في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


مناسك الحـجّ




للمرجع الديني
آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني
(دام ظلّه العالي)



(الصفحة5)



المقدّمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
الحجّ من أركان الدين ، ومن أوكد فرائض المسلمين ، وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية ، وتركه من الكبائر . وقبل الخوض في بيان أحكامه ومسائله لابأس بالإشارة إلى أهمّيّته .


(الصفحة6)

قال الله تعالى: { وَلِلَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(1) .
وقال : {وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجّ عَمِيق* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّام مَّعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الاَْنْعَامِ فَكُلُوامِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ}(2) .
وقال أيضاً : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِى الاَْلْبَابِ}(3) .


(1) آل عمران: 3 / 97 .
(2) الحجّ: 22 / 27 ـ 28 .
(3) البقرة: 2 / 197 .

(الصفحة7)

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)  : «الحاجّ والمعتمر وفد الله ، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفعوا شفّعهم ، وإن سكتوا ابتدأهم ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم»(1) .
وقال (عليه السلام) في جواب هشام ، عندما سأله عن علّة الحجّ : «فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا . . . ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت الأخبار ، ولم تقفوا على ذلك»(2) .
وقد وصفه صاحب الجواهر (قدس سره) بما ملخّصه: إنّ الحجّ من أعظم شعائر الإسلام ، وأفضل ما يتقرّب به الأنام إلى
الملِك العلاّم; لما فيه من إذلال النفس وإتعاب البدن ، وهجران الأهل ، والتغرّب عن الوطن ، ورفض العادات ،

(1) وسائل الشيعة : 11/99، كتاب الحجّ، أبوابوجوبهوشرائطه ب38 ح15 .
(2) وسائل الشيعة : 11/14 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ب1 ح18 .

(الصفحة8)

وترك اللّذاتوالشهوات،والمنافراتوالمكروهات، وإنفاق المال وشدّ الرِّحال ، وتحمّل مشاقّ الحلّ والارتحال ، ومقاساة الأهوال ، والابتلاء بمعاشرة السفلة والأنذال .
فهو حينئذ رياضة نفسانيّة ، وطاعة ماليّة ، وعبادة بدنيّة ، قوليّة وفعليّة ، وجوديّة وعدميّة ، وهذا الجمع من خواصّ الحجّ من العبادات التي ليس فيها أجمع من الصلاة، وهي لم تجتمع فيها ما اجتمع في الحجّ من فنون الطاعات .
ومن هنا ورد في الحديث : أنّه أفضل من الصيام والجهاد والرباط ، بل من كلّ شيء إلاّ الصلاة . بل ورد : أنّه أفضل من الصلاة والصيام; لأنّ المصلّي يشتغل عن أهله ساعة ، وأنّ الصائم يشتغل عن أهله بياض يوم ، وأنّ الحاجّ ليشخّص بدنه ويضحّي نفسه وينفق ماله ويطيل
الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه ولا إلى تجارة(1) . وقد

(1) راجع الوسائل: 11 / 93 و 110 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ب38 و41 .

(الصفحة9)

تطابق العقل والنقل على أنّ أفضل الأعمال أحمزها(1) ، وأنّ الأجر على قدر المشقّة(2) .
ويدلّ على أهمّية الحجّ وأفضليّته من الصلاة ـ مضافاً إلى اشتمال الحجّ عليها وعدم اشتمالها عليه ـ أنّ الصلاة عبارة عن إحرام صغير يتحقّق الشروع فيه بتكبيرة الإحرام المسمّـاة بها لأجله والفراغ عنه بالتسليم ،
ولا ينافي ذلك ما ورد في الصلاة من أنّها عمود الدين ، إن قُبلت قُبِلَ ما سواها وإن ردّت رُدَّ ما سواها(3); لعدم دلالته
على الحصر ، فتدبّر .

(1) نهاية ابن الأثير في مادّة «حمز» . وفي الكافي 4 /199 في خطبة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) قال : وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل .
(2) جواهر الكلام 17: 214 ـ 216 .
(3) راجع الوسائل 4: 27 و 33 و 34 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ب6 ح7 وب8 ح6 و10 و13 .


(الصفحة10)

وعمدة ما يختصّ الحجّ به ممّا لا يوجد في غيره أصلاً هو الجهة الاجتماعيّة السياسيّة المتحقّقة فيه ، فإنّه يتضمّن اجتماع المسلمين من جميع أقطار العالم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وعاداتهم ورسومهم واختلاف مذاهبهم ، وهذا الاجتماع العظيم الذي ليس في الإسلام مثله ممهّد لحصول الوحدة والاتّحاد بين المسلمين ، وتحقّق القدرة الكاملة التي لا تعادلها أيّة قدرة في العالم .
وهذا يتوقّف على الارتباط ومعاشرة المسلمين بعضهم لبعض ، والبحث عمّا هم عليه من النقائص والمشكلات ، وعن طريق رفعها وحلّها ، وعمدة المشاكل التي لحقتهم
وقلّدتهم هي مشكلة الحكومات التي تدّعي الإسلام ظاهراً وتتظاهر به ، وفي الباطن ليس فيها من الإسلام عين ولا أثر ، وقد استظهرت بالحكومات القويّة المستعمرة المسيطرة على العالم وتطيعها بكلّ طاعة بل تعبدها كعبد ذليل ، ولا تتخلّف عن أوامرها ونواهيها بوجه أصلاً .


(الصفحة11)

وكيف كان ، فهذه الجهة في الحجّ جهة مهمّة لا توجد في غيره; لاقتضائها حصول القدرة الكاملة للإسلام وتحقّق الوحدة والاتّحاد بين المسلمين .
كما أنّه ينبغي التفقّه في الحجّ ، فإنّه كثير الأجزاء ، جمّ المطالب ، وافر المقاصد ، وهو مع ذلك غير مأنوس وغير متكرّر ، وأكثر الناس يأتونه على ضجر وملالة سفر ، وضيق وقت واشتغال قلب ، مع أنّ الناس لا يحسنون العبادات المتكرّرة اليوميّة مثل الطهارة والصلاة مع الفهم لها ومداومتهم عليها وكثرة العارفين بها ، حتّى أنّ الرجل منهم يمضي عليه خمسون سنة وأكثر ولا يُحسن الوضوء فضلاً عن الصلاة ، فكيف بالحجّ الذي هو عبادة غريبة غير مألوفة ، لا عهدَ للمكلَّف بها مع كثرة مسائلها وتشعّب أحكامها وأطولها ذيلاً ، وخصوصاً مع انضمام الطهارة والصلاة إليها; لشرطية الأُولى وجزئية الثانية ، فإنّ الخطب بذلك يعظم .


(الصفحة12)

قال زرارة : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : جعلني الله فداك أسألك في الحجّ منذ أربعين عاماً فتفتيني ، فقال : «يا زرارة بيتٌ حُجّ إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً»(1) ، إلاّ أنّه يلوح من الخبر المزبور عدم اعتبار استقصاء مسائله ، بل هو غير مقدور ، ولكن لابدّ من معرفة فروض المناسك .


(1) وسائل الشيعة : 11 / 12 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ب1 ح12 .

(الصفحة13)



وجوب الحج


مسألة  : حجّة الإسلام ، هي الحج الواجب على الفرد المستطيع ، وتجب في طول العمر مرّة واحدة  .
مسألة  : وجوب الحج على الفرد المستطيع فوريّ ، أي يجب عليه أن يحج في السنة الاُولى من الاستطاعة ولايجوز له التأخير ، فإن أخّر وجب عليه أن يحجّ في السنة التالية ، وهكذا  .
مسألة  : إذا توقّف إدراك الحج بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات كالسفر وإعداد ما يحتاجه من الوسائل اللازمة ، فإنّه يجب عليه توفير تلك المقدّمات بحيث يمكنه إدراك الحج في تلك السنة ، ولو قصّر في

(الصفحة14)

تحصيل المقدّمات ولم يدرك الحج فقد استقرّ عليه الحج ، فيجب عليه أن يحجّ في السنوات التالية وإن زالت استطاعته ، إلاّ أن يكون أداء الحج حرجاً عليه ، وهنا أيضاً يجب أن يحج على الأحوط  .
شرائط وجوب حجة الإسلام
هناك عدد من الشروط لوجوب الحج ، وإذا لم تتحقّق بمجموعها لم يجب الحج ، وهي اُمور :
الأوّل والثاني : البلوغ والعقل ، فلايجب على غير البالغ ولا  على المجنون  .
مسألة  : إذا حج غير البالغ فحجّه صحيح ، ولكنّه لايجزئ عن حجّة الإسلام .
مسألة  : إذا أحرم الصبي المميِّز للحج ، فأدرك المشعر الحرام بالغاً ، كفاه ذلك عن حجّة الإسلام ، وكذلك المجنون إذا أفاق قبل إدراك المشعر وإن كان الأحوط

(الصفحة15)

الإعادة بعد ذلك مع الاستطاعة .
مسألة  : من ظنَّ عدم البلوغ ، فنوى الحج المستحب ، ثم تبيّن له أنّه كان بالغاً ، فإنَّ حجّه لايكفي عن حجّة الإسلام ، إلاّ أن يكون قد قصد أداء التكليف الفعلي واشتبه في تطبيقه على الحج المندوب .
مسألة  : يستحبّ الحج للصبي المميِّز ، ويصحّ
منه وإن لم يأذن له وليّه وإن وجب الاستئذان في بعض
الصور .
مسألة  : يستحبّ للولي أن يُحِرم بالصبي غير المميّز ، فيلبسه ثوبَي الإحرام وينوي ويقول: «اللّهمَّ إنّي أحرمت بهذا الصبيّ للحج» أو «أعتمر بهذا الصبي للعمرة» ويلقّنه التلبية إن أمكن ، وإلاّ فيلبّي عنه .
مسألة  : المقصود من الولي في المسألة السابقة هو الوليّ الشرعي ، ويلحق به الأُمّ وإن لم تكن وليّاً .
مسألة  : إذا أحرم الصبي أو أحرَمه وليُّه وجب على

(الصفحة16)

وليّه أن يجنّبه وينهاه عن المحرّمات ، وإذا لم يكن مميِّزاً وجب على الولي أن يحفظه منها .
مسألة  : إذا أحرم الطفل ثمّ ارتكب محرّمات الإحرام أو لم يمنعه وليّه عنها فإنّ كفّارة الصيد على وليّه ، وكذلك سائر الكفارات على الأحوط .
مسألة  : الهدي الواجب في الحج على ولىّ الصبي .
مسألة  : على الولي أن يأمر الصبي بأداء جميع أعمال الحج والعمرة ، وإن لم يستطع ينوب عنه ، ويطوف به ويسعى به ويقف به في عرفات ومشعر ومنى ، ويأمره بالرّمي ولو لم يتمكّن يرمي عنه ، ويأمره بصلاة الطواف وإن لم يقدر يصلّي عنه ، والأحوط في الأعمال التي تحتاج إلى الوضوء أن يُوَضِّأَ الطفل بصورة الوضوء ، ويتوضّأ هو أيضاً على الأحوط .
مسألة  : لو بلغ الطفل قبل الإحرام في الميقات وكان مستطيعاً فحجّه حجّة الإسلام .

(الصفحة17)

الشرط الثالث : الحرّيّة .
الشرط الرابع : الاستطاعة من حيث المال ، وصحّة البدن وقوّته ، وتخلية السرب ، وسعة الوقت وكفايته .
مسألة  : الاستطاعة المالية هي امتلاك الزاد والراحلة ، ولايشترط وجودها عيناً ، بل يكفي وجود مايمكن صرفه في تحصيلها كالنقود أو الأمتعة والبضائع الاُخرى . ويلزم أن تكون لديه النفقة الكافية للرجوع إلى الوطن أو إلى أيّ محلّ آخر يريد السكن فيه بعد الرجوع من الحج; والمقصود من النفقة في جميع ذلك مايناسب شأنه وحاله من شرف وضِعة وقوّة وضعف .
وهناك اُمور اُخرى معتبرة في الاستطاعة يأتي بيانها في المسائل التالية .
مسألة  : يعتبر في وجوب الحج امتلاك نفقة الذهاب والإياب إضافة إلى نفقة إدارة شؤون معاشه وضروريات حياته بالمقدار المناسب لشأنه من الدار

(الصفحة18)

والأثاث وغير ذلك ، وإذا لم يكن مالكاً لعينها فلابدّ أن يكون مالكاً لقيمتها .
مسألة  : إذا لم يجب عليه الحج وأنفق الأشياء الضرورية لمعيشته أو قيمتها في سفر الحج لم يجزئه ذلك عن حجة الإسلام ، إلاّ إذا اجتمعت عنده الشرائط في الميقات .
مسألة  : من كان بحاجة إلى الزواج بحيث لو تركه خاف الوقوع في الضرر أو المرض أو الحرج ، فلايكون مستطيعاً إلاّ بامتلاك نفقة الحج إضافة إلى نفقة الزواج .
مسألة  : من كان له دين على شخص آخر وباستيفائه تكمل شروط الاستطاعة ، فإذا كان حالاًّ وجب عليه المطالبة وباستيفائه الدين يجب عليه الحج ، إلاّ إذا لزم من المطالبة الوقوع في الحرج والمشقّة أو كان المديون معسراً ، فلاتجب حينئذ المطالبة ولايصير مستطيعاً . لكن إذا استطاع أن يبيع دينه بمقدار أقلّ

(الصفحة19)

ليتسلّمه نقداً ، وكان ذلك المقدار الأقلّ كافياً للحج فهو مستطيع ويجب عليه أن يحج .
وكذلك إذا لم يكن الدين حالاًّ لكنّ المديون أراد أن يدفع الدين ، فيجب على الدائن أن يأخذ منه ليصير مستطيعاً ، ولكنّ المطالبة لاتجب إلاّ إذا تيقّن بأنّ المدين مستعدّ للدفع عند المطالبة .
مسألة  : لايجب على غير المستطيع أن يقترض لأجل مصارف الحج وإن كان أداء الدين عنده بعد الحج في غاية السهولة ، لكن لو اقترض مع سهولة الأداء عليه فقد وجب الحج ويجزئ عن حجّة الإسلام .
مسألة  : من كانت لديه نفقة الحج وكان في ذمّته دين مؤجّل يستطيع أداءه في وقته فهو مستطيع ويجب عليه الحج ، وكذلك إذا كان دينه حالاًّ ورضي الدائن بتأخيره واطمأنّ المدين بقدرته على الأداء في وقت المطالبة . وفي غير الصورتين المذكورتين وجوب الحج

(الصفحة20)

تخييريّ; أي إنّه مخيّر بين الحج وأداء الدين ، ولو حجّ كفاه عن حجّة الإسلام .
مسألة  : من كان في ذمّته خمس أو زكاة فهو لايكون مستطيعاً ، إلاّ أن تبقى لديه نفقة الحج بعد أدائهما .
مسألة  : من كان مستطيعاً من الناحية المالية ولكنّه غير مستطيع من ناحية صحّة البدن ، أو تخلية السرب فإنّه يجوز له التصرّف في ماله وإخراج نفسه من الاستطاعة .
مسألة  : لوكان في سنة الاستطاعة المالية غير مستطيع من جهة صحّة البدن أو تخلية السرب وعلم أنّه في السنوات التالية سيصبح مستطيعاً من هاتين الجهتين ، فإنّه مع ذلك يستطيع التصرّف في ماله وإخراج نفسه من الاستطاعة .
مسألة  : من استطاع للحجّ وجب عليه أن يؤدّي المصارف اللازمة لمقدّمات الحج ، كسعر التذكرة وتأشيرة الدخول وما إلى ذلك ممّا يرتبط بالحج ، وهذه المصارف

(الصفحة21)

لاتوجب سقوط الحج ، لكن لو لم يتمكّن من أداء هذه النفقات فهو لايعدّ مستطيعاً .
مسألة  : لو كانت اُجرة السيارة أو الطائرة كثيرة أو أنّها أكثر من القيمة المعتادة ، كما إذا كانت أسعار البضائع مرتفعة في سنة الاستطاعة أو أزيد من الحدّ المتعارف ، يجب مع ذلك أن يحجّ ولايجوز له التأخير عن سنة الاستطاعة ، إلاّ إذا كانت الأسعار مرتفعة إلى درجة وقوعه في الحرج والمشقّة في معيشته .
مسألة  : لو لم يكن المستطيع مالكاً للنقود لكن لديه أعيان وجب عليه أن يبيعها ويحجّ وإن باعها بأقلّ من قيمتها المتعارفة بسبب عدم وجود المشتري ، إلاّ أن يكون بيعها بهذا النحو موجباً للحرج والمشقّة .
مسألة  : من كان عنده كتب كثيرة لا يحتاج إليها بحيث لو باع الزائد عن موضع الحاجة منها لحصلت له الاستطاعة المالية ، وكان مستطيعاً من الجهات الاُخرى

(الصفحة22)

وجب عليه الحج ، بل إذا استطاع أن يسدّ حاجته إلى الكتب بواسطة الكتب الموقوفة وأمثالها ممّا هو غير معرض للفقدان والزوال ، وكانت الاستفادة منها مناسبة لشأنه ولاتؤدّي إلى وقوعه في الحرج ، وكان بيعه للكتب التي يتملّكها محقّقاً للاستطاعة ، فهو مستطيع ويجب عليه الحج .
مسألة  : لوشك في أنّ ما لديه بمقدار الاستطاعة أم لا ، فالأحوط وجوباً أن يحقّق ، ولافرق في وجوب التحقيق بين كونه جاهلا بمقدار ماله أو مقدار نفقات الحج .
مسألة  : لو نذر زيارة كربلاء المقدّسة أو سائر العتبات المقدّسة في يوم عرفة ، فنذره صحيح ، لكن لو كان مستطيعاً أو استطاع بعد النذر يجب عليه الحج ، والنذر لايمنع عن الحج ، ولو لم يحجّ استقرّ في ذمّته الحج ويجب أن يعمل بنذره . ولو حجّ لم تجب عليه كفّارة الحنث ، لكن لو لم يحجّ ولم يعمل بالنذر وجبت عليه كفّارة النذر .

(الصفحة23)

مسألة  : إذا كان السفر للحج موجباً لترك واجب أو فعل حرام ، فهنا يجب أن تلاحظ الأهمّية ، فإذا كان الحج أهمّ وجب ، وإلاّ يجب عليه أن لا يحجّ . ولو حجّ فارتكب حراماً أو ترك واجباً فقد عصى ولكن حجّه صحيح .
مسألة  : لو اعتقد عدم الاستطاعة فقصد الحج المستحبّ ، ثمّ تبيّن له أنّه كان مستطيعاً فحجّه لايجزئ عن حجّة الإسلام ، إلاّ إذا قصد التكليف الفعلي واشتبه في تطبيقه على الحج المندوب .
مسألة  : لو لم يكن له زاد وراحلة ولكن قيل له : «حجّ وعليّ نفقتك» فقد وجب عليه الحج ، ويسمّى هذا الحج بالحج البذلي ، ولايشترط في هذا الحج الرجوع إلى الكفاية المعتبرة في سائر الموارد . نعم ، يعتبر فيه أن لايكون قبول البذل وأداء الحج موجباً لاختلال اُمور معاشه .
مسألة  : لو وهب أحدٌ مالا كافياً للحج وكانت

(الصفحة24)

الهبة من أجل الحج ، وجب على الموهوب له القبول وأداء الحج; وكذلك إذا قال الواهب: «أنت مخيّر بين الحجّ وغيره» ; لكن إذا وهب المال ولم يذكر اسم الحج فلايجب القبول .
مسألة  : يجوز للباذل الرجوع عن بذله ، لكن لو رجع عنه في أثناء الطريق فعليه أن يدفع نفقة العودة .
مسألة  : ثمن الهدي في الحجّ البذلي على الباذل إن كان البذل قد وجب عن طريق النذر وشبهه ، أو أنّ الباذل قد قال عند البذل : «حجّ ونفقة حجّك عليّ» ، ولو لم يعطه ثمن الهدي لايسقط وجوب الحج ويبقى ثمن الهدي متعلّقاً بذمة الباذل ، لكنّ الكفّارات ليست على الباذل .
مسألة  : من أمكنه أن يصير أجيراً في طريق الحج باُجرة تجعله مستطيعاً فقد وجب عليه الحج وإن لم تكن الإجارة واجبة عليه ، لكنّه بعد الإجارة يصير مستطيعاً ويجب عليه أداء الحج .

(الصفحة25)

مسألة  : لو صار أجيراً بواسطة النيابة عن شخص آخر وأصبح مستطيعاً باُجرته ، فإن كان استئجاره لأجل السنة الاُولى ، يجب عليه أن يقدّم الحجّ النيابي ; وإذا بقيت استطاعته إلى السنة التالية فعليه أن يحج لنفسه .
مسألة  : يشترط في الاستطاعة أن يترك لعياله مايحتاجونه من النفقة حتّى يرجع ، والمقصود من العيال من يلزم عليه نفقتهم عرفاً وإن لم يكونوا واجبي النفقة شرعاً .
مسألة  : يعتبر في الاستطاعة الرجوع إلى الكفاية ، أي أن يرجع من الحج وهو يتملّك عملا في تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك ، كالبستان أو المحلّ التجاري بحيث لايقع في الشدّة والحرج لأجل معيشته ، ويكفي في ذلك كونه قادراً على الكسب اللائق بحاله ، ويكفي أيضاً تمكّنه من إمرار معاشه عن طريق استلام الزكاة أو الخمس أو الاستعطاء .

(الصفحة26)

مسألة  : يشترط في وجوب الحج القدرة البدنية ، والاستطاعة من جهة كون الطريق مفتوحاً للسفر ، والاستطاعة الزمانية ، فلايجب الحج على المريض ولا على من يقع في الحرج والمشقّة الشديدة لو حجّ ; وكذلك لايجب الحجّ على مَن أُغلق بوجهه الطريق ، ولا على من لم يبق له وقت كاف لإدراك الحج .
مسألة  : إذا ترك الحجّ مع توفّر شروط الاستطاعة ، فإن بقيت الاستطاعة إلى انتهاء أعمال الحج فقد استقرّ الحج عليه ، ووجب عليه أن يحج فيما بعد بأيّ نحو كان إلاّ أن يكون عليه حرجيّاً ، وفي هذه الحالة أيضاً يجب عليه الحجّ على الأحوط .
مسألة  : يجب على المستطيع أن يحجّ بنفسه ، ولايجزئ عنه الحج النيابي إلاّ في حالة المرض أو الشيخوخة بتفصيل سيأتي بيانه .
مسألة  : من وجب عليه الحج وكان قادراً على

(الصفحة27)

أدائه فلايجوز له أن يكون نائباً عن شخص آخر ، سواء كانت النيابة مجّاناً أم بالإجارة ، لكن لو فعل ذلك وذهب إلى الحج نيابة فحجّه صحيح .
مسألة  : من وجب عليه الحج; أي توفّرت لديه الاستطاعة من جميع الجهات ولكن لم يحجّ حتّى مات ، يجب أن يُحجَّ عنه من التركة ويكفي الاستنابة من الميقات ، وإذا لم يحجّ عنه فلايجوز للورثة التصرّف في التركة ، ويجب الحج عنه في نفس سنة الوفاة ولايجوز التأخير ، وإذا لم يمكن في تلك السنة الاستنابة من الميقات يجب الاستنابة من البلد ، ونفقة الحج البلدي تخرج من أصل التركة ، وإذا لم تحصل الاستنابة من الميقات إلاّ باُجرة أكثر من الاُجرة المتعارفة تجب الاستنابة ولايجوز التأخير ، ولو أهمل الوصيّ أو الوارث وأخَّر أداء الحج حتّى تلفت التركة فهو ضامن ، وإذا لم يكن للميّت تركة فلايجب حجّ الميّت على الوارث .

(الصفحة28)

مسائل متفرِّقة في الاستطاعة
مسألة  : من مات زوجها فأصبحت مستطيعة ماليّاً بواسطة نصيبها من إرث زوجها ، لكنّها لاتستطيع السفر للحج بسبب المرض ، فإن كان المرض شديداً بحيث أعجزها عن القدرة على الذهاب إلى الحج فهي غير مستطيعة ولايجب عليها الحج ، كذلك إذا مات زوجها ولم يكن لديها عمل من زراعة أو صناعة تدير به اُمور معيشتها بعد الرجوع من الحج فهي ليست مستطيعة وإن كان الإرث كافياً لحجّ بيت الله الحرام والرجوع منه .
مسألة  : إذا كان مهر الزوجة يكفي لنفقة الحج وكان لايزال في ذمّة زوجها ولم تستوفه منه ، فإذا كان الزوج غير قادر على الأداء فلايحقّ لها المطالبة ولاتكون مستطيعة ، وإذا كان الزوج قادراً ولم يكن في المطالبة مفسدة على الزوجة تجب عليها المطالبة وأداء الحجّ ، مع أنّ الزوج يعطيها نفقتها ويكفّل معيشتها . وإذا كان في المطالبة مفسدة

(الصفحة29)

كاحتمال حدوث النزاع الذي يؤدّي إلى الطلاق الذي فيه مفسدة على المرأة فهي ليست مستطيعة .
مسألة  : من كانت لديه دار ذات قيمة عالية وكانت زائدة على شأنه ، واستطاع أن يبيعها ويشتري داراً أقلّ منها قيمة ، وكان التفاوت بين القيمتين كافياً لأداء الحج فهو مستطيع إذا توفّرت باقي الشروط ; لكن إذا كانت الدار مناسبة لشأنه فلايجب عليه بيعها وهو ليس مستطيعاً .
مسألة  : من توفّرت لديه نفقة الحج عن طريق الكسب وغيره وبعد الرجوع من الحج سيوفِّر مقداراً من مؤنة معيشته من الكسب كالخطابة  والمقدار الآخر من الحقوق الشرعية فهو مستطيع .
مسألة  : من باع أرضاً أو شيئاً آخر من أجل أن يشتري داراً لسكناه ، فإن كان محتاجاً إلى دار للسكنى فهو غير مستطيع ، وإن كان المبلغ الذي حصل عليه كافياً لنفقة الحج .

(الصفحة30)

مسألة  : إذا كان الشخص قد استطاع في السنوات السابقة ، ولم يستطع فعلا السفر بواسطة الطائرة بسبب المرض ، ولم تتوفّر له واسطة اُخرى للسفر فلايجوز له الاستنابة يجب أن يحج عند حصول القدرة ، وإذا لم يقدر حتّى مات يجب أن يحجَّ عنه من تركته ، وإذا لم يكن مستطيعاً في السنوات السابقة فهو ليس مستطيعاً في الفرض المذكور .
مسألة  : إذا كانت الزوجة تقوم بنفقتها بنفسها بواسطة الكسب ، وكانت تملك نفقة الحج أيضاً ، وإذا حجّت فإنّ زوجها سيقع في شدّة من ناحية المؤنة ، فإن كان وقوع زوجها في الشدّة لايوجب الحرج لها فهي مستطيعة ويجب أن تحج ; ووقوع الزوج في شدّة لايمنع من استطاعة الزوجة .
مسألة  : من كان في بلده غير مستطيع ، لايجب عليه الحج وإن استطاع الحج من الميقات ; لكن لو ذهب
<<التالي الفهرس السابق>>