في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة441)



في اعتبار الـموالاة في الـتيمّم

رابعها: الـموالاة، و قد حكي الإجماع على اعتبارها في الـتيمّم عن «ا لـغنيـة» و «جامع الـمقاصد» و «ا لـروض» و «مجمع الـبرهان» و ظاهر «ا لـمنتهى» و «ا لـذكرى» و «ا لـمدارك» و الـسيرة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة جاريـة عليها من دون فرق بين ما كان للحدث الأصغر، و بين ما كان للحدث الأكبر، لكن عن الـشهيد (قدس سره) في «ا لـدروس» هو الـتفصيل و عدم اعتبار الـموالاة في الـثاني كما في الـغسل.
و يدلّ على اعتبارها مطلقاً ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ الآيـة الـشريفـة بلحاظ الـتعبير فيها با لـفاء فى قوله: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) منه بعد تحقّق الـضرب أو الـوضع; لأنّ الـفاء ـ على ما هو الـمعروف ـ إنّما هي للترتيب باتّصال، ولكن ربّما يتأمّل في دلالـة الـفاء عليه، و أنّ غايـة مدلولها هو الـترتّب و الـتعقّب و هو غير كاف، فدلالـة الآيـة من هذه الـجهـة غير تامّـة.
و أمّا من جهـة اشتما لـها على الـتعبير بكلمـة «منه»، فقد ذكر الـعلاّمـة الـماتن ـ دام ظلّه الـعا لـي ـ أنّ الأولى الاستدلال بها من هذه الـجهـة; لأنّ «من» على ما تقدّم ابتدائيـة لا تبعيضيته، و الـمعنى: فامسحوا بوجوهكم و أيديكم مبتدء من الـصعيد و منتهياً إلى الـوجوه و الأيدي، و الـتمسّح من الـصعيد بهذا الـمعنى لا يصدق عرفاً إلاّ مع حفظ الـعلاقـة بين الـضرب على الأرض و الـمسح منها على الـوجه و الـيدين، ألا ترى أنّه لو قيل لمريض: «تمسّح من الـضرائح الـمقدّسـة تبرّكاً» لا ينقدح في ذهن الـعقلاء منه إلاّ مع حفظ الـعلقـة بين الـمسح عليها و الـمسح على موضوع الـعلّـة، فلو مسحها بيده ثمّ انصرف و ذهب إلى حوائجه، ثمّ مسح يده على الـموضع بعد سلب


(الصفحة442)


ا لـعلاقـة الـعرفيـة لم يعمل بقوله: «تمسّح منها»، لأنّه لا يكون إلاّ بعلاقـة خاصّـة مقطوعـة با لـفصل الـمعتدّ به، كما ربّما تقطع بغيره، كما لو ضرب يده على الأرض فغسلها، فإنّ الـظاهر سلب الـعلاقـة و عدم صدق الـتمسّح منها، لا لاعتبار الـعلوق بل لاعتبار الـعلاقـة الـخاصّـة الـعرفيـة.
ثمّ دفع توهّم أنّ الابتدائية لاتدلّ إلاّ على مجرّد كون ضرب الـيد مبتدء من الأرض و منتهياً إلى الـوجه، و أمّا اعتبار الـعلقـة فلا، ألا ترى أنّ الـمسافر إذا سافر من بلده إلى مكّـة الـمعظّمـة مع اشتغا لـه بين الـطريق بأمور كثيرة، بل مع تعطّله عن الـسير في بعض الـبلاد الـتي بين الـطريق، يقال: سافر من بلده إلى مكّـة، من غير لزوم الـعلاقـة.
بما ملخّصه: أنّه مع أنّ الـقياس لعلّه مع الـفارق، كما يظهر من الـتأمّل في مثل تمسّح من الـتربـة، أو من الـضرائح الـمقدّسـة و الأشباه و الـنظائر أنّ مورد الـنقض أيضاً حا لـه مثل الـمقام، لأنّه لو فرض الـتعطّل عنه بين الـطريق بمقدار انقطعت الـعلقـة بين قطعات سفره عرفاً، يخرج من الـصدق الـمذكور، كما لو سافر من بلده إلى الـحجّ، فأقام في الـنجف الأشرف مدّة لتحصيل الـعلم أو غيره، بحيث سلبت الـعلاقـة بين قطعات سفره، فإنّه يخرج عن الـصدق الـمذكور، فا لـملاك هو وجود الـعلاقـة، غايـة الأمر اختلاف الـمقامات و تفاوت الـموارد.
و ممّا ذكر يظهر: صحّـة الـتمسّك ببعض الأخبار الـذي عبّر فيه بكلمـة «من»، مثل صحيحـة الـحلبي قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول: «إذا لم يجد الـرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض ...»(1) و صحيحـة ابن سنان(2) الـتي هي نظيرها.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 4.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 7.

(الصفحة443)


و ما ذكر هو الـدليل على اعتبار الـموالاة في الـتيمّم، لا أدلّـة الـبدليـة و لا الـنصوص الـبيانيـة فعلاً أو قولاً كما عن «ا لـذكرى»، و لا ما أفاده صاحب «ا لـمدارك» من أنّه لو قلنا باختصاص الـتيمّم بآخر الـوقت با لـمعنى الـذي ذكروه، كانت الـموالاة من لوازم صحّته لتقع الـصلاة في الـوقت، لعدم تماميـة شيء من هذه الـوجوه كما يظهر با لـتدبّر فيها.
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أمران:
أحدهما: أنّه لا فرق في اعتبار الـموالاة في الـتيمّم بين ما يكون بدلاً عن الـوضوء، و ما يكون بدلاً عن الـغسل، خلافاً لما عرفت من محكيّ «ا لـدروس»; لجريان الـدليل في كلا الـمقامين، بل الـروايتان واردتان في الـجنب، فا لـتفصيل غير صحيح، بل مقتضى بعض الـروايات مساواتهما، كموثّقـة عمّار عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم من الـوضوء و الـجنابـة و من الـحيض للنساء سواء
فقال: «نعم»(1) .
و الـحمل على صرف الـكيفيـة دون سائر ما يعتبر فيهما فاسد، بعد اقتضاء الإطلاق الـسوائيـة من جميع الـجهات، كما لا يخفى.
ثانيهما: أنّ معنى الـموالاة الـمعتبرة يرجع إلى ما اُفيد في الـمتن من عدم الـفصل الـمنافي لهيأته و صورته، و بعبارة اُخرى عدم سلب الـعلاقـة و الـعرفيـة الـمذكورة، و تفسيرها با لـمعنى الـمعتبر في الـوضوء الـراجع إلى الـتقدير بمقدار الـجفاف لا دليل عليه، خصوصاً بعد عدم اختصاص اعتبارها بخصوص ما يكون بدلاً عن الـوضوء، لما عرفت من اعتبارها في مطلق الـتيمّم.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 1.


(الصفحة444)



في اعتبار كون الـمسح من الأعلى

خامسها: الابتداء في الـمسح بالأعلى إلى الأسفل في الـجبهـة و الـيدين، و قد حكي عن «ا لـكفايـة» و «ا لـحدائق» نسبـة اعتبار هذا الأمر إلى الـشهرة، بل عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى ظاهر الأصحاب، و عن ظاهر «جامع الـمقاصد» الإجماع عليه في الـيدين، لكنّ الـذي صرّح به هو الـعلاّمـة في «ا لـتذكرة» و «ا لـنهايـة» و الـشهيد في «ا لـذكرى» و «ا لـدروس».
و في «كشف اللثام» بعد نقل ذلك استدلّ عليه با لـتسويـة بينه و بين الـوضوء، و با لـتمسّك با لـبياني، ثمّ قال: و فيهما نظر و الأصل الـعدم.
و أمّا أكثر الـكلمات فهي متعرّضـة لوجوب الـمسح من الـقصاص إلى طرف الأنف، و ربّما استظهر منها رجوع الـقيد إلى الـمسح، نظراً إلى أنّه هو الأصل في الـقيود الـتي يتردّد الأمر فيها بين كونها قيداً للحكم، و بين كونها قيداً للموضوع، ولكنّ الاستظهار محلّ نظر بل منع، لظهورها في كونها في مقام تحديد الـممسوح، لا بيان كيفيـة الـمسح، خصوصاً مع عدم الـتعرّض لذلك بالإضافـة إلى الـكفّ، فلا مجال لدعوى الـشهرة في الـمقام، هذا بالإضافـة إلى الـكلمات.
و أمّا الأدلّـة: فمقتضى إطلاق الآيـة الـذي قد مرّ أنّه في مقام الـبيان، و لذا وقع مورداً لتمسّك الـنبي و الإمام عليهما الـصلاة و الـسلام، و كذا إطلاق بعض الـروايات هو عدم اعتبار كيفيـة خاصّـة في الـمسح، و أنّ الـتيمّم متقوّم بمسح الـوجه و الـكفّين با لـيدين، سواء وقع من الأعلى، أو إلى الأعلى، أو بكيفيات اُخر مثل وقوع طول الـباطن على عرض الـظاهر، أو غيره.


(الصفحة445)


و عمدة الـدليل على عدم الاعتبار هو سكوت أبي جعفر (عليه السلام) عن الـخصوصيـة الـواقعيـة الـتي وقع بها تيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام تعليم عمّار، فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان في مقام بيان الـماهيـة له بلا إشكال، و كان حكايـة أبي جعفر (عليه السلام) و نقله لذلك إنّما هو لإفادة الـحكم و بيان الـحقيقـة بلا ارتياب و إن كان ـ كما أفاده الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» ـ في تكرار الـقضيـة و من أبي عبدا للّه (عليهما السلام) فائدة اُخرى أو فوائد اُخر، كإفحام الـمخا لـفين، و الـتنبيه على جهل الـثاني بالأحكام و با لـقرآن الـذي بين أيديهم، أو تجاهله و مخا لـفته للّه و رسوله.
و قد حكي عن كتاب «سليم بن قيس الـهلالي» عن أميرا لـمؤمنين (عليه السلام): و الـعجب بجهله و جهل الاُمّـة أنّه كتب إلى جميع عمّا لـه أنّ الـجنب إذا لم يجد الـماء فليس له أن يصلّي، و ليس له أن يتيمّم با لـصعيد حتّى يجد الـماء، و إن لم يجده حتّى يلقى اللّه، ثمّ قبل الـناس ذلك منه و رضوا به، و قد علم و علم الـناس أنّ رسول اللّه قد أمر عمّاراً و أمر أباذر أن يتيمّما من الـجنابـة و يصلّيا، و شهدا به عنده وغيرهما، فلم يقبل ذلك، و لم يرفع به رأساً.
و كيف كان: فا لـسكوت الـمذكور أقوى دليل على عدم اعتبار هذا الأمر، لكن في مقابله الـسيرة الـقطعيـة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة على رعايـة هذه الـكيفيـة الـمعهودة، و احتمال انصراف مسح الـوجه إلى الـمسح من الأعلى و أدلّـة الـمنزلـة و الـبدليـة كما في «ا لـمدارك»، و إن كان الاستدلال بها غير تامّ بعد كونه بدلاً عن الـوضوء و الـغسل معاً بنحو واحد، و هذه الـكيفيـة غير معتبرة في الـغسل، و كذا الـتيمّمات الـبيانيـة الـتي أشار إليها «كاشف اللثام» في عبارته الـمتقدّمـة و إن كان الاستدلال بها أيضاً غير صحيح، لأنّ مجرّد الـفعل لا يدلّ على اللزوم لإجما لـه، و مجرّد


(الصفحة446)


كون الـفاعل في مقام الـبيان لا يقتضي ظهوره في ذلك، لأنّه لابدّ أن يقع الـفعل على أحد الـوجهين.
و كذا روايـة «ا لـفقه الـرضوي» بالإضافـة إلى الـكفّين بضميمـة دعوى عدم الـفصل بينهما، و كذا إشعار مرسلـة «ا لـعيّاشي» عن أبي جعفر (عليه السلام) به، قال: «ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل الـحاجبين».
و عليه فالأحوط عدم الـتعدّي عن الـكيفيـة الـمعهودة، كما في «ا لـمدارك» و إن حكي عن الأردبيلي الـقول بعدم الـوجوب.


في اعتبار رفع الـحاجب

سادسها: رفع الـحاجب عن الـماسح و الـممسوح و عدم ثبوته في واحد منهما، و الـدليل عليه ما هو الـمتفاهم عرفاً من الآيـة الآمرة با لـمسح با لـوجوه و الأيدي با لـكفّين بعد ضربهما على الأرض و الـصعيد الـطيّب، فإنّ الـمتبادر منه هو وقوع الـبشرة عليها، و تحقّق الـمسح على الـبشرة، و مع وجود الـحاجب في أحدهما لا يكاد يتحقّق هذه الـجهـة، و الـظاهر أنّه لا إشكال بل و لا خلاف في اعتبار هذا الأمر.
و الـظاهر أنّ الـشعر إذا كان في محلّ الـمسح فإن كان نباته فيه متعارفاً ـ كما في الـشعر الـنابت في ظهر الـكفّ الـذي يكون نباته فيه مقتضى الـغا لـب ـ فا لـظاهر كفايـة الـمسح عليه، و عدم كون مثله حاجباً، بحيث يمنع عن صدق الـمسح على ظهر الـكفّ، و كان الـواجب فيه الاستبطان أو إزا لـة الـشعر; لأنّ إهمال الـسؤال عن ذلك ـ مع تعارف ثبوته و غلبـة تحقّقه ـ يدلّ على كون الـمراد من الـممسوح ما يعمّ الـشعر.
و أمّا إذا لم يتعارف نباته فيه ـ كما في الـشعر الـنابت على الـجبهـة ـ فقد أفاد في


(الصفحة447)


ا لـمتن أنّه لا يكون من الـحاجب، و يجوز الـمسح عليه، ولكنّه ربّما يشكل بأنّ الـشعر خارج عن الـجبهـة، فالاكتفاء بمسحه خلاف ظاهر ما دلّ على وجوب مسح الـجبهـة.
و يندفع الإشكال بعدم استفادة الـعرف من وجوب مسح الـجبهـة إلاّ وجوب مسحها مع الـحا لـة الـطبيعيـة من دون لزوم تصرّف فيها بمثل الإزا لـة، و لذا لو كان في محلّ الـمسح لحم زائد يجب مسحه أيضاً، و يكفي عن مسح محلّه، كما لا يخفى.
و أمّا الـشعر الـمتدلّي من الـرأس إلى الـجبهـة، فا لـذي يدلّ عليه الـمتن أنّه إذا كان واحداً أو اثنين فلا يجب رفعه، لعدم كونه حائلاً بنظر الـعرف، و إذا كان زائداً على ذلك فإن كان غير خارج عن الـمتعارف و لم يعدّ حائلاً عرفاً فيجوز الـمسح عليه، لما ذكر من أنّ الـمستفاد من ظاهر دليل وجوب مسح الـجبهـة هو وجوب مسحها على الـحا لـة الـطبيعيـة، و الـمفروض عدم كونه معدوداً عرفاً حائلاً و حاجباً، و أمّا إذا كان خارجاً عن الـمتعارف فلا يجوز الـمسح عليه، لما ذكر، فتدبّر.


في اعتبار الـطهارة في الـماسح و الـممسوح

سابعها: الـطهارة في الـماسح و الـممسوح، و عن جماعـة الـتصريح به، و عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى الـفقهاء، بل عن «حاشيـة الـشهيد على الـقواعد» الإجماع على اعتبار طهارة أعضاء الـتيمّم، لكن عن «ا لـجواهر»: لم أعثر على مصرّح بشيء منه من قدماء الأصحاب.
و عن ابن فهد و الـسيّد الـعميدي في حواشيه الـعدم، و مال إليه في «مجمع الـبرهان» و «ا لـحدائق».
و في «ا لـمدارك»: «ذكر جمع من الأصحاب أنّ من الـواجبات طهارة مواقع


(الصفحة448)


ا لـمسح من الـنجاسـة، و استدلّ عليه في «ا لـذكرى» بأنّ الـتراب ينجس بملاقاة الـنجس فلا يكون طيّباً، و بمساواة أعضاء الـطهارة الـمائيـة، و لا يخفى أنّ الـدليل الأوّل أخصّ من الـمدّعى، و الـثاني قياس محض، و مقتضى الأصل عدم الاشتراط، و الـمصرّح بذلك قليل من الأصحاب إلاّ أنّ الاحتياط يقتضي الـمصير إلى ما ذكره».
أقول: عمدة الـدليل على اعتبار الـطهارة هي الـمساواة الـمذكورة، نظراً إلى أنّ مقتضى الارتكاز الـعرفي أنّه يستفاد من الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـتيمّم اعتبار ما يعتبر في الـغسل و الـوضوء معاً في الـتيمّم، كا لـطهارة و غيرها من الأحكام الـمشتركـة، نظراً إلى كونه بدلاً منهما.
نعم، لايمكن إثبات الـشرائط الـمختصّـة بكلّ واحد منهما في الـتيمّم بعد كون مفاد الآيـة أنّه بدل منهما بنحو واحد، هذا إذا لم تكن الـنجاسـة ساريـة.
و أمّا إذا كانت ساريـة ففيه صور تقدّم الـبحث فيها في الـمسأ لـة الـثانيـة من مسائل كيفيـة الـتيمّم، فراجع.
إذا ظهر لك اعتبار هذه الاُمور الـسبعـة في الـتيمّم، فاعلم أنّ اعتبارها إنّما يختصّ بحال الاختيار، و أمّا مع الاضطرار فيسقط الـمعسور و يكتفي با لـميسور، و الـظاهر عدم سقوطه لعدم دلالـة أدلّـة اعتبار تلك الاُمور على اعتبارها بنحو الإطلاق، بحيث يسقط الـتيمّم مع عدم إمكان رعايته و ثبوت الاضطرار في الـبين، بل غايـة مدلولها هو الاعتبار بنحو الإجمال، و الـقدر الـمتيقّن خصوص صورة الاختيار، فراجع.


(الصفحة449)

مسأ لـة 2: يكفي ضربـة واحدة للوجه و الـيدين في بدل الـوضوء و الـغسل، و إن كان الأفضل ضربتين مخيّراً بين إيقاعهما متعاقبتين قبل مسح الـوجه، أو موزّعتين على الـوجه و الـيدين، و أفضل من ذلك ثلاث ضربات: اثنتان متعاقبتان قبل مسح الـوجه، و واحدة قبل مسح الـيدين، و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط با لـضربتين، خصوصاً فيما هو بدل عن الـغسل بإيقاع واحدة للوجه و اُخرى لليدين، و الأولى الأحوط أن يضرب ضربـة و يمسح بها وجهه و كفّيه، و يضرب اُخرى و يمسح بها كفّيه1 .




في كفايـة ضربـة واحدة و عدمها

(1) قد وقع الاختلاف في عدد الـضربات في الـتيمّم، و قد نسب إلى الـمشهور كما عن «ا لـمنتهى» و «كشف اللثام» و «ا لـمختلف» و «مجمع الـبرهان» و غيرها الـتفصيل بين ما للوضوء و بين ما للغسل، باعتبار ضربـة واحدة في الأوّل و ضربتين في الـثاني، بل عن «الأما لـي» أنّه من دين الإماميـة، و عن ظاهر «ا لـتهذيب» و «ا لـتبيان» و «مجمع الـبيان» أنّه مذهب الـشيعـة، و قد اعتمد صاحب «ا لـجواهر» على هذه الـشهرة كمال الاعتماد، و زعم أنّها بمثابـة يسوغ لأجلها الـمناقشـة في الـروايات و كلمات الأصحاب، و يجوز تأويلها بما لا ينطبق على ظاهرها، مع أنّ الـظاهر أنّه ليس كذلك; لأنّ الـمحكيّ عن ظاهر الـصدوق في «ا لـمقنع» و «ا لـهدايـة»، و الـسيّد في «الانتصار»، و ابن زهرة في «ا لـغنيـة»، و ابن ا لـجنيد و أبي عقيل و الـمفيد في «ا لـمسائل الـغريـة»، و عن «ا لـمعتبر» و «ا لـذكرى» و غيرهم كفايـة ضربـة واحدة في الـجميع، بل حكي اشتهاره بين الـعامّـة عن على (عليه السلام) و ابن عباس و عمّار.
بل هنا قول ثا لـث محكيّ عن جماعـة من الـقدماء و منهم الـمفيد (قدس سره) في


(الصفحة450)


الأركان، و هو اعتبار ضربتين في الـكلّ.
و قول رابع حكاه في «ا لـمعتبر» عن قوم من أصحابنا، و هو اعتبار ثلاث ضربات، و ظاهره الاعتبار في الـجميع من دون فرق بين ما للوضوء و ما للغسل.
و مع هذا الاختلاف لا مجال للاتّكال على الـشهرة الـتي تكون بهذه الـمثابـة، خصوصاً مع تراكم الأدلّـة و كثرتها كتاباً و سنّـة، فا لـلازم ملاحظـة الأدّلـة فقط.
فنقول: لاخفاء في أنّ مقتضى إطلاق الآيـة الـكريمـة هو الاجتزاء با لـضربـة الـواحدة فيهما، خصوصاً بعد ملاحظـة أنّ الـتعرّض للتيمّم إنّما وقع عقيبه الـتعرّض للحدثين الأصغر و الأكبر، فدلالـة الآيـة على الاجتزاء با لـضربـة خا لـيـة عن الـمناقشـة.

في الـروايات الـدالّـة على كفايـة الضربـة

و أمّا الـروايات فهي على طوائف:
ا لـطائفـة الاُولى: ـ و هى عمدتها ـ ما هي ظاهرة في الاجتزاء با لـواحدة مطلقاً، و هي كثيرة:
منها: الـروايات الـحاكيـة لفعل رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تعليماً لعمّار، حكاه الإمام (عليه السلام)، مثل صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أتى عمّار بن ياسر رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول ا للّه، إنّي أجنبت الليلـة فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً).


(الصفحة451)


فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى، فمسح الـيسرى على الـيمنى، و الـيمنى على الـيسرى»(1) .
فإنّه لاريب في أنّ رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في مقام تعليم عمّار و بيان ماهيـة الـتيمّم له، و عليه فهل يحتمل أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الـمقام ـ خصوصاً بعد كون الـمورد هو الـتيمّم بدلاً عن الـغسل، لأنّ عمّاراً كان جنباً ـ قد أهمل ما يكون معتبراً في الـماهيـة مطلقاً، أو في الـتيمّم بدل الـغسل، أو أنّه يحتمل الإهمال في مقام نقل الـقصّـة و حكايـة عمل رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فهل الإهمال في هذا الـمقام من الإمام (عليه السلام) مع أنّه كان في مقام بيان الـحكم بهذه الـكيفيـة؟ أو من الـرواة مع أنّ فتح باب هذا الاحتمال يسدّ الاعتماد و الاحتجاج على الـروايات مطلقاً؟
فلا محيص من أن يقال بدلالـة مثلها من الـروايات الـحاكيـة على أنّه لا يعتبر في الـتيمّم مطلقاً الـتعدّد، و أنّ ما يدلّ عليه إطلاق الآيـة الـشريفـة هو الـملاك.
و منها: روايـة ابن أبي ا لـمقدام، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه وصف الـتيمّم فضرب بيديه على الأرض، ثمّ رفعهما فنفضهما، ثمّ مسح على جبينيه و كفّيه مرّة واحدة(2) .
و دلالـة الـروايـة على الاكتفاء با لـواحدة لا تتوقّف على دعوى كون «مرّة واحدة» في ذيل الـروايـة قيداً للضرب، أوله و للمسح معاً، نظراً إلى أنّ الـضرب كان مورداً للنزاع و الـخلاف عند الـعامّـة و الـخاصّـة، لا الـمسح، بل تتّم و لو على تقدير


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 6.


(الصفحة452)


كونه قيداً للمسح، لأنّ مقتضي إطلاقها في ناحيـة الـضرب عدم لزوم الـتعدّد، كما لا يخفى.
و منها: مؤثّقـة زرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم، فضرب بيده على الأرض، ثمّ رفعها فنفضها، ثمّ مسح بها جبينه و كفّيه مرّة واحدة(1) .
و هى مثل الـروايـة الـمتقدّمـة في الـدلالـة.
و منها: غير ذلك من الـروايات الـتي يظهر منها الاجتزاء با لـمرّة مطلقاً.

في الـروايات الـدالّـة على اعتبار التعدّد

ا لـطائفـة الـثانيـة: ما تشتمل على الـتعدّد، كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم.
فقال: «مرّتين مرّتين، للوجه و الـيدين»(2) .
قال الـعلاّمـة الـماتن ـ دام ظلّه الـعا لـي ـ بعد نقل الـروايـة في «ا لـرسا لـة»: «و محتملاتها كثيرة، ككون الـمرّتين قيداً للقول أو لأمر مقدّر كاضرب، أو أحدهما قيداً للقول و الآخر للأمر، ثمّ على فرض كونهما من متعلّقات الـضرب يمكن أن يكون الـثاني تأكيداً للأوّل، و يمكن أن يكون تأسيساً، لبيان أنّ الـلازم في الـتيمّم أربع ضربات: ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين، و الأظهر هو الاحتمال الأخير، فكأنّه قال: ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين، و لا أقلّ من كون هذا الاحتمال في عرض احتمال الـتأكيد، مع أنّه ليس الـمورد من موارد الـتأكيد، فهذه الـصحيحـة بما لها من الـظهور خلاف فتوى


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 3.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 1.


(الصفحة453)


ا لـكلّ، أو هي مجملـة في نفسها، لابدّ من رفع إجما لـها بسائر الـروايات».
و روايـة ليث الـمرادي، عن أبي عبدا لـلّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال: «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك و ذراعيك»(1) .
و هذه الـروايـة و إن كانت رافعـة لإجمال الـصحيحـة الـمتقدّمـة، و مبيّنـة لعدم وجوب الـزائد على مرّتين، فا لـلازم إمّا دعوى الـتأكيد فيها، و إمّا الـحمل على اختلاف الـمتعلّق، إلاّ أنّها ظاهرة في كون الـمرّتين قبل الـمسح مطلقاً و هو خلاف الـمشهور، بل الـفتاوى مطلقاً، لأنّ الـظاهر أنّ الـقائل با لـتعدّد يوجب الـتفريق، بكون ضربـة الـوجه قبل مسحه، و ضربـة الـيدين بعده.
و صحيحـة الـكندي، عن الـرضا (عليه السلام) قال: «ا لـتيمّم ضربـة للوجه، و ضربـة للكفّين»(2) .
و هي غير خا لـيـة عن الإشعار با لـتفريق، لكنّ ظهور الـروايـة الـمتقدّمـة مقدّم و محكم عليها.

في مفاد الـروايات الـتفصيل

ا لـطائفـة الـثا لـثـة: ما ادّعيت دلالتها على الـتفصيل، و جعلت شاهدة للجمع بين الـطائفتين الـمتقدّمتين بعد تسلّم دلالـة الـثانيـة على الـضربتين مع الـتفريق، و هي صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له كيف الـتيمّم؟
قال: «هو ضرب واحد للوضوء و الـغسل من الـجنابـة، تضرب بيديك مرّتين، ثمّ


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 12، الـحديث 2.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 3.


(الصفحة454)


تنفضهما نفضـة للوجه و مرّة لليدين، و متى أصبت الـماء فعليك الـغسل إن كنت جنباً، و الـوضوء إن لم تكن جنباً»(1) .
قال صاحب «ا لـوسائل» بعد نقل الـروايـة: «أقول: الأقرب أنّ الـمراد: الـتيمّم ضرب واحد، أي نوع واحد و قسم واحد للوضوء و الـغسل، و ليس فيه اختلاف في عدد الـضربات، ثمّ تبيّن أنّ كلّ واحد من الـتيمّمين لابدّ له من ضربتين، فلا يدلّ على الـتفصيل، بل يدلّ على بطلانه، و لا أقلّ من الاحتمال، و على ما فهمه بعضهم، فا لـمعنى غير صحيح إلاّ بتقدير و تكلّف بعيد».
و هو و إن أجاد في تفسير الـضرب الـواحد با لـنوع الـواحد و الـقسم الـواحد، و كذا في جعل «ا لـواو» في قوله: «و الـغسل من الـجنابـة»، حرف عطف و الـغسل معطوفاً على الـوضوء، إلاّ أنّ ظاهر دلالـة الـروايـة على اعتبار ثلاث ضربات في الـتيمّمين، لأنّ الـظاهر أنّ قوله: «مرّة»، عطف على قوله: «مرّتين»، لا على «نفضـة» فا لـمراد: مرّتين للوجه، و مرّة لليدين.
و على تقدير كون «ا لـواو» للاستيناف، و الـغسل مبتدء، و تضرب خبره، يكون مفاد الـروايـة اعتبار ثلاث ضربات في ما هو بدل عن الـغسل، و الاكتفاء با لـواحد فيما هو للوضوء، و لابدّ من تفسير الـضرب الـواحد حينئذ با لـضرب الـمعتبر في باب الـتيمّم.
كما أنّه روى الـروايـة الـمحقّق في «ا لـمعتبر» بهذه الـصورة: «ضربـة واحدة للوضوء، و للغسل من الـجنابـة تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما مرّة للوجه و مرّة لليدين»، وعلى هذه الـصورة تصير الرواية دالّـة على التفصيل; لظهورها في اختصاص


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 4.


(الصفحة455)


ا لـضربـة با لـوضوء، و في أنّ قوله: «مرّة للوجه و مرّة لليدين» تفسير لمرّتين، لكنّه (قدس سره)متفرّد با لـنقل بهذه الـصورة، و لا يجوز الاعتماد عليه.
و قد ذكر الـعلاّمـة (قدس سره) في محكيّ «ا لـمنتهى» أ نّه روى الـشيخ في الـصحيح، عن الـصادق (عليه السلام) «أنّ الـتيمّم للوضوء مرّة واحدة، و من الـجنابـة مرّتان»، و قد استفيد ممّا عن جمل الـمرتضى و «ا لـغنيـة» و غيرهما من نسبـة الـتفصيل إلى روايـة أصحابنا، و في «ا لـسرائر» نسبته إلى الأظهر في الـروايات، و في محكيّ «ا لـمعتبر» قال: روي في بعض الأخبار الـتفصيل، من ذلك روايـة حريز، عن زرارة، و عن الـصيمري نسبـة الـتفصيل إلى الـروايات.
ولكنّه ربّما يناقش في صحيح «ا لـمنتهى» بأ نّه قد طعن فيه جماعـة منهم الـسيّد في «ا لـمدارك» بأ نّه لا وجود له في كتب الـشيخ و لا في غيرها، و إنّما هو توهّم من عبارة الـشيخ في «ا لـتهذيب» توهّم ذلك، فإنّه بعد ما جمع بين الأخبار الـمتقدّمـة با لـحمل على الـتفصيل الـمذكور قال: مع أ نّا أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار، أحدهما عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، و الآخر عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينـة، عن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): «أنّ الـتيمّم من الـوضوء مرّة واحدة، و من الـجنابـة مرّتان ...».
و من الـظاهر بل الـمقطوع به أنّ ما ذكره حاصل ما فهمه من معنى الـخبرين، لامتنهما; إذ الـمراد من الأوّل صحيح زرارة الـمتقدّم في بيان شاهد الـتفصيل، و من الـثاني صحيح ابن مسلم الـدالّ على الـتعدّد الـمذيّل بقوله: «هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل»(1) الـمحمول على الـتقيّـة، لدلالته على لزوم مسح الـيدين إلى


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.


(الصفحة456)


ا لـمرفقين، و مخا لـفته للأحاديث الـكثيرة.
و احتمال أنّ الـعلاّمـة (قدس سره) قد وقف على الـخبر في كتب الـشيخ من دون أن يقف عليه أحد غيره ممّا لا مجال له، خصوصاً مع اعتبار الـوثوق في حجّيـة الـروايـة.
و أمّا الـمراسيل: فإن كان الـمراد بها هي الـمسانيد الـمتقدّمـة فقد عرفت مفادها، وعدم دلالة شيء منها على التفصيل، وإن كان الـمراد بها غيرها فلا حجّيـة فيها، ومجرّد الـموافقـة لفتوى الـمشهور غير كاف، خصوصاً بعد عدم ثبوت الـشهرة، كما عرفت.
ثمّ إنّه مع الـغضّ عن جميع ما ذكر كيف يمكن حمل الـطائفـة الاُولى الـدالّـة على الاكتفاء با لـمرّة على الـتيمّم بدلاً عن الـوضوء مع أنّ مورد غا لـبها الـجنابـة، كما في ا لـروايات الـحاكيـة لقصّـة عمّار؟!
و كيف يصحّ دعوى حمل الـطائفـة الـثانيـة الـدالّـة على لزوم التعدّد على التيمّم بدلاً عن الـغسل مع أنّها في مقام بيان أصل الـماهيـة، و ليس الابتلاء به بأكثر من الابتلاء بما هو بدل عن الـوضوء، كما لا يخفى؟!
فهذا ليس جمعاً مقبولاً عند الـعقلاء مخرجاً للطائفتين عن الـتعارض، خصوصاً مع أنّه يوجد في الـروايات ما تدلّ بصراحتها على عدم الـفرق بين الـوضوء و الـغسل من جهـة الـتيمّم، كموثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم من الـوضوء و الـجنابـة و من الـحيض للنساء سواء.
فقال: «نعم»(1) .
و عليه فلا محيص من الالتزام بمفاد الـطائفـة الاُولى، و حمل الـطائفـة الـثانيـة إمّا على الاستحباب، و إمّا على الـتقيّـة.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 6.


(الصفحة457)



في مفاد مجموع الـروايات

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أمران:
أحدهما: أنّه بمقتضى الـطائفـة الـثانيـة لا ينبغي ترك الاحتياط في مطلق الـتيمّم، خصوصاً فيما هو بدل عن الـغسل با لـضربتين، كما حكي عن جماعـة من الـقدماء بإيقاع واحدة للوجه و إيقاع اُخرى لليدين بعد مسح الـوجه، و أحوط من ذلك أن يمسح عقيب الـضربـة الاُولى الـمسح و الـيدين، ثمّ يمسح الـيدين فقط عقيب الـضربـة الـثانيـة.
و وجه كونه أحوط أنّه قد روعي في هذا الـنحو مفاد الـطائفـة الاُولى بنحو الـكمال، حيث لا يجري فيه احتمال أن يكون الـضرب الـثاني موجباً لكون مسح الـيدين بأثره، لا بأثر الـضرب الأوّل، فتدبّر.
و ممّا ذكرنا ظهر وجه الاستحبابين الـمذكورين في الـمتن.
ثانيهما: أنّه لا فرق في كيفيـة الـتيمّم الـذي يكون بدلاً عن الـغسل بين الأغسال أصلاً جنابـة كانت أو غيرها، واجبـة كانت أو مستحبّـة، قولاً واحداً كما عن «ا لـجواهر» و يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق كثير من الـروايات الـمتقدّمـة، و إلى موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة أيضاً، موثّقـة أبي بصير في حديث قال: سأ لـته عن تيمّم الـحائض و الـجنب سواء إذا لم يجدا ماءً.
قال: «نعم»(1) .
مضافاً إلى أنّ من الـمعلوم عدم الـفصل.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 7.

(الصفحة458)

مسأ لـة 3: الـعاجز يتيمّمه غيره، لكن يضرب الأرض بيدي الـعاجز ثمّ يمسح بهما، و مع فرض الـعجز عن ذلك يضرب الـمتولّي بيديه و يمسح بهما، و لو توقّف وجوده على اُجرة وجب بذلها و إن كانت أضعاف اُجرة الـمثل على الأحوط ما لم يضرّ بحا لـه1 .




في تيمّم الـعاجز

(1) تعتبر في الـتيمّم الـمباشرة حال الاختيار، فلو يممّه غيره مع قدرته لا يصحّ بلا إشكال، و عن «ا لـمنتهى» لا خلاف عندنا في أنّه لابدّ من الـمباشرة بنفسه، و نفى عنه الـريب في محكيّ «ا لـمدارك».
و الـدليل عليه: هو ظهور الأدلّـة فيها كسائر الـموارد، لظهور الأوامر في لزوم الـمباشرة و إن وقع الـبحث في أنّ هذا الـظهور هل يكون وضعياً، نظراً إلى أنّ الـمتبادر من هيأة الأمر هو بعث المأمور لإيجاد المأمور به، فا لـمباشرة مفهومـة من ظاهر الهيأة، لا بمعنى دخول مفهوم اسمي في مفاد الـهيأة، بل بمعنى وضعها لنفس الإغراء الـمتوجّه إلى الـغير بوجه يكون الـمبعوث خارجاً عنه كخروج الـقيد و دخول الـتقيّد بوجه؟
أو أنّه يكون لأجل الانصراف، نظراً إلى أنّ الـتبادر الـمذكور لا يكون مستنداً إلى نفس الـهيأة، بل منشأه كثرة الاستعمال بنحو أوجبت الانصراف؟
أو أنّه لأجل حكم الـعقل كحكمه با للزوم في مفاد هيأة الأمر على ما حقّق في محلّه؟
و با لـجملـة: لا إشكال و لا خلاف في اعتبار الـمباشرة مع الـقدرة، و أمّا مع الـعجز فمقتضى الـقاعدة سقوط الـتكليف، لكنّه في الـمقام قام الـدليل على جواز الاستنابـة، بل وجوبها بلا خلاف كما في «ا لـجواهر»، و في «ا لـمدارك» نسبته إلى


(الصفحة459)


علمائنا، و هي الـروايات الـكثيرة الـدالّـة عليه:
كصحيحـة محمّد بن مسكين، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابـة و هو مجدور، فغسّلوه فمات.
فقال: «قتلوه، ألاّ سأ لـوا؟! ألاّ يممّوه؟! إنّ شفاء الـعيّ الـسؤال»(1) .
و مرسلـة ابن أبي عمير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «يؤمّم الـمجدور و الـكسير إذا أصابتهما جنابـة»(2) . هذا فيما رواه حسين بن سعيد عنه، و أمّا فيما رواه إبراهيم بن هاشم عنه فبدل «يؤمّم» «يتيمّم»(3) .
و عليه فلا ترتبط با لـمقام، كما أنّ ارتباط الاُولى إنّما هو على تقدير كون «يؤمّم» مبنياً للمفعول، كما لا تبعد دعوى ظهوره، و أمّا على تقدير كونه مبنياً للفاعل كما ربّما يحتمل فلا ارتباط لها با لـمقام أيضاً.
و مثلها مرسلـة الـصدوق الـمعتبرة أيضاً قال: و قال الـصادق (عليه السلام): «ا لـمبطون و الـكسير يؤمّمان و لا يغسلان»(4) .
و كيف كان: فلا إشكال في أصل الـحكم، كما أنّه لا إشكال في أنّه يقتصر على مقدار يعجز عنه الـمكلّف، فا لـمتولّي للنيّـة هو نفس الـمكلّف، كما أنّه يضرب الأرض بيدي الـعاجز ثمّ يمسح بهما; لأنّ ضرب الـيدين دخيل في حقيقـة الـتيمّم و إن وقع الـبحث في كون الـمدخليـة هل هي بنحو الـشطريـة، أو الـشرطيـة؟ كما تقدّم الـكلام فيه، و ليس حال الـضرب في الـتيمّم حال الاغتراف في الـوضوء أو الـغسل.


(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 10.
(3) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 4.
(4) وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 12.


(الصفحة460)


نعم، مع عدم إمكان ضرب يدي الـعاجز ينوب عنه الـغير بأن يضرب يديه على الأرض ثمّ يمسح بهما وجه الـعاجز و يديه، و حكى في «ا لـذكرى» عن الـكاتب: أنّه يضرب الـصحيح بيده ثمّ يضرب بها يدي الـعليل.
و قد اُورد عليه: بأنّه مع دوران الأمر بين سقوط ما يتيمّم به و سقوط آليـة الـيد، لا شبهـة في سقوط الـثاني، و من الـواضح أنّ ضرب الـيد على الـيد الـمضروبـة على الأرض لا يكون ضرباً عليها، ألا ترى أنّه لو دار الأمر بين سقوط آليـة الـيد و الـتيمّم با لـحديد مثلاً اختياراً، لا يحتمل تقديم الـثاني، و ضرب الـيد على الـيد كضربها على الـحديد، و لعلّه لأجل ما ذكر قال في «ا لـذكرى» بعد الـنقل الـمذكور: و لم نقف على مأخذه.
و لو تمكّن من الـمسح بيدي الـعليل، و لم يتمكّن من الـضرب بهما، ففي محكىّ «كشف اللثام»: «لا يبعد وجوب ضرب الـصحيح يديه على الأرض، ثمّ ضربهما على يدي الـعليل، ثمّ الـمسح بيدي الـعليل على أعضائه كما قال أبو علي».
و فيه: ما عرفت من أنّ ضرب الـيد الـمضروبـة على الأرض على يدي الـعليل لا يوجب تحقّق الـضرب على الأرض بالإضافـة إلى الـعاجز، فلا مجال لما ذكر.
ثمّ إنّه لو توقّف وجود الـغير و الاستعانـة به في الـتيمّم على اُجرة وجب بذلها و إن كانت أضعاف اُجرة الـمثل ما لم يضرّ بحا لـه، وا لـدليل عليه هو ما تقدّم في الـوضوء و وجوب اشتراء مائه و لو كان ثمنه كذلك، نظراً إلى الـتعليل الـوارد فيه الـراجع إلى أنّ ما يشتري به مال كثير، فإنّ مقتضاه لزوم بذل الاُجرة في الـمقام أيضاً; ليتحقّق الـتيمّم الـذي هو شرط لصلاته، بل هنا أولى، لأنّ الـوضوء له بدل و يمكن أن لا يكون اشتراء مائه واجباً، لثبوت الـبدل له بخلاف الـتيمّم، فتدبّر.

<<التالي الفهرس السابق>>