في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة401)



ويرد عليه أنّ الظاهر يكون المراد من الصحيحة الاُولى الردّ على العامة غير القائلين بقبول شهادة الشيعة وان كانوا في أعلى مراتب العدالة ، وإلاّ فشهادة غير المؤمن مقبولة عندهم ، وكان الغرض أنّه لم لا تقبل شهادة الشيعة إذا علم منهم خير ، ولو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادتهم . ويمكن أن يكون المراد الاكتفاء بشاهد ويمين في مطلق حقوق الناس ، وعليه فالمراد بالرجل هو الرجل الواحد ، وعلى هذا فلا دلالة لها على ما يعتبر في الشاهد ، وظاهر الصحيحة الثانية عدم قبول شهادة العبد المملوك قبل اعتاقه ، مع انّك عرفت في بحث اعتبار البلوغ عدم كون المملوكية مانعة عن قبول الشهادة ، وظاهرها أنّ العبد لا يتّصف بالعدالة ما دام كونه عبداً ، مع أنّ العبودية لا تمنع عن العدالة بوجه .
فالانصاف أنّه لا فرق بين الطائفتين المذكورتين في عدم قبول شهادتهم على المؤمن أو له ، ويؤيّده بل يدلّ عليه عدم ثبوت العدالة الحقيقية إلاّ للمؤمن ولا توجد في غيره ، قال الله تعالى في سورة الطلاق : {وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(1) ، غاية الأمر وجوب الإشهاد في باب الطلاق وعدم وجوبه في غيره ، وامّا من جهة صفات الشهود فلا فرق بين المقامين ، لكنّ الذي يشكل الأمر أنّه لو كان اعتبار العدالة التي هي وصف رابع من صفات الشهود كافياً عن اعتبار البلوغ والعقل والايمان لكان اللازم الاقتصار عليه لا ذكرها بعنوان وصف غيرها ، بل بعنوان وصف رابع ، فتدبّر جيّداً .
ثم إنّ هنا بعض الروايات التي يتوهم منها قبول شهادة الناصب فضلا عن غيره من المخالفين ، مثل صحيحة عبدالله بن المغيرة قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) :

(1) الطلاق 65 : 2 .

(الصفحة402)



رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيّين ، قال : كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته(1) . ومثلها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر في باب الطلاق(2) .
ويرد عليهما ـ مضافاً إلى مخالفتهما لظاهر الكتاب في باب الطلاق ـ أنّ العدول عن الجواب بنعم أو لا والجواب بما ذكر جمع بين التقية وبيان الواقع ، خصوصاً أنّ المسلم المولود على فطرة الإسلام لا يكون ناصبياً; لأنّ الناصب كافر وان انتحل الإسلام ، بل الإسلام الواقعي هو الإسلام المبيّن في مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام .
وكيف كان فقد ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) : أنّه لا يمكن احصاء وجوه الدلالة في النصوص على عدم قبول شهادتهم ، منها : اطلاق الكفر ، ومنها : الفسق ، ومنها : الظلم ، ومنها : كونهم غير رشدة ، ومنها : ردّ شهادة الفحاش وذي المخزية في الدين ، ومنها : ممن ترضون دينه وأمانته ، ومنها : اعتبار العدالة التي قد ذكر في النصوص ما هو كالصريح في عدم تحقّقها في مخالفي العقيدة ، إلى غير ذلك من النصوص(3) .
وبعد ملاحظة ما ذكرنا لا ينبغي الارتياب في عدم قبول شهادة غير المؤمن على المؤمن أو له في الجملة ، الذي هو الأساس في اعتبار هذا الأمر ، خصوصاً مع أنّ التعليل في مثل مقبولة ابن حنظلة(4) من الروايات الواردة في علاج المتعارضين المشتملة على الترجيح بمخالفتهم بأنّ الرشد في خلافهم يظهر منه أنّ جنس الرشد

(1) وسائل الشيعة : 27 / 393 ، كتاب الشهادات ب41 ح5 .
(2) وسائل الشيعة : 22 / 26 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب10 ح4 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 17 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .

(الصفحة403)



وطبيعته في خلافهم ، فلا يجوز للحاكم الاعتماد على شهادتهم للوصول إلى الواقع . ودعوى أنّ الشاهد لا دخل له في الرشد واضحة البطلان ، فكون الرشد في خلافهم لا يجتمع مع قبول شهادتهم بوجه .
بقي في هذا الشرط الثالث أمران :
الأمر الأول : أنّه تقبل شهادة الذمّي العدل في دينه في خصوص الوصية بالمال إذا لم يوجد عدول المسلمين لأنْ يشهدوا; والأصل في هذا الأمر قوله تعالى : {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُم إذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثنَانِ ذَوَا عَدل مِنْكُم أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُم إنْ أَنتُم ضَرَبتُم فِي الأَرضِ فَأَصَابَتكُم مُصِيبَةُ المَوتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعدِ الصَّلاةِ فَيُقسِمانِ بِاللهِ اِن ارتَبتُم لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَو كَانَ ذَا قُربَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ اِنّا إذاً لَمِنَ الآثِمِينَ}(1) والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة :
منها : صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) هل تجوز شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم؟ قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم ، إنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (2) .
ومنها : مضمرة أحمد بن عمر الصحيحة قال : سألته عن قول الله عزّوجلّ : {ذَوَا عَدل مِنكُم أَو آخَرَان مِن غَيركُم} قال : اللذان منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس; لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ، وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين

(1) المائدة 5 : 106 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 389 ، كتاب الشهادات ب40 ح1 .

(الصفحة404)



يشهدهما فرجلان من أهل الكتاب(1) .
ومنها : صحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ : {أَو آخَرانِ مِن غَيرِكُم} فقال : إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم في الوصية (2) .
ومنها : موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة أهل الملّة؟ قال: فقال : لا تجوز إلاّ على أهل ملّتهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية; لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (3) .
إذا عرفت ما ذكرنا فلا ينبغي الإشكال بملاحظة الكتاب والسنّة في أصل المسألة ، وهو قبول شهادة الذمي في الوصية بالمال ، وحيث يكون الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن ، وهو كون الوصية بالمال وكون الشاهدين ذميّين وكونهما مرضييّن في دينهما ، وفرض عدم وجدان الشاهدين من المسلمين أي المؤمنين ، وأمّا اعتبار كون الوصيّة في أرض الغربة فقد نفاه في المتن ، وذكر المحقّق في الشرائع : أنّ باشتراطه رواية مطرحة(4) ، والظاهر أنّها هي رواية حمزة بن حمران ، عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عزوجل: {ذَوَا عَدل مِنكُم أَو آخَرَانِ مِن غَيْرِكُم} قال : فقال : اللذان منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فقال : إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيّته فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميّين

(1) وسائل الشيعة : 27 / 390 ، كتاب الشهادات ب40 ح2 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 390 ، كتاب الشهادات ب40 ح3 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 390 ، كتاب الشهادات ب40 ح4 .
(4) شرائع الإسلام : 4 / 911 .

(الصفحة405)



من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما(1) .
هذا ، مع كون الرواية مطرحة عند مشهور الأصحاب ، ولا مجال للالتزام بها كما حقّق في محلّه ، فالظاهر أنّ القيد غالبيٌ لا مجال للالتزام به ، وإن كان يشعر به ظاهر الآية الشريفة بلحاظ قوله تعالى : {إن أنتُم ضَرَبتُم فِي الأَرضِ} ، كما أنّ ظاهره عدم الترتيب ، مع أنّك عرفت أنّ قوله: {أَو آخَرَان مِن غَيركُم} انّما هو في صورة عدم وجدان الشاهدين من المؤمنين .
ثمّ إنّه لا يلحق بالذمّي الفاسق من أهل الايمان; لظهور الأدلّة من الكتاب والسنّة في أنّ العِدل للشاهدين المؤمنين هو آخران من غير المؤمنين ، والفاسق وان كان من أهل الايمان والكفر أعظم من الفسق ، إلاّ أنّ الدليل قد دلّ على ما ذكر خصوصاً مع اشتراط كونهما مرضيين في دينهما عادلين كذلك ، لكن عن التذكرة لو وجد مسلمان فاسقان ، فان كان فسقهما بغير الخيانة والكذب فالأولى انّهما أولى من أهل الذمّة ، وإن كان فسقهما يتضمّن اعتماد الكذب وعدم التحرّز عنه فأهل الذمة أولى(2) .
وهل يلحق بالذمّي المخالف العادل في مذهبه؟ قد نفى البعد عنه في المتن ، والسرّ فيه أولوية المخالف عن الكافر في هذه الجهة ، مع وجود شرط العدالة فيه وإن كانت بحسب مذهبه ، والأخبار الدالّة على أنّ قوله تعالى: {أَو آخَرَان مِن غَيرِكُم} يراد بها أو آخران من غير المؤمنين لا خصوص أهل الكتاب ، كما لا يخفى ، اللهمّ إلاّ أن
يقال : إنّه خلاف الظاهر ، فنفي البعد ليس في محلّه .

(1) وسائل الشيعة : 19 / 312 ، كتاب الوصايا ب20 ح7 .
(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 521 ـ 522 .

(الصفحة406)

الرابع: العدالة ، وهي الملكة الرادعة عن معصية الله تعالى ، فلا تقبل شهادة الفاسق ، وهو المرتكب للكبيرة أو المصرّ على الصغيرة ، بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إن لم يكن الأقوى ، فلا تقبل شهادة مرتكب الصغيرة إلاّ مع التوبة وظهور العدالة1.


الأمر الثاني : في أنّه هل تقبل شهادة كلّ ملّة على ملّتهم؟ المشهور على عدم القبول(1) ، وعن الشيخ في محكي الخلاف (2) والنهاية (3) القبول ، استناداً إلى موثقة سماعة المتقدّمة الدالّة على أنّ شهادة أهل الملّة لا تجوز إلاّ على ملّتهم ، ومع ذلك قال المحقّق في الشرائع : والمنع أشبه(4) أي بأصول المذهب وقواعده التي منها اشتراط الايمان والعدالة في الشاهد ، ومن المعلوم انتفاؤهما في الفرض ، فان ثبت في المسألة شهرة فاللازم أن يقال : بأنّ اعراض المشهور عنها قادحٌ في حجّيتها ، فالمتعيّن العمل على طبق القاعدة ، وإن لم تثبت كما يظهر من نسبة العلاّمة في محكي المختلف(5) مفاد الرواية إلى الأصحاب ، فاللازم الالتزام بها كما لايخفى .

1 ـ الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في اعتبار العدالة في الشاهد ، وقد دلّ الكتاب على اعتبارها في موردين : أحدهما : الوصية في الآية المتقدّمة آنفاً(1) ، ثانيهما : الطلاق في

(1) مسالك الأفهام : 14 / 164 .
(2) الخلاف : 6 / 273 مسألة 22 .
(3) النهاية : 334 .
(4) شرائع الإسلام : 4 / 911 .
(5) مختلف الشيعة : 8 / 520 مسألة 87 .

(الصفحة407)



قوله تعالى : {وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) . غاية الأمر أنّ الإشهاد في باب الطلاق واجب دون غيره ، ومن المعلوم أنّه لا فرق بين الوصية والطلاق وبين غيرهما من جهة الصفات المعتبرة في الشهود والخصوصيّات اللازمة فيهما ، والأخبار التي يستفاد منها اعتبار العدالة في الشاهد مستفيضة أو متواترة كما في الجواهر(3) ، ويساعده الاعتبار كما أشار إليه المحقّق في الشرائع بقوله : إذ لا  طمأنينة مع التظاهر بالفسق(4) ، ولا يرجع هذا المعنى إلى اعتبار حصول الطمأنينة الشخصية في حجّية الشهادة لتكون النسبة بينها وبين المدّعى عموماً وخصوصاً من وجه ، بل المراد حصول الطمأنينة بحسب الغالب وإن لم يحصل اطمئنان شخصي .
ويظهر من جملة من الروايات أنّ اعتبار اتّصاف الشاهد بالعدالة كان مفروغاً عنه عند الرواة والسائلين، بل السؤال انّما كان عن حقيقة العدالة أو أمور ترتبط بها، مثل الامارة الشرعية ، كصحيحة عبدالله بن أبي يعفور المعروفة المشتملة على قول الراوي: بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟(5)وكيف كان فلا إشكال في هذا المقام في أصل الاعتبار بل الإجماع بقسميه عليه ، وان كان لا أصالة للاجماع بعد دلالة الكتاب والسنة عليه ، كما عرفت .
هذا ، وقد يستفاد من بعض الروايات عدم اعتبار العدالة في الشاهد ، مثل :
صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ،

(1) تقدّمت في ص403 .
(2) الطلاق 65 : 2 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 25 .
(4) شرائع الإسلام : 4 / 911 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1.

(الصفحة408)



فعدل منهم إثنان ولم يعدل الآخران ، فقال : إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزّور أُجيزت شهادتهم جميعاً ، واُقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه ، انّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا ، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق(1) .
ورواية العلاء بن سيّابة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام ، قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق . . .(2) .
وهاتان الروايتان مضافاً إلى كونهما معرضاً عنهما ، وإلى مخالفتهما لظاهر الكتاب والروايات المستفيضة بل المتواترة المتقدّمة ، يحتمل أن يكون المراد وجود الأمارة الشرعية للعدالة وهو حسن الظاهر ، وكفايتها عن احراز العدالة التي هي صفة نفسانية في ترتيب الأثر على الشهادة ، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد هو أحد الأقوال الخمسة المعروفة في حقيقة العدالة ، وهو الإسلام وعدم ظهور الفسق ، فتدبّر جيّداً .
المقام الثاني : في بيان حقيقة العدالة وماهيتها عند الشارع والمتشرّعة ، وقد فصّلنا الكلام بحمد الله في هذا المجال في شرح المسائل الأخيرة من كتاب الإجتهاد والتقليد(3) ، وإن كان في بعض ما ذكر هناك مناقشة إعتبار المروءة في العدالة ، ولا  نرى حاجة إلى التطويل بالإعادة بعد قلّة المجال وضيق الحال وعدم تمامية
شرح الكتاب إلى الحال ، فاللازم صرف الوقت إلى ذلك وإتمام الشرح الذي هو منتهى الآمال إن شاء الله تبارك وتعالى .

(1) وسائل الشيعة : 27 / 397 ، كتاب الشهادات ب41 ح18 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 394 ، كتاب الشهادات ب41 ح6 .
(3) الاجتهاد والتقليد من تفصيل الشريعة : 232 .

(الصفحة409)

مسألة 1 ـ لا تقبل شهادة كلّ مخالف في شيء من اُصول العقائد ، بل لا تقبل شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام ، كمن أنكر الصلاة أو الحج أو نحوهما ، وإن قلنا بعدم كفره إن كان لشبهة ، وتقبل شهادة المخالف في الفروع وإن خالف الاجماع لشبهة1.


1 ـ إمّا عدم قبول شهادة المخالف في شيء من أصول العقائد التي يكون المراد بها اُصول مسائل التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، فلعدم الاتصاف بالإسلام أو الإيمان مع المخالفة ، وقد عرفت اعتبار الايمان فضلا عن الإسلام ، وامّا فروعها من المعاني والأحوال وغيرهما من فروع علم الكلام فقد صرّح في المسالك بأنّه لا يقدح الخلاف فيها; لأنّها مباحث ظنّية والاختلاف فيها بين علماء الفرقة الواحدة كثير شهير(1) ، ولكن أورد عليه في الجواهر بأنّ أكثرها قطعي بالتواتر وبالضرورة أو غيرهما ، خصوصاً بالنظر إلى هذا الزمان ، فانّه قد يصير النظري قطعيّاً كعصمة الأئمّة(عليهم السلام) عن السهو والنسيان ، وإن خالف في ذلك الصدوق(قدس سره)(2)(3) .
وامّاعدم قبول شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام كمن أنكر الصلاة أو الحجّ أو نحوهما ، فإن قلنا بكفره فواضح لعدم قبول شهادة الكافر إلاّ في بعض الموارد على ما عرفت ، وإن لم نقل بكفره كما إذا كان إنكاره لشبهة مثل عدم العلم بكونه ضروريّاً ، أو أنّ إنكار الضروري يرجع إلى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله) ، فالظاهر عدم قبول
شهادته أيضاً; لأنّ عدم الكفر لايستلزم الاتصاف بالعدالة المعتبرة في الشاهد بوجه.
وامّا قبول شهادة المخالف في الفروع فواضح أيضاً; لأنّ المخالفة فيها لا تكون

(1) مسالك الأفهام : 14 / 172 .
(2) معاني الأخبار : 133 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 36 .

(الصفحة410)

مسألة 2 ـ لا تقبل شهادة القاذف مع عدم اللّعان أو البيّنة أو إقرار المقذوف إلاّ إذا تاب ، وحدّ توبته أن يكذّب نفسه عند من قذف عنده أو عند جمع من المسلمين أو عندهما ، وإن كان صادقاً واقعاً يورّي في تكذيب نفسه ، فإذا كذّب نفسه وتاب تقبل شهادته إذا صلح1.


مانعة عن الاتصاف بالصفات المعتبرة في الشاهد ، خصوصاً مع اختلاف الاجتهاد في الفروع لعدم كونها قطعية ، وإن كانت المخالفة في المسائل الاجماعية لكنها كانت مستندة إلى شبهة في حجية الاجماع ، لعدم العلم بالدخول وإنكار كون قاعدة اللطف قاعدة مقبولة ، وكذا إنكار الحدس القطعي ، فانّه في مثل هذه الصورة لا يكون المجمع عليه قطعيّاً عنده ، فلا تضرّ مخالفته .

1 ـ كذا في طبعة الآداب / النجف الأشرف، وأيضاً في طبعة مؤسسة النشر الإسلامي بقم;ولكن في الطبعة الثالثة/بيروت1401هـ توزيع دارالتعارف:إذا أصلح.
الأصل في عدم قبول شهادة القاذف ـ إلاّ إذا تاب ـ قوله تعالى في سورة النور : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُم شَهَادةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ* إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(1) .
وظاهره العموم للأزواج وغيرهنّ ، نعم فيما بعد هذه الآية قد وقع التعرّض للّعان فيما إذا رموا أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم ، ولا تكون دليلا على
اختصاص الآية الأولى برمي غير الأزواج حتى يقال بعدم دلالة الكتاب على فسق رمي الأزواج وعدم قبول شهادتهم ، فتدبّر .

(1) النور 24 : 4 ـ 5 .

(الصفحة411)



ثمّ إنّ الآية الاُولى تدلّ على قبول شهادة الرامي بعد التوبة والاصلاح ، والكلام يقع حينئذ في الأمرين :
الأمر الأول : في حدّ التوبة ، وقد ذكر المحقّق في الشرائع : وحدّ التوبة أن يكذب نفسه وإن كان صادقاً يورّي باطناً ، وقيل(1) : يكذّبها إن كان كاذباً ويخطّئها في الملأ إن كان صادقاً ، والأوّل مرويّ(2) . ويظهر من الجواهر(3) أنّه لا يكون في المسألة أزيد من هذين القولين .
والروايات عبارة عن صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن المحدود إذا تاب أتقبل شهادته؟ فقال : إذا تاب ، وتوبته أن يرجع ممّا قال ، ويكذّب نفسه عند الإمام وعند المسلمين ، فإذا فعل فانّ على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك(4) فانّ السؤال وإن كان عن مطلق المحدود إلاّ أنّ الجواب منطبق على القاذف المحدود; لأنّ تكذيب النفس لا يكون إلاّ فيه ، ويمكن أن يقال بأنّ السؤال ناظر إلى الآية الشريفة الواردة في القذف ، وعلى أيّ حال فدلالة الجواب على أنّ حدّ التوبة تكذيب النفس لا إشكال فيه .
ورواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القاذف بعدما يقام عليه الحدّ ما توبته؟ قال : يكذب نفسه ، قلت : أرأيت ان أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال : نعم (1) .

(1) قاله الشيخ في المبسوط:8/179،وابن إدريس في السرائر:2/116،ويحيى بن سعيدفي الجامع للشرائع: 540.
(2) شرائع الإسلام : 4 / 912 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 39 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 385 ، كتاب الشهادات ب37 ح1 .

(الصفحة412)



ورواية القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدّاً ، ثم يتوب ولا يعلم منه إلاّ خير أتجوز شهادته؟ قال : نعم ، ما يقال عندكم؟ قلت : يقولون : توبته فيما بينه وبين الله ، ولا تقبل شهادته أبداً ، فقال : بئس ما قالوا ، كان أبي يقول : إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خير جازت شهادته(2) .
ومرسلة يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: سألته عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب؟ فقال : نعم ، قلت : وما توبته؟ قال : يجيء فيكذب نفسه عند الإمام ويقول : قد افتريت على فلانة ويتوب ممّا قال(3) .
نعم في رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) قال : ليس أحد يصيب حدّاً فيقام عليه ثم يتوب إلاّ جازت شهادته إلاّ القاذف ، فانّه لا تقبل شهادته ، إنّ توبته فيما كان بينه وبين الله تعالى (4) . ولكن ذكر في الجواهر : أنّ الاستثناء المزبور قد اختصّ به بعض نسخ التهذيب ، وقد خلا عنه البعض الآخر والكافي الذي هو أضبط من التهذيب (5) .
أقول: وعلى تقدير وجوده لابدّ من رفع اليد عنه لمخالفته لظاهر الآية الشريفة ، وموافقته للتقية والشهرة المحققة الفتوائية على خلافها . ثم إنّ تكذيب النفس هل يلزم أن يكون عند الإمام الذي أقام الحدّ عليه ، أو عند المقذوف، أو عند جماعة من

(1) وسائل الشيعة : 27 / 383 ، كتاب الشهادات ب36 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 383 ، كتاب الشهادات ب36 ح2 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 384 ، كتاب الشهادات ب36 ح4 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 384 ، كتاب الشهادات ب36 ح6 .
(5) جواهر الكلام : 41 / 37 .

(الصفحة413)



المسلمين ، أو عند الإمام والمسلمين؟ الظاهر كما في الجواهر(1) إرادة الإجهار بذلك لا كونه شرطاً في التوبة ، والسرّ فيه أنّ هذا الأمر المحرّم يوجب وقوع عرض الناس في معرض التوهم بل أزيد ، ومجرّد التوبة الحاصل بالندم والعزم على عدم العود والإستغفار من الله تعالى لا يوجب الجبران ، بل الجابر هو تكذيب النفس إجهاراً ، وهذا بخلاف التوبة بالإضافة إلى سائر المحرمات .
الأمر الثاني : أنّ المذكور في الآية في ناحية المستثنى هي التوبة والإصلاح ، وهل الاصلاح أمر آخر زائد على التوبة أم لا؟ قال المحقّق في الشرائع: وفي إشتراط اصلاح العمل زيادة على التوبة تردّد ، والأقرب الإكتفاء بالاستمرار; لأنّ بقاءه على التوبة إصلاح ولو ساعة(2) . ويشعر بالزيادة بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّه إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خير فتقبل شهادته ، وعن الخلاف(3) وجامع المقاصد(4) ومتشابه القرآن لابن شهر آشوب(5) أنّه لابدّ مع التوبة التي هي الاكذاب من ظهور عمل صالح منه وان قلّ .
أقول: الظاهر أنّ عطف قوله: «وَاَصلَحُوا» على «تَابُوا» عطف تفسيري، ولايشترط إصلاح العمل زيادة على التوبة حتى يبحث أنّ الاصلاح بماذا يتحقّق ، والسرّ في هذاالعطف لعلّه إفادة أنّ التوبة في مقام القذف تغايرالتوبة في سائر المقامات; لأنه بالقذف قد أفسد عرض المقذوف ، فاللازم اصلاحه باكذاب النفس إجهاراً

(1) جواهر الكلام : 41 / 40 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 912 .
(3) الخلاف : 6 / 264 مسألة 13 .
(4) حكى عنه في كشف اللثام : 2 / 372 .
(5) متشابه القرآن: 2 / 224 .

(الصفحة414)



على ما عرفت ، فلا يكون الاصلاح زائداً على التوبة الخاصة الثابتة في القذف .
وان أبيت إلاّ عن كون ظاهر العطف المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فنقول : الدليل على عدم المغايرة في خصوص المقام الروايات التي فيها الصحيحة الدالّة على أنّه بمجرّد تحقّق التوبة تقبل شهادة القاذف من دون إضافة الاصلاح ، كصحيحة عبدالله بن سنان ، وامّا قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المشار إليها آنفاً «إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خير» فهو لا دلالة فيها بل ولا إشعار على اعتبار أمر زائد على التوبة ، بل المراد صلاحية القاذف التائب للشهادة مع قطع النظر عن جريان قذفه بدأً وختماً ، وهذا هو المراد من قوله : «أصلح» في المتن ، وإلاّ لكان اللازم عدم تأخير قيد الاصلاح عن قبول الشهادة وعطفه على التوبة ، فتدبّر جيّداً ، أو بتعيّن هذا المعنى على تقدير كون المذكور مقيّداً بصلاحه لا إصلاحه ، كما لا يخفى ، وان كان هذا الاحتمال بعيداً في نفسه ، لأن الظاهر كون القيد المذكور انّما هو بتبع الآية الشريفة واقتباساً منها ، وفيها قوله : «وَأصْلحُوا» كما عرفت .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا يعتبر في قبول شهادة القاذف الاّ التي تقدّم حدّها ، ولولا الروايات الواردة في بيانها لقلنا بأنّ التوبة في القذف إنّما هي كالتوبة في سائر الموارد من دون فرق بينها ، لكنّ الروايات قد بيّنت المغايرة في التوبة بين القذف وغيره ، وقد عرفت أنّ قوله : «وَأصْلَحُوا» عطف تفسيري لقوله : «تابوا» لا أمر زائد عليه ، فتدبّر ، كما أنّ ملاحظة عطف الاصلاح على مثل العفو والتوبة في كثير من موارد الكتاب يعطي ذلك ، مثل قوله: {وَجَزَاؤُا سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ}(1) وقوله تعالى : {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا

(الصفحة415)

مسألة 3 ـ إتخاذ الحَمام للأُنس وإنفاذ الكتب والاستفراخ والتطيير واللعب ليس بحرام ، نعم اللعب بها مكروه ، فتقبل شهادة المتخذ واللاعب بها ، وأمّا اللعب بالرهان فهو قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك1.


فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا}(2) وغير ذلك من الموارد فراجع ، فلا ينبغي الارتياب فيما ذكرنا من عدم كون الاصلاح أمراً زائداً على التوبة ، كما لا يخفى .

1 ـ انّ في هذه المسألة عناوين ثلاثة: اتخاذ الحمام للأنس ونحوه ، واللعب بها ، واللعب بالرّهان .
امّا الأوّل : فلا دليل على حرمته ولا كراهته ، ويمكن أن يستفاد من دليل عدم حرمة اللعب عدم حرمة الاتخاذ ولا عكس ، كما لا يخفى ، والدليل على عدم حرمة الاتخاذ وعدم كراهته مضافاً إلى الأصل أنّه ربما يستفاد من بعض النصوص استحباب اتخاذها للأُنس أو للصيانة من آفة الجنّ ومثلهما ، ففي النبويّ أنّ رجلا شكا إليه(صلى الله عليه وآله) الوحدة ، فقال : اتخذ زوجاً من حمام(3) .
وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس من بيت فيه حمام إلاّ لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ، إنّ سفهاء الجن يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام ويدعون الإنسان(4).
وقال عبد الكريم بن صالح : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر قد ذرقن على الفراش ، فقلت : جعلت فداك هؤلاء الحمام
يقذر الفراش ، فقال : لا ، إنّه يستحب أن يمسكن في البيت(1) .

(1) الشورى 42: 40 .
(2) النساء 4: 16 .
(3) وسائل الشيعة : 11 / 517 ، كتاب الحج ، أبواب أحكام الدّواب ب31 ح15 .
(4) وسائل الشيعة : 11 / 516 ، كتاب الحج ، أبواب أحكام الدّواب ب31 ح8 .

(الصفحة416)



امّا الثاني : فبالإضافة إلى عدم الحرمة ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى الأصل ـ يدلّ عليه رواية العلاء بن سيابة التي جعلها في الوسائل روايتين مع وضوح كونهما رواية واحدة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق ، قلت : فانّ من قبلنا يقولون: قال عمر : هو شيطان ، فقال : سبحان الله أما علمت أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل ، فانّها تحضره الملائكة ، وقد سابق رسول الله(صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد وأجرى الخيل(2) . وذكر صاحب الوسائل إنّ عند أهل مكّة لعب الحمام هو لعب الخيل(3) ، ولعلّه يشهد له ما في ذيله .
وبالإضافة إلى الكراهة فقد استدلّ لها في الجواهر بما فيه من العبث واللعب وتضييع العمر فيما لا يجدي ، بل قد يكون في بعض الأحوال أو الأزمنة أو الأمكنة من منافيات المروءة ، خلافاً للمحكي عن ابن إدريس(4) ، فعدّ اللعب به فسقاً مسقطاً للعدالة(5) .
ويرد عليه أنّه على تقدير تسليم كراهة تلك العناوين المذكورة نقول : إنّ الحكم لا يتعدّى من متعلّقه ولا يسري إلى غيره ، وان كان متّحداً معه في الوجود ، فكراهتها أمر وكراهة اللعب بالحمام أمر آخر ، والمدّعى هو الثاني ، ومراعاة المروءة
لا تكون دخيلة في العدالة ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بالفسق فيما كان منافياً لها من الأزمنة والأمكنة والحالات .

(1) وسائل الشيعة : 11 / 520 ، كتاب الحج ، أبواب أحكام الدّواب ب34 ح1 .
(2 و 2) وسائل الشيعة : 27 / 412 و 413 ، كتاب الشهادات ب54 ح1 و3 .
(4) السرائر : 2 / 124 .
(5) جواهر الكلام : 41 / 56 .

(الصفحة417)



فالإنصاف أنّه لا دليل على كراهة اللعب بالحمام بعنوانه ، إلاّ أن يقال : إنّ نفس السؤال في رواية العلاء المتقدمة دليل على مفروغيّة وجود حزازة ومنقصة فيه ، بناء على كون المراد باللعب بالحمام معناه الظاهر ، وإن كان يخالفه ما في الذيل من الاستشهاد بمسابقة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولكن يؤيده نفس السؤال; لأن اجراء الخيل واللعب به كان أمراً مستحسناً في الشرع ، فلا وجه لاحتمال كون شهادة اللاعب بالحمام غير مقبولة ، ويؤيّده أيضاً ما حكاه السائل عمّن قبله من أنّ الثاني قال : «هو شيطان» كما لا يخفى ، وكيف كان فالأمر سهل .
وامّا الثالث : فهو اللعب بالرهان ، ففي المتن انّه قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك ، وتفريع عدم قبول شهادته دليل على أنّ المراد هي الحرمة التكليفية القادح ارتكابها في ثبوت العدالة ، والوجه في التعرّض لذلك في المقام انّما هي التبعيّة للرواية المتقدّمة ، وإلاّ فلا يرى ارتباط بين اللعب بالحمام وبين حرمة اللعب بالرهان نظراً إلى انّه قمار حرام ، وقد خالف صاحب الجواهر(قدس سره)(1) في الحرمة التكليفية في الرهن على اللعب بغير الآلات المعدّة للقمار ، بل التزم بثبوت الحرمة الوضعيّة فقط ، بمعنى الفساد وعدم ملك العوض في غير الموارد المنصوصة في السبق والرماية .
والتحقيق ثبوت كلا الحكمين التكليفي والوضعي ، نظراً إلى دلالة العرف واللغة على أنّ القمار ما يكون فيه الرهان ، سواء كان بالآلات المعدّة أو بغيرها ، وتفسيرها
بخصوص الآلات المعدّة للقمار فيه دور واضح ، وعليه فالحظّ والنصيب ببطاقات اليانصيب المعبّر عنه في الفارسية في الزمان السابق بـ «بليط بخت آزمائي» كان

(1) جواهر الكلام : 22 / 109 .

(الصفحة418)



محرّماً من هذه الجهة ، ومثله في هذه الأزمنة ـ التي تكون الحكومة حكومة إسلامية شيعيّة ـ المسابقات المعمولة لأجل الاطّلاع على الكتب المفيدة المؤثرة في ازدياد الاطلاع أو غيره ، ولكن غرض المشتركين فيها الوصول إلى بعض الهدايا المنظورة بمراتبها المختلفة ، وتحصيل ثروة أو سفر زيارة من حج أو غيره في صورة إصابة القرعة إليهم ، ومثل هذه المسابقات كثيرة في زماننا هذا ، إلاّ أن يقال بعدم صدق القمار عليها بوجه ، إذ ليس الغرض الأصلي فيها المراهنة ، والهدايا انّما هي بصورة الجائزة الاختيارية ، ولكن مع ذلك يكون الأمر مشكلا .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر(قدس سره) ذهب إلى الجواز التكليفي دون الوضعي ، وربما يستدلّ له بصحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في رجل أكل وأصحاب له شاة ، فقال : إن أكلتموها فهي لكم ، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه إنّ ذلك باطل لا شيء في المؤاكلة من الطعام ما قلّ منه وما كثر ، ومنع غرامته منه (فيه خ ل)(1) .
والظاهر أنّ السؤال فيه ومورده هي صحّة المؤاكلة وبطلانها ، وقوله : «أكل» ليس فعلا ماضياً ثلاثياً ولا اسم فاعل على وزن الفاعل ، بل هو فعل ماض من باب المفاعلة ، وكيفية المؤاكلة ما هو المذكور في الرواية من أنّ صاحب الشاة يقول : إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، والجواب ناظر إلى بطلان المؤاكلة ، ومنع الغرامة فيه إنّما هي بالإضافة إلى صورة أكل الجميع لتحقّق الإباحة
المالكية ، وامّا بالإضافة إلى صورة أكل البعض مع عدم القدرة على أكل الجميع فالغرامة فيها متحقّقة; لعدم صحّة عقد المؤاكلة وعدم تحقق الإباحة المالكية .

(1) وسائل الشيعة : 23 / 192 ، كتاب الجعالة ب5 ح1 .

(الصفحة419)

مسألة 4 ـ لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة ، كبيع الصرف وبيع الأكفان وصنعة الحجامة والحياكة ونحوها، ولا شهادة ذوي العاهات الخبيثة كالأجذم والأبرص1.

الخامس: طيب المولد ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا وإن أظهر الإسلام وكان عادلا . وهل تقبل شهادته في الأشياء اليسيرة؟ قيل : نعم والأشبه لا ، وأمّا لو جهلت حاله فان كان ملحقاً بفراش تقبل شهادته وإن أنالته الألسن ، وإن جهلت مطلقاً ولم يعلم له فراش ففي قبولها إشكال 2 .


نعم الغرامة المذكورة في عقد المؤاكلة الباطل غير ثابتة لفرض البطلان ، ولا ارتباط لهذا باللعب بالرهان المفروض في المقام ، والتحقيق أزيد من هذا موكول إلى مباحث المكاسب المحرّمة .

1 ـ لعدم ثبوت الفسق المانع عن قبول الشهادة في شيء من الموردين ، وكون بعض تلك الصنائع خلاف المروءة ـ بالإضافة إلى بعض الأشخاص أو في بعض الأحوال ـ إنّما يقتضي عدم ثبوت العدالة بناءً على اعتبار المروءة فيها على خلاف ما أشرنا إليه بالإضافة إلى ذلك البعض ، أو في تلك الحال لا مطلقا كما لا يخفى . وعدم ترتيب الأثر على فعل الأجذم والأبرص في بعض المقامات لا يلازم المقام .
2 ـ يدلّ على اعتبار هذا الأمر قبل الشهرة المحققة(1) بل الإجماع المدّعى في

(الصفحة420)



كلمات جماعة(2) ـ وإن لم يكن محكوماً بالكفر بل كان متصفاً بالعدالة ـ الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال ، بل يظهر من بعضها أنّه من خصائص فقه أهل البيت(عليهم السلام)الذي نزل عليهم جبرئيل ، مثل :
رواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته؟ فقال : لا ، فقلت : إنَّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز ، فقال : اللهم لا تغفر ذنبه ، ما قال الله للحكم: {وَاِنَّه لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ}(3) ، وفي رواية الكشي زيادة فليذهب الحكم يميناً وشمالا ، فوالله لا يجد العلم إلاّ في أهل بيت نزل عليهم جبرئيل(4) .
وصحيحة أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تجوز شهادة ولد الزّنا(5) .
ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لو أنّ أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعاً; لأنّه لا تجوز شهادته ولا يؤمّ الناس(6) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة ولد الزنا؟ فقال :
لا ، ولا عبد(1) .
ورواية عبيدالله الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له

(1) الإنتصار : 501 مسألة 275 ، المهذّب : 2 / 557 ، السرائر : 2 / 122 ، شرائع الإسلام : 4 / 917 ، قواعد الأحكام : 2 / 237 ، التنقيح الرائع : 4 / 303 ، مسالك الأفهام : 14 / 221 .
(2) منهم السيد المرتضى في الانتصار : 501 مسألة 275 ، والشيخ في الخلاف : 6 / 309 مسألة 57 ، وابن زهرة في غنية النزوع : 440 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 374 ، كتاب الشهادات ب31 ح1 ، والآية في سورة الزخرف : 44 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 375 ، كتاب الشهادات ب31 ح2 ، رجال الكشي : 209 الرقم 370 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 375 ، كتاب الشهادات ب31 ح3 .
(6) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح4 .
<<التالي الفهرس السابق>>