في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة121)



شرط الاتصال يقتضي عدمه ; لأنّ كلّ واحد من الأزمنة التي تشتمل عليها مدّة الإجارة معقود عليها ، وليس غير الجزء الأوّل متّصلاً بالعقد ، ومتى كان اتصال باقي الأجزاء غير شرط فكذا اتصال الجميع .
وقد دفع هذا القول بأنّ للزمان وحدة اتصالية ; لأنّه ليس بآنات متتالية ، وهذا المتصل الوحداني متصل بحال العقد .
وأورد على هذا الجواب المحقّق الرشتي (قدس سره)(1) بأنّه مع دقّة النظر وعدم الإحالة إلى العرف يلزم عند من يشترط الاتصال فساد تحديد المنفعة بالزمان مطلقاً ، متصلاً كان أو منفصلاً، وذلك لاستحالة الجزء الذي لايتجزّأ ، وعليه فلا يعقل الاتصال ولو بجزء من المدّة إلاّ على القول بالجزء الذي لايتجزّأ .
ولكنّه دفعه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) : بأنّ القسمة الممكنة متناهية دون الأعمّ منها ومن الوهمية ، ولا شبهة في وقوع العقد في زمان خاصّ ، مع أنّ ذلك الزمان أيضاً قابل للقسمة ، فبناءً على هذا التوهّم يلزم وقوع العقد فيما لايتناهى ، وانطباق المتناهي على غير المتناهي محال ، فهذه المدّة المضروبة للمنفعة متصلة خارجاً بزمان العقد ، وإن كانت من حيث قبول المتصل الواحد للانقسامات غير متناهية ، فهي متناهية بالفعل غيرمتناهية بالقوّة فلم يلزم استحالة اتصال المدّة بحال العقد(2).
وأُورد عليه بأنّ القسمة التي بها تتقوّم الكمّيات هي القسمة الوهمية ، ضرورة أنّ ما يراد من القسمة هنا هي القسمة التي لاتتغيّر بها صورة المقسوم ، والقسمة الحقيقية توجب انعدام الصورة الاُولى ، وحصول صور متعدّدة حسب تعدّد

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 226 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 161 .

(الصفحة122)



الأقسام ، فالكمّ الذي أُخذ القسمة في تعريفه لا يُراد بالقسمة المأخوذة فيه إلاّ الوهمية منها ، والمفروض أنّها غير متناهية كما اعترف به (قدس سره) .
ويمكن الجواب عن هذا الإيراد بأنّه (قدس سره) لم يرد من القسمة المقابلة للوهمية القسمة التي توجب انعدام صورة المقسوم فعلاً ، بل المراد بها هي القسمة التي لو فرض تحقّقها في الخارج لكانت موجبة لذلك ، ولكنّها لم تتحقّق في الخارج ، ومن المعلوم تناهي هذه القسمة كما هو غير خفيّ .
إذا عرفت ماذكرنا فلنرجع إلى أصل المسألة ، ولنتكلّم في مقام الإثبات الذي هو العمدة فيها ، فنقول : إنّ ما قيل في وجه اعتبار اتصال المدّة بالعقد أُمور :
أحدها : ما استدلّ به الشيخ (قدس سره) في الخلاف في عبارته المتقدّمة : من أنّ عقد الإجارة حكم شرعيّ ، ولا يثبت إلاّ بدليل ، وليس على صحّة الانفصال دليل ، فوجب أن لايكون صحيحاً .
والجواب عنه أنّه يكفي في الدليل على الصحّة مع الانفصال عموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(1) وشبهه من الأدلّة العامّة الدالّة على لزوم الوفاء بكلّ عقد ، ولم يرد دليل على اشتراط الاتصال في صحّة عقد الإجارة ، وبهذه العمومات الدالّة على اللزوم نستكشف الصحّة أيضاً ; للملازمة بين اللزوم والصحّة ، ودعوى أنّ العمومات تدلّ على اللزوم في العقود التي كانت صحيحة عند العقلاء ولم يعلم ذلك في المقام ، مدفوعة بأنّ تعارف عقد الإجارة مع انفصال المدّة ممّا لاينبغي الارتياب فيه ، كما يظهر بالمراجعة إلى الناس في إجاراتهم ، بل نقول : إنّ مجرّد التعارف عند العقلاء مع عدم ورود الدليل على شرطية الاتصال يكفي في الحكم بعدم اعتباره ، ولا حاجة

(1) سورة المائدة 5 : 1 .

(الصفحة123)



إلى التمسّك بالعمومات ، فتدبّر .
ثانيها : إنّ القدرة على التسليم من شرائط صحّة عقد الإجارة ، وانفصال المدّة لاتجامعها ; لأنّ المعتبر من القدرة هي القدرة الفعلية حال العقد ، كما هو مقتضى الأصل في الشرط ، ولا تجدي القدرة المتأخّرة إلاّ بدليل خاصّ ، ومن الواضح عدم كون تسليم المنفعة المتأخّرة مقدوراً حال العقد ; لتقيّدها بالزمان المتأخّر .
والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ القدرة على التسليم بعنوانها لا دليل على اعتبارها في صحّة عقد الإجارة ، بل عدم ثبوتها قد يكون قادحاً من جهة أنّه لاتعتبر الملكيّة بدونها ، وقد يكون من جهة أنّه مع فقدها تكون المعاملة سفهية غير مشمولة للادلّة ، وثالثة من جهة الغرر والجهالة والخطر ، وليس في المقام شيء من ذلك . وإلى أنّ القدرة على التسليم متحقّقة حال العقد ; لوضوح أنّ القدرة على تسليم العين حين العقد قدرة على تسليم جميع المنافع إلى الأبد ، وإلاّ يلزم الإشكال مع اتصال المدّة أيضاً بالنسبة إلى الأجزاء المتأخّرة كما هو ظاهر ـ : أنّه لا دليل على اعتبار القدرة الفعلية ; ضرورة أنّ مناسبة الشرط والمشروط لا تقتضي إلاّ اعتبار الشرط في ظرف تحقّق المشروط وترتّب الأثر عليه ، كيف وإلاّ يلزم بطلان مثل بيع السلف والسلم مع عدم القدرة حال العقد ، وغير ذلك من الموارد ، فالقدرة المعتبرة هي القدرة على التسليم في ظرف ترتّب الأثر على العقد وحصول التأثير ، كما هو ظاهر .
ثالثها : ما استدلّ لأبي الصلاح(1) من أنّ العقود والإنشاءات علل للأحكام ، فيلزم الاتصال لئلاّ يلزم تخلّف المعلول عن العلة ، ومرجعه إلى أنّه مع الامتناع

(1) مفتاح الكرامة: 7 / 149 واُنظر الكافي في الفقه : 349 وكتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 225 .

(الصفحة124)



لايكاد يشمله دليل الصحّة ، وإن كان ظاهره العموم ، فالفرق بينه وبين الوجه الأوّل ظاهر .
واُجيب عنه بأنّ الزمان في المنفعة يصحّ اعتباره جزءاً ، فكلّ زمان ذكر في الإجارة دخل في ملك المستأجر فعلاً بعد العقد ، وإن تأخّر زمان المملوك ، فالمعلول وهي الملكيّة الحادثة بحدوث العقد لم يتخلّف عن العلّة إلاّ بناءً على المبنى الفاسد المتقدّم ; وهو تبعية ملكيّة المنفعة ; لوجودها على ما ذهب إليه أبو حنيفة كما عرفت ، وعلى هذا المبنى لا يختصّ الإشكال بصورة انفصال المدّة .
ويمكن الجواب عنه أيضاً بمنع كون باب العقود ـ ومثله من الاعتباريات ـ من قبيل الأسباب والمسبّبات التكوينية ، فإنّ هذا الباب يدور مدار الاعتبار ، وليس فيه تأثير وتأثر حقيقة حتّى يمتنع تحقّق المؤثر من دون حصول الأثرعقيبه. والإنصاف أنّ كثيراً من الإشكالات في الموارد المختلفة ينشأ من هذه المقايسة الفاسدة .
رابعها : ما يقال : من اقتضاء الانفصال التعليق في الإجارة ، وهو لا يخلو عن الإشكال لو لم يكن ممنوعاً .
والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل على بطلان التعليق في مطلق العقود ـ : أنّه ليس في المقام تعليق أصلاً لا في الإنشاء ولا في المنشأ ; ضرورة أنّه ينشئ ملكيّة منفعة الدار في الشهر المستقبل منجّزاً ، وتتحقّق الملكيّة كذلك من دون توقّف على حصول شيء أصلاً .
نعم ، هنا شبهة ; وهي أنّه على تقدير إنكار الواجب المعلّق ـ كما ذهب إليه جمع من المحقّقين(1) ـ ربما يتوجّه الإشكال هنا من جهة أنّه بمجرّد تماميّة العقد يجب الوفاء

(1) راجع مطارح الأنظار : 51 ، وكفاية الاُصول : 127 ، وفوائد الاُصول : 1 / 186 .

(الصفحة125)



به على الطرفين بمقتضى صحّة العقد ولزومه كما هو المفروض ، فيجب على المؤجر تسليم العين لعدم تحقّق الوفاء بدونه ، لكن التسليم الواجب ليس هو التسليم بعد العقد بلا فصل ضرورة ، بل هو التسليم عند حضور المدّة لأجل استيفاء المنفعة فيها ، فالوجوب فعليّ والواجب استقبالي ، ولا تنحصر هذه الشبهة بالمقام ، بل تجري في كثير من الموارد ، كما إذا باع العين المستأجرة من غير المستأجر ، وغيره من الموارد المشابهة له ، فإنّه مع إنكار الواجب المعلّق لابدّ من التخلّص ولا طريق إليه ظاهراً ، إلاّ بأن يقال : إنّ مضيّ المدّة الفاصلة في هذه الموارد من جملة الشرائط لتمامية السبب وحصول الإرادة .
نظير ما ربما يحتمل في الطلاق الرجعي من أنّ انقضاء العدّة فيه شرط لحصول البينونة والانقطاع ، إلاّ أنّ الالتزام بذلك في المقام مرجعه إلى عدم وجوب الوفاء بعقد الإجارة قبل حضور الشهر المستقبل ، فيجوز للمؤجر إجارتها من مستأجر آخر مدّة متّصلة مشتملة على المدّة المنفصلة أيضاً ، إلاّ أن يقال : إنّ مضيّ المدّة هنا نظير التقابض في باب الصرف ، حيث إنّ العقد لا يكون تامّاً بدونه ، مع أنّه يجب التقابض على المتعاقدين كما قيل ، والذي يهوّن الخطب أنّ هذه الشبهة إنّما تبتني على إنكار الواجب المعلّق ، وقد حقّق في محلّه أنّه لامجال للإنكار أصلاً .
خامسها : ماحكي عن التنقيح(1) والمسالك(2) من أنّ العقد يقتضي استحقاق التسليم بعده ، فيكون الانفصال منافياً لمقتضى العقد .
وأجاب عنه المحقّق الرشتي (قدس سره) بأنّ استحقاق التسليم من مقتضيات إطلاق العقد

(1) التنقيح الرائع : 2 / 269 .
(2) مسالك الأفهام : 5 / 194 .

(الصفحة126)



لا ماهيّته ، فيصحّ اشتراط الانفصال ، هذا على مذاق القوم ، وأمّا على طريقتنا من عدم الفرق بين منافي مقتضى الإطلاق ومقتضى الماهية في الفساد ، فالجواب أنّ الزمان مأخوذ جزءاً للمنفعة ، وإذا اشترط الانفصال كان الذي يدخل في ملك المستأجر هو العمل في الزمان المذكور دون غيره(1) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بعد الاستظهار من كلامه أنّه كما أنّ الملكيّة فعلية والمملوك متأخّر ، كذلك الاستحقاق فعليّ وما يستحقّه متأخّر ، بأنّ الاستحقاق الذي هو بمعنى السلطنة على ماله بحسب حاله لايعقل أن يتعلّق فعلاً بأمر استقباليّ ، فإنّه ليس إلاّ بمعنى السلطنة ، وتعلّقها بأمر كذلك محال(2) .
ولكنّه أجاب عن أصل هذا الوجه بأنّ استحقاق التسليم ليس من مقتضيات العقد بما هو ، بل من مقتضيات الملك ; لتسلّط الناس على أموالهم ، فلا محالة يتبع كيفيّة المال المملوك ، فإذا كانت المنفعة الحالية مملوكة فلمالكها السلطنة على تسلّمها حالاً ، وإذا كانت المنفعة الآتية مملوكة كان له السلطنة على تسلّمها في ظرفها ، فالملك لايقتضي سلطاناً مطلقاً على المال ، بل على حسب حاله كالثمن المؤجّل في البيع ، وكالأُجرة المؤجّلة هنا ، ولعلّه المراد من أنّ الاستحقاق من مقتضيات إطلاق العقد لا ذاته(3) .
أقول : يمكن الإيراد على المحقّق الأوّل ; بأنّ المراد من كون استحقاق التسليم من مقتضيات إطلاق العقد إن كان هو أنّ العقد مع اتّصافه بالإطلاق الذي هو عبارة عن اللابشرط المقسمي يقتضي الاستحقاق ، وشرط الانفصال ينافيه ، ففي الحقيقة

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 226 .
(2 ، 3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 160 ـ 161 .

(الصفحة127)



يكون شرط الانفصال منافياً للإطلاق بهذا المعنى .
ففيه : أنّه كما أنّ شرط الانفصال يكون منافياً للإطلاق بهذا المعنى، كذلك شرط الاتصال يكون منافياً ; لأنّ شرط كلّ واحد من الأقسام ينافي إطلاق المقسم القابل للصدق على جميع الأقسام كما هو واضح . وإن كان المراد من الإطلاق هو اللابشرط القسمي فشرط الانفصال ينافيه ، ولا يندفع الإشكال ـ بناءً على كون الشرط المنافي للإطلاق أيضاً فاسداً ـ بما أفاده ; لأنّ ماهو مقتضى الإطلاق هو الاستحقاق الذي يكون كلّ واحد منه ومن المستحقّ أمراً فعليّاً لا استقبالياً ، ضرورة أنّ مقتضى الإطلاق لزوم التسليم بعد العقد بلا فصل ; لثبوت الاستحقاق كذلك ، فكون الاستحقاق فعلياً وما يستحقّه متأخّراً لا يخرجه عن المنافاة لمقتضى الإطلاق .
نعم ، لايرد عليه ما أورده المحقّق الإصفهاني من استحالة تعلّق الاستحقاق بأمر استقبالي ; لأنّ ادّعاء الاستحالة في الاُمور الاعتبارية التي تدور مدار الاعتبار ممّا لا وجه له ، كما أنّه يمكن الإيراد عليه أيضاً بمنع ما أفاده من كون الاستحقاق من مقتضيات الملك دون العقد ، فإنّ مقتضى النظر في كيفيّة المعاملات ووضعها عند العقلاء هو كون استحقاق التسليم والتسلّم من مقتضيات نفس المعاملة لا الملكيّة المترتّبة عليها .
والحقّ في الجواب هو أنّ شرط الانفصال ينافي مقتضى إطلاق العقد ، ولكنّه لادليل على فساد الشرط المنافي لمقتضى الإطلاق على ما قرّر في محلّه .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المقام أنّه لا ينهض شيء من الوجوه الخمسة المتقدّمة لإثبات اعتبار اشتراط اتّصال مدّة الإجارة ، أو إثبات قادحية اشتراط المدّة المنفصلة ، كما عرفت .


(الصفحة128)



المقام الثالث : فيما لو أطلقت مدّة الإجارة من حيث الاتصال والانفصال ; بمعنى عدم لحاظها متصفة بأحد الوصفين واقعاً ، كما إذا آجر داره شهراً من سنة معيّنة من دون أن يتعلّق غرضه بخصوصية شهر من شهورها ، ولا أن يتعرّض في متن العقد للتعيين أصلاً ، فظاهر كلام الشيخ (قدس سره)بل صريحه في المبسوط(1) والخلاف(2) الحكم بالبطلان ، كما إذا اشترط انفصال المدّة ، والظاهر أنّه لا دليل على البطلان . والوجوه الخمسة المتقدّمة في المقام الثاني أكثرها يدلّ على مانعية الانفصال لاشرطية الاتّصال . نعم ، مقتضى الوجه الأوّل البطلان في المقام أيضاً ، وقد عرفت عدم تماميّة شيء منها .
والظاهر أنّ الحكم في المقام صحّةً وبطلاناً يدور مدار الغرر وعدمه ، وعليه فإن كانت الأشهر مختلفة من حيث المالية فلا إشكال في ثبوت الغرر والخطر ، وإن لم تكن كذلك كما إذا آجره الدار شهراً من شهور الصيف أو الشتاء مع عدم اختلاف الشهور في المالية ، فإن قلنا : بأنّ الغرر الذي يوجب الحكم بالبطلان هو الغرر النوعي ، فالظاهر الحكم بالبطلان في المقام أيضاً ، وإن قلنا : بأنّ المدار على الغرر الشخصي ، فاللاّزم الحكم بالصحّة لعدم ثبوت الغرر والخطر ، فتدبّر .
ثمّ إنّه ربما يفصّل كما في الجواهر(3) بين الأعيان والأعمال باعتبار التعيين في الاُولى دون الثانية ; نظراً إلى كفاية تقدير نفس العمل في الثانية بخلاف الأوّل ، مضافاً إلى ما حكي عن التذكرة(4) من نفي الخلاف عن اعتبار التعيين في الاُولى ،

(1) المبسوط: 3 / 230.
(2) الخلاف : 3 / 496 مسألة 13 .
(3) جواهر الكلام : 27 / 273 .
(4) تذكرة الفقهاء : 2 / 317 .

(الصفحة129)



وقد تقدّم البحث في هذا فراجع(1) .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مراد الشيخ (قدس سره) من الإطلاق الذي حكم ببطلانه هو الإطلاق بمعنى عدم لحاظ المدّة ، لا متّصلة ولا منفصلة ; وهو الذي تكلّمنا فيه في هذا المقام ، وأمر هذا الإطلاق يدور بين الصحّة والبطلان . ولا مجال لدعوى اقتضائه الاتصال ـ كما ربما يظهر من عبارة الشرائع(2) ـ فإنّه مع وضوح المراد وظهور الغرض كيف يمكن الحمل على أمر آخر يعلم بعدم تعلّق الغرض إليه ؟ وأصالة إرادة المسلم الوجه الصحيح إنّما تجدي في خصوص صورة الشكّ ، ولا مجال لها مع العلم بالمراد كما هو واضح ، فالنزاع في هذا الإطلاق إنّما هو في صحّته كما اخترناه ، أو بطلانه كما هو ظاهر كلام الشيخ بل صريحه .
نعم ، الإطلاق بالمعنى الآخر وهو الإطلاق الذي يكون مقسماً للأقسام الثلاثة : الاتّصال ، والانفصال ، وعدم لحاظ شيء منهما ، يمكن البحث فيه في أنّه هل يقتضي الاتصال أم لا ؟ ولكنّه خارج عن كلام الشيخ (قدس سره) . ودعوى أنّه كيف يعقل أن يكون المقسم مقتضياً لواحد معين من الأقسام ، مع اشتمال كلّ واحد منها على قيد زائد على المطلق ، الذي تشترك الأقسام فيه فلا معنى لاقتضائه لخصوص واحد من التعيّنات ، مدفوعة بأنّ الأمر وإن كان كذلك إلاّ أنّه ربما يكون بعض الأقسام وبعض القيود المأخوذ فيه كأنّه ليس بقيد عند العرف ، ولايحتاج إلى مؤونة زائدة ، كما هو كذلك في الواجب النفسي والغيري عند دوران الأمر بينهما ، حيث إنّ الإطلاق يقتضي الوجوب النفسي مع أنّه قسم من الوجوب في مقابل الغيري ،

(1) في ص117 ـ 118 .
(2) شرائع الإسلام : 2 / 183 .

(الصفحة130)



وكذلك التعييني في مقابل التخييري ، والعيني في مقابل الكفائي ، وأشباه ذلك من الموارد .
والسرّ في ذلك أنّ الإطلاق الذي يحمل على بعض القيود ليس هو الإطلاق المقابل للمقيّد ، حتّى لا يعقل اقتضاؤه بوصف الإطلاق لشيء من القيود ، بل المراد به هو خلوّ الكلام عن القرينة المعيّنة مع كون المراد واحداً من التعيّنات ، لا نفس المطلق بوصف كونه كذلك ، وحينئذ فالكلام يحمل على مالا يحتاج من القيود إلى مؤونة زائدة عند العرف ، كما في الأمثلة المذكورة .
والإنصاف وقوع الخلط بين الإطلاق بهذا المعنى ، وبين الإطلاق الذي هو المقسم المأخوذ بنحو اللابشرط في كلمات جماعة حتّى بعض المحقّقين .
وقد انقدح ممّا ذكرنا صحّة الإجارة بنحو الإطلاق المقسمي ، وأنّ الكلام الخارج عن القرينة المعيّنة لواحد من التعيّنات يحمل على الاتّصال ; لعدم احتياجه عرفاً إلى مؤونة زائدة ، بخلاف الانفصال والإطلاق القسمي ، فإنّ كلاًّ منهما يفتقر إلى إقامة قرينة واضحة ، وبدونها لايكاد يلتفت إليه العرف كما لا يخفى .


(الصفحة131)

[عقد الإجارة من العقود اللاّزمة]

مسألة  : عقد الإجارة لازم من الطرفين لاينفسخ إلاّ بالتقايل أو بالفسخ مع الخيار ، والظاهر أنّه يجري فيه جميع الخيارات إلاّ خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار التأخير ، فيجري فيها خيار الشرط وتخلّف الشرط والعيب والغبن والرؤية وغيرها ، والإجارة المعاطاتية كالبيع المعاطاتي لازمة على الأقوى ، وينبغي فيها الاحتياط المذكور هناك 1 .


1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة بعد ملاحظة تقدّم البحث عن جريان المعاطاة في الإجارة في مقامات :
المقام الأوّل : في لزوم عقد الإجارة ، ونقول : لا ينبغي الإشكال في أنّ الإجارة من العقود اللاّزمة ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى العمومات التي تستفاد منها أصالة اللزوم في كلّ عقد شك في لزومه وجوازه ، وكذا غير العمومات من سائر أدلّة أصالة اللزوم ـ النصوص الخاصّة الواردة في المقام ; مثل صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقلّ ؟ قال : الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه ، والخيار في أخذ الكراء إلى ربّها ، إن شاء أخذ وإن شاء ترك(1) .
وحيثيّة السؤال في الرواية وإن لم تكن مستفادة من نفس السؤال ، إلاّ أنّ الجواب يشهد بكون مورد السؤال هو جواز فسخ الإجارة بحيث لم يكن على الرجل جميع الكراء إلى آخر الوقت المعيّن في العقد ، وعليه فالحكم بوجوب الجميع

(1) الكافي : 5 / 292 ح1 ، الفقيه : 3 / 159 ح697 ، التهذيب : 7 / 209 ح920 ، وسائل الشيعة : 19/110 ، كتاب الإجارة ب7 ح1 .

(الصفحة132)



ولزومه عليه مساوق للحكم باللزوم ، كما هو ظاهر .
وأصرح من هذه الرواية في الدلالة على اللزوم ما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، أنّه كتب إلى أبي الحسن علي بن محمّد العسكري (عليه السلام) في رجل دفع ابنه إلى رجل وسلّمه منه سنة باُجرة معلومة ليخيط له ، ثمّ جاء رجل فقال : سلّم ابنك منّي سنة بزيادة ، هل له الخيار في ذلك ؟ وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف(1) .
وهنا روايات اُخر يستفاد منها مفروغية لزوم الإجارة(2) ، لكنّه يمكن أن يقال بعدم الحاجة في إثبات لزوم الإجارة إلى ملاحظة الدلالة ، بل الجواز إنّما يحتاج إليها ، وذلك لأنّ العهود المعامليّة المتعارفة بين العقلاء كلّها مبنية على اللزوم ، والكاشف عنه تقبيح العقلاء على ترك الوفاء بما التزمه المتعاهدان على تقدير تحقّقه من واحد منهما مع عدم رضى الآخر ، إذ لا معنى للتقبيح على فرض عدم اللزوم ، وحينئذ بعد تقرير الشارع لشيء منها المستكشف من عدم الردع يعلم لزومه عنده أيضاً ، إلاّ أن يقوم دليل على الجواز ، وعليه فمجرّد عدم قيام الدليل على الجواز يكفي في ثبوت اللزوم .
المقام الثاني : في مشروعية التقايل في الإجارة وعدمها ، فنقول : ظاهر الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ أنّ مشروعية التقايل لا تختصّ بباب البيع ، بل هو مشروع في الإجارة أيضاً ، بل في كلّ عقد لازم . وقد استشكل على ذلك بعض

(1) الفقيه : 3 / 106 ح441 ، وسائل الشيعة : 19 / 118 كتاب الإجارة ب15 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 19 / 134 ، كتاب الإجارة ب24 .

(الصفحة133)



المحقّقين ; بأنّ الأدلّة اللفظية قاصرة عن الشمول لما عدا البيع ، نظراً إلى أنّ الروايات الواردة في الإقالة بين ما ورد في البيع أو في التجارة الظاهرة فيه، وبين ما لا إطلاق له لكونه بصدد بيان أمر آخر ، كخبر سماعة بن مهران : أربعة ينظر الله إليهم يوم القيامة : [أحدهم] من أقال نادماً الخبر(1) ، فإنّ المراد به إقالة النادم في مورد مشروعيّتها ، فهو كما إذا قيل : من تزوّج فله ثواب كذا أي بشرائطه ، فلا يؤخذ بإطلاقه(2) .
ويمكن أن يقال : إنّ ذكر البيع في كثير من الروايات ليس لأجل اختصاص مشروعية الإقالة به ، بل لكونه أظهر أنواع المعاملات وأكثرها أفراداً ، ويؤيّده استفادة الفقهاء منه عدم الاختصاص ، وتسريتهم الحكم إلى غير البيع ، من دون أن يكون له دليل بالخصوص ، ويؤيّده أيضاً ـ مضافاً إلى أنّ المذكور في بعض الروايات عنوان التجارة ، وظهورها في البيع غير معلوم لولم يستظهر منها عدم الاختصاص ; لظهور عدم انحصار حكمة الإقالة بباب البيع ، فهو نظير قوله تعالى : {إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض}(3) ـ إنّ ذكر البيع هنا إنّما هو كذكره في مورد النهي عن الغرر ، مع أنّ النهي عنه لا ينحصر بالبيع .
ويؤيّده أيضاً رواية واردة في مضاربة الأجير مع رجل آخر غير المستأجر ، الدالّة على إناطة الجواز بإذن المستأجر(4) ، فإنّه يحتمل فيها أن يكون المراد بإذنه هو الرضا بفسخ الإجارة كما لايبعد .

(1) الخصال : 224 ح55 ، وسائل الشيعة : 17 / 387 ، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب3 ح5 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 10 .
(3) سورة النساء 4 : 29 .
(4) الكافي : 5 / 287 ح1 ، التهذيب : 7 / 213 ح935 ، وسائل الشيعة : 19 / 112 ، كتاب الإجارة ب9 ح1 .

(الصفحة134)



ومع قطع النظر عمّا ذكرنا وفرض الشكّ في مشروعية الإقالة في عقد لازم لامجال لدعوى اقتضاء القاعدة لها ; نظراً إلى أنّ حقيقة المعاقدة متقوّمة بالالتزامين من الطرفين ، فمع رفعهما اليد عنها لايبقى موضوع لها .
وذلك لأنّه كما أنّ تحقّق حقيقة المعاقدة يحتاج إلى أسباب عرفية أو شرعية كذلك ارتفاعها يتوقّف على رافع عرفي أو شرعي ، ولا يدور مدار اختيار الطرفين إلاّ أن يقال بكونه متعارفاً عند العقلاء .
وبالجملة : فالظاهر أنّه مع الشكّ في الشرعية يكون مقتضى الإطلاق من حيث الزمان في آية وجوب الوفاء بالعقود(1) ـ بناءً على دلالتها على لزوم المعاملات التي يشكّ في لزومها ـ عدم تأثير الإقالة ; لأنّ مرجع الإقالة إلى نقض المعاهدة وعدم الوفاء بها ، إلاّ أن يقال : إنّ وجوب الوفاء إنّما يدوم بدوام العقد ويبقى إلى زمان بقائه ، وبالتقايل يرتفع الموضوع .
وكيف كان ، فلو قلنا : بأنّ التقايل إنّما هو فسخ المعاهدة ورفع اليد عن مقتضاها يكون الإطلاق في مثل الآية الكريمة نافياً لمشروعيته . وأمّا لو قلنا بكونه من العقود والعهود ـ كما ربما يحكى عن بعض الكلمات(2) ـ فظاهر المحقّق الإصفهاني (قدس سره)بل صريحه أنّه حينئذ لايحتاج إلى دليل بالخصوص في كلّ باب ، بل هو مشمول للأدلّة العامّة صحة ولزوماً ; لأنّه من العقود المتعارفة(3) .

(1) سورة المائدة 5 : 1 .
(2) حكاه المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 10 ، ولم نعثر عليه في كلمات علمائنا ، بل قال في الحدائق الناضرة : 20 / 90 : «الإقالة عند الأصحاب من غير خلاف يعرف فسخ لا بيع» ، ولكن ذهب بعض العامّة إلى أنّها بيع ، راجع المغني لابن قدامة : 4 / 225 ، والعزيز شرح الوجيز : 4 / 281 .
(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 10 ـ 11 .

(الصفحة135)



والظاهر ـ كما قيل ـ عدم امكان شمول تلك الأدلّة للإقالة وإن كانت عقداً ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ تلك الأدلّة واردة في مورد العقود المشروعة ; لأنّ الحكم باللزوم متفرّع على ثبوت المشروعية أوّلاً ، ضرورة أنّه لا معنى للزوم العقد غير المشروع، وتلك الأدلّة لا تفيد إلاّ اللزوم مع ثبوتها ، فلا مجال للتمسّك بها مع الشكّ في أصلها.نعم،لوكان موضوع الحكم باللزوم عقداًواحداًومعاهدةواحدة يستكشف من ذلك مفروغية الشرعية ، وهذا بخلاف مالو كان بنحو العموم ، فإنّه يوجب تضيّق دائرة الموضوع واختصاصها بخصوص المشروع ـ يرد عليه: أنّ عقد الإقالة ليس كسائر العقود ، فإنّه أُعتبر في حقيقته مسبوقية عقد آخر لا طبيعة العقد ، بل عقد حكم عليه باللزوم ، ضرورة أنّه لامعنى للتقايل في شيء من العقود الجائزة .
وحينئذ فشمول أدلّة اللزوم الدالّة عليه بالإطلاق الأزماني مرجعه إلى رفع اليد عن مقتضى الإطلاق ، والحكم بجواز نقض العقد بسبب الإقالة ، ومن الواضح استحالة تصدّي دليل واحد لإفادة الإطلاق وبيان المقيّد للتعارض ، فإنّ الحكم بإطلاق وجوب الوفاء وبجواز عقد الإقالة الذي مرجعه إلى رفع اليد عن ذلك الإطلاق لايمكن إعلامه بدليل واحد ، هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام .
ويمكن التفصّي عن كلا الأمرين :
أمّا الفرق بين ما كان الموضوع عقداً واحداً ، وبين ما كان بنحو العموم من حيث استكشاف المشروعية وعدمه(1) فمّما لايتصوّر له وجه ; لأنّه كما أنّ الحكم بلزوم معاهدة واحدة لايجتمع مع عدم مشروعيّتها ، كذلك الحكم بلزوم كلّ عقد لايجتمع مع عدم مشروعية الجميع ، ولا يوجب تفرّع اللزوم على المشروعية

(1) وهو الأمر الأوّل.

(الصفحة136)



تضيّقاً في ناحية الموضوع ، بحيث كان مرجع «أوفوا بالعقود» إلى الوفاء بالعقود المشروعة .
وأمّا الأمر الثاني: فنقول : إنّ اعتبار المسبوقية بالعقد اللاّزم في حقيقة الإقالة يعطي أنّه لامنافاة بين الإقالة ، وبين الإطلاق الذي يفيد اللزوم بل هو مقوّم لها ، وحينئذ فالحكم بالوفاء بالإقالة على ماهو مقتضى العموم الأفرادي في آية وجوب الوفاء بالعقود لا ينافي الحكم بإطلاق وجوب الوفاء الذي هو مقتضى الإطلاق الأزماني في الآية الشريفة  .
فانقدح من ذلك أنّه لا مانع من شمول الأدلّة للإقالة بناءً على كونها عقداً ولكن الشأن فيه .
المقام الثالث : فيما يدخل من الخيارات في الإجارة وفيما لايدخل ، ونقول : تقدّم في المقام الأوّل أنّ الإجارة من العقود اللاّزمة ، ومقتضى ذلك أنّ دخول الخيار فيها يتوقّف على وجود دليل مثبت لذلك ، حتّى يمكن الاتّكال عليه في مقابل قاعدة اللزوم الثابتة بأدلّتها ، فمع عدم وجود ذلك الدليل يكون مقتضى القاعدة عدم دخول الخيار ، بل يمكن أن يقال : إنّه بناءً على القول بعدم كون الإجارة من العقود اللاّزمة لاوجه لدخول الخيار مع عدم الدليل عليه ; لأنّ الخيار يغاير الجواز الثابت في تلك العقود ; لكون الجواز هناك من الأحكام ولا يعقل فيه الانتقال ، وهذا بخلاف الخيار الذي هو من جملة الحقوق القابلة للإسقاط وللانتقال بالموت ونحوه .
وكيف كان ، فمع عدم الدليل على مشروعية الخيار ودخوله في عقد الإجارة لا مجال لتوهّم ثبوته ، سواء قلنا بكون الإجارة من العقود اللاّزمة ـ كما عرفت ـ أنّه الذي يقتضيه التحقيق ، أو من العقود الجائزة ،

(الصفحة137)



فلابدّ حينئذ من ملاحظة أدلّة الخيارات الثابتة في البيع ، وأنّه هل تجري في الإجارة أم لا ؟ فنقول :
أمّا خيار المجلس فقد صرّح المحقّق في الشرائع(1) والعلاّمة في القواعد(2) بعدم دخوله في عقد الإجارة ، بل حكي الاجماع عن الغنية(3) والتذكرة(4) ، وظاهر تعليق الإرشاد(5) والمسالك(6) ومجمع البرهان(7) على أنّه لايثبت في غير البيع هذا ، ولكن حكى الشيخ (قدس سره) في كتاب الخلاف عن بعض العامّة دخول هذا الخيار في عقد الإجارة ، حيث إنّه بعد تقسيم الإجارة إلى ضربين : معيّنة ، وفي الذمة، والحكم بعدم دخول خيار المجلس في كليهما ، وبعدم امتناع دخول خيار الشرط قال : وقال الشافعي : الإجارة المعيّنة لا يدخلها خيار الشرط قولاً واحداً ، وأمّا خيار المجلس فعلى وجهين : أحدهما لايدخلها ، والآخر يدخلها . والإجارة في الذمة فيها ثلاثة أوجه ، فقال أبو إسحاق وابن خيران : لايدخلها الخياران ، وقال الإصطخري : يدخلها الخياران معاً ، والمذهب أنّه يدخلها خيار المجلس دون خيار الشرط ، عكس ما قلناه(8) .

(1) شرائع الإسلام : 2 / 180 .
(2) قواعد الأحكام : 2 / 282 .
(3) غنية النزوع : 220 .
(4) تذكرة الفقهاء : 11 / 12، طبعة جديدة .
(5) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 4 / 538 ـ 539 وج7 / 81 .
(6) مسالك الأفهام : 5 / 177 .
(7) مجمع الفائدة والبرهان : 8 / 388 .
(8) الخلاف : 3 / 15 مسألة 15 ، وراجع المجموع للنووي : 9 / 169 و182 وج15 / 365 ، والعزيز شرح الوجيز : 4 / 173 و193 .

(الصفحة138)



وكيف كان ، الحكم بعدم دخول خيار المجلس في عقد الإجارة إمّا أن يكون مستنداً إلى الإجماع المنقول مستفيضاً ، أو متواتراً كما في الجواهر(1) ، وإمّا أن يكون لأجل عدم الدليل على ثبوته في غير البيع ، مع أنّ الدخول يحتاج إلى الدليل كما عرفت في صدر المسألة .
أمّا لو كان المستند هو الإجماع فيرد على التمسّك به أنّ حجية الإجماع منحصرة بما إذا لم يحتمل استناده إلى الأدلّة الموجودة بأيدينا ، وأمّا مع احتمال الاستناد فلا يبقى له قيمة في نفسه ، بل لابدّ من النظر في مستنده ، والمقام من هذا القبيل كما هو غير خفيّ .
وأمّا لو كان الوجه عدم الدليل على ثبوته في غير البيع فنقول : وإن كان ظاهر كثير من الروايات الواردة في خيار المجلس الورود في مورد البيع ، ولا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية والحكم بعدم مدخلية البيع عند العرف في ثبوت خيار المجلس ، وأنّ التعبير به لكونه من أظهر مصاديق التجارة والمعاملة ، كما أنّه لامجال لدعوى كون خيار المجلس أمراً ثابتاً عند العقلاء جارياً في غير البيع أيضاً ، بعد ماعرفت من أنّ العقود عند العقلاء كلّها مبنية على اللزوم ، إلاّ أنّ هنا بعض الروايات التي يمكن الاستدلال بإطلاقها على الجريان في الإجارة أيضاً ، وهي رواية عمر بن يزيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، التي رواها المشايخ الثلاثة ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا التاجران صدقا بورك لهما ، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما ، وهما بالخيار ما لم يفترقا ، فإن اختلفا فالقول قول ربّ السلعة أو يتتاركا (يتشاركا خل)(2) . بناءً على عدم

(1) جواهر الكلام : 27 / 217 .
(2) الكافي : 5 / 174 ح2 ، التهذيب : 7 / 26 ح110 ، الخصال : 45 ح43 ، وسائل الشيعة : 18 /7 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب1 ح6 .

(الصفحة139)



اختصاص التجارة بالبيع ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ . . .}(1). ويؤيّده استدلال الأصحاب بآية التجارة عن تراض في غير البيع ، فالمسألة محلّ إشكال .
ثمّ إنّه هل يجوز اشتراط خيار المجلس في عقد الإجارة ؟ حكى الشهيد (قدس سره) عن المبسوط أنّه جوّز اشتراطه(2)، وقال ـ أي الشهيد ـ : إنّه إن أراد به مع تعيين المدّة فمسلّم ، وإلاّ فمشكل(3) .
وقال في محكي جامع المقاصد : لك أن تقول : إنّه إذا سلم جواز اشتراط خيار المجلس فلا وجه لاشتراط تعيين المدّة ; لأنّه حينئذ لايكون خيار مجلس بل خيار شرط . نعم ، في جواز اشتراطه تردّد من حيث إنّه على خلاف الأصل ; لجهالة مدّته فيقتصر فيه على مورد النص ، ولأنّه من توابع البيع فلا يكون ثبوته موجباً للجهالة في شيء من العوضين بخلاف ما إذا لم يثبت إلاّ بالاشتراط ، فانّ اشتراط المجهول يجهل العوض(4) .
أقول : يمكن المنع عن قدح الجهالة في المقام ; لأنّ الجهالة القادحة ما كانت مؤثِّرة في اختلاف الرغبات ، كجهالة أصل المبيع ، أو خصوصيّاته ، أو مدّة الخيار رأساً ، وأمّا مثل المقام فلم يعلم ذلك ، فتأمّل .
وأمّا خيار الحيوان فلم يحك عن أحد من الإمامية رضوان الله عليهم ـ المتفرّدين بثبوت هذا الخيار قبال باقي الفقهاء ، حيث لم يفرّقوا بين الحيوان وبين

(1) سورة النور 24 : 37 .
(2) المبسوط 3 : 226 .
(3) حكى عنه في جامع المقاصد : 7 / 86 .
(4) جامع المقاصد : 7 / 86 .

(الصفحة140)



سائر المبيعات ، كما صرّح به الشيخ (قدس سره) في كتاب الخلاف(1) ـ القول بجريانه في الإجارة أيضاً ، وإن اختلفوا في البيع بين من يخصّه بالمشتري فيما إذا كان المبيع حيواناً ، وبين من يقول بعدم الاختصاص وأنّه يثبت للبائع أيضاً إذا كان الثمن حيواناً(2) .
وكيف كان ، فلم يقل أحد بجريانه في الإجارة، بل ولم يحتمل ذلك أصلاً ، مع أنّه يمكن أن يقال بثبوت الإطلاق في بعض نصوصه ، وهو ما رواه زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : سمعته يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : البيّعان بالخيار حتّى يتفرّقا وصاحب الحيوان ثلاث(3) . نظراً إلى أنّ الجملة الثانية جملة مستقلّة سيقت لبيان حكم مستقلّ ، وهو ثبوت الخيار إلى الثلاث لصاحب الحيوان ، ولم يقع فيه التقييد بالبيع ، بل يمكن أن يقال : إنّ العدول عن قوله (عليه السلام) : «البيّعان» الواقع في الجملة الاُولى إلى قوله (عليه السلام) : «صاحب الحيوان» في الجملة الثانية لعلّه لأجل إفادة عموميّة خيار الحيوان وعدم اختصاصه بالبيع .
إن قلت : يحتمل قويّاً أن يكون الوجه في العدول اختصاص خيار الحيوان بصاحبه ، وعدم ثبوته لكلّ من المتبايعين ، بخلاف خيار المجلس ، فإنّه ثابت لكلّ من البائع والمشتري فالوجه في العدول حينئذ إفادة هذا المعنى ، لا ما ذكر من كون الغرض بيان ثبوت خيار الحيوان لمطلق صاحب الحيوان أعمّ من البيع وغيره ، بخلاف خيار المجلس الذي يختص بالبيع بمقتضى الجملة الاُولى .

(1) الخلاف : 3 / 12 مسألة 8 .
(2) راجع مختلف الشيعة : 5 / 96 مسألة 59 ، وكتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 5 / 83ـ84 .
(3) الكافي : 5 / 170 ح4 ، التهذيب : 7 / 24 ح100 ، وسائل الشيعة : 18 / 11 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب3 ح6 .
<<التالي الفهرس السابق>>