في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة21)



ولكن المحكي عن الشيخ في المبسوط: أنّه عمد(1) ، كالمورد الثالث إمّا مطلقاً كما حكاه عنه بعض(2) ، أو في خصوص الأشياء المحدّدة فقط ، كما هو مقتضى العبارة المحكية عنه في كشف اللثام(3)  .
وأمّا بالنظر إلى الرواية ، فقد ذكر المحقّق في الشرائع: أنّ فيه روايتين : أشهرهما أنّه ليس بعمد يوجب القود(4)  . ومراده هو الطائفتان من الروايات ، لا خصوص روايتين ، ولابدّ قبل ملاحظتهما من النظر في أنّ مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الرواية هل هو الوجه الأوّل أو الثاني .
فنقول: ظاهر الجواهر بل صريحه هو الأوّل ، نظراً إلى أنّه لا مدخلية للقصد في صدق القتل عرفاً ، بل ولا في صدق القتل عمداً; لأنّ معناه حصوله على جهة القصد إلى الفعل عدواناً الذي حصل به القتل ، وإن كان ممّا يقتل نادراً . إذ ليس في شيء من الأدلّة العمد إلى القتل ، بل ولا العرف يساعد عليه ، فإنّه لا ريب في صدق القتل عمداً على من ضرب رجلاً عادياً غير قاصد للقتل ، أو قاصداً عدمه فاتّفق ترتّب القتل على ضربه العادي منه المتعمّد له(5) .
ويدلّ عليه عدم ثبوت قصد القتل في المورد الثالث من موارد القتل عمداً ، فيظهر منه عدم كون إرادة القتل دخيلة في تحقّق عنوان العمد أصلاً ، ولكنّ الظّاهر خلاف ما أفاده ، نظراً إلى عدم صدق تفسير الموجب للقصاص عليه وعدم

(1) المبسوط: 7 / 16  .
(2) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: 15 / 68  .
(3) كشف اللثام: 2 / 439  .
(4) شرائع الإسلام: 4 / 971  .
(5) جواهر الكلام : 42 / 17 ـ 18  .

(الصفحة22)



مساعدة العرف أيضاً ، فإنّه لا يقال لمن ضرب الغير بالكفّ مثلاً ضربة واحدة غير مؤثّرة في القتل نوعاً ، ولكن اتّفق موته بسببها على خلاف الغلبة: أنّه تحقّق منه قتل العمد وأزهق النفس المحترمة عمداً . وقد ذكرنا أنّ ثبوت هذا العنوان في المورد الثالث إنّما هو بلحاظ عدم انفكاك قصد القتل عن قصد الفعل مع الإلتفات إلى كون الآلة قتّالة ، وإن كان مقصوده الأصلي غير القتل ، وعليه فالظّاهر أنّ مقتضى القاعدة عدم تحقّق العمد في المقام .
وأمّا الروايات ، فطائفة منها ظاهرة في ذلك ، مثل صحيحة فضل بن عبدالملك المتقدّمة في المورد الثالث ، نظراً إلى قوله: «سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفّارة ، أهو أن يعتمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله؟ قال: نعم» . فإنّ مقتضاه تحقّق الخطأ الذي يكون المراد به شبه العمد مع عدم قصد القتل ، وعدم كون الآلة قتّالة ، كما هو المفروض في كلام الإمام (عليه السلام) قبل هذا السؤال وهو الضرب بالحديدة ، وكذا صحيحة أبي العبّاس وزرارة المتقدّمة في المورد الثالث أيضاً ، فإنّ قوله (عليه السلام) : «والخطأ أن يتعمّده ولا يريد قتله ، يقتله بما لا يقتل مثله» ظاهر في تحقّق الخطأ بالمعنى المذكور مع اجتماع عدم إرادة القتل ، وكون الفعل غير مؤثِّر في القتل نوعاً .
وكذا صحيحة اُخرى لأبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أرمي الرجل بالشيء الذي لايقتل مثله، قال: هذا خطأ ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشاة فأُصيب رجلاً، قال: هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه ، والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله(1) فإنّ الظاهر أو القدر المتيقّن من قوله: «أرمي الرجل» هو الرمي الخالي عن إرادة القتل ، فتدلّ الرواية على كونه خطأ.


(1) تقدّمت في ص16 .

(الصفحة23)



وجملة منها ظاهرة في تحقّق العمد في المقام ، مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لو أنّ رجلاً ضرب رجلاً بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمداً(1) . فإنّ ظاهره إمّا خصوص صورة إرادة مجرّد الضرب دون القتل ، أو أنّ مقتضى إطلاقه الشمول لهذه الصورة ، وعلى أيّ حال فتدلّ الرواية على تحقّق العمد في المقام .
ومرسلة جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب فعليه القود ، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره . الحديث(2) فإنّ مقتضى إطلاق إرادة الضرب الشمول لما إذا كان المراد الضرب فقط في مقابل القتل .
وصحيحة الحلبي قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة ، فهذا كلّه عمد ، والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره(3) ، نظراً إلى أنّ الآلات المذكورة فيها التي لا تكون قتّالة نوعاً شاهد على عدم كون المراد من قوله: «اعتمد شيئاً» هو قصد قتله وإرادة إزهاق نفسه فقط ، لعدم اجتماعه مع شيء من هذه الآلات ، بل أعمّ منه وممّا إذا كان المراد مجرّد الضرب فقط . وغير ذلك من الروايات .
واللاّزم أن يقال: إمّا بلزوم تقييد إطلاقات الطائفة الثانية على تقدير ثبوت الإطلاق لها ، كما عرفت في بعضها بمقتضى الطائفة الأُولى الظاهرة بل الصريحة في عدم تحقّق العمد في المقام ، وإمّا بلزوم ترجيح الطائفة الأُولى على الثانية على فرض

(1) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 8  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3  .

(الصفحة24)

مسألة 2 ـ العمد قد يكون مباشرة: كالذبح والخنق باليد والضرب بالسيف والسكين ، والحجر الغامز ، والجرح في المقتل ، ونحوها ممّا يصدر بفعله المباشري عرفاً ففيه القود ، وقد يكون بالتسبيب بنحو ، وفيه صور نذكرها في ضمن المسائل الآتية1.


ثبوت التعارض للشهرة الفتوائية المحقّقة كمامرّ فتصير النتيجة موافقة للطائفة الأُولى.

1 ـ قد مرّ في تعريف موجب القصاص أنّ المدار فيه إنّما هو على قتل النفس المحترمة عمداً ، كما أنّ المستفاد من الروايات المتقدّمة أيضاً ذلك ، وعليه فلابدّ في تحقّق ذلك من إضافة القتل إلى الفاعل واتّصافه بوقوعه عن عمد ، وقد مرّ أيضاً أنّ موارد العمد لا يتجاوز عن ثلاثة ، فاللاّزم في جميع موارد ثبوت القصاص من تحقّق هذا العنوان إلاّ فيما إذا ثبت بدليل خاصّ على خلاف القاعدة ، وعليه فليس في شيء من الأدلّة عنوان الحكم بلفظ المباشرة والسبب ، بل الموجود فيها هو عنوان قتل العمد .
ولكنّ العمد قد يتحقّق بالمباشرة ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وكسقي السمّ القاتل بإيجاره في حلقه ، وبعض التزريقات المهلكة ، وغير ذلك من موارد صدور القتل المباشر ، ولا إشكال في ثبوت القصاص في جميع هذه الموارد .
وقد يتحقّق بالتسبيب لا مطلقاً ، بل ببعض مراتبه وهو ما إذا انفرد الجاني بالتسبيب المتلف ، وفيه صور مذكورة في ضمن المسائل الآتية .
وأمّا الشرط فلا يجب به قصاص أصلاً ، لعدم تحقّق عنوان قتل العمد بسببه ، لأنّ المراد به ما يقف عليه تأثير المؤثِّر من دون أن يكون دخيلاً في العلّة للزهوق ، مثل حفر البئر بالنسبة إلى الوقوع فيها ، فإنّ الوقوع مستند إلى علّته وهي

(الصفحة25)

مسألة 3 ـ لو رماه بسهم أو بندقة فمات فهو عمد ، عليه القود ولو لم يقصد القتل به ، وكذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتّى مات ، أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتى مات ، أو جعل رأسه في جراب النورة حتى مات ، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب المتلف فهي من العمد1.


التخطّئ ، والبئر شرط للتأثير بمعنى أنّه لو لم يحفرها لم يتحقّق القتل أصلاً ، لكنّه لم يكن دخيلاً في الوقوع ، بل الوقوع مستند إلى ما ذكر من التخطّئ ، وهو موجب لتحقّق القتل .
وبالجملة: فالضابط ما ذكرنا من صدق عنوان قتل العمد من دون أن يكون عنوان آخر دخيلاً في الحكم ، فلابدّ في الحكم بثبوت القصاص من ملاحظة تحققه ، وعليه ففي جميع المسائل الآتية ليس المدار غير ما ذكر .

1 ـ هذه هي الصورة الأُولى من صور انفراد الجاني بالتسبيب المتلف ، والحكم بثبوت القود في الفرض الأوّل إنّما هو لأجل كون مثل السهم والبندقة من الآلات المؤثِّرة في القتل غالباً ، وعليه فلا فرق بين ما إذا قصد القتل به وبين ما إذا لم يقصد ، لما عرفت من اشتراك كلّ من الفرضين في تحقّق عنوان العمد مع كون الآلة كذلك ، أي مؤثِّرة في القتل غالباً ، لكن لابدّ من تقييد ذلك بما إذا وقع في المقتل ، فإنّه لو أراد برميه غير المقتل فأصاب المقتل ، كما إذا كان المراد من رميه هو الوقوع في الرِجل الذي لا يؤثِّر في القتل نوعاً ، ولكنّه أصاب المقتل على خلاف ما أراد ، فالظاهر عدم تحقّق قتل العمد ، بل لايبعد أن يقال بكونه من مصاديق قتل الخطأ المحض ، فإنّ قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة: «إنّما الخطأ أن تريد شيئاً فتصيب غيره» يشمل بإطلاقه مثل المقام الذي أراد ضرب الرجل فأصاب المقتل ، فإنّه لافرق بينه

(الصفحة26)

مسألة 4 ـ في مثل الخنق وما بعده ، لو أخرجه منقطع النفس أو غير منقطع لكن متردّد النفس فمات من أثر ما فعل به فهو عمد عليه القود1.

مسألة 5 ـ لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالباً لمثله ، ثم أرسله فمات بسببه ، فإن قصد ولو رجاء القتل به ففيه القصاص ، وإلاّ فالدية ، وكذا لو داس بطنه بما لا يقتل به غالباً ، أو غصر خصيته فمات ، أو أرسله منقطع القوة فمات2.


وبين ما إذا أراد قتل حيوان فأصاب إنساناً فقتله .
وهذا التقييد لا يجري في سائر الأمثلة والفروض المذكورة في المتن ، فإنّه بالخنق بالحبل وعدم الإرخاء حتى الموت ، أو الغمس في مثل الماء ومنعه عن الخروج كذلك ، أو جعل رأسه في جراب النورة كذلك أيضاً يتحقّق العنوان الموجب للقصاص من دون تقييد ، ولو لم يقصد القتل به أصلاً .

1 ـ الوجه في ذلك وضوح استناد الموت إلى الخنق والغمس وجعل الرأس في جراب النورة ، ولو كان في حال الإخراج منقطع النفس أو متردّده وبقي مريضاً زمناً حتّى مات ، بل في كشف اللثام: طالت المدّة قدراً يقتل الخنق في مثله غالباً أو  لا(1) . وقد عرفت أنّه لا فرق بين صورة قصد القتل وعدمه بعد كون مثل الخنق مؤثّراً في حصول القتل غالباً .

2 ـ الوجه في التفصيل بين صورة قصد القتل وبين غيرها ظاهر بملاحظة ما ذكرنا ، فإنّه مع كون المفروض عدم تأثير العمل في قتله بحسب الغالب ، كما في

(1) كشف اللّثام : 2 / 440 .

(الصفحة27)

مسألة 6 ـ لو كان الطرف ضعيفاً لمرض أو صغر أو كبر ونحوها ، ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة فالظاهر أنّ فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه ، وإلاّ ففيه التفصيل المتقدّم1.


الأمثلة المذكورة في المسألة الثالثة مع التقييد بالمقدار الذي لا يكون موجباً لقتله كذلك ، وكما فيما لو داس بطنه ـ أي وطئه برجله ـ أو عصر خصيته مع التقييد بالمقدار المذكور ، ولكنّه أثّر في القتل على خلاف الغلبة لا يبقى مجال لتحقّق عنوان قتل العمد إلاّ من ناحية قصد القتل، لاعتبار أحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ في تحقّقه كما عرفت ، وتحقّق القصد مع كون المفروض عدم التأثير في القتل غالباً إنّما هو بنحو الرجاء والاحتمال الناشئ عن التأثير مع وصف الندرة ، كما لايخفى .
ثمَّ إنّه لا فرق في هذه الجهة بين ما إذا تحقّق الموت حينما داس بطنه أو عصر خصيته ، وبين ما إذا أرسله منقطع القوّة فمات ، كما عرفت في المسألة الرابعة .

1 ـ المقصود من هذه المسألة أمران:
أحدهما: أنّه لابدّ في ملاحظة مقدار التأثير ، وأنّه هل يؤثّر في القتل غالباً أم لا ، ومن ملاحظة حال الطرف من جهة القوّة أو الضعف الناشئ عن المرض أو الصغر أو الكبر أو نحوهما ، فربّما يكون الخنق بالحبل مثلاً في زمان قليل مؤثِّراً في قتل الضعيف نوعاً ، ولا يؤثّر في هذا المقدار من الزمان في قتل القويّ كذلك ، فاللاّزم ملاحظة حال الطرف من هذه الجهة .
ثانيهما: إنّ الملاك ليس هو الضعف الواقعي بمجرّده ، بل العلم بثبوت هذا الضعف فيه ، فلو كان بحسب الواقع ضعيفاً ولكنّه كان الجاني جاهلاً بذلك لا يكاد

(الصفحة28)

مسألة 7 ـ لو ضربه بعصا مثلاً فلم يقلع عنه حتّى مات ، أو ضربه مكرّراً ما لا يتحمّله مثله بالنسبة إلى بدنه ، ككونه ضعيفاً أو صغيراً ، أو بالنسبة إلى الضرب الوارد ، ككون الضارب قويّاً ، أو بالنسبة إلى الزمان ، كفصل البرودة الشديدة مثلاً فمات فهو عمد1.


يتحقّق قتل العمد إذا لم يكن قاصداً للقتل . والوجه فيه عدم صدق العنوان الموجب للقود مع الجهل بالحال . وإن كان يظهر الاستشكال فيه من بعض أو الميل إلى العدم ، كما من صاحب الجواهر(1) بناء على ما رجّحه من التوسعة في قتل العمد ، كما عرفت .

1 ـ المقصود من هذه المسألة التنبيه على أنّه لابدّ في مثل ضرب العصا من جهة اتّصافه بأنّه يتحمّل أوّلاً من ملاحظة المضروب من جهة الضعف والقوّة ، كما مرّ في المسألة السابقة ، ومن ملاحظة الضارب والضرب الصادر منه ، وأنّه هل يكون قويّاً أو لا ، ومن ملاحظة زمان الضرب وأنّه هل يكون فصل البرودة الشديدة التي يكون تأثير الضرب فيها أكثر من غيره من الفصول .
وهذا الفرض من الضرب بالعصا ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى القاعدة أنّ حكمه هو القصاص لتحقّق موجبه الذي هو قتل العمد ـ قد ورد فيه بعض الروايات .
مثل: رواية الحلبي وأبي الصباح الكناني جميعاً قال: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ، ولكن يجيز عليه بالسيف(2) . فإنّ الظاهر أنّ

(1) جواهر الكلام : 42 / 17 ـ 18  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 2  .

(الصفحة29)



مورد السؤال هي صورة عدم قصد القتل بقرينة السؤال الحاكي عن وجود شبهة موجبة له ، ومن الواضح أنّه لو فرض ثبوت القصد مع كون العمل مؤثِّراً في القتل لا مجال للشبهة أصلاً ; لأنّه المورد الظاهر من قتل العمد . فنفس السؤال قرينة على عدم ثبوت قصد القتل بوجه ، وعلى تقدير التنزّل فمقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب عدم الفرق بين صورتي القصد وعدمه ، وعلى أيّ تقدير فالرواية تدلّ على حكم المقام ، وأنّه هو ثبوت العمد ولو مع عدم  القصد .
ومرسلة يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قال: إن ضرب رجل رجلاً بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يشبه العمد فالدية على القاتل ، وإن علاه وألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتّى يقتله فهو عمد يقتل به ، وإن ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثم مكث يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد(1) . بناء على أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «وإن علاه» ليس إذاكان قاصداً للقتل ، وإن كان قوله (عليه السلام) : «حتّى يقتله» مشعراً بذلك ، لأنّه ظاهر في أنّ الفرق بين هذا الفرض وبين الفرض الأوّل المذكور في الرواية ليس إلاّ في مجرّد كون مورد الفرض الأوّل هو الضرب بمثل العصا ضربة واحدة من دون أن يكون مقروناً بقصد القتل ، ومورد الفرض الثاني هو الضرب مع الإلحاح والتكرّر المنجرّ إلى الموت .
فلو كان المفروض في هذه الصورة تحقّق قصد القتل أيضاً يلزم ثبوت الاختلاف بين الفرضين من وجهين ، وهو خلاف ظاهر الرواية ، وعليه فيكون قوله (عليه السلام) : «حتّى يقتله» في هذه الرواية بمعنى قوله (عليه السلام) : «حتّى مات» في الرواية الأُولى ،

(1) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5  .

(الصفحة30)

مسألة 8 ـ لو ضربه بما لا يوجب القتل فأعقبه مرضاً بسببه ومات به فالظاهر أنّه مع عدم قصد القتل لا يكون عمداً ولا قود ، ومع قصده عليه القود1.


فالإنصاف ظهور الروايتين في أنّ الضرب المؤثِّر في القتل نوعاً موجب لتحقِّق موجب القصاص ، وإن لم يكن مقروناً بقصد القتل .

1 ـ وربما يقال بثبوت عنوان قتل العمد الموجب للقصاص في المقام وإن لم يكن مقروناً بقصد القتل ، قال في المسالك في وجهه: لأنّ ضربه وإن لم يكن قاتلاً غالباً ولا قصده ، إلاّ أنّ إعقابه للمرض الذي حصل به التلف صيّر الأمرين بمنزلة سبب واحد ، وهو ممّا يقتل غالباً; وإن كان الضرب على حدته مما لايقتل . ويؤيّده ما سيأتي من أنّ سراية الجرح عمداً يوجب القود وإن كان الجرح قاتلاً ، وهذا من أفراده; لأنّ المرض مسبَّب من الجرح ، ومنه نشأ الهلاك ، فكان في معنى السراية . وبهذا الحكم صرّح في القواعد(1) والتحرير(2) .
ولكنّه استشكل فيه بقوله: ولا يخلو من إشكال ، لأنّ المعتبر كما تقدّم إمّا القصد إلى القتل أو فعل ما يقتل غالباً ، والمفروض هنا خلاف ذلك ، وإنّما حدث القتل من الضرب والمرض المتعقب له ، والمرض ليس من فعل الضارب ، وإن كان سبباً  فيه(3) .
وأمّا صاحب الجواهر فقد اختار فيها(4) أنّه عمد مطلقاً ، نظراً إلى مسلكه من

(1) قواعد الأحكام: 2 / 278  .
(2) تحرير الأحكام: 2 / 241  .
(3) مسالك الأفهام: 15 / 70  .
(4) جواهر الكلام: 42 / 24  .

(الصفحة31)



عدم اعتبار قصد القتل ولا كون الشيء ممّا يقتل مثله غالباً ، إذ هو عمد إلى القتل ، لا قتله عامداً ، والعنوان في الأدلّة الثاني لا الأوّل . وذكر أنّ ما في بعض النصوص من عدم تحقّق العمد فيما إذا ضرب ضربة بالعصا فمات المضروب إنّما هو على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على مورده ، وأمّا المقام فلم يدلّ دليل على خروجه ، فيبقي تحت القاعدةويحكم بكونه عمداً ، والحكم بثبوت القود في مورد سراية الجرح غير القاتل إنّما هو لهذه الجهة ، لا لأجل كونه بسبب السراية يصير ممّا يقتل مثله.
والحقّ أن يقال ـ بناءً على ما اخترناه من اعتبار أحد الأمرين في تحقّق عنوان العمد على سبيل منع الخلوّ ، ولازمه كون ما ورد في الضربة بالعصا من النصوص الدالّة على أنّه يشبه العمد إنّما هو على وفق القاعدة لا على خلافها ـ  : إنّ اللاّزم في المقام التفصيل في صورة عدم قصد القتل ابتداءً وأصالة ، بين ما إذا علم الضارب بأنّ ضربه يعقب المرض وأنّه يؤثّر في القتل غالباً ، وبين صورة الجهل بذلك ، ففي الصورة الأولى لا ينفكّ علمه بذلك عن قصد القتل تبعاً; لوضوح أنّه مع العلم بأنّ ضربه معقِّب للمرض الذي يترتّب عليه الموت كيف لا يكون قاصداً للقتل تبعاً ، ولو لم يقصده بالأصالة .
وأمّا في صورة الجهل فلا وجه لتحقّق عنوان العمد ، بعدما كان الصادر منه هو الضربة الواحدة غير المؤثِّرة في القتل غالباً ، وإعقابها للمرض المؤثّر فيه لم يكن معلوماً له بوجه . وقد مرّ في المسألة السادسة أنّ ثبوت القصاص في ضرب الضعيف المؤثّر في قتله إنّما هو فيما إذا كان الضارب عالماً بضعفه ، ولا يشمل صورة الجهل ، فالمقام أيضاً من هذا القبيل . ولعلّ الحكم بثبوت العمد في مورد سراية الجرح غير القاتل إنّما هو في خصوص صورة العلم بالسراية المؤثرة في القتل دون الأعمّ منها ومن صورة الجهل . وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى .


(الصفحة32)

مسألة 9 ـ لو منعه عن الطعام أو الشراب مدّة لا يحتمل لمثله البقاء فهو عمد وإن لم يقصد القتل ، وإن كان مدّة يتحمّل مثله عادة ولا يموت به لكن اتفق الموت ، أو أعقبه بسببه مرض فمات ففيه التفصيل بين كون القتل مقصوداً ولو رجاءً أو لا1.

مسألة 10 ـ لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتّى مات قتل به ، ولو لم يخرج منها عمداً وتخاذلاً فلا قود ولا دية قتل ، وعليه دية جناية الإلقاء في النار ، ولو لم يظهر الحال واحتمل الأمران لا يثبت قود ولا  دية2.


1 ـ لا إشكال في ثبوت العمد الموجب للقصاص في الفرض الأوّل وإن لم يقصد القتل ، لأنّ المفروض عدم تحمّل مثله من جهة السنّ والحال وغيرهما; للممنوعية عن الطعام أو الشراب في تلك المدة .
كما أنّه لا إشكال في عدم تحقّق العمد مع عدم قصد القتل فيما إذا كان المنع مدّة يتحمّل مثله عادة ولا يموت به غالباً ، ولكن تحقّق الموت على سبيل المصادفة والإتفاق ، كضربة واحدة بمثل العصا ، وأمّا فيما إذا أعقب مرضاً وصار المرض سبباً للموت فاللاّزم بمقتضى ما مرّ في المسألة المتقدّمة التفصيل مع عدم قصد القتل ، بين صورة علمه بذلك وأنّ المنع يعقب مرضاً كذلك ، فيتحقّق العمد لثبوت قصد القتل لا محالة ولو تبعاً; وبين صورة الجهل بذلك ، فلا وجه للقصاص لعدم تحقّق العمد بوجه .

2 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما لو طرحه في النار ، ولكنّه كان عاجزاً عن الخروج مع العلم بذلك أو

(الصفحة33)



منعه عنه حتّى مات ، ولا إشكال فيه في ثبوت القود ، لتحقّق موجبه الذي هو قتل العمد ، لكون العمل مؤثِّراً في القتل والموت من دون فرق بين صورة العجز وصورة المنع ، وهذا واضح .
الثاني: ما لو طرحه في النار ولكنّه كان قادراً على الخروج ، ومع ذلك لم يخرج منها عمداً وتخاذلاً ، ولا ينبغي الإشكال في عدم استناد القتل في هذا الفرض إلى الملقي ، بل هو مستند إلى البقاء الذي هو فعل اختياريّ للمطروح ، ضرورة أنّه لو لم يختر المكث والبقاء لما تحقّق الموت أصلاً ، فالموت مستند إلى نفسه لا محالة ، ولا يستند إلى عمل الملقي الذي هو مجرّد الإلقاء الذي لا يترتّب عليه الموت . ومنه يظهر أنّه كما لا مجال للقصاص في هذا الفرض ، لا يثبت دية أيضاً; لأنّ ثبوت الدية فرع الاستناد ، ولو كان بنحو الخطأ أو شبه العمد ، والمفروض انتفاء الاستناد رأساً . نعم لو ترتّب على مجرّد الإلقاء جناية تجب ديتها على الملقي ، ولكنّها لا ترتبط بالقتل الموجب للقصاص أو الدية .
ثمّ إنّ الفرق بين هذه الصورة ، وبين ما إذا كان قادراً على المعالجة والمداواة ، ولكنّه تركها اختياراً حتّى مات ـ الذي ادّعى صاحب الجواهر (قدس سره)(1) فيه الاتفاق على الضمان ـ هو أنّه مع ترك المعالجة وإن كان يتحقّق التقصير بملاحظة عدم رعاية حفظ النفس الواجب عليه لأنّ المفروض القدرة عليه ، إلاّ أنّه لا يوجب استناد الموت إلى التارك لها ، بل الموت مستند إلى مثل الجارح ، فإنّ الجرح صار سبباً لتحقق الموت ، وإن كان المجروح قادراً على إيجاد المانع بسبب المعالجة ، إلاّ أنّ استناد الموت إنّما هو إلى المقتضي والسبب دون عدم المانع . وهذا كما لو كان من يراد

(1) جواهر الكلام: 42 / 27 .

(الصفحة34)



قتله قادراً على الفرار ولكنّه لم يفرّ ، فقتل ، فإنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ القتل إنّما يكون مستنداً إلى القاتل لا إلى المقتول ، باعتبار القدرة على الفرار المانع عن تحقّق القتل . وهذا بخلاف المقام فإنّ الموت مستند إلى البقاء في النّار اختياراً ، ولا مجال لاستناده إلى الإلقاء .
وبعبارة أُخرى: السبب في المقام هو البقاء ، وإن كان اختياره متفرّعاً على الإلقاء ، بمعنى أنّه لولا الإلقاء لما اختار البقاء ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب الإستناد إلى الإلقاء بوجه .
الثالث: صورة الشك في أنّ عدم الخروج هل كان مستنداً إلى العجز أو ناشئاً عن التعمّد والتخاذل ، وفيه وجهان ، بل قولان . يظهر القول بثبوت القصاص من المحقّق في الشرائع ، حيث قال: «لو طرحه في النار فمات قتل به ، ولو كان قادراً على الخروج لأنّه قد يشدّه ، ولأنّ النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة ، فلا يتيسر الفرار»(1) .
وليس مراده من القدرة على الخروج هي القدرة عليه المساوقة للتعمّد والتخاذل ، لأنّه مضافاً إلى وضوح عدم ثبوت القصاص في مورد التعمّد لا يلائمه التعليل ، لأنّ ظاهره أنّ الدهشة الحاصلة وكذا تشنّج الأعصاب بالملاقاة ربّما يمنع عن الفرار ، فالمفروض صورة الشك ، والتعميم إنّما هو بلحاظ هذه الصورة .
ويظهر من العلاّمة في القواعد عدم ثبوت القصاص ، قال: «وإن تركه في نار فتمكّن من التخلّص منها لقلّتها أو لكونه في طرفها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج فلا قصاص ، وفي الضمان للدية إشكال ، أقربه السقوط ، إن علم أنّه ترك

(1) شرائع الإسلام: 4 / 972  .

(الصفحة35)



الخروج تخاذلاً; ولو لم يعلم ذلك ضمنه ، وإن قدر على الخروج ، لأنّ النار قد ترغبه وتدهشه وتشنج أعضائه بالملاقاة فلا يظفر بوجه المخلّص»(1) .
فإنّ التفصيل في الدية بين صورة العلم بالتخاذل وصورة الشكّ فيه مع إطلاق الحكم بعدم ثبوت القصاص يعطي عموم الحكم بالعدم فيه ، وإن كان ظاهر صدر العبارة يشعر بالاختصاص بصورة العلم بالتخاذل ، كما لا يخفى .
وقد ذكر الشهيد في المسالك في وجه ثبوت القصاص في المقام: أن السبب المقتضي للضمان وهو الإلقاء متحقّق  ، مع الشك في المسقط ، وهو القدرة على الخروج مع التهاون فيه ، ولا يسقط الحكم بثبوت أصل القدرة ما لم يعلم التخاذل عن الخروج ، لاحتمال أن يعرض له ما يوجب العجز من دهشة وتحيّر ، أو تشنّج أعضائه ونحو ذلك(2) .
ويرد عليه أنّه لم يدلّ دليل على سببيّة الإلقاء للضمان ، ومن الواضح افتقار السببية إلى جعل الشارع وقيام الدليل . وقد حقّقنا في الأصول أنّ الأحكام الوضعيّة بأجمعها مجعولة للشارع ، غاية الأمر أنّ تعلّق الجعل ببعضها ربّما يكون بجعل منشأ انتزاعه ، وإن كان يمكن فيه الجعل مستقلاًّ أيضاً .
وبالجملة: اقتضاء الإلقاء بمجرّده للضمان وسببيّته له لم يدلّ عليه دليل بوجه ، فلا مجال لما في المسالك .
مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ مراده من المسقط هو المانع ، وعليه لا يحكم بترتّب المقتضى ـ بالفتح ـ مع إحراز المقتضي ـ بالكسر ـ والشكّ في وجود المانع .


(1) قواعد الأحكام: 2 / 279  .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 73  .

(الصفحة36)



ويظهر من كاشف اللّثام في وجه ترديد القواعد في الحكم بالدية ما يجري في القصاص أيضاً . قال: «ومبنى الوجهين على تعارض ظاهرين وأصلين ، فإنّ الظاهر من حال الإنسان أنّه لا يتخاذل عن الخروج حتى يحترق ، وظاهر النار المفروضة سهولة الخروج عنها ، وأنّه لا يحترق بها إلاّ من تعمّد اللّبث فيها ، والأصل براءة الذمّة ، والأصل عدم الشركة في الجناية(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى المناقشة في مثل أصالة عدم الشّركة في الجناية ، فإنّ الشركة فيها ليست لها حالة سابقة وجودية أو عدميّة، مع أنّ هذا الأصل لا يثبت استقلال المُلقى، إلاّ على القول بالأصل المثبت الذي هو على خلاف التحقيق ، وأنّ الشك ليس في الشركة وعدمها ، بل في استقلال المُلقى في الجناية واستقلال المطروح في النار فيها ، فالترديد إنّما هو في استقلال المُلقى أو المطروح ـ أنّ ما هو العمدة في الحكم بعدم القصاص هو عدم إحراز موضوع الحكم بالقصاص ، وهو قتل العمد ، فإنّه مع احتمال كون الموت ناشئاً عن البقاء الإختياري في النار ـ ومعه لا يستند الموت إلى المُلقى بوجه ـ يشك في استناد القتل إليه وصدوره منه ، ومع الشك في صدور القتل منه وعدمه لم يحرز عنوان قتل العمد الّذي يعتبر فيه أوّلاً إضافة القتل إلى من يراد قصاصه ، ومع الشكّ في ذلك وعدم إحرازه لا يبقى مجال لترتيب الحكم بالقصاص.
فالعمدة في مبنى المسألة ما ذكرنا من عدم إحراز الموضوع والشك في تحقّقه ، ومنه يظهر أنّه كما لا وجه للقصاص في هذه الصورة التي هي فرض الشك ، لا وجه لثبوت الدية أيضاً ، لأنّ موضوعها هو القتل المضاف إلى من يراد أخذ الدية منه أو

(1) كشف اللثام: 2 / 441  .

(الصفحة37)

مسألة 11 ـ لو ألقاه في البحر ونحوه فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتى مات قتل به ، ومع عدم خروجه عمداً وتخاذلاً أو الشكّ في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة ، ولو اعتقد أنّه قادر على الخروج لكونه من أهل فنّ السباحة فألقاه ثمّ تبيّن الخلاف ولم يقدر الملقي على نجاته لم يكن عمداً1.

مسألة 12 ـ لو فصده ومنعه عن شدّه فنزف الدّم ومات فعليه القود ، ولو فصده وتركه فإن كان قادراً على الشدّ فتركه تعمّداً وتخاذلاً حتى مات فلا قود ولا دية النفس ، وعليه دية الفصد ، ولو لم يكن قادراً فإن علم الجاني ذلك فعليه القود ، ولو لم يعلم فإن فصده بقصد القتل ولو رجاءً فمات فعليه القود ظاهراً ، وإن لم يقصده بل فصده برجاء شدّه فليس عليه القود ، وعليه دية شبه العمد2.


من عاقلته ، مع أنّ إضافته إليه مشكوكة كما هو المفروض . فالتحقيق يقتضي الحكم بعدم ثبوت الدية أيضاً ، كما في المتن .

1 ـ هذه المسألة مشتركة مع المسألة السابقة في الفروض الثّلاثة ، التي عرفت ثبوت القصاص في الفرض الأوّل وعدم ثبوت القصاص ولا الدية في الفرضين الآخرين ، وتشتمل على فرض رابع وهو: صورة اعتقاد المُلقي قدرة المُلقى على الخروج ، لكونه من أهل فنّ السباحة ، ثم تبيّن الخلاف بعد الإلقاء ، ولم يقدر المُلقي حينئذ على نجاته . والظاهر عدم كونه عمداً ، لأنّ المفروض عدم قصد القتل وعدم كون العمل مؤثراً في القتل بحسب اعتقاد المُلقي . وقد مرّ اعتبار العلم بذلك في تحقّق عنوان العمد ، فلا مجال للقصاص ، بل عليه الدية لكونه شبه العمد .

2 ـ أمّا ثبوت القود في الفرض الأوّل ، فلثبوت قتل العمد المتحقّق بمجموع

(الصفحة38)

مسألة 13 ـ لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً ، فإن كان ذلك ممّا يقتل به


الفصد والمنع عن الشدّ اللّذين هما فعلان اختياريان للفاصد ، وأمّا عدم ثبوت القود ولادية النفس في الفرض الثاني فلاستناد الموت إلى النزف الناشئ عن عدم الشدّ مع القدرة عليه وتركه تعمّداً وتخاذلاً ، وليس عدم الشدّ مماثلاً لترك المعالجة الذي قد عرفت الإتفاق على الضمان فيه ، وذلك لأنّ شدّة النزف ودوامه سبب للموت ومقتض له ، لا أصل الفصد بمجرده ، بخلاف ترك المعالجة الذي هو بمنزلة عدم المانع ، فالمقام إنّما هو كالبقاء في النار في المسألة المتقدّمة عمداً مع كون البقاء متفرّعاً على الإلقاء ، ولو لم يكن إلقاء لما اختار البقاء ، وهذا بخلاف ترك المعالجة كما لا يخفى . فلا قصاص ولا دية للقتل .
نعم لا إشكال في ثبوت دية الفصد ، لأنّ المفروض في أصل المسألة تحقّقه ظلماً وعدواناً ، كما في الإلقاء في البحر أو النّار ، أو منع الطعام أو الشراب ، أو مثلها في المسائل المتقدمة ، فإنّ المفروض في الجميع صورة تحقّق العمل بنحو العدوان والظلم المحرّم .
وأمّا ثبوت القود في الفرض الثالث ، فلأنّ عدم القدرة على الشدّ يوجب اتّصاف الفصد بكونه مؤثِّراً في القتل غالباً ، والمفروض العلم بذلك ، فلا إشكال في القصاص .
وأمّا التفصيل في الفرض الرابع ، وهو صورة عدم العلم بعدم القدرة الشامل لصورة الاعتقاد بالقدرة وصورة الشك فيها ، فلأنّ العمل حينئذ لا يكون مؤثِّراً في القتل على اعتقاده أو لم يحرز تأثيره فيه ، فاللاّزم أن يقال بأنّه إن كان العمل ناشئاً عن قصد القتل ولو رجاءً فهو عمد يوجب القصاص ، وإن لم يكن كذلك فلا قود ، بل الثابت هي دية شبه العمد ، كما هو ظاهر .


(الصفحة39)

غالباً ولو لضعف المُلقى عليه لكبر أو صغر أو مرض فعليه القود ، وإلاّ فإن قصد القتل به ولو رجاءً فكذلك هو عمد عليه القود ، وإن لم يقصد فهو شبه عمد ، وفي جميع التقادير دم الجاني هدر ، ولو عثر فوقع على غيره فمات فلا شيء عليه لا دية ولا قوداً ، وكذا لا شيء على الّذي وقع عليه1.


1 ـ هنا فروع تعرّض المتن لاثنين منها:
الأوّل: ما لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً ، ولابدّ في ثبوت القصاص فيه من ملاحظة الأمرين المعتبرين في قتل العمد على سبيل منع الخلوّ ، وهما: قصد القتل بسببه ولو رجاءً; وكون العمل ممّا يقتل به غالباً ولو مع ملاحظة وصف المُلقى عليه من جهة الكبر أو الصغر أو المرض ، وملاحظة حال الملقي من جهة القوّة ومثلها ، وكيفية الإلقاء والوقوع عليه ، ومقدار العلوّ والارتفاع وغيرها من الاُمور التي لها مدخليّة . فإن تحقّق واحد من الأمرين يثبت القصاص ، وإلاّ فهو شبه عمد ، لكون نفس العمل مقصوداً يثبت فيه الدية على نفسه ، وفي جميع هذه الفروض الثلاثة يكون دم المُلقي الذي هو الجاني هدراً . والظاهر أنّه على تقدير موته وموت المُلقى عليه ينتفى موضوع القصاص ويثبت الدية في ماله ، كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى .
الثاني: ما لو عثر فوقع على غيره من دون اختيار فمات الغير أو مات هو نفسه أو ماتا معاً ، والظاهر عدم ثبوت شيء فيه ، لا دية ولا قوداً أصلاً . والوجه فيه عدم صدور فعل من الواقع ولا من الذي وقع عليه بوجه أصلاً ، لأنّ المفروض أنّه عثر قهراً ووقع كذلك ، فالموت مطلقا لا يكون مستنداً إلى واحد منهما حتى يتّصف بكونه عمداً أو شبه عمد أو خطأ . ويدلّ على ذلك مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة روايات متعدّدة:


(الصفحة40)



مثل: رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وقع على رجل فقتله؟ فقال: ليس عليه شيء(1) . والظاهر أنّ المراد هو الوقوع من غير اختيار .
ورواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام)  ، قال في الرجل يسقط على الرجل فيقتله ، فقال: لا شيء عليه . وقال: من قتله القصاص فلا دية له(2) .
ورواية أُخرى لعبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما؟ قال: ليس على الأعلى شيء ولا على الأسفل شيء(3) . والظاهر اتّحادها مع الرواية الأُولى ، وإن كان بينهما اختلاف .
ورواية ابن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، في الرجل يقع على رجل فيقتله فمات الأعلى ، قال: لا شيء على الأسفل(4) . والظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «فيقتله» هو إرادة قتله ، وإن كان يبعّده أنّ مجرّد إرادة القتل مع عدم تحقّقه لا يترتّب عليه أثر من هذه الجهة .
الثالث: الذي لم يقع التعرّض له في المتن ، ما لو دفعه الغير و وقع على آخر وتحقّق موته أو موت الآخر أو كليهما ، والظاهر عدم ثبوت شيء من القصاص أو الدية على الواقع المدفوع ، وكذا على الآخر الذي وقع عليه ، لعدم تحقّق فعل منهما بوجه أصلاً ، لأنّ الدفع الموجب للوقوع إنّما هو عمل الدافع ، ولا ارتباط له بالآخرين أصلاً ، فلا مجال لثبوت شيء عليهما .
وأمّا الدافع ، فلابدّ في ثبوت القصاص عليه من ملاحظة تحقّق واحد من

(1) وسائل الشيعة: 19 / 40 ، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 1  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 41 ، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 2 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 41 ، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 3  .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 41 ، أبواب القصاص في النفس ب 20 ح 4  .
<<التالي الفهرس السابق>>