في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)


حكم الـعقل. و لامجال للأخذ با لـمقدار الـمتيقّن و نفي الـزائد بالأصل، مع أنّه يمكن أن يقال بلزوم إحراز كون الـطلب با لـمقدار الـمذكور في الـروايـة، لعدم إجما لـه مفهوماً، بل الـشكّ في تحقّقه في الـخارج، و الـلازم في مثله الاحتياط، فتدبّر.
ا لـخامس: حكم عدم كفايـة الـماء للطهارة
أنّه لافرق في سقوط الـتكليف با لـطهارة الـمائيـة و وجوب الـتيمّم، بين عدم الـماء أصلاً، و بين وجود ما لايكفيه لطهارته وضوءً و غسلاً، فعدم الـماء بمقدار الـكفايـة كعدمه الـمطلق; لأنّ الـطهارة الـحدثيـة لاتقبل الـتبعّض، و لاتتلفّق من الـماء و الـتراب، و الـمتبادر من قوله تعا لـى: (وَ لَمْ تَجِدُوا ماءً) ليس هو عدم وجدان الـماء مطلقاً، نظراً إلى أنّ الـنكرة في سياق الـنفي تقتضي الـعموم، بل هو عدم وجدان الـماء بقدر أن يتوضّأ با لـكيفيّه الـمذكورة في صدر الآيـة، أو أن يغتسل، و قد استظهر عدم الـخلاف في ذلك.
لكنّه حكي عن بعض الـعامّـة الـقول بأنّ الـجنب إذا وجد ماءً لايكفيه لطهارته استعمل الـماء و تيمّم. و في محكيّ «ا لـمنتهى» عن بعض الـشافعيـة الـقول بذلك في الـحدث الأصغر أيضاً; لأنّه واجد للماء ما لم يستعمله، فلا يسوغ له الـتيمّم.
و قد حكي عن الـعلاّمـة في «ا لـنهايـة» أنّه احتمل في الـجنب الـذي يكون واجداً للماء بقدر ما لايكفي لغسله وجوب صرف الـماء إلى بعض أعضائه، لجواز وجود ما يكمل به الـطهارة، و الـموالاة ساقطـة في الـغسل دون الـوضوء.
و من الـمعلوم أنّه لايكون خلافاً فيما نحن فيه من عدم تبعّض الـطهارة و عدم الـتلفيق، مع أنّه ليس بتمام في نفسه; لأنّ احتمال الـقدرة على تكميل الـغسل لايتوقّف


(الصفحة222)


رعايته على استعمال الماء، بل يمكن حفظه لرجاء وجدان مقدار آخر تكمل به الطهارة.
وكيف كان: فيردّ مثل ذلك ـ مضافاً إلى ظاهر الآيـة با لـمعنى الـمتبادر منه ـ روايات واردة في الـجنب الـواجد للماء بقدر الـوضوء، دالّـة على وجوب التيمّم عليه، كصحيحـة الـحلبي أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الـماء للوضوء للصلاة، أيتوضّأ با لـماء، أو يتيمّم؟
قال: «لا، بل يتيمّم، ألاترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الـوضوء».(1)
و مثلها روايـة الـحسين بن أبي ا لـعلاء، إلاّ أنّ في آخرها بدل «نصف الـوضوء»، «نصف الـطهور»(2) و لعلّ الـتعليل بقوله: «ألا ترى ...» إرشاد إلى ما هو الـمتبادر من الآيـة الـشريفـة بلحاظ دلالتها على أنّ من لم يجد ماء بقدر أن يغتسل، ينتقل فرضه إلى الـتيمّم الـذي هو نصف الـوضوء، بلحاظ عدم وجوب مسح جميع الـوجه و الأيدي، و الـخلو من مسح الـرأس و الأرجل.
و صحيحـة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضّأ به.
قال: «يتيمّم و لايتوضّأ».(3)
و مفاد هذه الـروايات و إن كان هو نفي وجوب الـوضوء في الـفرض الـمذكور فيها، دفعاً لتوهّم انتقال الـفرض من الـغسل إلى الـوضوء، إلاّ أنّ الاقتصار على وجوب الـتيمّم و الـسكوت في مقام الـبيان، و عدم إيجاب صرف الـماء في بعض مواضع


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 3.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 4.


(الصفحة223)


ا لـغسل، دليل عرفي على عدم وجوبه، و لامجال معها للتمسّك بمثل قاعدة الـميسور بعد تسليم جريانها في مثل الـمقام.
و ممّا ذكرنا يظهر: عدم اختصاص الـحكم الـمذكور با لـمقام، بل يجري في جميع الـمواضع الـتي لايتمكّن إلاّ من الإتيان ببعض الـوضوء أو الـغسل، من غير فرق بين كونه مسبّباً عن نقصان الـماء، أو وجود ما يمنع من غسل بعض الأعضاء من مرض، أو نجاسـة تتعذّر إزا لـتها، أو جرح مكشوف، و نحوها ممّا لايلحقه حكم الـجبيرة، و قد تقدّم بعض الـكلام في ذلك في مبحث الـجبيرة في باب الـوضوء، فراجع.
ا لـسادس: حكم إمكان مزج الـماء بغيره
لو تمكّن من مزج الـماء الـذي لايكفيه لطهارته بما لايسلبه إطلاق الاسم و تحصل به الـكفايـة، فهل يجب عليه ذلك كما عن جماعـة من الـمتأخّرين منهم الـعلاّمـة، أو لا كما عن الـشيخ و أتباعه؟ وجهان: مقتضى ما تقدّم من أنّ الـتكليف با لـصلاة مع الـمائيـة مطلق غير مقيّد، و الـلازم بحكم الـعقل تحصيلها بأيّ نحو كان، و أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في حال الاضطرار، لزوم مثل هذا الـعلاج لتحصيل الـمطلوب الـمطلق، و ليس الـمراد من عدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم هو ما يقتضي الـجمود عليه; و لذا يجب الـوضوء و الـغسل مع وجود الـثلج، أو ماء جامد تمكّن إذابتهما و نحوها، ففي روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام)عن الـرجل يجنب في الـسفر، لايجد إلاّ الـثلج.
قال: «يغتسل با لـثلج أو ماء الـنهر».(1)


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 1.


(الصفحة224)


قال في «ا لـوسائل» بعد نقل الـروايـة: «ا لـمراد أنّه يذيب الـثلج با لـنار و يغتسل بمائه إن أمكن، أو يدلك جسده با لـثلج إن كان كثير الـرطوبـة، بحيث يحصل مسمّى الـغسل، و بيان ذلك أنّ الـسائل فرض أنّه لايجد إلاّ الـثلج، فذكر ماء الـنهر في الـجواب يدلّ على أنّ مراده أنّه لافرق بين أن يغتسل با لـماء الـمذاب من الـثلج، و أن يغتسل بماء الـنهر».
وفي رواية معاوية بن شريح قال: سأل رجل أباعبداللّه (عليه السلام) وأنا عنده فقال: يصيبنا الدمق وا لثلج ونريد أن نتوضّأ، ولانجد إلاّ ماء جامداً، فكيف أتوضّأ؟ ءأدلك به جلدي؟
قال: «نعم».(1)
و يؤيّدهما روايـة الـحسين بن أبي طلحـة قال: سأ لـت عبداً صا لـحاً (عليه السلام) عن قول اللّه عزّوجلّ: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ما حدّ ذلك؟
قال: «قال: فإن لم تجدوا بشراء و بغير شراء ...».(2)
و أمّا ما أفاده في «ا لـمصباح» من عدم اعتناء الـعرف و الـعقلاء بهذا الـنحو من الـقدرة الـحاصلـة با لـمعا لـجات غير الـمتعارفـة، فإنّهم لايرتابون في أنّ تكليف من لم يجد الـماء بقدر الـكفايـة با لـطهارة الـمائيـة تكليف بما لايطاق، نظير ما لـو أمر من لم يجد منّاً من الـحنطـة مثلاً با لـتصدّق به، فإنّه قبيح ولو وجد أقلّ من الـمنّ بمقدار لو مزجه بشيء من الـتراب و نحوه لصار منّاً، و إطلاق اسم الـحنطـة على الـحنطـة الـممتزجـة بشيء من الـتراب بعد استهلاكه، إنّما هو لعدم اعتنائهم با لـمستهلك، و عدم ملحوظيـة الـخليط في حدّ ذاته محكوماً بحكم. و هذا يناقض حكمهم بوجوب إيجاده


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 2.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 26، الـحديث 2.


(الصفحة225)


مقدّمـة لامتثال الأمر بتلك الـطبيعـة الـمغايرة له، فإنّه موقوف على تصوّره، و ملاحظـة كونه جسماً خارجياً موثّراً في زيادة الـمقدار، و بهذه الـملاحظـة يمتنع وقوعه امتثالاً للأمر الـمتعلّق بتلك الـطبيعـة الـصرفـة، فإنّ استقلاله با لـملاحظـة مانع من عدّه جزء للماهيـة الـمغايرة له، محكوماً بحكمها.
فقد أورد عليه الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»: بأنّ الـقياس مع الـفارق، فإنّ الـمدّعى إمّا أنّ الـعرف لايستفيد من الآيـة الـمطلوبيـة الـمطلقـة للمائيـة، و هو كما ترى، بل لايلتزم به الـقائل، أو أنّ عدم الـوجدان صادق، و لايجب على الـمكلّف إيجاد الـماء و انسلاك نفسه في الـواجد، و هو أيضاً غير وجيه، و لا أظنّ الـتزامه به، و تردّه الـروايات الـمتقدّمـة، أو أنّ الـعقلاء يرون نفوسهم عاجزة، و لايكون الـعلاج الـمذكور تحصيلاً للقدرة، أو لايكون تحصيلها كذلك واجباً، و أنّ الـتكليف بمثله قبيح، فهو أيضاً بجميع تقاديره ممنوع; لعدم الـعجز بحسب الـواقع مع إمكان الـمزج; و عدم وجوبه إمّا ناش من عدم التكليف المطلق، أو من حصول شرط التيمّم، وهما ممنوعان، و أمّا غفلتهم عن إمكان تحصيل الـماء بمثل ذلك فليست إلاّ كغفلتهم عن وجود الـماء.
و ممّا ذكرنا ظهر: أنّه لوكان عنده الـمادّتان الـمركّبـة منهما الـماء، و أمكن له مزجهما بحيث يتحقّق الـماء، يجب عليه ذلك; لكونه قادراً على تحصيل الـطهارة الـمائيـة، كما لايخفى.
ا لـسابع: في أنّ موضوع مشروعيـة الـتيمّم عدم الـوجدان ولو كان محرزاً با لـعلم
لاينبغي الارتياب في أنّ الـمتفاهم عرفاً من الآيـة الـشريفـة أنّ الـمراد بعدم الوجدان المعلّق عليه فيها شرعيـة التيمّم، وانتقال فرض الـوضوء أو الـغسل إليه، هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الطهارة المائيـة المدلول عليها قبل بيان التيمّم.


(الصفحة226)


و عليه فعدم الـوجدان يجتمع مع عدم الـوجود واقعاً ولو كان محرزاً با لـعلم، و مع الـوجود مع عدم الـعثور بعد الـفحص و الـطلب، فا لـمعلّق عليه شرعيته ليس عنوان عدم الـماء واقعاً حتّى يكون لازمه بطلان الـتيمّم مع وجوده و عدم الـعثور عليه، و لاعنوان عدم الـوجدان الـملازم مع الـطلب حتّى يكون لازمه لزوم الـضرب في الأرض ولو مع الـعلم بعدم الـماء في شيء من الـجهات ليصير الـفقدان وجدانياً، ضرورة أنّ كلّ واحد من الاحتما لـين خلاف ما هو الـمتفاهم عند الـعرف، بل الـمتفاهم ما ذكرنا من كون الـمراد هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الـطهارة الـمائيـة ولو كان محرزاً با لـعلم، و لاينافي ذلك ما استفدناه سابقاً من الآيـة من أنّ الـتعليق على عدم الـوجدان ظاهر في لزوم الـطلب، فإنّ وجوبه لاينافي عدم موضوعيته; لأنّ الـملاك هو الـوصول إلى الـماء و تحصيل الـطهارة الـمائيـة، و عند الاضطرار ينتقل الـفرض إلى الـتيمّم، فظرف الـتيمّم هو ظرف الاضطرار، غايـة الأمر دلالـة روايـة الـسكوني على إفادة حكم تسهيلي، يرجع إلى تحديد مقدار الـطلب و عدم لزومه إلى حدّ الـيأس، بالإضافـة إلى الـمسافر الـذي هو موردها.


(الصفحة227)

مسأ لـة 2: الـظاهر عدم وجوب الـمباشرة، بل تكفي استنابـة شخص أو أشخاص يحصل من قولهم الاطمئنان، كما أنّ الـظاهر كفايـة شخص واحد عن جماعـة مع حصول الاطمئنان من قوله، و أمّا كفايـة مطلق الأمين و الـثقـة محلّ إشكال1 .



(1) و قد حكي عدم وجوب الـمباشرة عن جماعـة من الأصحاب، كا لـشهيدين و ابن فهد و الـمحقّق الـثاني و غيرهم، لكن قال الـعلاّمـة في محكيّ «ا لـمنتهى»: «لو أمر غيره فطلب الـماء فلم يجده، لم يكتف به; لأنّ الـخطاب با لـطلب للمتيمّم، فلايجوز أن يتولاّه غيره، كما لايجوز له أن ييمّمه»، و من الـمعلوم ابتنائه على أمرين:
أحدهما: كون وجوب الـطلب نفسياً أو غيرياً.
و ثانيهما: عدم كونه من موارد الـنيابـة، لعدم الـدليل عليه بعد اقتضاء الأصل الأوّلي الـمباشرة.
و قد عرفت بطلان الأمر الأوّل، و أنّ وجوب الـطلب لايكون إلاّ حكماً عقلياً، ناشياً من لزوم إحراز الـعذر عن ترك الـمطلوب الـمطلق.
و قد عرفت أيضاً: أنّه ليس الـمراد بعدم الـوجدان ما يقتضيه الـجمود عليه من مدخليـة الـطلب و الـفحص، بل يجتمع ذلك مع عدم الـماء ولو كان محرزاً با لـعلم، أو ما يقوم مقامه من الاطمينان الذي هو علم عرفي، أو البيّنة الـمعتبرة في الموضوعات.
و عليه فالاكتفاء بحصول الاطمئنان من قول شخص أو أشخاص لايتوقّف على الاستنابـة، و كون طلبه أو طلبهم بعنوان الـنيابـة الـراجعـة إلى جعل الـنائب نفسه في الـنيّـة كأنّه هو الـمنوب عنه، بل يكفي طلبهم ولو لأجل أنفسهم; لأنّ الـملاك ليس حصول الـطلب من الـمكلّف ولو بالاستنابـة، بل هو عنوان عدم الـوجدان با لـمعنى
ا لـمذكور، و هو لايتوقّف عليها.


(الصفحة228)

مسأ لـة 3: لو كانت الأرض في بعض الـجوانب حزنـة، و في بعضها سهلـة، يكون لكلّ جانب حكمه من الـغلوة و الـغلوتين1 .



و ممّا ذكرنا ظهر: أنّ الـبيّنـة أيضاً كافيـة، سواء شهدتا بعدم الـماء في الـجهات، أو بعدم الـعثور عليه فيها، كما أنّ الاكتفاء بمطلق الأمين و الـثقـة محلّ إشكال، بل منع، لما قرّرناه من عدم حجّيـة ما هو من سنخ الـبيّنـة إذا كان فاقداً لبعض جهاتها من الـعدد و الـعدا لـة.
(1) بلاخلاف، و يدلّ عليه إطلاق روايـة الـسكوني الـمتقدّمـة، بعد إفادتها لزوم الـطلب في الـجوانب الأربعـة على ما مرّ سابقاً، نعم لو كان الـجانب الـواحد بعضه حزناً و بعضه سهلاً، فقد قال في «جامع الـمقاصد»: «توزع الـحكم بحسبها»، و الـظاهر أنّه يبتني على فهم الـمناط من الـروايـة، و هو و إن كان غير بعيد إلاّ أنّ الاحتياط بمعاملته معاملـة الـسهلـة، خصوصاً بعد كون الـحكم أوّلاً بمقتضى نظر الـعقل وجوب الـطلب إلى حدّ الـيأس، لايترك في ذلك.


(الصفحة229)

مسأ لـة 4: الـمناط في الـسهم و الـقوس و الـهواء و الـرامي هو الـمتعارف الـمعتدل، و أمّا الـمناط في الـرمي فغايـة ما يقدر الـرامي عليه1 .



(1) أمّا كون الـمناط في غير الـرمي على ما هو الـمتعارف، فلكون الـنصّ محمولاً عليه و منصرفاً إليه.
و أمّا كون الـمناط في الـرمي هي غايـة ما يقدر الـرامي عليه، فلما عرفت في معنى الـغلوة الـواقعـة في الـروايـة بحسب الـعرف و اللغـة، نعم يرجع في تشخيص الـغايـة و تحقّق أقصاها إلى الـعرف لا محا لـة.
و أمّا ما حكي عن «ا لـعين» و «الأساس» من أنّ الـفرسخ الـتامّ خمس و عشرون غلوة، و عن ابن شجاع من أنّ الـغلوة ثلاثمأة ذراع إلى أربعمأة، و عن «الارتشاف» من أنّها مأة باع و أنّ الـميل عشرة غلاء. فإن كان كلّها أو بعضها موافقاً لأقصى الـغايـة عرفاً فهو، و إلاّ فلا دليل على الاعتبار بوجه، خصوصاً بعد عدم ارتباط ذلك بما هو فنّهم من تشخيص الـمعنى اللغوي دون تحديد الـمصداق، فتدبّر.


(الصفحة230)

مسأ لـة 5: لو ترك الـطلب حتّى ضاق الـوقت تيمّم و صلّى و صحّت صلاته وإن أثم با لـترك، و الأحوط الـقضاء خصوصاً فيما لو طلب الـماء لعثر به، و أمّا مع الـسعـة بطلت صلاته و تيمّمه فيما لو طلب لعثر به، و إلاّ فلا يبعد الـصحّـة لو حصلت نيّـة الـقربـة منه1 .



حكم الـصلاة مع ترك الـطلب


(1) يقع الـكلام في هذه الـمسأ لـة في فرضين:
الأوّل: ضيق الـوقت، و قد اختار في الـمتن فيه صحّـة الـصلاة، و ثبوت الإثم با لـترك، و احتاط با لـقضاء، خصوصاً في صورة الـعثور على الـماء لو لم يترك الـطلب.
أمّا صحّـة الـصلاة: ففي «ا لـمدارك» أنّه الـمشهور، و عن «ا لـروض» نسبته إلى فتوى الأصحاب، و في «ا لـجواهر» أنّه الأظهر الأشهر، و الـظاهر أنّه لم يصرّح أحد با لـبطلان، بل لايظهر منه ذلك; لأنّ الـحكم بوجوب الإعادة في الـفرض ـ كما عن ظاهر «ا لـنهايـة» و «ا لـمبسوط» و «ا لـخلاف» و «ا لـسرائر» و «ا لـنافع» و «ا لـدروس» ـ لادلالـة فيه على عدم الـصحّـة; لأنّه يجتمع معها أيضاً، غايـة الأمر عدم كون الـصحّـة عندهم ملازمـة للإجزاء و نفي وجوب الإعادة، و قد احتمل في بعضها أن يكون مورده هو الـفرض الـثاني، فراجع.
و كيف كان: فا لـحكم با لـصحّـة في هذا الـفرض يبتني على أنّ نفس ضيق الـوقت الـموجب لعدم الـقدرة على إتيان الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة في الـوقت من أسباب الـعجز، الـموجب لانتقال الـفرض إلى الـتيمّم ولو على تقدير وجود الـماء، فضلاً عن احتما لـه، كما سيأتي.
و ليس الـمراد من عدم الـوجدان الـماء الـمعلّق عليه شرعيته إلاّ عدم وجدان


(الصفحة231)


ما يمكن استعما لـه مع حفظ الـوقت، ضرورة أنّه ليس الـمراد به هو عدمه للتا لـي و إلى آخر الـعمر، فمرجع الانتقال إلى الـتيمّم إلى أنّ مصلحـة الـوقت تقتضي رفع الـيد عمّا هو عليه الـصلاة مع الـمائيـة من الـمصلحـة الـكاملـة، و لزوم الاقتصار على الـصلاة مع الـترابيـة و إن كانت مصلحتها ناقصـة كما عرفت، نعم يبقى أمران:
أحدهما: دعوى انصراف الـدليل إلى ما لايكون سببه الـمكلّف عصياناً، و بعبارة اُخرى مالايكون هناك تفريط.
و يدفعها: مضافاً إلى منعها، أنّ لازم ذلك جواز ترك الـصلاة في الـوقت مع الـقدرة على الإتيان بها مع الـترابيـة، و لايمكن الالتزام به أصلاً، و لأجله لامحيص عن الـحكم با لـصحّـة حتّى فيما لو أراق الـماء عمداً مع الـعلم بعدمه بعده، بل فيما لو ترك الـوضوء با لـماء الـموجود عمداً حتّى لو ضاق الـوقت و لم يسع للوضوء، فإنّه في جميع هذه الـموارد لابدّ من الـحكم با لـصحّـة و إن تحقّق الإثم و الـعصيان، و الـسرّ فيه ما عرفت من اهتمام الـشارع با لـوقت، بحيث لايساويه شيء من الاُمور الـمعتبرة في الـصلاة.
ثانيهما: شرطيـة الـطلب في صحّـة الـتيمّم، فمع الإخلال به لاوجه لها.
و قد مرّ الـجواب عن ذلك في بعض الاُمور الـسابقـة، و عرفت أنّ لزوم الـطلب ليس إلاّ حكماً عقلياً، منشأه لزوم تحصيل الـطهارة الـمائيـة، و لايكون نفسياً و لاغيرياً. و عرفت أيضاً أنّ الأمر به في روايـة زرارة الـمتقدّمـة لا دلالـة فيه على الـشرطية، بل هو إرشاد إلى ما هو مقتضى حكم العقل، فلا مجال للإشكال في الـصحّة.
و أمّا وجوب الـقضاء بعد الـوقت: فقد نسبه في محكيّ «ا لـحدائق» إلى الـمشهور، و الـذي يمكن أن يكون وجهاً له أحد اُمور ثلاثـة:
أحدها: الـمنع من اقتضاء أدلّـة مشروعيـة الـتيمّم للإجزاء، و لا أقلّ فيما إذا كان


(الصفحة232)


ا لـسبب الـمسوّغ له هو الـتفريط، و نفس الـمكلّف عصياناً.
ويردّه: وضوح خلافه وأنّ ظاهر أدلّـة مشروعيـة الإجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء ولافرق بين موارد الـمشروعية وسيأتي الـكلام فيه مفصّلاً إن شاء اللّه تعا لى.
ثانيها: ما جعله في «ا لـحدائق» مستنداً للمشهور، و هو ما رواه الـشيخ عن أبي بصير قال: سأ لـته عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه فتيمّم و صلّى، ثمّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الـوقت.
قال: «عليه أن يتوضّأ و يعيد الـصلاة ...» الـحديث.(1)
و الـجواب: أنّ ظاهر الـخبر الـمذكور أوّلاً إنّما هو الـنسيان، و هو أخصّ من الـمدّعى، وثانياً أنّ تيمّمه وقع في الـسعـة، و هو خلاف الـمفروض في كلامهم.
ثا لـثها: تردّد الـمكلّف به الـمعلوم بالإجمال بين الـصلاة مع الـتيمّم في الـوقت، وا لـقضاء في خارجه، فيجب الـجمع بين الأمرين.
و هذا الـوجه بظاهره فاسد; لأنّه لايكون الـمكلّف به مردّداً بين الـصلاة في الـوقت، وبينها في خارجه، لما عرفت من أنّه لاإشكال في لزوم رعايـة الـوقت و الإتيان با لـصلاة فيه، و لم يناقش الـمشهور في صحّـة الـصلاة الـواقعـة فيه، إنّما الإشكال في وجوب الـقضاء بعد الـوقت أيضاً، فا لـمكلّف به لايكون مردّداً بين الأمرين بوجه.
نعم، ربّما يوجّه هذا الأمر بأنّه كان مكلّفاً في سعـة الـوقت بإتيان الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة، وقد فوّتها بسوء اختياره عصياناً، فعليه قضائها، و إنّما يجب عليه الـصلاة مع الـتيمّم أيضاً; لأنّ الـصلاة لاتسقط بحال، و اقتضاء الأمر الاضطراري للإجزاء إنّما هو بالإضافـة إلى أمره، لا با لـنسبـة إلى الأمر الـواقعي الأوّلي أيضاً.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 5.


(الصفحة233)


و يدفعه: ما قرّر في محلّه من أنّه ليس في الـبين إلاّ أمر واحد متعلّق با لـصلاة مع الـطهارة، غايـة الأمر اختلاف حا لـتي الاختيار و الاضطرار في تحصيل الـطهارة، و اختصاص الاُولى با لـطهارة الـمائيـة، و الـثانيـة با لـطهارة الـترابيـة، و قد عرفت أنّه لافرق بينما إذا كان الاضطرار حاصلاً بغير سوء الاختيار، أو بسوئه أصلاً، و أنّ ظاهر أدلّـة مشروعيـة الـتيمّم هو الإجزاء و عدم لزوم الإعادة أو الـقضاء، نعم لاينبغي ترك الاحتياط با لـقضاء خروجاً من مخا لـفـة الـمشهور، خصوصاً فيما لو علم أنّه لو طلب لعثر على الـماء.
ثمّ إنّ وجه حصول الإثم و تحقّق الـعصيان في الـفرض الـمذكور مع صحّـة الـصلاة مع الـتيمّم و عدم وجوب الـقضاء كما مرّ، ما عرفت في بعض الاُمور الـمذكورة قبل الـورود في شرح فصل الـتيمّم، من أنّ الـصلاة مع الـترابيـة بدل اضطراري سوّغه الـعجز عن تحصيل الـطهارة الـمائيـة، و لايجوز إيجاد حا لـة الـعجز لاستلزامه فوت الـمصلحـة الـكاملـة الـتي تجب رعايتها، و مع ذلك لاتجب الإعادة و الـقضاء، بل يجوز الـبدار و الاستيجار، و تحصل الاستباحـة للغايات غير الـمضطرّ إليها، و لامنافاة بين الـجهتين، فراجع.
ا لـفرض الـثاني: سعـة الـوقت، و في «ا لـجواهر» بطلانه قطعاً و إجماعاً منقولاً إن لم يكن محصّلاً، لما دلّ على اشتراط صحّته به، و لافرق بين أن يصادف عدم الـماء بعد الـطلب، و عدمه.
أقول: غير خفي أنّ دعوى الإجماع في مثل هذا الـفرع الاجتهادي الـذي يبتني على الأدلّـة الـمتراكمة الـعقلية وا لـنقلية غير وجيهـة جدّاً، فلاينبغي الاتّكال عليها.
و أمّا اشتراط صحّـة الـتيمّم با لـطلب، فقد مرّ أنّ الـطلب لايكون وجوبه غيرياً


(الصفحة234)


و من باب الـشرطيـة للتيمّم حتّى يكون الإخلال به إخلالاً با لـشرط، فا لـحكم با لـبطلان من هذا الـطريق غير صحيح.
و الـذي ينبغي أن يقال: هو الـتفصيل بين ما إذا كان على فرض الـطلب واجداً للماء، و بين ما إذا لم يكن كذلك.
ففي الـصورة الاُولى: يكون تيمّمه باطلاً; لأنّ الانتقال إلى الـتيمّم بحسب ما تقتضيه الأدلّـة إنّما هو فيما إذا عدم الـماء الـذي يمكن استعما لـه في الـوضوء و الـغسل، إمّا لفقده أو لعدم وجدانه، و لا مدخليّـة للطلب موضوعاً و لا لعنوان عدم الـوجدان كما مرّ، و من الـمعلوم وجود الـماء في الـمقام، و إمكان تحصيل الـطهارة الـمائيـة على ما هو الـمفروض، فا لـتيمّم لايكون مشروعاً بالإضافـة إليه; لعدم تحقّق الـمعلّق عليه بوجه.
و في الـصورة الـثانيـة: لايبعد الـحكم با لـصحّـة مع تمشّي قصد الـقربـة لتحقّق موضوع الـتيمّم، و هو فقدان الـماء و عدم اشتراط الـطلب في صحّته، و عدم كون الـعلم به دخيلاً في الـموضوع من غير فرق بين ما إذا استمرّ الـعدم إلى آخر الـوقت، و بين ما إذا كان في حال الـصلاة فقط، بناء على جواز الـبدار لعدم الـفرق بين الـمقام، و بين سائر الـموارد الـتي يشرع الـصلاة مع الـتيمّم فيها في سعـة الـوقت، و تدلّ عليه الآيـة، و مثل صحيحـة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) فإن أصاب الـماء و قد صلّى بتيمّم و هو في وقت.
قال: «تمّت صلاته، و لا إعادة عليه».(1)
فإنّ مفادها عدم وجوب الإعادة على من صلّى في الـوقت بتيمّم مطلقاً.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 9.


(الصفحة235)


ثمّ إنّ ظاهر الـمتن ـ باعتبار عدم الـتعرّض للإثم في صورة الـصحّـة في الـفرض الـثاني ـ هو عدم تحقّق الإثم، كما أنّ ظاهره حصوله في كلتا صورتي الـفرض الأوّل، مع أنّ الـمسلّم باعتبار ما ذكرنا هو حصوله في خصوص الـصورة الاُولى من الـفرض الأوّل، و هي ما لو طلب لعثر با لـماء، فإنّ الـمكلّف حينئذ يكون با لـتأخير إلى ضيق الـوقت مفوّتاً للمصلحـة الـكاملـة الـواجبـة الـرعايـة، لأجل إمكان تحصيلها على ما هو الـمفروض، فهو عاص حقيقـة.
و أمّا في صورة عدم كون الـطلب موصلاً للمكلّف إلى الـماء، فلايبقى مجال لثبوت الإثم إلاّ من باب الـتجرّي و احتمال وجدان الـماء، و حكم الـعقل و الـشرع بلزوم ترتيب الأثر عليه.
نعم، لو الـتزم بكون وجوب الـطلب نفسياً كما عرفت سابقاً أنّه ظاهر جماعـة، يكون تحقّق الإثم لأجل الإخلال با لـواجب الـنفسي، لكن قد مرّ بطلان هذا الـمبنى.
كما أنّه لو الـتزم بكون الـمراد بعدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم هو ما يقتضيه الـجمود عليه من حصول الـيأس بعد الـفحص و الـطلب، يكون حصول الإثم خا لـياً عن الإشكال، لكنّه حينئذ لايجتمع مع الـحكم بصحّـة الـتيمّم و الـصلاة معه; لأنّ الإثم الـثابت حينئذ إنّما هو لأجل الإخلال با لـصلاة الـواجبـة عليه، و الـمتن يصرّح با لـصحّـة في كلا الـفرضين، فلا يبقى مجال للإثم إلاّ إذا لم يكن الـمراد بالإثم ما يساوق الـعصيان، بل أعمّ منه و من الـخطأ الـذي وقع الـتعبير به في كلمات جماعـة من الأعلام كا لـفاضلين في «ا لـشرائع» و«ا لـقواعد» فتدبّر جيّداً.


(الصفحة236)

مسأ لة 6: لو طلب با لـمقدار الـلازم فتيمّم وصلّى، ثمّ ظفر با لـماء في محلّ الـطلب، أو في رحله أو قافلته صحّت صلاته، و لايجب الـقضاء أو الإعادة1 .



حكم ما لو ظفر با لـماء بعد الـصلاة


(1) الـظاهر أنّه من صغريات الـمسأ لـة الآتيـة الـتي حكم فيها بعدم وجوب الإعادة على من صلّى بتيمّم صحيح، للنصوص الـكثيرة الـصريحـة فيه، و إدّعاء جماعـة الإجماع عليه.
لكنّه ربّما نوقش في ذلك: بأنّ موضوع تلك الـمسأ لـة هو الـتيمّم الـصحيح، و هو أوّل الـكلام هنا; لأنّه انكشف كونه واجداً للماء حقيقـة، فلم يكن الـتيمّم مشروعاً له.
و تندفع الـمناقشـة بما مرّ من أنّ الـمراد بعدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم، هو عدم الاهتداء إلى ما يمكن استعما لـه في الـطهارة الـمائيـة، سواء كان الـماء غير موجود واقعاً، أو كان موجوداً، ولكنّ الـمكلّف لم يهتد إليه مع الـطلب با لـمقدار الـلازم و با لـنحو الـلازم، فانكشاف الـماء في محلّ الـطلب، أو في رحله، أو في قافلته لايكشف عن بطلان الـتيمّم بوجه.
نعم، لو اعتقد عدم الـماء، و لأجله ترك الـطلب و الـفحص مع وجوده واقعاً في محلّ الـطلب، لكان الـلازم عليه الإعادة أو الـقضاء; لعدم كون الـواقعـة بحيث لايهتدي الـمكلّف بماء يمكن له استعما لـه، و مجرّد اعتقاد الـعدم لايؤثّر إلاّ في الـمعذوريـة، و عدم ترتّب الـعقاب على الـمخا لـفـة مع كون الـتكليف بحسب الـواقع هي الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة، و فرق واضح بين انقلاب الـتكليف، و بين الـمعذوريـة في مخا لـفـة الـتكليف الأوّل.
و منه يظهر وجوب الإعادة على واجد الـماء الـذي نسيه و اعتقد عدم تمكّنه من استعما لـه فتيمّم و صلّى، سواء تحقّق الـطلب أم لا; لأنّه واجد له و إن كان غافلاً عنه، و


(الصفحة237)

مسأ لـة 7: يسقط وجوب الـطلب مع الـخوف على نفسه أو عرضه أو ما لـه الـمعتدّ به من سبع أو لصّ أو غير ذلك، و كذلك مع ضيق الـوقت عن الـطلب، ولو اعتقد الـضيق فتركه و تيمّم و صلّى، ثمّ تبيّن الـسعـة، فإن كان في مكان صلّى فيه فليجدّد الـطلب مع سعـة الـوقت، فإن لم يجد الـماء تجزي صلاته، و إن وجده أعادها، و مع عدم الـسعـة فالأحوط تجديد الـتيمّم و إعادة الـصلاة، و كذا في الـفروع الآيـة الـتي حكمنا فيها بالإعادة مع عدم إمكان الـمائيـة، و إن انتقل إلى مكان آخر فإن علم بأنّه لو طلبه لوجده يعيد الـصلاة، و إن كان في هذا الـحال غير قادر على الـطلب و كان تكليفه الـتيمّم، و إن علم بأنّه لو طلب لما ظفر به صحّت صلاته و لايعيدها، و مع اشتباه الـحال ففيه إشكال، فلايترك الاحتياط بالإعادة أو الـقضاء1 .



عدم الـوجدان في غير محلّ وجود الـماء كا لـرحل و نحوه لايوجب الانقلاب، و يدلّ عليه ـ مع ذلك ـ خبر أبي بصير الـمتقدّم قال: سأ لـته عن رجل كان في سفر، و كان معه ماء فنسيه فتيمّم و صلّى، ثمّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الـوقت.
قال: «عليه أن يتوضّأ، و يعيد الـصلاة».(1)
(1) يقع الـكلام في هذه الـمسأ لـة في مقامين:

موارد سقوط وجوب الـطلب


ا لـمقام الأوّل: في موارد سقوط وجوب الـطلب، و قد صرّح في الـمتن بسقوطه في موردين:
أحدهما: مورد الـخوف على نفسه أو عرضه أو ما لـه الـمعتدّ به من سبع أو لصّ أو


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 5.


(الصفحة238)


غير ذلك، و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى ملاحظـة الـنكتـة في تشريع الـتيمّم الـمذكورة في الآيه الـشريفـة، و هي عدم تعلّق إرادة اللّه تعا لـى بأن يجعل على الـناس من حرج ـ روايتا داود الـرقّي و يعقوب بن سا لـم الـمتقدّمتان.
قال الأوّل: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام) أكون في الـسفر فتحضر الـصلاة و ليس معي ماء، و يقال إنّ الـماء قريب منّا، فأطلب الـماء و أنا في وقت يميناً و شمالاً.
قال: «لاتطلب الـماء، ولكن تيمّم، فإنّي أخاف عليك الـتخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك الـسبع».(1)
و قال الـثاني: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل لايكون معه ماء، و الـماء عن يمين الـطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك.
قال: «لا آمره أن يغرّر بنفسه، فيعرض له لصّ أو سبع».(2)
ثانيهما: مورد ضيق الـوقت، و قد عرفت أنّ الانتقال إلى الـتيمّم مع عدم وجدان الـماء إنّما هو لحفظ مصلحـة الـوقت و رعايتها، و أنّ الـمراد بعدم الـوجدان هو عدمه بحيث يمكن الـصلاة مع الـمائيـة في الـوقت، فإذا ضاق الـوقت عن الـطلب فلا يكون واجباً بوجه، و يشهد له أيضاً ذيل صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، فراجع.

ما لو اعتقد ضيق الـوقت فتبيّن خلافه


ا لـمقام الـثاني: فيما لو اعتقد الـضيق فترك الـطلب و تيمّم و صلّى ثمّ تبيّن الـسعـة، فتارة يكون في مكان صلّى فيه، و اُخرى قد انتقل منه إلى مكان آخر.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 2، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 2، الـحديث 2.


(الصفحة239)


ففي الـصورة الاُولى: يجب عليه الـطلب أو تجديده ـ كما في الـمتن و إن كان فيه مسامحـة لأنّ الـمفروض أنّه لم يطلب بعد لاعتقاده ضيق الـوقت ـ مع سعـة الـوقت فعلاً و إمكان الـطلب، ثمّ إيقاع الـصلاة في الـوقت، و الـدليل على وجوبه هو الـدليل على أصل وجوب الـطلب بعد عدم كون اعتقاد الـضيق بمجرّده مصحّحاً و موجباً للانقلاب، ضرورة أنّ الـمصحّح هو ضيق الـوقت واقعاً، و قد انكشف خلافه بتبيّن الـسعـة، فأصل وجوب الـطلب باق بحا لـه في هذه الـصورة، فإذا تحقّق الـطلب فإن لم يجد الـماء تجزي صلاته; لأنّه با لـطلب و عدم الـوجدان ينكشف أنّ الـمصحّح للانقلاب و الـمعلّق عليه شرع الـتيمّم كان موجوداً و الـتيمّم كان مشروعاً، فلا وجه لتوهّم بطلانه و بطلان الـصلاة. و إن وجد الـماء تجب عليه الإعادة; لأنّه با لـوجدان يتبيّن أنّه لم يكن مصحّح للتيمّم و موجب للانقلاب أصلاً، لا من جهـة ضيق الـوقت، و لا من ناحيـة فقدان الـماء، فلا مجال لتوهّم صحّته و صحّـة الـصلاة معه.
و أمّا إذا لم يسع الـوقت فعلاً للطلب و إن كان يسع له حين إرادة الـصلاة ـ كما هو الـمفروض ـ فقد احتاط في الـمتن وجوباً بتجديد الـتيمّم و إعادة الـصلاة، و الـظاهر أنّ الـوجه فيه أنّه يجري فيه احتمالان; فإنّه من جهـة أنّ اعتقاد الـضيق كان خطأً، و أنّه كانت وظيفته الـطلب، و قد تركها باعتقاده الـضيق، فا لـتيمّم لم يكن مشروعاً بالإضافـة إليه تجب عليه الإعادة و الـتجديد، و من جهـة أنّه لايمكن الـطلب فعلاً; لعدم سعـة الـوقت واقعاً، و لامجال لتكرار الـصلاة مع الـترابيـة، لعدم ثبوت ترجيح لأحدهما على الآخر، فلا تجب عليه الإعادة بوجه، و مع جريان الاحتما لـين يشكّ في تحقّق امتثال الـتكليف الـمتوجّه إليه قطعاً، و مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم تحقّق الـفراغ الـيقيني الـمتوقّف على الـتجديد و الإعادة، فلابدّ من الاحتياط.


(الصفحة240)


و في الـصورة الـثانيـة: و هي ما لـو انتقل منه إلى مكان آخر فروع:
الأوّل: ما لو علم بأنّه لو تحقّق الـطلب في مكان الـصلاة مع الـتيمّم لوجد الـماء، و لامجال للإشكال في وجوب الإعاده حينئذ، و إن كان في هذا الـحال غير قادر على الـطلب، و يكون تكليفه الـتيمّم; لأنّه كانت وظيفته الـطلب لفرض الـسعـة، و اعتقاد الـضيق بمجرّده لايكون موجباً للانقلاب، و قد تبيّن فعلاً أنّه لو تحقّق الـطلب لوجد الـماء، فهو في حال الـصلاة كان واجداً للماء واقعاً، و يمكنه الاهتداء إليه با لـطلب، فلاوجه لصحّـة صلاته.
نعم، لو كان في هذا الـحال غير قادر على الـطلب لامناص عن الالتزام بكون تكليفه الـفعلي هو الـتيمّم، فا لـتيمّم الأوّل كان باطلاً قطعاً و إن كان لايقدر على الـصلاة مع الـمائيـة فعلاً.
ا لـثاني: ما لو علم بأنّه لو طلب لما وجد الـماء و لما ظفر به، و الـوجه فيه صحّـة صلاته و عدم لزوم الإعادة، لما عرفت من أنّ وجوب الـطلب لايكون وجوباً غيريّاً، بحيث كان له مدخليـة في صحّـة الـصلاة مع الـتيمّم، مع أنّ وجوبه إنّما هو في مورد احتمال وجود الـماء; لبطلان الـوجوب الـنفسي أيضاً كما عرفت، إلاّ أن يقال: إنّ ترك الـطلب لم يكن لأجل الـعلم بعدم وجدان الـماء، فإنّ الـعلم إنّما حدث فعلاً، بل كان لأجل الاعتقاد بضيق الـوقت، و الـمفروض خطائه.
ولكنّ ذلك لايقتضي جريان الـمناقشـة في صحّـة صلاته بعد الـعلم فعلاً بعدم وجوب الـطلب في حال الـصلاة; لعدم وجود الـماء في محلّ الـطلب، فصلاته صحيحـة إلاّ على تقدير عدم الاجتزاء با لـصلاة مع الـتيمّم الـصحيح مطلقاً، و سيأتي خلافه إن شاء اللّه تعا لـى.

<<التالي الفهرس السابق>>