في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة161)



اعتبار التلفّظ به ولا إعلام المشتري بذلك ، وأمّا حملهما على الاستحباب ففي غاية البعد كما لا يخفى .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لا فرق في ثبوت الخيار للمشتري الجاهل بين أن يكون جاهلاً بأصل الإجارة أو جاهلاً بمدّتها ; بأن يكون عالماً بأصلها ولكنّه تخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة ; لعدم الفرق في ملاك الخيار بين الصورتين كما هو ظاهر .

2 ـ بيع العين المستأجرة من المستأجر

وله نظائر كثيرة في أبواب الفقه ، كاستئجار أحد الورّاث مال مورّثه في حال حياته ثمّ انتقاله إليه بالموت ، واستئجار مال الموصي ثمّ إيصائه به للمستأجر ، واستئجاره ماله من المستأجر وغير ذلك من الموارد ، ولا خلاف هنا أيضاً من حيث صحّة البيع ، وأمّا من حيث الإجارة وأنّها هل تبطل بالبيع أم لا ؟ فالمشهور(1) أيضاً أنّها صحيحة ، والمحكي عن إرشاد العلاّمة(2) خلاف ذلك ، وحكي عن الفخر في شرح الإرشاد(3) نسبته إلى الشيخ أيضاً ، وفي مفتاح الكرامة أنّه غير موجود في كتبه الثلاثة ولم يحكه عنه غير الفخر(4) . وقبل الورود في الأدلّة لابدّ من بيان أمرين :

(1) الخلاف : 3 / 499 مسألة 20 ، تحرير الأحكام : 3 / 70 ـ 71 ، اللمعة الدمشقية : 94 ، جامع المقاصد : 7/90ـ91 ، وادّعى الشهرة المحقّق الرشتي في كتاب الإجارة : 36 .
(2) إرشاد الأذهان : 1 / 426 .
(3) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 87 .
(4) مفتاح الكرامة : 7 / 87 .

(الصفحة162)



أحدهما : إنّ الشبهة التي تصلح لإيرادها في المقام هي الشبهة التي تختصّ بهذا الفرض ، وأمّا المشتركة بينه وبين الفرض الأوّل فقد عرفت الجواب عنها ، فلا مجال لإيرادها ثانياً .
ثانيهما : إنّ الشبهة إن كانت نتيجتها عدم إمكان اجتماع البيع والإجارة حتّى يكون التفصّي عنها بالالتزام ببطلان أحد العقدين على غير نحو التعيين ، أو ببطلان أحدهما بالخصوص لأجل مرجّح ، فهي غير واردة في المقام ; لأنّ الخلاف هنا في بطلان الإجارة بعد الاتفاق على صحّة البيع ، فلابدّ من جعل صحّته مفروغاً عنها ، فالشبهة الواردة هي التي كانت نتيجتها بطلان الإجارة فقط ، وحينئذ فما حكي عن جامع المقاصد(1) في توجيه كلام الإرشاد من أنّ منفعة العين نماء الملك فتتبعها ، وحيث إنّ مالك العين بالشراء هو المستأجر فكون الاُجرة في قبال نماء ملكه يوجب ورود المعاوضة على مال المالك بماله ، لا ينطبق على المقام ; لأنّ الفرار من محذور ورود المعاوضة على مال المالك بماله لاينحصر بالالتزام ببطلان الإجارة ، بل يتحقّق بالالتزام ببطلان البيع ، مضافاً إلى أنّ هذا التوجيه من فروع دعوى التبعية في ملك المنفعة التي قد عرفت عدم صحّتها .
وكذلك ما حكي عن المحقّق الأردبيلي (قدس سره) في شرحه على الإرشاد من أنّ ملك المنفعة تابع لملك العين ، فإذا ملك العين يلزم ملكيّتها تبعاً أيضاً ، فلو بقيت الإجارة [على حالها] يلزم أن تكون المنفعة ملكاً بالإجارة والبيع أيضاً، وهو تحصيل الحاصل وجمع العلّتين على معلول واحد(2) ، لا يلائم المقام ; فإنّ الفرار عن محذور توارد

(1) جامع المقاصد : 7 / 90 .
(2) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 91 .

(الصفحة163)



العلّتين ليس طريقه منحصراً ببطلان الإجارة لو لم نقل بكون مقتضى تأخّر البيع بطلانه لا بطلانها .
نعم ، التوجيه الآخر الذي ذكره جامع المقاصد(1) منطبق على المقام ، وهو أنّه كما لايمكن نكاح المملوكة ولا بقاء النكاح بعد الملك ، فالملكيّة مانعة عن حدوث الزوجية وعن بقائها ، كذلك ملك العين يمنع عن عروض ملك المنافع وعن بقاء ملكها .
وتقريبه على ما ذكره المحقّق الإصفهاني (قدس سره) : أنّ النكاح يقتضي ملك البضع وحده ، فإذا ملك الرقبة لا يستقلّ ملك البضع; لعدم بقاء الناقص بعد الاستكمال ، وملك المنافع بالاستقلال بعد ملك العين كذلك ; لأنّ ملك العين يوجب خروج الملك السابق عن حدّ النقص إلى الكمال ، فلا معنى لبقاء النقص على حاله(2) .
وهنا شبهة اُخرى يمكن إيرادها في المقام ; وهي أنّ بيع العين المستأجرة من المستأجر مرجعه عند العرف والعقلاء إلى رفع اليد عن الإجارة السابقة ، فكأنّه يقع التقايل بينهما بالنسبة إليها مقدّمة للبيع ، أو أنّ البيع بنفسه إقالة للإجارة ; لأنّه لايحتاج في الإقالة إلى لفظ خاصّ ، فاجتماع صفتي الاستئجار والاشتراء في شخص واحد ممّا لا يكون معهوداً بين العقلاء .
والجواب عمّا ذكره جامع المقاصد هو أنّه إن كان المستند فيما أفاده من تقابل الزوجية والملكيّة ، وتقدّم الثانية على الاُولى حدوثاً وبقاءً، قوله تعالى : {إِلاَّ عَلَى

(1) جامع المقاصد : 7 / 90 ـ 91 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 15 .

(الصفحة164)



أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}(1) نظراً إلى أنّ التفصيل قاطع للشركة ، فلا تجتمعان حدوثاً وبقاءً ، فيرد عليه :
أوّلاً : منع دلالة الآية الشريفة على عدم إمكان الاجتماع وتحقّق الشركة ، ومجرّد العطف بكلمة «أو» لا يدلّ على ذلك ، ألا ترى أنّه لو قيل : أحسن الأحوال إلى الله تعالى أن يكون العبد ساجداً أو جائعاً ، فهل مقتضاه عدم كون الجمع بين حالتي السجود والجوع من أحسن الأحوال ؟!
وثانياً : منع كون المستفاد منها ـ على تقدير دلالتها على نفي الشركة ـ تقدّم الملكيّة على الزوجية لو لم نقل بكون تأخّرها عن الزوجية مقتضياً لعدم تحقّقها لوقوع الزوجية قبلها .
وإن كان المستند أمراً آخر يكون مفاده مانعية الملكيّة عن حدوث الزوجية وبقائها ، فاستفادة مانعية البيع عن الإجارة كذلك من ذلك الأمر تحتاج إلى دليل على التسوية ، وكون الملاك عدم بقاء الناقص بعد الاستكمال ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل عليه ـ نقول بعدم ثبوت المورد له في المقام ; لأنّ العين ومنافعها مالان وملكان وليسا من باب النقص والكمال .
وأمّا الشبهة الأخيرة فيمكن الجواب عنها بمنع عدم المعهودية بعد كون المنفعة عند العقلاء مالاً مستقلاًّ في قبال العين قابلاً للتفكيك . نعم ، مجرّد دفع الشبهة لا يكفي في الحكم بصحّة كلا العقدين ما لم ينضمّ إليه الدليل في مقام الإثبات ، وغاية ما استدلّوا به هي العمومات والإطلاقات في باب العقود ، وصحّة هذا الدليل مبنيّة على وجود العمومات والإطلاقات القابلة للتمسّك، مع أنّه يمكن الخدشة فيه كما

(1) سورة المؤمنون : 23 / 6 .

(الصفحة165)



قد قرّر في محلّه .
وكيف كان ، فلو تمّ الإطلاق ، وإلاّ فلا دليل على الصحّة في المقام إلاّ أحد أمرين على سبيل منع الخلو : إمّا دعوى شيوع هذا النحو من المعاملة بين العقلاء ، بحيث كان المشتري بعد الاشتراء ملزماً بدفع الأُجرة والثمن معاً ، فيستكشف من شيوعه وعدم الردع الصحّة عند الشارع ، وإمّا دعوى القطع بعدم خصوصية للمقام، وكلاهما ممنوعان .
أمّا الأوّل : فلوضوح ندرة هذا النحو من المعاملة إلاّ أن يقال : إنّ مجرّد الندور لايكفي في عدم الافتقار إلى الردع ، فإنّ التحقّق ـ ولو دفعةً ـ يكفي في ذلك على تقدير عدم الصحّة عند الشارع ، بل يمكن أن يقال : إنّ التحقّق في الأزمنة المتأخّرة يكفي في ذلك، فمن عدم الردع يستكشف الجواز .
وأمّا الثاني : فلمنع دعوى القطع بعدم الخصوصية، خصوصاً بعد ملاحظة الحكم بعدم الاجتماع في مثل نكاح المملوكة وتملّك الزوجة .
ثمّ إنّه ربما يمكن أن يتوهّم دلالة بعض الروايات الواردة في الفرض الأوّل على عدم بطلان الإجارة في هذا الفرض أيضاً ، مثل قول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية ابن نعيم المتقدّمة : «لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى  . . .» فإنّه يمكن أن يقال : إنّ مفاده عدم منافاة البيع والإجارة مطلقاً ، من دون فرق بين كون المستأجر في الإجارة السابقة هو الغير أو المشتري .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى كون الجملة المذكورة بعد هذا القول ظاهرة في كون المورد هو ذلك الفرض دون الأعمّ منه ومن المقام ـ أنّه مع قطع النظر عن ذلك نقول : إنّ ندرة هذا الفرض مانعة عن شمول الإطلاق له وموجبة للانصراف إلى غيره، فتدبّر . ولكن الظاهر تماميّة الإطلاق وعدم كون الجملة اللاحقة موجبة لعدم

(الصفحة166)



تحقّقه ، لأنّ التعرّض لها بالخصوص إنّما هو من أجل خصوصية فيها غير موجودة في فرض البيع من المستأجر ، والانصراف ممنوع لعدم تحقّق ملاكه ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب أيضاً الصحّة .
فرع:
لو ظهر بطلان الإجارة فهل المنافع ترجع إلى المشتري أو إلى البائع المؤجر؟ وجهان، وكذا لو فسخ الإجارة، وهنا فرض آخر وهو إعراض المستأجر عن العين المستأجرة، الذي يوجب زوال ملكيّته للمنفعة ، كما أنّ الإعراض عن العين أيضاً كذلك .
وكيف كان ، فهل الحكم في الفرضين الأوّلين اللذين وقع التعرّض لهما في كلمات بعض الأصحاب هو الرجوع إلى البائع المؤجر، أو إلى المشتري مطلقاً مستأجراً كان أو غير مستأجر ، أو أنّه لابدّ من التفصيل بينهما بالرجوع إلى المشتري مع ظهور البطلان ، وإلى البائع مع الفسخ ؟ وجوه بل أقوال .
صرّح المحقّق الإصفهاني بالأخير(1) . وربما يستظهر من صاحب الجواهر (قدس سره)الرجوع إلى البائع مطلقاً ، حيث قال : ولو اتّفق فسخ المستأجر بأحد أسبابه عادت المنفعة إلى البائع دون المشتري الذي قد استحقّ العين مسلوبة المنفعة إلى المدّة(2) .
فإنّ موردكلامه وإن كان هي صورة الفسخ، إلاّ أنّوصف المشتري بأنّه قد استحقّ العين كذلك يدلّ على أنّ المناط في عود المنفعة إلى البائع استحقاق المشتري العين مسلوبة المنفعة في مدّة خاصّة ، وهذا المناط موجود في فرض ظهور البطلان أيضاً ، كما هو غير خفي إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالاستحقاق كذلك هو

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 16 .
(2) جواهر الكلام : 27 / 206 .

(الصفحة167)



الاستحقاق في الواقع ، وهو متحقّق في خصوص صورة الفسخ ; لأنّه في صورة ظهور البطلان لايكون إلاّ توهّم الاستحقاق كذلك ، فتدبّر .
وحكي عن سيّدنا المحقّق الاُستاذ (قدس سره) أنّه اختار في مجلس البحث الرجوع إلى المشتري في كلا الفرضين ، وحكي عن التذكرة(1) احتمال العود إلى المشتري في صورة الفسخ ، ولازمه جريان هذا الاحتمال في صورة ظهور البطلان بطريق أولى . هذا ، ولكن بعد المراجعة إلى التذكرة(2) ظهر عدم وجود هذا الاحتمال فيها في هذه المسألة ، فإنّ العلاّمة بعد عنوانها حكى عن بعض الشافعية القول برجوع منفعة بقيّة المدّة إلى المشتري ، وعن بعض آخر منهم القول بالرجوع إلى البائع ، من دون بيان ما عنده في المسألة .
وكيف كان ، فقد حكي عن الاُستاذ (قدس سره) أنّه استدلّ للرجوع إلى المشتري مطلقاً بأنّ التبعية الثابتة للمنفعة إنّما هي التبعية بالنسبة إلى العين ; بمعنى أنّ مالكية العين تستتبع ملكيّة المنفعة مع عدم وجود المانع الذي يوجب التفكيك بينهما ، وليست التبعية تبعية للمنفعة بالنسبة إلى العقد الواقع على العين ، وكذلك الفسخ ليس مرجعه إلى المعاوضة حتّى يكون مقتضاها رجوع كلّ من العوض والمعوّض إلى من خرج عنه الآخر ، فهو ليس عقداً معاوضياً ، بل حقيقته رفع اليد عن المعاوضة السابقة ، وحينئذ يظهر رجوع المنفعة إلى المشتري في كلا الفرضين .
أمّا في فرض ظهور البطلان فواضح ، ضرورة أنّ ظهوره يكشف عن عدم وجود المانع الموجب للتفكيك من الأوّل ، وتوهّم وجوده لا يوجب تضييق دائرة

(1) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 88 .
(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 329 .

(الصفحة168)



العقد ، فإنّ التبعية إنّما هي من الاُمور القهرية غير المفتقرة إلى القصد .
وأمّا في فرض الفسخ بالتقايل أو بغيره فلما عرفت من أنّ الفسخ ليس بمعنى المعاوضة ، فلا مانع من دخول الاُجرة بسببه في ملك المستأجر ورجوع المنفعة إلى المشتري لقاعدة التبعية .
وأورد عليه بأنّ التبعية بالمعنى المذكور مسلّمة لا ريب فيها ، إلاّ أنّ موردها ما إذا كانت ملكيّة العين ثابتة بنحو اللابشرط ، فإنّه حينئذ يقال بأنّه مع ظهور عدم المانع وانكشاف الخلاف ترجع المنفعة إلى مالك العين الذي هو المشتري ، وأمّا لو كانت ملكيّة العين ثابتة بنحو البشرط لا; بأن تكون العين مسلوبة المنفعة في مدّة خاصّة مملوكة للمشتري ـ كما هو المفروض ـ فلا مجال في هذه الصورة لدعوى التبعية ، وأمّا ما أفاده في الفسخ من أنّه ليس بمعاوضة فهو أيضاً مسلّم ، إلاّ أنّ رفع اليد عن المعاوضة والرجوع عنها لايتحقّق إلاّ برجوع كلّ من العوضين إلى ما كانا عليه قبل المعاوضة ، وهذا المقدار يكفي في لزوم رجوع المنفعة إلى البائع ; لأنّ المستأجر إنّما يتلقّى ملكيّتها عنه ، فلا معنى لرجوعها إلى من كان أجنبيّاً عن المعاوضة الإجارية .
وأمّا وجه الرجوع إلى البائع في كلتا الصورتين ، الذي احتمله صاحب مفتاح الكرامة غاية الأمر أنّه قوّاه في صورة الفسخ ، أنّه لم يملك المشتري منافع تلك المدّة ، وإنّما اشتراها مسلوبة المنفعة فيها ، فلا وجه للرجوع إلى المشتري ، وفي صورة الفسخ يكون مقتضى الأصل أيضاً ذلك ; لأنّ التبعية امتنعت بسبب الإجارة فتستصحب(1) .

(1) مفتاح الكرامة : 7 / 88 .

(الصفحة169)



وممّا ذكر يظهر وجه التفصيل الذي اختاره المحقّقان الإصفهاني(1)والرشتي (قدس سرهما)(2) ، وحاصل ما أفاده الأوّل منهما وجهاً لذلك ; أنّ الرجوع في صورة بطلان الإجارة إنّما هو لأنّ استتباع ملك العين لملك المنفعة مع الإمكان قهري لا قصدي ، وإنّما القصدي في باب البيع نفس تمليك العين ، فلا يلزم من رجوع المنافع إلى المشتري مع عدم قصد البائع تخلّف العقد عن القصد ، بل لا أثر لقصد الخلاف إلاّ إذا رجع إلى عدم قصد البيع ، ومجرّد اعتقاد المسلوبية لا يحقّق السلب ، بل تبقى المنفعة على حكم التبعية قهراً .
وأمّا عدم الرجوع في صورة الفسخ فلأنّ عنوان الفسخ ردّ المعاوضة وعود العوضين إلى ما كانا عليه، ويستحيل عود المنفعة إلى غير البائع المؤجر ، وليست منزلة الفسخ منزلة انتهاء أمد الإجارة ليصحّ توهّم زوال المانع .
والتحقيق التفصيل بنحو آخر ; وهو أنّه لابدّ في المقام من ملاحظة العنوان الذي وقع البيع عليه وصار مورداً للمعاملة ، فنقول :
إن كان العنوان هي العين متّصفة بوصف كونها مسلوبة المنفعة في برهة من الزمان ، بحيث كانت دائرة التمليك من البائع متضيّقة لأجل ذلك ـ وإن كان الداعي إلى هذا الوصف توهّم صحّة الإجارة الواقعة عليها ـ فلا مجال لدعوى الرجوع إلى المشتري ; لأنّ قاعدة التبعية لا تشمل صورة التفكيك الواقعي .
أمّا في صورة الفسخ فواضح ، وأمّا في صورة ظهور البطلان فلأنّ سلب المنفعة بالإجارة وإن كان متوهّماً حين البيع ولم يكن له واقع ، إلاّ أنّا لا نريد إثبات التضيّق

(1) بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 16 ـ 17.
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 39 .

(الصفحة170)



من ناحية التوهّم حتّى يقال: إنّ مجرّد اعتقاد المسلوبية لا يحقّق السلب ، بل نقول : إنّ العنوان الذي وقع عليه البيع مقيّد موجب للتضيّق وإن كان الموجب لذلك هو التوهّم ، إلاّ أنّ الملاك في باب المعاملات هو اللفظ المستعمل في مقام الإنشاء ، والدواعي خارجة عن تحديد دائرتها سعة وضيقاً .
فانقدح أنّ مقتضى القواعد في هذه الصورة الرجوع إلى البائع مطلقاً ، من دون فرق بين صورة الفسخ وصورة ظهور البطلان ، ولا في الفسخ بين كونه سبباً مملّكاً وعقداً مستقلاًّ ، أو كونه رجوعاً عن المعاملة وردّاً لها ، ولا فيه أيضاً بين القول بكونه من حينه أو من حين العقد ، ولا في التبعية بين كونها تبعية للعقد حتّى تحتاج إلى القصد ، أو تبعية لنفس العين كما هو واضح . هذا كلّه فيما إذا كان العنوان هي العين الموصوفة بذلك أو التي اشترط فيها سلب المنفعة .
وأمّا لو كان العنوان المأخوذ في مقام البيع هي العين متّصفة بكونها مستأجرة ، فالظاهر أنّ الحكم فيه أيضاً هو الرجوع إلى البائع ; لأنّه وإن كان وصف الاستئجار ظاهراً في الاستئجار الصحيح الذي قد انكشف خلافه في إحدى الصورتين ، إلاّ أنّ مرجع هذا الوصف إلى سلب المنفعة في مدّة خاصّة ، فيرجع إلى التقدير الأوّل .
نعم ، لو كان العنوان المأخوذ هي نفس العين ، غاية الأمر علم المشتري بكونها مستأجرة ، أو إعلام البائع له بذلك ، بل ومع الجهل وعدم الإعلام أيضاً ; لأنّ الاختلاف بين صورتي العلم والجهل إنّما هو في الخيار وعدمه كما عرفت(1) ، فالظاهر فيه التفصيل بين ما لو ظهر البطلان فيرجع إلى المشتري ; لعدم المانع حينئذ من جريان قاعدة التبعية ، ومجرّد توهّم السلب لا يحقّق السلب ما لم يقع قيداً

(1) في ص155 .

(الصفحة171)



مذكوراً في العقد ، وبين مالو فسخ فيرجع إلى البائع ; لأنّ مقتضى الفسخ عود الطرفين إلى ما كانا عليه . نعم ، لو قلنا بأنّ التبعية إنّما هي تبعية للعقد لا للعين ، فالظاهر الرجوع في الصورة الاُولى إلى البائع أيضاً ; لعدم كونها مقصودة للبائع حين البيع ، ولكن هذا المبنى فاسد جدّاً .
ثمّ إنّه لا فرق في صورة الفسخ التي قلنا فيها بالرجوع إلى البائع بين القول بكون الفسخ يرفع العقد من حينه أو بكونه يرفعه من أصله ، فما في مفتاح الكرامة(1) تبعاً لبعض الشافعية(2) من ابتناء المسألة على الوجهين في باب الفسخ ، وأنّه إن قلنا بكون الفسخ رافعاً للعقد من أصله فالمنفعة ترجع إلى المشتري ، وإن قلنا بكونه رفعاً له من حينه فهي للبائع ، لا يخلو عن النظر بل المنع ; لأنّ رجوع المنفعة إلى البائع على ماذكرناه إنّما هو لاقتضاء الفسخ ذلك ; نظراً إلى أنّ لازمه عود العوضين إلى ما كانا عليه ، وهذا لا فرق فيه بين الوجهين كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ هنا فرضاً آخر ; وهي صورة اعتقاد البائع والمشتري بقاء مدّة الإجارة ، وأنّ العين مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا ، فتبيّن أنّ المدّة كانت منقضية حين البيع ، فهل منفعة تلك المدّة للبائع أو للمشتري؟ مقتضى ماذكرناه هوالرجوع إلى المشتري. نعم ، مع شرط سلب المنفعة بعد اعتقاد بقاء مدّة الإجارة يكون مقتضى القاعدة الرجوع إلى البائع ، والعجب من بعض محشّي العروة(3) حيث اختار الرجوع إلى المشتري في صورة الاشتراط أيضاً ; لأجل قاعدة التبعية مع أنّه كما ترى .
بقي الكلام في فرض إعراض المستأجر عن العين المستأجرة ورفع اليد عنها ،

(1) مفتاح الكرامة : 7 / 88 ـ 89 .
(2) راجع تذكرة الفقهاء : 2 / 329 .
(3) العروة الوثقى : 5 / 27 ، التعليقة 1 .

(الصفحة172)



وأنّه هل بالإعراض تنتقل المنفعة إلى البائع أو إلى المشتري ؟ الظاهر أنّه يشكل الحكم بالرجوع إلى البائع ; لعدم كون الإعراض مقتضياً لذلك ; لأنّه ليس سبباً مملّكاً له ولا يكون كالفسخ موجباً لعود المنفعة إلى ما كانت عليه ، وكذلك يشكل الحكم بالرجوع إلى المشتري ; لأنّ المفروض صورة استحقاقه للعين المسلوبة المنفعة ، ولا مجال لإجراء قاعدة التبعيّة بعد تحقّق التفكيك الصحيح ، فلابدّ حينئذ من أن يقال : بأنّها مال بلا مالك وأنّها صارت بحكم المباحات ، تملك بالحيازة ، وليست ملكيّة العين كافية في حيازة المنفعة بعد كون الحيازة من الأُمور القصدية ، وعليه يمكن أن يقال بإمكان تحقّق الحيازة من البائع ; لأنّ المفروض أنّ العين بيده ولم يتحقّق الإقباض بعد من المشتري .
ثمّ إنّه في الموارد التي ترجع المنفعة إلى المشتري فهل للبائع الخيار أو لا ؟ ذكر في العروة أنّه لا يخلو أوّلهما من قوّة ، خصوصاً إذا أوجب ذلك له الغبن(1) ، وظاهر المحشّين(2) بل صريحهم اختصاص الخيار بصورة الغبن ، واستظهر الثبوت من هذه الجهة المحقّق الرشتي (قدس سره) ، واحتمل أن يكون من خيار العيب ; نظراً إلى أن كلّ وصف يقتضيه أصل أو ظاهر أو قاعدة حكمه حكم الصحّة في اقتضاء تخلّفه الخيار ولو لم يذكر في العقد ، والمؤجر لمّا آجر العين قبل البيع يصير الأصل في المبيع نقصان المنفعة لأصالة الصحّة ، فإذا انكشف الخلاف وجب الخيار(3) . وربما احتمل أن يكون الخيار من جهة تخلّف الوصف ; لأنّ المبيع ظهر على غير ما زعمه من الصفة ; وهي كونها مسلوبة المنفعة .

(1) العروة الوثقى : 5 / 27 مسألة 1 .
(2) العروة الوثقى : 5 / 27 ، التعليقة 2 و 3 .
(3) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 39 .

(الصفحة173)



أقول : الظاهر أنّه لا مجال لاحتمال كون الخيار هنا خيار العيب ، أو من باب تخلّف الشرط أو الصفة ; لأنّ خيار العيب متوقّف على ثبوت العيب ، وهو هنا غير ثابت لو لم نقل بثبوت الخلاف . وأمّا خيار التخلّف فهو فيما إذا اشترط أمر وجوديّ في العوض الذي يراد بالمعاملة التوصّل إليه ، ثمّ ظهر الخلاف أو أوقعت المعاملة عليه متصفاً بوصف وجوديّ ثمّ تبيّن الفقدان ، وأمّا الأمر العدمي الذي اعتبر شرطاً أو وصفاً في المعوّض الذي يراد نقله إلى الآخر ، فلا يكون تخلّفه موجباً للخيار من هذه الجهة ، بل لو ثبت خيار فإنّما هو من جهة الغبن ، ويمكن أن يقال بعدم ثبوته في المقام من جهة الغبن أيضاً ; نظراً إلى أنّ مورد المعاملة البيعية هي العين ، ولم يتحقّق غبن فيها كما هو المفروض ، واشتمالها على المنفعة من جهة قاعدة التبعية أمر آخر لا ارتباط له بالبيع ، كما لو فرض اشتمالها على أمر آخر يكون مقتضى القاعدة دخوله في ملك مالك العين كالكنز ونحوه ، ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ، وثبوت الخيار في مورد تحقّق الغبن فقط .

3 ـ تقارن البيع والإجارة
وليعلم أنّ محل البحث في هذا الفرض ليس مجرّد إمكان تحقّق البيع والإجارة معاً في زمان واحد من مالك العين ، ولو مع علم المشتري بمسلوبية منفعة العين وعلم المستأجر بإرادة نقل العين إلى المشتري ، كيف ووضوح الجواز يغني عن جعله محلّ الكلام ، أترى إمكان المناقشة فيما إذا أحضر المالك رجلين يريد أحدهما الابتياع والآخر الاستئجار مع اطّلاع كلّ منهما على حال الآخر ، ثمّ باع العين من الأوّل وآجرها من الثاني بعبارة واحدة مشتملة على كليهما ، فإنّه من الواضح صحّة البيع والإجارة ، كيف ولو باع العين المسلوبة ثمّ آجرها بمقدار السلب لا مجال

(الصفحة174)



لاحتمال البطلان فضلاً عن صورة التقارن .
فانقدح أنّ هذا الفرض خارج عن محلّ الكلام ، وإن كان يظهر من المحقّق الإصفهاني (قدس سره)أنّه زعم كون البحث في هذا الفرض ، حيث استدلّ على صحّة الأمرين بأنّ مالك العين له مالان وملكان ، وله السلطنة على نقل كلّ منهما بالاستقلال ، والتبعية ليست بنحو اللزوم بحيث لا ينفكّ ملك المنفعة عن ملك العين ، ولا ملك العين عن ملك المنفعة ، واستتباع ملك العين لملك المنفعة لا يزاحم سلطان المالك على ماله ، فله السلطنة على نقلهما معاً في عرض واحد ، كما له السلطنة على نقل المنفعة قبلاً ، إلى آخر ما أفاد(1) .
فإنّ ظاهر هذا الدليل يعطي أنّ النزاع إنّما هو في سلطنة المالك على نقل كلّ من ماليه بالاستقلال ، مع أنّك عرفت أنّ وضوح الجواز فيه يدلّنا على خروجه عن محلّ النزاع ، فالذي وقع البحث فيه هو ما إذا وقع البيع والإجارة معاً مع جهل المؤجر بالمقارنة ، وكذا البائع والمشتري ، كما إذا باع العين الوكيل في البيع وآجرها المالك مقارناً لوقوع البيع مع جهل المالك بمقارنة البيع للإجارة ، وجهل الوكيل بذلك ، وكذا مع جهل المشتري والمستأجر ، فإنّه حينئذ يمكن أن يقع فيه النزاع ، وأنّه هل القاعدة تقتضي صحّتهما معاً ، أو بطلانهما معاً ، أو صحّة البيع وبطلان الإجارة ؟
والظاهر كما صرّح به القائل بصحّة الأمرين أنّ المراد بها صحّة البيع وانتقال العين مسلوبة المنفعة إلى المشتري ، ويمكن أن يفرض الصحّة المطلقة الموجبة لنقل المنفعة أيضاً . غاية الأمر وقوع التزاحم بين دليل وجوب الوفاء بالبيع المقتضي

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 18 ـ 19 .

(الصفحة175)



لوجوب الإقباض للمشتري ، وبين دليل وجوب الوفاء بالإجارة ، المقتضي لوجوب الإقباض للمستأجر، ولكن هذا الاحتمال لا يستفاد منهم .
وأمّا البطلان معاً ففيه احتمالان مذكوران في العروة :
أحدهما : بطلانهما من رأس لأجل التزاحم في ملكيّة المنفعة .
ثانيهما : البطلان بالنسبة إلى تمليك المنفعة ، فيصح البيع على أنّها مسلوبة المنفعة تلك المدّة ، فتبقى المنفعة على ملك البائع(1) .
وقد ذكر المحقّق الإصفهاني : أنّ مراده من الاحتمال الثاني هي صحّة البيع وبطلان الإجارة ، التي هي الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة في المسألة ، وذكر : أنّ التعبير بذلك أولى من التعبير بالبطلان معاً(2) .
ويحتمل أن يكون المراد بصحّة البيع هي صحّته المطلقة الموجبة لنقل المنفعة أيضاً إلى المشتري مع بطلان الإجارة ، وقد حكي هذا الاحتمال عن سيّدنا المحقّق الأستاذ (قدس سره) في مجلس البحث .
وهنا احتمال سادس ; وهو احتمال بطلان أحدهما لا على التعيين ; بمعنى أنّه في مقام الثبوت يكون أحدهما المعيّن باطلاً . غاية الأمر أنّه غير معيّن في مقام الإثبات . هذا ، ولكن المسلّم بينهم عدم بطلان البيع بمعنى عدم تأثيره في تمليك العين ، ويؤيّده أنّ عنوان هذا الفرع في كلام بعض كالمحقّق الرشتي (قدس سره) وقع هكذا : «لو تقارن البيع والإجارة ففي فساد الإجارة وصحّتها وجهان»(3) فانّ ظاهره أنّ صحّة البيع المقتضية لتمليك العين مع قطع النظر عن المنفعة مسلّمة ، وإنّما الخلاف في

(1) العروة الوثقى : 5 / 29 مسألة 2 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 17 .
(3) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 38 ـ 39 .

(الصفحة176)



الإجارة صحّةً وفساداً .
وكيف كان ، فقد استدلّ السيّد (قدس سره) صاحب العروة على ما اختاره من صحّتهما معاً بما هذه عبارته : لعدم التزاحم ، فإنّ البائع لا يملك المنفعة وإنّما يملك العين ، وملكيّة العين توجب ملكيّة المنفعة للتبعية ، وهي متأخّرة عن الإجارة(1) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بما حاصله :
أوّلاً : أنّ التقدّم والتأخّر المفروضين طبعي لا زماني ، والتقدّم والتأخّر الطبعي لا  ينافي المقارنة الزمانية ، بل لاينافي الاتّحاد في الوجود ; لأنّ ملاكه إمكان وجود المتقدّم مع عدم وجود المتأخّر بلا عكس ، ومن البيّن أيضاً أنّ التنافي في التأثير ليس إلاّ بلحاظ وجود الأثر خارجاً ، وفي الوجود الخارجي لهما المعيّة الزمانيّة ، فما فيه التنافي لا تقدّم ولا تأخّر فيه ، وما فيه التقدّم والتأخّر لا تنافي فيه .
وثانياً : أنّ تأخّر ملك المنفعة عن البيع بمقتضى التبعية لا يوجب تأخّره عن الإجارة ; لأنّ ما مع المتقدّم على شيء ليس متقدماً على ذلك الشيء ; لأنّ التقدّم والتأخّر لا يكون إلاّ بملاك مخصوص ، وهو بين نفس المتقدّم والمتأخّر لا بين ما معه وغيره .
وثالثاً : أنّ الإجارة لها المعية مع البيع بالزمان لا بالطبع ، فلو فرضنا أنّ ما مع المتقدّم متقدّم فليس بينهما المعية ، حتّى تكون الإجارة متقدّمة على ملك المنفعة لتقدّم البيع عليه(2) .

(1) العروة الوثقى : 5 / 29 مسألة 2 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 18 .

(الصفحة177)



أقول : وعمدة ما يمكن أن يقال على المستدلّ : إنّه لو فرض أنّ مقتضى تأخّر رتبة ملك المنفعة عن البيع تأخّره عن الإجارة أيضاً ، إلاّ أنّ هذا التأخّر أمر عقلي لا ارتباط له بعالم الاعتبار العقلائي الذي هو الملاك في باب المعاملات ، ومن الواضح أنّ الاعتبار العقلائي لا يكون مساعداً لتأخّر ملك المنفعة ، بل لا يرونهما إلاّ متقارنين ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة أنّ الأرجح هل هو الإجارة ، أو قاعدة التبعية المقتضية للدخول في ملك المشتري ، أو أنّه لا يكون أرجح في البين بل هما متساويان ؟ ثمّ على فرض التساوي لا وجه لدعوى الرجوع إلى ملك البائع ; لأنّه قد علم بانقطاع يده عن العين والمنفعة جميعاً . غاية الأمر أنّه لم يعلم كون المنفعة داخلة في ملك المشتري تبعاً ، أو مملوكة للمستأجر بسبب الإجارة ، فمع خروجها عن ملكه أيضاً لاوجه لدعوى الرجوع بعد عدم وجود مملّك في البين يوجب تمليكها ، كيف ومع فرض الرجوع لابدّ من الالتزام بصحّة الإجارة ; لعدم مانع من تأثيرها ، فتدبّر .
فانقدح ممّا ذكرنا أنّ الاستدلال على صحّة الإجارة بما أفاده في العروة غير تامّ .
وأمّا ما أفاده المحقّق الرشتي (قدس سره) وجهاً لصحّتها من تحكيم أدلّة الإجارة على أدلّة التبعية ; لأنّ المقتضي لصحّة الإجارة موجود والمانع مفقود ، إذ المانع ليس إلاّ البيع وهو ليس بمانع ; لأنّ سببيّته لانتقال المنفعة تبعاً تتوقّف على أن لايكون المبيع مسلوبة المنفعة ، فمع مقارنته للإجارة لا يكون سبباً لانتقال المنفعة ، فلا يزاحم الإجارة في تأثيرها ، فهو ضعيف بما أفاده من القلب ; لأنّ المقتضي لتأثير البيع في انتقال المنفعة موجود والمانع مفقود ، أمّا المقتضي فهو بيع العين ، وأمّا عدم المانع فلأنّه ليس إلاّ إفراز المنفعة عن العين قبل البيع ،

(الصفحة178)



وهو هنا غير حاصل(1) .
وأمّا الاستدلال على الصحّة بما أفاده المحقّق الإصفهاني ممّا عرفت ، فقد تقدّم أنّه لاينطبق دليله على محلّ النزاع ، وإن كان ما ذكره تامّاً لا ريب فيه ، لكنّه خارج عمّا هو مورد البحث .
ولنشرع بعد ذلك فيما قيل أو يمكن أن يقال وجهاً لبطلان الإجارة ، وهي اُمور :
الأوّل : ما حكي عن تقريرات سيّدنا المحقّق الأُستاذ البروجردي (قدس سره) من أنّ البيع كما يقتضي نقل العين كذلك يقتضي نقل المنفعة أيضاً ، فعقد البيع له اقتضاءان ، والإجارة المقارنة إنّما تضادّ البيع في خصوص اقتضائه لنقل المنفعة ، وبعد التضادّ وعدم الترجيح لأجل المقارنة يسقط البيع عن اقتضاء نقل المنفعة ، وكذا الإجارة ، وبعد سقوطهما لا مانع من الأخذ بما تقتضيه قاعدة التبعيّة الحاكمة بثبوت المنفعة للمشتري .
وقد أورد على ذلك بأنّ اقتضاء البيع لنقل المنفعة إنّما هو لأجل قاعدة التبعية ، ومع قطع النظر عن هذه القاعدة يمنع اقتضاء البيع لنقلها بعد كون حقيقته هي تمليك العين ، ومرجع هذا الإيراد إلى أنّه ليس للبيع إلاّ اقتضاء واحد وهو نقل العين ، وأمّا نقل المنفعة فهو ليس ممّا يقتضيه البيع، بل هو نتيجة قاعدة التبعية فقط .
واُجيب عن هذا الإيراد بأنّه ليس المراد اقتضاءالبيع لنقل المنفعة مع قطع النظر عن القاعدة ، بل المراد أنّه بعد تعارض الإجارة وقاعدة التبعية وسقوطهما ، لامانع من قيام مصداق آخر من القاعدة بلا معارض يكون مقتضاه ثبوت المنفعة

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 39 .

(الصفحة179)



للمشتري ، وليست القاعده بحيث إذا سقطت لم يكن مجال لثبوتها بعده ، فأيّ مانع يتصوّر من قيام فرد منها بعد سقوط الفرد الأوّل لأجل المعارضة ، وهذا نظير قوله (عليه السلام) : «لا تنقض اليقين بالشكّ»(1) ، فإنّه مع عدم جريان فرد منه في مورد لأجل المعارضة أو غيرها لا مانع من جريان فرد آخر خال عن المعارضة أو الأصل الحاكم .
ويمكن الإيراد على هذا الجواب بأنّ المفرّد للقاعدة في المقام هل هو الزمان أو أمر آخر ؟ فإن كانت الفردية متحقّقه بأمر آخر غير الزمان فنحن لا نتصوّر ذلك الأمر بوجه أصلاً ، وإن كانت متحقّقة بالزمان ; بمعنى أنّ القاعدة الجارية في الزمان الأوّل تنافي الإجارة ، فيرد عليه ـ مضافاً إلى عدم تحقّق التفرّد بمجرّد الزمان هنا ـ أنّ منافاة الإجارة إنّما هي مع نفس جريان القاعدة لا من حيث تقيدها بالزمان الأوّل ، وتنظير المقام بباب الاستصحاب ممّا لا يصحّ ، فإنّه هناك يتحقّق بعد السقوط فرد آخر واقعي من اليقين والشكّ ، وبعد تحقّقه يكون مقتضى العموم حرمة نقض الأوّل بالثاني بخلافه هنا ، فإنّه لا مجال لدعوى الثبوت بعد السقوط ، فافهم .
الثاني : ما احتمله سيّدنا الأُستاذ (قدس سره) على ما استظهر من عبارة تقريراته ، وإن ناقش فيه بل حكم ببطلانه ، وهو أنّه يعتبر في المعاوضة أن يكون العوضان بحيث لو لم تكن معاوضة كانا ثابتين في محلّهما الأصلي ، باقيين على ملك مالكهما الأوّلي ، وفي المقام ليس كذلك فإنّ العوضين في الإجارة لا يكونان كذلك ; لأنّ المنفعة مع قطع النظر عن الإجارة لا تكون باقية على ملك المؤجر ، بل مقتضى قاعدة التبعيّة

(1) وسائل الشيعة : 1 / 245 ، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1 .

(الصفحة180)



الجارية في المبيع دخولها في ملك المشتري، ونظيره ما لو تقارن بيع الوكيل وزمان زهاق الروح من الموكّل ، فإنّه مع قطع النظر عن البيع لا يثبت المبيع في محلّه ، بل ينتقل إلى الورثة لأجل موت المورِّث .
والجواب عنه : أنّ اعتبار هذا الأمر في المعاوضة ممّا لم يدلّ عليه دليل ، وتقوّم المعاوضة به بحيث لم تتحقّق بدونه غير معلوم ، بل معلوم العدم ، ولعلّه لذا ناقش فيه الاُستاذ (قدس سره) ، وإن كانت عبارة المقرّر المحكية عنه في غاية الاضطراب .
الثالث : دعوى عدم شمول إطلاقات أدلّة الإجارة للإجارة المقارنة للبيع وانصرافها عنها ، أو عدم ثبوت إطلاق أو عموم في باب الإجارة أو مطلق العقود يستفاد منهما الصحّة، وعدم كون الإجارة الكذائية معتبرة عند العقلاء أيضاً ، وهي كما ترى .
والتحقيق في المقام أن يقال: إنّه لا مجال للإشكال في صحّة الإجارة لأجل التقارن ; لما عرفت من أنّ الإجارة وإن كانت أمراً مرتبطاً بنفس العين وإضافة خاصة بالنسبة إليها ، كما أنّ البيع أمر مرتبط بها ، إلاّ أنّه لا منافاة بين الإضافتين ولا منافاة بين الحقيقتين ، ولذا تجتمعان في البقاء فيما لو سبق عقد الإجارة على البيع ، كما عرفت فيما مرّ . غاية ما هنا أنّ المقارنة صارت موجبة للإشكال في المنفعة ، وأنّ المالك لها هل هو المشتري نظراً إلى قاعدة التبعية ، أو المستأجر نظراً إلى عقد الإجارة ؟ ومنشأ الإشكال ليس هو اعتبار القدرة على التسليم في باب الإجارة ، والمفروض عدمها في المقام ، وذلك لأنّه يمكن فرض القدرة ورعاية كلا الحقّين بإقباض العين للمشتري ثمّ استئجارها منه ثمّ إقباضها للمستأجر ; إذ لايعتبر في الإجارة، الزائد على ماذكر ، كما أنّه ليس المنشأ استتباع كلا العقدين لوجوب
<<التالي الفهرس السابق>>