في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة421)



الشلاّء بالصحيحة إنّما هو لأجل أنّ الاختلاف بينهما إنّما هو في الكيفية ووصف الصحّة والسلامة الموجود في المجنيّ عليه ، فهومثل اقتصاص المرأة بالرجل ، وأمّا المقام فالاختلاف في الكمية والنقص والتمام . فالمقام كما قيل نظير ما لو أتلف على شخص صاعي حنطة ووجد للمتلف صاع واحد فقط ، فإنّ لصاحب الحقّ أخذه والمطالبة ببدل الفائت ، دون ما لو وجد له صاعي حنطة رديئة مثلاً، فإنّه ليس له أخذها والمطالبة ببدل الفائت ، وإن قال في الجواهر بعد نقله: فيه نظر واضح(1) . ووجهه وجود عنوانين في الحنطة من جهة وحدة الصاع وتعدّده، بخلاف المقام الذي لا يوجب اختلاف اليد في النقص والتمام تعدّد العنوان ، ولكن مع ذلك لا يوجب الخلل في التنظير الاشكال في أصل الحكم: وهو ثبوت الدية من دون فرق بين صور الفقدان المذكورة .
ثانيها: ما اختاره الشيخ (قدس سره) في موضع آخر من المبسوط(2) وتبعه ابن البراج في محكي الكتابين المهذّب(3) والجواهر(4) من التفصيل بين ما إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة فلا يستحق وبين غيرهما من الموارد فيستحقّ  ، وقد استدلّ عليه برواية سورة بن كليب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول أقطع اليد اليمنى ، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها ، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه ، وإن شاؤوا

(1) جواهر الكلام: 42 / 397  .
(2) المبسوط: 7 / 85  .
(3) المهذّب: 2 / 477  .
(4) جواهر الفقه: 215 ـ 216 مسألة 748 .

(الصفحة422)



طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي ، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً ، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة . قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) (1) .
ولكنّ الرواية ـ مضافاً إلى ضعف سندها لعدم توثيق سورة بن كليب ـ واردة في القتلولادليل على الجريان في الطرف أيضاً . مع أنّ موردها كون المجنيّ عليه ناقصاً، ومحلّ الكلام في المقام ما إذا كان الجاني كذلك ، فلا يمكن الاستدلال بها لما نحن فيه .
ثالثها: عدم استحقاق الدية مطلقاً ، وهو الذي اختاره بعض متأخري المتأخّرين(2) ، وربّما يستدلّ له أنّه لا دليل على ثبوتها بعد صدق اليد باليد ، كما ورد في بعض الروايات(3) .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى عدم كون مثل اليد باليد وارداً في مقام البيان من هذه الجهة ـ عدم تحقّق المقاصّة المعتبرة في مفهومها المماثلة بدون الدية، فالأشبه كما في المتن هو القول الأوّل .
الأمر الثاني: مالو قطع الصحيح الناقص عكس الأمر الأوّل، وفيه أيضاً وجوه ثلاثة:
أحدها: ما عن القواعد(4) والتحرير(5) والمسالك(6) من أنّه لا تقطع يد الجاني بل

(1) وسائل الشيعة: 19 / 82 ، أبواب القصاص في النفس ب 50 ح1  .
(2) راجع مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 81  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 131 ، أبواب قصاص الطرف ب 12 ح2  .
(4) قواعد الأحكام: 2 / 304  .
(5) تحرير الأحكام: 2 / 260  .
(6) مسالك الأفهام: 15 / 293  .

(الصفحة423)

الثاني : لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثمّ اندملت ثبت القصاص فيهما ، فتقطع كفّه من المفصل ، ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ، ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب بالمسافة (حة ـ ظ)، ولو قطعها من المرفق فالقصاص ، وفي الزيادة ما مرّ ، وحكم الرجل حكم اليد، ففي القطع من المفصل قصاص  ، وفي الزيادة ما مرّ1.


يقطع منها الأصابع التي قطعها ، ويؤخذ منه حكومة الكفّ .
ثانيها: المنع عن القصاص على هذا الوجه لعدم المماثلة . قال في الجواهر: ولعلّ هذاالقول هو المحكي عن ابن إدريس(1) بل هو الذي فهمه بعض من عبارة الإرشاد: يقتصّ للكامل من الناقص ولا يضمّ أرش ، ولا يجوز العكس فتثبت الدية(2)(3) .
ثالثها: قطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه ، وهذا القول هو المشهور ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه(4) ، وقد تقدّم البحث في نظير هذه المسألة، فراجع ما هناك(5) .

1 ـ في هذا الفرع أُمور:
الأوّل: ما لو قطع إصبع رجل مثلاً فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثم اندملت . وفي الشرائع بعد الحكم بثبوت القصاص فيهما قال: وهل له القصاص في الاصبع وأخذ

(1) لاحظ السرائر: 3 / 416  .
(2) إرشاد الأذهان: 2 / 207  .
(3) جواهر الكلام: 42 / 398  .
(4) غنية النزوع: 410  .
(5) تقدّم في ص357 ـ 360 .

(الصفحة424)



الدية في الباقي؟ الوجه لا ، لإمكان القصاص فيهما(1) . وعليه ففيه احتمالان:
أحدهما: ثبوت القصاص في كلّ من الأصبع والكفّ وإن تحقّق الاندمال ، والوجه فيه يظهر بعد وضوح ضمان السراية وكونها من توابع جنايته، وإن كانت الجناية المتبوعة صادرة بالمباشرة والجناية التابعة مستندة إليه لأجل أقوائية السبب . وبعد إمكان جريان القصاص في كلّ من الأمرين بقطع يد الجاني من الكفّ فهو كما إذا قطعت الكفّ ابتداء عمداً بضربة واحدة، حيث لا يجري فيه غير القصاص إلاّ مع التراضي ، بل كما لو جنى عليه باليد فسرت إلى النفس فإنّه ليس للوليّ الاقتصاص في اليد وأخذ الدية من النفس ، بل يثبت قصاص النفس .
ثانيهما: ما أشار إليه المحقّق في الشرائع(2) من ثبوت حقّ القصاص في الاصبع وجواز أخذ الدية في الباقي ولو مع عدم التراضي ، وظاهره جواز القصاص أيضاً . والوجه فيه تعدّد الجناية وثبوت حكم كلّ واحدة عليها مستقلاًّ ، فبالإضافة إلى الاصبع القصاص وبالإضافة إلى الكفّ الدية ; لعدم إمكان قصاصها مستقلّة .
وفيه : مضافاً إلى وضوح بطلان التعدّد وكون السراية من آثار الجناية الأولى وتوابعها ، إنّ لازمه حينئذ تعيّن أخذ الدية في الكفّ لا التخيير بينه وبين القصاص ، كما هو ظاهر هذا الاحتمال .
الثاني: لو قطع يده من مفصل الكوع، فالظاهر ثبوت القصاص لعموم أدلّته وإمكان تحقّق المماثلة ; لفرض كونه مفصلاً ، والمراد من مفصل الكوع هو طرف الزند الذي يلي الابهام .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 1011 ـ 1012  .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 1012  .

(الصفحة425)



الثالث: الفرض الثاني مع إضافة قطع بعض الذراع معه ، وفيه احتمالات:
أحدها: ما في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع من ثبوت الاقتصاص في اليد من مفصل الكوع لامكانه وانضباطه والحكومة في الزائد دون القصاص ، لعدم المفصل واختلاف أوضاع العروق والأعصاب وعدم القصاص في كسر العظام ، والمراد بالحكومة التفاوت على تقدير هذا النقص لو فرض كونه عبداً ، كما في سائر الموارد .
ثانيها: ما عن ابن إدريس(1) من الحكم باعتبار المساحة بدل الحكومة ، والمراد بالمساحة ملاحظة النسبة ، إن كان المقطوع نصف الذراع كان عليه نصف دية الذراع ، وإن كان ثلثاً فثلث ، وهكذا . واحتمل صاحب الجواهر(2) أن يكون المراد بالحكومة في القول الأوّل هي المساحة في هذا القول ، مع أنّه خلاف الظاهر جدّاً .
ثالثها: ما عن أبي علي(3) من أنّ له القصاص من المرفق بعد ردّ الفاصل .
رابعها: ما احتمله صاحب الجواهر، حيث قال: لولا ظهور الاتّفاق أمكن القول بالانتقال إلى الدية ; لتعذّر القصاص من محلّ الجناية، ولا دليل على ثبوته في غيرها(4) .
والظاهر هو الاحتمال الأوّل الذي اختاره في المتن تبعاً للشرائع ، وذلك لأنّ الحكم بثبوت القصاص في مقدار الجناية فقط لا مجال له بعد عدم إمكان تحقّق المماثلة غالباً ، وبثبوته في المرفق الذي هو زائد على مقدار الجناية لا مجال له أيضاً ،

(1) السرائر: 3 / 395  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 401  .
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 458 مسألة 136  .
(4) جواهر الكلام: 42 / 401  .

(الصفحة426)

الثالث: يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة ، فلا تقطع أصلية بزائدة ولو مع اتّحاد المحلّ ، ولا زائدة بأصلية مع اختلاف المحلّ ، وتقطع الأصلية بالأصلية مع اتّحاد المحلّ ، والزائدة بالزائدة كذلك ، وكذا الزائدة بالأصلية مع اتّحاد المحلّ وفقدان الأصلية ، ولا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس ، ولا الزائدة اليمنى بالأصلية اليسرى ، وكذا العكس1.


لكونه زائداً على الحق ، ولا دليل على جريان القصاص فيه . والانتقال إلى الدية في المجموع كما في الاحتمال الأخير لا سبيل له ، لأنّ التفكيك في القصاص بين قطع المفصل وبين قطع الزائد عنه في غاية الغرابة ، مع أنّ العرف يعبّر عن الثاني بقطع المفصل والزيادة  ، ولازمه كون الزيادة مانعة عن القصاص ، فالظاهر حينئذ هو الجمع بين القصاص من مفصل الكوع وبين الدية بالإضافة إلى الزائد الذي لا يجري فيه القصاص .
كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الحكومة ما ذكرنا ، لا ما هو المحكي عن ابن إدريس من حساب المساحة ، لأنّ ثبوت الدية للعضو لا يقتضي التوزيع إن نصفاً فنصف وإن ثلثاً فثلث ، وإن كان فيه كلام سيأتي في كتاب الديات إن شاء الله تعالى .
الرابع: ما لو قطع من المرفق أو الزائد عنه ، فيجري القصاص في المرفق لما ذكر ، ويجري في الزيادة الحكومة بنحو ما مرّ .
الخامس: يجري جميع الفروض المذكورة في اليد في الرجل ، ويترتّب عليه الأحكام المذكورة هناك من دون فرق أصلاً .

1 ـ لا خلاف في اعتبار التساوي في الأصالة والزيادة في القصاص ، بل

(الصفحة427)

الرابع : لو قطع كفّه فإن كان للجاني والمجنيّ عليه إصبعاً (اصبع ـ ظ) زائدة في محلّ واحد كالإبهام الزائدة في يمينها وقطع اليمين من الكفّ اقتصّ منه ، ولو كانت الزائدة في الجاني خاصّة، فإن كانت خارجة عن الكفّ يقتصّ منه وتبقى الزائدة ، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة فهل يقطع الكفّ وتؤتى دية الزائدة، أو يقتصّ الأصابع الخمس دون الزائدة ودون الكفّ، وفي الكفّ


الظاهر ـ كما في الجواهر(1)ـ الاتفاق عليه ، كما اعترف به في كشف اللّثام(2) ، فلا يجوز قطع الأصليّة بالزائدة سواء اتّحد المحلّ أو اختلف ولم يتّحد ، لعدم جواز أخذ الكامل بالنّاقص بعد اعتبار المماثلة في القصاص . وكذلك لا يجوز قطع الزائدة بالأصلية في صورة اختلاف المحلّ ، وكذا في صورة وجود الأصلية . نعم مع اتّحاد المحلّ وفقدان الأصلية لا مانع من القطع  ، لأنّ المفروض الفقدان والاتّحاد ، ومجرّد الاختلاف في الأصالة والزيادة لا يمنع إذا كانت الزيادة في الجاني ، لجواز أخذ الناقص بالكامل دون العكس .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه تقطع الأصلية بالأصلية مع اتّحاد المحلّ ، وكذا الزائدة بالزائدة كذلك ، فلا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس ، للاختلاف في المحلّ . وقد عرفت أنّ مجرّد الاختلاف في الزيادة والأصالة لا يقدح فيما إذا كانت الزيادة في الجاني إذا كان هناك أمران ، اتّحاد المحل وفقدان الأصلية . فمع فقد أحدهما لا مجال لجواز القطع ، كما أنّه لا تقطع الأصلية بالزائدة مطلقاً .


(1) جواهر الكلام: 42 / 403  .
(2) كشف اللثام: 2 / 473  .

(الصفحة428)

الحكومة؟ وجهان، أقربهما الثاني . ولو كانت الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة فله القصاص في الكفّ وله دية الأصبع الزائدة ، وهي ثلث دية الأصلية ، ولو صالح بالدية مطلقاً كان له دية الكفّ ودية الزائدة . ولو كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني السالمة ، وللمجني عليه القصاص في أربع ودية الخامسة وأرش الكفّ1.


1 ـ في هذا الفرع الذي يرتبط بقطع الكفّ من جهة وباعتبار التساوي في الأصالة والزيادة من جهة أُخرى فروض:
أحدها: ما إذا كان لكلّ من الجاني والمجنيّ عليه اصبع زائدة في مكان واحد ، كالابهام الزائدة في يمينهما وفرض كون الجناية عبارة عن قطع اليمين من الكفّ ، ولا شبهة في جريان الاقتصاص فيه بعد ثبوت المماثلة من جميع الجهات ، كما لا يخفى .
ثانيها: ما إذا كانت الاصبع الزائدة في الجاني خاصّة ، فإن كانت خارجة عن دائرة الكفّ التي هي محلّ الاقتصاص يقتصّ منه وتبقى الزائدة ، وإن لم يكن كذلك بل كانت في سمت الأصابع منفصلة بحيث لا يكون قطع الأصابع مستلزماً لقطعها ففيه وجهان:
الاوّل: قطع الكفّ المشتمل على الأصابع والاصبع الزائدة بأجمعها وأداء دية الزائدة إلى الجاني ، عملاً ببعض الروايات ، وهي رواية الحسن بن العبّاس بن الحريش المتقدّمة(1) الواردة في رجل قطع كفّ رجل فاقد للأصابع، الدالّة على قصاص مجموع كفّ الجاني وأصابعه وإعطاء دية الأصابع .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 129، أبواب قصاص الطرف ب 10 ح1، وقد تقدّم ذكرها في ص359 ـ 360 .

(الصفحة429)



الثاني: ما استقربه في المتن واختاره المحقّق في الشرائع(1) من دون إشارة إلى الوجه الأوّل ، وهو ثبوت القصاص في الأصابع الخمس دون الزائدة ودون الكفّ ، وفي الكفّ الحكومة ، والوجه فيه مع قطع النظر عن الرواية عدم إمكان رعاية المماثلة بعد استلزام القصاص في المجموع لقطع اليد الزائدة ، فاللاّزم الاقتصار فيه على الأصابع والرجوع في الكفّ إلى الحكومة . ولكن ذكر صاحب الجواهر(2) وجود الاضطراب في كلام الأصحاب، حيث أفتوا على طبق الرواية مرّة وأعرضوا عنها أُخرى ، ومقتضى الاحتياط هو هذا الوجه .
ثالثها: ما إذا كانت الاصبع الزائدة في المجنيّ عليه خاصّة ، والمفروض شمول الجناية لها أيضاً ، ومن الظاهر عدم منعه من القصاص ، غاية الأمر ثبوت دية الاصبع الزائدة له ، وهي ثلث دية الأصلية ، كما أنّه في صورة التصالح والتراضي على الدية يكون له دية الكفّ ودية الاصبع الزائدة معاً .
رابعها: ما إذا كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصليّة وخامسة غير أصليّة ، ولا يجوز فيه قطع اليد السالمة للجاني ـ أي قطع الكفّ المشتمل على جميع الأصابع الأصلية ـ وذلك لما عرفت من أنّه لا يؤخذ الكامل بالناقص والأصليّة بالزائدة ، وعليه فإذا أراد الاقتصاص يجوز القصاص في أربع أصابع التي تكون أصلية ، غاية الأمر أنّه يجوز له أخذ دية الزائدة غير الأصلية ، وكذا أرش الكفّ ; لعدم جواز قطعه لاستلزامه لقطع جميع الأصابع الأصلية .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 1012  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 404 .

(الصفحة430)

الخامس : لو قطع من واحد الأنملة العلياء ومن آخر الوسطى فإن طالب صاحب العليا يقتصّ منه وللآخر اقتصاص الوسطى ، وإن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقاً على صاحب العليا أخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى، وإن عفا أو أخذ الدية فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا ، أو ليس له القصاص بل لابدّ من الدية؟ وجهان، أوجههما الثاني ، ولو بادر صاحب الوسطى وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء، وعليه دية الزائدة على حقّه وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا1.


وممّا ذكرنا يظهر جواز الاقتصاص من الجميع في صورة العكس ، وهو ما إذاكان للجاني أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية ، لأنّه لا مانع من جواز أخذ الناقص بالكامل كما في اليد الشلاّء ، حيث يقتصّ بها من الصحيحة  . نعم في ثبوت الدية بمعنى الأرش ما عرفت في اليد الشلاّء  ، فراجع .

1 ـ في هذا الفرع فروض:
أحدها: ما إذا طالب صاحب العليا الاقتصاص قبل الآخر ، ولا شبهة فيه في الجواز وفي أنّه يجوز للآخر الاقتصاص بعده ، لإمكانه بعد القصاص الأوّل .
ثانيها: عكس هذا الفرض ، وهو ما إذا سبق صاحب الوسطى بمطالبة حقّه واستيفائه ، واللاّزم بعد عدم إمكان الاقتصاص في هذه الحال تأخير حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن أراد الآخر الاقتصاص واقتصّ يتحقّق موضوع القصاص للأوّل ، كالفرض المتقدّم ، فيقتصّ بلا إشكال .
وإن أراد الآخر العفو أو أخذ الدية مع التراضي ولم يقتصّ ففيه وجهان:
الأوّل: أنّه لصاحب الوسطى القصاص المستلزم لقطع العليا أيضاً ، غاية الأمر

(الصفحة431)

السادس : لو قطع يميناً مثلاً فبذل شمالاً للقصاص فقطعها المجنيّ عليه من غير علم بأنّها الشمال فهل يسقط القود أو يكون القصاص في اليمنى باقياً؟ الأقوى هو الثاني ، ولو خيف من السراية يؤخَّر القصاص حتّى يندمل اليسار ،


لزوم ردّ ديتها ، واختاره الشيخ(1) والعلاّمة في بعض كتبه(2) ، ويؤيّده كونه كعفو أحد الشريكين  ، وكردّ الامرأة الزائد على الرجل وغيرهما من النظائر .
الثاني: أنّه ليس له القصاص أصلاً ، بل ينتقل إلى الدّية ، وقد قوّاه في محكي كشف اللّثام(3) ، بل عن العلاّمة الميل إليه في القواعد(4) كما في المسالك(5) ، وفي المتن أنّه أوجه من الأوّل ، ولعلّ الوجه ما عرفت من اعتبار المماثلة في القصاص ، بمعنى أنّه لا يجوز للمجنيّ عليه استيفاء الزائد على حقّه وإن كان مقتضى رواية الحسن بن العبّاس بن الحريش المتقدّمة الجواز ، لكن عرفت من الجواهر إعراض الأصحاب عن مقتضاها في كثير من الموارد ، ولعلّه لذا تردّد في القواعد في ظاهرها . ومقتضى الاحتياط هذا الوجه أيضاً .
ثالثها: الفرض الثاني مع مبادرة صاحب الوسطى بالاقتصاص عملاً قبل استيفاء العليا ، والحكم فيه ثبوت العصيان وثبوت دية الزائدة على حقّه ; لعدم إمكان الاقتصاص فيه كما هو ظاهر . وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا ، لانتفاء موضوع القصاص بالإضافة إليه .


(1) المبسوط: 7 / 90  .
(2) تحرير الأحكام: 2 / 260 ، إرشاد الأذهان: 2 / 210  .
(3) كشف اللثام: 2 / 473  .
(4) استشكل الحكم بجواز الاقتصاص في قواعد الأحكام: 2 / 305 .
(5) مسالك الأفهام: 15 / 298  .

(الصفحة432)

ولا دية لو بذل الجاني عالماً بالحكم والموضوع عامداً ، بل لا يبعد عدمها مع البذل جاهلاً بالموضوع أو الحكم ، ولو قطعها المجنيّ عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل الجاني بل عليه القود ، وأمّا مع علمه وبذله فلا شبهة في الإثم ، لكن في القود والدية إشكال1.


1 ـ لو قطع يميناً مثلاً فبذل الجاني شمالاً للقصاص فقطعها المجنيّ عليه مكان اليمين ففيه صورتان:
الصورة الاُولى: ما إذا لم يعلم المجنيّ عليه بأنّها الشمال ، بل تخيّل أنّها اليمين التي وقعت الجناية في مثلها ، وفيها جهات من الكلام:
الأولى: أنّه هل يكون قطع الشمال مكان اليمين موجباً لسقوط حقّ الاقتصاص بالإضافة إلى اليمين أم لا؟ حكي الأوّل عن الشيخ في المبسوط حيث قال: والذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسقط عنه القود(1) . وعلّله في الجواهر بأنّ اليسار تكون بدلاً عن اليمين في الجملة ، ولصدق «اليد باليد»(2)  . والثاني عن المهذب(3) بل هو خيرة أكثر المتأخّرين(4) ، وتردّد المحقّق في الشرائع(5) معلّلاً بأنّ المتعيّن قطع اليمين فلا تجزىء اليسرى مع وجودها ، وعلى هذا يكون القصاص في اليمنى باقياً .
والأقوى كما في المتن هو هذا الوجه حتى في صورة العلم بأنّها الشمال ; لأنّه يصير مثل ما إذا وقعت جناية عمدية من المجنيّ عليه بالإضافة إلى الجاني ، فإنّه لو جنى

(1) المبسوط : 7 / 101  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 409  .
(3) المهذّب : 2 / 485  .
(4) راجع جواهر الكلام: 42 / 410  .
(5) شرائع الإسلام: 4 / 1013 .

(الصفحة433)



كلّ من اثنين على آخر بقطع اليمين من أحد واليسار من آخر ، فهل يوجب ذلك سقوط القصاصين أو أنّ حقّ كلّ واحد ثابت في البين؟ الظاهر هو الثاني ، فكذا المقام بل أولى . نعم لو خيف من السراية إلى النفس بتوارد القطعين وتوالي العملين يؤخّر القصاص إلى اندمال اليسار . قال كاشف اللِّثام بعد الحكم بضمان أحد القطعين دون الآخر: فيضمن نصف السراية  ، بخلاف ما لو قطع يدين فإنّه يوالي بين قطع يديه ، فإنّ السراية إن حصلت فعن غير مضمون(1) . وتنظّر فيه في الجواهر بقوله: وفيه نظر ، أمّا أوّلاً فلاحتمال عدم الضمان فيهما في الفرض للجهل بالأوّل والاستحقاق في الثاني . وأمّا ثانياً فقد يقال بضمانه هنا النفس ، وإن كان الجرحان معاً غير مضمونين ، باعتبار اشتراط استيفاء القصاص في الطرف بعدم التغرير بها ، فإذا اقتصّ مغرّراً بها ضمنها ، وإن لم تكن الجناية مضمونة لو اندملت فهو كما لو قطع اليد الشلاّء التي حكم أهل الخبرة بعدم انحسامها . وقال بعد ذلك: والمسألة لاتخلو من إشكال(2) .
الثانية: لا إشكال في أنّ قطع الشمال في هذه الصورة التي يكون المجنيّ عليه فيها جاهلاً بأنّها هي الشمال لا يوجب ثبوت حقّ القصاص للجاني بالنسبة إلى المجنيّ عليه ; لعدم تحقّق موجبه الذي هو القطع عدواناً وظلماً . ومن الواضح اعتبار العلم في ثبوت الظلم المحرّم .
الثالثة: هل يثبت على المجنيّ عليه دية ما قطعه من الشمال أم لا؟ ظاهر المتن عدم الثبوت مطلقاً ولو كان الجاني جاهلاً بالموضوع أو الحكم ، وظاهر المحقّق في

(1) كشف اللثام: 2 / 472  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 410  .

(الصفحة434)



الشرائع التفصيل، حيث قال: وأمّا الدية ، فإن كان الجاني سمع الآمر بإخراج اليمنى فأخرج اليسار مع العلم بأنّها لا تجزي ، وقصده إلى إخراجها فلا دية أيضاً(1) ، وهو المحكيّ عن الشيخ(2) والعلاّمة(3) وغيرهما .
واستدلّ في الجواهر لعدم ثبوت الدية في هذا الفرض ، بأنّ السبب فيه أقوى من المباشر ، فهو كتقديم الطعام المسموم للضيف وغيره .
واستشكل فيه في محكيّ المسالك: بأنّ الحكم في تقديم الطعام ونظائره مستند إلى العادة الغالبة مع اتّفاق المسؤول والمبذول ، والأمر في المتنازع(4) ليس كذلك ، فإنّ المسؤول إخراج اليمنى ، والمبذول اليسار ، ولأنّ الإذن في هذا الفعل لا يؤثّر في الإباحة ، بخلاف الأمثلة المذكورة ، فكان القول بثبوت الدية أوجه(5) .
والظاهر عدم صحّة الإشكال المزبور بعد عدم ابتناء المسألة على الإذن ، بل على أقوائية السبب من المباشر ، وهي لا فرق فيها بين المال والنفس أصلاً .
وأمّا فرض جهل الجاني بالموضوع أو الحكم الذي هو عبارة عن عدم الاجتزاء به في مقام قصاص الجناية ، فربّما يقال فيه بأنّ الأقوائيّة المزبورة متحقّقة ، لأنّ الملاك فيها هو جهل المستوفي بالحال ، وأمّا جهل الباذل فلا دخالة له فيها ، فلا مجال لثبوت الدية أيضاً كالقصاص . ولكنّه ربّما يقال ـ بعد لزوم معرفة المجنيّ عليه كونها يميناً في مقام القصاص : ـ إنّه مقصّر في قطعها ، اعتماداً على بذل المقتصّ منه

(1) شرائع الإسلام: 4 / 1013  .
(2) المبسوط : 7 / 100  .
(3) تحرير الأحكام: 2 / 261 ، إرشاد الأذهان: 2 / 209 ، قواعد الأحكام: 2 / 304 .
(4) مسالك الأفهام: 15 / 299 ـ 300  .
(5) جواهر الكلام: 42 / 410 ـ 411 .

(الصفحة435)



لها ، ولكن لا قصاص عليه لعدم العدوان عمداً فيه ، بخلاف الدية .
ولكن يرد عليه كما في الجواهر(1) بأنّه يكفي إقرار من عليه الحق بأنّها اليمين ، لعموم أدلّة الإقرار ، فتأمّل . ومع ذلك كلّه فالمسألة مشكلة ، والحكم بثبوت الدية لعلّه أشبه .
الصورة الثانية: ما إذا قطعها المجنيّ عليه عالماً بكونها اليسار ، فإن كان ذلك مع جهل الجاني فلا إشكال في ثبوت القود عليه ، ولكنّه لا يوجب سقوط حقّ القصاص الذي كان مستحقّاً له ، وعليه فلكلّ من المجنيّ عليه والجاني حقّ الاقتصاص ، وكان اللاّزم أن يتعرّض المتن لهذه الجهة التي لأجلها وقع التعرّض لهذا الفرع ، كما لا يخفى .
وأمّا مع علم الجاني أيضاً بذلك ومع ذلك وقع البذل منه ، ففي المتن بعد نفي الشبهة عن ثبوت الإثم استشكل في القصاص والدية ، ولكن ربّما يقال بثبوت القصاص ; لأنّ المجنيّ عليه مع فرض علمه بأنّ هذه يساره ولا يجوز له قطعها ، إذا أقدم عليه وقطعها دخل ذلك في القطع عمداً وعدواناً ، الذي هو الموضوع للقصاص . وقال في محكيّ المبسوط: سقط القود إلى الدية ، لأنّه بذلها للقطع ، وكانت شبهة في سقوط القود(2) . وأورد عليه المحقّق في الشرائع(3) بأنّه أقدم على قطع ما لا يملكه ، فيكون كما لو قطع عضواً غير اليد ، والإذن لا يوجب شرعية القطع ، ولا مجال لدعوى كون الشبهة لأجل تولّد الداعي فيه إلى قطعها ببذلها ، وعليه فلا مجال لما عن غاية المراد من كونها هدراً ; لأنّه أخرج بنيّة الإباحة ،

(1) جواهر الكلام: 42 / 411  .
(2) المبسوط : 7 / 102  .
(3) شرائع الإسلام: 4 / 1013  .

(الصفحة436)

السابع : لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى مثلاً ثم اليد اليمنى من آخر اقتصّ للأوّل ، فيقطع إصبعه ثم يقطع يده للآخر ، ورجع الثاني بدية إصبع على الجاني ، ولو قطع اليد اليمنى من شخص ثم قطع إصبعاً من اليد اليمنى لآخر اقتصّ للأوّل ، فتقطع يده وعليه دية الإصبع الآخر1.


ولا يضمن السراية ويعزّران لحق الله تعالى(1) .
وكيف كان فالظاهر بعدعدم تأثيرالعلم ـ أي علم الجاني ـ وإذنه ثبوت القصاص، فهو كما لو أذن صريحاً بالقتل فقتله القاتل عدواناً ، حيث لا يوجب ذلك سقوط القصاص بوجه. وثبوت استحقاق القصاص في المقام لا يوجب الفرق بعد علم المجنيّ عليه بعدم كون العضو المبذول هو العضو الذي يجري فيه القصاص ، كما لا يخفى.

1 ـ أمّا الفرض الأوّل فالوجه في الاقتصاص فيه واضح ، لإمكانه بالنسبة إلى كلا المجنيّ عليهما ، فيقطع الأوّل الإصبع ، والثاني اليد ، والوجه في رجوع الثاني بدية إصبع على الجاني هو كون يده في حال الاقتصاص الثاني ناقصة بإصبع ، وقد تقدّم البحث في هذه الجهة في بعض المسائل السابقة(2) .
وأمّا الفرض الثاني فالوجه في اقتصاص اليد فيه ظاهر أيضاً ، وحيث أنّه لا يبقى معه موضوع للاقتصاص الثاني فيجب عليه ردّ دية إصبع إلى الثاني ، لكن هل اللاّزم في مقام القصاص مراعاة المتقدّم في الجناية أم لا؟ كلام تقدّم البحث فيه أيضاً(3) ، فراجع .


(1) غاية المراد: 378 (مخطوط)  .
(2) تقدّم في ص420 ـ 422 .
(3) تقدّم في ص373 .

(الصفحة437)

الثامن : إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال، فإن اندملت فلا قصاص في عمده ولا دية في خطئه وشبه عمده ، ولو قال : عفوت عن الجناية فكذلك . ولو قال في مورد العمد: عفوت عن الدية لا أثر له . ولو قال: عفوت عن القصاص سقط القصاص ولم تثبت الدية، وليس له مطالبتها . ولو قال: عفوت عن القطع أو عن الجناية ، ثم سرت إلى الكفّ خاصّة سقط القصاص في الإصبع وهل له القصاص في الكفّ مع ردّ دية الأصابع المعفو عنها أو لابدّ من الرجوع إلى دية الكفّ؟ الأشبه الثاني مع أنّه أحوط . ولو قال: عفوت عن القصاص ثم سرت إلى النفس فللولي القصاص في النفس ، وهل عليه ردّ دية الإصبع . المعفوّ عنها؟ فيه إشكال بل منع وإن كان أحوط ، ولو قال : عفوت عن الجناية ثم سرت إلى النفس فكذلك ، ولو قال: عفوت عنها وعن سرايتها فلا شبهة في صحّته فيما كان ثابتاً . وأمّا فيما لم يثبت ففيه خلاف ، والأوجه صحّته1.


1 ـ إذا قطع إصبع رجل  ، ثم تحقّق العفو من المجنيّ عليه قبل الاندمال ، فتارة يتحقّق الاندمال بعده ، واُخرى يسري إلى خصوص الكفّ ، وثالثة إلى النفس . كما أنّ المعفوّ عنه تارة يكون هو القطع ، واُخرى الجناية فقط ، أو هي مع السراية ، وثالثة الدية في مورد العمد ، ورابعة القصاص ، ففي المسألة فروض متعدّدة لابدّ من التعرّض لها إن شاء الله تعالى ، فنقول:
أمّا فيما إذا تحقّق الاندمال بعده ولم تتحقّق السراية بوجه ، فإن كان المعفوّ عنه هو القطع أو الجناية يترتّب عليه سقوط القصاص في العمد والدية في اُختيه ، ولا مجال لدعوى عدم صحّة العفو ، لأنّ العبرة في الجناية بحال الاندمال الذي هو حال الاستقرار ، فلا حكم للعفو قبله ، وذلك لوضوح مخالفته للكتاب والسنّة

(الصفحة438)



والفتاوى ، فإنّ ظاهرها فعليّة الحقّ بتحقّق الجناية ، والاندمال لا يكشف عن عدمه ، ومع ثبوته وفعليّته يجوز إسقاطه من صاحبه .
ولو قال في هذا الفرض في مورد العمد: عفوت عن الدية لا أثر له ، لما عرفت من أنّه مع تحقّق موجب القصاص يكون الحكم المترتّب عليه هو القصاص بنحو التعيّن لا الدية ، ولا التخيير بين القصاص وبين الدية . وعرفت أيضاً أنّ الانتقال إلى الدية إنّما هو في صورة التراضي وتحقّق المصالحة ، فالحقّ الثابت ابتداءً هو القصاص ، وعليه فلا مجال للعفو عن الدية في مورده ، ويترتّب على ما ذكرنا أنّه لو قال في هذا لمورد عفوت عن القصاص ، يترتّب عليه سقوط القصاص بلا شبهة ، لأنّه حقّ فعليّ ثابت له ، وبتبعه يسقط الدية أيضاً ، لأنّ ثبوتها كان بعنوان المصالحة عنه ووقوعها عوضاً ، ومع سقوطه لا يبقى للمعاوضة والمصالحة مجال ، كما لا يخفى .
وأمّا فيما إذا تحقّق بعد العفو عن القطع أو الجناية السراية إلى الكفّ بحيث لم يكن في حال العفو سراية بوجه ، فلا إشكال ولا خلاف في تأثير العفو في سقوط حقّ القصاص بالإضافة إلى الإصبع المقطوعة ، لثبوته فعلاً ، كما أنّه لا معنى لدعوى سراية العفو إلى السراية المتحقّقة بعده ، لكون السراية غير متحقّقة حال العفو أوّلاً ، وكون المعفوّ هو القطع أو الجناية ، والسراية ليست بقطع ، ولا تلك الجناية ، بل هي كالجناية الجديدة ثانياً .
وعليه فالسراية مضمونة، وحينئذ يقع الكلام بعد سقوط حق القصاص في الإصبع وضمان السراية الحادثة بعد العفو ، في أنّه يجوز له الاقتصاص في الكفّ المستلزم لقطع الإصبع المعفوّ عنها ، غاية الأمر يجب عليه ردّ دية تلك الإصبع إلى الجاني  ، لتحقّق العفو بالإضافة اليه  ، أو أنّه ينتقل إلى الدية ، ولا يبقى مجال للاقتصاص في الكف؟


(الصفحة439)



ظاهر الأصحاب هو الثاني ، وقد صرّح به المحقّق في الشرائع(1) ، وكذا في محكيّ المسالك(2) والإرشاد(3) والروض(4) ومجمع البرهان(5) ، بل حكي عن الشيخ في المبسوط(6) أيضاً . والوجه فيه أنّ في قطع الكفّ تغريراً بالإصبع المعفوّ عنها فيسقط القصاص فيه ، لكونه كقطع كفّ كامل بناقص ، ولكن قد عرفت أنّ المستفاد من بعض الروايات(7) جواز القطع له مع ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها ، ولكن حيث أنّ الأصحاب لم يتعدّوا عن مورده ، بل كلماتهم في الموارد مختلفة ومضطربة ، حيث يظهر التعدّي في بعض الموارد وعدم التعدّي في البعض الآخر ، فلا مساغ للعدول عمّا هو مقتضى القاعدة ، وعليه فالأرجح هو القول الثاني مع أنّه أحوط ، كما في المتن .
وأمّا إذا تحقّق العفو عن القصاص أو الجناية ، ثم سرت الجناية إلى النفس فلا شبهة في عدم تأثير العفو المزبور في سقوط القصاص بالإضافة إلى النفس ، لعدم تعرّض للعفو للشمول للقصاص في النفس ، لأنّ المفروض كون المعفوّ عنه هو القصاص أو الجناية ، والسراية حادثة بعده . والمحكي عن الأردبيلي (قدس سره)احتمال سقوط القصاص ، لأنّه قد عفى عن هذه الجناية ، فصار ما ثبت لها ساقطاً ، وباقي أثرها معفوّ عنه غير مضمون حينئذ ، لأنّ المتبادر من العفو عن الجناية العفو عنها

(1) شرائع الإسلام: 4 / 1014  .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 308  .
(3) إرشاد الأذهان: 2 / 212  .
(4) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 155  .
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 140  .
(6) المبسوط: 7 / 109  .
(7) مرّ في ص359 ـ 360 .

(الصفحة440)



وعن جميع لوازمها . قال: وهذا يجري في الكفّ ، نعم لو قيل : إنّه لو علم أنّ المراد العفو عن الواقع فقط أو أنّ العفو عن السراية لم يصحّ، اتّجه ذلك ، وإلاّ ففيه تأمّل(1) .
ويرد عليه أنّه إن أراد شمول العفو للسراية أيضاً فمن الواضح خلافه ; لعدم وجه للشمول بعد عدم كون السراية متحقّقة في حال العفو ، والعفو عن الجناية الجزئية لا يستلزم العفو عن الجناية الكلّية وهي النفس . وإن أراد أنّ دليل ضمان السراية إنّما يكون موردها ما إذا كان أصل الجناية مضمونة ، فبعد العفو عنه لا مجال لشمول دليل ضمان السراية ، خصوصاً لو قلنا بأنّ الدليل عليه هو الإجماع الذي يقتصر فيه على القدر المتيقّن ، فيرد عليه وضوح كون أصل الجناية في المقام مضمونة ، غاية الأمر سقوط الضمان بالعفو ، وعليه فمقتضى كون السراية مضمونة ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى النفس ، فتدبّر .
وبعد ثبوت حقّ الاقتصاص بالنسبة إليها هل يجب على المقتصّ ردّدية الإصبع المعفوّ عن قصاصها أوجنايتها كما صرّح به المحقّق في الشرائع(2) أو لا؟ وفي المتن تبعاً للقواعد(3) وفخر المحقّقين(4) والشهيد(5) والمقدس الأردبيلي(6) الإشكال فيه ، بل في المتن المنع ، ولعلّ الوجه فيه ما عرفت من دخول الطرف في النفس ، فهو كقتل كامل بمن قطع يده غيره أو تلف بآفة ، أو أنّه بعفوه عنه كانّه اقتصّ منه ، فكما لا

(1) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 141  .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 1014  .
(3) قواعد الأحكام: 2 / 306  .
(4) إيضاح الفوائد: 4 / 640  .
(5) غاية المراد: 382 (مخطوط)  .
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 141  .

(الصفحة441)



يغرم لو سرى الجرح بعد اقتصاصه عوضه فيقتله بالسراية من غير ردّ لما استوفاه فكذا المقام . وفي الجواهر بعد ذكر الوجهين : إلاّ انّهما معاً كما ترى(1) .
والوجه فيه عدم كون الطرف داخلاً في النفس بصورة الإطلاق ، بل قد تقدّم فيه التفصيل(2) وعدم كون العفو بمنزلة القصاص في جميع الآثار ، والمسألة مشكلة ، ومقتضى الاحتياط هو الردّ .
بقي الكلام في هذا الفرع فيما لو عفا عن الجناية والسراية معاً ، فإن كان العفو في حال تحقّق السراية كما في السراية إلى الكفّ بعد تحقّقها  ، فلا إشكال في صحّته وسقوط حكم الجناية والسراية معاً .
وإن كان في حال عدم تحقّقها فالمسألة خلافية . فعن الشيخ في الخلاف(3)الصحّة ، بل عن الشهيدين في غاية المراد(4) والروض(5) والمقدس الأردبيلي في مجمع البرهان(6) الميل أو القول إليها ، والمحكي عن أبي علي(7) والشيخ في المبسوط(8) والعلاّمة(9) وولده(10) وغيرهم(11) عدم الصحّة ، واختاره

(1) جواهر الكلام: 42 /427  .
(2) تقدّم في ص90 ـ 94 .
(3) الخلاف : 5 / 208 مسألة 86 .
(4) غاية المراد: 382 (مخطوط)  .
(5) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 157  .
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 142 ـ 143  .
(7) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 456 مسألة 135  .
(8) المبسوط : 7 / 110  .
(9) إرشاد الأذهان: 2 / 212  ، مختلف الشيعة: 9 / 457 مسألة 135 .
(10) إيضاح الفوائد: 4 / 641  .
(11) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: 15 / 309  .

(الصفحة442)



صاحب  الجواهر(1) .
وعمدة ما يستدلّ به عليه أنّه إبراء ممّا لا يجب ، وأنّه إسقاط لحقّ الغير وهو الوليّ ، نظراً إلى أنّ القصاص إنّما يكون مجعولاً للوارث ، كما هو ظاهر قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَد جَعَلنَا لِولِيِّهِ سُلطَاناً}(2) ، فإنّ ظاهره جعل السلطنة ابتداء للوارث من دون أن يكون منتقلاً إليه من المورِّث ، كسائر ما تركه من مال أو حقّ ، بل ومثل القصاص الدية وإن تعلّقت بها وصاياه وديونه ، للدليل .
وعليه فلا مجال لجعل العفو المفروض من مصاديق الوصيّة للقاتل ، وإن حكي عن الشيخ في الخلاف أنّه قال: يصحّ العفو عنها وعمّا يحدث عنها ، فلو سرت كان عفوه ماضياً من الثلث ، لأنّه بمنزلة الوصية(3) . وذلك لأنّ مورد الوصية إنّما هو مال الميّت أو حقّه ، وبعد عدم كون القصاص حقّاً له بوجه لا يبقى وجه للحكم بكونه وصية يترتّب عليه أحكامها .
هذا ، ولكنّ الظاهر الذي يساعد الاعتبار أنّ حقّ القصاص إنّما يكون للميّت ابتداء ، لأنّه عوض نفسه ، كما أنّ حقّ الاقتصاص في الطرف ثابت للمجنيّ عليه ، غاية الأمر إنّ الفرق بينهما هو إمكان استيفاء الحقّ في الثاني للمجنيّ عليه وعدم إمكانه في الأوّل له ، ولأجله ينتقل إلى الوارث خصوصاً مع ما ذكرنا من أنّ المراد بالوليّ هو الوارث ، وخروج الزوج والزوجة أو المتقرّب بالاُمّ مطلقاً أو خصوص الإخوة والأخوات ـ كما مرّ البحث فيه(4) ـ لا ينافي ذلك ، كخروج الزوجة عن إرث

(1) جواهر الكلام: 42 / 430 .
(2) الإسراء 17 : 33  .
(3) الخلاف : 5 / 208 مسألة 86  .
(4) مرّ في ص290 ـ 292 .

(الصفحة443)

التاسع : لو عفا الوارث الواحد أو المتعدّد عن القصاص سقط بلا بدل فلايستحقّ واحد منهم الدية رضي الجاني أو لا ، ولو قال: عفوت إلى شهر أو إلى سنة لم يسقط القصاص ، وكان له بعد ذلك القصاص . ولو قال : عفوت عن نصفك أو عن رجلك، فإن كنى عن العفو عن النفس صحّ وسقط القصاص ، وإلاّ ففي سقوطه إشكال بل منع . ولو قال: عفوت عن جميع أعضائك إلاّ رجلك مثلاً ، لا يجوز له قطع الرجل ولا يصحّ الإسقاط1.


بعض الأموال في كتاب الإرث . وعليه فلا يكون مرجع العفو إلى إسقاط حقّ الغير وهو الولي ، بل إسقاط لحقّ نفسه .
وأمّا كونه إبراء ممّا لا يجب ، فلا مانع منه بعد قيام الدليل على جوازه وصحّته في بعض الموارد ، كالإبراء عن الجناية للطبيب والبيطار ، بل في المقام يكون بطريق أولى ، لأنّه هناك كان الإبراء عن الجناية قبلها ، وهنا يكون بين الجناية وبين السراية كما هو المفروض . مضافاً إلى دلالة عموم مثل قوله(صلى الله عليه وآله): «المؤمنون عند شروطهم»(1) عليه ، وإلى ما ورد من الترغيب في العفو شرعاً الملازم للصحّة والتأثير ، ولعلّه لما ذكرنا جعل الأوجه في المتن الصحّة ، فتدبّر .

1 ـ في هذا الفرع فروض:
أحدها: ما لو عفا الوارث ـ واحداً كان أو متعدّداً ـ عن القصاص فهل يسقط بلا بدل أو تستحقّ الدية مع سقوط القصاص خصوصاً مع رضا الجاني بذلك؟ الظاهر هو الأوّل ، لما مرّ في المسألة الاُولى من مسائل كيفية الاستيفاء من أنّ الثابت في قتل العمد هو القصاص على سبيل التعيّن لا الدية ولا التخيير بينها وبينه ، وعليه فما هو

(1) وسائل الشيعة: 15/30 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب20 ح4 .

(الصفحة444)

العاشر : لو قال: عفوت بشرط الدية ، ورضي الجاني وجبت دية المقتول لا دية القاتل1.


الثابت ليس إلاّ القصاص فقط ، والمفروض عفو الوارث عنه ، فلا مجال لثبوت البدل له ولو مع رضا الجاني بذلك .
ثانيها : ما لو قال الوارث : عفوت إلى شهر أو إلى سنة ، الظاهر بطلان العفو في هذا الفرض ، لأنّ القصاص الذي هو حقّ ثابت للولي لا يكون مرتبطاً بالزمان ومتفرّقاً على أجزائه ، فتقييده بالشهر أو السنة يوجب عدم وقوعه صحيحاً  ، إلاّ أن يكون مراده تأخير إجرائه إلى ذلك الزمان ، ولا دليل على لزوم العمل به حينئذ أيضاً . أو يقال: إنّ التقييد بالزمان المذكور حيث يستلزم بطلان العفو فلِمَ لا يكون التقييد باطلاً ، وعليه فيبقى إطلاق العفو بحاله ، ولازمه سقوط القصاص ، فتدبّر .
ثالثها: ما لو قال الوارث : عفوت عن نصفك مثلاً أو عن رجلك ، فإن كان المراد هوالعفو عن قصاص النفس وقدوقع التعبيربذلك كناية عنه فالظاهرصحّته وسقوط القصاص ، وإلاّ ففي سقوط القصاص إشكال بل منع ، لعدم تبعّضه في النفس فالتقييد بالبعض لا يكاد يقع صحيحاً، فلا يترتّب عليه سقوط القصاص بوجه .
رابعها: ما لو قال الوارث: عفوت عن جميع أعضائك إلاّ رجلك مثلاً ، وظهر ممّا ذكرنا في الفرض الثالث عدم صحّة هذا النحو من الإسقاط ، ويترتّب عليه عدم سقوط حقّ القصاص بوجه ، كما أنّه لا يجوز له قطع الرجل في المثال ، سواء قلنا بعدم سقوط حقّ القصاص أو قلنا بالسقوط ، كما لا يخفى .

1 ـ الوجه في ثبوت دية المقتول دون القاتل إذا اختلفا في الدية كالرجل والمرأة، وضوح كون المراد وقوعها عوضاً عن المقتول بدلاً للقصاص الذي كان هو حق

(الصفحة445)



الوليّ ابتداء ، فالمعوّض في كليهما هو نفس المقتول  ، ولا ارتباط من هذه الجهة بالقاتل ، فإطلاق الدية المشروطة من حيث اللفظ ينطبق على خصوص دية المقتول من حيث المراد ، كما هو ظاهر .

هذا تمام البحث في شرح كتاب القصاص من كتاب تحرير الوسيلة لسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام الخميني أدام الله ظلّه الوارف على رؤوس المسلمين ، وأخرجهم ببركته من سلطة الكفّار والمعاندين ومن يحذوا حذوهم من الجاهلين والمرتجعين .
والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً ، وأنا المفتقر إلى رحمة ربِّه الغني: محمّد الموحّدي المعروف بالفاضل اللنكراني ابن العلاّمة الفقيد آية الله المرحوم الحاج الشيخ فاضل اللنكراني قدّس سرّه الشريف ، والرجاء منه تعالى التوفيق لإتمام سائر المباحث ، وأن يجعل ذلك ذخيرة لي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، بحق محمّد وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . وكان ذلك في بلدة قم المحميّة في شهر ذيقعدة الحرام من شهور سنة 1407 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء والتحية ، والسلام خير ختام .
<<التالي الفهرس السابق>>