في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 81

المحتملة للبقاء في المجرى لحصول النقاء له بسبب الاستبراء ، فمعنى أنّها لا تكون من البول كما في رواية محمد بن مسلم انّها لا تكون من بقايا البول الخارج من المجرى وليس مفاده نفي احتمال البوليّة مطلقاً فإنّ احتمال كونه بولاً نازلاً من الأعلى بحاله ، غاية الأمر انّه مدفوع بالأصل .

ومن هنا يظهر الفرق بين الفرعين; فانّه في الفرع الأوّل يكون الأمر دائراً بين كون الرطوبة بولاً نازلاً من الأعلى ومنياً قد نزل من محلّه وخرج من المخرج ولا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر ولا مجوز للرجوع إلى الأصل في كليهما فلا محيص من الاحتياط والجمع بين الوضوء والغسل ، وامّا الفرع الثاني فحيث إنّه لم يتحقّق الاستبراء يكون احتماله كونه منياً مدفوعاً بالأصل ، وامّا احتمال كونه بولاً ومن الرطوبات المتخلّفة في المجرى فهو بحاله والأخبار تدلّ على ترتيب آثار البوليّة عليه فيجب الوضوء معه ، فالبولية مستفادة من الروايات .

وبعبارة اُخرى البولية المستفادة من الأخبار في الفرع الثاني هي البولية التي تكون من تتمّة البول الخارج ومن بقاياه ولا فرق في جانب الإثبات بينها وبين غيرها ، وامّا النفي المستفاد من مثل رواية محمد بن مسلم فهو النفي بالإضافة إلى كونه من بقايا البول الخارج وهو لا ينافي الإثبات من جهة كونه بولاً مستقلاًّ نازلاً من الأعلى ، ولابدّ لاندفاع احتماله من مرجع والمرجع هو الأصل مع عدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي وفي غير هذه الصورة يجب الاعتناء به وترتيب الأثر عليه ، فتدبّر .

ويؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلمـ المتقدّمةـ الواردة في الجنب الدالّة على أنّه إذا بال قبل الاغتسال لا ينقض غسله ولكن عليه الوضوء معللاًّ بأنّ البول لم يدع شيئاً ، فإنّه وإن كان موردها الجنب إلاّ انّه يستفاد منها بعد

الصفحة 82

حملها على صورة عدم الاستبراء من البول أو استظهار خصوص هذه الصورة منها ـ كما مرّـ انّ احتمال كون الرطوبة من بقايا المني المتخلّفة في المجرى مدفوع بالبول; لأنّه لم يدع شيئاً من المنيّ في المجرى واحتمال كونه منيّاً جديداً كاحتمال كونه بولاً كذلك مدفوع بالأصل فلا يبقى إلاّ احتمال كونه من بقايا البول المتخلّفة في المجرى ولا مدفع لهذا الاحتمال ، بل الظاهر يعضده فيجب ترتيب الأثر عليه والإتيان بالوضوء كما هو ظاهر .

الثالث : ما إذا خرجت الرطوبة المشتبهة قبل أن يتوضّأ وقد اكتفى فيه في المتن أيضاً بالوضوء خاصّة وانّه لا يجب عليه الغسل من دون فرق بين ما إذا تحقّق الاستبراء من البول وما إذا لم يتحقّق .

امّا فيما إذا لم يتحقّق الاستبراء فلما عرفت من دلالة الأخبار على كون الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل الاستبراء محكومة بأنّها بول ومن الرطوبات البولية المتخلّفة في المجرى لعدم حصول النقاء له بسبب الاستبراء واحتمال كونها منياً قد نزل من محلّه ، مدفوع بالأصل فلا يجب عليه إلاّ ترتيب آثار البولية والإتيان بالوضوء خاصّة ، وامّا فيما إذا تحقّق الاستبراء فاحتمال البولية وإن لم يكن مدفوعاً بالأصل لاحتمال كونها منياً أيضاً إلاّ انّه حيث لا يترتّب على خروج بول جديد أثر أصلاً لفرض كونه محدثاً لم يتوضّأ فالعلم الإجمالي بكونه بولاً أو منيّاً لا يكون متعلّقاً بتكليف معلوم ، بل لو كان منيّاً لجاء تكليف جديد فلا أثر لهذا العلم الإجمالي نظير ما إذا وقعت نجاسة في أحد الإنائين اللّذين يعلم بنجاسة أحدهما المعيّن ولم يعلم وقوعها في أيّهما فإنّه لا أثر لهذا العلم ولا يجب الاجتناب عن الإناء الآخر . وبعبارة اُخرى وجوب الوضوء معلوم ووجوب الغسل مشكوك ومقتضى الاستصحاب عدمه .

الصفحة 83

ولكن ربّما يقال بوجوب الغسل أيضاً لأنّ المقام من موارد استصحاب كلّي الحدث وهو من استصحاب القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي بناءً على انّ الحدث الأكبر والأصغر متضادّان بحيث لو طرأ أحد أسباب الأكبر ارتفع الأصغر وثبت الأكبر مكانه وذلك لدوران الحدث بعدما توضّأ المكلّف بين ما هو مقطوع البقاء على تقدير كون الرطوبة المردّدة منياً ، وبين ما هو مقطوع الارتفاع على تقدير كونها بولاً ، وعليه فيجب الغسل بعد الوضوء حتّى يقطع بارتفاع الحدث الباقي بمقتضى الاستصحاب .

نعم لو كان الحدث الأكبر والأصغر فردان من الحدث وهما قابلان للإجتماع أو كان الأكبر مرتبة قويّة من الحدث وإذا طرأت أسبابه تبدّلت المرتبة الضعيفة بالقويّة لكان جريان الاستصحاب مبنيّاً على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي لأنّ المكلّف بعد خروج الرطوبة يشكّ في أنّ الحدث الأصغر هل قارنه الأكبر أو تبدّل إلى مرتبة قويّة أو انّه باق بحاله .

وقد اُجيب عنه : بأنّ جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك أصل حاكم عليه كما إذا لم يكن المكلّف متوضّأً في مفروض الكلام ، وامّا معه فلا مجال لاستصحاب الكلّي لتعين الفرد الحادث تعبّداً . وتوضيحه أنّ المستفاد من الأدلّة الواردة في الوضوء والغسل أن أدلّة الوضوء مقيّدة بغير الجنب وإنّ غسل الجنابة لا يبقي مجالاً للوضوء ، وحيث إنّ المكلّف لا يكون متوضئاً قبل خروج الرطوبة وهو شاكّ في جنابته فمقتضى الاستصحاب عدم جنابته فهو محدث بالوجدان ولا يكون جنباً بالاستصحاب ، ومع استصحاب عدم الجنابة لا مجال لاستصحاب كلّي الحدث لأنّه أصل حاكم رافع للتردّد .

الصفحة 84

أقول : ويمكن تقريب عدم جريان الاستصحاب الكلّي في المقام بأنّ مورده ما إذا لم تكن الحالة السابقة للفردين اللذين علم بحدوث أحدهما إلاّ العدم بحيث لو أجرينا الاستصحاب بالإضافة إلى كلّ واحد منهما لكان ذلك مخالفاً للعلم الإجمالي بحدوث واحد منهما ، وامّا إذا اختلفا من جهة الحالة السابقة وكانت تلك الحالة في أحدهما الوجود ، وفي الآخر العدم كما في المقام حيث إنّ الحدث الأصغر كان مسبوقاً بالوجود لأجل البول وعدم الوضوء كما هو المفروض والحدث الأكبر كان مسبوقاً بالعدم فلا مانع من التمسّك بالأصل في خصوص ما كانت الحالة السابقة فيه العدم لأجل عدم تحقّق المخالفة بالإضافة إلى العلم الإجمالي لانحصار جريان الأصل فيه وعدم جريانه في الآخر فتدبّر . فانقدح انّ الحقّ في هذا الفرع أيضاً ، ما اختاره الماتنـ دام ظلّهـ من جواز الاكتفاء بالوضوء خاصّة ولو مع تحقّق الاستبراء .

الصفحة 85

فصل في الوضوء

والكلام في واجباته وشرائطه وموجباته وغاياته ، وأحكام الخلل

القول في الواجبات

مسألة 1ـ الواجب في الوضوء غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين ، والمراد بالوجه ما بين قصاص الشعر وطرف الذقن طولاً وما دارت عليه الإبهام والوسطى من متناسب الأعضاء عرضاً ، وغيره يرجع إليه فما خرج عن ذلك لا يجب غسله ، نعم يجب غسل شيء ممّا خرج عن الحدّ المذكور مقدّمة لتحصيل اليقين بغسل تمام ما اشتمل عليه الحد1 .

1ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

المقام الأوّل : فيما هو الواجب في الوضوء وهو عبارة عن غسل الوجه واليدين ، ومسح الرأس والقدمين ، ولم يقع في ذلك خلاف بين المسلمين إلاّ في خصوص مسح الرجلين التي هي المسألة المعروفة التي وقع الاختلاف بينهم ، فالإماميّةـ كافّة ـ قائلون بوجوب مسح الرجلين كالرأس ، وذهب جمهور المخالفين إلى وجوب غسلهما كالوجه واليدين .

ويدلّ على صحّة مذهبنا قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى

الصفحة 86

الْكَعْبَيْنِ . . .)(1) سواء كان «أرجلكم» مجروراً معطوفاً على «رؤوسكم» المجرور بالباء ، أو كان منصوباً ، امّا على التقدير الأوّل فواضح; لأنّ احتمال كونه معطوفاً على «وجوهكم» وكون الجرّ بسبب المجاورة لا من جهة العطف على «رؤوسكم» مدفوع بالوجوه التي ذكرها السيّد(قدس سره) في «الانتصار» :

منها : انّ الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها بغير خلاف بين أهل اللغة ولا يجوز حمل كتاب الله على الشذوذ الذي ليس بمعهود ولا مألوف .

ومنها : انّ الإعراب بالمجاورةـ عند من أجازهـ إنّما يكون مع فقد حرف العطف وأيّ مجاورة عند وجود الحائل؟

ومنها : انّ الإعراب بالمجاورة إنّما استعمل في الموضع الذي ترتفع فيه الشبهة لا في مثل المقام .

ومنها : انّ محصّلي أهل النحو ومحقّقيهم أنكروا الاعراب بالمجاورة في جميع المواضع .

وبالجملة لا شبهة في ظهور الآية في وجوب مسح الرجلين لو كان «أرجلكم» مقروّاً بالجرّ كما عن ابن كثير وأبي عمر وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر .

وامّا على التقدير الثانيـ أي تقدير النصبـ كما عن نافع وابن عامر والكسائي وعاصم في رواية حفص ، فلا إشكال أيضاً لكونه معطوفاً على محلّ قوله «برؤوسكم» لأنّ محلّه منصوب لكونه مفعولاً لقوله : «امسحوا» وإضافة الباء إنّما هي لإفادة التبعيضـ كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالىـ وإلاّ فمادّة «مسح» متعدّية


(1) سورة المائدة : آية 6  .

الصفحة 87

بنفسها ، ويمكن أن يكون عطفاً على محلّ نفس «رؤسكم» لكونه منصوباً أيضاً والثمرة بين الوجهين إنّما تظهر فيما يأتي من وجوب مسح الجميع أو كفاية مسح البعض فانتظر .

وكيف كان فالظاهر بمقتضى انقضاء الجملة الاُولى من الآية الكريمة ، التي أمر فيها بالغسل ، وتمامية حكمها باستئناف الجملة الثانية الدالّة على إيجاب المسح هو كون «أرجلكم» معطوفاً على ما يجب مسحه وهو الرؤوس لا على الوجوه التي أمر بغسلها ، ودعوى أنّ تأخير الأرجل عن مسح الرأس إنّما هو لأجل ملاحظة الترتيب الواجب في الوضوء فلا ينافي ذلك وجوب غسلها ، مدفوعة بعدم استفادة الترتيب من الآية الشريفة أصلاً لوقوع العطف فيها بالواو ، وهي لا تدلّ على الترتيب كما قد قرّر في محلّه .

ثمّ إنّه لو نوقش في استظهار ذلك من الآية الشريفة فلا أقلّ من تساوي الاحتمالين من دون ترجيح لأحدهما على الآخر إذ لا ترجيح للعطف على الوجوه أصلاً ، وحينئذ تصير الآية مجملة من حيث الدلالة على مسح الأرجل أو غسلها فلابدّ من مرجح خارجي ، وما يعتمدون عليه في ذلك ليس بصالح له ، فالإنصاف أنّ الآية الشريفةـ ولو بملاحظة الأخبار التي يستفاد منها ذلك الشيء بالغ في كثرتها السيّد(قدس سره) في «الانتصار» حيث قال : إنّه أكثر عدداً من الرمل والحصىـ دليل على مذهب الإمامية فأصل المسألة عندنا بلا إشكال .

المقام الثاني : في المراد من الوجه الذي يجب غسله وقد عرّفه في المتن بأنّه ما بين قصاص الشعر وطرف الذقن طولاً ، وما دارت عليه الابهام والوسطى من متناسب الأعضاء عرضاً ، والمستند في ذلك صحيحة زرارة قال لأبي جعفر(عليه السلام) : اخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ ، الذي قال الله عزّوجلّ؟ فقال : الوجه

الصفحة 88

الذي قال الله وأمر الله عزّوجلّ بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم ، ما دارت عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديراً فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه ، فقال له : الصدغ من الوجه؟ قال : لا .

وفي رواية الكليني : وما دارت عليه السبابة والوسطى والابهام ، ولكن الظاهر انّه لا أثر للسبّابة بعد اعتبار الوسطى التي هي أطول منها عادة خصوصاً مع ذكر الاصبعين في الجملة التي بعدها ، والمراد أنّ الوجه هو ما يحيط به الاصبعان المذكوران في الرواية ويدوران عليه مبتدئاً من القصاص ومنتهياً إلى الذقن بمعنى وضعهما على القصاص وفتحهما ثم إدارتهما بحيث تنتهي الدورة إلى الذقن ويحصل من ذلك شكل هندسي مشابه للدائرة ، والظاهر أنّ المراد بقوله(عليه السلام)  : مستديراً ، هو فتح اليدين بنحو يحصل منه شكل شبيه لنصف الدائرة ، والوجه فيه أنّ الوجه لا يكون أمراً مسطّحاً ، بل له نوع من الانحناء ففتح اليدين إلى الغاية مستلزم لعدم إتصالهما إلى سطح الوجه كما هو غير خفيّ .

وامّا ما حكي عن شيخنا البهائي(قدس سره) في تفسير الرواية من أنّ كلاًّ من طول الوجه وعرضه هو ما اشتمل عليه الإصبعان إذا ثبت وسطه وأدير على نفسه حتّى يحصل شبه الدائرة ، ففيه انّ ذلك خلاف ما هو المتفاهم من الرواية بنظر العرف; لأنّ الوجه لا يكون مستديراً عرفاً بل ولا لغةً ، ومن المستبعد ثبوت معنى شرعي له كما هو ظاهر ، مضافاً إلى استلزام ذلك لعدم وجوب غسل بعض ما يكون غسله واجباً ، ولوجوب غسل بعض ما لا يجب غسله إتفاقاً .

وممّا ذكرنا ظهر انّه لا وجه لتوهّم وجوب غسل ما هو خارج عن الوجه نظراً

الصفحة 89

إلى أنّ فتح الإصبعين إلى طرف الذقن مستلزم لدخول مقدار ممّا وقع ظهره ، وذلك لوضوح انّ المراد من التحديد ليس إدخال ما هو خارج عن الوجه قطعاً ، بل المراد بيان الحدود المشتبهة التي يحتمل أن تكون داخلة في الحدّ . ويمكن الاستشهاد له بقوله(عليه السلام) : وما جرت عليه الاصبعان من الوجه ، فإنّ تفسير ما الموصولة وتبيينها بالوجهـ مع ظهور كون المراد به هو الوجه العرفيـ ظاهر في اعتبار كون الداخل في الدائرة وجهاً وعليه فما هو خارج عنه لا يكون داخلاً في التعريف ، ولعلّ الإتيان بهذه الجملة التي لا تفيد إلاّ التأكيد للجملة الاُولى لعدم إفادتها شيئاً زائداً عليها إنّما هو لأجل التنبيه على هذه الجهة وهو اعتبار عدم خروج ما هو الداخل عن الدائرة عن صدق عنوان الوجه .

وبالجملة لا ينبغي الإشكال في كون المراد من الرواية هو ما استفاده المشهور منها فإنّ الجمع بين الاستدارة وبين كلمتي : «من وإلى» لا يتحقّق إلاّ بما ذكر من شروع الدائرة من قصاص الشعر وانتهائها إلى الذقن بالكيفية التي عرفتها لا ما أفاده البهائي(قدس سره) مضافاً إلى انّه يرد عليه إنّه بناء على ما ذكره لا يكون الوسط معلوماً فإنّ معلومية الوسط تتوقّف على معلومية الدائرة التي تكون نسبة جميع أجزائها إلى النقطة المتوسطة نسبة واحدة ومقدار الشعاع في جميع جوانبها واحداً مع انّه بناء عليه لا يكون الدوران الذي يبتدئ به من القصاص وصفاً لكلّ من الإبهام والوسطى ، بل للوسطى خاصّة كما صرّح به في ذيل كلامه حيث قال : «إنّ قوله(عليه السلام)من قصاص الشعر إلى الذقن امّا حال من الخبر ، وامّا متعلّق بدات ، يعني انّ الدوران يبتدئ من قصاص الشعر منتهياً إلى الذقن ولا ريب انّه إذا اعتبر الدوران على هذه الصّفة للوسطى اعتبر للابهام عكسه تتميماً للدائرة المستفادة من قوله مستديراً فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر وأوضحه بقوله(عليه السلام)  : وما جرت عليه

الصفحة 90

الإصبعان مستديراً من الوجه فهو من الوجه ، فقوله مستديراً حال من «المبتدأ» مع انّ الظاهر كونه وصفاً لكل من الاصبعين وانّ الدوران يبتدئ به من كلّ منهما ، مع انّ حصول الدائرة الهندسية الحقيقية مع فرض تحدّب الوجه غير ممكن لاستلزام التحدّب الانقباض حال المرور على الخدّين ، فالدائرة المصطلحة غير ممكنة فلا مناص من أن يكون المراد شبه الدائرة وهو يتحقّق بما ذكرنا وامتيازه إنّما هو لأجل اشتماله على جميع الخصوصيات المستفادة من الرواية فتدبّر .

ثمّ إنّ التعبير في المتن تبعاً للأصحاب بالطول والعرض مع خلوّ الرواية عن هذا التعبير إنّما هو بلحاظ قامة الإنسان فما بين قصاص الشعر إلى الذقن يعدّ طولاً وما دارت عليه الإبهام والوسطى يعدّ عرضاً مع انّ الدائرة لا يكون لها طول وعرض ، فالتعبير بهما إنّما هو لأجل ذلك أو لأجل ظهور المسافة فيه من جهة كونه مسطّحاً واختفائها بالنسبة إلى الجانبين لعدم تبين مقدار مسافتهما أو لأجل ما عرفت من انّ المراد من الرواية شبه الدائرة . ومن المعلوم انّ جانب ما بين القصاص والذقن أطول من الجانب الآخر; لكون التحدّب فيه أقلّ بالإضافة إليه .

وامّا جعل المناط في المقدار متناسب الأعضاء فلوضوح انّ التحديد في الروايات إنّما يكون الملحوظ فيه هم الأفراد المتناسبة الأعضاء التي تتعارف خلقتهم بحسبها فلو فرض خروج فرد عن الخلقة المتعارفة امّا لكبر وجهه أو صغره أو طول أصابعه أو قصرهاـ مثلاًـ فالواجب عليه الرجوع إلى المتعارف لا بمعنى جعل أصابع النّاس ملاكاً لمعرفة حدود وجهه فإنّه قد تكون أصابعه كأصابعهم ولكن التفاوت وعدم التناسب بلحاظ كبر وجهه فيلزمـ حينئذـ غسل مقدار من وجهه فقط ، مع انّه من الواضح وجوب غسل جميع الوجه على جميع المكلّفين ، بل بمعنى مقايسة نفسه مع الناس وملاحظة انّ المقدار المحاط بالاصبعين

الصفحة 91

المتعارفين إذا أجريا على الوجه المناسب معهما أيّ مقدار فيغسل من وجه بنسبة ذلك المقدار .

ثمّ إنّه بعد كون حدّ الوجه عبارة عمّا تقدّم لا جدوى للنزاع في غسل بعض الموارد الذي اختلفوا فيه فإنّ المناط هي إحاطة الإصبعين فكلّ ما يحيطان به فالواجب غسله ، وما لا يحيطان به لا يجب غسله ، ودعوى وجوب غسل مقدار يسير من الأطراف الخارجة عن الحدود بحكم العقل مقدّمة لحصول الواجب ، مدفوعة بأنّ ذلك إنّما هو في غير المقام ممّا لا يحصل الجزم إلاّ بذلك ، وامّا في مثل المقام ممّا كان التحديد بمثل الاصبعين الذي لا يكاد يعرض له الاشتباه بعد جريهما بالنحو المتقدّم فلا ، إلاّ أن يكون منشأه احتمال اختلاف المقدار الواقع منهما في أحد طرفي الوجه مع المقدار الآخر الواقع في الطرف الآخر بمعنى عدم رعاية تشكيل شبه الدائرة الذي ذكرنا فإنّه في هذه الصورة يتوجّه وجوب غسل المقدار المذكور مقدّمة لحصول العلم بتحقّق الغسل الواجب وعليها تحمل عبارة المتن وشبهها فتدبّر .

الصفحة 92

مسألة 2ـ يجب عل يالأحوط أن يكون الغسل من أعلى الوجه ولا يجوز على الأحوط الغسل منكوساً ، نعم لو ورد الماء منكوساً ولكن نوى الغسل من الأعلى برجوعه جاز1 .

1ـ حكى عن المشهور ، بل ربّما ادّعى الإجماع على انّ الواجب في غسل الوجه هو أن يغسل الوجه من أعلاه إلى الذقن وانّه لو غسل منكوساً لم يجزه ونحن نقول : ينبغي أوّلاً النظر إلى الإطلاقات الواردة في الوضوء وانّه هل يستفاد منها الإطلاق بالإضافة إلى المقام أم لا؟ والظاهر دلالة الآية الشريفة على انّ الواجب مجرّد الغسل للأمر به مطلقاً مع كونها في مقام البيان كما يظهر من تحديدها الأيدي والأرجل ، ودعوى انصراف الغسل إلى الغسل على الوجه المتعارف في باب الوضوء وغسل الوجه وهو الغسل من الأعلى إلى الأسفل ، مدفوعة بمنعها فإنّ منشأها مجرّد التعارف وغلبة الوجود والوجه فيه انّ الغسل بهذا النحو أسهل من غيره وذلك لا يوجب الانصراف ، مع انّ تعارف الغسل من أعلى الوجه غير ثابت . وامّا الروايات فيستفاد من بعضها الإطلاق أيضاً حيث أمر فيها بغسل الوجه بمجرّده من دون التقييد مع كونها في مقام البيان .

فاللاّزم ملاحظة الأخبار التي توهم الدلالة على ذلك وعمدتها ما رواه في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن محبوب عن أبي جريرة الرقاشي قال : قلت لأبي الحسن موسى(عليه السلام) : كيف أتوضّأ للصلاة؟ فقال : لا تعمق في الوضوء ، ولا تلطم وجهك بالماء لطماً ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك .

ويرد على الاستدلال بها أوّلاً انّها ضعيفة من حيث السند لأنّ أبا جريرة الرقاشي مجهول ، ودعوى انجبار ضعف السّند بعمل المشهور وفتواهم على طبقها ،

الصفحة 93

مدفوعة بأنّ ذلك إنّما يجدي لو علم استناد المشهور إليها واتكائهم عليها ، وامّا مع احتمال الاستناد إلى اُمور اُخرـ كالإنصراف ، أو قاعدة الشغل ، أو الأخبار البيانيّة التي ستجيء إن شاء الله تعالىـ فلا مجال لدعوى الانجبار بوجه .

وثانياً : انّها لا ظهور لها فيما هو المشهور; لأنّ ظاهر السؤال وإن كان راجعاً إلى السؤال عن كيفية الوضوء إلاّ انّ الجواب بمثل ما في الرواية لا يناسب معه ، فاللاّزم حمله على ما يناسب الجواب ، والتأمّل فيه يقضي بأنّ محطّ النظر إنّما هو عدم لزوم الغسل بنحو التعمّق واللطم ، بل يكفي الغسل بنحو المسح ، فقوله(عليه السلام)  : «ولكن اغسله . . .» إنّما سيق لبيان ذلك لا أن يكون المقصود منه هو الغسل من الأعلى إلى الأسفل وكونه بالماء وكونه بنحو المسح حتّى يقال : إنّ حمل الأمر على الاستحباب في الأخير لا ينافي الوجوب بالنسبة إلى الأوّلين . فإنّ الظاهر كونه مسوقاً لبيان حكم واحد وهو كفاية الغسل بالمسح كما يدلّ عليه قوله(عليه السلام)  : «وكذلك فامسح على ذراعيك» وـ حينئذـ فالواجب حمله على الاستحباب ، وذكر «من أعلى وجهك إلى أسفله» إنّما هو لبيان كفاية الغسل بالمسح في جميع الوجه وعدم لزوم الغسل بالنسبة إلى بعضه وكفاية المسح في خصوص البعض الآخر بل يكفي المسح في الجميع ، ويؤيّد الحمل على الاستحباب انّ النهي المتعلّق بالتعمّق واللطم تنزيهي لا تحريمي شرطي والمراد بالأوّل ما هو المتداول بين الوسواسين ، وبالثاني امّا ذلك وامّا هو عادة المتسامحين .

وكيف كان فالإنصاف انّ الرواية لا تدلّ على مطلوبهم أصلاً وإن كانت غير خالية عن المناقشة أيضاً بلحاظ عطف ما يجب فيه المسح على ما يجب فيه الغسل وجعل الواجب في الجميع واحداً فتدبّر .

وقد يستدلّ لذلك بالأخبار الكثيرة الحاكية لفعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووضوئه ، ففي

الصفحة 94

كثير منهاـ على اختلاف تعبيراتهاـ قد وقع التعرّض لذلكـ أي الغسل من أعلى الوجه ، ومن المعلوم انّ ذكر الرواة الحاكين لفعل الإمام(عليه السلام) الذي صدر منه حكاية وضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتعرّضهم لهذه الخصوصية إنّما هو لكونها ملحوظة لهم وكان المقصود بيانها في مقابل العامّة المعروفين بالخلاف ، كما انّ تعرّضهم للخصوصيات الاُخر إنّما هو لغرض إفادة هذه الجهة أيضاً .

وأنت خبير بأنّ التمسّك بها إنّما يتمّ لو علم كون هذه الخصوصية ملحوظة لديهم ، وامّا مع احتمال العدم لو لم نقل بالظهور فيه نظراً إلى عدم وقوع التعرّض لها في بعض الروايات مع اتّحاد الراوي فلا; لأنّ هنا خصوصيات اُخر يمكن أن يكون الملحوظ هي تلك الخصوصيات كعدم الاحتياج إلى غسل اليدين قبل غسل الوجه ، ولزوم غسل اليدين من المرفقين إلى الأصابع وعدم جواز ردّ الماء إلى المرافقـ كما وقع التصريح بها في بعضهاـ وانّ الوضوء مرّة مرّة لا مرّتين ، وغير ذلك من الخصوصيات التي يحتمل قويّاً كونها هي الملحوظة لدى الرواة ، ومجرّد كون الحكاية لبيان الحكم وتعليم كيفية الوضوء لا دلالة فيه على وجوب مراعاة جميع الخصوصيات المذكورة في مقامها كما لا يخفى .

وما عن العلاّمة في «المنتهى» والشهيد في «الذكرى» من انّهما ذكرا بعد حكاية بعض تلك الروايات ونقلها ما لفظهما : «روى عنه انّه قالـ بعدما توضّأـ انّ هذا وضوء لا تقبل الصلاة إلاّ به» فمضافاً إلى انّها رواية مرسلة ودلالتها على المدّعى غير ظاهرة يرد على الاستدلال به انّ الصدوق(قدس سره) في الفقيه إنّما ذكره هكذا : «قال الصادق(عليه السلام) انّه ما كان وضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلاّ مرّة مرّة وتوضّأ النبي مرّة مرّة فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به» وـ حينئذـ فالمشار إليه بكلمة «هذا» إنّما هو الوضوء مرّة مرّة فلا ارتباط له بالمقام .

الصفحة 95

وامّا التمسّك بقاعدة الشغلـ فمضافاً إلى انّه لا مجال له بعد دلالة إطلاق الآية وبعض الروايات على وجوب غسل الوجه مطلقاً كما عرفتـ يرد عليه انّ القاعدة تقتضي البراءة كما هو كذلك في جميع موارد الأقلّ والأكثر الارتباطيين . وتوهّم كون المقام من قبيل الشكّ في المحصل نظراً إلى انّ الواجب هو تحصيل الطهور كما يدلّ عليه قوله(عليه السلام) : «لا صلاة إلاّ بطهور» مدفوع بأنّ الظاهر كون الطهور بمعنى الوضوء وهو عبارة عن نفس الغسلتين والمسحتين لا عنوان حاصل منهما وأمر معنوي متحقّق بهما ، واعتبار بعض الأشياء ناقضاً له الدالّ على انّه أمر مستمرّ باق مع عدم ذلك الشيء لا دلالة فيه على أنّه هنا يكون شيئاً يؤثّر أفعال الوضوء في حصوله فإنّه لا إشكال في اعتبار البقاء لنفس الوضوء نظير اعتبار بقاء العقد في الفضولي ليلحق به الإجازة أو الردّ ، ودعوى عدم الفرق بين المقام وبين غسل اليدين الذي يجب من المرفق إلى الأصابع ولا يجزي النكس مدفوعة بوجود الفصل والقول به من القائلين بعدم اعتبار ذلك في غسل الوجه .

فانقدح ممّا ذكرنا انّه لا دليل على اعتبار كون الغسل من أعلى الوجه ، بل مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الاعتبار إلاّ انّه حيث قامت الشهرةـ على ما حكي ـ على الاعتبار ، بل ربّما ادّعي الإجماع عليه ، فالأحوط رعاية ذلك خصوصاً مع ملاحظة اقتضاء التعارف لذلك ، والمراد من الغسل من الأعلى إلى الأسفل ما يصدق عليه عرفاً انّه غسل من أعلى وجهه إلى أسفله ، وامّا اعتبار أن لا يغسل الجزء السافل إلاّ بعد غسل ما فوقه حقيقة ممّا في سمته أو جميع ما فوقه من الأجزاء فلا دليل عليه أصلاً .

الصفحة 96

مسألة 3ـ لا يجب غسل ما استرسل من اللحية ، امّا ما دخل منها في حدّ الوجه فيجب غسله ، والواجب غسل الظاهر منه من غير فرق بين الكثيف والخفيف مع صدق إحاطة الشعر بالبشرة وإن كان التخليل في الثاني أحوط .

وامّا اليدان فالواجب غسلهما من المرفقين إلى أطراف الأصابع ويجب غسل شيء من العضد للمقدّمة كالوجه ، ولا يجوز ترك شيء من الوجه أو اليدين بلا غسل ولو مقدار مكان شعرة1 .

الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في انّ المسترسل من اللّحية لا يجب غسله والمراد منه ما خرج عن حدود الوجه ، والوجه في عدم وجوب غسله ووجوب غسل ما دخل من اللّحية في حدّ الوجه واضح بعد صراحة صحيحة زرارةـ المتقدّمة الواردة في تحديد الوجهـ في انحصار ما يجب غسله من الوجه بما دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن .

نعم قد يقال ـ كما عن الاسكافيـ باستحباب غسل ذلك ، ويدفعه انّه لم يدلّ عليه دليل ، وما في بعض الأخبار الحاكية لفعل النبي(صلى الله عليه وآله) من انّه غرف ملأ كفّه اليمنى ماءً فوضعها على جبهته ثم قال : بسم الله ، وسدّله على أطراف لحيته ثم أمرّ يده على وجهه وظاهر جبينه مرّة واحدة ، لا يدلّ على ذلك; لأنّ جريان الماء على أطراف اللحية لا ينافي عدم استحباب غسلها ، مضافاً إلى أنّ مجرّد وضع الماء على الجبهة وتسديله عليها لا يوجب غسلها ما لم تمرّ يده عليها ، وظاهر الرواية انّ إمرار اليد على الوجه إنّما هو بعد التسديل فهي أجنبية عن المقام ، كما انّ ما ورد ممّا يدلّ على جواز الأخذ من ماء اللّحية للمسح عند الجفاف لا دلالة له على ذلك; لأنّ ماءها يمكن أن يعدّ من بقيّة بلل الوجه لأجل العلقة بينهما مضافاً إلى انّ الحكم تعبّدي .

الصفحة 97

المقام الثاني : في انّ الواجب غسل ظاهر اللحية وانّه لا يجب تخليلها ، والمراد بالتخليل هو إيصال الماء إلى خلال اللّحية لغسل ما استتر بها من البشرة والشعر ، كما انّ المراد بالتبطين هو إيصال الماء إلى باطن الشعر الذي لا يقع عليه حسّ البصر هذا ما يتعلّق بالموضوع . وامّا الحكم فلا يخفى انّه لو لم يكن في البين إلاّ ما يدلّ من الآية الشريفة والرواية على وجوب غسل الوجه فالظاهر انّ مقتضاه بحسب نظر العرف وجوب غسل البشرة فيما إذا لم تكن مستورة بالشعر ووجوب غسل الشعر في المقدار المستور منها به لا لأنّ عنوان الوجهـ الظاهر بحسب وضعه اللغوي في خصوص البشرةـ ينتقل في ذي اللّحية إلى ما يشمل الشعر أيضاً ، بل لما ذكر من انّ المتفاهم عند العقلاء هو غسل ظاهر الشعر من دون ارتكاب تكلّف إيصال الماء إلى البشرة المحاطة به .

فالإنصاف انّ الحكم مع قطع النظر عن الأخبار الدالّة عليه أيضاً ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، ومن هنا تعرف انّ نسبة صحيحة زرارة ـ الآتيةـ وأمثالها إلى الأدلّة الآمرة بغسل الوجه ليست نسبة الحاكم إلى المحكوم ـ كما في المصباحـ فإنّك عرفت انّه لا تعارض بينهما ، بل كلّ منهما يدلّ على عدم وجوب غسل المقدار الذي أحاط به الشعر كما مرّ ، هذا بالنسبة إلى من له شعر كثيف محيط بالبشرة بحيث لا يقع عليها حسّ البصر .

وامّا بالنسبة إلى ذي الشعر الخفيف فيمكن أن يقال فيه أيضاً بأنّه لا يستفاد من الأدلّة الواردة في غسل الوجه أزيد من غسل البشرة الواقعة عليها الباصرة والشعر المحيط ببعضها من دون أن يجب عليه التخليل مضافاً إلى صحيحة زرارة قال : قلت : أرأيت ما كان تحت الشعر؟ قال : كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء . هذا ما رواه الشيخ باسناده

الصفحة 98

عنه ، ورواه الصدوق باسناده عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) هكذا : قلت له : أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال : كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ـ الخ ـ  .

وكيف كان فقوله(عليه السلام)  : كلّ ما أحاط به الشعر ، يعمّ المقدار الذي أحاطه الشعر الخفيف أيضاً ، ولأجله اعتبر في المتن في الشعر الخفيف صدق إحاطة الشعر بالبشرة ويستفاد منه انّه مع عدم الإحاطة لا محيص عن غسل جميع البشرة ، كما انّه ممّا ذكرنا ظهر وجه كون التخليل في الشعر الخفيف أحوطـ على ما ذكره في المتنـ وإن كان يمكن استفادة عدم الوجوب أيضاً من الرواية المذكورة في المسألة السابقة الحاكية لفعل النبي(صلى الله عليه وآله) فإنّه لا خفاء في انّ ابتداء منبت شعر اللّحية في الوجه كان محاطاً بالشعر الخفيف مع انّ الإمام(عليه السلام) اكتفى في غسلهـ في مقام الحكايةـ بمجرّد إمرار اليد على الوجه مرّة من دون أن يتعرّض للتخليل .

ويدلّ على عدم وجوب التبطين أيضاً صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)قال : سألته عن الرجل يتوضّأ أيبطّن لحيته؟ قال : لا .

المقام الثالث : في غسل اليدين ويقع الكلام فيه في جهات :

الاُولى : في المراد من المرفق وحكى عن صاحب الحدائق انّه قال : «المرفق كمنبر ومجلس المفصل وهو رأس عظمي الذراع والعضد كما هو المشهور ، أو مجمع عظمى الذراع والعضد ، فعلى هذا شيء منه داخل في الذراع وشيء منه داخل في العضد» والمحكي عن أكثر اللغويين هو المعنى الأوّل حيث فسّروه بالمفصل أو الموصل على اختلاف التعابير ، ولكن الظاهر رجوعه إلى المعنى الثاني فإنّ المراد بالمفصل ليس ما فسّره به في محكي عبارة الحدائق وهو رأس العظمين حتّى يورد عليهـ كما في المصباحـ بأنّه يبعد أن يكون نزاعهم في دخوله المحدود وخروجه عنه

الصفحة 99

في هذا المعنى; لأنّ رأسهما الذي هو انتهائهما أمر اعتباري انتزاعي غير قابل لأن ينازع فيه لأنّه لا يكون ذات أجزاء أصلاً حتّى يقع النزاع في دخولها وخروجها ، بل المراد به هو ا لجزء الذي يتقوّم به المفصل الذي يكون أمراً ذات أجزاء ، وعليه فيصحّ النزاع فيه ولكنّه يرجع إلى المعنى الثاني كما هو غير خفيّ .

الثانية : في وجوب غسل المرفق وعدمه ، يمكن أن يقال بالعدم نظراً إلى أنّ ظاهر الآية الشريفة من حيث وقوع التعبير فيها بكلمة «إلى» يقتضي العدم لخروج الغاية ومدخول «إلى» عن المحدود المغيّى كما صرّح به جمع كثير بخلاف التحديد بكلمة «حتّى» هذا بناء على كونها في الآية غاية للمغسول ، وامّا بناء على كونها غاية للغسل فهي أجنبية عن هذا المقام .

ولكن قد يتمسّك للوجوب ببعض الأخبار كرواية هيثم بن عروة التميمي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن قوله تعالى : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، فقلت : هكذا ومسحت من ظهر كفّي إلى المرفق؟ فقال : ليس هكذا تنزيلها إنّما هي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق ثم أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه . بتقريب انّ ظاهر الرواية كون الآية في الأصل نازلة مع كلمة «من» ومن المعلوم انّ مدخول «من» داخل في المحدود .

وأنت خبير بأنّه ليس المراد بقوله : هكذا تنزيلها ، انّ الآية نازلة مع كلمة «من» كيف وهذا ممّا يقطع بخلافه في جميع آيات القرآن عموماً وفي هذه الآية خصوصاً :

امّا العموم فلما قد حقّق في محلّه من نهوض الأدلّة الواضحة والبراهين الساطعة والحجج الظاهرة من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل على عدم وقوع التحريف في الكتاب المجيد ولو بنحو تبديل كلمة باُخرى وقد تكلّمنا في بحث التحريف بما لا مزيد عليه في كتابنا «مدخل التفسير» فليراجع إليه .

الصفحة 100

وامّا الخصوص فللتمسّك بالكريمة مع كلمة «إلى» في كثير من الأخبار الصحيحة المروية عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، فلا مجال لتوهّم كون أصل التنزيل مع كلمة «من» فالمراد من الرواية إنّما هو بيان لزوم الغسل من الأعلى إلى الأسفل خلافاً لما توهّمه السائل ، فالرواية إنّما تكون مسوقة لبيان هذه الجهة والتعبير بكلمة «من» لإفادة هذا المعنى لا لكون إلى بمعنى من حتّى يترتّب عليه جميع أحكامها التي منها كون مدخولها داخلاً في المحدود .

هذا مضافاً إلى انّه لا نسلّم مدخول كلمة «من» في المحدود فيما إذا كان أمراً ممتدّاً ذات أجزاء قابلاً للنزاع في دخوله وخروجه ، والدليل على ذلك مراجعة الاستعمالات العرفيّة فإنّ قوله : سرت من البصرة إلى الكوفة لا دلالة فيه على انّ ابتداء السير كان من آخر بلد البصرة بالإضافة إلى السائر إلى الكوفة . وبالجملة فالرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب غسل المرفق أيضاً .

ومن الروايات التي استدلّ بها للوجوب بعض الأخبار الحاكية لوضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) الدالّ على انّه(عليه السلام) وضع الماء على مرفقه فأمرّ كفّه على ساعده . وفي آخر : فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه منالمرفق إلى الكفّ لا يردّها إلى المرفق .

ولا يخفى انّ وضع الماء عليه لا يدلّ على غسله بأجمعه كما انّ الغسل من المرفق لا يدلّ على دخوله في المغسول كما عرفت ، بل التأمّل في جميع الروايات البيانية يقضي بعدم دلالة شيء منها على ذلك ، بل في بعضها إشعار أو دلالة على الخلاف فراجعها .

ولكن الذي يسهّل الخطب دعوى إجماع الاُمّة على وجوب غسل المرفق من كثير من الأصحاب بحيث بلغت حدّ الاستفاضة بل التواتر ، بل لم ينقل الخلاف فيه

<<التالي الفهرس السابق>>