في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة321)



فهو له(1) .
المقام الثاني : فيما إذا كان الوارث المسلم حال الموت متعدّداً ، وقد أسلم الوارث الكافر ، فإن كان إسلامه بعد تقسيم التركة فلا ينفع لما عرفت ، وإن كان قبل التقسيم ، ويدلّ عليه الروايات المتقدّمة ، بل ظهورها في هذا المقام أقوى بلحاظ كلمة التقسيم الظاهرة في التعدّد ، وهذا من دون فرق بين أن يكون الوارث الكافر الذي أسلم مساوياً للباقين في المرتبة ، كما إذا أسلم ابن له وكان سائر أبنائه مسلماً ، أو مقدّماً عليهم في المرتبة ، كالمثال المذكور في المتن .
بقي في المسألة أمران :
أحدهما : أنّه لا إشكال في أنّه بعد الإسلام قبل القسمة ينتقل سهم مَن أسلم إليه ، والظاهر أنّ الانتقال إليه من الميّت كسائر الورثة ، ولا مجال لدعوى الانتقال إليه من سائر الورثة حتّى يقع البحث في النماء المتخلّل ، وأنّه ملك للمسلم أم لا ، ومرجع ما ذكرنا إلى أنّ الكفر المانع عن الإرث هو الكفر الباقي إلى القسمة لا مطلق الكفر ، فبالإسلام قبل القسمة ينكشف عدم ثبوت المانع بوجه .
ثانيهما : أنّه لو اقترن إسلامه بالقسمة ، فمقتضى العمومات الدالّة على عدم إرث الكافر(2) عدم ثبوت الإرث هنا بعد تخصيصها عمومات أدلّة الإرث(3) ، وتعارض المفهومين في بعض الروايات السابقة على تقدير ثبوت المفهوم على خلاف ما اخترناه وحقّقناه ، فتدبّر جيّداً .


(1) الوسائل : 26 / 21 ، أبواب موانع الإرث ب3 ح5 .
(2) الوسائل : 26 / 11 ـ 18 ، أبواب موانع الإرث ب1 .
(3) سورة النساء : 4 / 7 ـ 11 ، سورة الأنفال : 8 / 75 ، الوسائل : 26 / 115 ـ 116 و136 ـ 143 ، أبواب ميراث الأبوين ب9 و20 ، وص154 ـ 157 ، أبواب ميراث الإخوة ب3 ، وص185 ـ 186 ، أبواب ميراث الأعمام ب2 ، وص195 ـ 196 ، أبواب ميراث الأزواج ب1 .

(الصفحة322)

مسألة 4 : لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض فالأحوط التصالح(1) .

مسألة 5 : لو مات مسلم عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم فأسلم بعضهم بعد موته اختصّ هو بالإرث ولا يرثه الباقون ولا الإمام (عليه السلام) ، وكذا الحال لو مات مرتدّ وخلف ورثة كفّاراً وأسلم بعضهم بعد موته(2) .


1 ـ من عدم شمول شيء من المفهومين على تقدير ثبوتهما هنا; لأنّ المفروض أنّ الإسلام وقع بعد قسمة البعض دون بعض ، فعمومات أدلّة الإرث محكمّة ، ولا مجال لدعوى التبعيض بالإرث من خصوص بعض التركة التي اقتسمت دون البعض الآخر; للعلم بالخلاف تقريباً ، ومن أنّه قبل الإسلام لم يكن وارثاً فبعده أيضاً كذلك للاستصحاب ، فمقتضى الاحتياط الوجوبي التصالح لا الحكم بالثبوت ولا الحكم بالعدم بعد عدم التبعيض ، كما عرفت  .

2 ـ لو مات مسلم أو مرتدّ عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم ، فأسلم أحدهم بعد موته اختصّ هو بالإرث ، ولا يرثه الباقون ولا الإمام(عليه السلام) فيما لو كان مسلماً حال الموت لكان مختصّاً به; لأنّه لا مجال للقسمة هنا حتّى يتصوّر كون إسلامه قبلها أو بعدها ، كما أنّه لا مجال لدعوى كونه للإمام(عليه السلام) لصحيحة أبي بصير ـ يعني المرادي ـ قال: سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن رجل مسلم مات وله اُمّ نصرانية وله زوجة وولد مسلمون؟ فقال : إن أسلمت اُمّه قبل أن يقسّم ميراثه اُعطيت السدس ، قلت : فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب مسلمين ، وله قرابة نصارى ممّن هل سهم في الكتاب ولو كانوا مسلمين لمن يكون ميراثه ؟ قال : إن أسلمت اُمّه فإنّ ميراثه لها ، وإن لم تسلم اُمّه وأسلم بعض قرابته ممّن له سهم في

(الصفحة323)

مسألة 6 : لو مات كافر أصلي وخلف ورثة كفّاراً ليس بينهم مسلم فأسلم بعضهم بعد موته فالظاهر أنّه لا أثر لإسلامه ، وكان الحكم كما قبل إسلامه ، فيختصّ بالإرث مع تقدّم طبقته ، ويختصّ غيره به مع تأخّرها ، وشاركهم مع المساواة ، ويحتمل أن تكون مشاركته مع الباقين في الصورة الأخيرة فيما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم ، وأمّا إذا كان قبلها اختصّ بالإرث ، وكذا اختصاص الطبقة السابقة في الصورة الثانية إنّما هو فيما إذا كان من في الطبقة السابقة واحداً أو متعدّداً وكان إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم ، وأمّا إذا كان إسلامه قبلها اختصّ الإرث به(1) .


الكتاب فإنّ ميراثه له ، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإنّ ميراثه للإمام(1) .
وقال الشيخ في المبسوط(2) وابن حمزة(3) وغيرهما(4) : إن كان إسلام الوارث قبل نقل التركة إلى بيت مال الإمام يرثه ، وإن كان بعده لم يرث .
وقال في محكي النهاية(5) : لا يرث لأنّ الإمام كالوارث الواحد . ولكن عرفت مقتضى النصّ .

1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لبيان صور :
الصورة الاُولى : ما لو كان الميّت كافراً أصلياً ، وخلّف ورثة كفاراً ليس بينهم

(1) الوسائل : 26 / 20 ، أبواب موانع الإرث ب3 ح1 .
(2) المبسوط  : 4 / 79  .
(3) الوسيلة : 394 .
(4) إرشاد الأذهان : 2 / 127  .
(5) راجع النهاية : 664 ـ 665 ، والحاكي هو صاحب مفتاح الكرامة : 8 / 28 ـ 29 ونسبه إلى النهاية والمهذب ، والظاهر انّ النسبة غير صحيحة ، كما ذكره في هامش المهذب : 2 / 158 .

(الصفحة324)

مسألة 7 : المراد بالمسلم والكافر وارثاً ومورثاً وحاجباً ومحجوباً أعمّ منهما حقيقة ومستقلاًّ أو حكماً وتبعاً ، فكلّ طفل كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته فهو مسلم حكماً وتبعاً ، فيلحقه حكمه ، وإن ارتدّ بعد ذلك المتبوع فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ ، نعم يتبعه في الإسلام لو أسلم أحد أبويه قبل بلوغه بعدما كانا كافرين حين انعقاد نطفته ، وكلّ طفل كان أبواه معاً كافرين أصليين أو مرتدين أو مختلفين حين انعقاد نطفته فهو بحكم الكافر حتّى أسلم

مسلم ، فأسلم بعضهم بعد موته ، فالظاهر انّه لا أثر لإسلامه ، وكان الحكم كما قبل إسلامه; لأنّ المفروض كون الميّت كافراً بالأصل ، وقد عرفت انّه في هذه الصورة يرث الكافر منه ، فإسلام البعض بعد موته لا أثر له ، فيختصّ المسلم بالإرث مع تقدّم طبقته ، ويختصّ غيره به مع تأخّرها وشاركهم مع المساواة  .
الصورة الثانية : التفصيل بين ما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم في صورة المشاركة باحتمالها في هذه الصورة ، وأمّا إذا كان قبلها اختصّ المسلم بالإرث . والوجه في هذا الاحتمال إطلاق الروايات(1) الواردة في هذا المجال ، وعدم الفرق فيها بين ما إذا كان الميّت مسلماً أو كافراً .
الصورة الثالثة : التفصيل في اختصاص الطبقة السابقة في صورة تأخّر طبقة المسلم بين ما إذا كان من في الطبقة السابقة واحداً أو متقدّماً ، وكان إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم ، وأمّا إذا كان إسلامه قبلها يختصّ الإرث بالمسلم وإن كانت طبقته متأخّرة ، والوجه فيه ما ذكرناه في الصورة الثانية من إطلاق الروايات الواردة في هذا المجال ، فتدبّر جيّداً .


(1) الوسائل : 26 / 11 ـ 18 ، أبواب موانع الإرث ب1 .

(الصفحة325)

أحدهما قبل بلوغه أو أظهر الإسلام هو بعده ، فعلى ذلك لو مات كافر وله أولاد كفّار وأطفال أخ مسلم أو اُخت مسلمة ترثه تلك الأطفال دون الأولاد ، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه هو دون ابنه ، ولو مات مسلم وله طفل ثمّ مات الطفل ولم يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات كان وارثه الإمام (عليه السلام) كما هو الحال في الميّت المسلم ، ولو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلّهم كفّاراً ورثه الكفّار على ما فرض الله دون الإمام (عليه السلام) . هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين ، وأمّا إذا كانا مرتدين فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي حتّى يكون وارثه الإمام (عليه السلام) أو حكم الكافر الأصلي حتّى ترثه ورثته الكفّار؟ وجهان لا يخلو ثانيهما من قوّة ، وفي جريان حكم التبعية فيما تقدّم في الجدّة تأمّل ، وكذا في الجدّ مع وجود الأب الكافر وإن كان جريانه فيه مطلقاً لا يخلو من  وجه(1) .


1 ـ المهمّ في هذه المسألة اُمور :
الأوّل : أنّ المراد بالمسلم والكافر وارثاً وموروثاً أعمّ منهما حقيقة ومستقلاًّ أو حكماً وتبعاً ، فالطفل إذا كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته فهو مسلم بالتبع ويلحقه حكمه ، وكذا لو أسلم أحد أبويه قبل بلوغه بعدما كانا كافرين حين انعقاد نطفته ، وكذلك كلّ طفل كان أبواه معاً كافرين حين انعقاد نطفته ، فهو بحكم الكافر مادام لم يسلم أحدهما قبل بلوغه ، وكذلك لو كانا مرتدين أو مختلفين في ذلك الحين .
الثاني : لو مات طفل بين كافرين أصليين وكان له مال ، وكان ورثته كلّهم كفّاراً ، فمقتضى ما عرفت أنّه يرثه الكفّار على ما فرض الله دون الإمام(عليه السلام) . وأمّا إذا كانا مرتدين ، فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي حتّى يكون وارثه الإمام(عليه السلام)

(الصفحة326)

مسألة 8 : المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والاُصول والعقائد ، فيرث المحقّ منهم عن المبطل وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم ، نعم الغلاة المحكومون بالكفر والخوارج والنواصب ، ومن أنكر ضروريّاً من ضروريات الدين مع الإلتفات والإلتزام بلازمه كفّار أو بحكمهم ، فيرث المسلم منهم وهم لا يرثون منه(1) .


أو حكم الكافر الأصلي حتّى ترثه ورثته الكفّار؟ فيه وجهان ، نفى في المتن خلوّ ثانيهما عن قوّة ، ولعلّ وجهه أنّ اللحوق والتبعية إنّما هو بالإضافة إلى الكفر والإسلام دون خصوصياتهما .
الثالث : في جريان حكم التبعيّة بالإضافة إلى الجدّة إذا كانت مسلمة وكانت الاُمّ كافرة ، وكذا الجدّ للأب إذا كان مسلماً وكان الأب كافراً ، تأمّل في المتن ثمّ نفى الجريان مطلقاً عن خلوّ الوجه ، ولعلّ الوجه فيه صدق الوالدين عليهما أيضاً ، فيكفي إسلام أحدهما في اللحوق ، وإن كان في باب الإرث يعدّان في مقابل الجدّ والجدّة ، لكن الكلام لا يرتبط بباب الإرث فقط ، بل بباب الكفر والإسلام ، وقد مرّ التحقيق في كتاب الطهارة في باب نجاسة الكافر فراجع(1) .

1 ـ العمدة في ثبوت التوارث بينهم وإن اختلفوا هو ; ابتناء التوارث على الإسلام دون الإيمان ، وفي المعتبرة أنّ الإسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث(2) ، مضافاً إلى الإجماع القطعي ، واستمرار السيرة العملية بين المسلمين ، المتّصلة بأزمنة الأئمّة المعصومين

(1) تفصيل الشريعة / كتاب الطهارة ، قسم النجاسات : 238 ـ 244 .
(2) الأصول من الكافي : 2 / 25 ـ 26 ح5 .

(الصفحة327)

مسألة 9 : الكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل ، فيرث النصراني من اليهودي وبالعكس ، بل يرث الحربي من الذمّي وبالعكس ، لكن يشترط في إرث بعضهم من بعض فقدان الوارث المسلم كما مرّ(1) .

مسألة 10 : المرتدّ هو من خرج عن الإسلام واختار الكفر على قسمين : فطري وملّي ، والأوّل من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه ، والثاني : من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافراً أصليّاً ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر


عليهم صلوات الله أجمعين ، ولا فرق في ذلك بين المحقّ والمبطل واختلافهما في هذه الجهة . نعم يوجد في المسلمين بعض من ينتحلون الإسلام ، ولكنّهم في الحقيقة كفّار كالغلاة ، والخوارج ، والنواصب ، فهم محكومون بالكفر ويجري عليهم حكمه ، كما أنّه سيجيء في بعض المسائل الآتية حكم المرتدّ وانقسامه إلى قسمين ، والفرق بين الرجل والمرأة .
وقد تقدّم البحث عن حكم من أنكر ضروريّاً من ضروريّات الإسلام لا خصوص الفقه في بحث نجاسة الكافر فراجع(1) .

1 ـ لأنّ الكفر ملّة واحدة ، والمانع الذي عرفت(2) هو الكفر بعنوانه لا بخصوص بعض أقسامه ، ولا فرق في هذه الجهة بين الذمّي والحربي ، وحلّية قتل الحربي وماله أمر والإرث أمر آخر ، وهنا خلاف في بعض فروض المسألة لا يعبأ به . نعم يشترط في إرثهم فقدان الوارث المسلم كما مرّ .


(1) تفصيل الشريعة / كتاب الطهارة ، قسم النجاسات : 246 وما بعده .
(2 و 3) في ص317 ـ 318 .

(الصفحة328)

كنصراني بالأصل ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيته مثلا .
فالفطري إن كان رجلا تبين منه زوجته ، وينفسخ نكاحها بغير طلاق ، وتعتدّ عدّة الوفاة ، ثمّ تتزوّج إن أرادت ، وتقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت ، ولا ينتظر موته ولا تفيد توبته ورجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته وماله إليه ، نعم تقبل توبته باطناً وظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام ، فيطهّر بدنه وتصحّ عباداته ، ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازة ، والقهرية كالإرث ، ويجوز له التزويج بالمسلمة ، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة ، وإن كان امرأة بقيت أموالها على ملكها ، ولا تنتقل إلى ورثتها إلاّ بموتها ، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها ، ومع الدخول بها فإن تابت قبل تمام العدّة وهي عدّة الطلاق بقيت الزوجية ، وإلاّ انكشف عن الانفساخ والبينونة من أوّل زمن الارتداد .
وأمّا الملّي سواء كان رجلا أو امرأة فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلاّ بالموت ، وينفسخ النكاح بين المرتدّ وزوجته المسلمة ، وكذا بين المرتدّة وزوجها المسلم بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول ، ومعه وقف الفسخ على انقضاء العدّة ، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته ، وإلاّ انكشف أنّها بانت عنه عند الارتداد ، ثمّ إن هنا أقساماً اُخر في إلحاقها بالفطري أو الملّي خلاف موكول إلى محلّه(1) .


1 ـ المهمّ في هذه المسألة ، بعد اشتراك قسمي المرتدّ في المسبوقية بالإسلام الاختياري بعد البلوغ وإنكار الضروري بعد الإسلام ـ سواء كان من الاُصول كالتوحيد والرسالة الخاصّة أم من الفروع كالصلاة ونحوها ـ بيان اُمور :


(الصفحة329)



الأوّل : أنّ المرتدّ الفطري من كان أحد أبويه أو كلاهما مسلماً في حال انعقاد نطفته أو أسلم قبل بلوغه كما مرّ ، ولأجله صار محكوماً بالإسلام تبعاً ، ثمّ أظهر الإسلام اختياراً بعد البلوغ ، ثمّ ارتدّ ورجع عن الإسلام ، ثمّ صار مسلماً .
والمرتدّ الملّي من لم يكن كذلك في حال انعقاد النطفة ، ولأجله صار محكوماً بالكفر تبعاً ، ثمّ أظهر الكفر اختياراً بعد البلوغ ، ثمّ اختار الإسلام كذلك ، ثمّ ارتدّ ورجع .
الثاني : أنّ المرتدّ الفطري إن كان رجلا تترتّب عليه أحكام انفساخ نكاحها بغير طلاق ، وتقسيم أمواله التي كانت له حين الارتداد أو بين ورثته بعد أداء ديونه ، ولا ينتظر موته في ذلك ، وعدم الفائدة في توبته في الجملة .
وفي رواية عمّار ، قال : سمعت أباعبدالله(عليه السلام) يقول : كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً (صلى الله عليه وآله)نبوّته وكذّبه ، فإنّ دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه (يوم ارتدّ) ، فلا تقربه ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه(1) .
ونحن حينما بلغنا إلى هنا في شرح هذه المسألة تذكّرنا أنّا قد فصّلنا الكلام في أحكام المرتدّ وموضوعه في باب حدّ المرتدّ من كتاب الحدود ، الذي هو من أجزاء تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، وقد طبع من قبل سنين ، ورأينا أنّه لاجدوى في الإعادة والتكرار ، فليراجع هناك خصوصاًمع ضيق المجال وكثرة الاشتغال وعدم سلامة الحال ، وهو المبدأ والمآل وصلّى الله على النبيّ  والآل .


(1) الوسائل : 28 / 324 ، أبواب حدّ المرتد ب1 ح3 .

(الصفحة330)

الثاني : القتل
مسألة 1 : لا يرث القاتل من المقتول لو كان القتل عمداً وظلماً ، ويرث منه إن قتله بحقّ كما إذا كان قصاصاً أو حدّاً أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله ، وكذا إذا كان خطأً محضاً كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنّه يرثه ، نعم لا يرث من ديته التي تتحمّلها العاقلة على الأقوى ، وأمّا شبه العمد وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل ، وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة ، كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً للتأديب فأدّى إلى قتله ، ففي كونه كالعمد المحض مانعاً عن الإرث أو كالخطأ المحض قولان ، أقواهما ثانيهما(1) .


1 ـ يدلّ على أصل مانعية القتل ـ مضافاً إلى الإعتبار ، وهي حفظ الدماء وعصمتها من معالجة الورثة وحقنها من إراقتها; لأجل الوصول إلى الإرث الذي هو الغرض الأقصى لجماعة من الناس ـ قبل الإجماع(1) الروايات الواردة في هذا المجال ، مثل :
صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : لا ميراث للقاتل(2) .
ورواية جميل بن درّاج ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده ، ولكن يكون الميراث لورثة القاتل(3) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : إذا قتل الرجل أباه قتل به ، وإن قتله

(1) الخلاف : 4 / 28 ـ 31 مسألة 22 ، مسالك الافهام : 13 / 36 ، جواهر الكلام : 39 / 36 .
(2) الوسائل : 26 / 30 ، أبواب موانع الإرث ب7 ح1 .
(3) الوسائل : 26 / 30 ، أبواب موانع الإرث ب7 ح3 .

(الصفحة331)



أبوه لم يقتل به ولم يرثه(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه(2) . وغير ذلك من الروايات(3) الواردة في هذا المقام .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن ما إذا كان القتل واجداً لخصوصيتين :
إحداهما : كونه عمداً . والاُخرى : كونه ظلماً وبغير حقّ  .
أمّا مع انتفاء الخصوصية الثانية كالأمثلة المذكورة في المتن ، وذلك لأنّه مضافاً إلى خروجه عن منصرف الدليل، وإلاّ يلزم تعطيل أبواب تلك الاُمور من القصاص والحدّ والدفاع مع وجوب أكثرها ، ولا يلائم الوجوب مع الممنوعية كما لايخفى ، تدلّ عليه رواية حفص بن غياث قال : سألت جعفر بن محمّد(عليهما السلام) عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والاُخرى عادلة اقتتلوا ، فقتل رجل من أهل العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه ، وهو من أهل البغي وهو وارثه ، أيرثه؟ قال : نعم; لأنّه قتله بحقّ(4) . ومقتضى عموم التعليل عدم الاختصاص بالمورد .
وأمّا مع انتفاء الخصوصية الاُولى ، فتارةً يكون القتل خطأً محضاً ، واُخرى يكون شبه عمد ، ففي الصورة الاُولى حكم بثبوت الإرث والممنوعية من الدية التي تتحمّلها العاقلة لصحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : إذا قتل الرجل اُمّه خطأً ورثها ، وإن قتلها متعمّداً فلا يرثها(5) .


(1) الوسائل : 26 / 30 ، أبواب موانع الإرث ب7 ح4 .
(2) الوسائل : 26 / 31 ، أبواب موانع الإرث ب7 ح5 .
(3) الوسائل : 26 / 30 ـ 31 و33 ـ 35 ، أبواب موانع الإرث ب7 و 9 .
(4) الوسائل : 26 / 41 ، أبواب موانع الإرث ب13 ح1 .
(5) الوسائل : 26 / 33 ، أبواب موانع الإرث ب9 ح1 .

(الصفحة332)



وصحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل قتل اُمّه ، أيرثها؟ قال : إن كان خطأً ورثها ، وإن كان عمداً لم يرثها(1) .
لكن في مقابلهما رواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث ، قال : ولا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطأً(2)  .
والمرسلة : مَن قتل أخاً له عمداً أو خطأً لم يرثه(3) .
ولكن الشهرة التي هي أوّل المرجّحات مع الطائفة الاُولى خصوصاً مع ضعف الطائفة الثانية في نفسها .
وأمّا الممنوعية من خصوص الدية فهي المشهور(4) بل ادّعي الإجماع(5) عليها ، فيدلّ عليها :
صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : المرأة ترث من دية زوجها ، ويرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه(6) .
ومثلها رواية عبدالله بن أبي يعفور(7). ويؤيّدهما النبوي المحكي عن سنن البيهقي قال : المرأة ترث من دية زوجها وماله ، وهو يرث من ديتها ومالها ، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمداً ، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً لم يرث من ديته وماله

(1) الوسائل : 26 / 34 ، أبواب موانع الإرث ب9 ح2 .
(2) الوسائل : 26 / 35 ، أبواب موانع الإرث ب9 ح4 .
(3) المستدرك : 17 / 146 ، أبواب موانع الإرث ب6 ح3 . وفيه : «من قتل حميماً له . . .» .
(4) الدروس : 2 / 347 ، تلخيص الخلاف : 2 / 247 ، مسالك الأفهام : 13 / 38 .
(5) الخلاف : 4 / 28 ـ 30 مسألة 22 ، الغنية : 330 ، السرائر : 3 / 274 ، الانتصار : 307 .
(6) الوسائل : 26 / 32 ، أبواب موانع الإرث ب8 ح2 .
(7) الوسائل : 26 / 32 ، أبواب موانع الإرث ب8 ح3 .

(الصفحة333)



شيئاً ، وإن قتل صاحبه خطأً ورث من ماله ولم يرث من ديته(1) .
وفي الصورة الثانية التي يكون القتل فيها شبيه العمد ففيها قولان :
أحدهما : المانعية عن الإرث .
ثانيهما : العدم ، كالخطأ المحض .
وجعل في المتن الأقوى الثاني ، ولعلّ الوجه فيه ـ مضافاً إلى عدم جريان حكمة مانعية القتل عن الإرث في شبه العمد مع عدم كون الفاعل قاصداً للقتل ، وعدم كون الفعل ممّا يترتّب عليه القتل في العادة ، كالضرب بالعصا خفيفاً ـ أنّه قد قوبل في الصحيحتين المتقدّمتين المفصّلتين بين العمد والخطأ عنوان العمد بعنوان الخطأ ، ولعلّه يظهر من هذه المقابلة كون الخطأ المذكور فيهما أعمّ من شبه العمد ، ولا مجال لدعوى العكس ، ولعلّه لذا استظهر صاحب الجواهر(قدس سره) من المحقّق وغيره بل من المعظم ـ حيث قابلوا العمد بالخطأ ـ أنّ المراد بالخطأ ما يشمل شبه العمد . وحكى عن جماعة(2) التصريح به ، وإلاّ يلزم إهمال المعظم لحكم شبيه العمد مع كثرة وقوعه ومسيس الحاجة إليه ، قال : فليس هو إلاّ لكون المراد بالخطأ الذي ذكروه ما يشمله ، خصوصاً مع وقوع ذلك منهم في مقام الاستقصاء(3) ، ثمّ إنّ الظاهر أنّ عمد الصبي والمجنون بحكم الخطأ ، فلا مانع من إرثهما عن المقتول فيما عدا الدية . وحكى في كشف اللّثام(4) عن بعضهم(5) المنع من إرث الصبي والمجنون من الإرث في صورة

(1) سنن البيهقي : 6 / 221 .
(2) المراسم : 220 ، مختلف الشيعة : 9 / 85 ، تحرير الأحكام : 2 / 172 .
(3) جواهر الكلام : 39 / 38  .
(4) كشف اللثام : 2 / 281  .
(5) المؤتلف من المختلف : 2 / 14 .

(الصفحة334)

مسألة 2 : لا فرق في القتل العمدي ظلماً في مانعيته من الإرث بين ما كان بالمباشرة كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص وبين ما كان بالتسبيب كما إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع أو حبسه في مكان زماناً طويلا بلا قوت فمات جوعاً أو عطشاً أو أحضر عنده طعاماً مسموماً بدون علم منه فأكله إلى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب ويستند معها القتل إلى المسبّب ، نعم بعض التسبيبات التي قد يترتّب عليها التلف ممّا لا ينسب ولا يستند إلى المسبّب كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك ، وإن أوجب الضمان والدية على مسبّبها إلاّ أنّها غير مانعة من الإرث ، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الذي وقع فيها ومات(1) .


تعمّد القتل ، ولكنّه واضح الضعف مع قوله(عليه السلام) : «عمد الصبيّ خطأ»(1) كما لايخفى .

1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان أمرين :
الأوّل : لا فرق في مانعية القتل عمداً وظلماً في المانعية عن الإرث بين أن يكون بالمباشرة وبين أن يكون بالتسبيب ، فالأوّل كما إذا ذبحه بيده أو رماه بالرصاص بنفسه ، والثاني كالأمثلة المذكورة في المتن ، وذلك لاستناد القتل كذلك إليه ، وهو مانع عن الإرث كما لايخفى .
الثاني : اختلاف التسبيبات في هذه الجهة ، ففي بعضها ينسب ويستند معه القتل إلى المسبّب ، وفي بعضها لا ينسب ولا يستند إلى المسبّب ، كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر ، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الذي وقع فيها فمات .


(1) الوسائل : 29 / 400 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب11 ح2 .

(الصفحة335)

مسألة 3 : كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول كذلك لا يكون حاجباً عمّن دونه في الدرجة ومتأخّر عنه في الطبقة ، فوجوده كعدمه ، فلو قتل شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل يرث ابن القاتل عن جدّه ، وكذا لو انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل وله إخوة كان ميراثه لهم دون ابنه ، بل لو لم يكن له وارث إلاّ الإمام (عليه السلام) ورثه دون ابنه(1) .


أقول : ما الفرق بين القتل العمدي والقتل الخطأي بعد اشتراكهما في صحّة إسناد القتل إلى كليهما؟ ضرورة انّ ثبوت الفرق بين القاتل خطأً وبين غير القاتل هو تعلّق القصد ، أي قصد القتل وثبوته في الأوّل دون الثاني ، وعليه فيمكن أن يُقال : ـ إن كان قصد حافر البئر وقوع المقتول فيها ، خصوصاً في الجادة الشخصية للمقتول ، فوقع فيها فمات ـ بعدم ثبوت الإرث عنه; لصدق قتل العمد ظلماً وإن لم يكن من قصده ذلك ، فهو يرث منه لا لأجل عدم الانتساب ، بل لأجل عدم تحقّق المانع وهو قتل العمد ، وأمّا إيجاب الضمان والدية فهو لا ينفك عن الاستناد والانتساب ، فإنّ الإتلاف الذي هو الموضوع في قاعدة «من أتلف» لابدّ وأن يكون مستنداً إليه ولو في حال عدم التوجّه والالتفات ، كما أنّ الدية في مثل قتل الخطأ يكون موضوعه هو القتل المستند إلى القاتل . غاية الأمر بعنوان الخطأ ، فالانتساب وعدمه أمر ، والمانع عن الإرث أمر آخر كما لايخفى .

1 ـ كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول ، كذلك لا يكون حاجباً عمّن دونه في الدرجة ، ومتأخّر عنه في الطبقة من طبقات الإرث ، ويدلّ عليه مثل رواية جميل المتقدّمة(1) في أصل مسألة مانعية القتل من أنّه «لا يرث الرجل إذا قتل ولده

(1) في 330 .

(الصفحة336)

مسألة 4 : لا فرق في مانعية القتل بين أن يكون القاتل واحداً أو متعدّداً ، وعلى الثاني بين كون جميعهم وارثاً أو بعضهم دون بعض(1) .

مسألة 5 : الدية في حكم مال المقتول يقضى منها ديونه ، ويخرج منها وصاياه أوّلا قبل الإرث ثمّ يورث الباقي كسائر الأموال ، سواء كان القتل عمداً وصولحوا عن القصاص بالدية أو شبه عمد أو خطأ ، وسواء كان في مورد الصلح ما يأخذونه أزيد من الدية أو أنقص أو مساوياً ، وسواء كان المأخوذ من جنس الدّية أم لا . ويرث الدية كلّ من يتقرّب إليه بالنسب والسبب حتّى الزوجين في


أو والده، ولكن يكون الميراث لورثة القاتل» أي مع وجوده وعدم موته، فالمستفاد من ذلك أنّ وجوده كعدمه لاأنّ القاتل لايرث فقط، مع أنّه على تقدير كونه منحصراً في الطبقة ، كما إذا كان ولد المقتول منحصراً بالقاتل ، فإمّا أن يقال بإرث الطبقة المتأخّرة ومن دونه في الدرجة، كابن القاتل مثلا فهو المطلوب ، وإمّا أن يقال بعدم إرثهم أيضاً لوقوعها متأخّرة، وعليه فإمّا أن يكون الوارث هو الإمام(عليه السلام)فاللاّزم القول بإرثه مع وجود الأقرباء النسبية ، وإمّا أن لا يكون له وارث أصلا حتّى الإمام(عليه السلام) ، فيلزم خلاف ما هو المسلّم من كونه آخر الورّاث ، فتدبّر جيّداً .

1 ـ المشارك في القتل كالمنفرد لاستناده إلى الشريكين أو الشركاء ، وعن جماعة(1) التصريح به ، فيمنع ما يمنع منه المنفرد وإن لم يستقلّ بالتأثير لو انفرد ، ولأجله يجري عليهما أو عليهم حكم القصاص .


(1) الدروس : 2 / 347 ، قواعد الأحكام : 2 / 163 ، كشف اللثام : 2 / 281 ، مفتاح الكرامة : 8 / 57 ، جواهر الكلام : 39/ 47 .

(الصفحة337)

القتل العمدي وإن لم يكن لهما حقّ القصاص ، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها ، نعم لا يرث المتقرّب بالاُمّ وحدها من الدية شيئاً كالأخ والاُخت للاُمّ ، بل سائر من يتقرّب بها كالخؤولة والجدودة من قبلها ، وإن كان الأحوط في غير الأخ والاُخت التصالح(1) .


1 ـ الدية ـ وإن كانت مأخوذة بعد الموت، وبسببه في حكم مال الميّت المقتول ـ يقضى منها ديونه ويخرج منها وصاياه أوّلا قبل الإرث ، ثمّ يورث الباقي كسائر الأموال ، من دون فرق بين أن يكون القتل عمداً موجباً للقصاص ، وصولحوا عن القصاص بالدية أو شبه عمد أو خطأ . وفي محكي المبسوط(1) والخلاف(2) أنّه قول عامّة الفقهاء إلاّ أباثور(3) ، وفي موثقة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر(عليه السلام) : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال(4).
ومن الذيل يستفاد أنّ ذلك حكم مطلق الدية، سواء كان بالأصل أو بالمصالحة .
وخبر يحيى الأزرق ، عن الكاظم(عليه السلام) في رجل قتل وعليه دَين ولم يترك مالا ، فأخذ أهله الدية من قاتله ، عليهم أن يقضوا دينه؟ قال : نعم ، قال : وهو لم يترك ، قال : إنّما أخذوا الدية ، فعليهم أن يقضوا دينه(5) .
وفي رواية السكوني ، عن جعفر(عليه السلام)  : قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً ، فإنّ ثلث ديته داخل في وصيته(6) .


(1) المبسوط  : 7 / 53 ـ 54 .
(2) الخلاف : 4 / 115 مسألة 128 .
(3) المغني لابن قدامة : 7 / 204 .
(4) الوسائل : 26 / 41 ، أبواب موانع الإرث ب14 ح1 .
(5) الوسائل : 18 / 364 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب24 ح1 .
(6) الوسائل : 19 / 285 ، كتاب الوصايا ب14 ح2 .

(الصفحة338)



وفي رواية محمد بن قيس أنّه(عليه السلام)قضى في وصية رجل قتل أنّها تنفذ من ماله وديته كما أوصى(1) .
ومع ذلك كلّه فقد حكي عن بعضهم(2) أنّ دية العمد لا يقضى منها الدين; لأنّ الواجب فيه القصاص الذي هوحقّ الوارث ، فالدية المأخوذة هي عوض عن حقّه لا مدخلية للميّت فيها ، وعن بعض آخر(3) المنع من قضاء الدين من الدية مطلقاً; لأنّها ليست من أموال الميّت التي تركها .
ثمّ إنّه يرث الدية كلّ من يتقرّب إلى الميّت بالنسب أو السبب حتّى الزوجين في القتل العمدي الموجب للقصاص ، فإنّه وإن لم يكن لهما حقّ القصاص ابتداءً ، لكن إذا صولح عنه بالدية يرث منها الزوجان أيضاً ، ولا مجال لدعوى أنّ الممنوعية عن القصاص موجبة للممنوعية عن الدية التي هي بدل عنه بالمصالحة والتراضي; لدلالة بعض الروايات المتقدّمة خصوصاً الموثقة .
نعم ، لا يرث المتقرّب بالاُمّ وحدها من الدية ، وهذا بالإضافة إلى الأخ أو الاُخت للاُمّ وحدها مطابق للرواية ، وفي غيرهما من المتقرّبين بالاُمّ إشكال ، ففي صحيحة عبدالله بن سنان قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّ الدية يرثها الورثة إلاّ الإخوة والأخوات من الاُمّ ، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً(4) .
لكنّ المحقّق في الشرائع استثنى كلّ من يتقرّب بالاُمّ ، فإنّ فيهم خلافاً(5) ، ولعلّه

(1) الوسائل : 19 / 286 ، كتاب الوصايا ب14 ح3 .
(2) السرائر : 2 / 49 .
(3) والقائل هو أبوثور، كما نقل عنه في الخلاف : 4 / 115 مسألة 128 ، والمغني لابن قدامة : 7 / 204 .
(4) الوسائل : 26 / 36 ، أبواب موانع الإرث ب10 ح2 .
(5) شرائع الإسلام : 4 / 14 .

(الصفحة339)

الثالث من الموانع : الرقّ على ما فصّل في المفصّلات .

الرابع : التولّد من الزنا
مسألة 1 : إن كان الزنا من الأبوين لا يكون التوارث بين الطفل وبينهما ولا بينه وبين المنتسبين إليهما ، وإن كان من أحدهما دون الآخر كما كان الفعل من أحدهما شبهة لا يكون التوارث بين الطفل والزاني ولا بينه وبين المنتسبين إليه(1).


مبتن على إلغاء الخصوصية من الرواية للمساواة ، مع أنّه مشكل لاحتمالها ، ولا مجال معه لإلغائها ، فما ذكره في المتن من أنّ الأحوط في غير الأخ أو الاُخت أي للاُمّ كالخؤولة والجدودة من قبلها التصالح في محلّه ، فتدبّر .

1 ـ قد ذكرنا في كتاب النكاح أنّ النسب على قسمين : عرفي وشرعي ، وأنّ الموضوع لجلّ الأحكام من جواز النظر وحرمة الازدواج وغيرهما هو النسب العرفي ، فإنّ الأب الزاني يحرم عليه نكاح ابنته المتولّدة من الزنا وإن كان من الطرفين ، والاُمّ الزانية يحرم عليها نكاح ابنه المتولّد من الزنا كذلك ، وهكذا في مسألة جواز النظر بالإضافة إلى الزاني والمتولّد من الزنا(1) . وأمّا النسب الشرعي فهو الموضوع لحكم الإرث قطعاً ، فإنّه إذا كان الزنا من الأبوين لا يكون التوارث بينهما وبين الطفل ولا بينه وبين المنتسبين إليهما ، وإن كان الزنا من أحدهما دون الآخر ، كما لو كان الفعل من أحدهما شبهة ومن الآخر زنا ، لا يكون التوارث بين الطفل والزاني ولا بينه وبين المنتسبين إليه .
وقد ورد في جملة من روايات النكاح المنقطع(2) أنّ ثبوت التوارث متوقّف على

(1) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح : القول في النسب ، مسألة 2 .
(2) الوسائل : 21 / 66 ـ 68  ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ب32  .

(الصفحة340)

مسألة 2 : لا مانع من التوارث بين المتولّد من الزنا وأقربائه من غير الزنا كولده وزوجته ونحوهما ، وكذا بينه وبين أحد الأبوين الذي لا يكون زانياً وبينه وبين المنتسبين إليه(1) .


النكاح الصحيح مع شرط التوارث أو مطلقاً ، ويستفاد منها أنّ الزنا لا يترتّب عليه التوارث بوجه ، وبهذا يمتاز النكاح المنقطع عن الزنا مع اشتراكهما في العمل الخارجي ، فإنّ النكاح المنقطع يترتّب عليه التوارث بين الولد والزوجين مطلقاً; لثبوت النسب الشرعي ، وهل يثبت بين الزوجين مطلقاً أو مع شرط التوارث ، أو مع عدم شرط العدم على ما مرّ تفصيله في محلّه(1) ، والزنا لا يترتّب عليه التوارث ولو كان مشتملا على اشتراطه; لعدم ثبوت النسب الشرعي بوجه .
ثمّ إنّه لو كان الزنا من أحدهما دون الآخر ، كما لو كان الفعل من خصوص أحدهما شبهة لا يتحقّق الارتباط الإرثي بين من كان ارتباطه بسبب الزنا . وأمّا من كان ارتباطه بسبب الوطء بالشبهة ، فسيأتي أيضاً في بعض المسائل الآتية عدم ثبوت الممنوعية عن الإرث بوجه ، ثمّ إنّه كما لا يكون الارتباط الإرثي بين ولد الزنا وبين والديه كذلك موجوداً ، كذلك لا يكون هذا الارتباط بينه وبين من كان انتسابه إليه بسبب واحد منهما; لعدم كونهما وارثين فضلا عن المنتسبين إليه بعدما ذكرنا من عدم تحقّق النسب الشرعي بوجه .

1 ـ غير خفي أنّه لا مانع من التوارث بين المتولّد من الزنا وأقربائه من غير الزّنا نسبيين كانوا كأولاده أو سببيين كأزواجه ونحوهما; لعدم ما يمنع عن الإرث بعد ثبوت النسب الشرعي والزوجية الشرعية ، وكذا عرفت أنّه لا مانع من التوارث

(1) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح : القول في النكاح المنقطع ، مسألة 15 .
<<التالي الفهرس السابق>>