في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة481)


هو كا لـنصّ في عدم الإلزام، و عليه فا لـتفصيل بين صورة الـعلم باستمرار الـعذر و عدمه ضعيف.
نعم، لا تنبغي الـمناقشـة في انصراف الأخبار الـمجوّزة عن صورة الـعلم بارتفاع الـعذر قبل مضيّ الـوقت، بحيث يمكن له الإتيان با لـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة، خصوصاً مع ملاحظـة ما عرفت في صدر الـبحث عن الـتيمّم من تأخّر مرتبـة الـترابيـة عن الـمائيـة.
بقي الـكلام في هذه الـمسأ لـة في حكم إعادة ما صلاّه با لـتيمّم الـصحيح بعد ارتفاع الـعذر و زوال الـعجز.


(الصفحة482)





(الصفحة483)






فصل في الـمطهّرات




و هي أحد عشر


(الصفحة484)





(الصفحة485)

أوّلها: الـماء، و يطهر به كلّ متنجّس حتّى الـماء، كما تقدّم في فصل الـمياه، و قد مرّ كيفيـة تطهيره به.
و أمّا كيفيـة تطهير غيره به، فيكفي في الـمطر استيلاؤه على الـمتنجّس بعد زوال الـعين، و بعد الـتعفير في الـولوغ، و كذا في الـكرّ و الـجاري، إلاّ أنّ الأحوط فيما يقبل الـعصر اعتباره، أو اعتبار ما يقوم مقامه; من الـفرك و الـغمز و نحوهما، حتّى مثل الـحركـة الـعنيفـة في الـماء; حتّى يخرج الـماء الـداخل1 .



الأوّل: في مطهّريـة الـماء

(1) قد تقدّم في فصل الـمياه أصل مطهّريـة الـماء و عمومها لكلّ متنجّس، سواء كان من الأجسام الـجامدة، أو من الـمايعات، و سواء كان الـمايع ماء مطلقاً، أو ماء مضافاً، أو غيرهما من اللبن و الـدّهن و نحوهما، كما أنّه قد مرّت كيفيـة تطهير الـماء با لـماء، فلا حاجـة إلى الـبحث عنه.

في كيفيـة الـتطهير بماء الـمطر

و أمّا كيفيـة تطهير غير الـماء با لـماء، ففي ماء الـمطر ذكر في الـمتن: أنّه يكفي استيلاؤه على الـمتنجّس بعد زوال الـعين، و بعد الـتعفير في الـولوغ، و كذا في الـكرّ و الـجاري، إلاّ أنّ مقتضى الاحتياط اعتبار الـعصر أو ما يقوم مقامه.
أقول: أمّا ماء الـمطر، فبعد الـفراغ عن عموم مطهّريته ـ كما فصّلنا الـقول فيه في شرح الـمسأ لـة الـتاسعـة عشرة من مسائل الـمياه ـ نقول: بأنّه يكفي فيه مجرّد الاستيلاء على الـمتنجّس بعد زوال الـعين في غير الـولوغ، و لا حاجـة فيه إلى الـعصر


(الصفحة486)


بوجه، و كذا إلى الـتعدّد أيضاً.
و قد يقال في وجهه: إنّ الـنسبـة بين مرسلـة الـكاهلي(1) و ما دلّ على اعتبار الـتعدّد أو الـعصر، عموم من وجه; اذ الـمرسلـة دلّت بعمومها على أنّ «كلّ شيء رآه الـمطر فقد طهر» سواء كان ذلك الـشيء ممّا يعتبرفيه الـعصر، أو الـتعدّد، أم لم يكن.
كما أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على اعتبار الـعصر أو الـتعدّد، عدم الـفرق في ذلك بين أن يصيبه الـمطر، و بين أن يغسل بماء آخر.
فيتعارضان في مثل غسل آنيـة الـخمر با لـمطر، و الـترجيح مع الـمرسلـة; لما قرّر في محلّه من أنّ الـعموم مقدّم على الإطلاق، فإنّ دلالـة الـمرسلـة با لـوضع و الـعموم; لمكان لفظـة «كلّ» فلا يعتبر في إصابـة الـمطر شيء من الـعصر و الـتعدّد، بل يكتفى في تطهيره بمجرّد رؤيـة ا لـمطر.
و أنت خبير: ببطلان هذا الـوجه; لأنّ شمول الـمرسلـة للمقام أيضاً بالإطلاق، لا با لـعموم; ضرورة أنّ اعتبار الـعصر أو الـتعدّد - على فرضه ـ لا يوجب الـتخصيص في الـمرسلـة بإخراج الـمقام، بل يوجب تقييد الـرؤيـة بتحقّق الـعصر بعدها، أو بعدم كونه مرّة واحدة، بداهـة أنّ الـتخصيص، إنّما هو فيما إذا لم يتحقّق الـتطهير بماء الـمطر في مورد أصلاً، لا فيما إذا تحقّق غايـة الأمر مع ضميمـة الـعصر أو الـتعدّد. و هذا من الوضوح بمكان، فدلالة كلا الدليلين إنّما هي بالإطلاق، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر.

(1) هي ما رواه عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: يسيل علىّ من ماء الـمطر، أرى فيه الـتغيّر، و أرى فيه آثار الـقذر، فتقطر الـقطرات عليّ، و ينتضح عليّ منه، و الـبيت يتوضّأ على سطحه، فيكفّ على ثيابنا. قال: «ما بذا بأس، لا تغسله; كلّ شيء يراه ماء الـمطر فقد طهر».
(وسائل الـشيعـة، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 6، الـحديث 5).


(الصفحة487)


كما أنّه ربّما يقال في وجه عدم اعتبار شيء من الأمرين في الـتطهير بماء الـمطر: بأنّه على تقدير تماميـة إطلاق الـدليلين بنحو يشمل الـمقام، يكون رفع الـيد عن إطلاق الـمرسلـة و تقييدها بدليلهما، موجباً لإلغاء خصوصيّـة الـمطر، و ذلك خلاف ظاهر الـروايـة جدّاً، فيتعيّن الـعكس; أعني تقييد دليلي الـعصر و الـتعدّد، و الأخذ بإطلاقها.
و الـظاهر عدم تماميـة هذا الـوجه أيضاً; لأنّ ثبوت خصوصيّـة الـمطر في الـمقام أيضاً، إنّما هو فرع تماميّـة الإطلاق، و تقدّمه على الإطلاق الـمعارض، و إلاّ فلم يقم دليل على ثبوتها فيه أيضاً.
و دعوى كونه خلاف الـظاهر جدّاً، مندفعـة بأنّ الـظهور إنّما نشأ من الإطلاق، و الـكلام فعلاً في تقدّمه على الـمعارض و عدمه.
و دعوى: أنّه لا يبقى حينئذ فرق بين ماء الـمطر و بين غيره من الـمياه; لا فيما لايحتاج إلى الأمرين، و لا فيما يحتاج إليهما أو إلى أحدهما، مدفوعـة أيضاً: بأنّه لم يثبت كون دليل ماء الـمطر ناظراً إلى إثبات خصوصيـة فيه من بين سائر الـمياه، فلعلّ مراده أنّه مع عدم كونه ماءً مجتمعاً و با لـغاً إلى حدّ مخصوص، يكون بحكم الـمجتمع الـبا لـغ، فتجوز استفادة الـتطهير منه.
و ربّما يستدلّ بوجه ثا لـث يجري في خصوص الـعصر: و هو أنّ الـدليل على اعتبار الـعصر في الـغسل، إنّما هو أدلّـة انفعال الـماء الـقليل; لأنّ الـماء الـداخل في جوف الـمتنجّس قليل لاقى متنجّساً، فيتنجّس لا محا لـة مع بقائه في الـجوف، فلابدّ من إخراجه با لـعصر. و من الـواضح أنّ هذا الـدليل، لا يجري في مثل ماء الـمطر من الـمياه الـمعتصمـة; لعدم انفعا لـها بملاقاة الـمتنجّس، فلا وجه حينئذ لاعتبار الـعصر.


(الصفحة488)


و أورد عليه: بأنّ دليل اعتبار الـعصر ليس ما ذكر، بل الـدليل إنّما هو عدم تحقّق عنوان «ا لـغسل» بدون الـعصر; لأنّ مجرّد إدخال الـمتنجّس في الـماء و إخراجه عنه لا يسمّى غسلاً في لغـة الـعرب، و لا ما يرادفه في سائر اللغات، كما أنّه لا فرق من هذه الـجهـة بين أقسام الـمياه أصلاً. و سيأتي الـبحث في هذا الإيراد.
و هنا وجه رابع اختاره بعض الأعلام حيث قال: الـصحيح في وجه عدم اعتبار الـعصر و الـتعدّد في الـغسل با لـمطر، أن يتمسّك بصحيحـة هشام بن سا لـم(1) ا لـدالّـة على كفايـة مجرّد إصابـة الـمطر للمتنجّس في تطهيره، معلّلاً «بأنّ الـماء أكثر ...» حيث دلّت على طهارة الـسطح الـذي يبال عليه إذا رسب فيه الـمطر، فيستفاد منها أنّ للمطر خصوصيـة من بين سائر الـمياه، تقتضي كفايـة إصابته وقاهريّته في تطهير الـمتنجّسات، بلا حاجـة فيه إلى تعدّد أو عصر.
و الـظاهر أنّ الـصحيحـة ـ مضافاً إلى إجمال الـعلّـة الـواردة فيها، و عدم وضوح الـمراد منها ـ لا دلالـة لها على طهارة الـسطح، حتّى يستفاد منها الـخصوصيّـة الـمذكورة; لعدم الـملازمـة، بين الـحكم الـوارد فيها و بين طهارة الـسطح بوجه، كما ذكرناه في بحث الـمياه.
و الـظاهر أنّ الـوجه في ذلك، هو قصور أدلّـة اعتبار الأمرين عن الـشمول للمقام:
أمّا دليل الـعصر، فإن كان هو أدلّـة انفعال الـماء الـقليل ـ كما عرفت في الـوجه الـثا لـث ـ فعدم شموله لماء الـمطر و كذا مثله من الـمياه الـمعتصمـة واضح.

(1) و هي ما رواه عن أبي عبدا لـلّه (عليه السلام): أنّه سأ لـه عن الـسطح يبال عليه، فتصيبه الـسماء، فيكفّ فيصيب الـثوب، فقال «لا بأس به; ما أصابه من الـماء أكثر منه».
(وسائل الـشيعـة، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 6، الـحديث 1).


(الصفحة489)


و إن كان هو عدم تحقّق عنوان الـغسل بدونه ـ كما مرّ في الإيراد على ذلك الـوجه ـ فا لـظاهر تحقّقه بدونه في الـتطهير بماء الـمطر; فإنّ الارتكاز الـعرفيّ في الـغسل بماء الـمطر، ليس إلاّ أن يجعل الـمتنجّس تحته، بحيث يراه الـمطر و يصيب الـمواضع الـمتنجّسـة منه، و لم يعهد بين الـعرف أن يعصر حتّى يتحقّق «يغسل».
كما أنّ عنوان الـتعدّد لايجري في ماء الـمطر، فإنّه ليس ماء مجتمعاً في محلّ حتّى يتحقّق فيه الـتعدّد، بل هو قطرات غير متّصلـة نازلـة، و في مثلها لا مفهوم للتعدّد أصلاً; فإنّ كلّ قطرة لها وجود مستقلّ، و لا معنى لفرض عدّة منها شيئاً واحداً، و فرض عدّة اُخرى شيئاً آخر فتدبّر. هذا بالإضافـة إلى الـعصر.
و أمّا با لـنسبـة إلى الـتعفير، فا لـظاهر لزومه قبل رؤيـة ماء الـمطر، لأنّ دليل مطهّريـة الـمطر، ليس بأقوى ممّا دلّ على اعتبار الـتعفير، بل لا منافاة بين الـدليلين أصلاً; و ذلك لأنّ دليل اعتبار الـتعفير مفاده: أنّ ولوغ الـكلب في الإناء يوجب تنجّسه; بحيث لا يكفي في تطهيره الـماء، بل يتوقّف على الـتعفير با لـتراب.
و إن شئت قلت: إنّ الـولوغ يوجب حصول موادّ مسمّاة في الـعصر الـحاضر بـ (ا لـميكرب) للإناء، و لا يوجب انعدامها إلاّ الـتراب و الأجزاء الـترابيّـة. هذا مفاد دليل اعتبار الـتعفير.
و أمّا دليل الـمطر، فلا دلالـة له على أنّ ماء الـمطر يقوم مقام كلّ مطهّر، حتّى يمكن الـتمسّك بعمومه لمطهّريـة الـكافر أيضاً كالإسلام، بل مدلوله أنّ ماء الـمطر يكفي في مطهّريـة كلّ شيء تتحقّق الـطهارة له با لـماء، فغايـة مدلوله ثبوت خصوصيـة جميع الـمياه من جهـة الـتطهير في ماء الـمطر، و عليه فلا منافاة بينه و بين دليل الـتعفير أصلاً.


(الصفحة490)


و إن أبيت إلاّ عن ثبوت الـمعارضـة بين الـدليلين، و عدم وجود مرجّح في الـبين، فمقتضى الـتساقط في مادّة الاجتماع و الـرجوع إلى استصحاب الـنجاسـة فيها، عدم تحقّق الـطهارة بدون الـتعفير.
و لازم ما أفاده بعض الأعلام: من كون دلالـة الـمرسلـة با لـعموم، و دلالـة الأدلّـة الاُخرى بالإطلاق، عدم الاحتياج إلى الـتعفير في الـمقام أيضاً. ولكنّك عرفت بطلان هذا الـمقال; و أنّ دلالـة الـمرسلـة أيضاً بالإطلاق، كسائر الأدلّـة. هذا كلّه في ماء الـمطر.

في كيفيـة الـتطهير با لـكرّ و الـجاري
فيما يقبل الـعصر

و أمّا في الـماء الـجاري و الـكرّ، فربّما يقال: باعتبار الـعصر فيما يقبله كا لـثياب و نحوها; نظراً إلى أنّ مقتضى الأدلّـة لزوم غسلها; ليتحقّق لها الـطهارة، و «ا لـغسل» مفهوم عرفي لم يرد تحديده في الـشرع، فلا مناص فيه من الـرجوع إلى الـعرف، و هم يرون اعتباره في مفهومه بلا ريب. و من هنا لو أمر الـسيّد عبده بغسل شيء، لا يكتفي الـعبد في امتثا لـه بإدخال الـثوب في الـماء فحسب، بل ترى أنّه يعصره و يخرج غسا لـته.
ولكن يرد عليه: أنّه إن أراد أنّ الـعصر داخل في مفهوم الـغسل مطلقاً، فا لـجواب عنه: أنّ الـغسل إذا كان متعلّقاً بمثل الـجسد، لا يعتبر فيه الـعصر بوجه، و لا يفهم منه هذه الـجهـة، فلا يستفاد من مثل قوله تعا لـى: (اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ ...) إلاّ مجرّد صبّ الـماء عليها و جريه، من دون أن ينتقل الـذهن إلى مفهوم الـعصر، فا لـغسل


(الصفحة491)


بنحو الإطلاق لا يعتبر في مفهومه الـعصر.
و إن أراد أنّ الـعصر داخل في مفهومه مع تعلّقه بما يقبل الـعصر كا لـثياب و نحوها.
ففيه: أنّ هذا لا يسوّغ دعوى مدخليـة الـعصر في الـمفهوم، بل لازمه أنّ إضافـة الـغسل إلى مثل الـثوب، لها دخل في استفادة الـعصر.
مع أنّه أيضاً ممنوع; فإنّ الـعرف لا يرى في الـمثال الـمذكور أنّه لا يجوز أن يكتفي الـعبد في امتثا لـه بإدخال الـثوب في الـماء فحسب، بل يحكم بالاكتفاء.
و يؤيّده: أنّ ملاك الـغسل هي إزا لـة وسخ الـثوب ـ بانتقا لـه بنفسه، أو بعلاج ـ إلى الـماء الـمستولي عليه، و إخراجه من الـماء فضلاً عن عصره، لا مدخليّـة له في تحقّق هذه الـحقيقـة، بل هو أمر أجنبيّ عنها، و من مقدّمات الـتجفيف لا يرتبط با لـغسل.
نعم، في مثل الـفرك و الـدلك ـ من الـمعا لـجات الـحاصلـة في خلال الـغسل عند استيلاء الـماء على الـمحلّ، الـمؤثّرة في نقل الـوسخ إلى الـماء لا الـعصر الـحاصل بعده ـ يمكن أن يقال بمدخليته في ماهيـة الـغسل.
لكن الـظاهر أيضاً خروجها عنها، و كونها من مقدّمات حصول الـمفهوم، لا مقوّمات الـماهيـة، كما أنّ اعتبارها إنّما هو فيما إذا كانت الـنجاسـة عينيّـة متوقّفـة إزا لـتها على مثل هذه الـمعا لـجات، لا ما إذا كانت حكميـة أو ما هو بمنزلتها في عدم احتياج خلوص الـمحلّ منها إلى إعمال هذه الـمعا لـجات.
و قد انقدح ممّا ذكرنا: أنّ الأظهر عدم اعتبار الـعصر، و إن كان الأحوط رعايته.


(الصفحة492)

و لا فرق بين أنواع الـنّجاسات و أصناف الـمتنجّسات، سوى الإناء الـمتنجّس با لـولوغ، أو بشرب الـخمر، و موت الـجرذ، فإنّ الأحوط تطهيره بهما، كتطهيره با لـقليل. بل الأحوط الأولى تطهير مطلق الإناء الـمتنجّس كا لـتطهير با لـقليل، و إن كان الأرجح كفايـة الـمرّة فيه.
و أمّا غيره، فيطهر ما لا ينفذ فيه الـماء و الـنجاسـة بمجرّد غمسه في الـكرّ أو الـجاري، بعد زوال عين الـنجاسـة، و إزا لـة الـمانع لو كان.
وا لـذي ينفذ فيه و لا يمكن عصره ـ كا لـكوز و الـخشب و الـصابون و نحو ذلك ـ يطهر ظاهره بمجرّد غمسه فيهما، و باطنه بنفوذا لـماء الـمطلق فيه; بحيث يصدق أنّه غسل به و لايكفي نفوذ الـرطوبـة. و تحقّق ذلك في غايـة الإشكال، بل الـظاهر عدم تحقّقه إلاّ نادراً.
و مع الـشكّ في تحقّقه بأن يشكّ في الـنفوذ أو في حصول الـغسل به يحكم ببقاء الـنجاسـة.
نعم، مع الـقطع بهما و الـشكّ في بقاء إطلاق الـماء، يحكم با لـطهارة. هذا بعض الـكلام في كيفيّـة الـتطهير با لـكرّ و الـجاري، و سنذكر بعض ما يتعلق به في طىّ الـمسائل الآتيـة1 .



(1) قد مرّ تطهير ما يقبل الـعصر با لـكرّ و الـجاري. و أمّا تطهير غيره بهما.
فتارة: يكون الـغير هو الإناء الـمتنجّس.
و اُخرى: يكون غيره.
و على الـتقدير الأوّل فتارة: يكون الإناء متنجّساً با لـولوغ أو بشرب الـخمر أو موت الـجرذ.


(الصفحة493)


و اُخرى: يكون متنجّسا بغيرها، كا لـدم و الـمنيّ و شبههما.
كما أنّه على التقدير الثاني تارة: يكون غير الإناء شيئاً لاينفذ فيه الماء و لاالنجاسة.
و اُخرى يكون شيئاً ينفذ فيه الـماء و الـنجاسـة، ولكن لا يمكن عصره.
فهنا فروض أربعـة:
ا لـفرض الأوّل: تطهير الإناء الـمتنجّس بأحد الاُمور الـثلاثـة الـمذكورة با لـكرّ أو الـجاري.
و قد احتاط فيه في الـمتن ـ وجوباً ـ بتطهيره بهما كتطهيره با لـقليل; من جهـة رعايـة الـتعدّد، و عدم كفايـة الـمرّة.
و الـكلام في هذا الـفرض تارة: في الـولوغ.
و اُخرى: في شرب الـخمر.
و ثا لـثـة: في موت الـجرذ.

تطهير الإناء الـمتنجّس با لـولوغ

أمّا الـولوغ; فقد يكون ولوغ الـكلب، و قد يكون ولوغ الـخنزير:
أمّا ولوغ الـكلب، فقد نسب الـقول با لـتعدّد فيه في الـتطهير با لـكرّ أو الـجاري إلى جماعـة; لإطلاق موثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سئل عن الـكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل؟ و كم مرّة يغسل؟
قال: «يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الـماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ ذلك الـماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه و قد طهر».

(الصفحة494)


إلى أن قال: «اغسل الإناء الـذي تصيب فيه الـجرذ ميّتاً سبع مرّات».(1)
فإنّ مقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين أن يتنجّس بشيء من الأعيان الـنجسـة، و بين أن يكون متنجّساً با لـمتنجّس.
نعم، في صحيحـة محمّد بن مسلم ما يظهر منه الاكتفاء با لـمرّة، حيث روى عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـكلب يشرب من الإناء.
قال: «اغسل الإناء».
و عن الـسنّور قال: «لا بأس أن تتوضّأ من فضلها; إنّما هي من الـسباع».(2)
فإنّ ظاهر إطلاق الـجواب جواز الاكتفاء با لـمرّة لتحقّق عنوان الـغسل بها.
إلاّ أن يقال: إنّ محطّ الـسؤال إنّما هي جهـة نجاسـة الـكلب و أنّ شربه من الإناء يوجب تنجّسه أم لا، فلا نظر له إلى كيفيّـة الـتطهير و كمّيـة الـغسل بعد الـفراغ عن الـنجاسـة و تنجّس الإناء، فتدبّر.
ولكنّه ربّما يقال في مقام الـجمع بين الـموثّقـة و الـصحيحـة: إنّ الاُولى تختصّ با لـغسل با لـماء الـقليل; لعدم إمكان جعل الـماء الـكثير في الإناء ثمّ تفريغه، خصوصاً مع الـتصريح بـ «ا لـكوز» الـذي لا يمكن جعل الـماء الـكثير فيه أصلاً، فا لـموثّقـة حينئذ مختصّـة با لـماء الـقليل، و عليه فترفع الـيد عن إطلاق الـصحيحـة ـ الـشامل لغسل الإناء با لـقليل أو بغيره من الـمياه الـمعتصمـة ـ با لـتقييد با لـثانيو الـحكم بأنّ الاكتفاء با لـمرّة إنّما هو فيما إذا اُريد غسله بمثل الـجاري أو الـكرّ.
و هنا روايـة ثا لـثـة: و هي صحيحـة الـبقباق قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 2، الـحديث 3.


(الصفحة495)


فضل الـهرّة و الـشاة ... إلى أن قال: فلم أترك شيئاً إلاّ سأ لـته عنه، فقال: «لا بأس به» حتّى انتهيت إلى الـكلب.
فقال: «رجس نجس، لا تتوضّأ بفضله، و أصبب ذلك الـماء، و اغسله با لـتراب أوّل مرّة، ثمّ با لـماء».(1)
و قد نقلها الـمحقّق في محكيّ «ا لـمعتبر» هكذا: «ثمّ با لـماء مرّتين».
و عليه فمقتضى إطلاقها، أنّه لا فرق في لزوم الـتعدّد و عدم جواز الاكتفاء با لـمرّة، بين الـقليل و غيره، كما أنّ مقتضى إطلاق الـروايـة ـ بناءً على نقل «ا لـوسائل» في موضعين ـ جواز الاكتفاء با لـمرّة مطلقاً، و عليه فيقيّد في الـقليل با لـموثّقـة، كما عرفت في الـصحيحـة الـمتقدّمـة، و يبقى الـجواز في غير الـقليل بحا لـه، و يقع الـكلام حينئذ في ترجيح أحد الـنقلين على الآخر.
قال في «ا لـمدارك» بعد ما رواها خا لـيـة عن لفظ «ا لـمرّتين»: كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث، و نقله الـشيخ (قدس سره) كذلك في مواضع من «ا لـخلاف» و الـعلاّمـة في «ا لـمختلف» إلاّ أنّ الـمصنّف نقله في «ا لـمعتبر» بزيادة لفظ «ا لـمرّتين» بعد قوله: «ثمّ با لـماء» و قلّده في ذلك من تأخّر عنه و لا يبعد أن يكون ذلك من قلم الـناسخ.
و مقتضى إطلاق الأمر با لـغسل، الاكتفاء با لـمرّة الـواحدة بعد الـتعفير، إلاّ أنّ ظاهر «ا لـمنتهى» و صريح «ا لـتذكرة» انعقاد الإجماع على تعدّد الـغسل با لـماء، فإن تمّ فهو الـحجّـة، و إلاّ أمكن الإجزاء با لـمرّة; لحصول الامتثال بها.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 1، الـحديث 4، و أبواب الـنجاسات، الـباب 70، الـحديث 1.


(الصفحة496)


ولكنّه ربما يقال: بترجيح نقل «ا لـمعتبر» إمّا لأنّ استدلال الـمحقّق و غيره بها يمنع من احتمال سهو الـقلم، كما أنّ عدم تعرّض الـمحقّق لاختلاف الأصل الـذي روى عنه مع أصل الـشيخ، يشهد بكونها في «ا لـتهذيبين» كذلك. و احتمال كون روايـة الـمحقّق لها با لـزيادة الـمذكورة، من جهـة الاتّفاق على الـتثليث بعيد.
و إمّا لأنّه عند دوران الأمر بين احتما لـي الـزيادة و الـنقيصـة يتعيّن الأخذ با لـزيادة; لأنّ احتمال الـغفلـة في طرف الـزيادة أضعف و أهون من احتما لـها في طرف الـنقيصـة، لأنّ الـناقل قد يغفل فيترك شيئاً و ينقصه، و أمّا أنّه يغفل فيزيد فهو احتمال ضعيف. و تفرّد الـمحقّق في نقلها هكذا، لا يوجب أن يكون احتمال الـغفلـة و الاشتباه في طرف الـزيادة أقوى و آكد، بعد ما عرفت من استدلاله و غيره بها.
و يؤيّده الإجماع الـمحكيّ في «ا لـمسا لـك» في الـعبارة الـمتقدّمـة; فإنّ ظاهر إطلاق معقده لزوم الـتعدّد حتّى في الـغسل با لـمياه الـمعتصمـة. إلاّ أن يقال: بأنّ الـقدر الـمتيقّن خصوص الـماء الـقليل.
و كيف كان: فبملاحظـة ما ذكرنا يظهر أنّ الأحوط لو لم يكن أقوى هو الـتعدّد. هذا في الـكلب.
و أمّا ولوغ الـخنزير، فقد ورد فيه صحيحـة عليّ بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) حيث قال: و سأ لـته عن خنزير يشرب من إناء، كيف يصنع به؟
قال: «يغسل سبع مرّات».(1)
و مقتضى إطلاقها أنّه لا فرق في لزوم الـتعدّد بين الـغسل با لـماء الـقليل، و بين الـغسل بغيره من الـمياه الـمعتصمـة.

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 13، الـحديث 1.


(الصفحة497)


ولكنّه ربّما يستبعد أصل وجوب الـغسل سبع مرّات; بمنافاتها لما ورد في صدرها حيث قال في الـصدر: سأ لـته عن الـرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغلسه، فذكر و هو في صلاته، كيف يصنع به؟
قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله».
نظراً إلى دلالته على الاكتفاء بمجرّد الـغسل الـمتحقّق با لـمرّة في ذهاب أثر الـخنزير الـمنتقل منه إلى الـثوب، و هذا ينافي إيجاب الـسبع في الـذيل في الإناء، مع أنّ تطهير الـثوب أصعب من تطهير الإناء.
و يدفعه: مضافاً إلى أنّ هذا الـنحو من الاستبعادات الـعقليـة، لا مجال له في الأحكام الـشرعيـة الـتعبّديـة ـ أنّ الـفرق يمكن أن يكون لأجل اهتمام الـشرع بشأن الإناء الـمعدّ للأكل و الـشرب، بخلاف الـثوب كما لا يخفى.
و كيف كان: فمقتضى إطلاق الـصحيحـة لزوم الـتعدّد في الـغسل با لـماء الـمعتصم أيضاً، و ليس في مقابلها ما يدلّ على الـخلاف إلاّ بعض الإطلاقات الـمحمول على غير الـخنزير من سائر الـنجاسات و الـمتنجّسات، كما أنّه لابدّ من تقييده بغير الـكلب أيضاً على ما عرفت.

تطهير الإناء الـذي شرب فيه الـخمر

و أمّا الإناء الـذي شرب فيه الـخمر، فقد وردت فيه روايتان:
إحداهما: موثّقـة عمّار بن موسى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـدّن يكون فيه الـخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ أو زيتون؟
قال: «إذا غسل فلا بأس».

(الصفحة498)


و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أيصلح أن يكون فيه ماء؟
قال: «إذا غسل فلا بأس».
و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الـخمر.
قال: «تغسله ثلاث مرّات».
و سأل أيجزيه أن يصبّ فيه الـماء؟
قال: «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات».(1)
و لا منافاة بين صدرها و ذيلها، بناءً على كونها بأجمعها روايـة واحدة صادرة في مجلس واحد; لأنّه يحتمل:
أوّلاً: أن يكون الـصدر متعرّضاً لبيان أصل الـنجاسـة و لزوم الـغسل، من دون نظر إلى كيفيـة الـتطهير.
و ثانياً: على تقدير كونه في مقام الـبيان من هذه الـجهـة، لابدّ وأن يقيّد إطلاق الـصدر با لـذيل الـصريح في تعدّد الـغسل.
كما أنّ الـمناقشـة في الـذيل; من جهـة احتمال كون الـتعدّد منحصراً بما إذا اُريد غسله با لـماء الـقليل، و يؤيّده السؤال الأخير من جهـة اشتما لـه على كلمـة «ا لصبّ» الـظاهرة في الـقليل في مثل الـقدح و الإناء، مدفوعـة بأنّ الـسؤال لا دلالـة له على الاختصاص، ومقتضى الإطلاق الواقع قبله، لزوم الـتعدّد في الغسل بغير الـقليل أيضاً.
ثانيتهما: موثّقته الاُخرى عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): عن الإناء يشرب فيه الـنبيذ.
فقال: «تغسله سبع مرّات، و كذلك الـكلب».(2)

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 51، الـحديث 1.
(2) وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 30، الـحديث 2.


(الصفحة499)


و هذه تدلّ على وجوب الـغسل سبع مرّات، ولكن مقتضى الـجمع بينهما هو حمل هذه على الاستحباب، كما هو مقتضى الـفهم الـعرفي في أمثال الـمقام، و يؤيّده اشتمال هذه على الـكلب الـذي لا يلزم فيه الـزائد على الـثلاث كما عرفت.

تطهير الإناء الـمتنجّس بموت الـجرذ

و أمّا موت الـجُرَذ و هو الـكبير من الـفأرة الـبريّـة، فمقتضى ذيل موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة الـواردة في ولوغ الـكلب، وجوب الـغسل سبع مرّات، حيث قال فيه: «اغسل الإناء الـذي تصيب فيه الـجرذ ميّتاً سبع مرّات».(1)
و اختصاص موردها في الـكلب با لـقليل بلحاظ اشتما لـه على الـحكم بوجوب صبّ الـماء فيه، ثمّ تفريغه و الـصبّ، و الـتفريغ إنّما هما في مورد الـقليل لا يلزم أن يكون الـذيل الـوارد في موت الـجرذ الـمشتمل على كلمـة «ا لـغسل» مختصّاً با لـماء القليل أيضاً، فمقتضى إطلاق الـذيل عدم الـفرق بينه و بين غيره من الـمياه المعتصمة.

تطهير الإناء الـمتنجّس بغير الاُمور الـمذكورة

ا لـفرض الـثاني: تطهير الإناء الـمتنجّس بغير الاُمور الـثلاثـة أو الأربعـة الـمذكورة في الـفرض الأوّل.
قال في محكيّ «ا لـذكرى»: لا ريب في عدم اعتبار الـعدد في الـجاري و الـكثير في غير الـولوغ.
و قال قبل ذلك في الـولوغ: و لا يشترط فيهما الـعدد ... .

(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.


(الصفحة500)


و ظاهره أنّ الـمسأ لـة كأنّها متسا لـم عليها عند الأصحاب. و ما يمكن الاستدلال به لها اُمور:
أحدها: انصراف دليل اعتبار الـعدد إلى الـغسل با لـماء الـقليل، و عدم شموله للغسل بغيره من الـمياه الـمعتصمـة، فا لـمرجع فيه هي الإطلاقات، و مقتضاها الاكتفاء با لـغسل مرّة واحدة.
و الـجواب عنه: منع الانصراف; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ غلبـة الـوجود لا تكون منشأً للانصراف، بل منشأه هي غلبـة الاستعمال الـمنتفيـة في الـمقام قطعاً ـ تكون غلبـة الـوجود ممنوعـة أيضاً; لأنّ الـحياض الـمعمولـة في هذه الازمنـة و إن لم تكن متداولـة في تلك الـعصور، إلاّ أنّ الـغسل با لـماء الـمعتصم كان رائجاً بينهم لأجل الـسكنى في أطراف الـبحار و الـشطوط، أو الـغدران الـتي كانت الـمياه الـمجتمعـة فيها أضعاف الـكرّ غا لـباً، خصوصاً في مثل الـشتاء.
ثانيها: ما حكاه الـعلاّمـة في «ا لـمختلف»: من أنّه ذكر بعض علماء الـشيعـة أنّه كان با لـمدينـة رجل يدخل على أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام)، و كان في طريقه ماء فيه الـعذرة وا لـجيفـة، و كان يأمر الـغلام أن يحمل كوزاً من ماء يغسل به رجله إذا خاضه.(1)
قال فأبصرني(2) يوماً أبوجعفر (عليه السلام) فقال: «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره، فلاتعد منه غسلاً».(3)

(1) أصابه (خ ل).
(2) فأبصره (خ د).
(3) مستدرك الـوسائل، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 9، الـحديث 8.

<<التالي الفهرس السابق>>