في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 381

أنّ الله يحبّ التطهير بالماء ، وحيث إنّ ورود الآية في مورد لا يوجب اختصاصها بذلك المورد فيتعدّى عنه إلى مطلق النظافات العرفية والشرعية ، وعلى الجملة فالمستفاد من الآية انّ النظافة بإطلاقها محبوبة لله وانّها مأمور بها في الشريعة المقدّسة هذا كلّه في الكبرى ، وامّا تطبيقها على الوضوء فلأنّ الطهارة اسم لنفس الوضوء لا انّها أثر مترتّب عليه كترتّب الطهارة على الغسل في تطهير المتنجّسات فإذا قلنا : الصلاة يشترط فيها الطهارة فلا نعني انّ الصلاة مشروطة بأمرين وإنّما المراد انّها مشروطة بشيء واحد وهو الغسلتان والمسحتان المعبَّر عنهما بالطهارة ، وعلى هذا جرت استعمالاتهم فيقولون : الطهارات الثلاث ويريدون بها الوضوء والغسل والتيمّم .

إن قلت : الطهارة أمر مستمرّ ولها دوام وبقاء بالاعتبار وليس الأمر كذلك في الوضوء لأنّه يوجد وينصرم فكيف تنطبق الطهارة على الوضوء .

قلت : الوضوء كالطهارة أمر اعتبر له الدوام والبقاء كما يستفاد من جملة من الروايات كما في صحيحة زرارة : الرجل ينام وهو على وضوء . . . وذلك لأنّه لو لم يكن للوضوء استمرار ودوام فما معنى انّ الرجل ينام وهو على وضوء إذ الأفعال توجد وتنصرم ، وكون الرجل على وضوء فرع أن يكون الوضوء أمراً مستمرّاً بالاعتبار .

وبعبارة اُخرى ظاهر هذا القول انّ الرجل بالفعل على وضوء وهذا لا يستقيم إلاّ إذا كان المرتكز في ذهن السائل انّ الوضوء له بقاء ودوام بالاعتبار . وكما في الأخبار الواردة في انّ مثل الرعاف والقيء غير ناقض للوضوء وانّ البول والغائط والنوم والمنيّ ناقض له فإنّ النقض إنّما يتصوّر في الأمر الباقي والمستمرّ ، وامّا ما لا وجود له بحسب البقاء فلا معنى لنقضه وعدم نقضه فمن هذا كلّه يظهر انّ الوضوء لا بالمعنى

الصفحة 382

المصدري الإيجادي أمر مستمرّ وهو المأمور به في مثل الصلاة وهو المعبّر عنه بالطهارة في عبارات الأصحاب ، فالوضوء بنفسه مصداق للطهارة والنظافة تعبّداً فتشملها الكبرى المستفادة من الآية المباركة وهي محبوبيّة النظافة وكونها مأموراً بها من قبل الشرع . فتحصّل انّ الوضوء بنفسه ـ من غير أن يقصد به شيء من غاياته ـ أمر محبوب ومأمور به لدى الشرع كما انّه كذلك عند قصد شيء من غاياته .

أقول : إن كانت الآية الشريفة شاملة للنظافة العرفيّة خصوصاً مع الاستشهاد بها عليها في بعض الروايات فلا مجال لتكلّف دعوى كون الوضوء بنفسه مصداقاً للطهارة تعبّداً فإن كونه مصداقاً للنظافة العرفيّة لا موقع للخدشة فيه خصوصاً بعد ملاحظة الرواية التي استشهد بها عليها فيها حيث تدلّ على أنّ موردها الاستنجاء بالماء بعد تداول الاستنجاء بالأحجار بين الناس فإنّ الاستنجاء بالماء حيث كان يزيد في النظافة والطهارة فلذا وردت الآية في مورده ، ومن المعلوم انّ الوضوء يوجب النظافة الزائدة ولو كانت محالّه نظيفة قبله .

إن قلت : إنّ دعوى كون الوضوء نظافة شرعية تعبّدية إنّما هي بلحاظ جميع أفعاله أوّلاً مع انّ المسح بمجرّده لا يوجب تحقّق النظافة العرفيّة ، وبلحاظ بقائه ما دام لم يتحقّق الحدث ثانياً وإن عرض ما يوجب زوال النظافة العرفية ، وبلحاظ اعتبار قصد القربة فيه ثالثاً مع انّ العرفي من النظافة لا يتوقّف عليه .

قلت : إذاً لا يكاد يتمّ الاستدلال بالآية لأنّ كون الوضوء بنفسه طهارة ممّا لم يثبت وإطلاق الطهور عليه في صحيحة زرارة لا دلالة فيه على كونه مصداقاً للطهارة فإنّ معنى الطهور ما يتحقّق الطهارة به ولذا اطلق على الماء في قوله تعالى :

الصفحة 383

(وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً)(1) وعلى التراب في مثل قوله(عليه السلام) : «التراب أحد الطهورين» ولا يلزم من اشتراط الصلاة بالطهارة اشتراطه بأمرين ضرورة انّ الشرط هي الطهارة وأفعال الوضوء محصلة لها لا انّها شرط آخر في قبالها كما لا يلزم من اشتراطها بطهارة اللباس اشتراطها بأمرين مع اعترافه بأنّ الطهارة أمر يترتّب على الغسل في تطهير المتنجّسات .

وامّا كون الوضوء له دوام وبقاء مع قطع النظر عن الطهارة المترتّبة عليه فهو وإن كان يقتضيه ظاهر الروايات المتقدّمة إلاّ انّه لا يبعد دعوى كون المراد هو الوضوء بلحاظ ما يترتّب عليه كما ربّما يؤيّده ما ورد فيه من انّه نور وانّ الوضوء التجديدي نور على نور أو انّه يأمر الله بالوضوء والغسل فيختم عليه بخاتم من خواتيم ربّ العزّة كما في بعض الأخبار ، نعم يمكن أن يقال : إنّ الطهارة أمر يترتّب على الوضوء ولكن لا دليل على كون الشرط للصلاة هي الطهارة المرتّبة ، بل الشرط هو نفس أفعال الوضوء كما هو مفاد آية الوضوء ويؤيّده وجوب الوضوء على المخلوق دفعة وإن لم يكن محدثاً بشيء من الأحداث أصلاً ، وعلى ما ذكر لا يبقى دليل على استحباب الوضوء من هو ، نعم يمكن الاستدلال عليه بأنّ اعتباره في الصلاة مع كون المعتبر هو الأمر العبادي والأمر الناشئ من قبل الأمر بالصلاة على تقدير ثبوته نظراً إلى ثبوت الملازمة لا يكاد يكون إلاّ أمراً توصلياً لا يعتبر في سقوطه قصد القربة أصلاً فاعتباره في الوضوء دليل على استحبابه النفسي وانّ مقربيّته إنّما هي لأجل تعلّق الأمر النفسي الاستحبابي به إلاّ أن يقال : إنّ تعلّق الأمر النفسي لا دلالة له على استحبابه فمن الممكن أن يكون تعلّقه به إنّما هو بلحاظ ترتّب الطهارة


(1) سورة الفرقان : 48  .

الصفحة 384

عليه وتأثيره في حصولها لا بلحاظ نفسه ولكنّه يجاب عنه بأنّه على هذا التقدير أيضاً يصير الوضوء مقدّمة لحصول الطهارة ولابدّ من أن يكون مستحبّاً بنفسه ليؤثّر في حصول الطهارة المترتّبة عليه لأنّه لا يتّصف مقدّمة العبادة بالعبادية من جهة المقدّمية فلابدّ من أن تكون مستندة إلى ما ذاتها من الرجحان والمحبوبيّة .

فالإنصاف انّ الاستشهاد للاستحباب النفسي من هذا الطريق أولى من الاستدلال له بما ذكر وإن كان مع ذلك كلّه لا يحصل اطمئنان للنفس بالاستحباب مع قطع النظر عن جميع الغايات حتى الكون على الطهارة فتدبّر جيّداً .

الصفحة 385

مسألة 2 ـ يستحبّ للمتوضّي أن يجدّد وضوئه ، والظاهر جوازه ثالثاً ورابعاً فصاعداً ، ولو تبيّن مصادفته للحدث يرتفع به على الأقوى فلا يحتاج إلى وضوء آخر1 .

1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في أصل استحباب تجديد الوضوء ويدلّ عليه النصوص والفتاوى ، ففي رواية المفضل بن عمر عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : من جدّد وضوئه لغير حدث جدّد الله توبته من غير استغفار ، ورواه في الفقيه مرسلاً وزاد : وفي حديث آخر : الوضوء على الوضوء نور على نور . وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام)  : الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهّروا . وفي رواية سماعة بن مهران قال : قال أبو الحسن موسى(عليه السلام) : من توضّأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ما خلا الكبائر ، ومن توضّأ لصلاة الصبح كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته ما خلا الكبائر . وقال الصدوق : كان النبي(صلى الله عليه وآله) يجدِّد الوضوء لكلّ فريضة وكلّ صلاة . والظاهر انّ المراد من التوضّي للمغرب ولصلاة الصبح في رواية سماعة هو الوضوء التجديدي وإن كان يمكن منعه فتدبّر .

وكيف كان فلا خفاء في استحباب تجديد الوضوء والظاهر انّ الحكم بذلك لا يتوقّف على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء مع قطع النظر عن جميع الغايات بل يجري على إنكاره أيضاً .

المقام الثاني : في عدم اختصاص استحباب التجديد بالوضوء الثاني ، بل جوازه ثالثاً ورابعاً فصاعداً ، والدليل عليه إطلاق بعض الروايات المتقدّمة كروايتي مفضل بن عمر ومحمد بن مسلم ، إلاّ أن يقال بالانصراف إلى خصوص

الصفحة 386

الوضوء الثاني وهو خال عن الشاهد خصوصاً مع ملاحظة قوله(عليه السلام)  : جدّد الله توبته من غير استغفار . كما لا يخفى ، فالظاهر ـ حينئذ ـ عدم الاختصاص بالوضوء الثاني .

المقام الثالث : في أنّه لو نوى الوضوء التجديدي فتوضّأ ثمّ تبيّن مصادفته للحدث هل يرتفع الحدث به كما قوّاه في المتن وحكى عن الشيخ والمحقّق وجماعة أم لا؟ وقد صرّح في العروة بالتفصيل بين ما إذا كان قاصداً لامتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليه في ذلك الحال بالوضوء وإن اعتقد انّه الأمر بالتجديدي منه فيكون من باب الخطإ في التطبيق وتكون لتلك الغاية مقصودة له على نحو الداعي وبين ما إذا كان مقصودة له بنحو التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعي على خلاف ما اعتقده لم يتوضّأ فحكم بالصحّة وإباحة جميع الغايات به في الصورة الاُولى واستشكل فيها في الصورة الثانية . هذا ويمكن تنزيل الإطلاق على خصوص الصورة الاُولى .

وكيف كان فقد استدلّ على التفصيل بما حاصله : انّه إذا كان المقصود الأمر الفعلي المتوجّه إلى المكلّف كان منطبقاً على الأمر الواقعي بالوضوء المطهّر فيكون الأمر المذكور مقصوداً ولا ينافيه اعتقاد كونه الأمر التجديدي لأنّ الخطإ في اعتقاد الصفة لا يمنع من قصد ذات الموصوف وهذا بخلاف ما إذا كان القصد بنحو التقييد فمن قصد إكرام جاره وكان قد اعتقد انّ عمره خمسون سنة فأكرمه كان إكرامه له مقصوداً وإن لم يكن عمره خمسين سنة ، نعم لو قيد إكرامه له بالوصف المذكور فقصد إكرام جاره الموصوف بكونه عمره خمسون سنة فأكرمه لم يكن إكرامه له مقصوداً إذا لم يكن عمره خمسين سنة . وسرّ الفرق انّ الوصف في الثاني لمّا اُخذ قيداً لموضوع الإكرام المقصود فبدونه ينتفي موضوعه فينتفي بانتفاء موضوعه ، ويكون الإكرام الخارجي الوارد على غير الموضوع غير مقصود ، وفي الأوّل لمّا اُخذ

الصفحة 387

خارجاً عن الموضوع لم يكن انتفاعه موجباً لانتفائه لينتفي الإكرام المقصود .

أقول : الظاهر انّ عنوان التجديد ليس من العناوين المنوّعة للوضوء الموجبة لصيرورته على قسمين ضرورة انّ المراد به هو الوضوء الثاني والثالث وهكذا ، ومن الواضح انّه لا حاجة في نيّة الوضوء إلى تعيين الأوّلية ومثلها فمن ينوي الوضوء التجديدي فهو ناو للوضوء فقط ، غاية الأمر انّه يتخيّل كونه هو الوضوء الثانوي مثلاً .

وعلى ما ذكرنا فإن قلنا باختلاف حكم الوضوء من جهة الوجوب والاستحباب نظراً إلى أنّ الوضوء الرافع واجب من باب المقدّمة والوضوء التجديدي مستحبّ فالذي يلزم في المقام تخيّل كون الأمر المتوجّه إليه هو الأمر الاستحبابي وقد حقّقنا في مباحث النيّة انّه لو نوى الاستحباب فيما كان الأمر للوجوب أو بالعكس فذلك لا يضرّ بصحّة إطاعته ; لأنّ نيّة الخلاف لا تؤثّر في تغيير الشيء عمّا هو عليه في الواقع لأنّ الداعي له هو أمر المولى وهو موجود شخصي لا يمكن أن يقع على وجوه متعدّدة ، وإن لم نقل بوجوب الوضوء من جهة المقدّمية فالصحّة تصير أوضح لأنّ الوضوء مستحبّ نفسي مطلقاً ، غاية الأمر انّه تترتّب عليه الرافعية في بعض الموارد من دون حاجة إلى القصد . فانقدح انّ الوضوء التجديدي يرفع الحدث في المقام مطلقاً .

الصفحة 388

القول في أحكام الخلل

مسألة 1 ـ لو تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة أو ظنّ بها تطهر ولو كان شكّه في أثناء العمل ، فلو دخل في الصلاة وشكّ في أثنائها في الطهارة فإنّه يقطعها ويتطهّر ، والأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف بطهارة جديدة ، ولو كان شكّه بعد الفراغ من العمل بنى على صحّته وتطهّر للعمل اللاّحق . ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لم يلتفت . ولو تيقّنهما وشكّ في المتأخّر منهما تطهر حتّى مع علمه بتاريخ الطهارة على الأقوى ، هذا إذا لم يعلم الحالة السابقة على اليقين بهما وإلاّ فالأقوى هو البناء على ضدّها ، فلو تيقّن الحدث قبل عروض الحالتين بنى على الطهارة ، ولو تيقّن الطهارة بنى على الحدث هذا في مجهولي التاريخ ، وكذا الحال فيما إذا علم تاريخ ما هو ضدّ الحالة السابقة ، وامّا إذا علم تاريخ ما هو مثله فيبني على المحدثية ويتطهّر لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في جميع الصور المذكورة . ولو تيقّن ترك غسل عضو أو مسحه أتى به وبما بعده لو لم يحصل مفسد من فوت موالاة ونحوه وإلاّ استأنف . ولو شكّ في فعل شيء من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه أتى بما شكّ فهى مراعياً للترتّيب والموالاة وغيرهما ممّا يعتبر فيه . والظنّ هنا كالشكّ . وكثير الشكّ لا عبرة بشكّه كما انّه لا عبرة بالشكّ بعد الفراغ سواء كان شكّه في فعل من أفعال الوضوء أو في شرط من شروطه1 .

1 ـ في هذه المسألة فروع كثيرة :

الأوّل : ما لو تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة والواجب عليه أن يتطهّر إجماعاً كما عن المنتهى وغيره ، بل عن المدارك انّه إجماع بين المسلمين ، بل عن فوائد

الصفحة 389

الاسترآبادي انّه من ضروريات الإسلام ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ جريان استصحاب الحدث وقد حقّق في محلّه حجّية الاستصحاب مطلقاً .

الثاني : ما لو تيقّن الحدث وظنّ بالطهارة ولا فرق بينه وبين الفرع الأوّل من جهة وجوب التطهّر وجريان استصحاب الحدث; لأنّ الظنّ غير المعتبر لا يزيد على الشكّ ، والمراد من الشكّ المأخوذ في أدلّة الاستصحاب هو غير اليقين أعني غير الحجّة المعتبرة ، كما انّ المراد باليقين هي الحجّة المعتبرة واخبار لا تنقض ناظرة إلى النهي عن نقض الحجّة المعتبرة بغيرها ولأجله تكون الامارة المعتبرة مقدّمة على الاستصحاب كما انّه لأجله يجري الاستصحاب فيما إذا كان الحكم ثابتاً في الزمان السابق بأمارة معتبرة لا باليقين والتحقيق في محلّه ، مع انّه قد صرّح في بعض روايات الاستصحاب بجريانه مع الظنّ بالخلاف ، ففي صحيحة زرارة الطويلة المعروفة في باب الاستصحاب قال : قلت : فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه قال : تغسله ولا تعيد الصلاة . قلت : لِمَ ذاك؟ قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً . . . فإنّه مع كون مورد السؤال هي صورة الظنّ بالإصابة قد عبّر فيها عن الظنّ بالشكّ ونهى عن نقض اليقين به وليس المراد من قوله : فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً هو انتفاء الظنّ وتبدّله بالشكّ ، بل المراد عدم وصول الظنّ إلى مرتبة اليقين بسبب الرؤية فتدبّر .

الثالث : ما لو كان الشكّ في الطهارة أو الظنّ بها بعد تيقّن الحدث في أثناء العمل المشروط بالطهارة كما إذا شكّ في أثناء الصلاة في أنّه تطهّر قبلها أم لا بعد اليقين بالحدث قبله وقد حكم فيه في المتن بأنّه يقطعها ويتطهّر واحتاط بالإتمام ثم الاستئناف بطهارة جديدة .

الصفحة 390

والظاهر انّ مراده هو القطع والتطهّر ثمّ البناء على ما مضى ، ويحتمل أن يكون المراد هو الاستئناف بعد التطهّر ، والوجه فيما استظهرناه جريان استصحاب الحدث بالنسبة إلى الأجزاء الباقية ومقتضاه لزوم التطهّر ولا مجال لجريانه بالإضافة إلى الاجزاء الماضية امّا لعدم ثبوت الشكّ الفعلي حال الدخول في الصلاة وقد حقّق في محلّه اختصاص جريان الاستصحاب بصورة الشكّ واليقين الفعليين على ما هو ظاهر أخبار لا تنقض ، وامّا لليقين بالخلاف بناء على شمول الفرع لهذه الصورة أيضاً وعدم اختصاصه بصورة الغفلة والذهول ، وعلى أيّ تقدير لا يجري الاستصحاب بالإضافة إلى ما مضى ، بل مقتضى القاعدة الحكم بالصحّة فيه ، نعم ينبغي تقييد الحكم بناءً على هذا الوجه بما إذا لم يكن التطهير موجباً لتحقّق الفعل الكثير لو سلم شمول دليل مبطليّته لمثل المقام .

وامّا الوجه فيما احتملناه فهو انّ الاستصحاب وإن لم يكن يجري بالإضافة إلى الاجزاء الماضية إلاّ انّه لا دليل على صحّتها أيضاً بعد عدم إحراز وقوعها مع الطهارة لعدم جريان القاعدة المقتضية للصحّة إلاّ فيما لو كان الشكّ بعد تمامية العمل وحصول الفراغ عن جميع أجزائه ولا تجري بالنسبة إلى كلّ جزء بعد تحقّق الفراغ منه .

وامّا الوجه في الاحتياط المذكور فهو انّه يحتمل في باب الشروط خصوصاً في مثل الوضوء الذي هو مركّب من أفعال متعدّدة ويكون الإتيان بها في الأثناء موجباً لتحقّق الفعل الكثير نوعاً أن يكون محلّ إحرازه لجميع أجزاء الصلاة قبل الصلاة لا عند كلّ جزء ، فلو شكّ في أثناء الصلاة في الوضوء فهو كما لو شكّ بعدها فيه فلا يعتنى به ولأجله يجب الإتمام ، كما انّه يحتمل البطلان من رأس لعدم الدليل على صحّة الأجزاء الماضية فيستأنف بطهارة جديدة .

الصفحة 391

هذا والظاهر هو ما استظهرناه من أنّ الحكم في هذا الفرع هو القطع والتطهير والبناء على ما مضى ولا مجال لما حكى عن بعض الأساطين من أنّ الشكّ في الشروط بالنسبة إلى الفراغ عن المشروط ، بل الدخول فيه ، بل الكون على هيئة الداخل حكم الاجزاء في عدم الالتفات فلا اعتبار بالشكّ في الوقت والقبلة واللباس والطهارة بأقسامها والاستقرار ونحوها بعد الدخول في الغاية ولا فرق بين الوضوء وغيره . كما انّه لا مجال لما ذكره بعض الأصحاب كصاحب المدارك وكاشف اللثام من اعتبار الشكّ في الشرط حتّى بعد الفراغ عن المشروط فأوجب إعادة المشروط بل الأقوى كما أفاده الشيخ الأعظم(قدس سره) هو التفصيل بين الفراغ عن المشروط فيلغو الشكّ في الشرط بالنسبة إليه لعموم لغوية الشكّ في الشيء بعد التجاوز عنه وبين الشكّ في الأثناء فضلاً عن الكون على هيئة الداخل فيجب الاعتناء بالشكّ; لأنّ نسبة الشرط إلى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة وتجاوز محلّه في الشكّ في الأثناء إنّما هو باعتبار كونه شرطاً للاجزاء الماضية فلابدّ من إحرازه للأجزاء المستقبلة وفيما إذا لم يدخل لم يتحقّق التجاوز رأساً فلابدّ من التطهّر ثم الدخول خصوصاً في المقام الذي يجري استصحاب الحدث بالإضافة إليه على ما هو المفروض .

الرابع : ما لو كان الشكّ في الطهارة بعد الفراغ عن العمل وقد عرفت جريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى الشروط أيضاً كالاجزاء لعموم لغوية الشكّ في الشيء بعد التجاوز عنه ولكنّه يختصّ بهذا المشروط الذي وقع الفراغ عنه ، امّا بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الإشكال في اعتبار الشكّ فيه; لأنّ الشرط المذكور من حيث كونه شرطاً لهذا المشروط لم يتجاوز عنه ، بل محلّه باق فالشكّ في تحقّق هذا المشروط شكّ في الشيء قبل تجاوز محلّه ، ولكنّه ربّما بنى بعضهم ذلك

الصفحة 392

على أنّ معنى عدم العبرة بالشكّ في الشيء بعد تجاوز المحلّ هو البناء على حصول المشكوك فيه لكن بعنوانه الذي يتحقّق معه تجاوز المحلّ لا مطلقاً فالوضوء المشكوك فيما نحن فيه إنّما فات محلّه من حيث كونه شرطاً للمشروط المتحقّق لا من حيث كونه شرطاً للمشروط المستقبل .

الخامس : ما لو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث وحكمه عدم الالتفات بالشكّ وجواز الدخول في الصلاة إجماعاً ـ كما عن الخلاف والمنتهى وغيرهما ، وعن التذكرة نفي معرفة الخلاف فيه إلاّ من مالك ، ويهد له ـ مضافاً إلى ما ذكر وإلى جريان استصحاب الطهارة مع الشكّ في الحدث خصوص صحيحة زرارة المعروفة قال : قلت : فإن حرّك إلى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : لا حتّى يستيقن انّه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ وإنّما ينقضه بيقين آخر .

وموثّقة بكير قال : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام)  : إذا استيقنت انّك قد أحدثت فتوضّأ ، وإيّاك أن تحدث وضوء أبداً حتّى تستيقن انّك قد أحدثت .

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن رجل يتّكئ في المسجد فلا يدري نام أم لا هل عليه وضوء؟ قال : إذا شكّ فليس عليه وضوء . . .

وغير ذلك من الروايات .

ولكن عن ظاهر البهائي(قدس سره) في الحبل المتين : انّ البناء على الوضوء مشروط بالظنّ الشخصي بعدم الحدث فلو شكّ في الحدث أو ظنّ به تطهّر ولكن يدفعه النصوص المتقدّمة مع صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال للصادق(عليه السلام) : أجد الريح في بطني حتّى أظنّ انّها قد خرجت فقال : ليس عليك وضوء حتّى تسمع

الصفحة 393

الصوت أو تجد الريح ، ثمّ قال : إنّ إبليس يجلس بين اليتي الرجل فيحدث ليشككه .

نعم هنا رواية ربّما يتوهّم منها التفصيل وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال : سألته عن رجل يكون على وضوء ويشكّ ، على وضوء هو أم لا؟ قال : إذا ذكر وهو في صلاته انصرف فتوضّأ وأعادها ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته اجزأه ذلك . نظراً إلى أنّ ظاهر السؤال هو اليقين بالوضوء في السابق والشكّ فيه في اللاّحق ، وعليه فالجواب يدلّ على التفصيل بين الاثناء وما بعد الفراغ بالحكم بوجوب التوضؤ في الأوّل والإعادة ، ومن الواضح جريان الحكم بوجوب التوضؤ فيما لو ذكر قبل الشروع في الصلاة بطريق أولى كما لا يخفى .

هذا ، ولكن كون ظاهر السؤال هو ما ذكر ممنوع; لأنّه بناءً عليه كان المناسب أن يقول : رجل كان على وضوء ، فالمحتمل ـ حينئذ ـ أن يكون المراد هو الكون على الوضوء باعتقاده ثمّ شكّ في ذلك وارتفع اعتقاده بالوضوء وعليه فالحالة السابقة هي الحدث ، غاية الأمر انّه اعتقد زواله ثمّ شكّ في صحّة اعتقاده والأصل الجاري في هذه الصورة هو استصحاب الحدث والتفصيل في الجواب يرجع إلى أنّ استصحاب الحدث بعد الفراغ غير جار لحكومة قاعدة الفراغ عليه ، وامّا في الأثناء فلا مانع من جريانه ونتيجته بطلان الصلاة بالإضافة إلى الأجزاء المستقبلة فاللاّزم الانصراف والتوضّي لباقي الأجزاء ولعلّ الحكم بالإعادة الظاهر في بطلان الأجزاء الماضية ليس لعدم جريان القاعدة في الأثناء بالإضافة إليها ، بل لأجل كون التوضّي نوعاً مستلزم للانحراف عن القبلة وتحقّق الفعل الكثير وغيرهما ممّا يوجب بطلان الصلاة من رأس ، فالرواية لا دلالة لها بل ولا إشعار فيها على التفصيل في المقام .

السادس : ما إذا تيقّن الطهارة والحدث معاً وشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهما وله

الصفحة 394

فروض كثيرة وقد تعرّضنا له بجميع فروضه في مسألة انحصار الماء بالمشتبهتين المتقدّمة فراجعها ولا حاجة إلى الإعادة هنا .

السابع : ما لو تيقّن ترك غسل عضو أو مسحه والحكم فيه لزوم الإتيان به لأنّ المفروض كونه متيقّن الترك كما انّ اللاّزم هو الإتيان بما بعده ـ لو كان ـ إذا لم يحصل مفسد من رأس من فوت موالاة ونحوه والوجه فيه ما تقدّم في بحث اعتبار الترتيب وإنّ الإخلال به موجب للإعادة وقد مرّ انّ ظاهر عبارة الشرائع التفصيل في صورة المخالفة في كلتي صورتي العمد والنسيان بين ما لو كان قد جفّ الوضوء فتجب إعادته وبين ما لو كان البلل باقياً فتجب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب ، والمحكيّ عن العلاّمة في التحرير انّ هذا التفصيل إنّما هو في خصوص صورة النسيان ، وامّا في صورة العمد فتجب إعادة الوضوء مطلقاً وقد تقدّم مقتضى التحقيق والمستفاد من المتن ما هو المحكي عن العلاّمة .

الثامن : ما لو شكّ في فعل شيء من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه والحكم فيه وجوب الاعتناء بالشكّ ولزوم الإتيان بالمشكوك مراعياً للترتيب والموالاة وغيرهما ممّا يعتبر فيه بلا خلاف ـ كما عن جماعة ـ بل دعوى الإجماع عليه ـ كما عن شرح المفاتيح ـ ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمى الله ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال اُخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك وضوئه لا شيء عليك فيه ، فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك عليه فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك ، فإن لم تصب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشكّ وامض في صلاتك ، وإن

الصفحة 395

تيقّنت انّك لم تتمّ وضوئك فأعد على ما تركت يقيناً حتّى تأتي على الوضوء الحديث .

ولكن يعارضه ظاهراً موثقة عبدالله بن أبي يعفور قال : إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه . بناء على كون المراد من الشيء في قوله(عليه السلام)  : إاذ شككت في شيء ، هو أفعال الوضوء وكون كلمة «من» للتبعيض ورجوع ضمير الغير إلى الشيء المشكوك فإنّ حاصله ـ حينئذ ـ عدم الاعتناء بالشكّ مع الدخول في غير المشكوك فيتحقّق التعارض ـ حينئذ ـ بينها وبين الصحيحة ، هذا ولكن لا مانع من إرجاع الضمير إلى الوضوء بقرينة الصحيحة والإجماع على لزوم الاعتناء بالشكّ في أثناء الوضوء والمراد من الغير الذي دخل فيه ليس هو خصوص الاشتغال بعمل آخر كالصلاة ونحوها ، بل هل هي الصيرورة في حال اُخرى التي هي كناية عن الفراغ من الوضوء كما بيّنته الصحيحة ، وعليه فلا تعارض بينهما ، نعم يقع الكلام ـ حينئذ ـ في المراد من ذيل الموثقة : إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه فإنّه باعتبار ظهور رجوع الضمير في «لم تجزه» إلى الشيء وظهور عدم اختلاف المراد من الشيء في الصدر والذيل يتحقّق التعارض بين الصدر والذيل نظراً إلى دلالة الصدر على كون الملاك هو التجاوز عن مجموع أفعال الوضوء ، بل الدخول في غيرها ، ودلالة الذيل على انحصار لزوم الاعتناء بالشكّ بما إذا لم يتحقّق التجاوز عن نفس الشيء المشكوك ولازمه عدم الاعتناء به مع التجاوز عنه فضلاً عمّا إذا تحقّق الفراغ سيّما إذا دخل في عمل آخر كالصلاة ونحوها .

والذي يدفع الإشكال انّ التأمّل في الذيل يقضي بكون المشكوك مغايراً لما يكون فيه لأنّه لا معنى لتعلّق الشكّ بما هو فيه فالجمع بين الشكّ في الشيء وبين

الصفحة 396

الكون فيه يقضي بثبوت التغاير ولو بأن يكون المشكوك بعضاً من الشيء الذي يكون مركّباً منه ومن الأبعاض الاُخر فلابدّ من أن يكون المراد من الشيء مجموع العمل ومن المشكوك هو بعضه والضمير يرجع إلى الشيء المركّب لا إلى المشكوك ، نعم يبقى ـ حينئذ ـ لزوم افتراق الشيء في الذيل عن الشيء في الصدر والانفكاك بينهما وهذا وإن كان قابلاً للحلّ بأن يكون المراد من الشيء في الصدر أيضاً هو الوضوء ويكون كلمة «من» بيانيّة إلاّ انّ الالتزام بالانفكاك مع قيام القرينة أهون من حمل الصدر على ذلك لكونه خلاف الظاهر جدّاً فتدبّر .

وبما ذكرنا وإن كان يندفع التعارض بين الصحيحة والموثقة في باب الوضوء الذي هو محلّ البحث في المقام إلاّ انّه يبقى على ذيل الموثقة إشكال معارضته مع الأخبار الدالّة على قاعدة التجاوز الجارية في غير الوضوء حيث إنّ مفادها كفاية التجاوز عن محلّ المشكوك وإن لم يتحقّق التجاوز عمّا يكون فيه من العمل كما انّ مقتضى عموم تلك الأخبار أو إطلاقها جريان قاعدة التجاوز في الوضوء فيتحقّق التعارض بينها وبين الروايتين في المقام من هذه الجهة .

وقد دفع الشيخ الأعظم(قدس سره) الإشكال مطلقاً بأنّ الوضوء بتمامه في نظر الشارع فعل واحد باعتبار وحدة مسببه وهي الطهارة فلا يلاحظ كلّ فعل منه بحياله حتّى يكون مورداً لتعارض هذا الخبر مع الأخبار السابقة ولا يلاحظ بعض أجزائه كغسل اليد ـ مثلاً ـ شيئاً مستقلاًّ يشكّ في بعض أجزائه قبل تجاوزه أو بعده ليوجب ذلك الإشكال في الحصر المستفاد من الذيل .

وبالجملة إذا فرض الوضوء فعلاً واحداً لم يلاحظ الشارع أجزائه أفعالاً مستقلّة يجري فيها حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ لم يتوجّه إشكال أصلاً ولا يكون حكم الوضوء مخالفاً للقاعدة كما لا يخفى .

الصفحة 397

ودفع الإشكال بهذا الوجه أولى من دفعه بما في «مستمسك العروة» من حمل الشرطية في صدر المواثقة على مجرّد قاعدة الفراغ بحيث لم يكن لها مفهوم ، بل كان مفادها مجرّد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط من دون تعرّض لانتفائه عند الانتفاء وكون الحصر في الذيل بلحاظ إطلاق مفهومه لا بلحاظ إطلاق منطوقه ، بل يكون منطوقه مهملاً فلا تكون الموثقة ـ حينئذ ـ منافية للصحيحة ولا لما دلّ على جريان قاعدة التجاوز في غير المقام ، وذلك لكونه خلاف ظاهر الموثّقة جدّاً .

ثمّ إنّه بما أفاده الشيخ يندفع إشكال آخر على الموثّقة وهو انّ مقتضى إطلاق مفهوم الذيل فيها عدم الاعتناء بالشكّ في جزء من غسل الوجه بعد الفراغ منه والدخول في غسل اليد ضرورة انّ الوضوء بناء عليه شيء واحد وما دام لم يتحقّق التجاوز منه لابدّ من الاعتناء بالشكّ فلا يلزم الإشكال من هذه الجهة أيضاً .

التاسع : ما إذا كان الشكّ في فعل من أفعال الوضوء أو شرط من شروطه بعد الفراغ منه والحكم فيه جريان قاعدة الفراغ وعدم الاعتناء بالشكّ ويدلّ عليه النصوص الكثيرة كصحيحة زرارة المتقدّمة وموثقة ابن أبي يعفور المتقدّمة أيضاً وخبر محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه . وموثقة بكير بن أعين قال : قلت له : الرجل يشكّ بعدما يتوضّأ؟ قال : هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ . وغيرها من الروايات الدالّة عليه .

وبالجملة : لا إشكال في أصل الحكم في الجملة إنّما الإشكال في أنّ الفراغ الذي يترتّب عليه عدم الاعتناء بالشكّ بماذا يتحقّق فهل يتوقّف تحقّقه على الدخول في شيء آخر مطلقاً من دون فرق بين ما إذا كان الشكّ في غير الفعل الأخير أو كان في الفعل الأخير أو لا يتوقّف تحقّقه عليه مطلقاً أو يفصل بين ما إذا كان الشكّ في الفعل

الصفحة 398

الأخير فيتوقّف على الدخول في الغير وبين ما إذا لم يكن فيه فيكفي مجرّد الفراغ وبملاحظة ذلك يقع الكلام في صورتين :

الاُولى : ما إذا كان الشكّ في غير الفعل الأخير والمحكي عن جماعة تحقّق الفراغ بفعل الجزء الأخير وإن لم يدخل في شيء آخر ، وعن الروضة والمدارك الإجماع عليه ، وعن مجمع البرهان نسبته إلى ظاهر الأصحاب ويشهد له ظاهر خبر محمد بن مسلم الدالّ على كون الحكم بالامضاء معلّقاً على مجرّد المضيّ ومن الظاهر انّ صدق المضي لا يتوقّف على الدخول في أمر آخر وكذا موثقة بكير الدالّة على كون الملاك هو بعديّة الشكّ عن التوضّي ، بل وموثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة بلحاظ ذيلها الذي يدلّ على أنّ الملاك في الشكّ الذي يلزم الاعتناء به هو عدم التجاوز فإذا تحقّق التجاوز عن الشيء لا يعتنى به ومن المعلوم انّ التجاوز مساوق للفراغ عنه .

ولكن يعارض ما ذكر صدر الموثقة وهو قوله(عليه السلام)  : ودخلت في غيره ، الظاهر في اعتبار الدخول في غير الوضوء وكذا صحيحة زرارة المشتملة على قوله(عليه السلام) : فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال اُخرى في الصلاة أو في غيرها . . . باعتبار ظهورها في اعتبار الصيرورة في حال اُخرى كالصلاة وغيرها وظاهرهما عدم كفاية الفراغ بمجرّده ، بل لابدّ من الدخول في الغير .

والظاهر عدم ثبوت التعارض فإنّ ذيل الموثقة المسوق لبيان الضابطة وإعطاء القاعدة ظاهر بل صريح في كون الملاك للاعتناء بالشكّ هو عدم التجاوز ، وعليه فيصير ذلك قرينة على بيان المراد من الصدر خصوصاً مع ملاحظة انّ الفراغ من الوضوء ملازم للدخول في غيره لأنّ حالة عدم الاشتغال به تعدّ مغائرة لحالة الاشتغال به وإن لم يشتغل بفعل وجودي مع انّ التعليل الذي يدور الحكم مداره في

الصفحة 399

موثقة بكير يقتضي عدم اعتبار الدخول في الغير; لأنّ أذكرية حال التوضّي من حال الشكّ عامّة شاملة لكلتا الصورتين .

وامّا صحيحة زرارة فصدرها يدلّ على كون الملاك للاعتناء بالشكّ هو كونه قاعداً على الوضوء وما دام كونه فيه فهو قرينة على كون المراد من القيام هو الفراغ والتمامية و ـ حينئذ ـ كما انّ قوله(عليه السلام)  : وفرغت منه ، لا يكون مفيداً لأمر زائد على القيام من الوضوء ، كذلك قوله(عليه السلام)  : وقد صرت في حال اُخرى لا يكون مدلوله زائداً على مجرّد القيام والفراغ مع انّك عرفت انّ الفراغ من الوضوء ملازم للدخول في غيره ولذا عطف «في غيرها» على «الصلاة» فالظاهر بعد التأمّل في الروايتين عدم إفادتهما لاعتبار أمر زائد على ما هو مفاد الروايات المتقدّمة الاُخر ، فالأقوى كفاية مجرّد الفراغ في هذه الصورة .

الثانية : ما إذا كان الشكّ في الفعل الأخير ، وقد اختار في الجواهر تحقّق الفراغ فيه بأحد أمرين : الأوّل : اشتغاله بفعل آخر وانتقاله إلى حال اُخرى ولو بطول الجلوس ، والثاني : حصول اليقين له بالفراغ آناً مّا ، فإذا لم يحصل كلّ منهما وجب الإتيان بالمشكوك . وعن الشيخ الأعظم(قدس سره) في طهارته إنكار الاكتفاء بالثاني نظراً إلى انّ الوجه فيه إن كان هي حجّية نفس اليقين بعد زواله فلا دليل عليها لاختصاص أخبار «لا تنقض» بالشكّ في البقاء واليقين بالحدوث ولا تشمل قاعدة الشكّ الساري ، وإن كان ظهور حال المتيقّن في مطابقه يقينه للواقع فلا دليل أيضاً على حجّية الظهور المذكور إلاّ في مورد الشكّ بعد الفراغ وإثبات الفراغ بمجرّد اليقين الزائل غير ظاهر الوجه .

أقول : لا خفاء في أنّه لا إشعار في شيء من الروايات الواردة في مورد الشكّ في أفعال الوضوء بالفرق بين ما إذا كان المشكوك هو غير الفعل الأخير أو كان هو

الصفحة 400

الفعل الأخير ، بل الحكم في كلتا الصورتين معلّق على عنوان «الفراغ» و ـ حينئذ ـ لابدّ من ملاحظة انّ الفراغ في الصورة الاُولى ما معناه فهل يكون معناه هو الفراغ الحقيقي الواقعي الملازم للإتيان بجميع الأفعال مع الشرائط المعتبرة ، ومن المعلوم انّ الفراغ بهذا المعنى الذي لابدّ من إحرازه إذ بدونه لا تجري القاعدة لا يجتمع مع الشكّ في الإتيان ببعض الأفعال لعدم إمكان اجتماع الفراغ بهذا المعنى مع الشكّ في بعض الأجزاء الملازم للشكّ في الفراغ ، أو يكون معناه هو رؤية نفسه فارغاً عن الوضوء وتخيّل حصول الفراغ منه بالإتيان بجميع أجزائه وشرائطه واعتقاد وقوعه صحيحاً فإذا كان المراد هذا المعنى فلا فرق بين الصورتين أصلاً ومنه يظهر انّ تحقّق الفراغ في الصورة الاُولى ليس لأجل الإتيان بالجزء الأخير ، بل لأجل كون الإتيان به موجباً للاعتقاد والتخيّل المذكور .

وعلى ما ذكرنا فلا يبقى لإيراد الشيخ (قدس سره) على الجواهر مجال فإنّ الوجه في الاكتفاء بالثاني ليس اخبار لا تنقض ولا ظهور حال صاحب اليقين ، بل هي الروايات الدالّة على أنّ الملاك هو الفراغ بعد وضوح عدم كون المراد به هو الفراغ الحقيقي الموجب لسقوط القاعدة باعتبار عدم إمكان تحقّق موضوعها ، نعم يرد على الجواهر انّ جعل الأمر الأوّل مغايراً للأمر الثاني غير ظاهر الوجه بعد كون الملاك في الأمر الأوّل أيضاً هو الثاني فتدبّر .

فانقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا فرق بين الصورتين في حصول الفراغ وتحقّقه بما ذكر وانّه لا يحتاج إلى الدخول في الغير كما يقتضيه إطلاق المتن أيضاً .

ثمّ الظاهر ـ كما هو صريح المتن ـ انّه لا فرق في جريان قاعدة الفراغ بين ما إذا كان الشكّ في فعل من أفعال الوضوء أو شرط من شروطه لأنّه وإن كان مورد بعض الروايات هو الشكّ في الجزء إلاّ انّ مورد بعضها الآخر ما يشمل الشكّ في

<<التالي الفهرس السابق>>