان حمل المعذور والرمي بمشهد منه، ومع الإمكان وضع الحصى على يده والرمي بها. فلو أتى النائب بالوظيفة ثم رفع العذر لم يجب عليه الإعادة، و استنابه مع اليأس، وإلاّ تجب على الأحوط . [1]


لكن صرح الشيخ وغيره: أن الرجوع إنما يجب مع بقاء أيام التشريق ومع خروجها تقضى في القابل. مستدلا عليه في التهذيب بخبر عمر بن يزيد المتقدمة. والاحتياط مقتض لما أفاده، خصوصاً بناءاً على الانجبار ـ كما عرفت ـ .
[1] لا إشكال في وجوب الاستنابة عن المعذور، وغير القادر على الرمي ـ كالطفل ـ . ويدل عليه النصوص:
منها: صحيحة معاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الكسير والمبطون يرمى عنهما، قال: والصبيان يرمى عنهم.(1)
والرواية وإن كان ظاهرها وجوب الرمي عنهم، إلاّ أنها تدل على عدم السقوط بمجرد تعذر المباشرة، فالواجب هي الاستنابة. نعم في المغمى عليه غير القادر على

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح1.

(الصفحة410)



الاستنابة وجوب إتيان الولي أو غيره عنه.
نعم يقع الكلام في أن المريض الذي يحتمل البرء وحصول القدرة في أواسط اليوم أو أواخره، هل يجوز له الاستنابة بعد عدم جوازها قطعاً فيما إذا علم بالبرء في بعض أوقات النهار؟ لأن العجز المجوز للاستنابة المسقط للمباشرة، هو العجز في مجموع الوقت لا في بعضه، نعم مع الشك في زوال العذر وعدمه يجوز له بمقتضى الاستصحاب وبقاء العذر إلى آخر الوقت البدار. لكن الأحوط التأخير إلى اليأس من التمكن، وهذا بعينه مسألة البدار في التيمم التي تقدمت.
ثم إن الأولى مع الإمكان حمل المعذور والرمي بمشهد منه، ويدل عليه بعض الروايات الظاهرة في الوجوب، مثل:
رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه(1).
ولكنه لم يقل أحد بالوجوب. ثم إن النائب لو أتى بالوظيفة ثم ارتفع العذر، لا تجب الإعادة قطعاً; ومع عدم اليأس تجب الإعادة احتياطاً ـ وقد تقدم ـ .

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح4.

(الصفحة411)

في فروض الشك

مسألة 10 ـ لو يئس غير المعذور ـ كوليه مثلا ـ عن رفع عذره، لا يجب استيذانه في النيابة، وإن كان أحوط. ولو لم يقدر على الإذن لا يعتبر ذلك . [1]


[1] لا إشكال في أن الولي ـ مثلا ـ إذا لم يقدر على الإذن لأية جهة لا يعتبر في صحة عمله الاستيذان بوجه. وأما مع القدرة عليه يكون مقتضى الاحتياط الاستيذان. لأن التكليف متوجه إلى المعذور. فهو يأتي بالمأمور به، إما مباشرة وإما استنابة. فمقتضى الاحتياط الاستيذان. وإن كان يائساً من رفع عذر المعذور.

(الصفحة412)

مسألة 11 ـ لو شك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفته لا يعتنى به، ولو شك بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخرة في إتيان المتقدمة أو صحتها لا يعتنى به، كما لو شك بعد الفراغ أو التجاوز في صحة ما أتى، بنى على الصحة، ولو شك في العدد واحتمل النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخرة، يجب الإتيان ليحرز السبع حتى مع الانصراف والاشتغال بأمر آخر على الأحوط، ولو شك بعد الدخول في المتأخرة في عدد المتقدمة، فإن أحرز رمي أربع حصيات وشك في البقية يتمها على الأحوط، وكذا لو شك في ذلك بعد إتيان وظيفة المتأخرة. ولو شك في أنه أتى بالأربع أو أقل، بنى على الاتيان بالاربع وأتى بالبقية . [1]


[1] في هذه المسألة فروع:
الأول: الشك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفة اليوم الماضي. والحكم فيه عدم الاعتناء لكونه شكاً بعد خروج الوقت المحدد ـ كالشك في الإتيان بالظهرين بعد غروب الشمس ومجئ وقت العشائين ـ .
الثاني: الشك بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخرة في أصل الإتيان برمي الجمرة المتقدمة، أو صحة ما أتى به من رمي جمرتها. والحكم فيه أيضاً عدم الاعتناء. أمّا في الشك في أصل الإتيان، فلقاعدة الفراغ بعد اعتبار الترتيب مطلقاً. وفي الحقيقة يرجع إلى الشك في الصحة، لأجل اعتبار الترتيب، والحكم فيه بعد الفراغ عن العمل، الصحة.
الثالث: الشك في صحة ما أتى به من الرمي. والحكم فيه أيضاً الصحة; لما مر.

(الصفحة413)



الرابع: الشك في العدد، واحتمال النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخرة. والظاهر فيه لزوم الاعتناء والبناء على الأقل، للزوم إحراز السبع المأمور به، واقتضاء الاستصحاب عدم تحققه، فاللازم إحرازه. هذا فيما إذا لم ينصرف ولم يشتغل بأمر آخر واضح لا ارتياب فيه.
وأما مع الانصراف أو الاشتغال بأمر آخر، ففي المتن لزوم الاعتناء على الأحوط الذي يراد به الاحتياط الوجوبي الناشئ من عدم إحراز تحقق المأمور به الذي هو السبع. والشك ليس في صحة ما أتى به، حتى تجري فيه إصالة الصحة.
الخامس: الشك بعد الدخول في المتأخرة في عدد المتقدمة بعد إحراز رمي أربع حصيات والشك في البقية. ففي المتن أنه يتمها على الأحوط.
أما أصل الإتمام فلأن مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بما زاد على أربع. وأما كون الإتمام مقتضى الاحتياط الوجوبي، فلعدم إحراز جريان إصالة الصحة هنا، لأن الشك لا يكون في أصل الصحة، بل في العدد مع وجودها.
السادس: ذلك مع عدم إحراز رمي أربع حصيات. والحكم فيه ـ كما في المتن ـ أنه ينبى على الأربع ويأتي بالبقية.
أما البناء على الأربع فلجريان إصالة الصحة، وإن كان متقضى الاستصحاب عدمها. لأن في كل مورد تجري إصالة الصحة تكون هي متقدمة على الاستصحاب المقتضي لخلافها. وأما الإتيان بالبقية فلأن مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بها، ولا مجال لجريان إصالة الصحة بالإضافة إلى الزائد أصلا.
السابع: ذلك بعد الإتيان بوظيفة المتأخرة. والحكم فيه هو الحكم في الفرع

(الصفحة414)

في ما لو تيقن بعدم إتيان واحد من الجمار

مسألة 12 ـ لو تيقن بعد مضي اليوم بعدم إتيان واحد من الجمار الثلاث، جاز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة. والأحوط قضاء الجميع، ولو تيقن بعد رمي الجمار الثلاث بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها، يجب إتيان ما يحتمل النقصان والرمي بكل واحد من الثلاث، ولو تيقن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع، لا يبعد جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة وتتميم ما نقص. والأحوط الإتيان بتمام الوظيفة في الجمرة العقبة، وأحوط منه استئناف العمل في جميعها . [1]


السادس من التفصيل بين صورة إحراز رمي أربع حصيات وعدم إحرازه. ففي الأول يتمها على الأحوط. وفي الثاني يبنى على الأربع ويأتي بالبقية. ومن حكم هذه الفروع يظهر حكم جميع الفروع التي يمكن تصويرها في المقام; فتدبر.
[1] قد تعرض في هذه المسألة أيضاً لفروع:
الأول: ما لو تيقن بعد مضي اليوم بعدم إتيان واحد من الجمار الثلاث. وقد حكم فيه بجواز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة، واحتاط استحباباً قضاء الجميع. والوجه في الجواز في الاكتفاء بقضائها هو العلم تفصيلا ببطلانها، إما لأجل عدم رميها، وإما لأجل كونه فاقداً للترتيب المعتبر مطلقاً، فاللازم الاتيان به، ومعه لا يبقى له علم بعدم الإتيان أصلا ـ كما لا يخفى ـ .

(الصفحة415)

في ما لو تيقن بعدم رمي يوم

مسألة 13 ـ لو تيقن بعد مضي الأيام الثلاثة بعدم الرمي في يوم من غير العلم بعينه، يجب قضاء رمي تمام الأيام مع مراعاة الترتيب، وإن احتمل جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيام . [1]


الثاني: ما لو تيقن بعد رمي الجمار الثلاث المتحقق يقيناً بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها. وحكم فيه بوجوب إتيان ما يحتمل النقصان، والرمي بكل واحد من الثلاث. والوجه فيه أن الصحة متيقنة لفرض تحقق الأربع بالإضافة إلى كل واحدة من الجمرات. والعلم الإجمالي بنقصانه عن أحدها يقتضي الاحتياط برمي كل واحد من الثلاث ـ كما في سائر الموارد ـ .
الثالث: لو تيقن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع. ونفى في المتن البعد عن جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة وتتميم ما نقص. والوجه فيه لزوم التتميم على أي حال، لكونه ناقصاً عن أربع أو مأتياً به بعد الناقص كذلك، فبالتتميم وإتيان ما نقص لا يبقى له ذلك. لكن الأحوط الاستحبابي الإتيان بتمام الوظيفة في خصوص الجمرة العقبة لا الاكتفاء بالتتميم، وأحوط منه استيناف العمل في الجميع ورمي جميع الجمار الثلاث، لأنه يحصل له اليقين التفصيلي بتحقق الوظيفة الشرعية في مسألة الرمي; فتدبر.
[1] الوجه في قضاء رمي تمام الأيام مع مراعاة الترتيب، هو العلم الإجمالي المقتضي للاحتياط، بعد اختصاص كل يوم بنية خاصة من الأداء والقضاء، وقضاء

(الصفحة416)



كل يوم من الأيام. فإن قضاء اليوم الحادي عشر يفتقر إلى نية خاصة، وكذا قضاء اليوم الثاني عشر; وهكذا. فمقتضى الاحتياط هو وجوب قضاء رمي تمام الأيام. ولا يكون هذا مثل ما لو علم بنسيان واحدة من الظهرين، حيث يجوز الاكتفاء بصلاة واحدة مرددة بين إحدى الظهرين. وكذا لو علم بوجوب الإتيان بصلاة واحدة أربع ركعات، مرددة بين الأداء والقضاء.
لكنه احتمل في المتن جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيام. والوجه فيه هو العلم التفصيلي ببطلانه، إما لأجل عدم تحققه; وإما لأجل فقدانه للترتيب المعتبر. وقد عرفت أن اعتبار الترتيب بهذا النحو لا يكون عليه دليل واضح، بل يكون مبنياً على الاحتياط. فالواجب هي رعاية العلم الإجمالي وقضاء رمي تمام الأيام، مع مراعاة الترتيب; فتدبر.
هذا تمام الكلام في رمي الجمار الثلاث.

(الصفحة417)

القول في الصدّ والحصر

في معنى الصدّ والحصر

مسألة 1 ـ المصدود من منعه العدو أو نحوه عن العمرة أو الحج، والمحصور من منعه المرض عن ذلك . [1]


[1] قال المحقق في الشرايع: الصدّ بالعدوّ، والإحصار بالمرض لا غير. وقال صاحب الجواهر في شرحه: كما هو المعروف بين الفقهاء، بل في المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم، بل ظاهر المنتهى الاتفاق على إرادة ذلك من اللفظين المزبورين، بل عن صريح التنقيح وكنز العرفان ذلك ـ إلى أن قال:ـ بل في المسالك هو ـ أي: الحصر ـ بمعنى المرض مطابق لللغة ـ إلى أن قال:ـ هذا كلام العرب، وإن كان المحكي عن غيرهم من أهل اللغة خلاف ذلك.
أقول: هنا اُمور لابد من التوجه والنظر إليها:
الأول: أنه ربما يكون المانع عن إتمام الحج أو العمرة مع التلبس بإحرامهما غير ذلك، كالسيل وشدة العطوفة من ناحية الأب أو غيره.

(الصفحة418)



الثاني: بعض الروايات، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: المحصور غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي يرده المشركون، كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس من مرض. والمصدود تحل له النساء، والمحصور لا تحل له النساء(1).
الثالث: وقوع التعبير بالإحصار في قوله تعالى: (... فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي...) (2) وقد احتج به الأصحاب على مسائل من أحكام الصدّ. بل في المسالك عند العامة الحصر والصدّ واحد من جهة العدوّ،ونحوه ما عن المنتهى.
أقول: يغلب على الظن أن المحصور من منعه المرض، أو شبهه من الجهات الداخلية غير المرتبطة إلى شخص أو أمر آخر. والمصدود من منعه العدوّ، أو مثله من الجهات الخارجية ـ من دون فرق بين أن يكون مشركاً أو غيره أو إنساناً أو غيره، مثل: السيل ـ والذي يسهل الخطب اشتراك العنوانين في كثير من الأحكام واختلافهما في بعضها ـ كما سيظهر إن شاء الله تعالى ـ .
وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) : إنه قيل هنا ان جملتها ـ أي الاُمور التي يفترقان فيهما  ـ ستة:
1 ـ عموم تحلل المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له على طوافها.
2 ـ الإجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود، فإن فيه خلافاً.

(1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح1.
(2) سورة البقرة (2): 196 .

(الصفحة419)



3 ـ تعين مكان ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة وبمنى في إحرام الحج، بخلاف المصدود الذي يذبح حيث وجد المانع.
4 ـ افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي، بخلاف المصدود فإن فيه قولين.
5 ـ تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه، بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف.
6 ـ كون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعين تعجيل التحلل، بخلاف المصدود الذي فيه الخلاف في أنه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة لا رخصة أو مجرد التعبد؟ انتهى.
أقول: سيظهر الاختلاف في هذه الأحكام في المسائل الآتية، إن شاء الله تعالى.

(الصفحة420)

في حكم المصدود

مسألة 2 ـ من أحرم للعمرة أو الحج يجب عليه الإتمام، ولو لم يتم بقي على إحرامه، فلو أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه ـ كعمّال الدولة أو غيرهم ـ من الذهاب إلى مكة، ولم يكن طريق غير ما صدّ عنه، أو كان ولم يكن له مؤونة الذهاب منه، يجوز له التحلل من كل ما حرم عليه بأن يذبح في مكانه بقرة أو شاة أو ينحر إبلا، والأحوط قصد التحلل بذلك، وكذا الأحوط التقصير، فيحل له كل شيء حتى النساء . [1]


[1] أما وجوب إتمام العمرة أو الحج إذا شرع فيهما وتلبس بإحرامهما وأنه لو لم يتم بقي على إحرامه، فلتسالم الأصحاب عليه ظاهراً، وإن كانا استحبابيين، ولقوله تعالى: (وَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله...) (1) وهو بإطلاقه لا يختص بالواجب، مضافاً إلى عدم وجوب العمرة أصلا، إلاّ بالإضافة إلى حجة الإسلام، لمن كان واجبه التمتع أو العمرة المفردة، بالإضافة إلى غيره ـ وقد مر ـ .
وأما المصدود عن إتمام العمرة التي تلبس بها مع عدم إمكان الوصول إلى مكة، إما لأنه لا يكون طريق غير ما صدّ عنه، أو لأنه لا يكون له مؤونة الذهاب إليه. فالمعروف بين أصحابنا، بل المدعى عليه الإجماع أنه يجب عليه الذبح أو النحر في مكانه.
والمحكي عن ابني بابويه وإدريس عدم الوجوب، وأنه يتحلل بمجرد العجز،

(1) سورة البقرة (2): 196 .

<<التالي الفهرس السابق>>