في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)



والظاهر أنّ قوله (عليه السلام) في صدر الرواية: «من قِبَل» بكسرالقاف وفتح الباء ، لا بفتح القاف وسكون الباء ، فمفاده أنّ مشروعية القسامة كان من ناحية رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولا سابقة لها قبل الإسلام ، وهذه الرواية هي التي أشرنا إليها في أوّل البحث .
وموردها إن كانت صورة تحقّق اللّوث والتهمة إلاّ أنّ دلالتها على اعتبارها في القسامة ممنوعة ، سيّما مع إطلاق كلام الإمام (عليه السلام) بعد نقل القصة الواقعة بخيبر ، فإنّ ظاهره أنّ مسألة الدّم لها خصوصية من جهة اعتبار القسامة من دون مدخلية أمر آخر ، والتفصيل في الذيل في الدية بين ما إذا وجد المقتول في القرية ، وبين ما إذا وجد في أرض فلاة ، بلزومها على أهل القرية في الأوّل ، ولزوم أدائها من بيت المال في الثاني ، لعلّه يستفاد منه عدم اعتبار اللّوث ، فتدبّر .
ومنها: صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القسامة؟ فقال: هي حقّ ، إنّ رجلاً من الأنصار وجد قتيلاً في قليب من قلب اليهود ، فأتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقالوا: يا رسول الله إنّا وجدنا رجلاً منّا قتيلاً في قليب من قلب اليهود ، فقال: ائتوني بشاهدين من غيركم ، قالوا: يا رسول الله ما لنا شاهدان من غيرنا ، فقال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) : فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم ، قالوا: يا رسول الله كيف نقسم على ما لم نرَ؟ قال: فيقسم اليهود ، قالوا: يا رسول الله كيف نرضى باليهود وما فيهم من الشرك أعظم ، فودّاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
قال زرارة : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّما جعلت القسامة احتياطاً لدماء الناس ، كيما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلاً أو يغتال رجلاً حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل(1) .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 117 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 10 ح 3 .

(الصفحة222)



وذكر الفاسق في مقام التعليل لا دلالة له على اعتبار اللّوث ، بعد احتمال أن يكون لأجل عدم صدور القتل من غير الفاسق نوعاً ، كما تقدّم .
ومنها: صحيحة مسعدة بن زياد ، عن جعفر (عليه السلام) قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه ، حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً ، ثمّ تؤدّى(1) الدّية إلى أولياء القتيل ، ذلك إذا قتل في حيّ واحد ، فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال(2) .
والظّاهر أنّ التعبير عن المدّعى عليه بالمتّهم كما في الرواية لا دلالة له على اعتبار الاتّهام في القسامة ، وأمّا التفصيل في الذيل فسيأتي البحث في المراد منه .
ومنها: موثّقة زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشرّ المتّهم ، فإن شهدوا عليه جازت شهادتهم(3) .
وقد جعله في الجواهر(4) أظهر من الرواية المتقدّمة في الدلالة على اعتبار اللّوث ، وإن حكم بعده بعدم ظهورها فيه كالرواية السابقة ، ولعلّ الوجه فيه أنّ ذيل الرواية الظاهر في جواز الشهادة على المتّهم بعد القسامة كما يظهر من التفريع ظاهر في أنّ المراد بالقسامة في الصدر هي الأيمان المتوجّهة إلى المدّعى عليه ، لا الأيمان الثابتة ابتداء على المدّعي ، وعليه فالتغليظ فيها بلحاظ الرجل الكذائي الذي يفرّ من القتل الذي صدر منه لا دلالة له على انحصار مورد الأيمان بذلك .


(1) كذا في التهذيبين ، ولكن في كلا طبعتي الوسائل : يؤدّي .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 115 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 6 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 116 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 7 .
(4) جواهر الكلام: 42 / 231 .

(الصفحة223)



وبعبارة أُخرى مرجع الرواية إلى أنّ التغليظ في ناحية المدّعى عليه إنّما هو لئلاّ تتحقّق الأيمان منه إذا فرض صدور القتل منه ، وهذا لا يلازم اختصاص مشروعية القسامة بخصوص مثل الرّجل ، كما لا يخفى .
ومنها: رواية ابن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط يحتاط على الناس ، لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص(1) . وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا دلالة لها أيضاً على اعتبار اللّوث .
هذا ، ولكن لا تنبغي المناقشة في أصل اعتباره ، وإن كانت دلالة الروايات عليه بالظهور ممنوعة ، لكون المورد في كثير منها صورة وجود اللّوث ، كما في واقعة خيبر ، والمطلقات إنّما يكون إطلاقها لبيان أصل المشروعية لا في مقام بيان ثبوتها بنحو الإطلاق .
فاللاّزم الاقتصار على القدر المتيقّن ، خصوصاً بعد ملاحظة كون القسامة مخالفة للقاعدة من وجوه ، لأنّ مقتضاها ثبوت اليمين على المنكر دون المدّعي . مضافاً إلى عدم تعدّد الحلف في مورد سوى القسامة ، كما أنّه لا مجال لجواز حلف الإنسان لإثبات حقّ غيره ، وغيره من الوجوه المخالفة للقاعدة . وعليه فلابدّ في إثبات إطلاقها من وجود دليل قويّ عليه ، والظاهر أنّه غير موجود في المقام ، فلا محيص عن اعتبار اللّوث ، وقد عرفت في أوّل البحث دعوى الإجماع عليه .
ويؤيّده أنّك عرفت في بعض الروايات أنّ مشروعيّة القسامة إنّما هي للاحتياط في دماء المسلمين ، والاحتياط فيها يقضي باعتبار اللّوث فيها ، وإلاّ فربّما يدّعي الفاسق الفاجر القتل على مؤمن ، ويأتي بالأيمان لإثباتها مع عدم وجود أمارة ظنّية على صدقه في دعواه بوجه ، وعليه فلو أخذ به يلزم بطلان دم المسلم كما لايخفى ،

(1) وسائل الشيعة: 19 / 116 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 9 .

(الصفحة224)

مسألة 1 ـ لو وجد في قرية مطروقة فيها الإياب والذهاب أو محلّة منفردة كانت مطروقة فلا لوث ، إلاّ إذا كانت هناك عداوة فيثبت اللّوث1.


فمقتضى الاحتياط في الدماء اعتبار اللّوث أيضاً .
وأمّا معنى اللّوث ، فهو كما عرفت هي التّهمة الحاصلة بسبب الأمارات الظنّية عند الحاكم الحاكمة بصدق المدّعي في دعواه ، وأمّا المدّعي فاللأزم أن يدّعي بصورة الجزم ، لأنّ الجزم من شروط سماع الدعوى وقابليّتها للطرح عند الحاكم . والظاهر أنّ المراد من الظنّ هو الظنّ الشخصي الحاصل للحاكم . فاللاّزم محلاظة حصوله ، والاُمور المذكورة في المتن إنّما يوجب حصول الظنّ نوعاً ، وإذا لم يوجب في مورد فالظاهر عدم تحقّق اللّوث في ذلك المورد . وبعبارة أخرى: الملاك هو الظنّ الشخصي الحاصل من أيّ سبب ، ولا مدخلية لخصوصية سبب . والظاهر أيضاً أنّه ليس من شأن الفقه والفقيه بيان موارد اللّوث وتمييزها عن غيرها ، بعد وضوح الضابطة الكلّية وعدم ثبوت التعبّد في هذه الجهة أصلاً .

1 ـ لا خفاء في أنّه مع عدم ثبوت العداوة لا يكون هناك لوث ، لأنّ المفروض أنّ القرية أو المحلّة مطروقة ، ويجري فيها الإياب والذهاب من غير أهلها ، وهذا بخلاف ما لا يدخل فيها غير أهلها ، كما ذكره في المتن من موارد ثبوت اللوث وحصول التهمة ، كما أنّه يظهر انّه لو كانت المحلّة يدخلها غير أهلها نهاراً لا ليلاً ، فإن وجد قتيلاً فيها ليلاً يثبت اللّوث دون النهار ، وكذا العكس ، ولا يعتبر في هذه الصورة العداوة بوجه ، وإن كان محكيّاً عن جماعة(1) ، ولكن سيأتي في المسألة

(1) منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 459 وابن فهد في المهذّب البارع: 5 / 214 والشهيد في المسالك: 15/199 .

(الصفحة225)

مسألة 2 ـ لو وجد قتيل بين القريتين فاللّوث لأقربهما إليه ، ومع التساوي فهما سواء في اللّوث ، نعم لو كان في إحداهما عداوة فاللّوث فيها وإن كانت  أبعد1.


الثانية الآتية أنّ ضمان أهل القرية الذين وجد القتيل فيهم لا يرتبط بمسألة اللّوث ، فانتظر .

1 ـ قد تعرّض لهذه المسألة المحقّق في الشرائع(1) ، وجعل الملاك في اللوث وعدمه هو القرب والبعد ، من دون التعرّض لعنوان العداوة أصلاً ، وحكى في الجواهر عن صاحب الغنية الإجماع عليه(2) ، ثم استدلّ عليه بروايات متعدّدة(3) .
ولابدّ في هذه المسألة وكذا السابقة من ملاحظة الروايات الواردة في الباب ، ليظهر أنّها هل تدلّ على ارتباط مسألة ضمان أهل القرية بمسألة اللّوث أم لا؟
فنقول: منها ذيل صحيحة بريد المتقدّمة في أصل البحث ، وهو قوله(صلى الله عليه وآله): وإلاّ ـ أي وإن لم يحلف المدّعي ـ حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً ، وإلاّ اُغرموا الدّية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون(4) .
فإنّه يدلّ على أنّه مع نكول المدّعى عليه عن الحلف يجب عليه أداء الدية ـ أي من ماله ـ إذا كان القتيل قد وجد بين أظهرهم ، أي في قريتهم أو محلّتهم مثلاً .

(1) شرائع الإسلام: 4 / 996  .
(2) غنية النزوع: 414 ـ 415  .
(3) جواهر الكلام: 42 / 233  .
(4) تقدّمت في ص219 .

(الصفحة226)



وظاهره أنّ وجوب أداء الدية إنّما هو لأجل كون القتيل قد وجد كذلك ، لا لأجل ثبوت اللّوث وكونهم متّهمين كما هو مقتضى ثبوت القسامة عليهم . وبعبارة أُخرى ظاهر الرواية أنّه بمجرّد النكول والإباء عن الحلف يرتفع موضوع القسامة وخصوصياتها ، ويثبت حكم آخر وهو ضمان الدية مع وجدان القتيل بين أظهرهم ، وهذا أمر لا يرتبط بالقسامة وباللّوث المعتبر فيها ، كما لايخفى .
ومنها: ذيل رواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً ، وهو قوله (عليه السلام) : وإن لم يقسموا ـ أي المدّعون ـ فإنّ على الذين ادّعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً ، فإن فعلوا أدّى أهل القرية الذين وجد فيهم ، وإن كان بأرض فلاة أدّيت ديته من بيت المال ، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا يبطل دم امرىء مسلم(1) .
والظاهر أنّ المراد من أهل القرية غير المدّعى عليهم ، ويدلّ عليه التصريح بفاعل «أدّى» مع أنّ مقتضى الجمع بينها وبين سابقتها ذلك كما هو ظاهر ، وعليه فلا معارضة بين هذه الرواية وبين الرواية المتقدّمة ، كما أنّه عليه يكون أهل القرية غير داخلين في مسألة القسامة واللوث ، بل الحكم بضمانهم ولزوم الدية عليهم لأجل مجرّد وجدان القتيل فيهم ، كما أنّه لو وجد بأرض فلاة تثبت ديته على بيت المال .
ومنها: صحيحة مسعدة المتقدّمة أيضاً قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه ، حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً ، ثمّ تؤدّى الدية إلى أولياء القتيل ، ذلك إذا قتل في حيّ واحد ، فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته

(1) تقدّمت في ص220 .

(الصفحة227)



تدفع إلى أوليائه من بيت المال(1) .
وظاهرها لزوم الدية على المتهمين مع حلفهم بالنحو المذكور ، وهذا ينافي ما تقدّم ، ومقتضى الجمع حمل الذيل على كون المتّهمين غير أهل الحي الواحد ، الذي وجد القتيل فيه وتحقّق القتل فيه أيضاً ، وعليه فكما ترتفع المعارضة ويتحقّق الجمع يظهر أنّ ضمان أهل ذلك الحيّ الذي تحقّق القتل فيه لا يكون مرتبطاً بالقسامة وبالدعوى والاتّهام أصلاً .
وأمّا ما أفاده بعض الأعلام(2) من الحمل على أداء الدية من بيت المال لعدم تعرّض الرواية للمؤدّي ، ففي غاية الغرابة خصوصاً مع المقابلة مع الذيل ، فتدبّر .
ومنها: رواية علي بن الفضيل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعاً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ، فإن أبوا أن يحلفوا اُغرموا الدية فيما بينهم في أموالهم سواء سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين(3) . والبحث فيها هو البحث في ذيل رواية بريد المتقدّم .
ومنها: صحيحة الحلبي وموثقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يوجد قتيلاً في القرية أو بين قريتين؟ قال: يقاس ما بينهما فأيّهما كانت أقرب ضمنت(4) .
والجواب وإن كان متعرّضاً لحكم الفرض الثاني في السؤال إلاّ أنّه يستفاد منه حكم الفرض الأوّل وهو الضمان من دون قيد ، فيظهر أنّ الحكم بالضمان في الفرضين

(1) تقدّمت في ص222 .
(2) مباني تكملة المنهاج: 2 / 113 مسألة 115  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 115 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح 5 .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 112 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 8 ح 4  .

(الصفحة228)



حكم مطلق ثابت بنحو التعبّد ، من دون دخالة لمسألة اللّوث فيه أصلاً .
ومنها: صحيحة محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قتل في قرية أو قريباً من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بيّنة على أهل تلك القرية أنّهم ما قتلوه(1) . وظهورها فيما ذكرنا واضح .
وأمّا صحيحتا محمّد بن مسلم وعبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في رجل كان جالساً مع قوم فمات وهو معهم ، أو رجل وجد في قبيلة وعلى باب دار قوم فادّعى عليهم ، قال: ليس عليهم شيء ولا يبطل دمه(2) . فمحمولتان على عدم ثبوت القصاص عليهم ، لعدم وجود البيّنة وعدم تحقّق اللّوث الذي يجري فيه القسامة ، وأنّ المراد من عدم بطلان دمه لزوم أداء الدية عليهم ، لوجود القتيل عندهم واحتمال كونهم قاتلين .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ وجود القتيل في القرية أو قريباً منها أو أشباههما يوجب ضمان أهل القرية ومثلهم إن لم يكن هناك بيّنة على أنّ القاتل غيرهم ، ولم ينفه أولياء المقتول . ولا ارتباط لذلك بمسألة اللّوث أصلاً ، والدليل عليه ملاحظة الروايات ، كما عرفت .
ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال: والنصوص المزبورة لا تعرّض فيها للقسامة، وإنّما اقتصرت على وجوب الدية، ومقتضى الجمع بينها ما تضمّنه صحيح مسعدة وخبر عليّ بن الفضيل من وجوب الدية ، إلاّ إذا علم الأولياء براءتهم وأنّ القاتل غيرهم ، وهذا حكم آخر غير القسامة . نعم لمّا كان اللّوث أمارة تفيد الحاكم

(1) وسائل الشيعة: 19 / 112 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 8 ح 5  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 111 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 8 ح 1 .

(الصفحة229)

مسألة 3 ـ لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي ، فلا قسامة ولا تغليظ ، والبيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، فللوليّ مع عدم البيّنة إحلاف المنكر يميناً واحداً1.


ظنّاً بصدق المدّعي لو ادّعى ، فهناك يجري حكم القسامة ، بخلاف ما إذا لم يدّع ، فإنّ الدية حينئذ عليهم إلاّ مع البيّنة على أنّ القاتل غيرهم أو القسامة أو براءة الأولياء لهم(1) .
كما أنّه ظهر بطلان الجمع بالنحو الذي ذكره الشيخ الطوسي (قدس سره) ، حيث أنّه في محكيّ التهذيب والاستبصار بعد نقل صحيحتي الحلبي ومحمد بن قيس قال: إنّما يلزم أهل القرية أو القبيلة إذا وجد القتيل بينهم إن كانوا متّهمين بالقتل وامتنعوا من القسامة ، فأمّا إذا لم يكونوا متّهمين بالقتل أو أجابوا إلى القسامة فلا دية عليهم ، وتؤدّى ديته من بيت المال(2) ، واستشهد لذلك بروايتي مسعدة وعليّ ابن الفضيل المتقدّمتين .

1 ـ والوجه فيه واضح بعدما عرفت من اختلاف القسامة مع الإقرار والبيّنة في اشتراط اعتبارها بصورة حصول اللّوث دونهما ، فإنّ مقتضى ذلك أنّه مع عدم حصول اللّوث يكون الحكم في القتل متّحداً مع سائر الدعاوي ، فيجري فيه القاعدة الكلية وهي: «البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه» ، فالوليّ مع عدم إقامة البيّنة ليس له إلاّ إحلاف المنكر حلفاً واحداً من دون قسامة ولا تغليظ ، كما هو ظاهر .


(1) جواهر الكلام: 42 / 234  .
(2) الاستبصار: 4 / 278 ، التهذيب: 10 / 205 .

(الصفحة230)

مسألة 4 ـ لو قتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد أو وجد في فلاة أو سوق أو على جسر ولم يعلم من قتله فديته من بيت مال المسلمين ، نعم لو كان في الموارد المذكورة أمارة ظنّية على كون القتل بفعل شخص معيّن مثلاً حصل اللوث1.


1 ـ ثبوت الدية على بيت المال في الموارد المذكورة وأشباهها مع عدم اللّوث بالإضافة إلى فرد معيّن أو أفراد معينين ممّا ادّعي عليه الإجماع في محكي الغنية(1) ، ويدلّ عليه روايات مستفيضة بل متواترة .
مثل : صحيحة عبدالله بن سنان وعبدالله بن بكير جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدرى من قتله ، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين ، ولا يبطل دم امرىء مسلم ; لأنّ ميراثه للإمام ، فكذلك تكون ديته على الامام ، ويصلّون عليه ويدفنونه . قال: وقضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات ، أنّ ديته من بيت مال المسلمين(2) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة علي (عليه السلام) بالكوفة فقتلوا رجلاً ، فودّى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين(3) .
ورواية مسمع بن عبدالملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله ،

(1) غنية النزوع: 42 / 234  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 109 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 1 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 109 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 2 .

(الصفحة231)



فديته من بيت المال(1) .
وذيل خبر أبي بصير المتقدّم المشتمل على قوله (عليه السلام) : وإن كان بأرض فلاة ادّيت ديته من بيت المال ، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم(2) .
وذيل رواية مسعدة المتقدّمة المشتمل على قوله (عليه السلام) : فأمّا إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال(3) .
ورواية سوار ، عن الحسن(4) قال: إنّ عليّاً (عليه السلام) لما هزم طلحة والزبير أقبل الناس منهزمين ، فمرّوا بامرأة حامل على الطريق ففزعت منهم ، وطرحت ما في بطنها حيّاً ، فاضطرب حتّى مات ثم ماتت أُمّه من بعده ، فمرّ بها علي (عليه السلام) وأصحابه ، وهي مطروحة على الطريق وولدها على الطريق ، فسألهم عن أمرها ، فقالوا: إنّها كانت حبلى ، ففزعت حين رأت القتال والهزيمة ، قال: فسألهم: أيّهما مات قبل صاحبه ؟ فقيل: إنّ ابنها مات قبلها ، قال: فدعا بزوجها أبي الغلام الميّت ، فورثه ثلثي الدية وورث أُمّه ثلث الدية ، ثم ورث الزوج من المرأة الميّتة نصف ثلث الدية التي ورثتها من ابنها ، وورّث قرابة المرأة الميّتة الباقي ، ثم ورث الزوج أيضاً من دية امرأته الميتة نصف الدية ، وهو ألفان وخمسمائة درهم ، وورّث قرابة المرأة الميّتة نصف الدية وهو ألفان وخمسمائة درهم ، وذلك أنّه لم يكن لها ولد غير الذي رمت به حين فزعت ، قال: وأدّى ذلك كلّه من بيت مال البصرة(5) .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 110 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 5 .
(2) تقدم في ص220 .
(3) تقدّمت في ص222 .
(4) هو الحسن البصري ، وسوار هو ابن عبدالله بن قدامة بن عنزة البصري من رواته ، وكلاهما من العامّة .
(5) وسائل الشيعة: 17 / 393 ـ 394 ، أبواب موانع الإرث ب 10 ح3  .

(الصفحة232)

مسألة 5 ـ لو تعارضت الأمارات الظنّية بطل اللّوث ، كما لو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطّخ بالدّم وسبع من شأنه قتل الإنسان ، ولم تكن أمارة لحصول القتل بأيّهما وفي كلّ طرف شكّ محض ، فلابدّ في مثله فصل الخصومة بالطرق


بقي أمران :
الأوّل: أنّه لا ينافي الروايات المتقدّمة رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ليس في الهايشات عقل ولا قصاص ، والهايشات الفزعة تقع بالليل والنهار فيشجّ الرجل فيها ، أو يقع قتيل لا يدرى من قتله وشجّه(1) .
والظاهر أنّ تفسير الهايشات من كلام الصادق (عليه السلام)  ، وهي جمع هيش بمعنى الفتنة .
والوجه في عدم المنافات أنّ نفي العقل والقصاص في الفتن لايستلزم عدم الثبوت على بيت المال ، ولا أقلّ من كون الروايات المتقدّمة شاهدة على ذلك .
ويؤيّد بل يدلّ على عدم المنافاة قول السكوني: وقال أبو عبدالله (عليه السلام) في حديث آخر: رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فودّاه من بيت المال(2) .
الثاني:أنّ ظاهر الروايات المتقدّمة وإن كان الثبوت في بيت المال مطلقاً من دون فرق بين وجود اللّوث وعدمه ، إلاّ أنّ الظاهر كون الإطلاق فيها مبنيّاً على الغالب ، وهو عدم ثبوت اللّوث بالنسبة إلى فرد معيّن أو أفراد معيّنين ، وفي الحقيقة يكون الإطلاق منصرفاً عن موارد ثبوت اللّوث ، ففي هذه الموارد تجري القسامة وأحكامها; كما هو ظاهر .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 110 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 3 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 110 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 4 .

(الصفحة233)

المعهودة غير القسامة1.

مسألة 6 ـ لا يشترط في اللّوث وجود أثر القتل على الأقوى بعد قيام الأمارة الظنّية على أصل القتل ، ولا يشترط في القسامة حضور المدّعى عليه ، كما في سائر المقامات على الأصحّ2.


1 ـ الوجه في بطلان اللّوث أنّك عرفت أنّ معناه هي الأمارة الموجبة للظّن الشخصي للحاكم بصدق المدّعي في دعواه ، ومن الواضح أنّه مع تعارض الأمارة الموجبة لذلك ـ لولا المعارض ـ مع الأمارة الموجبة للظن بالخلاف كذلك لا يتحقّق هناك ظنّ بالصدق المذكور ، لأنّ تعارض الأمارتين يوجب تساقطهما وجعلهما كأنّه لم يكن في البين أمارة ، وعليه فلا يتحقّق اللّوث مع التعارض بوجه ، بل لابدّ في مثله فصل الخصومة بغير القسامة بعد اشتراط مشروعيتها بخصوص صورة اللّوث ، كما عرفت .

2 ـ قال في الجواهر: لا أجد فيه ـ أي في أنّه لا يشترط في اللّوث وجود أثر القتل ـ خلافاً بيننا لاّ من أبي علي(1) . نعم حكي عن أبي حنيفة من العامة الاشتراط حيث قال: إن لم يكن جراحة ولا دم فلا قسامة ، وإن كان جراحة ثبتت ، وإن لم يكن وكان دم فإن خرج من أذنه ثبتت ، لا إن خرج من أنفه(2)وحكي عن مبسوط الشيخ (قدس سره)(3) تقويته(4) .


(1) مختلف الشيعة: 9 / 445 مسألة 118  .
(2) بدائع الصنائع: 6/356، الحاوي الكبير: 16/254،المبسوط للسرخسي: 26/114، الخلاف:5/310مسألة 8.
(3) المبسوط : 7 / 215  .
(4) جواهر الكلام: 42 / 241 ـ 242  .

(الصفحة234)

مسألة 7 ـ لو ادّعى الوليّ إنّ فلاناً من أهل الدار قتله بعد أن وجد مقتولاً فيها حصل اللّوث ، وثبتت الدعوى بالقسامة بشرط ثبوت كون المدّعى عليه في الدار حين القتل ، وإلاّ فلا لوث بالنسبة إليه ، فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه1.


ولكنّه كما ترى واضح الضعف ، لأنّ الملاك في اللّوث تحقّق أمارة ظنّية كذائية على صدق المدّعي ، ولا دليل على اشتراط أثر القتل من دم أو جرح أو أثر خنق وشبهها بعد تحقّق اللّوث بغير ذلك .
وأمّا عدم اشتراط حضور المدّعى عليه في القسامة ، فلأنّه لا دليل على خصوصية للمقام ، بعد جواز الحكم على الغائب في سائر المقامات ، والاحتياط في الدم لا يقتضيه خصوصاً بعد كون مشروعية القسامة لحقن دماء المسلمين ، وعدم تحقّق القتل غير المشروع من الفاسق الفاجر الذي ينتظر الفرصة لاغتيال عدوّه وقتله ، كما عرفت في بعض الروايات المتقدّمة .

1 ـ المهم في هذه المسألة أمران:
الأوّل: إنّ وجدان الشخص قتيلاً في دار غيره وإن كان يوجب تحقّق اللّوث بالإضافة إلى جميع أهالي تلك الدار ممّن يصلح أن يصدر القتل منه بلحاظ السنّ وغيره من الجهات الدخيلة ، إلاّ أنّه حيث يكون جريان القسامة إنّما هو فيما إذا كانت هناك دعوى ، ضرورة أنّه بدون الدعوى لا يترتّب على اللّوث ومجرّد وجود الأمارة الظنّية شيء; لعدم حجية هذه الأمارة بوجه كما عرفت (1) ، وعليه فإذا كانت الدعوى بالنسبة إلى فرد خاص من أهالي تلك الدار يجوز إثبات الدعوى

(1) تقدّم في ص218  .

(الصفحة235)

المقصد الثاني : في كمّية القسامة
وهي في العمد خمسون يميناً ، وفي الخطأ وشبهه خمس وعشرون على الأصحّ1.


حينئذ بالقسامة ، لوجود الدّعوى وتحقّق اللّوث ، وأمّا سائر الأفراد فهم وإن كانوا مشتركين مع المدّعى عليه في اللوث إلاّ أنّهم باعتبار عدم كونهم طرفاً للدعوى لا تجري القسامة بالنسبة إليهم .
الثاني: إنّ تحقّق اللّوث في الفرض المذكور إنّما هو مع ثبوت كون المدّعى عليه في الدار حين القتل بالاقرار أو بالبيّنة ، ضرورة أنّه مع عدم كونه في الدار حين القتل لا مجال لتحقّق اللّوث أصلاً ، وعليه فلو أنكر المدّعى عليه كونه فيها في تلك الحال يكون القول قوله مع يمينه ، لموافقة قوله لاستصحاب عدم كونه حال القتل في الدار ، أو لكونه منكراً بحسب نظر العرف ، ولو فرض عدم كون قوله موافقاً للأصل كما لو فرض العلم بكونه في الدار ساعة قبل القتل ، ولو فرض العلم بكونه في الدار في زمان وتحقّق القتل فيها في زمان أيضاً يجري استصحاب عدم كونه فيها في حال القتل ، ويترتّب عليه الأثر ، ولا مجال لاستصحاب عدم القتل في حال كونه في الدار ، لعدم ترتّب الأثر عليه ، من غير فرق بين صورة العلم بتاريخ أحدهما وصورة الجهل بتاريخ كليهما ، فتدبّر .

1 ـ حكي الخلاف في العمد عن ابن حمزة فقط ، حيث قال: إنّها خمسة وعشرون في العمد إذا كان هناك شاهد واحد(1) ، وربّما يقال في وجهه: إنّه مبنيّ على أنّ الخمسين بمنزلة البيّنة التي هي الشاهدان ، فيقع في مقابل كلّ شاهد خمسة

(1) الوسيلة: 460  .

(الصفحة236)



وعشرون .
ومن الواضح ضعف هذا الوجه ، لعدم الدليل على المحاسبة المذكورة ، ومشروعية القسامة مع عدم البيّنة لا يقتضي ذلك بوجه ، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الشاهد الواحد لا يترتّب عليه الأثر لإثبات القتل أصلاً ، كما يدلّ عليه نفس دليل حجّية البيّنة ، كما لا يخفى .
وربّما يقال: إن الإطلاق أيضاً ينفي هذا القول ، ولكنّه إنّما يتمّ على تقدير ثبوت كونه في مقام البيان ولو من هذه الجهة ، وأمّا لو كان في مقام بيان مجرّد الأعتبار وأصل المشروعية فلا مجال للأخذ به ، هذا في العمد .
وأمّا في الخطأ وشبهه ، فالمشهور كما اعترف به العلاّمة(1) بل عن الغنية نسبته إلى رواية الأصحاب ، مشعراً بالإجماع عليه(2) ، بل عن الشيخ دعوى الإجماع عليه صريحاً أنّها خمسة وعشرون(3) ، ولكنّ المحكيّ عن المفيد(4) والديلمي(5)والحلّي(6) والفاضل(7) وولده(8) والشهيدين(9) هو الحكم بالتسوية بينهما وبين العمد في اعتبار الخمسين .


(1) قواعد الأحكام: 2 / 297  .
(2) غنية النزوع: 441  .
(3) الخلاف: 5 / 308 مسألة 4  .
(4) المقنعة: 736  .
(5) المراسم: 233  .
(6) السرائر: 3 / 338 .
(7) تحرير الأحكام: 2 / 252 ـ 253 ، ولكن اختار في المختلف: 9 / 311 مسألة 19 «أنها خمسة وعشرون» .
(8) إيضاح الفوائد: 4 / 615  .
(9) اللمعة الدمشقية: 177 ، الروضة البهية: 10 / 73 ـ 74 .

(الصفحة237)

مسألة 1 ـ إن كان له قوم بلغ مقدار القسامة حلف كلّ واحد يميناً ، وإن نقصوا عنه كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا القسامة ، ولو كان القوم أكثر فهم


ويدلّ على التفصيل صحيحة عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : في القسامة خمسون رجلاً في العمد ، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلاً ، وعليهم أن يحلفوا بالله(1) .
وصحيحة ابن فضال ويونس جميعاً ، عن الرضا (عليه السلام)  . ورواية أبي عمرو المتطبّب المشتملة على عرضه للصادق (عليه السلام) وما أفتى به أميرالمؤمنين (عليه السلام) في الديات، المتضمّنة لقوله: والقسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلاً ، وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلاً(2) .
وبلحاظ هاتين الروايتين يقيّد إطلاق الروايات المتقدّمة الظاهرة في اعتبار خمسين إن كان لها إطلاق لصورتي الخطأ وشبهه أيضاً ، وإن لم يكن لها إطلاق كما هو الظاهر فلا تصل النوبة إلى تقييد الإطلاق أيضاً ، خصوصاً مع كون مورد جملة منها كالروايات الحاكية لقصّة خيبر صورة العمد . والظاهر أنّه لا إشكال في أصل الحكم ، إنّما الإشكال في أنّ المشهور حكموا بالتسوية بين الخطأ وبين شبهه ، مع أنّه لم يقع التعرّض لشبه العمد في الروايتين أصلاً .
وعليه فكما يحتمل لحوقه بالخطأ يحتمل لحوقه بالعمد أيضاً ، خصوصاً مع ملاحظة أنّه لو كان لأدلّة الخمسين إطلاق لابدّ من الرجوع إليه ، إذا كان دليل التقييد مجملاً مردّداً بين الأقل والأكثر كما في المقام ، حيث لا يعلم أنّ المراد

(1) وسائل الشيعة: 19 / 119 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 11 ح1  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 120 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 11 ح2  .

(الصفحة238)

مختارون في تعيين خمسين منهم في العمد ، وخمسة وعشرين في غيره1.


بالخطأ هل هو الخطأ المحض أو الأعمّ منه ومن شبه الخطأ ، ولو لم يكن لتلك الأدلة إطلاق يكون مقتضى أصالة عدم ثبوت القتل بأقلّ من خمسين اعتبارها في هذه الصورة أيضاً ، وعليه فيشكل الحكم بالتسوية بين الخطأ وبين شبهه ، كما في المتن وغيره .

1 ـ في هذه المسألة فروض ثلاثة:
الأوّل: ما إذا بلغ القوم بضميمة المدعي مقدار خمسين ، وكان كلّ واحد منهم جازماً بالقتل وصدق المدّعي ، وهذا هو الفرض الواضح من القسامة حيث يحلف كلّ واحد منهم يميناً ، فيتحقّق خمسون يميناً من خمسين رجلاً ، ولا شبهة فيه .
الثاني: ما إذا كان القوم أكثر من خمسين ، والمحكيّ عن الشهيد (قدس سره) أنّه قال: لو كانوا أكثر من خمسين حلف كلّ واحد يميناً(1) ، ومرجعه إلى أنّ الاكتفاء بالخمسين إنّما هو فيما إذا لم يكن العدد زائداً عليها ، وإلاّ فيلزم حلف الجميع . ومن الواضح منافاة هذاالكلام لظاهرالنصوصوالفتاوى، فإنّ مقتضاهماالاكتفاءبهامطلقاً، وعليه فهم مختارون في تعيين خمسين منهم في قتل العمد ، وخمسة وعشرين في الخطأ.
الثالث: ما إذا كان المجموع من القوم والمدّعي ناقصاً عن خمسين مثلاً ، فالّذي صرّح به غير واحد أنّه تكرّر عليهم الأيمان حتّى يكمّلوا القسامة ، وعن الغنية الاجماع عليه ، بل عنها وعن الخلاف أنّه إن كان الولي واحداً أقسم خمسين إجماعاً ، بل زاد في الثاني نسبته إلى أخبار الفرقة أيضاً(2) .


(1) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 61  .
(2) غنية النزوع: 440 ـ 441 ، الخلاف: 5 / 308 مسألة 3  .

(الصفحة239)

مسألة 2 ـ لو لم يكن للمدّعي قسامة أو كان ولكن امتنعوا كلاًّ أو بعضاً حلف المدّعي ومن يوافقه إن كان ، وكرّر عليهم حتّى تتمّ القسامة ، ولو لم يوافقه أحد كرّر عليه حتّى يأتي بتمام العدد1.

مسألة 3 ـ لو كان العدد ناقصاً فهل يجب التوزيع عليهم بالسوية ، فإن كان عددهم عشرة يحلف كلّ واحد خمسة ، أويحلف كلٌّ مرّة ويتمّ وليّ الدم النقيصة ، أو لهم الخيرة بعد يمين كلّ واحد ، فلهم التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا؟


ولكن أكثر الروايات المتقدّمة ظاهرة في اعتبار خمسين رجلاً ، نعم قوله (عليه السلام) في صحيحة بريد المتقدّمة: فأقيموا قسامة خمسين رجلاً(1) يكون على قرائته بالإضافة ظاهراً في إرادة خمسين يميناً ، كما أنّ قوله (عليه السلام) في صحيحة مسعدة المتقدّمة: حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً(2) أيضاً ظاهر في أنّ الملاك هو تعدّد الأيمان لا تعدّد من يحلفونها ، مضافاً إلى أنّ تعليل مشروعية القسامة بحقن دماء المسلمين لئلاّ يغتال الفاسق رجلاً فيقتله مع عدم رؤية أحد ، يقتضي عدم تعليق الحكم على عدد خمسين ، لعدم تحقّقه إلاّ نادراً ، كما لا يخفى . وعليه فلا تنبغي المناقشة في الحكم في هذا الفرض .

1 ـ ظهر حكم هذه المسألة من حكم الفرض الثالث في المسألة المتقدّمة ، فإنّ مقتضاه حلف المدّعي خمسين ، سواء لم يكن غيره أو كان ولكن لم يوافقه أحد في الحلف .


(1) تقدّمت في ص219 .
(2) تقدّمت في ص222 .

(الصفحة240)

لا يبعد الأخير ، وإن كان الأولى التوزيع بالسوية ، نعم لو كان في التوزيع كسر كما إذا كان عددهم سبعة فبعد التوزيع بقي الكسر واحداً فلهم الخيرة  ، والأولى حلف وليّ الدّم في المفروض ، بل لو قيل أنّ النقيصة مطلقا على وليّ الدّم أو أوليائه فليس ببعيد ، فإذا كان العدد تسعة فالباقي خمسة يحلفها الولي أو الأولياء ، فإن كان في التوزيع بين الأولياء كسر فهم بالخيار ، ولو وقع فيهم تشاحّ فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ، وليس هذا نكولاً1.


1 ـ صرّح المحقّق في الشرائع(1) بلزوم التوزيع بالسوية ، وتبعه الفاضل في القواعد(2) . وقال كاشف اللثام في شرحها: ذكوراً كانوا أو أناثاً أو مختلفين ، وارثين بالسوية أو لا بها ، أو غير وارثين ، لاشتراكهم في الدعوى وانتفاء دليل على التفاضل ، ولا يفيده التفاضل في الإرث على أنّه ليس بشرط(3) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى منع الإشتراك في الدعوى أنّه لا يلزم أن يكون كلّ واحد من الحالفين مدّعياً ـ ما عرفت من المستفاد من النصوص اعتبار بلوغ مقدار الحلف خمسين ، وأمّا لزوم التسوية بين العدد الناقص فلا دلالة لشيء منها عليه ، بل ظاهرها خلافه ، وعليه فلا مجال لدعوى لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن ، وهو التساوي في القسمة بينهم .
والمحكيّ عن المبسوط لزوم القسمة بين الوارثين على حسب الحصص ، فلو فرض ابن وبنت حلف الابن أربعاً وثلاثين  ، والبنت سبع عشرة(4) ، نظراً إلى أنّهم

(1) شرائع الإسلام: 4 / 998  .
(2) قواعد الأحكام: 2 / 297  .
(3) كشف اللثام: 2 / 462  .
(4) المبسوط : 7 / 222  .
<<التالي الفهرس السابق>>