في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة221)

الجليّة ، كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام : إنّ الله تعالى سنّ الحجّ ووضعه على عباده إظهاراً لجلاله وكبريائه ، وعلوّ شأنه وعظم سلطانه ، وإعلاناً لرقّ الناس وعبوديّتهم وذلّهم واستكانتهم ، وقد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم ، والملاّك لمماليكهم ، يستذلّونهم بالوقوف على باب بعد باب، واللبث في حجاب بعد حجاب .
وأنّ الله تعالى قد شرّف البيت الحرام وأضافه إلى نفسه ، واصطفاه لقدسه ، وجعله قياماً للعباد ، ومقصداً يؤمّ من جميع البلاد ، وجعل ما حوله حرماً ، وجعل الحرم آمناً ، وجعل فيه ميداناً ومجالاً، وجعل له في الحلّ شبيهاً ومثالاً ، فوضعه على مثال حضرة الملوك والسلاطين ، ثمّ أذّن في الناس بالحجّ ليأتوه رجالاً وركباناً من كلّ فجّ ، وأمرهم بالإحرام وتغيير الهيئة واللباس شُعثاً غُبراً، متواضعين مستكينين ، رافعين أصواتهم بالتلبية وإجابة الدعوة ، حتّى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول ، وأوقفهم في حجبه يدعونه ويتضرّعون إليه ، حتّى إذا طال تضرّعهم واستكانتهم ورجموا شياطينهم بجمارهم ، وخلعوا طاعة الشيطان من رقابهم، أذن لهم بتقريب قربانهم وقضاء تفثهم ، ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم وبينه ، وليزوروا البيت على طهارة منهم ، ثمّ يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرقّ وكنه العبوديّة ، فجعلهم تارة يطوفون فيه ، ويتعلّقون بأستاره ، ويلوذون بأركانه ، واُخرى يسعون بين يديه مشياً وعدواً ; ليتبيّن لهم عزّ الربوبيّة ، وذلّ العبوديّة ، وليعرفوا أنفسهم ، ويضع الكبر من رؤوسهم ، ويجعل نير الخضوع في أعناقهم ، ويستشعروا شعار المذلّة ، وينزعوا ملابس الفخر والعزّة وهذا من أعظم فوائد الحجّ .
مضافاً إلى ما فيه من التذكّر بالإحرام والوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر ، وأهوال يوم القيامة ، إذ الحجّ هو الحشر الأصغر ، وإحرام الناس وتلبيتهم

(الصفحة222)

وحشرهم إلى المواقف ووقوفهم بها، والهين متضرّعين راجعين إلى الفَلاح أو الخَيبة والشقاء ، أشبه شيء بخروج الناس من أجداثهم ، وتوشّحهم بأكفانهم ، واستغاثتهم من ذنوبهم ، وحشرهم إلى صعيد واحد إلى نعيم أو عذاب أليم ، بل حركات الحاجّ في طوافهم وسعيهم ورجوعهم وعودهم يشبه أطوار الخائف الوَجِل، المضطرب المدهوش الطالب مَلجأً ومَفزعاً ، نحو أهل المحشر في أحوالهم وأطوارهم ، فبحلول هذه المشاعر والجبال والشِعب والطَلال ولدى وقوفه بمواقفه العظام يهون ما بأمامه من أهوال يوم القيامة من عظائم يوم الحشر ، وشدائد النشر ، عصمنا الله وجميع المؤمنين ، ورزقنا فوزه يوم الدين ، آمين ربّ العالمين(1) . وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .



(1) من أوّل كتاب الحجّ إلى هنا لنجله الأمجد الأوحد حضرة السيّد محمد، بأمر والده (قدس سرهما).

(الصفحة223)





بسم الله الرحمن الرحيم



فصل
[في وجوب الحجّ]

من أركان الدين الحجّ ، وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية من الرجال والنساء والخناثى بالكتاب والسنّة والإجماع من جميع المسلمين ، بل بالضرورة ، ومنكره في سلك الكافرين ، وتاركه عمداً مستخفّاً به بمنزلتهم ، وتركه من غير استخفاف من الكبائر ، ولايجب في أصل الشرع إلاّ مرّة واحدة في تمام العمر ، وهو المسمّى بحجّة الإسلام ; أي الحجّ الذي بني عليه الإسلام ، مثل الصلاة والصوم والخمس والزكاة ، وما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجدة كلّ عام ـ على فرض ثبوته ـ شاذّ مخالف للإجماع والأخبار ، ولابدّ من حمله على بعض المحامل ، كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكّد ، أو الوجوب على البدل ; بمعنى أنّه يجب عليه في عامه ، وإذا تركه ففي العام الثاني وهكذا ، ويمكن حملها على الوجوب الكفائي ، فإنّه لايبعد وجوب الحجّ كفاية

(الصفحة224)

على كلّ أحد في كلّ عام إذا كان متمكّناً بحيث لا تبقى مكّة خالية عن الحجّاج ، لجملة من الأخبار الدالّة على أنّه لايجوز تعطيل الكعبة عن الحجّ ، والأخبار الدالّة على أنّ على الإمام ـ كما في بعضها ـ وعلى الوالي ـ كما في آخر ـ أن يجبر الناس على الحجّ والمقام في مكّة وزيارة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، والمقام عنده ، وأنّه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال .
[2980] مسألة 1 : لا خلاف في أنّ وجوب الحجّ بعد تحقّق الشرائط فوري ; بمعنى أنّه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة ، فلا يجوز تأخيره عنه ، وإن تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا ، ويدلّ عليه جملة من الأخبار ، فلو خالف وأخّر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصياً ، بل لا يبعد  كونه كبيرة ، كما صرّح به جماعة ، ويمكن استفادته من جملة من الأخبار .
[2981] مسألة2 : لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من السفر وتهيئة أسبابه وجبت المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحجّ في تلك السنة ، ولو تعدّدت الرفقة وتمكّن من المسير مع كلّ منهم اختار  أوثقهم سلامةً وإدراكاً ، ولو وجدت واحدة  ولم يعلم حصول اُخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير والإدراك للحجّ بالتأخير ، فهل يجب الخروج مع الاُولى ، أو يجوز التأخير إلى الاُخرى بمجرّد احتمال الادراك ، أو لايجوز إلاّ مع الوثوق؟ أقوال ، أقواها الأخير ، وعلى أيّ تقدير إذا لم يخرج مع الاُولى واتّفق عدم التمكّن من المسير ، أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير ، استقرّ عليه الحجّ وإن لم يكن آثماً بالتأخير ; لأنّه كان متمكّناً من الخروج مع الاُولى ، إلاّ إذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً .


(الصفحة225)


فصل
في شرائط وجوب حجّة الإسلام

وهي اُمور :
أحدها : الكمال بالبلوغ والعقل ، فلايجب على الصبي وإن كان مراهقاً ، ولا على المجنون وإن كان أدواريّاً ; إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال ، ولو حجّ الصبي لم يجز عن حجّة الإسلام ، وإن قلنا بصحّة عباداته وشرعيّتها كما هو الأقوى، وكان واجداً لجميع الشرائط سوى البلوغ ، ففي خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام) : «لو أنّ غلاماً حجّ عشر حجج ثمّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام». وفي خبر إسحاق ابن عمّار، عن أبي الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين يحجّ ؟ قال (عليه السلام) : «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم ، وكذا الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» .
[2982] مسألة 1 : يستحب للصبيّ المميّز أن يحجّ وإن لم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام ، ولكن هل يتوقّف ذلك على إذن الوليّ أو لا ؟ المشهور ـ بل قيل : لا خلاف فيه ـ : أنّه مشروط بإذنه ; لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي وللكفّارة ، ولأنّه عبادة متلقّاة من الشرع مخالف للأصل ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وفيه : أنّه ليس تصرّفاً ماليّاً ، وإن كان ربما يستتبع المال ، وأنّ العمومات كافية في صحّته وشرعيّته مطلقاً ، فالأقوى عدم الاشتراط في صحّته وإن وجب الاستئذان في بعض الصور ، وأمّا البالغ فلايعتبر في حجّه المندوب إذن الأبوين إن لم يكن مستلزماً للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيّتهما ، وأمّا في حجّه الواجب فلا إشكال .
[2983] مسألة 2 : يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي الغير المميّز بلا خلاف ;

(الصفحة226)

لجملة من الأخبار ، بل وكذا الصبيّة ، وإن استشكل فيها صاحب «المستند» . وكذا المجنون، وإن كان لا يخلو عن إشكال ; لعدم نصّ فيه بالخصوص فيستحقّ الثواب عليه ، والمراد بالإحرام به جعله محرماً ، لا أن يحرم عنه ، فيلبسه ثوبي الإحرام ويقول : «اللهمّ إنّي أحرمت هذا الصبي» الخ ، ويأمره بالتلبية ; بمعنى أن يلقّنه إيّاها ، وإن لم يكن قابلاً يلبّي عنه ، ويجنّبه عن كلّ ما يجب على المحرم الاجتناب عنه ، ويأمره بكلّ من أفعال الحجّ يتمكّن منه ، وينوب عنه في كلّ ما لايتمكّن ، ويطوف به ، ويسعى به بين الصفا والمروة ، ويقف به في عرفات ومنى ، ويأمره بالرمي، وإن لم يقدر يرمي عنه ، وهكذا يأمره بصلاة الطواف ، وإن لم يقدر يصلّي عنه ، ولابدّ من أن يكون طاهراً ومتوضّئاً ولو بصورة الوضوء، وإن لم يمكن فيتوضّأ هو عنه ، ويحلق رأسه ، وهكذا جميع الأعمال .
[2984] مسألة 3 : لايلزم كون الوليّ محرماً في الإحرام بالصبيّ ، بل يجوز له ذلك وإن كان محلاّ .
[2985] مسألة 4 : المشهور على أنّ المراد بالوليّ ـ في الإحرام بالصبيّ الغير المميّز ـ الوليّ الشرعي من الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما، والحاكم وأمينه أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العمّ والخال ونحوهما والأجنبيّ . نعم ، ألحقوا بالمذكورين الاُمّ وإن لم تكن وليّاً شرعيّاً ; للنصّ الخاصّ فيها ، قالوا : لأنّ الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين، فلايترتّب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيرهم ، ولكن لايبعد  كون المراد الأعمّ منهم وممّن يتولّى أمر الصبي ويتكفّله وإن لم يكن وليّاً شرعيّاً ; لقوله (عليه السلام) : «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ» الخ ، فإنّه يشمل غير الوليّ الشرعي أيضاً ، وأمّا في المميّز فاللازم إذن الوليّ الشرعي إن اعتبرنا في صحّة إحرامه الإذن .
[2986] مسألة 5 : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ لا من مال الصبيّ ،

(الصفحة227)

إلاّ إذا كان حفظه موقوفاً على السفر  به ، أو يكون السفر مصلحة له .
[2987] مسألة 6 : الهدي على الوليّ ، وكذا كفّارة الصيد إذا صاد الصبي ، وأمّا الكفّارات الاُخر المختصّة بالعمد فهل هي أيضاً على الوليّ ، أو في مال الصبي ، أو لايجب الكفّارة في غير الصيد ; لأنّ عمد الصبي خطأ، والمفروض أنّ تلك الكفّارات لاتثبت في صورة الخطأ ؟ وجوه ، لايبعد قوّة الأخير ، إمّا لذلك ، وإمّا لانصراف أدلّتها عن الصبي ، لكن الأحوط تكفّل الولي ، بل لايترك هذا الاحتياط ، بل هو الأقوى ; لأنّ قوله (عليه السلام) : «عمد الصبي خطأ» مختصّ بالديات ، والانصراف ممنوع، وإلاّ فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً .
[2988] مسألة 7 : قد عرفت أنّه لو حجّ الصبي عشر مرّات لم يجزه عن حجّة الإسلام ، بل يجب عليه بعد البلوغ والاستطاعة ، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ وأدرك المشعر ، فإنّه حينئذ يجزئ عن حجّة الإسلام ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه ، وكذا إذا حجّ المجنون ندباً ثمّ كمل قبل المشعر ، واستدلّوا على ذلك بوجوه :
أحدها : النصوص الواردة في العبد على ما سيأتي، بدعوى عدم خصوصيّة للعبد في ذلك ، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ، ثمّ حصوله قبل المشعر ، وفيه : أنّه قياس ، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حجّ متسكّعاً ثمّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر، ولا يقولون به .
الثاني : ما ورد من الأخبار من أنّ من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه ، فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام ، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى، وفيه ما لايخفى .
الثالث : الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ ، وفيه : أنّ موردها من لم يحرم ، فلايشمل من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام ، فالقول

(الصفحة228)

بالإجزاء مشكل ، والأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً ، بل لايخلو عن قوّة ، وعلى القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد ; من أنّه هل يجب تجديد النيّة لحجّة الإسلام أو لا ؟ وأنّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا ؟ وأنّه هل يجري في حجّ التمتّع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا ؟ إلى غير ذلك .
[2989] مسألة 8 : إذا مشى الصبي إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعاً لا إشكال في أنّ حجّه حجّة الإسلام .
[2990] مسألة 9 : إذا حجّ باعتقاد أنّه غير بالغ ندباً ، فبان بعد الحجّ أنّه كان بالغاً ، فهل يجزئ عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الأوّل ، وكذا إذا حجّ الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنيّة الندب ثمّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحجّ .
الثاني: من الشروط الحرّيّة ، فلايجب على المملوك وإن أذن له مولاه وكان مستطيعاً من حيث المال ، بناءً على ما هو الأقوى  من القول بملكه ، أو بذل له مولاه الزاد والراحلة . نعم ، لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال ، ولكن لايجزئه عن حجّة الإسلام ، فلو اُعتق بعد ذلك أعاد ; للنصوص .
منها : خبر مسمع : «لو أنّ عبداً حجّ عشر حجج ثمّ أُعتق كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا» .
ومنها : «المملوك إذا حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق ، فإن أُعتق أعاد الحجّ» .
وما في خبر حكم بن حكيم : «أيّما عبد حجّ به مواليه فقد أدرك حجّة الإسلام» ، محمول على إدراك ثواب الحجّ ، أو على أنّه يجزئه عنها ما دام مملوكاً ; لخبر أبان : «العبد إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» ، فلا إشكال في المسألة . نعم ، لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة

(الصفحة229)

الإسلام بالإجماع والنصوص .
ويبقى الكلام في اُمور :
أحدها : هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق ، فهو من باب القلب أولا ، بل هو انقلاب شرعيّ ؟ قولان ; مقتضى إطلاق النصوص الثاني وهو الأقوى ، فلو فرض أنّه لم يعلم بانعتاقه حتّى فرغ أو علم ولم يعلم الإجزاء حتّى يجدّد النيّة كفاه وأجزأه .
الثاني : هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام ، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق ، أو لايشترط ذلك أصلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير ; لإطلاق النصوص وانصراف ما دلّ على اعتبار الاستطاعة عن المقام .
الثالث : هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر ، سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا ، أو يكفي إدراك أحد الموقفين ، فلو لم يدرك المشعر ، لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقاً كفى ؟ قولان ; الأحوط الأوّل ، كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر ، فلايكفي إدراك الاضطراري منه ، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين ، وإن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر ، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً ولو مملوكاً .
الرابع : هل الحكم مختصّ بحجّ الإفراد والقران ، أو يجري في حجّ التمتّع أيضاً وإن كانت عمرته بتمامها حال المملوكيّة؟ الظاهر الثاني ; لإطلاق النصوص ، خلافاً لبعضهم فقال بالأوّل ; لأنّ إدراك المشعر معتقاً إنّما ينفع للحجّ لا للعمرة الواقعة حال المملوكيّة ، وفيه ما مرّ من الإطلاق ، ولايقدح ما ذكره ذلك البعض; لأنّهما عمل واحد ، هذا إذا لم ينعتق إلاّ في الحجّ ، وأمّا إذا انعتق في عمرة التمتّع وأدرك بعضها معتقاً فلايرد الإشكال .
[2991] مسألة 1 : إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبّس به ليس له أن

(الصفحة230)

يرجع في إذنه; لوجوب الإتمام على المملوك ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . نعم ، لو أذن له ثمّ رجع قبل تلبّسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه ، وإذا لم يعلم برجوعه فتلبّس به هل يصحّ إحرامه ويجب إتمامه ، أو يصحّ ويكون للمولى حلّه ، أو يبطل؟ وجوه ، أوجهها الأخير ; لأنّ الصحّة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع . ودعوى أنّه دخل دخولاً مشروعاً فوجب إتمامه، فيكون رجوع المولى كرجوع الموكّل قبل التصرّف ولم يعلم الوكيل ، مدفوعة بأنّه لا تكفي المشروعيّة الظاهريّة، وقد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل ، ولايجوز القياس عليه .
[2992] مسألة 2 : يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه ، وليس للمشتري حلّ إحرامه . نعم ، مع جهله بأنّه محرم يجوز له الفسخ مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه .
[2993] مسألة 3 : إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه ، وإن لم يتمكّن فعليه أن يصوم ، وإن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، للنصوص والإجماعات .
[2994] مسألة 4 : إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفّارة ، فهل هي على مولاه ، أو عليه ويتبع بها بعد العتق ، أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز ، أو في الصيد عليه وفي غيره على مولاه؟ وجوه ، أظهرها  كونها على مولاه ; لصحيحة حريز ، خصوصاً إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه . نعم ، لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص ، بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره لم يبعد كونها عليه ، حملاً لخبر عبدالرحمن بن أبي نجران ـ النافي لكون الكفّارة في الصيد على مولاه ـ على هذه الصورة .
[2995] مسألة 5 : إذا أفسد المملوك المأذون حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحرّ في وجوب الإتمام والقضاء ، وأمّا البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه فالظاهر  أنّ

(الصفحة231)

حالها حال سائر الكفّارات على ما مرّ ، وقد مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام ، وهل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، أو لا لأنّه من سوء اختياره؟ قولان ، أقواهما الأوّل ، سواء قلنا : إنّ القضاء هو حجّه ، أو أنّه عقوبة وأنّ حجّه هو الأوّل .
هذا إذا أفسد حجّه ولم ينعتق . وأمّا إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق، فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحرّ في وجوب الإتمام والقضاء والبدنة ، وكونه مجزئاً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين; من كون الإتمام عقوبة  وأنّ حجّه هو القضاء ، أو كون القضاء عقوبة ، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضاً أتى بحجّة الإسلام، وإن كان عاصياً في ترك القضاء ، وإن انعتق بعد المشعر فكما ذكر ، إلاّ أنّه لايجزئه عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع ، وإن كان مستطيعاً فعلاً ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيّان على أنّ القضاء فوريّ أولا ، فعلى الأوّل يقدّم لسبق سببه ، وعلى الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريّتها دون القضاء .
[2996] مسألة 6 : لا فرق فيما ذكر ـ من عدم وجوب الحجّ على المملوك ، وعدم صحّته إلاّ بإذن مولاه ، وعدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلاّ إذا انعتق قبل المشعر ـ بين القنّ والمدبّر والمكاتب واُمّ الولد والمبعّض، إلاّ إذا هاياه مولاه وكانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطريّاً ، فإنّه يصحّ منه بلا إذن لكن لايجب ، ولايجزئه حينئذ عن حجّة الإسلام وإن كان مستطيعاً ; لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكاً ، وإن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة، فمن الغريب ما في «الجواهر» من قوله: «ومن الغريب ما ظنّه بعض الناس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ، ضرورة منافاته للإجماع المحكيّ عن المسلمين، الذي يشهد له التتّبع على اشتراط الحرّيّة، المعلوم عدمها في المبعّض» انتهى ، إذ لا غرابة فيه بعد إمكان

(الصفحة232)

دعوى الانصراف، مع أنّ في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرّيّة .
[2997] مسألة 7 : إذا أمر المولى مملوكه بالحجّ وجب عليه طاعته وإن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام ، كما إذا آجره للنيابة عن غيره ، فإنّه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة وبين إجارته للحجّ أو الصلاة أو الصوم .
الثالث : الاستطاعة من حيث المال وصحّة البدن وقوّته، وتخلية السرب وسلامته وسعة الوقت وكفايته بالإجماع والكتاب والسنّة .
[2998] مسألة 1 : لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقليّة في وجوب الحجّ ، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعيّة ، وهي كما في جملة من الأخبار الزاد والراحلة ، فمع عدمهما لايجب وإن كان قادراً عليه عقلاً بالاكتساب ونحوه ، وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصّاً بصورة الحاجة إليها; لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقّة عليه أو منافياً لشرفه، أو يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليه ؟ مقتضى إطلاق الأخبار والإجماعات المنقولة الثاني ، وذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأوّل ; لجملة من الأخبار المصرّحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلاّ ، بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الأُول حملها على صورة الحاجة ، مع أنّها منزّلة على الغالب ، بل انصرافها إليها ، والأقوى هو القول الثاني ; لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم ومسمع ، فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل ، كالحمل على الحجّ المندوب وإن كان بعيداً عن سياقها ، مع أنّها مفسّرة للاستطاعة في الآية الشريفة ، وحمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب والندب بعيد ، أو حملها على من استقرّ عليه حجّة الإسلام سابقاً ، وهو أيضاً بعيد ، أو نحو ذلك .
وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا ، وإن كان لاينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة ، خصوصاً بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي والركوب ، أو

(الصفحة233)

يكون المشي أسهل ; لانصراف الأخبار الأُول عن هذه الصورة ، بل لولا الإجماعات المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوّة .
[2999] مسألة 2 : لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد حتّى بالنسبة إلى أهل مكّة ; لإطلاق الأدلّة ، فما عن جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له .
[3000] مسألة 3 : لايشترط وجودهما عيناً عنده ، بل يكفي وجود مايمكن صرفه في تحصيلهما من المال ، من غير فرق بين النقود والأملاك من البساتين والدكاكين والخانات ونحوها ، ولايشترط إمكان حمل الزاد معه ، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة ، ومع عدمه فيها يجب حمله  مع الإمكان ، من غير فرق بين علف الدابّة وغيره ، ومع عدمه يسقط الوجوب .
[3001] مسألة 4 : المراد بالزاد هنا المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقّف عليها حمل المحتاج إليه، وجميع ضروريّات ذلك السفر بحسب حاله قوّة وضعفاً ، وزمانه حرّاً وبرداً ، وشأنه شرفاً وضعة ، والمراد بالراحلة مطلق ما يركب ولو مثل السفينة في طريق البحر . واللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة والضعف ، بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف كمّاً وكيفاً ، فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعدّ ما دونهما نقصاً عليه يشترط في الوجوب القدرة عليه ، ولايكفي ما دونه، وإن كانت الآية والأخبار مطلقة ، وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات . نعم ، إذا لم يكن بحدّ الحرج وجب معه الحجّ، وعليه يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب .
[3002] مسألة 5 : إذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله وشربه وغيرهما من بعض حوائجه ، هل يجب عليه أو لا ؟

(الصفحة234)

الأقوى عدمه  وإن كان أحوط .
[3003] مسألة 6 : إنّما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده ، فالعراقيّ إذا استطاع وهو في الشام وجب عليه، وإن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق ، بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكّعاً أو لحاجة اُخرى من تجارة أو غيرها ، وكان له هناك ما يمكن أن يحجّ به وجب عليه ، بل لو أحرم متسكّعاً فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه، وإن كان لايخلو عن إشكال .
[3004] مسألة 7 : إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد سقط الوجوب . ولو وجد ولم يوجد شريك للشقّ الآخر ، فإن لم يتمكّن من اُجرة الشقّين سقط أيضاً ، وإن تمكّن فالظاهر الوجوب لصدق الاستطاعة ، فلا وجه لما عن العلاّمة من التوقّف فيه ، لأنّ بذل المال له خسران لا مقابل له . نعم ، لو كان بذله مجحفاً ومضرّاً بحاله لم يجب ، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء .
[3005] مسألة 8 : غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو اُجرة المركوب في تلك السنة لايوجب السقوط ، ولايجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكّنه من القيمة ، بل وكذا لو توقّف على الشراء بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة ، بل وكذا لو توقّف على بيع أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ; لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة ، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف . نعم ، لو كان الضرر مجحفاً بماله مضرّاً بحاله لم يجب ، وإلاّ فمطلق الضرر لايرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة وشمول الأدلّة ، فالمناط هو الإجحاف والوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف .
[3006] مسألة 9 : لايكفي في وجوب الحجّ وجود نفقة الذهاب فقط ، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده، وإن لم يكن له فيه أهل ولا مسكن مملوك ولو بالإجارة ; للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له . نعم ، إذا لم يرد العود أو كان وحيداً لا تعلّق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود ; لإطلاق الآية

(الصفحة235)

والأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب ، وإذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لابدّ من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد  من وطنه ، وإلاّ فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه .
[3007] مسألة 10 : قد عرفت أنّه لايشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحجّ من الزاد والراحلة ، ولا وجود أثمانها من النقود ، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها ، لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريّات معاشه، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله ، ولا خادمه المحتاج إليه ، ولا ثياب تجمّله اللائقة بحاله فضلاً عن ثياب مهنته ، ولا أثاث بيته ; من الفراش والأواني وغيرهما ممّا هو محلّ حاجته ، بل ولا حليّ المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها ومكانها ، ولا كتب العلم لأهله، التي لابدّ له منها فيما يجب تحصيله ; لأنّ الضرورة الدينيّة أعظم من الدنيويّة ، ولا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه ، ولا فرس ركوبه مع الحاجة إليه ، ولا سلاحه ولا سائر ما يحتاج إليه ; لاستلزام التكليف بصرفها في الحجّ العسر والحرج .
ولايعتبر فيها الحاجة الفعليّة ، فلا وجه لما عن «كشف اللثام» من أنّ فرسه إن كان صالحاً لركوبه في طريق الحجّ فهو من الراحلة ، وإلاّ فهو في مسيره إلى الحجّ لايفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره ، ولا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذ ، كما لا وجه لما عن «الدروس» من التوقّف في استثناء ما يضطرّ إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع ، فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه ممّا يكون إيجاب بيعه مستلزماً للعسر والحرج . نعم ، لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحجّ ، وكذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كمافي حليّ المرأة إذا كبرت عنه ونحوه .
[3008] مسألة 11 : لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه، وكان عنده دار

(الصفحة236)

مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحجّ أو متمّمة لها ، وكذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته ، فيجب بيع المملوكة منها ، وكذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة ; لصدق الاستطاعة حينئذ إذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه  ولم يكن عليه حرج في ذلك . نعم ، لو لم تكن موجودة وأمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك ، فلايجب بيع ما عنده وفي ملكه ، والفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الاُولى ، إلاّ إذا حصلت بلا سعي منه أو حصّلها مع عدم وجوبه، فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أوّلاً .
[3009] مسألة 12 : لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها ، لكن كانت زائدة بحسب القيمة وأمكن تبديلها بما يكون أقلّ قيمة مع كونه لائقاً بحاله أيضاً ، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحجّ أو لتتميمها؟ قولان ; من صدق الاستطاعة ، ومن عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة ، والأصل عدم وجوب التبديل ، والأقوى الأوّل إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه وكانت الزيادة معتدّاً بها ، كما إذا كانت له دار تسوى مائة وأمكن تبديلها بما يسوى خمسين مع كونه لائقاً بحاله من غير عسر ، فإنّه يصدق الاستطاعة . نعم ، لو كانت الزيادة قليلة جدّاً  بحيث لايعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب ، وإن كان الأحوط التبديل أيضاً .
[3010] مسألة 13 : إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات ، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ، ففي جواز شرائها وترك الحجّ إشكال ، بل الأقوى عدم جوازه إلاّ أن يكون عدمها موجباً للحرج عليه ، فالمدار في ذلك هو الحرج  وعدمه ، وحينئذ فإن كانت موجودة عنده لايجب بيعها إلاّ مع عدم الحاجة ، وإن لم تكن موجودة لايجوز شراؤها إلاّ مع لزوم الحرج في تركه ، ولو

(الصفحة237)

كانت موجودة وباعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحجّ ، فحكم ثمنها حكمها ، ولو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحجّ إلاّ مع الضرورة إليها على حدّ الحرج في عدمها .
[3011] مسألة 14 : إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه إلى النكاح صرّح جماعة بوجوب الحجّ وتقديمه على التزويج ، بل قال بعضهم : وإن شقّ عليه ترك التزويج ، والأقوى وفاقاً لجماعة اُخرى عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجاً عليه ، أو موجباً لحدوث مرض ، أو للوقوع في الزنا ونحوه . نعم ، لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة ولم يكن له حاجة فيها لايجب أن يطلّقها وصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحجّ ; لعدم صدق الاستطاعة عرفاً .
[3012] مسألة 15 : إذا لم يكن عنده ما يحجّ به ، ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤنته أو بما تتمّ به مؤنته ، فاللازم اقتضاؤه وصرفه في الحجّ إذا كان الدين حالاّ وكان المديون باذلاً ; لصدق الاستطاعة حينئذ ، وكذا إذا كان مماطلاً وأمكن إجباره بإعانة متسلّط ، أو كان منكراً وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة وحرج ، بل وكذا إذا توقّف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور، بناءً على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقّف استيفاء الحقّ عليه ; لأنّه حينئذ يكون واجباً بعد صدق الاستطاعة ; لكونه مقدّمة للواجب المطلق ، وكذا لو كان الدين مؤجّلاً وكان المديون باذلاً قبل الأجل لو طالبه ، ومنع صاحب «الجواهر» الوجوب حينئذ بدعوى عدم صدق الاستطاعة محلّ منع . وأمّا لو كان المديون معسراً أو مماطلاً لايمكن إجباره ، أو منكراً للدين ولم يمكن إثباته ، أو كان الترافع مستلزماً للحرج ، أو كان الدين مؤجّلاً مع عدم كون المديون باذلاً فلايجب ، بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة .
[3013] مسألة 16 : لايجب الاقتراض للحجّ إذا لم يكن له مال وإن كان قادراً على

(الصفحة238)

وفائه بعد ذلك بسهولة ; لأنّه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب . نعم ، لو كان له مال غائب لايمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجّل لايكون المديون باذلاً له قبل الأجل ، وأمكنه الاستقراض والصرف في الحجّ ثمّ وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه ; لصدق الاستطاعة حينئذ عرفاً ، إلاّ إذا لم يكن واثقاً بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك، فحينئذ لايجب الاستقراض ; لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة .
[3014] مسألة 17 : إذا كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين ، ففي كونه مانعاً عن وجوب الحجّ مطلقاً ، سواء كان حالاّ مطالباً به أولا ، أو كونه مؤجّلاً ، أو عدم كونه مانعاً إلاّ مع الحلول والمطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل وسعة الأجل للحجّ والعود أقوال ، والأقوى كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل والوثوق بالتمكّن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحجّ ، وذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة ، وهي المناط في الوجوب ، لا مجرّد كونه مالكاً للمال. وجواز التصرّف فيه بأيّ وجه أراد ، وعدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لاينفع في صدق الاستطاعة .
نعم ، لايبعد الصدق إذا كان واثقاً بالتمكّن من الأداء مع فعليّة الرضا بالتأخير من الدائن ، والأخبار الدالّة على جواز الحجّ لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب وفي كونه حجّة الإسلام . وأمّا صحيح معاوية بن عمّار ، عن الصادق (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه أن يحجّ ؟ قال : «نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين» . وخبر عبدالرحمن، عنه (عليه السلام) أنّه قال : «الحجّ واجب على الرجل وإن كان عليه دين» فمحمولان على الصورة التي ذكرنا ، أو على من استقرّ عليه الحجّ سابقاً، وإن كان لايخلو عن إشكال كما سيظهر ، فالأولى الحمل الأوّل .
وأمّا ما يظهر من صاحب «المستند» من أنّ كلاّ من أداء الدين والحجّ واجب ،

(الصفحة239)

فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة ، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود ، وتقديم الحجّ في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير ، أو التأجيل مع سعة الأجل للحجّ والعود ، ولو مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدين بعد ذلك، حيث لايجب المبادرة إلى الأداء فيهما، فيبقى وجوب الحجّ بلا مزاحم ، ففيه : أنّه لا وجه للتخيير في الصورتين الاُوليين ، ولا لتعيين تقديم الحجّ في الأخيرتين بعد كون الوجوب ـ تخييراً أو تعييناً ـ مشروطاً بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام ، خصوصاً مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير ، مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد، والمفروض أنّ وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحجّ، فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعيّة .
نعم ، لو استقرّ عليه وجوب الحجّ سابقاً فالظاهر التخيير ; لأنّهما حينئذ في عرض واحد، وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالاّ مع المطالبة أو مع عدم الرضا بالتأخير; لأهمّيّة حقّ الناس من حقّ الله ، لكنّه ممنوع، ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع المال عليهما ، ولايقدّم دين الناس ، ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب ، لكنّه أيضاً لا وجه له كما لايخفى .
[3015] مسألة 18 : لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحجّ بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أولا ، كما إذا استطاع للحجّ ثمّ عرض عليه دين; بأن أتلف مال الغير مثلا على وجه الضمان من دون تعمّد قبل خروج الرفقة ، أو بعده قبل أن يخرج هو ، أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال، فحاله حال تلف المال من دون دين ، فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً .
[3016] مسألة 19 : إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة ; لأنّ المستحقّين لهما مطالبون، فيجب صرفه فيهما ولايكون مستطيعاً ، وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه سابقاً تجيء الوجوه

(الصفحة240)

المذكورة من التخيير ، أو تقديم حقّ الناس ، أو تقديم الأسبق . هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته ، وأمّا إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحجّ ; سواء كان مستقراً عليه أو لا ، كما أنّهما يقدّمان على ديون الناس أيضاً ، ولو حصلت الاستطاعة والدين والخمس والزكاة معاً فكما لو سبق الدين .
[3017] مسألة 20 : إذا كان عليه دين مؤجّل بأجل طويل جدّاً ، كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة ، وكذا إذا كان الديّان مسامحاً في أصله ، كما في مهور نساء أهل الهند ، فإنّهم يجعلون المهر ما لايقدر الزوج على أدائه ـ كمائة ألف روبية ، أو خمسين ألف ـ لإظهار الجلالة وليسوا مقيّدين بالإعطاء والأخذ ، فمثل ذلك لايمنع من الاستطاعة ووجوب الحجّ ، وكالدين ممّن بناؤه على الإبراء  إذا لم يتمكّن المديون من الأداء ، أو واعده بالإبراء بعد ذلك .
[3018] مسألة 21 : إذا شكّ في مقدار ماله وأنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا ، هل يجب عليه الفحص أم لا ؟ وجهان ; أحوطهما ذلك ، وكذا إذا علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأنّه يكفيه أو لا .
[3019] مسألة 22 : لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب، وكان له مال غائب لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود ، لكن لايعلم بقاءه أو عدم بقائه ، فالظاهر وجوب الحجّ بهذا الذي بيده استصحاباً لبقاء الغائب ، فهو كما لو شكّ في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا ، فلايعدّ  من الأصل المثبت .
[3020] مسألة 23 : إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحجّ يجوز له  قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ، وأمّا بعد التمكّن منه فلايجوز، وإن كان قبل خروج الرفقة ، ولو تصرّف بما يخرجه عنها بقيت ذمّته مشغولة به ، والظاهر صحّة التصرّف مثل الهبة والعتق وإن كان فعل حراماً ; لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج . نعم ، لو كان قصده في ذلك التصرّف الفرار من الحجّ
<<التالي الفهرس السابق>>