في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

الصلاة

تأليف  : الفقيه الأصولي آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (دام ظلّه)

تحقيق و نشر  : مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)

الصفحة 5

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصلاة

وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردَّ ما سواها 1 .

1 ـ وهي أحبّ الأعمال إلى الله تعالى ولا شيء بعد المعرفة أفضل منه قال مولانا الصادق (عليه السلام) في الصحيح : ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً . وهي آخر وصايا الأنبياء وأوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم وهي عمود الدين إن قبلت قُبِل ما سواها وإن ردّت ردَّ ما سواها ، والظاهر أنّ المراد من القبول هي الصحّة والتمامية لا القبول الذي هو أخصّ من الصحّة ، ويؤيّده التعبير بالصحّة أو التمامية في بعض الروايات الاُخر ، والذي ينبغي التعرّض له هنا أمران :

الأوّل : في المراد من توصيفها بكونها ناهية عن الفحشاء والمنكر في الآية الشريفة قال الله تعالى : }أقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر{(1)


(1) سورة العنكبوت : 45 .

الصفحة 6

وهذا منتهى الثناء كما قال صاحب الدرة : تنهى عن المنكر والفحشاء أقصر فهذا منتهى الثناء وقد وقع الاختلاف في المراد من الكريمة ومنشأه ما يرى من عدم اجتناب بعض المصلِّين مع تمامية صلاته وصحّتها عن ارتكاب بعض المنكرات والإتيان ببعض الفواحش فكيف تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر ، ولأجله اختلفت الآراء في المراد منها .

فمنهم : من ذكر أنّ الصلاة في الآية بمعنى الدعاء والمراد الدعوة إلى أمر الله والمعنى أقم الدعوة إلى أمر الله فإنّ ذلك يردع الناس عن الفحشاء والمنكر .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا معنى لإقامة الدعوة إلى أمر الله ـ انّ تفسير الصلاة بذلك صرف الكلام عن الظاهر من دون مسوغ .

ومنهم من قال : إنّ الصلاة في الآية في معنى النكرة والمراد انّ بعض أنواع الصلاة أو أفرادها يوجب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وهو كذلك وليس المراد الاستغراق حتّى يرد الإشكال .

وفيه : أنّه لا يلائم سياق الحكم والتعليل في الآية فإنّه كما انّ الصلاة التي أمر بإقامتها لا يراد بها إلاّ الطبيعة التي هي مفاد لفظها كذلك المراد بالصلاة الواقعة في التعليل لا يكاد يكون إلاّ نفس الطبيعة وإلاّ يختلّ السياق ولا يصلح العلّة للعلّية كما لا يخفى .

ومنهم : من ذكر انّ المراد نهيها عن الفحشاء والمنكر ما دامت قائمة والمصلّي في صلاته كأنّه قيل إنّ المصلّي ما دام مصلّياً يكون بعيداً عن الاشتغال بالمعصية والإتيان بالفحشاء والمنكر .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الاشتغال بالصلاة لا ينافي فعل بعض المعاصي كالنظر إلى الأجنبية ـ مثلاً ـ  : انّ الظاهر كون النهي مترتّباً على فعل الصلاة بمعنى أن أثر

الصفحة 7

الصلاة المترتّب عليها بعد وقوعها بأجمعها في الخارج هو النهي عن الفحشاء والمنكر فلا معنى لدعوى تحقّق الانتهاء في الأثناء كما لا يخفى .

ومنهم من قال : إنّ الآية على ظاهرها والصلاة بمنزلة الشخص الذي ينهى في أن النهي لا يستلزم الانتهاء وليس نهي الصلاة بأعظم من نهيه تعالى كما في قوله تعالى : }انّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر{(1) ونهيه تعالى لا يستلزم الانتهاء فكذلك نهي الصلاة .

ويدفعه انّ الظاهر من الآية تحريك المكلّف إلى إقامة الصلاة لأنّها عمل عبادي يورث حصول صفة روحية في المقيم لها بحيث يرتدع عن الفحشاء والمنكر بسبب ردع الصلاة ونهيها وليس المراد الدعوة إلى إتيانها لكونها ناهية في نفسها وإن لم يكن المصلّي منتهياً ومرتدعاً ففي الحقيقة إقامة الصلاة لابدّ وأن يكون لها أثر وفائدة بالنسبة إلى المصلّي وهو لا يكون إلاّ انتهائه فعاد الإشكال .

والحقّ في معنى الآية ما أفاده بعض الأعاظم من المفسِّرين من أنّ الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجّه خاص عبادي إلى الله سبحانه ويتضمّن الاعتراف بالجهالة والافتقار إلى الهداية والإقرار بيوم الدين ووقوع الغضب على طائفة من المتمرّدين وتكون مشروطة بشرائط خاصّة الموجبة للتوجّه والالتفات إلى المحرم وتمييزه عن المحلّل وغير ذلك من الجهات الموجودة فيها ، غاية الأمر انّ هذا الأثر إنّما يكون بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب والعلّية التامّة فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع ولو قيس حال بعض من يسمى بالإسلام وهو تارك للصلاة مع من يأتي بأدنى مراتب الصلاة ممّا يسقط به التكليف ولا يوجد الأوّل إلاّ مضيّعاً


(1) سورة النحل  : 93  .

الصفحة 8

بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحجّ والزكاة والخمس وعامة الواجبات الدينية ولا يفرّق بين طاهر ونجس وحلال وحرام ، والثاني إلا مرتدعاً عن كثير من الاُمور التي يقترفها تارك الصلاة وإذا قيس إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة لا يوجد إلاّ كونه أكثر ارتداعاً منه وعلى هذا القياس .

الأمر الثاني فيما يستفاد من الكتاب والسنّة بالإضافة إلى تارك الصلاة امّا الكتاب فقوله تعالى : }فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إنّ الله عفورٌ رحيم{(1) .

قال الفاضل الجواد الكاظمي في كتابه «مسالك الافهام إلى آيات الأحكام» : «استدلّ بهذه الآية على أنّ تارك الصلاة عمداً يجب قتله لأنّه تعالى أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرطين أحدهما أن يتوبوا من الشرك ، والثاني أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، والحكم المعلّق على مجموع لا يتحقّق إلاّ مع تحقّق المجموع ويكفي في حصول نقيضه أعني إباحة قتلهم فوت واحد من المجموع ويلزم ما ذكرناه ، والآية وإن كانت في المشركين لكن يلزم هاهنا ثبوت الحكم في المسلمين بطريق أولى; لأنّهم قد التزموا شرائع الإسلام ، فلو ترك الصلاة لا يخلى سبيلهم ، بل يجب قتلهم وفي أخبارنا دلالة على ذلك أيضاً ، وروي عن العامّة عن النبي (صلى الله عليه وآله)انّه قال في ترك الصلاة : فقد برئت منه الذمة ، وقال أبو حنيفة : لا يتعرّض لتارك الصلاة فإنّها أمانة منه ومن الله تعالى والأمر منها موكول إليه تعالى ولا يخفى ضعفه ، هذا لكن إطلاق الآية يقتضي عدم الفرق بين كون الترك استحلالاً وعدمه


(1) سورة التوبة  : 5  .

الصفحة 9

والمشهور انّ القتل إنّما يكون مع الاستحلال ومن ثم حمل بعضهم الإقامة والإيتاء على اعتقاد وجوبهما والإقرار بذلك لكنّه بعيد عن الظاهر ولعلّهم فهموا ذلك من دليل خارج عن الآية كالأخبار» .

أقول : الاستدلال بالآية لا يتوقّف على ثبوت المفهوم للقضية الشرطية كما هو الظاهر من القول المذكور; لأنّ مقتضى إطلاق الصدر وجوب قتلهم في جميع الحالات ومع كلّ الخصوصيات وقد خرج منه في الذيل صورة واحدة فالصور الباقية داخلة تحت إطلاق الصدر ، فالآية تدلّ بإطلاقها على وجوب قتل المشركين في غير تلك الصورة ومقتضى الأولوية ثبوت الحكم في المسلم فيجب قتله ولا وجه لوجوبه إلاّ خروجه عن زمرة المسلمين ، هذا ولكن يظهر من الروايات المختلفة الواردة في تارك الفريضة بعد الجمع بينها انّ الحكم بكفره إنّما هو فيما إذا كان تركه ناشئاً عن الاستخفاف فيقيّد بها إطلاق الآية فإنّ منها ما يدلّ على ثبوت الكفر مطلقاً كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث عدد النوافل قال : إنّما هذا كلّه تطوّع وليس بمفروض ، انّ تارك الفريضة كافر وإنّ تارك هذا ليس بكافر . وصحيحة عبيد بن زرارة أو حسنته عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث الكبائر قال : إنّ تارك الصلاة كافر ، يعني من غير علّة . ورواية بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : ما بين المسلم وبين أن يكفر أن يترك الصلاة (إلا ترك الصلاة) الفريضة متعمّداً أو يتهاون بها فلا يصلّيها .

ومنها : ما يدلّ على ثبوت الكفر في صورة الترك مع الاستخفاف وهي رواية مسعدة بن صدقة انّه قال : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام)  : ما بال الزاني لا تسمّيه كافراً وتارك الصلاة تسمّيه كافراً وما الحجّة في ذلك؟ فقال : لأنّ الزاني وما أشبهه إنّما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنّها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلاّ استخفافاً بها ،

الصفحة 10

وذلك لأنّك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلاّ وهو مستلذ لإتيانه إيّاها قاصداً إليها ، وكلّ من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذّة ، فإذا نفيت اللذّة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر . وهذه الرواية وإن كانت ظاهرة في ملازمة مطلق الترك عن قصد مع الاستخفاف إلاّ انّ الظاهر عدم ثبوت هذه الملازمة والقدر المتيقّن ثبوت الكفر في خصوص صورة الاستخفاف ولعلّ الوجه فيه انّ أهمّية الصلاة وعظم مرتبتها من ضروريات الإسلام كأصل وجوبها فالاستخفاف يرجع إلى إنكار الضروري وهو موجب للكفر امّا بنفسه أو لأجل استلزامه للموجب فتدبّر .

الصفحة 11

فصل في مقدّمات الصلاة

وهي ست :

المقدّمة الاُولى في أعداد الفرائض ومواقيت اليومية ونوافلها

مسألة 1 ـ الصلاة واجبة ومندوبة ، فالواجبة خمس : اليومية ومنها الجمعة وكذا قضاء الولد الأكبر عن والده ، وصلاة الآيات ، والطواف الواجب ، والأموات ، وما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو غيرهما ، وفي عدّ الأخيرة في الواجب مسامحة إذ الواجب هو الوفاء بالنذر ونحوه لا عنوان الصلاة 1 .

1 ـ ربّما يمكن أن يناقش في اختصاص الصلاة بالقسمين الواجبة والمندوبة بوجود قسم ثالث وهي الصلاة المكروهة كالصلاة في الحمّام وقسم رابع وهي الصلاة المحرمة كصلاة الحائض لكنّها مدفوعة بوضوح عدم كون الكراهة في العبادات المكروهة بالمعنى المصطلح فيها ، بل بمعنى أقلّية الثواب وبأنّ الظاهر عدم كون الحرمة في مثل صلاة الحائض ذاتية بل تشريعية مرجعها إلى كون المتعلّق هو التشريع الذي يتحقّق في مثلها بقصد التقرّب بما ليس بمقرّب فلا يكون لها إلاّ قسمان مذكوران في المتن .

وامّا اعداد الصلاة الواجبة فقد ذكر المحقّق في الشرائع انّها تسع بجعل الجمعة نوعاً مستقلاًّ وإضافة صلاة العيدين وجعل الكسوف والزلزلة نوعين آخرين في مقابل صلاة الآيات .

ولكن الظاهر عدم كون الجمعة نوعاً مستقلاًّ ، بل هي من الفرائض اليومية ،

الصفحة 12

غاية الأمر كونها مشروطة بشرائط خاصّة وبقائها على الركعتين اللّتين هما فرض الله في كلّ صلاة كما تدلّ عليه الروايات المستفيضة ، كما انّ قضاء الولي إنّما هو كقضاء الميّت بنفسه من شؤون اليومية .

وامّا صلاة العيدين فيجوز عدّها في الواجبة بلحاظ زمان الحضور وفي المندوبة بالنظر إلى زمان الغيبة . وامّا صلاة الآيات فلا تكون إلاّ نوعاً واحداً ، غاية الأمر انّ سبب وجوبها قد يكون هو الكسوف الشامل للخسوف وقد يكون هي الزلزلة وقد يكون آيات اُخرى كالريح السوداء ونحوها .

نعم لا مانع من إسقاط صلاة الأموات نظراً إلى عدم كونها صلاة حقيقة لعدم اشتراطها بشرائط الصلاة وعدم اشتمالها على أركانها .

وامّا ما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو نحوهما فعدّها في الواجب فيه مسامحة واضحة أشار إلى وجهها في المتن وهو انّ تعلّق النذر لا يوجب خروج المتعلّق عن الحكم المتعلّق به أولاً وجوباً كان أو استحباباً ولا اجتماع الحكمين فيه ، امّا الثاني فواضح ، وامّا الأوّل فلأنّ انعقاد النذر إنّما هو لأجل تعلّق الحكم الوجوبي أو الاستحبابي به الكاشف عن رجحانه فكيف يسقط مع تعلّق النذر ولا طريق لنا إلى إثبات الرجحان غير تعلّق ذلك الحكم به مع أنّه ربّما يكون الحكم الوجوبي المتعلّق به أهمّ من وجوب الوفاء بالنذر فكيف يوجب سقوطه مع انّه لا دليل عليه في مقام الإثبات فإن الحكم الجائي من قبل النذر أو الإجارة متعلّقه الوفاء بهما ولا معنى لسراية الحكم من متعلّقه الذي هو العنوان والمفهوم إلى شيء آخر خارج عنه فاصلاة المنذورة أو المستأجر عليها لا تصير واجبة أصلاً فلا يكون نوعاً خاصّاً .

الصفحة 13

والمندوبة أكثر من أن تهحصى ، منها الرواتب اليومية ، وهي ثمان ركعات للظهر قبله ، وثمان للعصر قبله ، وأربع للمغرب بعده وركعتان من جلوس للعشاء بعده تعدّان بركعة ، تسمّى بالوتيرة ، ويمتدّ وقتها بامتداد وقت صاحبها ، وركعتان للفجر قبل الفريضة ، ووقتها الفجر الأوّل ، ويمتدّ إلى أن يبقى من طلوع الحمرة مقدار اداء الفريضة ، ويجوز دسها في صلاة الليل قبل الفجر ولو عند نصف الليل ، بل لا يبعد أن يكون وقتها بعد مقدار إتيان صلاة الليل من انتصافها ولكنّ الأوط عدم الاختيان بها قبل الفجر الأوّل إلاّ بالدسّ في صلاة الليل ، وإحدى عشرة ركعة نافلة الليل ، صلاة الليل ثمان ركعات ثمّ ركعتا الشفع ثمّ ركعة الوتر ، وهي مع الشفع أفضل صلاة الليل ، وركعتا الفجر أفضل منهما ، ويجوز الاقتصار على الشفع والوتر ، بل على الوتر خاصة عند ضيق الوقت وفي غيره يأتي به رجاء ، ووقت صلاة الليل نصفها إلى الفجر الصادق والسحر أفضل من غيره والثلث الأخير من الليل كلّه سحر ، وأفضله التقريب من الفجر ، وأفضل منه التفريق كما كان يصنعه النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فعدد النوافل بعد عدّ الوتيرة ركعة أربع وثلاثون ركعة ضعف عدد الفرائض ، وتسقط في السفر الموجب للقصر ثمانية الظهر وثمانية العصر وتثبت البواقي والأحوط الإتيان بالوتيرة رجاء 1 .

1 ـ في الرواتب اليومية مسائل :

الاُولى : في تعدادها وقد وقع فيه الاختلاف بين المسلمين بعد اتفاقهم جميعاً  ـ العامّة والخاصّة ـ على أنّ عدد ركعات الفرائض اليومية سبع عشرة ركعة بلا زيادة ولا نقصان ، بل هو من ضروريات الإسلام بحيث يعتقد به كلّ من انتحل إليه وعلى أنّ نافلة الصبح ركعتان قبل الفريضة وعلى أنّ نافلة الليل التي يعبّر عنها

الصفحة 14

بصلاة الليل إحدى عشرة ركعة وإن وقع الاختلاف بيننا وبينهم في الوصل بين ركعتي الشفع وركعة الوتر وعدمه حيث ذهب الجمهور إلى الأوّل والإمامية إلى الثاني .

والمشهور بين الإمامية في سائر النوافل اليومية انّ مجموع النوافل اليومية والنهارية لا يزيد على أربع وثلاثين ركعة ومع انضمام الفرائض تبلغ إحدى وخمسين والروايات الواردة في هذا الباب مختلفة وكثير منها يدلّ على مرام المشهور :

منها : رواية فضيل بن يسار قال  : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول في حديث : انّ الله عزّوجلّ فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلاّ في سفر ، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله له ذلك كلّه فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ثمّ سنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عزّوجلّ له ذلك ، والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر ، إلى أن قال : ولم يرخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحد تقصير الركعتين اللّتين ضمّهما إلى ما فرض الله عزّوجلّ ، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً ، ولم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلاّ للمسافر ، وليس لأحد أن يرخص ما لم يرخصه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوافق أمر رسول الله أمر الله ، ونهيه نهي الله ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله .

ومنها : رواية فضيل بن يسار أيضاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّان بركعة وهو قائم ، الفريضة منها سبع عشرة والنافلة أربع وثلاثون ركعة . والظاهر انّها هي الرواية

الصفحة 15

الاُولى وعدم كونها رواية اُخرى وإن جعلها في الوسائل روايتين .

ومنها : رواية فضيل بن يسار والفضل بن عبد الملك وبكير قالوا : سمعنا أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة ، ويصوم من التطوّع مثلي الفريضة .

ومنها : رواية إسماعيل بن سعد الأحوص قال : قلت للرضا (عليه السلام)  : كم الصلاة من ركعة؟ قال : إحدى وخمسون ركعة .

ومنها غير ذلك ممّا يدلّ على مرام المشهور .

وامّا ما يدلّ على الخمسين; فمنها : رواية معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : كان في وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) أن قال : يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّي ثم قال : اللّهمّ أعنه إلى أن قال : والسادسة الأخذ بسنّتي في صلاتي وصومي وصدقتي ، أمّا الصلاة فالخمسون ركعة الحديث .

ومنها : رواية محمد بن أبي عمير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنّة من الصلاة ، قال : تمام الخمسين .

ومنها : رواية حنان قال : سأل عمرو بن حريث أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا جالس فقال له : جعلت فداك اخبرني عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال : كان النبي (صلى الله عليه وآله) يصلّي ثمان ركعات الزوال وأربعاً الاُولى وثمانياً (ثماني) بعدها ، وأربعاً العصر وثلاثاً المغرب وأربعاً بعد المغرب ، والعشاء الآخرة أربعاً ، وثمان (ثماني) صلاة الليل ، وثلاثاً الوتر ، وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين ، قلت : جعلت فداك وإن كنت أقوى على أكثر من هذا يعذّبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال : لا ، ولكن يعذّب على ترك السنّة . فإنّ مجموعها باعتبار عدم التعرّض لنافلة العشاء لا يتجاوز عن خمسين ، والظاهر انّ المراد بالعذاب على ترك السنّة هو العذاب على الأقلّ من المجموع بمعنى شدّة

الصفحة 16

استحبابه ويحتمل أن يكون المراد انّ الكثرة موجبة لترك السنّة التي هي العدد المخصوص من دون زيادة ونقصان .

والجمع بين هذه الطائفة والطائفة الاُولى انّه لا منافاة بينهما أصلاً; فإنّ الرواية الأخيرة من هذه الطائفة شاهدة على أنّ عدّ الخمسين إنّما هو لإخراج نافلة العشاء ولا مانع منه فإنّه بدل عن الوتر ومكانه كما تدلّ عليه رواية الفضيل المتقدّمة ولأجله يطلق عليه عنوان الوتيرة ، فالاختلاف بينهما إنّما هو في عدّ نافلة العشاء وعدمه ولا مانع من شيء من الأمرين ، ويدلّ على البدلية دلالة واضحة رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر ، قال : قلت : تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال : نعم إنّهما بركعة فمن صلاّهما (ها) ثم حدث به حدث مات على وتر فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل ، فقلت : هل صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتين الركعتين؟ قال : لا ، قلت : ولِمَ؟ قال : لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأتيه الوحي وكان يعلم انّه هل يموت في تلك (هذه) الليلة أم لا وغيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلّهما وأمر بهما .

وامّا ما يدلّ على أنّها ست وأربعون فهي رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن التطوّع بالليل والنهار فقال : الذي يستحبّ أن لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس ، وبعد الظهر ركعتان وقبل العصر ركعتان ، وبعد المغرب ركعتان وقبل العتمة ركعتان ، ومن (في) السحر ثمان ركعات ثمّ يوتر ، والوتر ثلاث ركعات مفصولة ، ثمّ ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل .

وامّا ما يدلّ على أنّها أربع وأربعون فهي صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّي رجل تاجر اختلف واتجر فكيف لي بالزوال والمحافظة على صلاة

الصفحة 17

الزوال وكم نصلّي؟ قال : تصلّي ثمان ركعات إذا زالت الشمس وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة ، وتصلّي بعد المغرب ركعتين ، وبعدما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر وذلك سبع وعشرون ركعة سوى الفريضة وإنّما هذا كلّه تطوّع وليس بمفروض ، إنّ تارك الفريضة كافر ، وإنّ تارك هذا ليس بكافر ولكنّها معصية; لأنّه يستحبّ إذا عمل الرجل عملاً من الخير أن يدوم عليه .

وهنا رواية بها يرتفع الاختلاف لأجل تعيينها لما هو الحقّ لوقوعها جواباً عن السؤال عن وجود الاختلاف وهي رواية البزنطي قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع بعضهم يصلّي أربعاً وأربعين وبعضهم يصلّي خمسين ، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو؟ حتّى أعمل بمثله ، فقال : اُصلّي واحدة وخمسين ركعة ، ثمّ قال : امسك وعقد بيده الزوال ثمانية وأربعاً بعد الظهر وأربعاً قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة وركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثاً وركعتي الفجر والفرائض سبع عشرة فذلك إحدى وخمسون .

ومراد السائل من قوله : بعضهم يصلّي خمسين يمكن أن يكون هو الواحدة والخمسين على ما عرفت ، وعليه فالجواب ناظر إلى تعيين قول هذا البعض كما انّه على التقدير الآخر يكون الجواب نافياً لكلا القولين . وعلى أيّ فالرواية بلحاظ السؤال فيها وكون المسؤول هو أبا الحسن الرضا (عليه السلام) المتأخّر زماناً عن الأئمّة التي رويت عنهم الروايات المتقدّمة ترفع الاختلاف وتعيّن الحقّ فلا يبقى إشكال  ـ حينئذـ  .

ويمكن الجمع بين الأخبار المختلفة في نافلتي العصر والمغرب بالحمل على مراتب

الصفحة 18

الاستحباب وإن الإتيان بأربع ركعات في نافلة العصر يشترك مع الإتيان فيها بثمان ركعات في أصل فضيلة نافلة العصر ولكنّه واقع في المرتبة الدانية وهي في المرتبة العالية وكذا في نافلة المغرب ولا ينافيه التعبير عنه بالاختلاف في رواية البزنطي المتقدّمة فإنّ المراد ـ حينئذ ـ هو الاختلاف في مقام العمل دون الفتوى وإن كان ظاهرها هو العمل المستمرّ الناشئ عن الفتوى بذلك دون العمل أحياناً .

ويؤيّد هذا الجمع التعبير عن تمام الخمسين بأفضل ما جرت السنّة به من الصلاة في رواية محمد بن أبي عمير المتقدّمة وعن الستّ والأربعين بأنّه يستحبّ أن لا يقصر منه في رواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً وإن كان المناسب ـ حينئذ ـ وقوع هذا التعبير في رواية الأربع والأربعين .

ثمّ إنّه على تقدير عدم إمكان الجمع بالنحو المذكور وعدم كون رواية البزنطي رافعة للاختلاف ووصول النوبة إلى قواعد باب التعارض فالترجيح مع الطائفة الاُولى لموافقتها للشهرة من حيث الفتوى ، بل المجمع عليه بين الأصحاب وقد تقرّر في محلّه انّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائية .

ثمّ إنّه ورد في بعض الروايات ما يدلّ بظاهره على أنّ نافلة الظهر أربع ركعات وهو ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) انّه كان يقول : إذا زالت الشمس عن كبد السماء فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين وذلك نصف النهار . ولكنّها ـ مضافاً إلى عدم صحّة سندها; لأنّ حسين بن علوان من الزيدية محمولة على التقية من جهة موافقتها لمذهب الحنفية إلاّ أن يقال بأنّ الجمع بين الروايات بالحمل على مراتب الاستحباب يشمل نافلة الظهر أيضاً بعد الإغماض عن سند الرواية أو الرجوع إلى قاعدة التسامح في أدلّة السنن فتدبّر .

الصفحة 19

وينبغي التنبيه في هذه المسألة على أمرين :

أحدهما : انّ اختلاف تعبير النصوص في نافلة العصر بكونها ثمانياً قبل العصر أو ستّاً بعد الظهر وركعتين قبل العصر أو أربعاً قبل العصر وأربعاً قبل العصر وأربعاً بعد الظهر وهكذا في نافلة المغرب بكونها أربعاً بعد المغرب أو ركعتين بعدها وركعتين قبل العشاء الآخرة لا يكون إلاّ من الاختلاف في التعبير المقصود من الكلّ واحد وإن استفاد المحقّق الهمداني (قدس سره) من هذه الجهة مطلباً في الأمر الثاني الذي ننبّه عليه الآن .

ثانيهما : انّه لا ريب في أنّ نافلة كلّ فريضة عبادة مستقلّة لا ارتباط لها بنافلة فريضة أخرى فيجوز الإتيان بها وإن ترك غيرها من النوافل وهذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّ النوافل التي تكون أزيد من صلاة واحدة مثل نافلة المغرب المركّبة من صلاتين ونافلة الظهر أو العصر المركّبة من أربع صلوات كلّ واحدة منها ركعتان بناء على لزوم الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين كما هو المشهور وادعى عليه الإجماع كما انّها تكون متعدّدة بما انّها مصداق لعنوان الصلاة بلا ريب هل تكون أيضاً متعدّدة بعنوان أنفسها أم لا؟

وبعبارة اُخرى هل تكون للظهر ـ مثلاً ـ نافلة واحدة مركّبة من أربع صلوات أو نوافل متعدّدة حسب تعدّد الصلوات فعلى الأوّل تصير مثل صلاة جعفر (عليه السلام) التي لا يترتّب عليها شيء من الآثار المترتّبة عليها المترقبة منها من غفران الذنوب وسعة الرزق وغيرهما من الآثار إلاّ بعد الإتيان بأربع ركعات المركبة من صلاتين مفصولتين وعلى الثاني كالنوافل المطلقة؟ ظاهر الروايات الواردة في الباب هو كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابي واحد وإن كانت بما هي صلاة متعدّدة فإنّ مثل قوله (عليه السلام) ثمان ركعات للظهر ليس له ظهور إلاّ في كون الثمان كالأربع التي

الصفحة 20

هي فريضة الظهر متعلّقة لأمر واحد ، غاية الأمر اختلاف الأمرين في الوجوب والاستحباب واختلاف العبادتين في كونها صلاة واحدة أو متعدّدة ، وامّا من جهة عدم تعدّد الأمر والعنوان الواحد المأمور به فلا اختلاف بينهما .

ويظهر من الجواهر خلاف ذلك ونسبه إلى العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) واستدلّ عليه بالأصل وتحقّق الفصل وهو يقتضي التعدّد وعدم وجوب إكمالها بالشروع فيها وكونها مشروعة لتكميل الفرائض فيكون لكلّ بعض منها قسط منه .

ويرد على التمسّك بالأصل ـ مضافاً إلى أنّه لا مجال له مع وجود الدليل الاجتهادي مطلقاً ـ موافقاً كان أم مخالفاً ـ وقد عرفت ظهور الروايات في كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابي واحد ـ انّ محلّ البحث في المقام هو ارتباط الأجزاء والصلوات المتعدّدة بعضها مع بعض والأصل الذي يتصوّر هو استصحاب عدم الارتباط بلحاظ انّه قبل تشريع النافلة لم يكن ارتباط بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فيستصحب العدم وينتج عدم الارتباط بعد تشريعها أيضاً وقد قرّرنا في محلّه انّه لا أصل لمثل هذه الاُصول التي كانت الحالة السابقة المتيقّنة منتفية بانتفاء الموضوع والحالة المشكوكة هي المنتفية بانتفاء المحمول ، بل الأصل الذي يمكن التمسّك به في المقام هي أصالة عدم استحباب الأقلّ من المجموع بعد وضوح كون المجموع مستحبّاً قطعاً بجميع أجزائه وأبعاضه ومنه يعلم الفرق بين المقام وبين مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيين المعروفة فإنّه في تلك المسألة يكون تعلّق الأمر بالأكثر كتعلّقه بالأقلّ مشكوكاً فهذا الدليل غير تامّ .

وامّا تحقّق الفصل وجواز الإتيان بالمنافي بين كلّ ركعتين فهو يقتضي التعدّد بما انّها صلاة ولا بحث فيها ولكنّه لا يقتضي التعدّد بما انّها نافلة الظهر ـ مثلاً ـ وذلك كصلاة جعفر (عليه السلام) فإنّها مع تحقّق الفصل بين كلّ ركعتين لا تكون إلاّ عملاً واحداً

<<التالي الفهرس السابق>>