في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)



والخاصّة(1) اعتبار ذوق عسيلته وذوق عسيلتها ، ففي :
رواية سماعة بن مهران قال : سألته عن المرأة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره، وتذوق عسيلته، ويذوق عسيلتها، وهو قول الله عزّوجلّ : {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان}(2) قال : التسريح بإحسان التطليقة الثالثة(3) .
والرواية دالّة على مفروغية الذوقين عند الراوي ، والإمام(عليه السلام)قرّره على ذلك كما لا يخفى .
قال في المجمع : العسيلة تصغير العسلة وهي القطعة من العسل ، فشبّه لذّة الجماع بذوق العسل ، وإنّما صغّرت إشارة إلى القدر الذي يحلّل ولو بغيبوبة الحشفة (4) .
ولكن قال في الجواهر : إنّ المراد من الذوق المذكور الإنزال(5) ، ولا ينافيه التفسير الذي عرفت; لأنّه محمول على إرادة اللذة الكاملة التي لا تحصل إلاّ بالإنزال.
الأمر الثاني : أن يطأها قبلا وطأً موجباً للغسل إجماعاً من المسلمين(6) عدا

(1) الوسائل: 22 / 118 و 123 و 129 و 130 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح1 و13 وب7 ح1 و3 ، سنن البيهقي: 7 / 374 ، سنن ابن ماجه: 1 / 621 ح1932 ـ 1933 .
(2) سورة البقرة: 2 / 229 .
(3) تفسير العياشي: 1 / 116 ح364 ، الوسائل: 22 / 122 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح13 .
(4) مجمع البحرين: 2 / 1215 .
(5) جواهر الكلام: 32 / 159 .
(6) مسالك الافهام: 9 / 167 ، رياض المسائل: 7 / 346 ، الحدائق الناضرة: 25 / 328 .

(الصفحة82)



سعيد بن المسيب فاكتفى بالعقد(1) . ونصوصاً من الطرفين(2) . وفي الجواهر بل وكتاباً(3) بناءً على أنّ النكاح الوطء أو المراد به هنا ذلك(4) ، وإن كان فيه تأمّل خصوصاً مع تفريع الطلاق عليه ، والظاهر أنّ المعتبر هو الوطء في القبل ، كما أنّه لا خلاف فيه ، ويساعده الإعتبار في باب التحليل ، فإنّ الغرض الأصلي منه عقوبة الزوج بعدم التسرّع في الطلاق ، وعقوبة الزوجة بأنّه لِمَ عملت عملا موجباً لطلاق الزوج إيّاها ، وهذه العقوبة لا تتحقق إلاّ بوطء المحلّل إيّاها قبلا خصوصاً مع صيرورة أمرها راجعة إليه ، ومن الممكن أن لا يطلّقها أبداً كما اتّفق كثيراً .
والعمدة في هذا المقام روايات العسيلة التي تقدّم بعضها ، فإنّ المنساق منها ذلك ، فإن غابت الحشفة أو مقدارها من مقطوع الحشفة فلا إشكال . نعم ، في كفاية المسمّى في المقطوع نفى الخلو عن القوّة في المتن ، مع أنّ صدق ذوق العسيلة فيه مشكل ، فلا ينبغي ترك الإحتياط فيه . وأما اعتبار الإنزال فقد استشكل فيه في المتن ، واحتاط وجوباً الاعتبار ، مع أنّ الظاهر أنّه لا دليل عليه ، خصوصاً مع ما عرفت من تفسير ذوق العسيلة بلذّة الجماع ، واللذة الكاملة وإن كانت تحصل بالإنزال ، إلاّ أنّه لا دليل على اعتبار حصول هذه المرتبة من اللّذة ، ودعوى أنّ المراد من ذوق العسيلة الانزال يدفعها ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد عليه ـ أنّ ذوق عسيلته حينئذ وإن كان محسوساً ، إلاّ أنّ ذوق عسيلتها لا يكون كذلك ، مع أنّه

(1) أحكام القرآن لابن العربي: 1 / 267 ، الاشراف على مذاهب أهل العلم: 1 / 178 ، أحكام القرآن للجصّاص: 1 / 532 .
(2) سنن البيهقي: 7/374، سنن ابن ماجة: 1/621 ح1932، الوسائل: 22/129 ـ 130، أبواب أقسام الطلاق ب7.
(3) سورة البقرة: 2 / 230 .
(4) جواهر الكلام: 32 / 160 .

(الصفحة83)



لا  دخل له في اللّذة ، ومع ذلك فحيث يراد زوال الحرمة الثابتة وحصول الحلّية ثانية ، فالظاهر أنّ مقتضى الإستصحاب عدم الزوال وعدم الحصول بدون الإنزال ، فلا يجوز ترك الاحتياط .
الأمر الثالث : أن يكون العقد من المحلّل دائماً ، ويدل عليه ـ مضافاً إلى الإعتبار الذي ذكرناه ، وإلى تفريع الطلاق على النكاح ، والحكم بزوال الحرمة بسبب الطلاق ـ في الآية الشريفة(1) ـ وإلى أنّه لا خلاف في اعتبار هذا الأمر ـ الروايات الكثيرة الواردة في الباب ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، ثم تمتّع فيها رجل آخر ، هل تحلّ للأوّل؟ قال : لا(2) .
ورواية الحسن الصيقل قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ، وتزوّجها رجل متعة ، أيحلّ له أن ينكحها؟ قال : لا ، حتى تدخل في مثل ما خرجت منه(3) . ورواها صاحب الوسائل في باب واحد مرّتين .
وموثّقة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل تزوّج امرأة ثم طلّقها فبانت ، ثمّ تزوّجها رجل آخر متعة ، هل تحلّ لزوجها الأوّل؟ قال : لا ، حتى تدخل فيما خرجت منه(4) .


(1) سورة البقرة: 2 / 230 .
(2) الكافي: 5 / 425 ح1 ، الوسائل: 22 / 131 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح2 .
(3) الكافي: 5 / 425 ح2 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 113 ح280 ، وفي تفسير العياشي: 1 / 118 ح371 نحوه ، الوسائل: 22 / 131 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح1 .
(4) التهذيب: 8 / 33 ح102 ، الاستبصار: 3 / 374 ح977 ، الوسائل: 22 / 131 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح3 .

(الصفحة84)

مسألة 7: لو طلّقها ثلاثاً وانقضت مدّة، وادّعت أنّها تزوّجت، وفارقها الزوج الثاني ومضت العِدّة ، واحتمل صدقها صدِّقت ويقبل قولها بلا يمين ، فللزوج الأوّل أن ينكحها ، وليس عليه الفحص ، والأحوط الاقتصار على ما إذا كانت

ورواية الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن الرجل يطلّق امرأته على السنّة فيتمتّع منها رجل ، أتحلّ لزوجها الأوّل؟ قال : لا ، حتى تدخل في مثل الذي خرجت منه(1) .
نعم لا فرق في الزوج المحلّل بين الحرّ والعبد للإطلاق ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل:
موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته طلاقاً ، لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، فتزوّجها عبد ثم طلّقها ، هل يهدم الطلاق؟ قال : نعم لقول الله عزّوجلّ في كتابه : {حَتَّى تَنْكِحَ زَوجَاً غَيْرَهُ} وقال: هو أحد الأزواج(2) .
كما أنّ مقتضى بعض الروايات وجوب تصديق المطلّقة ثلاثاً ، إذا ادّعت أنّها تزوّجت وحلّلت نفسها مع كونها ثقة محتملة الصدق ، وهي صحيحة حمّاد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فبانت منه ، فأراد مراجعتها ، فقال لها: إنّي أريد مراجعتك ، فتزوّجي زوجاً غيري ، فقالت له : قد تزوّجت زوجاً غيرك ، وحلّلت لك نفسي ، أيصدِّق قولها ويراجعها؟ وكيف يصنع؟ قال : إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها(3) .


(1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 113 ح284 ، الوسائل: 22 / 132 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح5 .
(2) الكافي: 5/425 ح3 ، تفسير العياشي: 1/ 119 ح375 ، الوسائل: 22/133 ، أبواب أقسام الطلاق ب12 ح1.
(3) التهذيب: 8/34 ح105 ، الاستبصار: 3/275 ح980 ، الوسائل: 22 / 133 ، أبواب أقسام الطلاق ب11 ح1 .

(الصفحة85)

ثقة أمينة(1) .

مسألة 8 : لو دخل المحلّل فادّعت الدخول ولم يكذّبها ، صدّقت وحلّت للزوج الأوّل ، وإن كذّبها فالأحوط الإقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها . ولو ادّعت الإصابة ثم رجعت عن قولها ، فإن كان قبل أن يعقد الأوّل عليها لم تحلّ له ، وإن كان بعده لم يقبل رجوعها(2) .


1 ـ قد تقدّم البحث عن هذه المسألة والرواية الواردة فيها في ذيل المسألة السابقة فراجع .

2 ـ لو ادّعت الزوجة دخول المحلّل ولم يكذّبها ، صدّقت وحلّت للزوج الأوّل بعد الطلاق وانقضاء العدّة وعدم الرجوع فيها; لأنّه لا يعلم الدخول إلاّ من قبلهما ، والمفروض إدّعاء الزوجة وعدم تكذيب الزوج المحلّل ، ولا حاجة في هذه الصورة إلى حصول الاطمئنان الشخصي بصدقها . وأمّا إن كذّبها فقد احتاط في المتن وجوباً بالإقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها ، والسرّ فيه أنّ الاطمئنان علم عرفي يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم الحقيقي ، ولو ادّعت الإصابة ثم رجعت عن قولها فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان قبل أن يعقد الأوّل عليها فلم تحلّ له ، وبين ما إذا كان بعد العقد المذكور فلا يقبل رجوعها ، والوجه فيه أنّ الرجوع عن قولها ـ مضافاً إلى كونه مقتضى الإستصحاب ـ يكون إقراراً على نفسها بعدم حلّية الزوج الأوّل لها فيقبل منها ، وأمّا إذا كان الرجوع بعد عقد الزوج الأوّل إياها ، فلا يكون إلاّ إقراراً على الغير بعدم حليتها له ، ولا مجال لقبول الرجوع في هذه الصّورة خصوصاً مع المسبوقيّة بادّعاء الإصابة ، كما لايخفى .


(الصفحة86)

مسألة 9 : لا فرق في الوطء المعتبر في المحلّل بين المحرّم والمحلّل ، فلو وطأها محرّماً كالوطء في الإحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض ونحو ذلك كفى في التحليل(1) .

مسألة 10 : لو شك الزوج في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه ويحكم ببقاء علقة النكاح ، ولو علم بأصله وشك في عدده بنى على الأقلّ ، سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع ، فلا يحكم بالحرمة في الأوّل وبالحرمة الأبدية في الثاني ، بل لو شك بين الثلاث والتسع يبني على الأوّل ، وتحلّ بالمحلّل على الأشبه(2) .


1 ـ في المسألة قولان ، فقول للإسكافي(1) والشيخ(2) في المحكي عنهما بعدم ثبوت الحلّية بالوطء المحرّم; لأنّه منهيٌّ عنه فلا يكون مراداً للشارع ومندرجاً في أدلّة التحليل ، وقول للمشهور(3) بثبوت الحلّية ، لتحقّق الوطء المستند إلى العقد الصحيح ، والمقام من أحكام الوضع ، التي لا مانع من ترتيب الشارع لها على المحرّم كالنسب الحاصل من هذا الوطء ، فإنّه لا إشكال في تحقّق النسب الشرعي وإن كان الوطء مُحرّماً ، فالأقوى ما في المتن تبعاً للمشهور .

2 ـ لو شك الزوج الذي من شأنه الطلاق في إيقاع أصله لم يلزمه بل يحكم ببقاء علقة النكاح; لأنّ الأصل البقاء وعدم حصول الطلاق الذي هو أمرٌ حادثٌ

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 378 .
(2) الخلاف: 4 / 504 ، المبسوط: 5 / 110 .
(3) الحدائق الناضرة: 25 / 355 ، جواهر الكلام: 32 / 177 .

(الصفحة87)



مسبوق بالعدم .
ولو علم بأصله وشكّ في عدده بني على الأقلّ المتيقّن; لأنّ الزيادة مشكوكة من دون فرق بين أن يكون الزائد المشكوك هو الطلاق الثالث الذي يترتّب عليه الحرمة المغياة أو الطلاق التسع الذي يترتّب عليه الحرمة الأبديّة ، وبين أن يكون غيرهما كالطلاق الثاني أو الخامس أو غيرهما لعين ما ذكر .
ولو شك بين الثلاث والتسع ففي المتن بنى على الأوّل وتحلّ بالمحلّل على الأشبه ، ويمكن أن يقال بجريان استصحاب الكلّي القسم الثاني; لأنّ حدوث الحرمة معلوم ، وزواله بالمحلّل غير معلوم فتستصحب ، ولكن الجواب أنّ هذا فيما إذا لم يكن مسبباً عن الأقل والأكثر ، وإلاّ فمقتضى عدم تحقق الزيادة العدم كما لايخفى ، فما في المتن هو الأشبه .


(الصفحة88)









(الصفحة89)






القول في العِدد


إنّما يجب الإعتداد بأمور ثلاثة: الفراق بطلاق أو فسخ أو انفساخ في الدائم ، وبانقضاء المدّة أو بذلها في المتعة وموت الزوج ووطء الشبهة(1) .


1 ـ قال في الجواهر: «العدد» جمع عدّة من العدد لاشتماله عليها غالباً ، وهي بحسب ما تضاف إليه فيقال: عدّة رجال وعدّة كتب ونحو ذلك ، ومعناها شرعاً أيام تربّص المرأة الحرّة بمفارقة الزوج أو ذي الوطء المحترم بفسخ أو طلاق أو موت أو زوال اشتباه ، بل والأمة إذا كانت الفرقة عن نكاح أو وطء شبهة . نعم ، لو كان عن وطء ملك سمّيت بالاستبراء ولعلّ منه التحليل والأمر سهل(1) ، والكتاب(2)والسّنة(3) متطابقان على ثبوتها في الجملة ، والتفصيل آت إن شاء الله تعالى .


(1) جواهر الكلام : 32 / 211 .
(2) سورة البقرة: 2 / 228 .
(3) الوسائل: 22 / 175 ـ 278 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد .

(الصفحة90)




فصـل في عدّة الفراق

طلاقاً كان أو غيره

مسألة 1 : لا عدة على من لم يدخل بها ولا على الصغيرة ، وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها ، ولا على اليائسة سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدة أو انقضائها(1) .


1 ـ لا تكون عدّة الفراق ثابتة على جماعة :
احداها : من لم يدخل بها ، سواء كانت كبيرة أم صغيرة; لقوله تعالى : {ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدّة تَعْتَدُّونَهَا}(1) .
والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها ، فليس عليها عدّة ، تزوّج من ساعتها إن شاءت ، وتبينها تطليقة واحدة ، وإن كان فرض لها مهراً فنصف ما فرض(2) .


(1) سورة الأحزاب: 33 / 49 .
(2) الكافي: 6 / 83 ح3 ، التهذيب: 8 / 64 ح311 ، الاستبصار: 3 / 296 ح1047 ، الوسائل: 22 / 176 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب1 ح4 .

(الصفحة91)



ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة ، فقد بانت منه ، وتزوج من ساعتها إن شاءت(1) .
وصحيحة زرارة ، عن أحدهما(عليهما السلام) في رجل تزوّج امرأة بكراً ، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات ، كلّ شهر تطليقة ، قال : بانت منه في التطليقة الاُولى ، واثنتان فضل ، وهو خاطب ، يتزوّجها متى شاءت وشاء بمهر جديد . قيل له : فله أن يراجعها ، إذا طلّقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر ؟ قال : لا ، إنّما كان يكون له أن يراجعها لو كان دخل بها أوّلا ، فأمّا قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها ، قد بانت منه ساعة طلّقها(2) . ومراده(عليه السلام) من الفضل هو البطلان .
وصحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سأله أبي ـ وأنا حاضر ـ عن رجل تزوّج امرأة فأُدخلت عليه ولم يمسّها ولم يصل إليها حتى طلّقها ، هل عليها عدّة منه؟ فقال : إنّما العدّة من الماء ، قيل له : فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ فقال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعِدّة(3) .
وفي روايته الاُخرى المتحدة مع هذه الرواية إضافة ، وملامسة النساء هي (هو  خ ل) الايقاع بهنّ(4) .
وصحيحة الحلبي الاُخرى ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل دخل بامرأة ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة(5) .


(1) الكافي: 6 / 84 ح6 ، الوسائل: 22 / 175 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب1 ح3 .
(2) الكافي: 6 / 84 ح4 ، الوسائل: 22 / 175 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب1 ح2 .
(3) الكافي: 6 / 109 ح6 ، الوسائل: 21 / 319 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب54 ح1 .
(4) الكافي: 6 / 109 ح4 ، الوسائل: 21 / 319 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب54 ح2 .
(5) الكافي: 6 / 109 ح1 ، الوسائل: 21 / 319 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب54 ح3 .

(الصفحة92)



ورواية حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل دخل بامرأة ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة(1) .
وغير ذلك من الروايات(2) الدالّة عليه ، ومقتضاها إطلاقاً أو صريحاً أنّ المسّ والدخول والتقاء الختانين ، وأمثال ذلك من العناوين موجب للعدّة ، وإن لم يتحقق الإنزال ،وإن كانت حكمة العدّة وثبوتها مقتضية لعدم ثبوتها مع عدم تحقّق الإنزال ، إلاّ أنّ الحكم لا يدور مدار الحكمة; ولأجله ذكر صاحب الجواهر(قدس سره): أنّه لا فرق بين القبل والدبر في ذلك بلا خلاف أجده ، قال: بل ظاهرهم الإجماع عليه(3) وإن توقّف فيه في الحدائق(4) . بدعوى إنصراف المطلق إلى الفرد الشائع ، الذي هو المواقعة في القبل ، بل به يتحقّق إلتقاء الختانين(5) .
أقول : ظاهر إلتقاء الختانين وإن كان هو خصوص الوطء في القبل ، إلاّ أنّ العناوين الاُخرى الواردة في الكتاب(6) والسنّة(7) مطلقةٌ شاملةٌ للوطء في الدبر خصوصاً بعد كون الدبر أحد المأتيين وأحد الفرجين ، وبعد ملاحظة:
صحيحة أبي عبيدة قال: سئل أبو جعفر(عليه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة وفرض لها

(1) التهذيب: 7/464 ح1861، الاستبصار: 3/226 ح819، الوسائل: 21/320، كتاب النكاح، أبواب المهور ب54 ح8.
(2) الوسائل:21/319 ـ 320، كتاب النكاح، أبواب المهور ب54 وج22/175 ـ 177، كتاب الطلاق، أبواب العدد ب1.
(3) رياض المسائل: 7/356 ـ 357، نهاية المرام: 2/76 ، الحدائق الناضرة: 25/393 ، مسالك الافهام: 9/215 .
(4) الحدائق الناضرة: 25 / 393 .
(5) جواهر الكلام: 32 / 213 .
(6) سورة البقرة: 2 / 223 .
(7) الوسائل: 20 / 145 ـ 148 ، أبواب مقدمات النكاح ب73 .

(الصفحة93)



صداقاً وهي تعلم أنّه خصيّ ، فقال: جائز ، فقيل: فإنّه مكث معها ما شاء الله ثم طلّقها ، هل عليها عدّة؟ قال : نعم أليس قد لذّ منها ولذّت منه(1) .
فإنّ مطلق الالتذاذ من الطرفين ، وإن لم يكن موجباً لترتّب العِدّة وثبوتها ، إلاّ أنّ الالتذاذ الحاصل بسبب الدخول ولو في الدبر يوجب ذلك . لكن في مقابلها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت الرضا(عليه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة على ألف درهم ، ثم طلّقها بعدما دخل بها ، قال : لها الألف التي أخذت منه ولا عِدّة عليها(2) .
هذا والظاهر أنّ المراد من الدخول بها الخلوة ، وعليه فثبوت الألف لها إنّما هو بنحو الندب .
والجمع بينهما بحمل الاعتداد في الصحيحة الاُولى على الندب المنافي لما عليه الأصحاب والنصوص السابقة خلاف الظاهر جدّاً ، هذا ولكن الاحتياط في الوطء في الدبر لا ينبغي تركه .
هذا ، وقد قال المحقّق في الشرائع : أما لو كان مقطوع الذكر ، سليم الاُنثيين ، قيل: تجب العدّة; لإمكان الحمل بالمساحقة ، وفيه تردّد; لأنّ العِدّة تترتّب على الوطء ، نعم لو ظهر حمل اعتدّت منه بوضعه لإمكان الإنزال(3) . وفي محكي القواعد: وكذا لو كان مقطوع الذكر والانثيين على إشكال(4) . واللاّزم ملاحظة تحقق شرائط اللحوق وعدم تحققها ، إلاّ أن يقال: بأنّ المفروض خصوصاً في كلام المحقّق صورة

(1) الكافي: 6 / 151 ح1 ، الوسائل: 22 / 255 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب39 ح1 .
(2) التهذيب: 7 / 375 ح1517 ، الوسائل: 21 / 303 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب44 ح1 .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 34 .
(4) قواعد الاحكام: 2 / 68 .

(الصفحة94)



العلم بكون الولد منه ، فتدبّر جيّداً .
ثانيتها : الصغيرة وهي من لم تكمل التسع ، فإنّه لا عِدّة عليها ، وإن دخل بها مع الجواز أو بدونه ، ويدل عليه روايات ، مثل :
صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن التي قد يئست من المحيض ، والتي لا تحيض مثلها ، قال : ليس عليها عِدّة(1) .
ومرسلة جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما(عليهما السلام) في الرجل يطلّق الصّبية ، التي لم تبلغ ، ولا تحمل مثلها ، فقال: ليس عليها عِدّة وإن دخل  بها(2) .
ورواه في الوسائل مرّتين مع إضافة في سؤال الثاني: والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها(3) .
ورواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : ثلاث تتزوّجن على كلّ حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال: قلت : وما حدّها؟ قال : إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدّها ؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة(4) .
وغير ذلك من الروايات(5) الدالة عليه ، لكن في مضمرة أبي بصير قال : عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر ، والتي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر(6) .


(1) التهذيب: 8 / 66 ح218 ، الوسائل: 22 / 177 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح1 .
(2) التهذيب: 8 / 66 ح219 ، الوسائل: 22 / 178 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح2 .
(3) الكافي: 6 / 84 ح1 ، الوسائل: 22 / 178 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح3 .
(4) الكافي: 6 / 85 ح4 ، الوسائل: 22 / 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح4 .
(5) الوسائل: 22 / 177 ـ 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 و3 .
(6) الكافي: 6 / 85 ذيل ح5 ، الوسائل: 22 / 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح6 .

(الصفحة95)



وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الخبر : حمله الشيخ(1) وغيره(2) على المسترابة وهي التي لا تحيض وهي في سنّ من تحيض . وكذلك نقل الكليني عن معاوية بن حكيم أنّه حمل الحديث على المسترابة(3) ، ونقل الشيخ فيه الإجماع وهو مطابق لظاهر القرآن(4)(5) . ويمكن حمل ما تضمن العدّة هنا على التقية; لموافقتها لمذهب العامة وعلى الاستحباب لما مرّ .
وفي رواية محمد بن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الجارية التي لم تدرك الحيض ، قال : يطلّقها زوجها بالشهور ، الحديث(6) .
وفي رواية هارون بن حمزة الغنوي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن جارية حدثة طلّقت ولم تحض بعد ، فمضى لها شهران ، ثم حاضت ، أتعتدّ بالشهرين؟ قال : نعم ، وتكمل عدّتها شهراً ، فقلت : أَتكمل عدّتها بحيضة؟ قال : لا ، بل بشهر يمضي (مضى خ ل) أخر عدّتها على ما يمضي (مضى خ ل) عليه أوّلها(7) .
وفي رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : عِدّة التي لم تحض ، والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، والقروء جمع الدم بين الحيضتين(8) .


(1) التهذيب: 8 / 68 ذح224 .
(2) مختلف الشيعة: 7 / 466 ـ 467 .
(3) الكافي: 6 / 86 ذح5 .
(4) سورة الطلاق: 65 / 4 .
(5) التهذيب: 8 / 138 ذح481 ، الاستبصار: 3 / 338 ذح1205 .
(6) التهذيب: 8 / 138 ح482 ، الوسائل: 22 / 180 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح7 .
(7) التهذيب: 8 / 139 ح483 . الوسائل: 22 / 181 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح9 .
(8) الكافي: 6 / 99 ح3 ، الوسائل: 22 / 187 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح9 .

(الصفحة96)



هذا وقد ذكر المحقّق في الشرائع: وفي اليائسة ، والتي لم تبلغ روايتان: إحداهما أنّهما تعتدّان بثلاثة أشهر ، والاُخرى لا عِدّة عليهما وهي الأشهر(1) . والأصل في القول الأوّل وإن كان هي الآية الشريفة وهو قوله تعالى : {وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحِيضِ مِن نسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُر وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ . . .}(2)لأنّ السيّد المرتضى القائل بهذا القول(3) لا يرى التمسك بخبر الواحد ، إلاّ أنّ أوّل المرجّحات في باب الخبرين المتعارضين هي الشهرة الفتوائية كما نبهنا عليه مراراً ، ولا شبهة في ثبوتها للطائفة الثانية .
بل يظهر من الجواهر أنّه لم يعرف القائل بالقول الأوّل عدا جماعة معدودين(4) ، بل ربما يظهر من غير واحد دعوى الإجماع(5) في مقابله(6) ، ولا مانع من حمل قوله: عدّة التي لم تحض على التي لم تحض وهي في سنّ من تحيض ، كما اخترناه في هذه المسألة ، ولعلّها تجيء فيما بعد مع الإشارة إلى دليلها وبيان وجهها .
ثالثتها : اليائسة ولو كانت كبيرة بالغة مدخولا بها ، والكلام فيها يظهر من الكلام في الصغيرة ، وفي كلام المحقق المتقدّم عطف الصغيرة على اليائسة ، وقد تقدم

(1) شرائع الإسلام: 3 / 35 .
(2) سورة الطلاق: 65 / 4 .
(3 و 4) الانتصار: 334 ـ 336 ، الغنية: 382 .
(5) المقنعة: 532 ـ 533 ، النهاية: 532 ـ 533 ، الخلاف: 5 / 53 . المقنع: 345 ، المراسم: 166 ، الكافي في الفقه: 312 ، الوسيلة: 325 ، السرائر: 2 / 733 ، المهذب: 2 / 315 ـ 316 ، رياض المسائل: 7 / 367 .
(6) جواهر الكلام: 32 / 233 .

(الصفحة97)



معنى اليأس في كتاب الطهارة .

عدّة من لا تحيض وهي في سن من تحيض
وحيث انجرّ البحث في هذه المسألة إلى طوائف من النساء ، لا تكون عدّة الفراق ثابتة لهنّ ، فينبغي البحث في طائفة رابعة; لكون المسألة مبتلى بها سيّما في زماننا هذا ، حيث إنّ بعض النساء يخرجن أرحامهنّ لعلّة الكسالة أو بعض الأهداف الاُخر ، مثل عدم الحمل أو غيره ، وبالنتيجة يخرجن من دائرة الحيض المتعارف مع كونهنّ في سنّ من تحيض; لعدم بلوغ سنّ اليأس .
وقد التزم بعض الأفاضل من المعاصرين تبعاً لبعض القدماء من الأصحاب أو مشهورهم(1) رضوان الله عليهم أجمعين بعدم ثبوت العدّة عليهنّ في صورة الطلاق; لعدم الحيض على ما هو المفروض .
وقد تعرّضتُ لهذه المسألة مفصّلا في إحدى شهور رمضان الماضية ، فأردت إيرادها بصورة «رسالة» مستقلّة في هذا المقام; لكي ينتفع بها الناظر فيها إن شاء الله تعالى وأنتفع بها في الآتي في الدنيا والآخرة .
وقبل الشروع في البحث نمهّد مقدّمة ، وهي أنّ العِدّة في النساء لا تكون تابعة لوجود الحمل أو إحتماله فيها; لثبوت العِدّة في موارد يعلم فيها بعدم الحمل كالزوج الذي يكون في السجن مدّة سنّة ، وفي هذه المدّة لم يمسّ زوجته أصلا ، فإذا خرج من السجن طلّق زوجته فوراً من غير تماس ، فإنّه لا إشكال في ثبوت العدّة

(1) لم نقف على أحد من القائلين بذلك ، بل ادّعى الإجماع على ثبوت العدّة في الشرائع: 3 / 35 ونهاية المرام: 2 / 83 ورياض المسائل: 7 / 362 .

(الصفحة98)



عليها ، وإن لم تكن شبهة الحمل متحقّقة ، فالعدّة لا تدور مدار ثبوت الحمل أو إحتماله .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه ذكر المحقّق(قدس سره) في الشرائع بعد الحكم في اليائسة والصغيرة ، بأنّ أشهر الروايتين هي رواية نفي العدّة عليهما : ولو كان مثلها تحيض ، إعتدّت بثلاثة أشهر إجماعاً ، وهذه تراعى الشهور والحيض ، فإن سبقت الإطهار ، فقد خرجت من العدّة ، وكذا إن سبقت الشهور (1) .
ومن القدماء السيّد المرتضى(قدس سره) قد استفاد من مجموع الآيات الواردة في عِدّة المطلّقة ثبوت العدّة لهنّ ثلاثة أشهر(2) .
والروايات الدالة على الخلاف إمّا أن لا تكون حجّة كما هو مبناه في باب خبر الواحد ، وإمّا لا تنهض بظهورها في مقابل نصّ القرآن على اعتقاده; لأنّ النصّ قرينة على التصرف في الظاهر ، فلا مجال للأخذ بها في مقابل الكتاب .
واللاّزم أوّلا التعرّض لما يستفاد من الكتاب ، ثم التعرّض لما تفيده الروايات الواردة في هذا المجال ، أو التي يستفاد منها حكم المقام ، فنقول :
والآيات المهمّة المرتبطة ثلاثة :
الاُولى : قوله تعالى: {وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوء وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ إن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ

(1) شرائع الإسلام: 3 / 35 .
(2) الانتصار: 334 ـ 336 .

(الصفحة99)



وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1) .
وغير خفيّ أنّ مقتضى العموم في هذه الآية بلحاظ الجمع المحلّى باللاّم ثبوت العدّة لكلّ مطلّقة ، وكلمة {ثَلاَثَةَ قُرُوء} لا تصير قرينة على عدم العموم ، بل الاختصاص بالنساء اللاّتي لهنّ الحيض والطهر ، سواء كانت القرء بالمعنى الأوّل أو الثاني ، وكذا قوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِى أَرْحَامِهِنّ} الدالّ على عدم جواز الكتمان مع عدم اطلاع الغير ، وكذا قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ} لا دلالة له على اختصاص العموم بالمطلّقات الرّجعيّة ، فإنّ ثبوت عدّة ثلاثة قروء لعموم المطلّقات حكم عامّ قانوني ، وقد ثبت في محلّه أنّ تخصيص العموم لا يكشف عن عدم استعمال العموم فيه بمقتضى الإرادة الاستعمالية ، ولا يستلزم التجوز فيه أصلا كما لا يخفى ، فهذه الآية بمقتضى العموم تدلّ على ثبوت العدّة لعموم المطلّقات(2) .
الثانية : قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا}(3) .
والظاهر أنّ هذه الآية بمنزلة المخصّص للآية الاُولى; لأنّ مقتضاها عدم ثبوت العدّة على المطلّقة غير المدخول بها .
الثالثة : قوله تعالى: {وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحِيضِ مِن نِسَائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ

(1) سورة البقرة: 2 / 228 .
(2) ما ذكره شيخنا الأستاذ أدام الله ظلّه ، تامّ في العام المنفصل عن الخاصّ ، وأمّا في المتّصل فالمشهور على عدم انعقاد الظهور للعام بالنسبة إلى الخاصّ المتّصل به ، والمقام من احتفاف العامّ بالخاصّ المتّصل ، نعم فيما يكون الخاصّ بصورة الإستثناء كان الحقّ تماميّة الظهور ، فإنّ الإخراج فرع الدخول . «الكريمي القمّي»
(3) سورة الأحزاب: 33 / 49 .

(الصفحة100)



فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُر وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}(1) .
وقد استدلّ السيد المرتضى(قدس سره) بهذه الآية على ثبوت عدّة ثلاثة أشهر على اليائسة وعلى الصغيرة ، وعلى أنّ أولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ(2) . ولابدّ من ملاحظة أنّ المشهور(3) القائلين بعدم ثبوت العِدّة على الأوليين كيف فسّروا الآية الشريفة ، فنقول: هم يقولون : بأنّ الآية لا تدل على ثبوت العدّة لهما أي لليائسة والصغيرة مطلقاً ، بل مقيّداً بقوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} والمهم بيان المراد من هذه الجملة الشريفة، وأنّ هذا القيد يدل على عدم ترتب الحكم على مطلق اليائسة، بل على اليائسة المُرتابة وهي التي تشك في أنّها بلغت سنّ اليأس أم لا ، وفي الحقيقة تشك في أنّ عدم الحيض ، هل يكون مستنداً إلى اليأس ، أو يكون لعارض من مرض أو غيره؟ وعليه فمن بلغت سنّ اليأس مشخّصاً لا يكون حكمها مذكوراً في الآية الشريفة ، وهكذا بالإضافة إلى قوله : {وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ} فإنّ الظاهر ثبوت هذا القيد فيهنّ ، وأنّ المراد ثبوت الريبة فيهن ، بمعنى أنّ المرأة التي لم تر الدّم ، ولكن شكّت في أنّ عدم رؤيتها هل لأجل عدم البلوغ بسن الحيض ، أو مستند إلى عارض آخر ، تكون مورداً للحكم في الآية . وأمّا المرأة غير المرتابة ، وغير البالغة سنّ الحيض فلاتعرّض في الآية لحكمها . وعلى ما ذكرنا فقوله تعالى في الآية: {إِنِ اِرْتَبْتُمْ} معناه الوقوع في الريبة والشك كما ذكرنا ، ويدلّ على أنّ المراد من قوله: {إِنِ

(1) سورة الطلاق: 65 / 4 .
(2) الانتصار: 334 ـ 336 .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 35 ، المقنعة: 532 ـ 533 ، النهاية: 532 ـ 533 ، مسالك الافهام: 9 / 230 ، رياض المسائل: 7 / 367 ، الحدائق الناضرة: 25 / 431 .
<<التالي الفهرس السابق>>