في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة741)

في الظاهر ، لكن يجب على كلّ منهما العمل على الواقع بينه وبين الله ، وإذا حلف المنكر حكم بعدم الزوجيّة بينهما ، لكن المدّعي مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه ، فليس له إن كان هو الرجل تزويج الخامسة، ولا اُمّ المنكرة ولا بنتها مع الدخول بها، ولا  بنت أخيها أو اُختها إلاّ برضاها ، ويجب عليه إيصال المهر إليها . نعم ، لايجب عليه نفقتها لنشوزها بالإنكار .
وإن كانت هي المدّعية لايجوز لها التزويج بغيره إلاّ إذا طلّقها، ولو بأن يقول : «هي طالق إن كانت زوجتي». ولايجوز(1) لها السفر من دون إذنه ، وكذا كلّ ما يتوقّف على إذنه ، ولو رجع المنكر إلى الإقرار هل يسمع منه ويحكم بالزوجيّة بينهما ؟ فيه قولان ، والأقوى السماع(2) إذا أظهر عذراً لإنكاره ولم يكن متّهماً، وإن كان ذلك بعد الحلف ، وكذا المدّعي إذا رجع عن دعواه وكذّب نفسه . نعم ، يشكل(3) السماع منه إذا كان ذلك بعد إقامة البيّنة منه على دعواه ، إلاّ إذا كذّبت البيّنة أيضاً نفسها .
[3857] الثالثة : إذا تزوّج امرأة تدّعي خلوّها عن الزوج فادّعى زوجيّتها رجل

(1) فيه إشكال، وكذا في غير السفر ممّا يتوقّف على إذنه.
(2) بل ومع عدم الشرطين، خصوصاً إذا كان قبل الحلف، ولا فرق في ذلك بين الحقوق التي ادّعي عليه، وبين الحقوق التي ادّعاها على المدّعي، برجوعه عن الإنكار بعد إقراره على نفسه وعدم تجاوز الحقّ عنهما.
(3) الظاهر أنّه لا إشكال في هذه الصورة أيضاً.

(الصفحة742)

آخر لم تسمع دعواه(1) إلاّ بالبيّنة . نعم ، له مع عدمها(2) على كلّ منهما اليمين ، فإن وجّه الدعوى على الامرأة فأنكرت وحلفت سقط دعواه عليها، وإن نكلت أو ردّت اليمين عليه فحلف لايكون حلفه حجّة على الزوج وتبقى على زوجيّة الزوج مع عدمها ، سواء كان عالماً بكذب المدّعي أو لا، وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدّعي ، وإن كان الأحوط(3) حينئذ طلاقها، فيبقى النزاع بينه وبين الزوج، فإن حلف سقط(4)دعواه بالنسبة إليه أيضاً ، وإن نكل  أو ردّ اليمين عليه فحلف حكم له بالزوجيّة إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجيّة بعد الردّ عليه ، وإن كان قبل تماميّة الدعوى مع الزوجة فيبقى النزاع بينه وبينها، كما إذا وجّه الدعوى أوّلاً عليه .
والحاصل : أنّ هذه دعوى على كلّ من الزوج والزوجة ، فمع عدم البيّنة إن حلفا سقط دعواه عليهما ، وإن نكلا  أو ردّ اليمين عليه فحلف ثبت مدّعاه ، وإن حلف أحدهما دون الآخر فلكلّ حكمه ، فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة إليه ، والزوجة لم تحلف بل ردّت اليمين على المدّعي أو نكلت وردّ الحاكم عليه فحلف، وإن كان لايتسلّط عليها لمكان حقّ الزوج ، إلاّ أنّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إليه ، سواء قلنا: إنّ اليمين المردودة بمنزلة الإقرار أو بمنزلة البيّنة أو قسم ثالث . نعم ، في استحقاقها النفقة والمهر المسمّى على الزوج إشكال ، خصوصاً إن قلنا: إنّه بمنزلة الإقرار أو البيّنة . هذا كلّه إذا كانت منكرة لدعوى المدّعي ، وأمّا إذا

(1) بحيث كانت موجبة للحكم ببطلان الزوجية الفعلية وعدم صحّتها.
(2) أي عدم البيّنة.
(3) الظاهر أنّ منشأ الاحتياط في هذه الصورة وجود رواية دالّة على تصديق الثقة، لكن المفروض فيها ما إذا كان المدّعي ثقة لا ما إذا أخبر ثقة بصدق المدّعي.
(4) الظاهر أنّ حلف الزوج إنّما هو على عدم العلم لا على نفي الواقع، كما في حلف الزوجة، وإن كان ظاهر النصّ والأكثر على ما قيل عدم ثبوت هذا الحقّ للمدّعي هنا مطلقاً.

(الصفحة743)

صدّقته وأقرّت بزوجيته فلايسمع بالنسبة إلى حقّ الزوج ، ولكنّها مأخوذة بإقرارها ، فلا تستحقّ النفقة على الزوج ولا المهر المسمّى ، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها; لأنّها بغيّة بمقتضى إقرارها إلاّ أن تظهر عذراً في ذلك ، وتردّ على المدّعي بعد موت الزوج أو طلاقه ، إلى غير ذلك .
[3858] الرابعة : إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة وأنكرت ، فهل يجوز لها أن تتزوّج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأوّل ، وكذا يجوز لذلك الغير تزويجها أو لا ، إلاّ بعد فراغها من المدّعي ؟ وجهان ; من أنّها قبل ثبوت دعوى المدّعي خليّة ومسلّطة على نفسها ، ومن تعلّق حقّ المدّعي بها وكونها في معرض ثبوت زوجيّتها للمدّعي ، مع أنّ ذلك تفويت حقّ المدّعي إذا ردّت الحلف عليه وحلف ، فإنّه ليس حجّة على غيرها وهو الزوج ، ويحتمل التفصيل بين ما إذا طالت الدعوى ، فيجوز للضرر عليها بمنعها حيئنذ ، وبين غير هذه الصورة ، والأظهر الوجه الأوّل(1) .
وحينئذ فإن أقام المدّعي بيّنة وحكم له بها كشف عن فساد العقد عليها ، وإن لم يكن له بيّنة وحلفت(2) بقيت على زوجيّتها ، وإن ردّت اليمين على المدّعي وحلف ففيه وجهان ; من كشف كونها زوجة للمدّعي فيبطل العقد عليها ، ومن أنّ اليمين المردودة لايكون مسقطاً لحقّ الغير وهو الزوج ، وهذا هو الأوجه (3)، فيثمر فيما إذا طلّقها الزوج أو مات عنها ، فإنّها حينئذ تردّ على المدّعي ، والمسألة سيّالة تجري في دعوى الأملاك وغيرها أيضاً، والله العالم .


(1) لعدم تعلّق الحقّ بمجرّد الدعوى قبل ثبوتها، وعدم كون التزويج موجباً للتفويت فيما إذا حلف بعد الردّ عليه; لعدم ثبوت الحقّ حاله.
(2) يمكن أن يقال بعدم ثبوت حقّ الحلف للمدّعي في مثل هذه الموارد، وعدم سماع دعواه إلاّ مع البيّنة، كما أشرنا إليه في المسألة المتقدّمة.
(3) فيه إشكال.

(الصفحة744)

[3859] الخامسة : إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة فأنكرت وادّعت زوجية امرأة اُخرى لايصحّ شرعاً زوجيّتها لذلك الرجل مع الامرأة الاُولى; كما إذا كانت اُخت الاُولى أو اُمّها أو بنتها ، فهناك دعويان: إحداهما من الرجل على الامرأة ، والثانية من الامرأة الاُخرى على ذلك الرجل ، وحينئذ فإمّا أن لايكون هناك بيّنة لواحد من المدّعيين، أو يكون لأحدهما دون الآخر، أو لكليهما ، فعلى الأوّل يتوجّه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين ، فإن حلفا سقطت الدعويان ، وكذا إن نكلا(1) وحلف كلّ من المدّعيين اليمين المردودة ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر وحلف مدّعيه اليمين المردودة سقطت دعوى الأوّل وثبت مدّعى الثاني .
وعلى الثاني ; وهو ما إذا كان لأحدهما بيّنة ثبت مدّعى من له البيّنة ، وهل تسقط دعوى الآخر، أو يجري عليه قواعد الدعوى من حلف المنكر أو ردّه ؟ قد يدّعى القطع بالثاني ; لأنّ كلّ دعوى لابدّ فيها من البيّنة أو الحلف ، ولكن لايبعد(2)  تقوية الوجه الأوّل ; لأنّ البيّنة حجّة شرعيّة وإذا ثبت بها زوجيّة إحدى الامرأتين لايمكن معه زوجيّة الاُخرى ; لأنّ المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين ، فلازم ثبوت زوجيّة إحداهما بالأمارة الشرعية عدم زوجيّة الاُخرى .
وعلى الثالث فإمّا أن يكون البيّنتان مطلقتين، أو مؤرّختين متقارنتين، أو تاريخ إحداهما أسبق من الاُخرى(3) فعلى الأوّلين تتساقطان ويكون كما لو لم يكن بيّنة أصلاً ، وعلى الثالث ترجّح الأسبق إذا كانت تشهد بالزوجيّة من ذلك التاريخ

(1) لكنّ السقوط في هذه الصورة إنّما هو لأجل عدم إمكان الثبوت; للتعارض الموجب للتساقط.
(2) محلّ نظر ، بل منع.
(3) أو تكون إحداهما مؤرخّة والاُخرى مطلقة.

(الصفحة745)

إلى زمان الثانية(1) وإن لم تشهد ببقائها إلى زمان الثانية، فكذلك إذا كانت الامرأتان الاُمّ والبنت مع تقدّم تاريخ البنت ، بخلاف الاُختين والاُمّ والبنت مع تقدّم تاريخ الاُمّ ; لإمكان صحّة العقدين ; بأن طلّق الاُولى وعقد على الثانية في الاُختين ، وطلّق الاُمّ مع عدم الدخول بها ، وحينئذ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان(2) . هذا ، ولكن وردت رواية تدلّ على تقديم بيّنة الرجل إلاّ مع سبق بيّنة الامرأة المدّعية ، أو الدخول بها في الاُختين ، وقد عمل بها المشهور في خصوص الاُختين ، ومنهم من تعدّى إلى الاُمّ والبنت أيضاً، ولكن العمل بها حتّى في موردها مشكل(3); لمخالفتها للقواعد وإمكان حملها على بعض المحامل التي لا تخالف القواعد .
[3860] السادسة : إذا تزوّج العبد بمملوكة ثمّ اشتراها بإذن المولى ، فإن اشتراها للمولى بقي نكاحها على حاله(4) ولا إشكال في جواز وطئها(5) ، وإن اشتراها لنفسه بطل نكاحها(6) وحلّت له بالملك على الأقوى من ملكّية العبد ، وهل يفتقر وطؤها

(1) وتشهد الثانية بنفس وقوع العقد الظاهر في كونه صحيحاً، وأمّا إذا شهدت أيضاً بالزوجية الفعلية فالظاهر وقوع التعارض وإن كانت الاُولى أسبق، وهنا فروض اُخر من جهة اختلاف مستند البيّنتين يختلف فيها الحكم.
(2) بعدما كان المفروض عدم شهادة الأسبق بالبقاء إلى زمان الثانية ـ ولازم ذلك الشهادة بنفس وقوع العقد صحيحاً وحدوث الزوجية قبلاً ـ لا مجال للترديد في ترجيح الثانية عليها; لإمكان صدقها واجتماعها مع الاُولى، من دون فرق بين أن تشهد بالزوجية الفعلية، أو بوقوع العقد الظاهر في كونه صحيحاً.
(3) لا إشكال فيه، ومجرّد المخالفة للقواعد على فرضها لا يمنع عن العمل بالرواية، خصوصاً بعد عمل المشهور بها.
(4) ما لم يفسخ المولى.
(5) وإن كان الأحوط الاستئذان لا بلحاظه بل بلحاظها.
(6) على إشكال.

(الصفحة746)

حينئذ إلى الإذن من المولى أو لا ؟ وجهان ، أقواهما ذلك(1) ; لأنّ الإذن السابق إنّما كان بعنوان الزوجيّة وقد زالت بالملك ، فيحتاج إلى الإذن الجديد . ولو اشتراها لا بقصد كونها لنفسه أو للمولى، فإن اشتراها بعين مال المولى كانت له وتبقى الزوجيّة(2) ، وإن اشتراها بعين ماله كانت له وبطلت الزوجيّة ، وكذا إن اشتراها في الذمّة ; لانصرافه إلى ذمّة نفسه ، وفي الحاجة إلى الإذن الجديد وعدمها الوجهان .
[3861] السابعة : يجوز تزويج امرأة تدّعي أنّها خليّة من الزوج من غير فحص مع عدم حصول العلم بقولها ، بل وكذا إذا لم تدّع ذلك ولكن دعت الرجل إلى تزويجها ، أو أجابت إذا دعيت إليه ، بل الظاهر ذلك وإن علم كونها ذات بعل سابقاً وادّعت طلاقها أو موته . نعم ، لو كانت متّهمة في دعواها فالأحوط (3) الفحص عن حالها ، ومن هنا ظهر جواز تزويج زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم موته وحياته إذا ادّعت حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن، أو بإخبار المخبرين وإن لم يحصل العلم بقولها ، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكن الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة .
[3862] الثامنة : إذا ادّعت امرأة أنّها خليّة فتزوّجها رجل ثمّ ادّعت بعد ذلك كونها ذات بعل(4) لم تسمع دعواها . نعم ، لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينها وبينه وإن لم يكن هناك زوج معيّن ، بل شهدت بأنّها ذات  بعل على وجه الإجمال .
[3863] التاسعة : إذا وكّلا وكيلاً في إجراء الصيغة في زمان معيّن لايجوز لهما المقاربة بعد مضيّ ذلك الزمان إلاّ إذا حصل لهما العلم بإيقاعه ، ولايكفي الظنّ بذلك

(1) بل الوجه الثاني قويّ.
(2) على نحو ما مرّ، وكذا البطلان في الفرض الآتي.
(3) والأولى.
(4) أي حين وقوع التزويج.

(الصفحة747)

وإن حصل من إخبار مخبر بذلك وإن كان ثقة . نعم ، لو أخبر الوكيل بالإجراء كفى إذا كان ثقة ، بل مطلقاً ; لأنّ قول الوكيل حجّة فيما وكّل فيه .


فصل
في أولياء العقد

وهم : الأب والجدّ من طرف الأب; بمعنى أب الأب فصاعداً ، فلايندرج فيه أب اُمّ الأب ، والوصيّ(1) لأحدهما  مع فقد الآخر ، والسيّد بالنسبة إلى مملوكه ، والحاكم ، ولا ولاية للاُمّ ولا الجدّ من قبلها ولو من قبل اُمّ الأب ، ولا الأخ والعمّ والخال وأولادهم .
[3864] مسألة 1 : تثبت ولاية الأب والجدّ على الصغيرين والمجنون المتّصل جنونه بالبلوغ ، بل والمنفصل على الأقوى(2) ، ولا ولاية لهما على البالغ الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّبة ، واختلفوا في ثبوتها على البكر الرشيدة على أقوال ; وهي استقلال الوليّ واستقلالها ، والتفصيل بين الدوام والانقطاع باستقلالها في الأوّل دون الثاني ، والعكس ، والتشريك; بمعنى اعتبار إذنهما معاً ، والمسألة مشكلة(3) ، فلايترك مراعاة الاحتياط بالاستئذان منهما ، ولو تزوّجت من دون إذن الأب أو زوّجها الأب من دون إذنها وجب إمّا إجازة الآخر أو الفراق

(1) يأتي الكلام فيه.
(2) والأحوط الاستئذان من الحاكم.
(3) وإن كان القول الثاني وهو استقلالها لا يخلو عن قوّة، ومع ذلك فلا يترك مراعاة الاحتياط بالاستئذان من الأب أو الجدّ أيضاً.

(الصفحة748)

بالطلاق . نعم ، إذا عضلها الولي ; أي منعها من التزويج بالكفو مع ميلها سقط اعتبار إذنه ، وأمّا إذا منعها من التزويج بغير الكفو شرعاً فلايكون عضلاً ، بل وكذا لو منعها(1) من التزويج بغير الكفو عرفاً ممّن في تزويجه غضاضة وعار عليهم وإن كان كفواً شرعياً ، وكذا لو منعها من التزويج بكفو معيّن مع وجود كفو آخر ، وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائباً لايمكن الاستئذان منه مع حاجتها إلى التزويج .
[3865] مسألة 2 : إذا ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة ونحوها فحكمها حكم البكر . وأمّا إذا ذهبت بالزنا أو الشبهة ففيه إشكال ، ولايبعد الإلحاق  بدعوى(2) أنّ المتبادر من البكر من لم تتزوّج ، وعليه فإذا تزوّجت ومات عنها أو طلّقها قبل أن يدخل بها لايلحقها حكم البكر ، ومراعاة الاحتياط أولى(3) .
[3866] مسألة 3 : لايشترط في ولاية الجدّ حياة الأب ولا موته ، والقول بتوقّف ولايته على بقاء الأب كما اختاره جماعة ضعيف ، وأضعف منه القول بتوقّفها على موته كما اختاره بعض العامّة .
[3867] مسألة 4 : لا خيار للصغيرة إذا زوّجها الأب أو الجدّ بعد بلوغها ورشدها ، بل هو لازم عليها ، وكذا الصغير على الأقوى(4) والقول بخياره في الفسخ والإمضاء ضعيف ، وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته .


(1) بل ربما يقال بجواز منع الولي عن التزويج بغير الكفؤ عرفاً، وإن لم تكن الولاية ثابتة له بوجه. غاية الأمر أنّها لو خالفت وزوّجت نفسها منه يصحّ نكاحها ولكنّه مشكل، كما أنّ ما في المتن أيضاً كذلك.
(2) الدعوى ممنوعة، بل عدم الإلحاق غير بعيد.
(3) بل لا يترك.
(4) وإن ورد في رواية صحيحة ثبوت الخيار لهما إذا زوّجهما الأبوان، لكن النصوص المتظافرة والإجماع المدّعى على عدم الخيار للصغيرة بعد بلوغها توجب حمل الخيار فيها مطلقاً على معنى آخر غير ما هو المصطلح.

(الصفحة749)

[3868] مسألة 5 : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة ، وإلاّ يكون العقد فضولياً كالأجنبي ، ويحتمل (1) عدم الصحّة بالإجازة أيضاً ، بل الأحوط مراعاة المصلحة ، بل يشكل الصحّة إذا كان هناك خاطبان أحدهما أصلح من الآخر بحسب الشرف، أو من أجل كثرة المهر أو قلّته بالنسبة إلى الصغير ، فاختار الأب غير الأصلح لتشهّي نفسه .
[3869] مسألة 6 : لو زوّجها الوليّ بدون مهر المثل ، أو زوّج الصغير بأزيد منه ، فإن كان هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم ، وإلاّ ففي صحّة العقد وبطلان المهر والرجوع إلى مهر المثل أو بطلان العقد أيضاً قولان ، أقواهما  الثاني(2) ، والمراد من البطلان عدم النفوذ ; بمعنى توقّفه على إجازتها بعد البلوغ ، ويحتمل  البطلان(3) ولو مع الإجازة بناءً على اعتبار وجود المجيز في الحال .
[3870] مسألة 7 : لايصحّ نكاح السفيه  المبذّر(4) إلاّ بإذن الولي ، وعليه أن يعيّن(5) المهر والمرأة ، ولو تزوّج بدون إذنه وقف على إجازته ، فإن رأى المصلحة وأجاز صحّ ولايحتاج إلى إعادة الصيغة ; لأنّه ليس كالمجنون والصبي مسلوب العبارة ، ولذا يصحّ وكالته عن الغير في إجراء الصيغة ومباشرته لنفسه بعد إذن الولي .


(1) احتمالاً في غاية الضعف، وكذا الإشكال في الصحّة في الفرض الآتي.
(2) إذا كان في نفس العقد مفسدة وإلاّ ففيه إشكال، بل لا يخلو القول بصحّة العقد وبطلان المهر بمعنى التوقّف على الإجازة عن قوّة.
(3) مرّ ضعف هذا الاحتمال في المسألة السابقة.
(4) أي المحجور عليه للتبذير، كما وقع التعبير به في عبارة الشرائع وغيرها.
(5) ظاهره وجوب التعيين على الولي، ولازمه صيرورته مفرطاً مع عدم التعيين إذا زوّج بمهر موجب لإتلاف ماله، مع أنّه لم يدلّ عليه دليل، بل اللازم عليه الإذن بما فيه المصلحة وعدم إجازة ما وقع بغيرها.

(الصفحة750)

[3871] مسألة 8 : إذا كان الشخص بالغاً رشيداً في الماليّات ، لكن لا رشد له بالنسبة إلى أمر التزويج وخصوصيّاته من تعيين الزوجة وكيفية الإمهار ونحو ذلك ، فالظاهر كونه كالسفيه (1) في الماليّات في الحاجة إلى إذن الولي، وإن لم أر من تعرّض له .
[3872] مسألة 9 : كلّ من الأب والجدّ مستقلّ في الولاية ، فلايلزم الاشتراك ولا الاستئذان من الآخر ، فأيّهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق محلُّ للآخر . ولو زوّج كلّ منهما من شخص ، فإن علم السابق منهما فهو المقدّم ولغا الآخر ، وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ ، وكذا إن جهل (2) التاريخان . وأمّا إن علم تاريخ أحدهما دون الآخر ، فإن كان المعلوم تاريخ عقد الجدّ قدّم أيضاً ، وإن كان المعلوم تاريخ عقد الأب احتمل تقدّمه ، لكن الأظهر  تقديم عقد الجدّ ; لأنّ المستفاد من خبر عبيد بن زرارة أولويّة الجدّ ما لم يكن الأب زوّجها قبله ، فشرط تقديم(3) عقد الأب كونه سابقاً ، وما لم يعلم ذلك يكون عقد الجدّ أولى ، فتحصّل أنّ اللازم تقديم عقد الجدّ في جميع الصور إلاّ في صورة معلوميّة سبق عقد الأب .
ولو تشاحّ الأب والجدّ فاختار كلّ منهما واحداً قدّم اختيار الجدّ ، ولو بادر الأب فعقد فهل يكون باطلاً أو يصحّ ؟ وجهان ، بل قولان ; من كونه سابقاً فيجب تقديمه ، ومن أنّ لازم أولوية اختيار الجدّ عدم صحّة خلافه ، والأحوط مراعاة

(1) فيما إذا اتصل سفهه بزمان صغره.
(2) لا وجه للتقديم في هذه الصورة، بل اللازم إجراء حكم العلم الإجمالي بكونها زوجة لأحد الرجلين، كما في سائر موارد وجود العلم الإجمالي في البين.
(3) ليس في الرواية تعرّض لتقديم عقد الأب حتّى يكون سبقه شرطاً له، بل هي مسوقة لبيان تقديم عقد الجدّ مشروطاً بعدم كون الأب زوّجها قبله، وعليه فالشرط إنّما هو لهذا التقديم، ومع عدم الإحراز لا مجال له، فلا محيص إلاّ عن تقديم عقد الأب.

(الصفحة751)

الاحتياط ، ولو تشاحّ الجدّ الأسفل والأعلى هل يجري عليهما حكم الأب والجدّ أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني(1) ; لأنّهما ليسا أباً وجدّاً ، بل كلاهما جدّ فلايشملهما ما دلّ على تقديم الجدّ على الأب .
[3873] مسألة 10 : لايجوز للولي تزويج المولّى عليه بمن به عيب(2) ، سواء كان من العيوب المجوّزة للفسخ أو لا ; لأنّه خلاف المصلحة . نعم ، لو كان هناك مصلحة لازمة المراعاة جاز ، وحينئذ لا خيار له ولا للمولّى عليه إن لم يكن من العيوب المجوّزة للفسخ. وإن كان منها، ففي ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه أو إفاقته وعدمه; لأنّ المفروض إقدام الولي مع علمه به وجهان ، أوجههما الأوّل ; لإطلاق أدلّة(3) تلك العيوب وقصوره بمنزلة جهله ، وعلم الولي ولحاظه المصلحة لايوجب سقوط الخيار للمولّى عليه ، وغاية ما تفيد المصلحة إنّما هو صحّة العقد، فتبقى أدلّة الخيار بحالها ، بل ربما يحتمل ثبوت الخيار للوليّ أيضاً من باب استيفاء ما للمولّى عليه من الحقّ ، وهل له إسقاطه أم لا ؟ مشكل ، إلاّ أن يكون هناك مصلحة ملزمة لذلك .
وأمّا إذا كان الولي جاهلاً بالعيب ولم يعلم به إلاّ بعد العقد ، فإن كان من العيوب المجوّزة للفسخ فلا إشكال في ثبوت الخيار له  وللمولّى عليه إن لم يفسخ ، وللمولّى عليه فقط إذا لم يعلم به الوليّ إلى أن بلغ أو أفاق ، وإن كان من العيوب

(1) الأوجهية ممنوعة، بل لا يبعد دعوى أوجهية الأوّل.
(2) موجب للضرر عرفاً لا مطلق العيب، كنقص بعض الأصابع مثلاً أو زيادته، فإنّه لا يمنع من الصحّة.
(3) مقتضى الإطلاق ثبوت الخيار في حال القصور أيضاً، ولا دلالة فيه على الحدوث بعد البلوغ أو الإفاقة كما هو ظاهر المتن، وعليه فاحتمال ثبوته للولي أيضاً إنّما يكون مورده تلك الحال. وبالجملة الحكم بالحدوث بعد ارتفاع القصور لا يكاد يجتمع مع احتمال الثبوت للولي أيضاً.

(الصفحة752)

الاُخر فلا خيار للولي ، وفي ثبوته للمولّى عليه وعدمه وجهان ; أوجههما ذلك(1) ; لأنّه يكشف عن عدم المصلحة في ذلك التزويج ، بل يمكن أن يقال : إنّ العقد فضوليّ حينئذ لا أنّه صحيح وله الخيار .
[3874] مسألة 11 : مملوك المملوك كالمملوك في كون أمر تزويجه بيد المولى .
[3875] مسألة 12 : للوصيّ  أن يزوّج المجنون(2) المحتاج إلى الزواج ، بل الصغير(3) أيضاً ، لكن بشرط نصّ الموصي عليه ، سواء عيّن الزوجة أوالزوج أو أطلق ، ولا فرق بين أن يكون وصيّاً من قبل الأب أو من قبل الجدّ ، لكن بشرط عدم وجود الآخر ، وإلاّ فالأمر إليه .
[3876] مسألة 13 : للحاكم الشرعي تزويج من لا وليّ له من الأب والجدّ والوصي بشرط الحاجة إليه ، أو قضاء المصلحة اللازمة المراعاة .
[3877] مسألة 14 : يستحبّ للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها ، وإن لم يكونا فتوكّل أخاها ، وإن تعدّد اختارت الأكبر .
[3878] مسألة 15 : ورد في الأخبار أنّ إذن البكر سكوتها عند العرض عليها ، وأفتى به العلماء ، لكنّها محمولة على ما إذا ظهر رضاها وكان سكوتها لحيائها عن النطق بذلك .
[3879] مسألة 16 : يشترط في ولاية الأولياء المذكورين البلوغ والعقل والحرّية

(1) بل الأوجه الثاني; لأنّه بعدما كان المفروض وجود المصلحة في النكاح حاله بحسب نظر الولي لا وجه للخيار، مع عدم كون العيب من العيوب المجوّزة للفسخ، وانكشاف عدم المصلحة لا يؤثّر فيما وقع صحيحاً. ودعوى الفضولية في هذا الفرض ممنوعة جدّاً.
(2) إذا كان جنونه متّصلاً بالصغر; لأنّه المسلّم من مورد ثبوت الولاية للموصي، وأمّا مع الانفصال فالأحوط الاستئذان من الحاكم كما في الموصي.
(3) ثبوت الولاية للوصي على الصغير محلّ إشكال وعلى تقديرها لا فرق بين تصريح الموصي وبين إطلاقه، والاحتياط في كلتا الصورتين لا يترك.

(الصفحة753)

والإسلام إذا كان المولّى عليه مسلماً ، فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما من عبد أو أمة ، بل الولاية حينئذ لوليّهما ، وكذا مع فساد عقلهما(1) بجنون أو إغماء أو نحوه ، وكذا لا ولاية للأب والجدّ مع جنونهما ونحوه ، وإن جنّ أحدهما دون الآخر فالولاية للآخر ، وكذا لا ولاية للمملوك ولو مبعّضاً على ولده ; حرّاً كان أو عبداً ، بل الولاية في الأوّل للحاكم وفي الثاني لمولاه ، وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم ، فتكون للجدّ إذا كان مسلماً وللحاكم إذا كان كافراً أيضاً ، والأقوى(2)ثبوت ولايته على ولده الكافر ، ولايصحّ تزويج الولي في حال إحرامه أو إحرام المولّى عليه ; سواء كان بمباشرته أو بالتوكيل . نعم ، لا بأس بالتوكيل حال الإحرام ليوقع العقد بعد الإحلال .
[3880] مسألة 17 : يجب على الوكيل في التزويج أن لايتعدّى عمّا عيّنه الموكّل من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات ، وإلاّ كان فضوليّاً موقوفاً على الإجازة ، ومع الإطلاق وعدم التعيين يجب مراعاة مصلحة الموكّل من سائر الجهات ، ومع التعدّي يصير فضولياً ، ولو وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها لايجوز له أن يزوّجها من نفسه ; للانصراف عنه . نعم ، لو كان التوكيل على وجه يشمل نفسه أيضاً بالعموم أو الإطلاق(3) جاز ، ومع التصريح فأولى بالجواز ، ولكن ربما يقال بعدم الجواز مع الإطلاق ، والجواز مع العموم ، بل قد يقال بعدمه حتّى مع التصريح بتزويجها من نفسه ; لرواية عمّار المحمولة على الكراهة أو غيرها من المحامل .
[3881] مسألة 18 : الأقوى صحّة النكاح الواقع فضولاً مع الإجازة، سواء كان

(1) أي وإن لم يكونا صغيرين.
(2) إذا لم يكن له جدّ أو كان ولم يكن مسلماً، وإلاّ فدعوى اختصاصها به غير بعيدة.
(3) أي من دون انصراف.

(الصفحة754)

فضولياً من أحد الطرفين أو كليهما ، كان المعقود له صغيراً أو كبيراً ، حرّاً أو عبداً ، والمراد بالفضولي العقد الصادر(1) من غير الولي والوكيل ، سواء كان قريباً كالأخ والعمّ والخال وغيرهم أو أجنبياً ، وكذا الصادر(2) من العبد أو الأمة لنفسه بغير إذن الولي ، ومنه العقد الصادر من الولي أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه من الله أو من الموكّل ، كما إذا أوقع الوليّ العقد على خلاف المصلحة(3) ، أو تعدّى الوكيل عمّا عيّنه الموكّل ، ولايعتبر في الإجازة الفورية ، سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوع العقد أو مع العلم به ، وإرادة التروّي أو عدمها أيضاً . نعم ، لا تصحّ الإجازة بعد الردّ ، كما لايجوز الردّ بعد الإجازة ، فمعها يلزم العقد .
[3882] مسألة 19 : لايشترط في الإجازة لفظ خاصّ ، بل تقع بكلّ ما دلّ على إنشاء الرضا بذلك العقد ، بل تقع بالفعل الدالّ عليه .
[3883] مسألة 20 : يشترط في المجيز علمه بأنّ له أن لايلتزم بذلك العقد ، فلو اعتقد لزوم العقد عليه فرضي به  لم يكف في الإجازة . نعم ، لو اعتقد لزوم الإجازة عليه بعد العلم بعدم لزوم العقد فأجاز، فإن كان على وجه التقييد  لم يكف ، وإن كان على وجه الداعي يكون كافياً .
[3884] مسألة 21 : الإجازة كاشفة (4) عن صحّة العقد من حين وقوعه ، فيجب ترتيب الآثار من حينه .
[3885] مسألة 22 : الرضا الباطني التقديري لايكفي في الخروج عن الفضوليّة ،

(1) في العبارة مسامحة واضحة، من حيث الشمول بظاهرها للعقد الصادر من الزوجين; لأنّهما غير الولي والوكيل، ومن حيث كون الفضولي وصفاً للعاقد لا للعقد.
(2) وكذا ما إذا لم يصدر العقد منهما، بل وكّلا الغير في العقد لنفسهما.
(3) فيما اعتبر فيه المصلحة.
(4) على إشكال في أصل الكشف، وكذا في نوعه من جهة كونه حقيقياً أو حكمياً.

(الصفحة755)

فلو لم يكن ملتفتاً حال العقد إلاّ أنّه كان بحيث لو كان حاضراً وملتفتاً كان راضياً لايلزم العقد عليه بدون الإجازة ، بل لو كان حاضراً حال العقد وراضياً به إلاّ أنّه لم يصدر منه قول ولا فعل يدلّ  على رضاه ، فالظاهر أنّه من الفضولي(1) ، فله أن لايجيز .
[3886] مسألة 23 : إذا كان كارهاً حال العقد إلاّ أنّه لم يصدر منه ردّ له ، فالظاهر صحّته بالإجازة . نعم ، لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضولي العقد يشكل صحّته بالإجازة ; لأنّه بمنزلة الردّ بعده ، ويحتمل صحّته (2) بدعوى الفرق بينه وبين الردّ بعد العقد ، فليس بأدون من عقد المكره الذي نقول بصحّته إذا لحقه الرضا، وإن كان لايخلو ذلك أيضاً من إشكال .
[3887] مسألة 24 : لايشترط في الفضولي قصد الفضوليّة ولا الالتفات إلى ذلك ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه يكون من الفضولي ويصحّ بالإجازة .
[3888] مسألة 25 : لو قال في مقام إجراء الصيغة : «زوّجت موكّلتي فلانة» مثلا مع أنّه لم يكن وكيلاً عنها ، فهل يصحّ ويقبل الإجازة أم لا ؟ الظاهر الصحّة . نعم ، لو لم يذكر لفظ «فلانة» ونحوه; كأن يقول : «زوّجت موكّلتي» وكان من قصده امرأة معيّنة مع عدم كونه وكيلاً عنها يشكل صحّته(3) بالإجازة .
[3889] مسألة 26 : لو أوقع الفضوليّ العقد على مهر معيّن ، هل يجوز إجازة العقد دون المهر ، أو بتعيين المهر على وجه آخر من حيث الجنس أو من حيث القلّة

(1) إلاّ أن يكون سكوته قرينة عرفيّة فعليّة على الرضا، فإنّه حينئذ يعدّ إجازة.
(2) على قوّة إلاّ أن يكون النهي السابق دليلاً عرفياً على الرد بعد العقد، فإنّ الاحتمال حينئذ في غاية الضعف، لكن الدلالة العرفية ممنوعة.
(3) وإن كان الأقرب بعد كون المرأة معيّنة هي الصحّة.

(الصفحة756)

والكثرة؟ فيه إشكال ، بل الأظهر عدم الصحّة في الصورة الثانية ، وهي ما إذا عيّن المهر على وجه آخر ، كما أنّه لا تصحّ الإجازة مع شرط لم يذكر في العقد ، أو مع إلغاء ما ذكر فيه من الشرط .
[3890] مسألة 27 : إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية فتبيّن كونه وكيلاً ، فالظاهر صحّته ولزومه إذا كان ناسياً لكونه وكيلاً ، بل وكذا إذا صدر التوكيل ممّن له العقد ولكن لم يبلغه الخبر على إشكال  فيه . وأمّا لو أوقعه بعنوان الفضولية فتبيّن كونه ولياً ، ففي لزومه بلا إجازة منه، أو من المولّى عليه إشكال(1) .
[3891] مسألة 28 : إذا كان عالماً بأنّه وكيل أو وليّ ومع ذلك أوقع(2) العقد بعنوان الفضولية ، فهل يصحّ ويلزم، أو يتوقّف على الإجازة أو لايصحّ ؟ وجوه ، أقواها عدم الصحّة ; لأنّه يرجع إلى اشتراط كون العقد الصادر من وليّه جائزاً ، فهو كما لو أوقع البالغ العاقل بقصد أن يكون الأمر بيده في الإبقاء والعدم ، وبعبارة اُخرى أوقع العقد متزلزلاً .
[3892] مسألة 29 : إذا زوّج الصغيرين وليّهما ، فقد مرّ أنّ العقد لازم عليهما ولايجوز لهما بعد البلوغ ردّه أو فسخه ، وعلى هذا فإذا مات أحدهما قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر . وأمّا إذا زوّجهما الفضوليان فيتوقّف على إجازتهما بعد البلوغ أو إجازة وليّهما قبله ، فإن بلغا وأجازا ثبتت الزوجية ويترتّب عليها أحكامها من

(1) والأظهر اللزوم من دون إجازة إذا كان واجداً لشرط الصحّة من الولي.
(2) قد مرّ منه أنّه لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية ولا الالتفات إليها، والظاهر جريان هذا في الوكالة والولاية، وأنّه لا يعتبر فيهما القصد ولا الإلتفات، وعليه فلا يبقى محصّل للفرض، بل يتعيّن الصحّة واللزوم. نعم، يمكن إيقاع العقد منهما معلّقاً على رضى جديد من الموكّل، أو من المولّى عليه، أو نفسه متأخّراً، وحينئذ فالإشكال فيه إنّما هو من ناحية التعليق.

(الصفحة757)

حين العقد ; لما مرّ  من كون الإجازة كاشفة، وإن ردّا أو ردّ أحدهما ، أو ماتا(1) أو مات أحدهما قبل الإجازة كشف عن عدم الصحّة من حين الصدور ، وإن بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات قبل بلوغ الآخر يعزل ميراث الآخر على تقدير الزوجيّة ، فإن بلغ وأجاز يحلف على أنّه لم يكن إجازته للطمع في الإرث ، فإن حلف يدفع إليه ، وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف لم يدفع ، بل يردّ إلى الورثة ، وكذا لو مات بعد الإجازة وقبل الحلف . هذا إذاكان متّهماً بأنّ إجازته للرغبة في الإرث . وأمّا إذا لم يكن متّهماً بذلك، كما إذا أجاز قبل أن يعلم موته أو كان المهر اللازم عليه أزيد ممّا يرث أو نحو ذلك ، فالظاهر عدم الحاجة إلى الحلف .
[3893] مسألة 30 : يترتّب على تقدير الإجازة والحلف جميع الآثار المرتّبة على الزوجيّة ; من المهر وحرمة الاُمّ والبنت(2) وحرمتها إن كانت هي الباقية على الأب والابن ونحو ذلك ، بل الظاهر(3) ترتّب هذه الآثار بمجرّد الإجازة من غير حاجة  إلى الحلف، فلو أجاز ولم يحلف مع كونه متّهماً لايرث ، ولكن يرتّب سائر الأحكام.
[3894] مسألة 31 : الأقوى جريان الحكم المذكور في المجنونين ، بل الظاهر(4)

(1) في العبارة قصور، حيث إنّ البطلان بالموت ليس كالأثر المترتّب على الإجازة والردّ في التفرّع على البلوغ.
(2) هو من سهو القلم كما يأتي.
(3) بل ظاهر صحيح الحذاء الوارد في المقام عطف استحقاق المهر على الميراث في الترتّب على الحلف، وهما وإن كانا مشتركين في الاتّهام، إلاّ أنّ الظاهر عدم الفرق بين المهر وبين سائر أحكام الزوجية، مضافاً إلى أنّ الحكم على خلاف القاعدة، ولابدّ من الاقتصار فيه على المتيقّن. نعم، الاحتياط لا ينبغي أن يترك.
(4) بعد الاستفادة من الرواية أنّ الملاك في الحلف هو رفع الاتّهام ـ والمفروض وجوده في المقام ـ لا يبقى مجال لدعوى الظهور، فلا يترك الاحتياط بالإحلاف في الإرث وأخذ المهر، وكذا سائر الأحكام.

(الصفحة758)

التعدّي إلى سائر الصور ، كما إذا كان أحد الطرفين الولي والطرف الآخر الفضولي ، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير ، أو كانا بالغين كاملين ، أو أحدهما بالغاً والآخر صغيراً أو مجنوناً ، أو نحو ذلك ، ففي جميع الصور إذا مات من لزم العقد بالنسبة إليه لعدم الحاجة إلى الإجازة، أو لإجازته بعد بلوغه أو رشده وبقي الآخر، فإنّه يعزل حصّة الباقي من الميراث إلى أن يردّ أو يجيز ، بل الظاهر عدم الحاجة إلى الحلف في ثبوت الميراث في غير الصغيرين من سائر الصور ; لاختصاص الموجب له من الأخبار بالصغيرين ، ولكن الأحوط  الإحلاف في الجميع بالنسبة إلى الإرث ، بل بالنسبة إلى سائر الأحكام أيضاً .
[3895] مسألة 32 : إذا كان العقد لازماً على أحد الطرفين من حيث كونه أصيلاً أو مجيزاً والطرف الآخر فضولياً ولم يتحقّق إجازة ولا ردّ ، فهل يثبت على الطرف اللازم تحريم المصاهرات ؟ فلو كان زوجاً يحرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها(1)واُختها والخامسة ، وإذا كانت زوجة يحرم عليها التزويج بغيره، وبعبارة اُخرى هل يجري عليه آثار الزوجية وإن لم تجر على الطرف الآخر أو لا ؟ قولان ، أقواهما الثاني إلاّ(2) مع فرض العلم بحصول الإجازة بعد ذلك، الكاشفة عن تحقّقها من حين العقد . نعم ، الأحوط الأوّل ; لكونه في معرض ذلك بمجيء الإجازة . نعم ، إذا تزوّج الاُمّ أو البنت مثلا ثمّ حصلت الإجازة كشفت(3) عن بطلان ذلك .
[3896] مسألة 33 : إذا ردّ المعقود أو المعقودة فضولاً العقد ولم يجزه لايترتّب عليه شيء من أحكام المصاهرة ، سواء أجاز الطرف الآخر أو كان أصيلاً أم لا ;

(1) الظاهر أنّه من سهو القلم كما مرّ; لعدم ترتّب حرمة البنت على مجرّد العقد، بل تتوقّف على الدخول.
(2) في الاستثناء تأمّل بل منع.
(3) بل لا يبقى موقع للإجازة إلاّ على تقدير الكشف الحقيقي ببعض معانيه.

(الصفحة759)

لعدم حصول الزوجيّة بهذا العقد الغير المجاز وتبيّن كونه كأن لم يكن ، وربما يستشكل في خصوص نكاح(1) اُمّ المعقود عليها ، وهو في غير محلّه بعد أن لم يتحقّق نكاح ، ومجرّد العقد لايوجب شيئاً ، مع أنّه لا فرق بينه وبين نكاح البنت ، وكون الحرمة في الأوّل غير مشروطة بالدخول بخلاف الثاني لاينفع في الفرق .
[3897] مسألة 34 : إذا زوّجت امرأة فضولاً من رجل ولم تعلم بالعقد ، فتزوّجت من آخر ثمّ علمت بذلك العقد ليس لها أن تجيز ; لفوات محلّ الإجازة ، وكذا إذا زوّج رجل فضولاً بامرأة وقبل أن يطّلع على ذلك تزوّج اُمّها أو بنتها أو اُختها ثمّ علم ، ودعوى أنّ الإجازة ـ حيث إنّها كاشفة ـ إذا حصلت تكشف عن بطلان العقد الثاني كما ترى .
[3898] مسألة 35 : إذا زوّجها أحد الوكيلين من رجل وزوّجها الوكيل الآخر من آخر ، فإن علم السابق من العقدين فهو الصحيح ، وإن علم الاقتران بطلا معاً ، وإن شكّ في السبق والاقتران فكذلك(2) لعدم العلم بتحقّق عقد صحيح، والأصل

(1) وفي نكاح أب المعقود أو ابنه أيضاً.
(2) إلاّ مع العلم بتاريخ أحدهما، فهو أي المعلوم محكوم بالصحّة، وفي بعض الحواشي: استصحاب عدم تحقّق المجهول إلى زمان مقارن للمعلوم لا يترتّب عليه أثر شرعيّ كي يلحق ذلك بمعلوم السبق، كما أفاده غير واحد من أكابر المحشّين; لأنّ بطلان العقد المقارن بمثله عقليّ لا شرعي، بخلاف المسبوق بمثله، حيث إنّ بطلانه شرعي فيستصحب عدم وقوع العقد السابق، فيترتّب عليه عدم البطلان شرعاً، انتهى.
ويرد عليه أنّه لا فرق بين المقارن والمسبوق في كون البطلان شرعيّاً، فإنّ حكم العقل بالبطلان إنّما هو لأجل قيام الدليل الشرعي على امتناع ثبوت الزوجين بالإضافة إلى زوجة واحدة، ومع قطع النظر عن ذلك لا مجال للعقل للحكم بالبطلان، فالملاك موجود في المقامين من دون فرق، مع أنّ استصحاب عدم وقوع العقد السابق إن كان بنحو ليس التامّة فالظاهر عدم جريانه أصلاً، وإن كان بنحو ليس الناقصة فليس له حالة سابقة متيقّنة.

(الصفحة760)

عدم تأثير واحد منهما. وإن علم السبق واللحوق ولم يعلم السابق من اللاحق، فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر، وإن جهل التاريخان  ففي المسألة وجوه :
أحدها : التوقيف حتّى يحصل العلم .
الثاني : خيار الفسخ للزوجة .
الثالث : أنّ الحاكم يفسخ .
الرابع : القرعة ، والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير . وكذا الكلام إذا زوّجه أحد الوكيلين برابعة والآخر باُخرى ، أو زوّجه أحدهما بامرأة والآخر ببنتها أو اُمّها أو اُختها ، وكذا الحال إذا زوّجت نفسها من رجل وزوّجها وكيلها من آخر ، أو تزوّج بامرأة وزوّجه وكيله باُخرى لايمكن الجمع بينهما ، ولو ادّعى أحد الرجلين المعقود لهما السبق ، وقال الآخر : لا أدري من السابق ، وصدّقت المرأة المدّعي للسبق حكم بالزوجيّة بينهما ; لتصادقهما عليها .

(الصفحة761)





بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الوصيّة


[فصل
في معنى الوصيّة وأحكامها وشرائطها]

وهي إمّا مصدر(1) وصى يصي بمعنى الوصل ، حيث إنّ الموصي يصل تصرّفه بعد الموت بتصرّفه حال الحياة ، وإمّا اسم مصدر بمعنى العهد من وصّى يوصّي توصية ، أو أوصى يوصي إيصاء ، وهي إمّا تمليكية أو عهدية(2) ، وبعبارة اُخرى

(1) لم يذكر الوصية مصدراً للثلاثي، بل المصدر له هو الوصي (بفتح الواو وسكون الصاد) فيتعيّن أن يكون اسم مصدر من الرباعي، ويبقى حينئذ اختلاف الثلاثي والرباعي في المعنى، حيث إنّ الأوّل بمعنى الوصل والثاني بمعنى العهد. ودعوى أنّهما مادّتان متبائنتان ليس بينهما أيّ نوع من الاشتقاق كما في بعض الشروع، مندفعة بما ذكره الزمخشري في أساس البلاغة من قوله: واصَى البلدُ البلدَ: واصله، فإنّها ظاهرة في مجيء الرباعي أيضاً بمعنى الوصل، فلا محيص من أن يقال: إنّ العهد أيضاً نوع من الوصل; لتقوّمه بالطرفين وتحقّق اتّصال في البين.
(2) إن كان المراد بالعهد هو العهد المتعلّق بخصوص العمل ـ سواء كان راجعاً إلى الغير أو إلى نفسه ـ فجعل الوصية الراجعة إلى التسليط على الحقّ، أو فك الملك من أقسام الوصية العهدية، كما هو ظاهر العبارة غير ظاهر، وإن كان المراد به هو العهد بالمعنى الأعمّ ممّا يتعلّق بالعمل; وهو الذي يعبّر عنه في الفارسية به (سفارش) فجعل التمليكية قسيماً للعهدية غير واضح، إذ حينئذ تصير التمليكية من أقسام العهدية أيضاً، ويؤيّده ما أفاده من كونها بمعنى العهد إذا أخذت من الرباعي.

(الصفحة762)

إمّا تمليك عين أو منفعة، أو تسليط على حقّ، أو فكّ ملك، أو عهد متعلّق بالغير، أو عهد متعلّق بنفسه كالوصيّة بما يتعلّق بتجهيزه ، وتنقسم انقسام الأحكام الخمسة .
[3899] مسألة 1 : الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى القبول ، وكذا الوصيّة بالفكّ كالعتق ، وأمّا التمليكية فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول(1) جزءاً، وعليه تكون من العقود ، أو شرطاً على وجه الكشف أو النقل فيكون من الإيقاعات ، ويحتمل قويّاً عدم اعتبار القبول فيها ، بل يكون الردّ مانعاً ، وعليه تكون من الإيقاع الصريح. ودعوى أنّه يستلزم الملك القهريّ وهو باطل في غير مثل الإرث ، مدفوعة بأنّه لا مانع منه عقلاً، ومقتضى عمومات الوصيّة ذلك، مع أنّ الملك

(1) الظاهر أنّ تحقّق الوصية وترتّب الأحكام عليها من حرمة التبديل وغيرها لا يتوقّف على شيء، لكن حصول الملكية للموصى له يتوقّف على عدم الردّ، بحيث يكون الردّ مانعاً لظهور الإجماع، ولولاه لم يتوقّف عليه أيضاً.
وما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره)دليلاً على اعتبار القبول; من أنّ أدلّة الوصية غايتها الدلالة على نفوذ عهد الإنسان عند موته فيما كان قبله تحت سلطانه وأنّ سلطنته عليه باقية إذا عهد فيه بأمر، وأمّا كون سلطانه عند موته على ما لم يكن سلطاناً عليه قبل ذلك، كما هو قضيّة الملك القهري فلا تدلّ عليه، يمكن المناقشة فيه بمنع كون أدلّة الوصية غايتها الدلالة على مجرّد ذلك.
كيف والمحذور لا يندفع بمجرّد اعتبار القبول بعد مغائرتها مع سائر العقود في حصول الموت بين الإيجاب والقبول، وتحقّق الفصل الطويل وغيرهما وكون الملك القهري خلاف الارتكاز العرفي غير ثابت، فالظاهر أنّه مع عدم قيام الإجماع لم يكن يتوقّف حصول الملكية على شيء ولم يمنع عنها شيء، كما عرفت.

(الصفحة763)

القهري موجود في مثل الوقف .
[3900] مسألة 2 : بناءً على اعتبار القبول في الوصيّة يصحّ إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال ، وقبل وفاته على الأقوى ، ولا وجه لما عن جماعة من عدم صحّته حال الحياة ; لأنّها تمليك بعد الموت ، فالقبول قبله كالقبول قبل الوصيّة فلا محلّ له ، ولأنّه كاشف أو ناقل، وهما معاً منتفيان حال الحياة ، إذ نمنع عدم المحلّ له ، إذ الإنشاء المعلّق على الموت قد حصل، فيمكن القبول المطابق له(1) ، والكشف والنقل إنّما يكونان بعد تحقّق(2) المعلّق عليه، فهما في القبول بعد الموت لا  مطلقاً .
[3901] مسألة 3 : تتضيّق الواجبات الموسّعة بظهور أمارات الموت، مثل قضاء الصلوات والصيام والنذور المطلقة والكفّارات ونحوها ، فيجب المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان ، ومع عدمه يجب  الوصيّة بها ، سواء فاتت لعذر أو لا لعذر ; لوجوب تفريغ الذمّة بما أمكن في حال الحياة، وإن لم يجز فيها النيابة فبعد الموت تجري فيها ويجب(3) التفريغ بها بالإيصاء ، وكذا يجب ردّ أعيان(4) أموال الناس التي كانت عنده، كالوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها ، ومع عدم الإمكان يجب الوصيّة بها ، وكذا يجب أداء ديون الناس(5) الحالّة ، ومع عدم الإمكان أو مع كونها مؤجّلة

(1) والقياس على بيع ما سيملكه وقبوله مع الفارق.
(2) غاية الأمر عدم ترتّب ثمرة على الكشف والنقل في خصوص هذه الصورة، وهو لا يقدح في أصل المطلب.
(3) إطلاقه بحيث يشمل صورة العلم بعدم العمل بالوصية مشكل.
(4) أو الوصية بها أو الإشهاد، كلّ ذلك مع عدم علم الورثة بها أو عدم الاطمئنان بردّهم، وإلاّ فالظاهر أنّه لا يجب شيء من ذلك.
(5) من دون فرق بين صورة المطالبة وعدمها، كما أنّه لا يختصّ هذا الوجوب بما إذا ظهرت أمارات الموت.

(الصفحة764)

يجب الوصيّة بها(1) إلاّ إذا كانت معلومة أو موثّقة بالأسناد المعتبرة ، وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك ، فإنّه يجب عليه أداؤها أو الوصيّة بها ، ولا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا إذا احتمل وجود متبرّع أو أداؤها من بيت المال .
[3902] مسألة 4 : ردّ الموصى له للوصيّة مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكيّة ، وإذا كان بعد حصولها لايكون مبطلاً لها ، فعلى هذا إذا كان الردّ منه بعد الموت وقبل القبول ، أو بعد(2) القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الردّ أيضاً كذلك يكون مبطلاً لها ; لعدم حصول الملكيّة بعد ، وإذا كان بعد الموت وبعد القبول لايكون مبطلاً ، سواء كان القبول بعد الموت أيضاً أو قبله ، وسواء كان قبل القبض أو بعده بناءً على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحّتها ; لعدم الدليل على اعتباره ، وذلك لحصول الملكيّة حينئذ له ، فلا تزول بالردّ ، ولا دليل على كون الوصيّة جائزة بعد تماميّتها بالنسبة إلى الموصى له ، كما أنّها جائزة بالنسبة إلى الموصي ; حيث إنّه يجوز له الرجوع في وصيّته، كما سيأتي .
وظاهر كلمات العلماء ـ حيث حكموا ببطلانها بالرّد ـ عدم صحّة القبول بعده ; لأنّه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي ، كما أنّ الأمر كذلك في سائر العقود ، حيث إنّ الردّ بعد الإيجاب يبطله وإن رجع وقبل بلا تأخير ، وكما في إجازة

(1) الملاك في مثل المورد هو لزوم فعل كلّ ما له دخل في حصول الفراغ، بحيث يخاف من تركه ذهاب الحقّ وتضييعه، فلا يكفي مجرّد الوصية في تحقّق الموافقة ولا مجرّد العلم في عدم اللزوم.
(2) قد عرفت أنّ تحقّق الوصية لا يتوقّف على مثل القبول، ولكن قام الإجماع على أنّ الردّ مانع عن حصول الملكية، والقدر المتيقّن من معقده حصوله بعد الموت وقبل القبول، وفي غيره من الصور تحصل الملكية ولا أثر للردّ أصلاً، ومنه انقدح أنّ الوجه في مانعيّة الردّ هو الإجماع لا أصالة عدم الملكية كما هو ظاهر العبارة، كما أنّ الوجه في عدم المنع في مورده إطلاق أدلّة نفوذ الوصية لا أصالة الملكية كذلك.

(الصفحة765)

الفضولي ; حيث إنّها لاتصحّ بعد الردّ ، لكن لايخلو عن إشكال(1) إذا كان الموصي باقياً على إيجابه ، بل في سائر العقود أيضاً مشكل إن لم يكن إجماع ، خصوصاً في الفضولي ، حيث إنّ مقتضى بعض الأخبار صحّتها ولو بعد الردّ . ودعوى عدم صدق المعاهدة عرفاً إذا كان القبول بعد الردّ ، ممنوعة . ثمّ إنهم ذكروا : أنّه لو كان القبول بعد الردّ الواقع حال الحياة صحّ ، وهو أيضاً مشكل(2) على ما ذكروه من كونه مبطلاً للإيجاب ، إذ لا فرق حينئذ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت ، إلاّ إذا قلنا : إنّ الردّ والقبول لا أثر لهما حال الحياة وأنّ محلّهما إنّما هو بعد الموت ، وهو محلّ منع .
[3903] مسألة 5 : لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر صحّ فيما قبل وبطل فيما ردّ ، وكذا لو أوصى له بشيء فقبل بعضه مشاعاً أو مفروزاً وردّ بعضه الآخر، وإن لم نقل بصحّة مثل ذلك في البيع ونحوه، بدعوى عدم التطابق حينئذ بين الإيجاب والقبول ; لأنّ مقتضى القاعدة الصحّة(3) في البيع أيضاً إن لم يكن إجماع ، ودعوى عدم التطابق ممنوعة . نعم ، لو علم من

(1) ظاهر الإشكال يعطي أنّهم حكموا بإبطال الردّ في حال الحياة أيضاً، مع أنّك عرفت أنّ المتيقّن بل الظاهر من كلماتهم اختصاصه بما بعد الموت.
(2) فيما إذا كان الموجب باقياً على إيجابه ولم يتحقّق منه انصراف ولم تفت الموالاة، وإلاّ فلا إشكال في البطلان، ومنه يظهر بطلان القبول بعد الردّ الواقع بعد الموت; لعدم بقاء الموجب أصلاً، كما أنّه ظهر من الحاشية السابقة عدم بطلان القبول بعد الردّ مع وقوعهما حال الحياة، لعدم كون الردّ حالها مبطلاً.
(3) بل مقتضى القاعدة البطلان في مثل البيع، خصوصاً في الفرض الثاني وعدم البطلان في الوصية; لما عرفت من عدم اعتبار القبول في تحقّقها، بل الردّ مانع عن حصول الملكية لقيام الإجماع، وعليه يمكن أن يقال بعدم البطلان حتّى في الشيء أو البعض المردود; لأنّ القدر المتيقّن من مانعية الرد هو ردّ المجموع.

(الصفحة766)

حال الموصي إرادته تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصحّ التبعيض(1) .
[3904] مسألة 6 : لايجوز للورثة التصرّف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من القبول أو الردّ ، وليس لهم إجباره على اختيار أحدهما معجّلاً إلاّ إذا كان تأخيره(2) موجباً للضرر عليهم ، فيجبره الحاكم حينئذ على اختيار أحدهما .
[3905] مسألة 7 : إذا مات الموصى له قبل القبول أو الردّ فالمشهور قيام وارثه مقامه في ذلك ، فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيّته ، من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته ، وبين علم الموصي بموته وعدمه ، وقيل بالبطلان بموته قبل القبول ، وقيل بالتفصيل بين ما إذا علم أنّ غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل، وبين غيره فلورثته، والقول الأوّل(3) وإن كان على خلاف القاعدة مطلقاً ـ بناءً(4) على اعتبار القبول في صحّتها ; لأنّ المفروض أنّ الإيجاب مختصّ بالموصى له ، وكون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع ، كما أنّ دعوى انتقال حقّ القبول إلى الوارث أيضاً محلّ منع صغرى وكبرى ; لمنع كونه حقّاً ، ومنع كون كلّ حقّ منتقلاً إلى الوارث ـ حتّى مثل ما نحن فيه ـ من الحقّ الخاصّ به، الذي لايصدق كونه من تركته ، وعلى ما قوّينا من عدم اعتبار القبول فيها، بل كون الردّ مانعاً أيضاً يكون الحكم على خلاف القاعدة في خصوص صورة

(1) عدم الصحّة غير ظاهر.
(2) تأخير الاختيار بما هو لا يوجب الضرر بوجه، بل الموجب على فرضه تأخير الردّ فيما إذا اختاره، وحينئذ فلا وجه لإجبار الحاكم.
(3) خبره محذوف يدلّ عليه الكلام.
(4) وأمّا بناءً على عدم اعتباره في تحقّق الوصية ـ بل في تحقّق الملكية ـ فليس على خلاف القاعدة; لأنّه قبل القبول يكون للموصى له حقّ ماليّ متعلّق بالموصى به، كحقّ التحجير ويرثه الوارث.

(الصفحة767)

موته قبل موت الموصى له ; لعدم ملكيّته في حياة الموصي ، لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحّة كما هو المشهور ، وذلك لصحيحة محمد بن قيس الصريحة في ذلك حتّى في صورة موته في حياة الموصي، المؤيّدة بخبر الساباطي وصحيح المثنّى ، ولايعارضها صحيحتا محمد بن مسلم ومنصور بن حازم بعد إعراض المشهور عنهما وإمكان حملهما(1) على محامل منها التقيّة ; لأنّ المعروف بينهم عدم الصحّة .
نعم ، يمكن دعوى انصراف الصحيحة عمّا إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد ، بل ربما يقال : إنّ محلّ الخلاف غير هذه الصورة ، لكن الانصراف ممنوع(2)، وعلى فرضه يختصّ الإشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي ، وإلاّ فبناء على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكاً بعد فرض عدم ردّه، فينتقل إلى ورثته .
بقي هنا اُمور :
أحدها : هل الحكم يشمل ورثة الوارث ؟ كما إذا مات الموصى له قبل القبول ومات وارثه أيضاً قبل القبول ، فهل الوصيّة لوارث الوارث أو لا ؟ وجوه ; الشمول(3) وعدمه ; لكون الحكم على خلاف القاعدة ، والابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حقّ القبول فتشمل ، وكونه الأخبار فلا .
الثاني : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم فهل تبطل أو تصحّ ويرث الرادّ أيضاً مقدار حصّته ، أو تصحّ بمقدار حصّة القابل فقط ، أو تصحّ وتمامه للقابل ، أو

(1) بل يمكن الجمع عرفاً بينهما بحسب الدلالة، بحيث لا ينافي الصحّة وقيام الوارث مقام الموصى له بوجه.
(2) نعم، لو قيّد الوصية بحياة الموصى له بعد موت الموصي أو بما يلازمه فاللازم البطلان في المقام، للرواية وللاعتبار.
(3) وهو الأقوى على ما ذكرنا.

(الصفحة768)

التفصيل بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل، أو بعده فتصحّ بالنسبة إلى مقدار حصّة القابل ؟ وجوه(1).
الثالث : هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميّت ثمّ إليه ، أو إليه ابتداءً من الموصي ؟ وجهان ، أوجههما  الثاني(2) ، وربما يبنى على كون القبول كاشفاً أو ناقلاً، فعلى الثاني الثاني وعلى الأوّل الأوّل ، وفيه : أنّه على الثاني أيضاً يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميّت آناًما ثمّ إلى وارثه ، بل على الأوّل يمكن أن يقال بكشف قبوله عن الانتقال إليه من حين موت الموصي ; لأنّه كأنّه هو القابل ، فيكون منتقلاً إليه من الأوّل .
الرابع : هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي ، أو الوارث حين موت الموصي ، أو البناء على كون القبول من الوارث موجباً للانتقال إلى الميّت ثمّ إليه، أو كونه موجباً للانتقال إليه أوّلاً من الموصي ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني ؟ وجوه(3) .
الخامس : إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول فهل ترث زوجته منها أو لا ؟ وجهان مبنيّان على الوجهين  في المسألة المتقدّمة ، فعلى الانتقال إلى الميّت ثمّ إلى الوارث لا ترث ، وعلى الانتقال إليه أوّلاً لا مانع من الانتقال إليها ; لأنّ المفروض أنّها لم تنتقل إليه إرثاً من الزوج ، بل وصيّة(4) من الموصي ، كما أنّه يبنى على

(1) أقربها الصحّة في خصوص مقدار حصّة القابل.
(2) لكن لا على النحو الذي يكون الموصى له غير دخيل أصلاً، بل على النحو الذي ذكرنا من انتقال الحقّ المتعلّق بالموصى به منه إليه، وهو الوجه لصحّة قبوله ولكون التقسيم على حسب الإرث.
(3) أقربها الأوّل لظاهر الخبر.
(4) بالنحو الذي ذكرنا. ودعوى عدم البُعد في الحرمان على هذا التقدير أيضاً، نظراً إلى ظهور أدلّة الحرمان في الحرمان عن الحقوق التي لا فائدة لها إلاّ ملك الأرض أيضاً، ممنوعة، فإنّ تلك الأدلّة لا تشمل غير الأرض بوجه، وعلى تقدير الشمول لا تبعد دعوى الانصراف عن مثل المقام.

(الصفحة769)

الوجهين(1) إخراج الديون والوصايا من الموصى به بعد قبول الوارث وعدمه . أمّا إذا كانت بما يكون من الحبوة ففي اختصاص الولد الأكبر به بناءً على الانتقال(2) إلى الميّت أوّلاً فمشكل ; لانصراف الأدلّة عن مثل هذا .
السادس : إذا كان الموصى به ممّن ينعتق على الموصى له ، فإن قلنا بالانتقال إليه أوّلاً بعد قبول الوارث، فإن قلنا به كشفاً وكان موته بعد موت الموصي انعتق عليه وشارك الوارث ممّن في طبقته ، ويقدّم عليهم (3) مع تقدّم طبقته ، فالوارث يقوم مقامه في القبول، ثمّ يسقط عن الوارثيّة لوجود من هو مقدّم عليه ، وإن كان موته قبل موت الموصي ، أو قلنا بالنقل وأنّه حين قبول الوارث ينتقل إليه آناً ما فينعتق ، لكن لايرث إلاّ إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة ، وذلك لأنّه على هذا التقدير انعتق بعد سبق سائر الورثة بالإرث . نعم ، لو انعتق قبل القسمة في صورة تعدّد الورثة شاركهم(4) ، وإن قلنا بالانتقال إلى الوارث من الموصي لا من الموصى له فلاينعتق عليه ; لعدم ملكه ، بل يكون للورثة ، إلاّ إذا كان ممّن ينعتق عليهم أو على بعضهم ، فحينئذ ينعتق ولكن لايرث إلاّ إذا كان ذلك مع تعدّد الورثة وقبل قسمتهم .


(1) الظاهر تعيّن الإخراج على كلا الوجهين، وكون المتولّي للقبول بالنسبة إلى السهمين هو وليّ أمر الميّت من الحاكم أو الوصي لو كان في البين، والأحوط ضمّ قبول الوارث، وأحوط منه إمضاؤهم بعد قبولهم، خصوصاً على الوجه الثاني من الوجهين.
(2) وبناءً على صدق الحبوة بمجرّد ذلك.
(3) من دون فرق بين الكشف الحقيقي والحكمي.
(4) إذا كان في طبقتهم وإلاّ تفرّد.

(الصفحة770)

السابع : لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكيّة والعهديّة .
[3906] مسألة 8 : اشتراط القبول على القول به مختصّ بالتمليكيّة كما عرفت ، فلايعتبر(1) في العهديّة ، ويختصّ بما إذا كان لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين ، وأمّا إذا كان للنوع أو للجهات كالوصيّة للفقراء والعلماء أو للمساجد فلايعتبر قبولهم أو قبول الحاكم فيما للجهات، وإن احتمل  ذلك أو قيل . ودعوى أنّ الوصيّة لها ليست من التمليكيّة بل هي عهديّة، وإلاّ فلايصحّ تمليك النوع أو الجهات كما ترى(2) ، وقد عرفت سابقاً قوّة عدم اعتبار القبول مطلقاً ، وإنّما يكون الردّ مانعاً وهو أيضاً لايجري في مثل المذكورات، فلا تبطل بردّ بعض الفقراء مثلا ، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فردّ لا تبطل .
[3907] مسألة 9 : الأقوى في تحقّق الوصيّة كفاية كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ ، ولايعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل يكفي كلّ فعل دالّ عليها حتّى الإشارة والكتابة ولو في حال الاختيار إذا كانت صريحة في الدلالة بل أو ظاهرة ، فإنّ ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال ، فما يظهر من جماعة اختصاص كفاية الإشارة والكتابة بحال الضرورة لا وجه له ، بل يكفي وجود مكتوب منه بخطّه ومهره إذا علم كونه إنّما كتبه بعنوان الوصيّة ، ويمكن أن يستدلّ عليه بقوله (عليه السلام) : «ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه». بل يدلّ عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إليه : رجل كتب كتاباً بخطّه ولم يقل لورثته : هذه وصيّتي،

(1) أي قبول الموصى إليه. وأمّا قبول الموصى له في الوصية العهدية; كما إذا أوصى بأن يعطى زيد مالاً فلا إشكال في اعتباره في تملّكه، وإن كان أصل الوصية عهدياً لا يعتبر فيه قبول الموصى إليه.
(2) كما أنّ دعوى كونها قسماً ثالثاً مسمّى بالوصية التخصيصيّة; لامتناع تمليك النوع والجهة، وعدم كونها عهديّة أيضاً كذلك.

(الصفحة771)

ولم يقل : إنّي قد أوصيت إلاّ أنّه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب علىورثته القيام بما في الكتاب بخطّه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب : «إن كان له ولد ينفذون كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ وغيره» .
[3908] مسألة 10 : يشترط في الموصي اُمور :
الأوّل : البلوغ ، فلاتصحّ وصيّة غير البالغ . نعم ، الأقوى وفاقاً للمشهور صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كان عاقلاً في وجوه المعروف للأرحام أو غيرهم(1) ; لجملة من الأخبار المعتبرة ، خلافاً لابن إدريس وتبعه جماعة .
الثاني : العقل ، فلا تصحّ وصيّة المجنون . نعم ، تصحّ وصيّة الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته ، وكذا لا تصحّ وصيّة السكران حال سكره، ولايعتبر استمرار العقل ، فلو أوصى ثمّ جنّ لم تبطل ، كما أنّه لو اُغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيّته ، فاعتبار العقل إنّما هو حال إنشاء الوصيّة .
الثالث : الاختيار .
الرابع : الرشد ، فلا تصحّ(2) وصيّة السفيه وإن كانت بالمعروف ، سواء كانت قبل حجر الحاكم  أو بعده ، وأمّا المفلس فلا مانع(3) من وصيّته وإن كانت بعد حجر الحاكم ; لعدم الضرر بها على الغرماء لتقدّم الدين على الوصيّة .
الخامس : الحرّية ، فلاتصحّ وصيّة المملوك بناءً على عدم ملكه وإن أجاز مولاه ، بل وكذا بناءً على ما هو الأقوى  من ملكه ; لعموم أدلّة الحجر وقوله (عليه السلام) :

(1) صحّة وصيّته للغرباء محلّ نظر بل منع، للرواية.
(2) محلّ إشكال، خصوصاً إذا كانت بالمعروف وكان قبل حجر الحاكم، بل لا تبعد الصحّة في هذه الصورة.
(3) غاية الأمر أنّه لا يترتّب على وصيّته أثر إلاّ في مثل ما إذا خرج حال الموت عن التفليس.

(الصفحة772)

«لا وصيّة لمملوك» بناءً على إرادة نفي وصيّته لغيره لانفي الوصيّة له . نعم ، لو أجاز مولاه صحّ على البناء المذكور ، ولو أوصى بماله ثمّ انعتق وكان المال باقياً في يده صحّت على إشكال (1). نعم، لو علّقها على الحريّة فالأقوى صحّتها . ولايضرّ التعليق المفروض ، كما لايضرّ إذا قال : «هذا لزيد إن متّ في سفري» ولو أوصى بدفنه  في مكان خاصّ لايحتاج إلى صرف مال فالأقوى الصحّة(2) ، وكذا ما كان من هذا القبيل .
السادس : أن لايكون قاتل نفسه ; بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ; من جرح أو شرب سمّ أو نحو ذلك ، فإنّه لا تصحّ وصيّته على المشهور المدّعى عليه الإجماع ; للنصّ الصحيح الصريح ، خلافاً لابن إدريس وتبعه بعض ، والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصيّة بالمال ، وأمّا الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه ممّا لا تعلّق له بالمال فالظاهر صحّتها ، كما أنّ الحكم مختصّ بما إذا كان فعل ذلك عمداً لا سهواً أو خطأً، وبرجاء أن يموت لا لغرض آخر ، وعلى وجه العصيان لا مثل الجهاد في سبيل الله ، وبما لو مات من ذلك ، وأمّا إذا عوفي(3) ثمّ أوصى صحّت وصيّته بلا إشكال ، وهل تصحّ وصيّته قبل المعافاة ؟ إشكال . ولايلحق التنجيز بالوصيّة . هذا ، ولو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمّ أحدث صحّت وصيّته، وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها ; للصحيح المتقدّم مضافاً إلى العمومات .
[3909] مسألة 11 : يصحّ لكل من الأب والجدّ الوصيّة بالولاية على الأطفال مع فقد الآخر ، ولا تصحّ مع وجوده ، كما لايصحّ ذلك لغيرهما حتّى الحاكم الشرعي ،

(1) قويّ، وكذا فيما بعده.
(2) مشكل.
(3) أو أوصى ثمّ عوفي، ولا وجه للإشكال فيه.

(الصفحة773)

فإنّه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حيّاً ، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته ، فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم الآخر ، فحاله حال كلّ من الأب والجدّ مع وجود الآخر، ولا ولاية في ذلك للاُمّ ، خلافاً لابن الجنيد ، حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة ، وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال وجعل أمره إلى غير الأب والجدّ وغير الحاكم لم يصحّ ، بل يكون للأب والجدّ مع وجود أحدهما وللحاكم مع فقدهما . نعم ، لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثمّ يملّكه لهم بعد بلوغهم أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملّكهم يمكن أن يقال  بصحته وعدم رجوع أمره إلى الأب والجدّ أو الحاكم .

فصل
في الموصى به

تصحّ الوصيّة بكلّ ما يكون فيه غرض عقلائي محلّل ; من عين أو منفعة أو حقّ قابل للنقل ، ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلاً أو قوّة ، فتصحّ بما تحمله الجارية أو الدابّة أو الشجرة ، وتصحّ بالعبد الآبق منفرداً، ولو لم يصحّ بيعه إلاّ بالضميمة ، ولا تصحّ بالمحرّمات كالخمر والخنزير ونحوهما ، ولا بآلات اللهو ، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائي، كالحشرات وكلب الهراش ، وأمّا كلب الصيد فلامانع منه ، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع، وإن قلنا بعدم مملوكيّة ما عدا كلب الصيد ، إذ يكفي وجود الفائدة فيها ، ولا تصحّ بما لايقبل النقل من الحقوق كحقّ القذف ونحوه ، وتصحّ بالخمر المتّخذ للتخليل ، ولا فرق في عدم صحّة الوصيّة بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين  أو مختلفين ; لأنّ الكفّار أيضاً مكلّفون بالفروع . نعم ، هم يقرّون على مذهبهم وإن لم

(الصفحة774)

يكن عملهم صحيحاً ، ولا تصحّ الوصيّة بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه . نعم ، لو أوصى فضولاً عن الغير احتمل صحّته(1) إذا أجاز .
[3910] مسألة 1 : يشترط في نفوذ الوصيّة كونها بمقدار الثلث أو بأقّل منه ، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد إلاّ مع إجازة الورثة بلا إشكال ، وما عن عليّ بن بابويه من نفوذها مطلقاً على تقدير ثبوت النسبة شاذّ ، ولا فرق بين أن يكون بحصّة مشاعة من التركة أو بعين معيّنة ، ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصّة المجيز فقط ، ولا يضرّالتبعيض كما في سائرالعقود، فلو خلّف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت كان للموصى له ثلاثة إلاّ ثلث من ستّة، ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستّة .
[3911] مسألة 2 : لايشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث الذي جعله الشارع له، فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكان بقدره أو أقلّ صحّت ، ولوقصد كونها من الأصل، أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً مع وصيّته بالثلث سابقاً أو لاحقاً بطلت (2) مع عدم إجازة الورثة ، بل وكذا إن اتّفق أنّه لم يوص بالثلث أصلاً ; لأنّ الوصيّة المفروضة مخالف للشرع وإن لم تكن حينئذ زائدة على الثلث . نعم ، لو كانت في واجب  نفذت ; لأنّه يخرج من الأصل إلاّ مع تصريحه بإخراجه من الثلث .
[3912] مسألة 3 : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ولم يعلم كونها في واجب حتّى تنفذ ، أو لا حتّى يتوقّف الزائد على إجازة الورثة ، فهل الأصل النفوذ إلاّ إذا ثبت عدم كونها بالواجب ، أو عدمه إلاّ إذا ثبت كونها بالواجب ؟ وجهان ، ربما

(1) بل هذا هو الظاهر، وكذا في الصورة الاُولى لعدم الفرق.
(2) مع وصيّته بالثلث سابقاً، ومع عدمها فالبطلان محلّ إشكال، ومع عدمها رأساً الظاهر هي الصحّة.

(الصفحة775)

يقال بالأوّل ، ويحمل عليه ما دلّ من الأخبار على أنّه إذا أوصى بماله كلّه فهو جائز ، وأنّه أحقّ بماله ما دام فيه الروح ، لكن الأظهر(1) الثاني ; لأنّ مقتضى ما دلّ على عدم صحّتها إذا كانت أزيد من ذلك ، والخارج منه كونها بالواجب وهو غير معلوم . نعم ، إذا أقرّ بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل ، بل وكذا إذا قال : اُعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً أو نحو ذلك وشكّ في أنّها واجبة عليه، أو من باب الاحتياط المستحبي، فانّها أيضاً تخرج من الأصل ; لأنّ الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما ، والظاهر من كلامه اشتغال ذمّته بهما .
[3913] مسألة 4 : إذا أجاز الوارث بعد وفات الموصي فلا إشكال في نفوذها ، ولايجوز له الرجوع في إجازته . وأمّا إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها وعدمه قولان ، أقواهما الأوّل كما هو المشهور ; للأخبار المؤيّدة باحتمال كونه ذا حقّ في الثلثين فيرجع إجازته إلى إسقاط حقّه ، كما لايبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميّت من ماله إلاّ الثلث . هذا ، والإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي وليست ابتداء عطيّة من الوارث ، فلاينتقل الزائد إلى الموصى له من الوارث ; بأن ينتقل إليه بموت الموصي أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموصى له ، بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل .
[3914] مسألة 5 : ذكر بعضهم أنّه لو أوصى بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة ، ثمّ قالوا : ظنّنا أنّه قليل قضي عليهم بما ظنّوه ، وعليهم الحلف على الزائد ، فلو قالوا : ظنّنا أنّه ألف درهم فبان أنّه ألف دينار قضي عليهم بصحّة الإجازة في خمسمائة درهم وأُحلفوا على نفي ظنّ الزائد ، فللموصى له نصف ألف درهم من التركة وثلث البقيّة ، وذلك لأصالة  عدم تعلّق الإجازة بالزائد وأصالة عدم علمهم

(1) الأظهريّة ممنوعة.

(الصفحة776)

بالزائد ، بخلاف ما إذا أوصى بعين معيّنة كدار أو عبد فأجازوا ثمّ ادّعوا أنّهم ظنّوا أنّ ذلك أزيد من الثلث بقليل فبان أنّه أزيد بكثير ، فإنّه لايسمع منهم ذلك ; لأنّ إجازتهم تعلّقت بمعلوم وهو الدار أو العبد ، ومنهم من سوّى بين المسألتين في القبول ، ومنهم من سوّى بينهما في عدم القبول ، وهذا هو الأقوى أخذاً بظاهر كلامهم في الإجازة كما في سائر المقامات ، كما إذا أقرّ بشيء ثمّ ادّعى أنّه ظنّ كذا ، أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثمّ ادّعى أنّه ظنّ كذا ، فإنّه لايسمع منه ، بل الأقوى عدم السماع حتّى مع العلم بصدقهم في دعواهم ، إلاّ إذا علم كون إجازتهم مقيّدة بكونه بمقدار كذا ، فيرجع إلى عدم الإجازة ، ومعه يشكل السماع فيما ظنّوه أيضاً .
[3915] مسألة 6 : المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي لا حال الوصيّة ، بل على حال حصول قبض الوارث للتركة إن لم تكن بيدهم حال الوفاة ، فلو أوصى بحصّة مشاعة كالربع أو الثلث وكان ماله بمقدار ثمّ نقص كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصي، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً وإن كانت كثيرة جدّاً ، وقد يقيّد بما إذا لم تكن كثيرة، إذ لايعلم إرادته هذه الزيادة المتجدّدة، والأصل عدم تعلّق الوصيّة بها ، ولكن لا وجه له للزوم العمل بإطلاق الوصيّة . نعم ، لو كان هناك قرينة قطعيّة على عدم إرادته الزيادة المتجدّدة صحّ ما ذكر ، لكن عليه لا فرق بين كثرة الزيادة وقلّتها. ولو أوصى بعين معيّنه كانت بقدر الثلث أو أقلّ ثمّ حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم إجازة الوارث ، وإن كانت أزيد من الثلث حال الوصيّة ثمّ زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلث أو أقلّ صحت الوصيّة فيها ، وكذا الحال إذا أوصى بمقدار معيّن كلّي كمائة دينار مثلا .
[3916] مسألة 7 : ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معيّنة أو بكلّي كمائة دينار مثلا أنّه إذا اُتلف من التركة بعد موت الموصي يردّ النقص عليهما أيضاً بالنسبة ، كما في

(الصفحة777)

الحصّة المشاعة وإن كان الثلث وافياً ، وذلك بدعوى أنّ الوصيّة بها ترجع إلى الوصيّة بمقدار ما يساوي قيمتها ، فيرجع إلى الوصيّة بحصّة مشاعة ، والأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافياً ، ورجوعهما إلى الحصّة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له ، خصوصاً في الوصيّة بالعين المعيّنة .
[3917] مسألة 8 : إذا  حصل  للموصي  مال  بعد  الموت ، كما  إذا  نصب  شبكة  فوقع فيها صيد بعد موته يخرج منه الوصيّة كما يخرج منه الديون ، فلو كان أوصى بالثلث أو الربع اُخذ ثلث ذلك المال أيضاً مثلا ، وإذا أوصى بعين وكانت أزيد من الثلث حين الموت وخرجت منه بضمّ ذلك المال نفذت فيها ، وكذا إذا أوصى بكلّي كمائة دينار مثلا ، بل لو أوصى ثمّ قتل حسبت ديته من جملة تركته ، فيخرج منها الثلث كما يخرج منها ديونه إذا كان القتل خطأً ، بل وإن كان عمداً وصالحوا على الدية ; للنصوص الخاصّة، مضافاً إلى الاعتبار ; وهو كونه أحقّ بعوض نفسه من غيره ، وكذا إذا اُخذ دية جرحه خطأً ، بل أو عمداً .
<<التالي الفهرس السابق>>