في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة281)

فاستطاع قبل حصول المعلّق عليه فالظاهر تقديم حجّة الإسلام ، ويحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلّق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريّاً ، بل هو المتعيّن إن كان نذره من قبيل الواجب المعلّق .
[3128] مسألة 21 : إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ولم يمكنه الإتيان بهما ; إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلاّ من أحدهما ، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير، أو تقديم حجّة الإسلام لأهمّيتها وجوه ، أوجهها الوسط ، وأحوطها الأخير ، وكذا إذا مات وعليه حجّتان ولم تفِ تركته إلاّ لإحداهما ، وأمّا إن وفت التركة فاللازم استئجارهما ولو في عام واحد .
[3129] مسألة 22 : من عليه الحجّ الواجب بالنذر الموسّع يجوز له الإتيان بالحجّ المندوب قبله .
[3130] مسألة 23 : إذا نذر أن يحجّ أو يُحجّ انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً .
وإذا طرأ العجز  من أحدهما معيّناً تعيّن الآخر ، ولو تركه أيضاً حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً أيضاً ; لأنّ الواجب كان على وجه التخيير ، فالفائت هو الواجب المخيّر ، ولا عبرة بالتعيين العرضي ، فهو كما لو كان عليه كفّارة الإفطار في شهر رمضان وكان عاجزاً عن بعض الخصال ثمّ مات ، فإنّه يجب الإخراج عن تركته مخيّراً ، وإن تعيّن عليه في حال حياته في إحداها ، فلايتعيّن في ذلك المتعيّن . نعم ، لو كان حال النذر غير متمكّن إلاّ من أحدهما معيّناً ولم يتمكّن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال  باختصاص القضاء بالذي كان متمكّناً منه ، بدعوى أنّ النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكّن منه ، بناءً على أنّ عدم التمكّن يوجب عدم الانعقاد ، لكن الظاهر أنّ مسألة الخصال ليست كذلك ، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير، وإن لم يكن في حياته متمكّناً إلاّ من البعض أصلاً .


(الصفحة282)

وربما يحتمل في الصورة المفروضة ونظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً ، بدعوى أنّ متعلّق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير ، ومع تعذّر أحدهما لايكون وجوب الآخر تخييريّاً ، بل عن «الدروس» اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجّه أو يحجّ عنه إذا مات الولد قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين ، وفيه : أنّ مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين  من دون اشتراط كونه على وجه التخيير ، فليس النذر مقيّداً بكونه واجباً تخييريّاً حتّى يشترط في انعقاده التمكّن منهما .
[3131] مسألة 24 : إذا نذر أن يحجّ أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته ، ولو اختلفت اُجرتهما يجب الاقتصار على أقلّهما اُجرة إلاّ إذا تبرّع الوارث بالزائد ، فلايجوز للوصيّ اختيار الأزيد اُجرةً ، وإن جعل الميّت أمر التعيين إليه ، ولو أوصى باختيار الأزيد اُجرة خرج الزائد من الثلث .
[3132] مسألة 25 : إذا علم أنّ على الميّت حجّاً ولم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر وجب قضاؤه عنه من غير تعيين، وليس عليه كفّارة ، ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفّارة أيضاً ، وحيث إنّها مردّدة بين كفّارة النذر وكفّارة اليمين فلابدّ من الاحتياط ، ويكفي حينئذ إطعام ستّين مسكيناً ; لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً، الذي يكفي في كفّارة الحلف .
[3133] مسألة 26 : إذا نذر المشي في حجّه الواجب عليه أو المستحبّ انعقد مطلقاً حتّى في مورد يكون الركوب أفضل ; لأنّ المشي في حدّ نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار ، وإن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات ، فإنّ أرجحيّته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حدّ نفسه ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً ، ولو مع الإغماض  عن رجحان المشي ; لكفاية

(الصفحة283)

رجحان أصل الحجّ في الانعقاد ، إذ لايلزم أن يكون المتعلّق راجحاً بجميع قيوده وأوصافه ، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له ، وأضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحجّ لا في صفة المشي ، فيجب مطلقاً ; لأنّ المفروض نذر المقيّد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحّة قيده .
[3134] مسألة 27 : لو نذر الحجّ راكباً انعقد ووجب ، ولايجوز حينئذ المشي وإن كان أفضل ; لما مرّ من كفاية رجحان المقيّد  دون قيده . نعم ، لو نذر الركوب في حجّه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد ; لأنّ المتعلّق حينئذ الركوب لا الحجّ راكباً ، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كلّ يوم أو فرسخين ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ حافياً ، وما في صحيحة الحذّاء من أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بركوب اُخت عقبة بن عامر ـ مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت الله حافية ـ قضيّة في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحّة نذرها ; من إيجابه كشفها أو تضرّرها أو غير ذلك.
[3135] مسألة 28 : يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما ، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد . نعم ، لا مانع منه إذا كان حرجاً لايبلغ حدّ الضرر ; لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة . هذا إذا كان حرجيّاً حين النذر وكان عالماً به ، وأمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب .
[3136] مسألة 29 : في كون مبدأ وجوب المشي، أو الحفاء بلد النذر أو الناذر، أو أقرب البلدين إلى الميقات ، أو مبدأ الشروع في السفر ، أو أفعال الحجّ أقوال ، والأقوى أنّه تابع للتعيين أو الانصراف ، ومع عدمهما فأوّل أفعال الحجّ إذا قال : «لله عليّ أن أحجّ ماشياً» . ومن حين الشروع في السفر إذا قال : «لله عليّ أن أمشي إلى بيت الله» أو نحو ذلك ، كما أنّ الأقوى أنّ منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار; لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور ، ولا الإفاضة من عرفات كما

(الصفحة284)

في بعض الأخبار .
[3137] مسألة 30 : لايجوز لمن نذر الحجّ ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر لمنافاته لنذره ، وإن اضطرّ إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره ، كما أنّه لو كان منحصراً فيه من الأوّل لم ينعقد ، ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لايمكن العبور إلاّ بالمركب فالمشهور أنّه يقوم فيه لخبر السكوني ، والأقوى عدم وجوبه ; لضعف الخبر  عن إثبات الوجوب ، والتمسّك بقاعدة الميسور لا وجه له ، وعلى فرضه فالميسور هو التحرّك لا القيام .
[3138] مسألة 31 : إذا نذر المشي فخالف نذره فحجّ راكباً ، فإن كان المنذور الحجّ ماشياً من غير تقييد بسنة معيّنة وجب عليه الإعادة ولا كفّارة إلاّ إذا تركها أيضاً ، وإن كان المنذور الحجّ ماشياً في سنة معيّنة فخالف وأتى به راكباً وجب عليه القضاء  والكفّارة ، وإذا كان المنذور المشي في حجّ معيّن وجبت الكفّارة دون القضاء ; لفوات محلّ النذر ، والحجّ صحيح في جميع الصور ، خصوصاً الأخيرة ; لأنّ النذر لايوجب شرطيّة المشي في أصل الحجّ ، وعدم الصحّة من حيث النذر لايوجب عدمها من حيث الأصل ، فيكفي في صحّته الإتيان به بقصد القربة ، وقد يتخيّل البطلان; من حيث إنّ المنويّ ـ وهو الحجّ النذري ـ لم يقع وغيره لم يقصد .
وفيه : أنّ الحجّ في حدّ نفسه مطلوب، وقد قصده في ضمن قصد النذر وهو كاف، ألا ترى أنّه لو صام أيّاماً بقصد الكفّارة ثمّ ترك التتابع لايبطل الصيام في الأيّام السابقة أصلاً، وإنّما تبطل من حيث كونها صيام كفّارة ، وكذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته وأذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو ذكراً ، وقد يستدلّ للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأنّ الأمر بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً ، وفيه : منع كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، ومنع

(الصفحة285)

استلزامه البطلان على القول به ، مع أنّه لايتمّ فيما لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً من غير تقييد بسنة معيّنة ولا بالفوريّة ; لبقاء محلّ الإعادة .
[3139] مسألة 32 : لو ركب بعضاً ومشى بعضاً فهو كما لو ركب الكلّ ; لعدم الإتيان بالمنذور ، فيجب عليه  القضاء أو الإعادة ماشياً ، والقول بالإعادة والمشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له .
[3140] مسألة 33 : لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكّنه منه أو رجائه سقط ، وهل يبقى حينئذ وجوب الحجّ راكباً، أو لا بل يسقط أيضاً؟ فيه أقوال :
أحدها : وجوبه راكباً مع سياق بدنة .
الثاني : وجوبه بلا سياق .
الثالث : سقوطه إذا كان الحجّ مقيّداً بسنة معيّنة ، أو كان مطلقاً مع اليأس عن التمكّن بعد ذلك، وتوقّع المكنة مع الإطلاق وعدم اليأس .
الرابع : وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق ، وتوقّع المكنة مع عدم اليأس .
الخامس : وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام ، وإذا كان قبله فالسقوط مع التعيين ، وتوقّع المكنة مع الإطلاق ، ومقتضى القاعدة وإن كان هو القول الثالث ، إلاّ أنّ الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدي على الاستحباب، بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان .
مضافاً إلى خبر عنبسة الدالّ على عدم وجوبه صريحاً فيه ; من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده، وقبل الدخول في الإحرام أو بعده ، ومن غير فرق أيضاً بين كون النذر مطلقاً أو مقيّداً بسنة مع توقّع المكنة وعدمه ، وإن كان الأحوط  في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة

(الصفحة286)

وكونه قبل الشروع في الذهاب الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك ; لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة ، والأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضاً بالمشي بمقدار المكنة ، بل لايخلو عن قوّة للقاعدة. مضافاً إلى الخبر : عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيّاً . قال (عليه السلام) : «فليمش ، فإذا تعب فليركب» . ويستفاد منه كفاية الحرج والتعب في جواز الركوب وإن لم يصل إلى حدّ العجز . وفي مرسل حريز : «إذا حلف الرجل أن لايركب أو نذر أن لايركب فإذا بلغ مجهوده ركب» .
[3141] مسألة 34 : إذا نذر الحجّ ماشياً فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي ; من مرض أو خوفه أو عدّو أو نحو ذلك ، فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا ، لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان ، ولايبعد التفصيل بين المرض ومثل العدوّ باختيار الأوّل في الأوّل ، والثاني في الثاني ، وإن كان الأحوط  الإلحاق مطلقاً .

فصل
في النـيابـة

لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحجّ الواجب والمندوب ، وعن الحيّ في المندوب مطلقاً ، وفي الواجب في بعض الصور .
[3142] مسألة 1 : يشترط في النائب اُمور :
أحدها : البلوغ على المشهور ، فلايصحّ نيابة الصبي عندهم وإن كان مميّزاً ، وهو الأحوط، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينيّة ; لأنّ الأقوى كونها شرعيّة ، ولا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه ; لأنّه أخصّ من المدّعى ، بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلّة،

(الصفحة287)

خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل ، ولا فرق بين أن يكون حجّه بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الوليّ أو عدمه ، وإن كان لايبعد دعوى صحّة نيابته في الحجّ المندوب بإذن الولي .
الثاني : العقل ، فلاتصحّ نيابة المجنون الذي لايتحقّق منه القصد ; مطبقاً كان جنونه أو أدواريّاً في دور جنونه ، ولا بأس بنيابة السفيه .
الثالث : الإيمان ; لعدم صحّة عمل غير المؤمن وإن كان معتقداً بوجوبه وحصل منه نيّة القربة ، ودعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى .
الرابع : العدالة أو الوثوق  بصحّة عمله ، وهذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحّة عمله .
الخامس : معرفته بأفعال الحجّ وأحكامه، وإن كان بإرشاد معلّم حال كلّ عمل .
السادس : عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام ، فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام ، أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه ، وأمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس ، فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحجّ لنفسه بطل على المشهور ، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة والإجارة ، وإلاّ فالحجّ صحيح وإن لم يستحقّ الاُجرة ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، مع أنّ ذلك على القول به وإيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم والعمد ، وأمّا مع الجهل أو الغفلة فلا ، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير ; لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعيّة على العمل المستأجر عليه ، حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع ; لأنّه قادر شرعاً .
[3143] مسألة 2 : لايشترط في النائب الحرّيّة ، فتصحّ نيابة المملوك بإذن مولاه ،

(الصفحة288)

ولا تصحّ استنابته بدونه ، ولو حجّ بدون إذنه بطل .
[3144] مسألة 3 : يشترط في المنوب عنه الإسلام ، فلاتصحّ النيابة عن الكافر ، لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه ; لمنعه وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه ، بل لانصراف الأدلّة ، فلو مات مستطيعاً وكان الوارث مسلماً لايجب عليه استئجاره عنه ، ويشترط فيه أيضاً كونه ميّتاً أو حيّاً عاجزاً في الحجّ الواجب ، فلا تصحّ النيابة عن الحيّ في الحجّ الواجب إلاّ إذا كان عاجزاً ، وأمّا في الحجّ الندبي فيجوز عن الحيّ والميّت تبرّعاً أو بالإجارة .
[3145] مسألة 4 : تجوز النيابة عن الصبي المميّز والمجنون ، بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقرّ عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً .
[3146] مسألة 5 : لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والاُنوثة ، فتصحّ نيابة المرأة عن الرجل كالعكس . نعم ، الأولى المماثلة .
[3147] مسألة 6 : لا بأس باستنابة الصرورة ; رجلاً كان أو امرأة ، عن رجل أو امرأة ، والقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقاً أو مع كون المنوب عنه رجلاً ضعيف . نعم ، يكره ذلك ، خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلاً ، بل لايبعد  كراهة استئجار الصرورة ولو كان رجلاً عن رجل .
[3148] مسألة 7 : يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو بالإجمال، ولايشترط ذكر اسمه ، وإن كان يستحبّ ذلك في جميع المواطن والمواقف .
[3149] مسألة 8 : كما تصحّ النيابة بالتبرّع وبالإجارة كذا تصحّ بالجعالة ، ولا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلاّ بإتيان النائب صحيحاً ، ولا تفرغ بمجرّد الإجارة ، وما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً وكفاية الإجارة في فراغها منزّلة على أنّ الله تعالى يعطيه ثواب الحجّ إذا قصّر النائب في الإتيان ، أو مطروحة; لعدم عمل العلماء

(الصفحة289)

بها بظاهرها .
[3150] مسألة 9 : لايجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال ، بل لوتبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به .
[3151] مسألة 10 : إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك ، فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عن المنوب عنه ، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلاّ بالإتيان ، بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه . وإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه ، لا لكون الحكم كذلك في الحاجّ عن نفسه ; لاختصاص ما دلّ عليه به ، وكون فعل النائب فعل المنوب عنه لايقتضي الإلحاق ، بل لموثّقة إسحاق ابن عمّار ـ المؤيّدة بمرسلتي حسين بن عثمان ، وحسين بن يحيى ـ الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه، المقيّدة بمرسلة «المقنعة» : «من خرج حاجّاً فمات في الطريق، فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة» الشاملة للحاجّ عن غيره أيضاً ، ولايعارضها موثّقة عمّار الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي ; لأنّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام ، أو على الاستحباب ، مضافاً إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق ، وضعفها سنداً بل ودلالة منجبر بالشهرة والإجماعات المنقولة ، فلاينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة .
وأمّا إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان ، ولايبعد الإجزاء وإن لم نقل به في الحاجّ عن نفسه ; لإطلاق الأخبار في المقام ، والقدر المتيقّن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام ، لكن الأقوى عدمه ، فحاله حال الحاجّ عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء ، والظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام وغيرها من أقسام الحجّ ، وكون النيابة بالاُجرة أو بالتبرّع .
[3152] مسألة 11 : إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم يستحقّ تمام

(الصفحة290)

الاُجرة إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة ، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحجّ ; بمعنى الأعمال  المخصوصة ، وإن مات قبل ذلك لايستحقّ شيئاً ، سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده ، وقبل الإحرام أو بعده ، وقبل الدخول في الحرم ; لأنّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلاّ ولا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه ; من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي ونحوه .
نعم ، لو كان المشي داخلاً في الإجارة على وجه الجزئيّة ـ بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً ـ استحقّ مقدار ما يقابله من الاُجرة ، بخلاف ما إذا لم يكن داخلاً أصلاً ، أو كان داخلاً فيها لا نفساً بل بوصف المقدّميّة ، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الاُجرة عليه أيضاً مطلقاً لا وجه له ، كما أنّه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام ، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ اُبطلت صلاته ، فإنّه لا إشكال في أنّه لايستحقّ الاُجرة على ما أتى به .
ودعوى أنّه وإن كان لايستحقّ من المسمّى بالنسبة لكن يستحقّ اُجرة المثل لما أتى به ، حيث إنّ عمله محترم ، مدفوعة بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه ، والمفروض أنّه لم يكن مغروراً من قبله ، وحينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحجّ في سنة معيّنة ، ويجب عليه  الإتيان به إذا كانت مطلقة من غير استحقاق لشيء على التقديرين .
[3153] مسألة 12 : يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ ; من تمتّع أو قران أو إفراد ، ولايجوز للمؤجر العدول عمّا عيّن له ، وإن كان إلى الأفضل ، كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل ، إلاّ إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع ، كما في الحجّ المستحبّي والمنذور المطلق ، أو كان ذا منزلين متساويين في

(الصفحة291)

مكّة وخارجها ، وأمّا إذا كان ما عليه من نوع خاصّ فلاينفع رضاه أيضاً بالعدول إلى غيره ، وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حقّ الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطيّة ، ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس  إن كان بعنوان القيديّة ، وعلى أيّ تقدير يستحقّ الاُجرة المسمّـاة وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني ; لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل إليه ماله على المؤجر ، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون ، فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه ، ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول .
هذا ، ويظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل ، كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع ، لخبر أبي بصير ، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها عنه حجّة مفردة أيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال (عليه السلام) : «نعم ، إنّما خالف إلى الفضل» . والأقوى ما ذكرنا ، والخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيّراً بين النوعين ، جمعاً بينه وبين خبر آخر في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها حجّة مفردة، قال (عليه السلام) : «ليس له أن يتمتّع بالعمرة الى الحجّ ، لايخالف صاحب الدراهم» . وعلى ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلاّ مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لايستحقّ الاُجرة  في صورة التعيين على وجه القيديّة ، وإن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه ومفرّغاً لذمّته ، إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن . وأمّا إذا كان على وجه الشرطيّة فيستحقّ ، إلاّ إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلّف الشرط ، إذ حينئذ لايستحقّ المسمّى بل اُجرة المثل .
[3154] مسألة 13 : لايشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ البلدي ; لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً ، ولكن لو عيّن تعيّن، ولايجوز العدول عنه إلى غيره ، إلاّ إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيّته وإنّما ذكره على المتعارف ، فهو راض بأيّ طريق كان ، فحينئذ لو عدل صحّ واستحقّ تمام الاُجرة ،

(الصفحة292)

وكذا إذا أسقط بعد العقد حقّ تعيينه ، فالقول بجواز العدول مطلقاً أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصيّة ضعيف ، كالاستدلال له بصحيحة حريز، عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، فقال : «لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» ، إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب ، مع أنّها إنّما دلّت على صحّة الحجّ من حيث هو لا من حيث كونه عملاً مستأجراً عليه، كما هو المدّعى ، وربما تحمل على محامل اُخر .
وكيف كان، لا إشكال في صحّة حجّه وبراءة ذمّة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيّداً بخصوصيّة الطريق المعيّن ، إنّما الكلام في استحقاقه الاُجرة المسمّـاة على تقدير العدول وعدمه ، والأقوى أنّه يستحقّ من المسمّى بالنسبة ، ويسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئيّة ، ولايستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيديّة ; لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ، وإن برئت ذمّة المنوب عنه بما أتى به ; لأنّه حينئذ متبرّع بعمله ، ودعوى أنّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحقّ بالنسبة ، وقصد التقييد بالخصوصيّة لايخرجه عرفاً عن العمل ذي الأجزاء ـ كما ذهب إليه في «الجواهر» ـ لا وجه لها، ويستحقّ تمام الاُجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطيّة الفقهيّة; بمعنى الالتزام في الالتزام . نعم ، للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط، فيرجع إلى اُجرة المثل .
[3155] مسألة 14 : إذا آجر نفسه للحجّ عن شخص مباشرة في سنة معيّنة ، ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً بطلت الإجارة الثانية ; لعدم القدرة  على العمل بها بعد وجوب العمل بالاُولى ، ومع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحّتا معاً ، ودعوى بطلان الثانية وإن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الاُولى; لأنّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه،

(الصفحة293)

فلايجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن ، وكذا لايجوز إجارة الحائض لكنس المسجد وإن لم يشترط المباشرة، ممنوعة ، فالأقوى الصحّة. هذا إذا آجر نفسه ثانياً للحجّ بلا اشتراط المباشرة ، وأمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه ، وكذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين ، أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما ، بل وكذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل .
ولو اقترنت الإجارتان; كما إذا آجر نفسه من شخص وآجره وكيله من آخر في سنة واحدة، وكان وقوع الإجارتين في وقت واحد، بطلتا معاً  مع اشتراط المباشرة فيهما ، ولو آجره فضوليّان  من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران ، ولو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنّه آجره فضولي من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد ، وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة ، بدعوى أنّها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه ; لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحّة الإجازة حتّى تكون كاشفة ، وانصراف أدلّة صحّة الفضولي عن مثل ذلك .
[3156] مسألة 15 : إذا آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة لايجوز له التأخير ، بل ولا التقديم إلاّ مع رضا المستأجر ، ولو أخّر لا لعذر أثم وتنفسخ الإجارة  إن كان التعيين على وجه التقييد ، ويكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطيّة ، وإن أتى به مؤخّراً لايستحقّ الاُجرة على الأوّل وإن برئت ذمّة المنوب عنه به ، ويستحقّ المسمّـاة على الثاني إلاّ إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى اُجرة المثل ، وإذا أطلق الإجارة وقلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال. وفي ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ وعدمه وجهان ; من أنّ الفوريّة ليست توقيتاً ، ومن كونها بمنزلة الاشتراط .
[3157] مسألة 16 : قد عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من

(الصفحة294)

شخص في سنة معيّنة ثمّ آجر من آخر فى تلك السنة ، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا ؟ فيه تفصيل ، وهو أنّه إن كانت الاُولى واقعة على العمل في الذمّة  لا تصحّ الثانية بالإجازة ; لأنّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتّى تصحّ له إجازتها. وإن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة ـ بأن تكون منفعته من حيث الحجّ أو جميع منافعه له ـ جاز له إجازة الثانية ; لوقوعها على ماله . وكذا الحال في نظائر المقام ، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن، ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني . وأمّا إذا ملّكه منفعته الخياطي، فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة  لعمرو جاز له إجازة هذا العقد ; لأنّه تصرّف في متعلّق حقّه ، وإذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر . نعم ، لو ملك منفعة خاصّة، كخياطة ثوب معيّن، أو الحجّ عن ميّت معيّن علىوجه التقييد يكون كالأوّل في عدم إمكان إجازته .
[3158] مسألة 17 : إذا صدّ الأجير أو اُحصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الأعمال ، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة، ويبقى الحجّ في ذمّته مع الإطلاق ، وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد ، ولايجزئ عن المنوب عنه وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم ; لأنّ ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار ، والقياس عليه لا وجه له ، ولو ضمن المؤجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته ، والقول بوجوبه ضعيف ، وظاهرهم استحقاق الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال ، وهو مشكل ; لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه وعدم فائدة فيما أتى به ، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصدّ والحصر ، وكالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها ، وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري ; لعدم الاستناد إلى المستأجر ، فلايستحقّ اُجرة المثل أيضاً .


(الصفحة295)

[3159] مسألة 18 : إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة فهو من ماله .
[3160] مسألة 19 : إطلاق الإجارة  يقتضي التعجيل ; بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفوريّة ; إذ لا دليل عليها ، والقول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف ، فحالها حال البيع في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول; بمعنى جواز المطالبة ووجوب المبادرة معها .
[3161] مسألة 20 : إذا قصرت الاُجرة لايجب على المستأجر إتمامها ، كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد . نعم ، يستحبّ الإتمام كما قيل ، بل قيل : يستحبّ على الأجير أيضاً ردّ الزائد ، ولا دليل بالخصوص على شيء من القولين . نعم ، يستدلّ على الأوّل بأنّه معاونة على البرّ والتقوى ، وعلى الثاني بكونه موجباً للإخلاص في العبادة .
[3162] مسألة 21 : لو أفسد الأجير حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحاجّ عن نفسه يجب عليه إتمامه والحجّ من قابل وكفّارة بدنة ، وهل يستحقّ الاُجرة على الأوّل أو لا ؟ قولان ; مبنيّان على أنّ الواجب هو الأوّل وأنّ الثاني عقوبة ، أو هو الثاني وأنّ الأوّل عقوبة ، قد يقال بالثاني ; للتعبير في الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان ، وحمله على إرادة النقصان وعدم الكمال مجاز لا داعي إليه ، وحينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معيّنة ولايستحقّ الاُجرة ، ويجب عليه الإتيان في القابل بلا اُجرة ، ومع إطلاق الإجارة تبقى ذمّته مشغولة ، ويستحقّ الاُجرة على ما يأتي به في القابل .
والأقوى صحّة الأوّل وكون الثاني عقوبة ; لبعض الأخبار الصريحة في ذلك في الحاجّ عن نفسه ، ولا فرق بينه وبين الأجير ، ولخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمّار، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : قلت : فإن ابتلي بشيء يفسد عليه حجّه حتّى يصير عليه الحجّ من قابل ، أيجزئ عن الأوّل؟ قال : «نعم» . قلت :

(الصفحة296)

لأنّ الأجير ضامن للحجّ ؟ قال : «نعم» ، وفي الثاني سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزم فيه الحجّ من قابل وكفّارة؟ قال (عليه السلام) : «هي للأوّل تامّة ، وعلى هذا ما اجترح» . فالأقوى استحقاق الاُجرة على الأوّل وإن ترك الإتيان من قابل عصياناً أو لعذر ، ولا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معيّنة .
وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأوّل ، فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه وبذلك العنوان ، أو هو واجب عليه تعبّداً ويكون لنفسه ؟ وجهان ، لايبعد الظهور  في الأوّل ، ولاينافي كونه عقوبة ، فإنّه يكون الإعادة عقوبة ، ولكن الأظهر الثاني ، والأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمّة . ثمّ لايخفى عدم تماميّة ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الاُجرة في صورة كون الإجارة معيّنة ولو على ما يأتي به في القابل ; لانفساخها وكون وجوب الثاني تعبّداً ; لكونه خارجاً عن متعلّق الإجارة ، وإن كان مبرئاً لذمّة المنوب عنه ، وذلك لأنّ الإجارة وإن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأوّل لكنّها باقية  بالنسبة إلى الثاني تعبّداً ; لكونه عوضاً شرعيّاً تعبّديّاً عمّا وقع عليه العقد ، فلا وجه لعدم استحقاق الاُجرة على الثاني .
وقد يقال بعدم كفاية الحجّ الثاني أيضاً في تفريغ ذمّة المنوب عنه ، بل لابدّ للمستأجر أن يستأجر مرّة اُخرى في صورة التعيين ، وللأجير أن يحجّ ثالثاً في صورة الإطلاق ; لأنّ الحجّ الأوّل فاسد ، والثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث ، إذ التداخل خلاف الأصل ، وفيه : أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن الحجّ في القابل بالعنوان الأوّل ، والظاهر من الأخبار على القول بعدم صحّة الأوّل وجوب إعادة الأوّل وبذلك العنوان ، فيكفي في التفريغ ولايكون من باب التداخل ، فليس الإفساد عنواناً مستقلاّ . نعم ، إنّما يلزم ذلك إذا قلنا : إنّ الإفساد موجب لحجّ مستقلّ لا على نحو الأوّل ، وهو خلاف ظاهر الأخبار .


(الصفحة297)

وقد يقال في صورة التعيين : إنّ الحجّ الأوّل إذا كان فاسداً وانفسخت الإجارة يكون لنفسه ، فقضاؤه في العام القابل أيضاً يكون لنفسه ، ولايكون مبرئاً لذمّة المنوب عنه ، فيجب على المستأجر استئجار حجّ آخر ، وفيه أيضاً ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأوّل، وكون الأوّل بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لايقتضي كون الثاني له وإن كان بدلا عنه ; لأنّه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار إليه بعد الفسخ . هذا ، والظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحجّ الأوّل المستأجر عليه واجباً أو مندوباً ، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام والإعادة في النيابة تبرّعاً أيضاً، وإن كان لايستحقّ الاُجرة أصلاً .
[3163] مسألة 22 : يملك الأجير الاُجرة بمجرّد العقد ، لكن لايجب تسليمها إلاّ بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل، ولم تكن قرينة على إرادته من انصراف أو غيره ، ولا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عيناً أو ديناً ، لكن إذا كانت عيناً ونمت كان النماء للأجير ، وعلى ما ذكر ـ من عدم وجوب التسليم قبل العمل ـ إذا كان المستأجر وصيّاً أو وكيلاً وسلّمها قبله كان ضامناً لها على تقدير عدم العمل من المؤجر ، أو كون عمله باطلاً ، ولايجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكّل أو الوارث ، ولو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الاُجرة كان له الفسخ وكذا للمستأجر ، لكن لمّا كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحقّ الأجير المطالبة في صورة الإطلاق ، ويجوز للوكيل والوصيّ دفعها  من غير ضمان .
[3164] مسألة 23 : إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة ، فلايجوز للأجير أن يستأجر غيره إلاّ مع الإذن صريحاً أو ظاهراً ، والرواية  الدالّة على الجواز محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر .
[3165] مسألة 24 : لايجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحجّ تمتّعاً ـ وكانت

(الصفحة298)

وظيفته العدول إلى حجّ الإفراد ـ عمّن عليه حجّ التمتّع ، ولو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتّع ثمّ اتّفق ضيق الوقت ، فهل يجوز له العدول ويجزئ عن المنوب عنه أو لا ؟ وجهان ; من إطلاق أخبار العدول ، ومن انصرافها إلى الحاجّ عن نفسه ، والأقوى عدمه ، وعلى تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميّت وعدم استحقاق الاُجرة عليه ، لأنّه غير ما على الميّت ، ولأنّه غير العمل المستأجر عليه .
[3166] مسألة 25 : يجوز التبرّع عن الميّت في الحجّ الواجب أيّ واجب كان والمندوب ، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب وإن كانت ذمّته مشغولة بالواجب ، ولو قبل الاستئجار عنه للواجب ، وكذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك . وأمّا الحيّ فلايجوز التبرّع عنه في الواجب إلاّ إذا كان معذوراً في المباشرة لمرض أو هرم ، فإنّه يجوز التبرّع عنه  ويسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مرّ سابقاً . وأمّا الحجّ المندوب فيجوز التبرّع عنه ، كما يجوز له أن يستأجر له حتّى إذا كان عليه حجّ واجب لايتمكّن من أدائه فعلاً ، وأمّا إن تمكّن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل ، بل التبرّع عنه حينئذ أيضاً لايخلو عن إشكال  في الحجّ الواجب .
[3167] مسألة 26 : لايجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد ، وإن كان الأقوى فيه الصحّة ، إلاّ إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة ، كما إذا نذر كلّ منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحجّ . وأمّا في الحجّ المندوب فيجوز حجّ واحد عن جماعة بعنوان النيابة ، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب ; لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضاً ، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب .
[3168] مسألة 27 : يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعاً أو بالإجارة ، بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً ، كما إذا كان على الميّت أو الحيّ الذي لايتمكّن من المباشرة لعذر حجّان مختلفان نوعاً كحجّة

(الصفحة299)

الإسلام والنذر ، أو متّحدان من حيث النوع كحجّتين للنذر ، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد ، وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً والآخر مستحبّاً ، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحجّ واجب واحد ـ كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً ـ لاحتمال بطلان حجّ أحدهما ، بل وكذا مع العلم بصحّة الحجّ من كلّ منهما وكلاهما آت بالحجّ الواجب ، وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر ، فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميّت في وقت واحد ، ولايضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر ، فإنّ الذمّة مشغولة ما لم يتمّ العمل ، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعاً .

فصل
في الوصيّة بالحجّ

[3169] مسألة 1 : إذا أوصى بالحجّ ، فإن علم أنّه واجب اُخرج من أصل التركة وإن كان بعنوان الوصيّة ، فلايقال مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث . نعم ، لو صرّح بإخراجه من الثلث اُخرج منه ، فإن وفى به ، وإلاّ يكون الزائد من الأصل ، ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام والحجّ النذري والإفسادي ; لأنّه بأقسامه واجب ماليّ، وإجماعهم قائم على خروج كلّ واجب مالي من الأصل ، مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الحجّ بمنزلة الدين ، ومن المعلوم خروجه من الأصل ، بل الأقوى خروج كلّ واجب  من الأصل وإن كان بدنيّاً كما مرّ سابقاً ، وإن علم أنّه ندبيّ فلا إشكال في خروجه من الثلث .
وإن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان ; يظهر من سيّد «الرياض» (قدس سره) خروجه من الأصل ; حيث إنّه وجّه كلام الصدوق (قدس سره) ـ الظاهر

(الصفحة300)

في كون جميع الوصايا من الأصل ـ بأنّ مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو لا ، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصيّة خروجها من الأصل ، خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيّاً ، وحمل الخبر الدالّ بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك ، لكنّه مشكل ، فإنّ العمومات مخصّصة بما دلّ على أنّ الوصيّة بأزيد من الثلث تردّ إليه ، إلاّ مع إجازة الورثة ، هذا مع أنّ الشبهة مصداقيّة ، والتمسّك بالعمومات فيها محلّ إشكال .
وأمّا الخبر المشار إليه ـ وهو قوله (عليه السلام) : «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ، إن أوصى به كلّه فهو جائز» ـ فهو موهون بإعراض العلماء عن العمل بظاهره ، ويمكن أن يكون المراد «بماله» هو الثلث الذي أمره بيده . نعم ، يمكن أن يقال  في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة الظاهر من قول الموصي : «حجّوا عنّي» هو حجّة الإسلام الواجبة ; لعدم تعارف الحجّ المستحبّي في هذه الأزمنة والأمكنة ، فيحمل على أنّه واجب من جهة هذا الظهور والانصراف ، كما أنّه إذا قال : «أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة» ينصرف إلى الواجب عليه .
فتحصّل أنّ في صورة الشكّ في كون الموصى به واجباً حتّى يخرج من أصل التركة ، أو لا حتّى يكون من الثلث ، مقتضى الأصل الخروج من الثلث ; لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً وهو غير معلوم ، بل الأصل عدمه إلاّ إذا كان هناك انصراف، كما في مثل الوصيّة بالخمس أو الزكاة أو الحجّ ونحوها . نعم ، لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب، كما إذا علم وجوب الحجّ عليه سابقاً ولم يعلم أنّه أتى به أو لا ، فالظاهر جريان الاستصحاب والإخراج من الأصل .
ودعوى أنّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه وهو فرع شكّه لا شكّ الوصيّ أو الوارث، ولايعلم أنّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين، مدفوعة بمنع اعتبار شكّه ، بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضاً ، ولا فرق في ذلك
<<التالي الفهرس السابق>>