في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة161)



الثالث : ما حكي عن الشيخ في الخلاف(1) من أنّ الحاكم وقف عن الحكم ، بناءً على أن يكون المراد هو الوقف عن الحكم رأساً ، وأمّا بناءً على أن يكون المراد هو الوقف عن الحكم على طبق بيّنة التعديل ، وإن كان لا ينافي الرجوع إلى اليمين بعد ذلك ، كما هو لازم الاحتمال الأوّل وهو سقوط كلتا البيّنتين ، فلا يكون هذا القول في مقابل الاحتمال الأوّل .
الرابع : ترجيح بيّنة الجارح لاعتضادها بأصالة عدم حصول سبب الحكم ، والغالب في التعديل الاعتماد على عدم صدور معصية كبيرة منه .
والتحقيق يقتضي الاحتمال الأوّل; لأنّه بعد كون المفروض هو ثبوت التعارض الحقيقي ، وبعد كون مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين مطلقاً هو السقوط ، وبعد أنّ الحاكم إنّما يكون موضوعاً لرفع الخصومة  ، ولا معنى للتوقّف عن الحكم رأساً ، بمعنى أنّه لم يمكن له فصل الخصومة . يظهر أنّ أقوى الاحتمالات هو الاحتمال الأوّل ، فبعد السقوط يصير المدّعي بلا بيّنة موجبة لثبوت ادّعائه ، فتصل النوبة إلى الاستحلاف ويمين المنكر ، مثل ما إذا لم يكن هناك بيّنة أصلا .
هذا كلّه فيما إذا لم يكن هناك حالة سابقة من العدالة أو الفسق وإلاّ فيؤخذ بها; لما عرفت من أنّه يجوز للحاكم الاعتماد على الاستصحاب ، فإن كانت الحالة السابقة هي العدالة يأخذ ببيّنة التعديل ويحكم على طبق الشهادة ، وإن كانت الحالة السابقة هي الفسق تطرح الشهادة ويرجع إلى يمين المنكر ، كما لايخفى .
نعم لا ملزم أن تكون الحالة السابقة متيقّنة باليقين الوجداني ، بل لو قامت البيّنة على أنّه كان في سابق الزمان عادلا ، بحيث كان المشهود به هو العلم بعدالته كذلك ،

(1) الخلاف : 6 / 219 ـ 220 مسألة 12  .

(الصفحة162)

مسألة 21 : يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إمّا بالشياع أو بمعاشرة باطنة متقادمة ، ولا يكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظنّ ، ولا الاعتماد على البيّنة أو الاستصحاب ، وكذا في الشهادة بالجرح لابدّ من العلم بفسقه ، ولا يجوز الشهادة اعتماداً على البيّنة أو الاستصحاب ، نعم يكفي الثبوت التعبّدي كالثبوت بالبيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر لترتيب الآثار ، فيجوز للحاكم الحكم


أو ما هو بمنزلة له العلم من الاطمئنان الذي يعامل معه بين العقلاء معاملة العلم يجوز للحاكم أن يجري الاستصحاب ، وإن لا تكون الحالة السابقة متيقّنة له بوجه ، كما قد حقّق في محلّه من كفاية هذا المقدار في جريان الاستصحاب ، فتدبّر  جيّداً .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) ألحق صورة الاطلاق في الجرح والتعديل بصورة عدم التعارض بين البيّنتين وإمكان الجمع بينهما; نظراً إلى انصراف التعديل بحكم الغلبة إلى حسن ظاهره مع عدم علمه بصدور الفسق منه ، وانصراف الجرح إلى رؤية صدوره عنه(1) .
وأنت خبير ببطلان دعوى الانصراف المذكور بعد كون الملاك فيه هو غلبة الاستعمال لا غلبة الوجود الخارجي ، كما لايخفى . ومنه يظهر بطلان ما أفاده الشيخ في رسالة القضاء من كون التعارض بين البيّنتين في الصورة المذكورة من التعارض بين النصّ والظاهر; لأجل الوجه المذكور ، وأنّ النصّ وهي بيّنة الجارح مقدّم على الظاهر وهي بيّنة التعديل(2); لبطلان الوجه المذكور .


(1) جواهر الكلام : 40 / 120 ـ 121  .
(2) القضاء والشهادات (تراث الشيخ الأنصاري) : 22 / 137 ـ 139 .

(الصفحة163)

اعتماداً على شهادة من ثبتت عدالته بالاستصحاب ، أو حسن الظاهر الكاشف تعبّداً أو البيّنة1.


1 ـ في الشهادة بالعدالة ومثلها يعتبر العلم أو الاطمئنان المتاخّم للعلم . إمّا من ناحية الشياع المفيد لذلك ، أو من ناحية معاشرة باطنيّة متقادمة ، وفي هذه الصورة تصحّ الشهادة بالعدالة وإن كانت أمراً غير محسوس; لأنّها الملكة النفسانيّة الباعثة على رعاية الوظائف الوجوبيّة والتحريميّة ، مضافة إلى ما يكون محسوساً من الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات ، لكنّها قريبة إلى الحسّ كالشجاعة والسخاوة ونحوهما ، ولا يكفي للشهادة بالعدالة الاعتماد على البيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر ، الذي جعله الشارع كاشفاً عن العدالة وأمارة عليها تعبّداً ، على ما في الصحيحة الواردة في تعريف العدالة وبيان الأمارة عليها(1) .
وكذا لابدّ في الشهادة بالجرح من العلم بفسق المجروح كرؤية صدور معصية كبيرة منه ، مع العلم بأنّها صدرت بعنوان المعصية ، من دون أن يكون هناك عذر كالاضطرار مثلا ، ولا يجوز للشاهد بالجرح الاعتماد أيضاً على البيّنة أو الاستصحاب . نعم يكفي للحاكم الاعتماد في ثبوت عدالة إحدى البيّنتين الاعتماد على الاستصحاب أو حسن الظاهر أو البيّنة لكفاية الثبوت التعبّدي; ولأجله كان له الاعتماد في ثبوت عدالة شاهد الأصل على الاُمور المذكورة لأجل ما ذكرنا ، ومنه يظهر أنّه لو شهد الشاهدان بحسن ظاهره ، فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعدما عرفت من كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّداً عن العدالة .


(1) الفقيه : 3 / 24 ح65 ، التهذيب : 6 / 241 ح596 ، الإستبصار : 3 / 12 ح33 ، الوسائل : 27/ 391 ـ 392 ، كتاب الشهادات ب1 ح1 و2 ، ويراجع نفس الوسائل ص396 ح15 و 16 .

(الصفحة164)

مسألة 22 : لو شهد الشاهدان بحسن ظاهره ، فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعد كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّداً عن العدالة1.

مسألة 23 : لا يجوز الشهادة بالجرح بمجرّد مشاهدة ارتكاب كبيرة ما لم يعلم أنّه على وجه المعصية ولا يكون له عذر ، فلو احتمل أنّ ارتكابه لعذر لا يجوز جرحه ، ولو حصل له ظنّ بذلك بقرائن مفيدة له2.

مسألة 24 : لو رضي المدّعى عليه بشهادة الفاسقين أو عدل واحد لا يجوز


كما أنّ الشاهدين لو شهدا بعدالة بيّنة المدّعي في السابق يجوز للحاكم الاعتماد بعد إحراز الحالة السابقة وجريان الاستصحاب; لعدم لزوم كون الحالة السابقة محرزة باليقين الوجداني ، كما قرّر في محلّه من الاُصول .

1 و 2 ـ ظهر الحكم في هاتين المسألتين ممّا ذكرنا في المسألة السابقة ، ولا حاجة إلى الإعادة بوجه ، فراجع .
نعم ينبغي أن يعلم أنّ مطلق الإكراه على المعصية لا يجوِّز مطلق المعصية ، فإذا اكره أحد بالزنا بذات البعل ، هل يمكن أن يقال : بصيرورته جائزاً ولو كان الضرر المتوعّد به ضرراً ماليّاً يتضرّر المكرَه بالفتح بسببه ، نظراً إلى قوله (صلى الله عليه وآله) في مثل حديث الرفع : «رفع ما اُكرهوا عليه»(1) ، بل لابدّ من ملاحظة الضرر المتوعّد به مع المحرّم الذي اُكره عليه ، وأنّه أيّهما يكون أهمّ من الاُخرى عند الشارع ، فإذا اُكره على شرب الخمر مثلا وتوعّد بالقتل ، فحيث يكون القتل أهمّ من شرب الخمر يصير جائزاً بمجرّد الإكراه ، وعلى هذا القياس . فتدبّر جيّداً .


(1) الوسائل : 15 / 369 ـ 370 ، أبواب جهاد النفس ب56 ح1 ـ 3 .

(الصفحة165)

للحاكم الحكم ، ولو حكم لا يترتّب عليه الأثر1.

مسألة 25 : لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز عدالتهما عنده ، ولو اعترف المدّعى عليه بعدالتهما ، لكن أخطأهما في الشهادة2·

مسألة 26 : لو تعارض الجارح والمعدّل سقطا ، وإن كان شهود أحدهما اثنين والآخر أربعة ، من غير فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح وأربعة بالتعديل معاً أو اثنان بالتعديل ، ثمّ بعد ذلك شهد اثنان آخران به ، ومن غير فرق بين زيادة شهود الجرح أو التعديل3.


1 ـ فإنّه مخالف للحصر المستفاد من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(1) على ما في رواية أو روايات صحيحة ، وإن كان الحصر إضافيّاً كما تقدّم ، فإنّه يعتبر في البيّنة التعدّد والعدالة ، ورضا المدّعى عليه لا يوجب تغيير الحكم ، والمفروض في هذه المسائل إنكاره لادّعاء المدّعي .

2 ـ من الواضح أنّ الحكم وفصل الخصومة فعل الحاكم ، واللاّزم أن تكون عدالة الشاهدين محرزة عنده ، وبعبارة اُخرى اللاّزم أن يكون الشاهدان منطبقاً عليهما عنوان البيّنة ، ولا يكون كذلك إلاّ بإحراز عدالتهما . غاية الأمر أنّك عرفت أنّ الثبوت التعبّدي بالبيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر كاف في ذلك(2) .

3 ـ قد عرفت(3) أنّ مقتضى التحقيق التساقط عند تعارض الجارح والمعدّل ،

(1) الكافي : 7 / 414 ح1 ، التهذيب : 6 / 229 ح552 ، الوسائل : 27 / 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .
(2) في ص156 ـ 157 و 161 .
(3) في ص163 .

(الصفحة166)

مسألة 27 : لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم باسمهما ونسبهما بعد إحراز مقبوليّة شهادتهما ، كما أنّه لو شهد جماعة يعلم الحاكم أنّ فيهم عدلين كفى في الحكم ، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما1.

مسألة 28 : لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي ، نعم يستثنى منه الدعوى على الميّت ، فيعتبر قيام البيّنة الشرعيّة مع اليمين الاستظهاري ، فإن أقام


فليعلم أنّه لا فرق في ذلك بين زيادة شهود الجرح على التعديل أو العكس وبين عدم الزيادة; لعدم كون الأكثريّة مرجّحة في باب تعارض الأمارتين بوجه ، كما أنّه لا فرق في باب الخبرين المتعارضين الموضوع للاخبار العلاجيّة من هذه الجهة . نعم إذا بلغ الأمر إلى حدّ الشهرة الفتوائيّة يكون ذلك أوّل المرجّحات ، كما قرّرناه في محلّه ، كما أنّه لا ينبغي أن يتوهّم أنّه إذا شهد اثنان بالجرح وشهد اثنان آخران بالعدالة ، ثمّ بعد مدّة مثلا شهد اثنان بالعدالة يقع التساقط بين الأوّلين ويبقى المعدّل الأخير بلا معارض ، فإنّه لا فرق في التعارض وحصول التساقط بين الصورتين أصلا ، فتدبّر جيّداً .
ومنه يعلم أنّه لا فرق في التساقط بين تقدّم بيّنة الجارح أوالعكس أوالشهادة معاً.

1 ـ وجه عدم الاشتراط بالإضافة إلى الاسم والنسب أنّ المعتبر هو إحراز مقبوليّة شهادتهما واقعاً أو تعبّداً لمثل البيّنة المعدّلة أو الشاهدة بحسن الظاهر أو الاستصحاب كما عرفت . وأمّا العلم بالاسم والنسب فلا دخالة له فيه بعد الإحراز المذكور ، كما أنّه لا فائدة فيه بعد عدم الإحراز . وأمّا وجه الكفاية في صورة العلم الإجمالي فهو ثبوت الملاك مع العلم المذكور ، وإن كان تشخيصهما بعينهما غير معلوم ، كما لايخفى .


(الصفحة167)

البيّنة ولم يحلف سقط حقّه . والأقوى عدم إلحاق الطفل والمجنون والغائب وأشباههم ممّن له نحو شباهة بالميّت في عدم إمكان الدفاع لهم به ، فتثبت الدعوى عليهم بالبيّنة من دون ضمّ يمين ، وهل ضمّ اليمين بالبيّنة منحصر بالدين أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحقّ؟ وجهان لا يخلو ثانيهما عن قرب ، نعم لا  إشكال في لحوق العين المضمونة على الميّت إذا تلفت مضمونة عليه1.


1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :
الجهة الاُولى : في أنّه لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي ، فإنّ مقتضى قوله (عليه السلام) : «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» ، كما عرفت في جملة من الروايات المتقدّمة(1) هو ثبوت البيّنة فقط على المدّعي واليمين كذلك على المدّعى عليه ، فكما أنّه لا تثبت البيّنة على المدّعى عليه ، كذلك لا تثبت اليمين على المدّعي ، ويدلّ على الحكم أيضاً الروايات الآتية الدالّة على خصوصيّة للدعوى على الميّت من هذه الجهة ، وأنّ اعتبار ضمّ اليمين لأجل هذه الخصوصيّة ، فانّ ظاهر مقتضاها بل صريحه عدم جريان الحكم بالانضمام في الدعوى على الحيّ ، وإن وقع الاحتمال في مثل الطفل والمجنون ، ويدلّ عليه أيضاً صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه ، هل عليه أن يستحلف؟ قال : لا(2) . ورواية أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أقام الرجل البيّنة على حقّه فليس عليه يمين ، فإن لم يقم البيّنة ، فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين ، فإن أبى أن يحلف

(1) في ص121 ـ 122 .
(2) التهذيب : 6 / 230 و231 ح558 و559 و564 ، الكافي : 7 / 417 ح1 ، الوسائل : 27 / 243 ، أبواب كيفيّة الحكم ب8 ح1  .

(الصفحة168)



فلا  حقّ له(1) .
نعم في حديث سلمة بن كهيل ، عن عليّ (عليه السلام) في آداب القضاء : وردّ اليمين على المدّعي مع بيّنته ، فإنّ ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء(2) . لكن قال في الوسائل بعد نقله أقول : هذا يمكن حمله على الاستحباب مع قبول المدّعي اليمين; لتصريح الحديث الأوّل ـ يعني رواية محمد بن مسلم ـ وغيره بنفي الوجوب ، ويمكن حمله على الدعوى على الميّت لما مرّ ، ويحتمل الحمل على التّقية; لأنّه قول جماعة من العامّة ، ويؤيّد الاستحباب أنّ أكثر ما اشتمل عليه الحديث المذكور مستحب فعلا أو تركاً ، مع ما يفهم من التعليل وأفعل التفضيل . انتهى .
أقول : مع أنّ سلمة بن كهيل ضعيف كما صرّح به المحقّق في الشرائع في كتاب الديات(3) ، فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الانضمام مطلقاً .
نعم قد عرفت البحث سابقاً في أنّ الدعوى على الغائب هل تحتاج البيّنة إلى ضمّ اليمين أم لا؟ وأنّه قد جعل الماتن (قدس سره) الاحتياط الوجوبي في ضمّ اليمين أيضاً ، فراجع(4) .
الجهة الثانية : في الدعوى على الميّت بحيث لا يكون في جانب المدّعى عليه غير الميّت أصلا ، وأفاد في المتن أنّه يعتبر مع قيام البيّنة اليمين الاستظهاري ، وفي الجواهر بلا خلاف أجده فيه بين من تعرّض له ، كما اعترف به غير واحد ، بل في الرّوضة هو

(1) التهذيب : 6 / 231 ح563 ، الكافي : 7 / 417 ح2 ، الوسائل : 27 / 243 ، أبواب كيفيّة الحكم ب8 ح2 .
(2) الوسائل : 27 / 244 ، أبواب كيفيّة الحكم ب8 ح4 .
(3) شرائع الإسلام : 4 / 1052  .
(4) تقدّم في المسألة 5 من شروط سماع الدعوى  .

(الصفحة169)



موضع وفاق(1) ، وفي المسالك تارة نسبه إلى الشهرة من غير ظهور مخالف ، واُخرى إلى الاتفاق(2) ـ إلى أن قال : ـ نعم قد خلت عنه كثير من كتب القدماء(3) .
أقول : عمدة الدليل على ذلك روايتان :
إحداهما : رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، التي رواها المشايخ الثلاثة ـ وإن كان في طريقها محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن ياسين الضرير ، عنه ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت للشيخ (عليه السلام) ـ وفي رواية الصدوق تفسير الشيخ بموسى بن جعفر (عليهما السلام) ـ خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ ، فلم تكن له بيّنة بما له ، قال : فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له ، [وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له](4) ، (وإن لم يحلف فعليه)(5) ، وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات فاُقيمت عليه البيّنة ، فعلى المدّعي اليمين بالله الّذي لا إله إلاّ هو لقد مات فلان ، وأنّ حقّه لعليه ، فإن حلف وإلاّ فلا حقّ له ، لأنـّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو غير بيّنة قبل الموت ، فمن ثمَّ صارت عليه اليمين مع البيّنة ، فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقّ له; لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيّاً لاُلزم اليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين عليه ، فمن ثمّ لم يثبت الحقّ(6) .
ثانيتهما : صحيحة محمد بن الحسن الصفار ، التي رواها المشايخ الثلاثة أيضاً عن

(1) الروضة البهيّة : 3 / 104  .
(2) مسالك الأفهام : 13 / 460 ـ 462  .
(3) جواهر الكلام : 40 / 194  .
(4) من الفقيه  .
(5) ليس في الفقيه  .
(6) الكافي : 7 / 415 ح1 ، التهذيب : 6 / 229 ح555 ، الفقيه : 3 / 38 ح128 ، الوسائل : 27 / 236 ، أبواب كيفيّة الحكم ب4 ح1 .

(الصفحة170)



محمد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمد (عليه السلام)  : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام) : «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين» . وكتب : أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغيراً أو كبيراً (بحقّ له على الميّت أو على غيره ، وهو القابض للوارث الصغير)(1)وليس للكبير بقابض ؟ فوقّع (عليه السلام) : «نعم ، وينبغي للوصيّ أن يشهد بالحقّ ولا يكتم الشهادة» . وكتب أوتقبل شهادة الوصيّ على الميّت مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام) : «نعم من بعد يمين»(2) .
وقد ناقش في الاُولى المحقّق الأردبيلي في كتابه مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان للعلاّمة الحلّي ، تارة بضعف السند من جهة اشتماله على محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، وعلى ياسين الضرير المهمل في الكتب الرجالية ، واُخرى بعدم معلوميّة كون المراد من الشيخ هو موسى بن جعفر (عليهما السلام)  ، وثالثة بعدم وضوح الدلالة(3); لعدم وضوح كون المراد بالبيّنة هما الشاهدان العادلان ، مضافاً إلى ظهورها في وجوب اليمين المغلظة بالكيفيّة المذكورة في الرواية ، ولا قائل به ، فيحمل على الاستحباب . وعليه فلا دلالة على كون أصل اليمين واجبة ، مع أنّه من الواضح أنّ المراد بالبيّنة في الرواية هي البيّنة التي قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الروايات الصحيحة : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(4) ، لا شيئاً آخر . كما أنه قد صرّح في

(1) في الوسائل بدل ما بين القوسين هكذا : وهو القابض للصغير .
(2) الكافي : 7 / 394 ح3 ، الفقيه : 3 / 43 ح147 ، التهذيب : 6 / 247 ح626 ، الوسائل : 27 / 371 ، كتاب الشهادات ب28 ح1 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 158  .
(4) الوسائل : 27 / 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .

(الصفحة171)



رواية الصدوق بأنّ المراد بالشيخ هو موسى بن جعفر (عليهما السلام)  ، والتعبير عنه به كان لأجل شدّة التقيّة ، كالعبد الصالح ونحوه .
والظاهر عدم دلالة الرواية على وجوب اليمين المغلظة; لأنّ توصيف الله تبارك وتعالى كان مرتبطاً بالإمام (عليه السلام) ، لا أنّه يعتبر أن تكون اليمين مشتملة عليه . والرواية منجبرة بفتوى المشهور على طبقها بالشهرة المحقّقة التي لم ينقل الخلاف عن شخص خاصّ(1) ، ولئن كانت المناقشة راجعة إلى قوله (عليه السلام) في الذيل : «فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقّ له» لكان أولى; لأنّ مقصود ذيل الرواية بيان الاحتياج إلى ضمّ اليمين ، لا لزوم البيّنة على المدّعي الذي لعلّه كان من الواضحات ، ولا فرق في هذه الجهة بين أن يكون المدّعى عليه حيّاً أو ميّتاً إلاّ من جهة إمكان الاستحلاف ، وما يترتّب عليه في الصّورة الاُولى ، كما لا يخفى دون الصورة الثانية .
وفي الثانية بأنّها مضافاً إلى كونها مكاتبة في صورة خاصّة ومخالفة للقاعدة معارضة لصحيحته الاُخرى ، قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) : رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيّته ويقضوا دَينه لمن صحّ على الميّت بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء الصغار؟ فوقّع (عليه السلام) : «نعم على الأكابر من الولد أن يقضوا دَين أبيهم ولا يحبسوه بذلك»(2) ،(3) .
أقول : لابدّ من البحث في مفاد الصحيحة الأولى ، فنقول :
هي مشتملة على فقرات ثلاث  :


(1) مسالك الأفهام : 13 / 461 ـ 462  .
(2) التهذيب : 9 / 185 ح744 ، الفقيه : 4 / 155 ح539 ، الكافي : 7 / 46 ح2 ، الوسائل : 19 / 375 ، كتاب الوصايا ب50 ح1 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 160 ـ 162  .

(الصفحة172)



الأولى : مشتملة على السؤال من أنّ شهادة الوصي للميّت بدين له على رجل هل تكون مقبولة أم لا؟ ومنشأ السؤال كون الشاهد وصيّاً للميّت ويجرّ بالشهادة نفعاً له غالباً مع حفظ شرط الشهادة وهي العدالة ، والجواب مشتمل على أنّه إن شهد معه شاهد آخر عدل فعلى المدّعي اليمين . والظاهر أنّ مرجع الضمير في «معه» هو الوصي ، وأنّ المدّعي غيره كوارث الميت أو وصيّه الآخر مثلا ، وهذه الجملة مشتملة على حكم مخالف للقاعدة من جهة أنّ الدعوى للميت ـ لا عليه ـ لا تحتاج إلى ضمّ اليمين .
الثانية : مشتملة على السؤال عن أنّه هل يجوز للوصيّ أن يشهد بنفع وارث الميت المركب من الصغير والكبير مع كونه قيّماً على الصغار آخذاً للمال عنهم؟ ومحصّل الجواب أنّه لا مانع من ذلك مع كونه واقعيّاً بنظره يمكن الشهادة به ، وهذه الجملة أيضاً مخالفة للقاعدة من جهة أنّ الشهادة تجرّ نفعاً إلى الوصي .
الثالثة : متعرّضة للمسألة التي هي مورد بحثنا ، ويدلّ الجواب على اعتبار ضمّ اليمين إلى الشاهدين بنفع المدّعي على الميّت .
والجواب عن المعارضة بالصحيحة الثانية  :
أوّلا : أنّه لا تكون في مقام البيان حتّى يتمسّك بالإطلاق .
وثانياً : أنّه على فرض ثبوت الإطلاق قابل للتقييد ، كما أنّه لابدّ من الالتزام به بالإضافة إلى الأدلّة المطلقة الدالّة على اكتفاء البيّنة للمدّعي ، فإنّ إطلاقها يقيّد بالمقام .
ثمّ إنّ هنا رواية اُخرى مؤيدة لأصل المطلب ، وهي مكاتبة سليمان بن حفص المروزي ، أنّه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادّعى عليه مالا وأنّ عنده رهناً ، فكتب (عليه السلام) : إن كان له على الميّت مال ولا بيّنة له فليأخذ

(الصفحة173)



ماله بما في يده ، وليردّ الباقي على ورثته ، ومتى أقرّ بما عنده أخذ به وطولب بالبيّنة على دعواه وأوفى حقّه بعد اليمين . ومتى لم يقم البيّنة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم ، يحلفون بالله ما يعلمون أنّ له على ميّتهم حقّاً(1) .
فانقدح بملاحظة الروايات أنّه لا ينبغي الإشكال في أصل الحكم ، وهو لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة في الدعوى على الميّت في الجملة ، ولكنّه ينبغي أن يعلم أنّ محلّ الكلام ما إذا شهدت البيّنة على أصل اشتغال ذمّة الميت بدين مثلا في زمان حياته . وأمّا إذا شهدت ببقاء الاشتغال إلى زمان الموت ، وأنّه مات مديوناً للمدّعي فلا حاجة إلى ضمّ اليمين ، كما يدلّ عليه التعليل في رواية عبد الرحمان المتقدّمة : «بأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا يعلم موضعها . . .» فإنّ مفاده أنّه لو شهدت البيّنة بعدم الاشتغال ، وبأنّه أوفاه دينه مع البيّنة أو بدونها كفى ذلك  ، فالموجب للانضمام هو الشكّ في أنّه أوفاه أم لا مع عدم حجّة شرعيّة على أنّه أوفاه ، فإذا شهدت البيّنة ببقاء الاشتغال إلى زمان الموت يقع التعارض بين البيّنتين : بيّنة الإثبات وبيّنة النفي ، مع أن ظاهر الرواية عدم التعارض ، وهو لا يكاد يمكن أن يتحقّق إلاّ بالنحو الذي ذكرنا ، كما لايخفى .
وعليه يكون مفاد البيّنة أصل ثبوت الحقّ والاشتغال ، ومفاد اليمين بقاؤه إلى حين الموت من دون تحقّق الوفاء ، ومثله .
فالبيّنة التي أقيمت على الحقّ المطلوب من الميّت ـ كما هو المفروض في عنوان المسألة في كلام الإمام (عليه السلام)ـ تغاير البيّنة المحتملة الواقعة في تعليل الحكم ، فإنّ الأولى

(1) التهذيب : 7 / 178 قطعة من ح784 ، الفقيه : 3 / 198 قطعة من ح901 ، الوسائل : 18 / 406 كتاب الرهن ب20 ح1 .

(الصفحة174)



بيّنة على أصل الاشتغال ، والثانية بيّنة على الايقاء والخروج عن الاشتغال ، فافهم واغتنم .
الجهة الثالثة : في أنّ الدعوى على الميّت التي يجب فيها ضمّ اليمين إلى البيّنة ، هل يكون موردها خصوص الدين أو الأعم منه ومن العين ، بل والمنفعة والحقّ كحقّ الرهانة وحق الخيار مثلا؟ فيه وجهان بل قولان  :
نفى في المتن خلوّ الثاني عن قرب .
أقول : رواية عبدالرّحمن المتقدّمة ـ وإن كان موردها الدين بلحاظ كلمات «الحقّ» و«عليه» و«أوفاه» وأمثال ذلك ، إلاّ أنّ ذيل الصحيحة المتقدّمة أيضاً خال عن الاشتمال على الدين وما يشابهه ، وإن كان مورد صدرها الدّين ، ولا يكون في كلام صاحب الوسائل الذي روى الرواية عن المشايخ الثلاثة إشعار بوجود الاختلاف بينهم في ذلك ، وإن حكي عن بعض النسخ الاشتمال على لفظ الدين كالصدر ، لكنّه ليس بحجّة خصوصاً مع رعاية نهاية المراقبة في الطبع الأخير . وهذا الاطلاق يكفي في مقام الاستدلال; لعدم المنافاة بين الرّوايتين كما لايخفى . ولا مجال لأن يقال : بأنّ اشتمال الصدر على هذه الكلمة قرينة على أنّ مورد الذيل أيضاً ذلك ، خصوصاً مع احتمال كون المكاتبات الثلاث متعدّدة لا في نوبة واحدة .
ثمّ لو فرض عدم الإطلاق ، فهل يلحق العين بالدين في هذه الخصوصيّة أم لا؟ قال السيّد في الملحقات  : إنّ لي في كون دعوى العين دعوى على الميّت إشكالا; وذلك لأنّ للمدّعي أن يوجّه الدعوى على من بيده العين وهو الوارث إذا كانت في يده ، فيكون الدعوى على الحيّ وهو الوارث دون الميّت ، وكون يده مترتّبة على يد الميّت لا يوجب كون الدعوى عليه ، فهو نظير ما إذا غصب شخص عيناً وباعها من شخص آخر ، فإنّ للمالك أن يدّعي على من بيده العين وهو المشتري ، ولا يقال

(الصفحة175)



حينئذ : إنّ الدعوى على الغاصب لكون يد المشتري مترتّبة على يده ، نعم يجوز له أن يوجّه الدعوى على الغاصب أيضاً ففي المقام أيضاً كذلك ، فإن وجّه الدعوى على الميت احتاج إلى ضم اليمين ، وأمّا إن وجّه على الوارث فلا . وكيف كان فالمسألة مشكلة ، والأحوط ضمّ اليمين لكن برضا المدّعي(1) .
أقول : حاصل ما أفاده احتمال عدم كون الدعوى في العين دعوى على الميت; لاحتمال كونها متوجّهة إلى الحيّ ، مع أنّ المفروض في المقام هو لحوق العين بالدين فيما إذا كانت الدعوى على الميت ، فإمكان توجّهها إلى غير الميت غير المقام .
والتحقيق بملاحظة جميع ما ذكرنا ، خصوصاً فيما يتعلّق بمحلّ النزاع ومورد البحث أن يقال : حيث إنّ بين الدين والعين فرقاً ، وهو عدم ثبوت ذي اليد بالإضافة إلى الدين ووجودها بالنسبة إلى العين ، فإنّها بعد الحياة تكون في يد الوارث غالباً .
وقد قلنا : إنّ محلّ البحث في الدين من جهة لزوم انضمام اليمين إلى البيّنة إنّما هو فيما إذا شهدت البيّنة على أصل الحقّ والاشتغال . وأمّا إذا شهدت ببقائه إلى حين الموت فلا حاجة إلى ضمّ اليمين ، انّه إذا شهدت البيّنة بعد الموت بأنّ العين الباقية التي هي في يد الوارث مثلا ملك للمدّعي ، ولم يخرج عن ملكه أصلا ، فلا إشكال في لزوم الأخذ بها ، كما هو الحال بالإضافة إلى الدين على ما ذكرنا .
وأمّا إذا شهدت بأنّ الميت إنّما أخذها من المدّعي في حال الحياة أمانةً أو سرقةً فهنا أمور ثلاثة : شهادة البيّنة بكيفيّة اليد ، وتحقّق اليد التي هي أمارة شرعية وعقلائية على الملكية واستصحاب بقاء الكيفية ، وعدم تحقّق أمر جديد من البيع

(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 80 ـ 81  .

(الصفحة176)



أو المصالحة أو الهبة أو نحوها ممّا يوجب حصول الملكيّة الشرعيّة للميّت مع احتمال التحقّق بحسب الواقع ، والقدر المسلّم هو تقدّم البيّنة على اليد مع تعارضهما لا فيما هو المفروض .
وأمّا ما أفاده السيّد الطباطبائي من أنّ الاستصحاب في هذه الصّورة مقدّم على اليد الفعلية على الأقوى; لكونه موضوعيّاً ، فيكون حال العين في هذه الصورة حال الدين في الحاجة إلى اليمين; لدفع احتمال تجدّد اليد والنقل الجديد(1) ، فمدفوع بعدم التقدّم لحجّية مثبتات الأمارة ، مضافاً إلى لزوم عدم جواز التمسّك باليد في موارد كثيرة كما لايخفى ، ومنه يظهر أنّه لا يجوز للقاضي القضاء بنفع المدّعي حينئذ ، لا باستناد البيّنة ، لأنّها قائمة على كيفيّة اليد ، ولا باستناد الاستصحاب في مقابل يد المدّعى عليه كما لايخفى .
ثمّ إنّه نفى الإشكال في المتن عن لحوق العين بالدين فيما إذا تلفت قبل موته مضمونة عليه على فرض صدق المدّعي في دعواه . والظاهر أنّ منشأه هو الانتقال إلى القيمة في هذه الحالة لفرض التلف ، مع أنّه يرد عليه :
أوّلا : ما حقّق في محلّه من أنّ ظاهر دليل ضمان اليد وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي(2) هو كون ما على اليد نفس العين المأخوذة حتى بعد التلف; ولذا يكون أحد الأقوال في ذلك الباب ، بل لعلّه يكون قولا قويّاً هو ثبوت قيمة يوم الدفع والأداء ، لا يوم التلف ولا يوم الغصب ولا أعلى القيم ، والتحقيق في موضعه .


(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 80  .
(2) عوالي اللآلي : 1 / 224 ح106 ، مستدرك الوسائل : 17 / 88  ، كتاب الغصب ب1 ح4 .

(الصفحة177)



وثانياً : أنّ العين يمكن أن لا تكون قيميّة بل مثليّة ، وفي هذه الصورة لا يتحقّق الانتقال إلى القيمة بوجه .
وثالثاً : أنّ حديث لحوق العين بالدين وعدم لحوقها به لا يكون له ارتباط بمسألة الانتقال إلى القيمة وعدمه; ولذا يكون الفرد الظاهر المفروض فيه صورة بقاء العين في يد الوارث مثلا ، فمع ثبوت الاختلاف في اللحوق وعدمه لا وجه لنفي الإشكال عن اللحوق في الصورة المفروضة . هذا ما إذا تلفت قبل موته .
وأمّا إذا تحقّق التلف بعد الموت في يد الوارث ، فتارة يبحث فيه من جهة أنّ له الدعوى على الحيّ الوارث أو على الميت أيضاً ، أو على كلّ واحد منهما بنحو التخيير ، كما يظهر من السيّد في الملحقات(1) ، واُخرى من جهة لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة أم لا ، ففي الجواهر : أما إذا فرض تلفها بعد موته وكانت مضمونة عليه ، فقد يقوى عدم اليمين عليه لقصور الخبرين عن تناول ذلك ، بل ظاهرهما غيره ، فيبقى هو حئينئذ على حجّية البيّنة ، والتعليل قد عرفت أنّه فيما قبل الموت ونحوها ، فتدبّر جيّداً(2) .
وأورد عليه السيّد بقوله قلت : قصور الخبرين عن الشمول ممنوع ، فحاله حال التلف قبل الموت(3) .
الجهة الرابعة : هل يلحق بالميّت الذي هو الموضوع للمسألة السابقة من هو مثله في عدم اللسان كالطفل والمجنون والغائب وأشباهه؟ قولان : عن الأكثر(4) بل

(1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 81  .
(2) جواهر الكلام : 40 / 200 ـ 201 .
(3) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 81  .
(4) مسالك الأفهام : 13 / 462 ، كفاية الأحكام : 268 .

(الصفحة178)



المشهور(1) الأوّل . وجماعة على الثاني(2) ، بل هو المنسوب إلى أكثر متأخّري المتأخّرين(3) . وفرض الدين على الطفل الذي لا يمكن له حالة سابقة إلاّ الطفوليّة هو مثل ما إذا أتلف مال الغير بناءً على عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين وشمولها بالإضافة إلى غيرهم .
والدليل على اللحوق التعليل المذكور في رواية عبدالرحمن المتقدّمة ، وإن كان موردها صورة الموت; لقوله (عليه السلام) : «وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات» وهو قوله : «لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه...»، نظراً إلى أنّه لا خصوصية لاحتمال الوفاء والإبقاء، بل احتمال عدم ثبوت الدين ولو بالإبراء مثلا، فالبيّنة كافية لإثبات أصل الاشتغال، واليمين لازمة لإثبات البقاء ، وعدم تخلّل السقوط بعد الاشتغال . ولا فرق بين الميّت وبين الأفراد المعدودين في عدم اللسان وعدم القدرة على الدّفاع .
والدليل على عدم اللّحوق كما قيل : كون الحكم على خلاف القاعدة ـ فلابدّ من الاقتصار على القدر المعلوم ، وأنت خبير بأنّ البيّنة إنّما تكون شاهدة على أصل الاشتغال ، واليمين متعلّقة ببقاء الحقّ إلى أن مات ، وأنّه لو فرض كون البيّنة شاهدة على الاشتغال إلى حين الموت ، لا يحتاج إلى اليمين في الميّت أيضاً ، فلا يكون الحكم على خلاف القاعدة ـ وكون المشابهة في عدم اللسان ممنوعاً; لأنّ الميت لا يكون له لسان مطلقاً ، حيث إنّه لا أمد له يرتقب بخلاف الصغير الذي ينقلب كبيراً لا محالة

(1) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : 4 : 233 ، المبسوط : 8 / 129 ، إرشاد الأذهان : 145 ، قواعد الأحكام : 210 ، اللمعة الدمشقيّة : 52 .
(2) كفاية الأحكام : 269 ، شرائع الإسلام 4  : 874  .
(3) مسالك الأفهام : 13 / 462 ـ 463 ، الروضة البهيّة : 3 / 104 ـ 105 ، رياض المسائل : 9 / 316 ، مستند الشيعة : 2 / 561 (ط ق) ، جواهر الكلام : 40 / 201  .

(الصفحة179)



نوعاً ، والمجنون الذي يمكن ارتفاع جنونه وتبدّله إلى العاقل ، والغائب الذي تزول غيبته إلى الحضور كذلك ، مع أنّ طرف الدعوى في الصبي والمجنون إنّما هو الولي . وقد وردت في الغائب روايات كثيرة مشتملة على أنّه يقضى عليه ، وأنّه على حجّته إذا قدم . وقد مرّ البحث فيه سابقاً فراجع(1) ، فالأقوى هو عدم اللّحوق كما في المتن ، فتدبّر جيّداً .










(1) في ص93 ـ 96 .

(الصفحة180)


فروع

الأوّل: لو كان المدّعي على الميّت وارث صاحب الحقّ ، فالظاهر أنّ ثبوت الحقّ محتاج إلى ضمّ اليمين إلى البيّنة ، ومع عدم الحلف يسقط الحقّ  . وإن كان الوارث متعدّداً لابدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، ولو حلف بعض ونكل بعض ثبت حقّ الحالف وسقط حق النّاكل1.


1 ـ المهم في هذا الفرع ملاحظة أنّ الخبرين المتقدّمين الواردين في أصل المسألة وهي الدعوى على الميّت ، هل لهما إطلاق لفظي يشمل ما لو كان المدّعي على الميت وارث صاحب الحقّ أم لا ، الظاهر نعم فإنّه لا إشعار في شيء منهما بالاختصاص ، فإنّ قوله (عليه السلام) في رواية عبدالرحمن المتقدّمة: «وإن كان المطلوب بالحق قد مات ، فأقيمت عليه البيّنة . . .» لا يختصّ لفظاً بما إذا كان المدّعي صاحب الحقّ الأوّلي ، وإن كان هو الفرد الظاهر منه ، إلاّ أنّه غير خفي أنّ التمسّك بالاطلاقات إنّما هو بالإضافة إلى الأفراد غير الواضحة ، وثبوت القدر المتيقّن في عدم جواز التمسك بالإطلاق على تقديره إنّما هو القدر المتيقّن في مقام التخاطب، لا مطلق القدر المتيقّن، وإلاّ فكلّ مطلق له الأفراد الظاهرة الواضحة التي هي القدر المتيقّن منها ، كما لايخفى .
وكذا السؤال في صحيحة الصفّار المتقدّمة: «أوتقبل شهادة الوصي على الميّت» فإنّ إطلاقه يشمل المقام .
ثمّ لو فرض عدم ثبوت الإطلاق فالفهم العرفي يساعد على إلغاء الخصوصيّة ، وأنّ الملاك في لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة عدم العلم بسقوط الدين ، نظراً إلى أنّ البيّنة
<<التالي الفهرس السابق>>