في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة581)


فصل
في أحكام الشركة

وهي عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، ملكاً أو حقّاً ، وهي إمّا واقعيّة قهريّة ، كما في المال أو الحقّ الموروث ، وإمّا واقعيّة اختياريّة من غير استناد إلى عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً . وإمّا ظاهريّة قهريّة، كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبيّ بحيث لايتميّز أحدهما (1) من الآخر ، سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلّ بالدبس . وإمّا ظاهريّة اختياريّة، كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة ، فإنّ مال كلّ منهما في الواقع ممتاز عن الآخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختصّ كلّ منهما بماله . وأمّا الاختلاط مع التميّز فلايوجب الشركة ولو ظاهراً ، إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري أو القرعة . وإمّا واقعيّة مستندة إلى عقد غير عقد الشركة، كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها . وإمّا واقعيّة منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله، كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه، ويسمّى عندهم بالتشريك، وهوصحيح لجملة من الأخبار.

(1) إن كان عدم التميّز بنحو لا يرى العرف وجوده واقعاً فالشركة واقعيّة، كما في امتزاج المايعين المتماثلين، بل غير المتماثلين، كما في امتزاج الماء مع الجلاّب، وإلاّ فلا معنى للشركة الظاهرية، بل اللازم الرجوع إلى الصلح أو القرعة، كما في اختلاط الجوز بالجوز والدراهم والدنانير بمثلهما.

(الصفحة582)

وإمّا واقعيّة منشأة بتشريك كلّ(1) منهما الآخر في ماله، ويسمّى هذا بالشركة العقديّة ومعدود من العقود .
ثمّ إنّ الشركة قد تكون في عين، وقد تكون في منفعة، وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفيّة إمّا بنحو الإشاعة، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاّ في التصرّف، كما في شركة الفقراء  في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها .
[3480] مسألة 1 : لاتصحّ الشركة العقديّة إلاّ في الأموال بل الأعيان ، فلا تصحّ في الديون ، فلوكان لكلّ منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كلّ منهما بينهما لم يصحّ ، وكذا لا تصحّ في المنافع ; بأن كان لكلّ منهما دار مثلا وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كلّ منهما بينهما بالنصف مثلا ، ولو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر ، أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلا وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار .
وكذا لا تصحّ شركة الأعمال وتسمّى شركة الأبدان أيضاً ، وهي أن يوقعا العقد على أن يكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ، سواء اتّفق عملهما كالخياطة مثلا ، أو كان على أحدهما الخياطة والآخر النساجة ، وسواء كان ذلك في عمل معيّن أو في كلّ ما يعمل كلّ منهما، ولو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما

(1) ظاهره أنّ مجرّد إنشاء التشريك يوجب تحقّق الشركة الحقيقيّة، وهي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد، مع أنّ تحقّقها بدون الخلط والامتزاج محلّ تأمّل بل منع، كما سيأتي، ومع حصول الاختلاط لا حاجة إلى الإنشاء، وعليه فالشركة العقدية في مقابل سائر أنواع الشركة غير ثابتة، إلاّ أن يكون أثرها مجرّد الإباحة والإذن في التصرّف، كما يؤمئ إليه ما سيأتي من كون الفسخ مؤثّراً في ارتفاع الإذن والإباحة فقط.

(الصفحة583)

الآخر نصف منفعته المعيّنة أو منافعه إلى مدّة كذا بنصف منفعة أو منافع الآخر ، أو صالحه نصف منفعته بعوض معيّن وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته بذلك العوض.
ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه; وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ويكون ما يبتاعه بينهما ، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما ، وإذا أرادا ذلك على الوجه الصحيح وكّل كلّ منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما وفي ذمّتهما .
وشركة المفاوضة أيضاً باطلة ; وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كلّ ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصيّة أو نحو ذلك مشتركاً بينهما ، وكذا كلّ غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلاً ، وتسمّى بشركة العنان .
[3481] مسألة 2 : لو استأجر اثنين لعمل واحد باُجرة معلومة صحّ وكانت الاُجرة مقسّمة عليهما بنسبة عملهما ، ولايضرّ الجهل بمقدار حصّة كلّ منهما حين العقد ; لكفاية معلوميّة المجموع ، ولايكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة بل من شركة الأموال ، فهو كما لو استأجر كلاّ منهما لعمل وأعطاهما شيئاً واحداً بإزاء اُجرتهما . ولو اشتبه مقدار عمل كلّ منهما، فإن احتمل التساوي حمل عليه(1) ; لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر، وإن علم(2) زيادة أحدهما على الآخر فيحتمل القرعة في المقدار الزائد ، ويحتمل(3) الصلح القهري .


(1) والأحوط التصالح، ولا مجال لأصالة عدم الزيادة، لعدم جريانها ذاتاً على بعض الوجوه، وللمعارضة على البعض الآخر.
(2) ولم يعلم مستحقّ الزيادة.
(3) والأحوط التصالح.

(الصفحة584)

[3482] مسألة 3 : لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء بآنية واحدة، أو نصبا معاً شبكة للصيد، أو أحييا أرضاً معاً ، فإن ملّك كلّ منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي ، وإلاّ فلكلّ منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوّة والضعف ، ولو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة ، وربما يحتمل التساوي مطلقاً ; لصدق اتّحاد فعلهما في السببيّة واندراجهما في قوله : «من حاز ملك». وهو كما ترى .
[3483] مسألة 4 : يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقديّة ـ مضافاً إلى الإيجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه ـ امتزاج المالين(1) سابقاً على العقد أو لاحقاً بحيث لايتميّز أحدهما من الآخر ، من النقود كانا أو من العروض ، بل اشترط جماعة اتّحادهما في الجنس والوصف ، والأظهر عدم اعتباره ، بل يكفي الامتزاج على وجه لايتميّز أحدهما من الآخر ، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه، أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر ، بل لايبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير; وذلك للعمومات العامّة كقوله تعالى : {أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1] . وقوله (عليه السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» وغيرهما ، بل لولا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً عملاً بالعمومات ، ودعوى عدم كفايتها لإثبات ذلك كما ترى ، لكن الأحوط  مع ذلك أن يبيع كلّ منهما حصّة ممّا هو له بحصّة ممّا للآخر، أو يهبها كلّ منهما للآخر أو نحو ذلك في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقّن . هذا ، ويكفي في الإيجاب والقبول كلّ ما دلّ على الشركة من قول أو فعل .
[3484] مسألة 5 : يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ومع زيادة فبنسبة الزيادة ربحاً وخسراناً، سواء كان العمل من أحدهما أو منهما مع

(1) قد مرّ الإشكال في الشركة العقدية وكذا في الشركة الظاهرية، وأنّ الملاك في الشركة هو الامتزاج بنحو ما مرّ.

(الصفحة585)

التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرّع أو أجير ، هذا مع الإطلاق . ولو شرطا في العقد زيادة لأحدهما، فإن كان للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلا إشكال ولاخلاف على الظاهر عندهم في صحّته . أمّا لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ، ففي صحّة الشرط والعقد وبطلانهما ، وصحّة العقد وبطلان الشرط فيكون كصورة الإطلاق أقوال ، أقواها الأوّل ، وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد ، وذلك لعموم «المؤمنون عند شروطهم» ودعوى أنّه مخالف لمقتضى العقد كما ترى(1) .
نعم ، هو مخالف لمقتضى إطلاقه ، والقول بأنّ جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة، بل هو أكل بالباطل ، كما ترى باطل.
ودعوى أنّ العمل بالشرط غير لازم لأنّه في عقد جائز ، مدفوعة أوّلاً : بأنّه مشترك الورود ; إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته ، وثانياً : بأنّ غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط، والمفروض في صورة عدم الفسخ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به ، وليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه ، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين . هذا، ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل(2) العقد لأنّه خلاف مقتضاه . نعم ، لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر صحّته لعدم كونه منافياً .
[3485] مسألة 6 : إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كلّ منهما أو مع انضمامهما فهو المتّبع ولايجوز التعدّي ، وإن أطلقا لم يجز لواحد(3) منهما التصرّف إلاّ بإذن الآخر . ومع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه، فإن

(1) كما أنّ دعوى كونه مخالفاً للسنّة أيضاً كذلك.
(2) الفرق بين هذه الصورة وبين الصورة السابقة غير واضح.
(3) إذا كان التصرّف مفتقراً إلى إذن جديد، فما الذي يترتّب على عقد الشركة من الأثر.

(الصفحة586)

كان مقيّداً بنوع خاصّ من التجارة لم يجز التعدّي عنه ، وكذا مع تعيين كيفيّة خاصّة ، وإن كان مطلقاً فاللازم الاقتصار على المتعارف من حيث النوع والكيفيّة ، ويكون حال المأذون حال العامل في المضاربة، فلايجوز(1) البيع بالنسيئة بل ولا  الشراء بها، ولايجوز السفر بالمال ، وإن تعدّى عمّا عيّن له أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف ، ولكن يبقى الإذن(2) بعد التعدّي أيضاً ; إذ لاينافي الضمان بقاءه ، والأحوط(3) مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة، وإن كان لايبعد كفاية عدم المفسدة.
[3486] مسألة 7 : العامل أمين فلايضمن التلف ما لم يفرط أو يتعدّى .
[3487] مسألة 8 : عقد الشركة من العقود الجائزة ، فيجوز لكلّ من الشريكين فسخه، لا بمعنى أن يكون الفسخ موجباً للانفساخ من الأوّل، أو من حينه بحيث تبطل  الشركة ; إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة ، بل بمعنى جواز رجوع كلّ منهما عن الإذن في التصرّف الذي بمنزلة عزل الوكيل عن الوكالة ، أو بمعنى مطالبة القسمة ، وإذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر فيما لو كان كلّ منهما مأذوناً لم يجز التصرّف للآخر ويبقى(4) الجواز بالنسبة إلى الأوّل ، وإذا رجع كلّ منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما ، وبمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر ، وإذا أوقعا الشركة علىوجه يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصاناً في الخسارة يمكن الفسخ ـ بمعنى إبطال هذا القرار ـ بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين على ما

(1) إلاّ إذا كان متعارفاً، وكذا فيما بعده.
(2) إلاّ إذا كان مقيّداً بالعدم.
(3) لا يترك.
(4) كيف يجتمع الحكم بأنّ الشركة من العقود، وكون أثرها المرتفع بالفسخ هو الإذن مع كون الفسخ مؤثّراً بالنسبة إلى المفسوخ عليه فقط، بحيث إذا رجع أحدهما كان الإذن باقياً بالإضافة إليه.

(الصفحة587)

هو مقتضى إطلاق الشركة .
[3488] مسألة 9 : لو ذكرا في عقد الشركة أجلاً لايلزم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه إلاّ أن يكون مشروطاً في ضمن عقد لازم فيكون لازماً(1) .
[3489] مسألة 10 : لو ادّعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر عليه الحلف مع عدم البيّنة .
[3490] مسألة 11 : إذا ادّعى العامل التلف قبل قوله مع اليمين لأنّه أمين .
[3491] مسألة 12 : تبطل الشركة بالموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السفه ; بمعنى أنّه لايجوز للآخر التصرّف . وأمّا أصل الشركة فهي باقية . نعم ، يبطل أيضاً ما قرّراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك إذا تبيّن(2) بطلان الشركة ، فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة ويكون الربح على نسبة المالين; لكفاية الإذن المفروض حصوله. نعم، لوكان مقيّداً بالصحّة تكون كلّهافضوليّاً بالنسبة إلى من يكون إذنه مقيّداً، ولكلّ منهمااُجرة(3) مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر إذا كان العمل منهما ، وإن كان من أحدهما فله اُجرة مثل عمله .
[3492] مسألة 13 : إذا اشترى أحدهما متاعاً وادّعى أنّه اشتراه لنفسه ، وادّعى الآخر أنّه اشتراه بالشركة ، فمع عدم البيّنة القول قوله مع اليمين ; لأنّه أعرف بنيّته ، كما أنّه كذلك لو ادّعى أنّه اشتراه بالشركة ، وقال الآخر : إنّه اشتراه لنفسه ; فإنّه يقدّم قوله أيضاً لأنّه أعرف ولأنّه أمين .


(1) باللزوم التكليفي.
(2) والظاهر أنّ الصحيح بحسب العبارة «وإذا» بحيث تكون الواو للاستئناف، والمقصود تبيّن بطلان الشركة من رأس.
(3) لا وجه لثبوت اُجرة المثل في الفضولي مع عدم جعل شيء في مقابل العمل كما هو المفروض.

(الصفحة588)






(الصفحة589)





بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب المزارعة


[فصل
في معنى المزارعة وشرائطها وأحكامها]

وهي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصّة من حاصلها ، وتسمّى مخابرة أيضاً ، ولعلّها من الخبرة بمعنى النصيب ، كما يظهر من «مجمع البحرين». ولا إشكال في مشروعيّتها، بل يمكن دعوى استحبابها لما دلّ على استحباب الزراعة; بدعوى كونها أعمّ من المباشرة والتسبيب ، ففي خبر الواسطي قال : سألت جعفر ابن محمّد (عليهما السلام) عن الفلاّحين؟ قال : «هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الأعمال شيء أحبّ إلى الله من الزراعة، وما بعث الله نبيّاً إلاّ زارعاً إلاّ إدريس (عليه السلام)، فإنّه كان خيّاطاً». وفي آخر عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيّباً أخرجه الله ـ عزّوجلّ ـ وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة يدعون المباركين» .
وفي خبر عنه (عليه السلام) قال: «سئل النبيّ (صلى الله عليه وآله) أيّ المال خير؟ قال: الزرع زرعه صاحبه وأصلحه وأدّى حقّه يوم حصاده، قال : فأيّ المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في

(الصفحة590)

غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، قال: فأيّ المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير، قال: فأيّ المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في الوحل، والمطعمات في المحل. نعم الشيء النخل ، من باعه فإنّما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدّت به الريح في يوم عاصف إلاّ أن يخلف مكانها . قيل : يارسول الله (صلى الله عليه وآله) فأيّ المال بعد النخل خير؟ قال: فسكت، قال:فقام إليه رجل فقال له: يارسول الله فأين الإبل؟ قال:فيهاالشقاءوالجفاء والعناء وبُعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة، لايأتي خيرها إلاّ من جانبها الأشأم، أماإنّها لاتعدم الأشقياء الفجرة». وعنه (عليه السلام) قال: «الكيمياء الأكبر الزراعة».
وعنه (عليه السلام): «إنّ الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء» . وعنه (عليه السلام)، أنّه سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوماً يقولون : إنّ المزارعة مكروهة ؟ فقال له : «ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه» . ويستفاد(1) من هذا الخبر ما ذكرنا من أنّ الزراعة أعمّ من المباشرة  والتسبيب ، وأمّا ما رواه الصدوق مرفوعاً عن النّبي (صلى الله عليه وآله)أنّه نهى عن المخابرة ، قال : وهي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع ، فلابدّ من حمله على بعض المحامل ; لعدم مقاومته لما ذكر ، وفي «مجمع البحرين» : وما روي من أنّه (صلى الله عليه وآله)نهى عن المخابرة كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها .
ويشترط فيها اُمور :
أحدها : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ ، سواء كان حقيقة أو مجازاً مع القرينة، كزارعتك أو سلّمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا ، ولايعتبر فيهما العربيّة ولا الماضويّة ، فيكفي الفارسي وغيره ، والأمر كقوله : ازرع

(1) على تقدير كون الموضوع هي المزارعة، وأمّا على تقدير كونه هي الزراعة كما في محكي النسخ الموجودة من كتب الأخبار المعروفة فلا مجال لهذه الاستفادة.

(الصفحة591)

هذه الأرض على كذا ، أو المستقبل ، أو الجملة الاسميّة مع قصد الإنشاء بها ، وكذا لايعتبر تقديم الإيجاب على القبول، ويصحّ الإيجاب من كلّ من المالك والزارع ، بل يكفي(1) القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي على الأقوى ، وتجري فيها المعاطاة، وإن كانت لا تلزم (2) إلاّ بالشروع في العمل .
الثاني : البلوغ والعقل والاختيار، وعدم الحجر لسفه أو فلس، ومالكيّة التصرّف في كلّ من المالك والزارع . نعم ، لايقدح(3) حينئذ فلس الزارع إذا لم يكن منه مال ; لأنّه ليس تصرّفاً ماليّاً .
الثالث : أن يكون النماء مشتركاً بينهما ، فلو جعل الكلّ لأحدهما لم يصحّ مزارعة .
الرابع : أن يكون مشاعاً بينهما ، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع ـ كالذي حصل أوّلاً ـ والآخر بنوع آخر ، أو شرطا أن يكون ما حصل من هذه القطعة من الأرض لأحدهما، وما حصل من القطعة الاُخرى للآخر لم يصحّ .
الخامس : تعيين الحصّة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك ، فلو قال : ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أو لي شيء من حاصلها بطل .
السادس : تعيين المدّة بالأشهر والسنين، فلو أطلق بطل . نعم ، لو عيّن المزروع أو مبدأ الشروع في الزرع لايبعد صحّته إذا لم يستلزم(4) غرراً ، بل مع

(1) فيه إشكال.
(2) اللزوم في المعاطاة لا يتوقّف على شيء، بل هي كالعقد بالصيغة. نعم، قد يكون أصل تحقّقها متوقّفاً على الشروع في العمل، كما في إجارة الحرّ نفسه، وكما هنا بناءً على صدور الإيجاب من الزارع.
(3) وكذا سفهه في هذه الصورة.
(4) بأن كان متعيّناً بحسب العادة، وكذا في الفرض الآتي.

(الصفحة592)

عدم تعيين ابتداء الشروع أيضاً إذا كانت الأرض ممّا لايزرع في السنة إلاّ مرّة ، لكن مع تعيين السنة لعدم الغرر فيه ، ولادليل على اعتبار التعيين تعبّداً، والقدر المسلّم من الإجماع على تعيينها غير هذه الصورة ، وفي صورة تعيين المدّة لابدّ وأن تكون بمقدار يبلغ فيه الزرع ، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء .
السابع : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج ، فلو كانت سبخة لايمكن الانتفاع بها، أو كان يستولي عليها الماء قبل أوان إدراك الحاصل أو نحو ذلك ، أو لم يكن هناك ماء للزراعة ولم يمكن تحصيله ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك ولم يمكن الاكتفاء بالغيث بطل .
الثامن : تعيين المزروع من الحنطة والشعير وغيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، فمع عدمه يبطل إلاّ أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين ، أو كان مرادهما التعميم، وحينئذ فيتخيّر الزارع بين أنواعه .
التاسع : تعيين الأرض ومقدارها ، فلو لم يعيّنها بأنّها هذه القطعة أو تلك القطعة ، أو من هذه المزرعة أو تلك ، أو لم يعيّن مقدارها بطل مع اختلافها بحيث يلزم الغرر . نعم ، مع عدم لزومه لايبعد الصحّة; كأن يقول : مقدار جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها ، أو أيّ مقدار (1) شئت منها ، ولايعتبر كونها شخصيّة ، فلو عيّن كلّياً موصوفاً على وجه يرتفع الغرر فالظاهر صحّته، وحينئذ يتخيّر المالك في تعيينه .
العاشر : تعيين كون البذر على أيّ منهما ، وكذا سائر المصارف واللوازم إذا لم

(1) ليس المراد هو هذا العنوان الملازم للجهل بالمقدار، بل المراد هو المقدار المعيّن بنحو الكلّي في المعيّن، والفرق بينه وبين ما قبله مع اشتراكهما في ذلك هو أنّ التعيين في الأوّل بيد المالك وفي الثاني بيد الزارع.

(الصفحة593)

يكن هناك انصراف مغن عنه ولو بسبب التعارف .
[3493] مسألة 1 : لايشترط في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مسلّطاً عليها بوجه من الوجوه(1); كأن يكون مالكاً لمنفعتها بالإجارة(2) أو الوصيّة أو الوقف(3) عليه ، أو مسلّطاً عليها بالتولية; كمتولّي الوقف العامّ أو الخاصّ والوصيّ ، أو كان له حقّ اختصاص بها بمثل التحجير (4) والسبق ونحو ذلك ، أو كان مالكاً للانتفاع بها; كما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره ، بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة . نعم ، لو لم يكن له فيها حقّ أصلاً لم يصحّ مزارعتها ، فلايجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك ، فإنّ المزارع والعامل فيها سواء .
نعم ، يصحّ الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك ، لكنّه ليس حينئذ من المزارعة المصطلحة ، ولعلّ هذا مراد الشهيد في «المسالك» من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجيّة التي هي للمسلمين قاطبة إلاّ مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر ، فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها ، وإلاّ فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار .
[3494] مسألة 2 : إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما فالظاهر صحّته  وإن لم يكن من المزارعة

(1) أي المفيدة لملك المنفعة.
(2) مع عدم اشتراط المباشرة فيها.
(3) فيه مسامحة واضحة، فإنّه في الوقف تكون الأرض ملكاً للموقوف عليه، وبتبعها يكون مالكاً للمنفعة، بخلاف الإجارة والوصية بالمنفعة.
(4) في الاكتفاء بالتحجير ونحوه نظر وإشكال، وكذا في جواز استعارة الأرض للمزارعة.

(الصفحة594)

المصطلحة(1) ، بل لايبعد كونه منها أيضاً ، وكذا لو أذن لكلّ من يتصدّى للزرع وإن لم يعيّن شخصاً ، وكذا لو قال : كلّ من زرع أرضي هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانيّة فلي نصف حاصله أو ثلثه مثلا ، فأقدم واحد على ذلك فيكون نظير الجعالة(2) ، فهو كما لو قال : «كلّ من بات في خاني أو داري فعليه في كلّ ليلة درهم» ، أو «كلّ من دخل حمّامي فعليه في كلّ مرّة ورقة» ، فإنّ الظاهر صحّته للعمومات ; إذ هو نوع من المعاملات العقلائية، ولا نسلّم انحصارها في المعهودات ، ولا حاجة إلى الدليل الخاصّ لمشروعيتها ، بل كلّ معاملة عقلائيّة صحيحة إلاّ ما خرج بالدليل الخاصّ كما هو مقتضى العمومات .
[3495] مسألة 3 : المزارعة من العقود اللازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط ; أي تخلّف بعض الشروط المشترطة على أحدهما ، وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابليّة  الانتفاع لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك ،ولا تبطل بموت أحدهما فيقوم وارث الميّت منهما مقامه . نعم ، تبطل

(1) إن كان المراد من عدم كونها من المزارعة المصطلحة عدم ترتّب آثارها عليه، كاستحقاق الزارع إحداث الزرع فيها وإبقائها إلى أوان بلوغها، فدعوى الصحّة ممنوعة بعد كونه غرريّاً محضاً. وإن كان المراد منه عدم كونها من مصاديقها، وإن ترتّب عليها أحكامها وآثارها، فدعوى عدم كونها كذلك ممنوعة بعد عدم اعتبار لفظ خاصّ في إيجاب المزارعة، وعدم تقوّمها بإنشائها بهذا العنوان.
(2) كونه نظيراً للجعالة ممنوع، بل هو عكسها، فإنّها جعل شيء على نفسه لغيره على فرض وقوع عمل منه، وهنا جعل شيئاً لنفسه على غيره على تقدير وقوع العمل من الغير. نعم، فيما إذا كان البذر من المالك تصحّ الجعالة، بأن يقول: من زرع هذا البذر في أرضي فله نصف الحاصل مثلاً، بناءً على صحّة الجعالة المجهول جعلها وجوداً وكميّةً، ومن هنا انقدح عدم كون الأمثلة أيضاً من مصاديق الجعالة، بل بعضها إباحة بالعوض أو إذن بالإتلاف بالعوض، ومع ذلك فالصحّة فيها محلّ تأمّل وإشكال.

(الصفحة595)

بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل ، سواء كان قبل خروج الثمرة أو بعده ، وأمّا المزارعة المعاطاتيّة  فلا تلزم(1) إلاّ بعد التصرّف ، وأمّا الإذنيّة فيجوز فيها الرجوع دائماً(2) ، لكن إذا كان بعد الزرع وكان البذر من العامل يمكن دعوى لزوم إبقائه  إلى حصول الحاصل ; لأنّ الإذن في الشيء إذن(3) في لوازمه ، وفائدة الرجوع أخذ اُجرة الأرض منه حينئذ ويكون الحاصل كلّه للعامل .
[3496] مسألة 4 : إذا استعار(4) أرضاً للمزارعة ثمّ أجرى عقدها لزمت ، لكن للمعير الرجوع في إعارته فيستحقّ(5) اُجرة المثل لأرضه على المستعير ، كما إذا استعارها للإجارة فآجرها بناءً على ما هو الأقوى  من جواز كون العوض لغير مالك المعوّض .
[3497] مسألة 5 : إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً في ذمّته أو في الخارج من ذهب أو فضّة أو غيرهما مضافاً إلى حصّته من الحاصل صحّ ، وليس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل(6) ، بل الأقوى صحّة استثناء مقدار معيّن من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعاً بينهما ، فلايعتبر إشاعة جميع

(1) مرّ الكلام فيها.
(2) إذا لم تكن من مصاديق المزارعة المصطلحة، وإلاّ فهي أيضاً لازمة.
(3) لكنّه يرجع عن الإذن في اللازم، ولا دليل على عدم جواز رجوعه عنه.
(4) بناءً على جواز استعارة الأرض للمزارعة، وقد مرّ الإشكال فيه.
(5) أي بالإضافة إلى ما بعد الرجوع، وإذنه في المزارعة لا يلازم عدم ثبوت حقّ الرجوع له. غاية الأمر أنّ لزوم المزارعة مانع عن جواز إ بطالها واسترداد العين، ولا منافاة بينه وبين استحقاق اُجرة المثل بالنسبة إلى ما بعد الرجوع.
(6) ليس المراد بالسلامة مجرّد الحصول في مقابل اللاحصول، ولا السلامة في مقابل العيب، بل الظاهر أنّ المراد بها الحصول بمقدار يترقّب بحيث لم يتلف شيء منه بآفة أو غيرها.

(الصفحة596)

الحاصل بينهما على الأقوى ، كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه ، أو استثناء مقدار خراج السلطان أو مايصرف في تعمير الأرض ثمّ القسمة ، وهل يكون قراره  في هذه الصورة مشروطاً بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار أو لا ؟ وجهان(1) .
[3498] مسألة 6 : إذا شرط مدّة معيّنة يبلغ الحاصل فيها غالباً ، فمضت والزرع باق لم يبلغ ، فالظاهر أنّ للمالك الأمر بإزالته بلا أرش، أو إبقائه ومطالبة الاُجرة إن رضي العامل بإعطائها ، ولايجب(2) عليه الإبقاء بلا اُجرة ، كما لايجب عليه الأرش مع إرادة الإزالة ; لعدم حقّ للزارع بعد المدّة، و«الناس مسلّطون على أموالهم» . ولا فرق بين أن يكون ذلك بتفريط الزارع أو من قبل الله، كتأخير المياه أو تغيّر الهواء ، وقيل: بتخييره بين القلع مع الأرش والبقاء مع الاُجرة . وفيه ما عرفت ، خصوصاً إذا كان بتفريط الزارع، مع أنّه لا وجه لإلزامه العامل بالاُجرة بلا رضاه . نعم ، لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها إن مضت المدّة قبله لايبعد صحّته (3) ووجوب الإبقاء عليه .
[3499] مسألة 7 : لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتّى انقضت المدّة ، ففي ضمانه اُجرة المثل للأرض ـ كما أنّه يستقرّ عليه المسمّى في الإجارة ـ أو عدم ضمانه أصلاً غاية الأمر كونه آثماً بترك تحصيل الحاصل ، أو التفصيل بين ما إذا تركه اختياراً فيضمن أو معذوراً فلا ، أو ضمانه مايعادل الحصّة

(1) والظاهر هو الوجه الأوّل، فإنّه على تقدير التلف يحسب التالف على المستثنى والمستثنى منه بالنسبة.
(2) أي عند إرادة الإبقاء، فلا إشعار في العبارة باحتمال وجوب الإبقاء بلا اُجرة تعييناً.
(3) إذا كانت مدّة التأخير على فرضه معلومة بحسب العادة، وإلاّ فصحّة الشرط بل صحّة العقد معه محلّ إشكال.

(الصفحة597)

المسمّـاة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة ، أو ضمانه بمقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ومن قيمة عمل الزارع ، أو الفرق بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة; لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن، وبين صورة عدم اطّلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن وجوه ، وبعضها أقوال ، فظاهر بل صريح جماعة الأوّل(1) . بل قال بعضهم : يضمن النقص الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص ، واستظهر بعضهم الثاني ، وربما يستقرب الثالث ، ويمكن القول بالرابع ، والأوجه الخامس ، وأضعفها السادس .
ثمّ هذا كلّه إذا لم يكن الترك بسبب عذر عامّ ، وإلاّ فيكشف عن بطلان المعاملة . ولو انعكس المطلب; بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل الفسخ ، ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصّته من منفعة الأرض أو ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين ، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه ، أو عدم الضمان حتّى لو قلنا به في الفرض الأوّل بدعوى الفرق بينهما، وجوه(2) .
[3500] مسألة 8 : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخيّر بين الفسخ وعدمه ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ ، وهل يضمن (3) الغاصب تمام منفعة

(1) وهو الأقرب فيما هو المفروض من تسليم الأرض إليه، الظاهر في كونها تحت يد العامل واستيلائه في تلك المدّة، بل الظاهر ضمان النقص الحاصل بسبب ترك الزرع أيضاً.
(2) والأخير أوجه.
(3) أي مع عدم الفسخ، سواء كان ذلك لأجل عدم ثبوت حقّه له كما في الفرض الثاني، أو لأجل عدم اختياره إيّاه كما في أحد الشقّين من الفرض الأوّل.

(الصفحة598)

الأرض في تلك المدّة للمالك فقط ، أو يضمن له بمقدار حصّته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض، ويضمن له أيضاً مقدار قيمة حصّته من عمل العامل حيث فوّته عليه ، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصّته من منفعة الأرض ؟ وجهان(1) ، ويحتمل ضمانه لكلّ منهما ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين .
[3501] مسألة 9 : إذا عيّن المالك نوعاً من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما تعيّن ولم يجز للزارع التعدّي عنه ، ولو تعدّى إلى غيره  ذهب بعضهم إلى أنّه إن كان ما زرع أضرّ ممّا عيّنه المالك كان المالك مخيّراً بين الفسخ وأخذ اُجرة المثل للأرض ، والإمضاء وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ ، وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه . وقال بعضهم: يتعيّن أخذ اُجرة المثل للأرض مطلقاً ; لأنّ ما زرع غير ما وقع عليه العقد ، فلايجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً ، والأقوى(2) أنّه إن علم أنّ المقصود مطلق الزرع، وأنّ الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يقال : إنّ الأمر كما ذكر ; من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ، وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً ، لكن التحقيق مع ذلك خلافه .
وإن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر وكثرته ،

(1) لا يبعد أقربية الوجه الأوّل.
(2) والظاهر بعد كون المفروض هو صورة علم المالك بعد بلوغ الحاصل هو التفصيل من أوّل الأمر بين كون التعيين على وجه الشرطية، أو على نحو القيدية، ففي الأوّل يتخيّر المالك بين أخذ اُجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض، وأخذ حصّته من الحاصل فيما إذا كان البذر من العامل، وفي الثاني يتعيّن له أخذ اُجرة مثل الأرض. نعم، لو صارت ناقصة بواسطة زرع غير ما هو المعيّن يثبت له أرش النقص على الزارع أيضاً، وأمّا ما يستفاد من المتن من فرض صورة ثالثة خارجة عن صورتي الاشتراط والتقييد، فيدفعه أنّ تلك الصورة ترجع لا محالة إلى إحدى الصورتين.

(الصفحة599)

فإمّا أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانيّة ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطيّة ، فعلى الأوّل إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتّى انقضت المدّة ، فيجري فيه الوجوه الستّة المتقدّمة في تلك المسألة ، وأمّا بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحقّ العامل اُجرة عمله على إشكال في صورة علمه(1) بالتعيين وتعمّده الخلاف ; لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله ، وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه اُجرة الأرض مضافاً إلى ما استحقّه من بعض الوجوه المتقدّمة ، ولايضرّ استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرّتين على ما بيّنا في محلّه ; لأنّه من جهتين(2). وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة  أيضاً .
وعلى الثاني يكون المالك مخيّراً بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف شرطه ، فيأخذ اُجرة المثل للأرض، وحال الزرع الموجود حينئذ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر، وبين أن لايفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود بإسقاط حقّ شرطه، وبين أن لايفسخ ولكن لايسقط حقّ شرطه أيضاً ، بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستّة المتقدّمة ، ويكون(3) حال الزرع الموجود كما مرّ من كونه لمالك البذر .
[3502] مسألة 10 : لو زارع على أرض لاماء لها فعلاً لكن أمكن تحصيله بعلاج

(1) بل مطلقاً.
(2) الظاهر عدم تعدّد الجهة هنا وثبوت اُجرة المثل فقط.
(3) مع فرض عدم الفسخ لا وجه لاختصاص الزرع الموجود بمالك البذر، بل يكون مشتركاً بينهما على ما شرط; لفرض عدم الفسخ وعدم تقيّد متعلّقه بمفاده، وأمّا التغريم فالظاهر أيضاً عدم ثبوت الوجه له، خصوصاً على ما يستفاد من العبارة من كونه ناشئاً عن ترك الزرع الخاصّ، لا إيجاد زرع آخر حتّى يمكن أن يقال إنّه على ثبوت التفاوت بين الزرعين.

(الصفحة600)

من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك ، فإن كان الزارع عالماً بالحال صحّ ولزم ، وإن كان جاهلاً كان له خيار الفسخ ، وكذا لو كان الماء مستولياً عليها وأمكن قطعه عنها، وأمّا لو لم يمكن التحصيل في الصورة الاُولى أو القطع في الثانية كان باطلاً ، سواء كان الزارع عالماً أو جاهلاً . وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن قطعه ، وربما يقال بالصحّة مع علمه بالحال ، ولاوجه له وإن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع ; لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع . نعم ، لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان تحصيله أمكن الصحّة ; لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلاّ أن يكون على وجه التقييد ، فيكون باطلاً أيضاً .
[3503] مسألة 11 : لا فرق في صحّة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما ، ولابدّ من تعيين ذلك إلاّ أن يكون هناك معتاد ينصرف إليه الإطلاق . وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصّة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل ، وكذا لايلزم أن يكون تمام العمل على العامل ، فيجوز كونه عليهما ، وكذا الحال في سائر المصارف . وبالجملة هنا اُمور أربعة : الأرض والبذر والعمل والعوامل ، فيصحّ أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر البقيّة، ويجوز أن يكون من كلّ منهما اثنان منها ، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقيّة ، كما يجوز الاشتراك في الكلّ ، فهي على حسب ما يشترطان ، ولايلزم على من عليه البذر دفع عينه ، فيجوز له دفع قيمته ، وكذا بالنسبة إلى العوامل ، كما لايلزم مباشرة العامل بنفسه ، فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلاّ مع الشرط .
[3504] مسألة 12 : الأقوى جواز  عقد المزارعة بين أزيد من اثنين ; بأن تكون الأرض من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، والعوامل من رابع ، بل يجوز
<<التالي الفهرس السابق>>