في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة141)

ومن هنا انبرى الفقهاء العظام رضوان الله عليهم ـ واستناداً لما ورد عن الأئمّة (عليهم السلام)ـ عدّة وصايا ـ في باب المتاجر ـ إلى الأفراد الذين يتعاطون البيع والشراء ، ومنها:

* ألاّ يتشدّد البائع في المعاملة ولا يسيء الخلق .
* التسوية في الأسعار بالنسبة للمشترين .
* اجتناب القسم ولو صادقاً .
* إعلام المشتري بنقص السلعة إن كانت ناقصة .
* الإقالة عند الاستقالة .
* ألاّ يمدح البائع سلعته أكثر من اللازم .
* عدم التطفيف في الموازين .
* الابتعاد عن الاحتكار .
* عدم الحيف . وإلى غير ذلك .
فقال (عليه السلام):
«وَ اعْلَمْ ـ مَعَ ذَلِكَ ـ أَنَّ فِي كَثِير مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً ، وَشُحّاً قَبِيحاً ، وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ ، وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّة لِلْعَامَّةِ ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاةِ . فَامْنَعْ مِنَ الاحْتِكَارِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مَنَعَ مِنْهُ ، وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً ، بِمَوَازِينِ عَدْل ، وَأَسْعَار لاَتُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ ، فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ ، وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَاف» .
ونفهم من كلامه (عليه السلام) أنّ الاحتكار والإجحاف حرام في التجارة الإسلاميّة . وكلّنا يعلم بأنّ الرأسماليين إنّما يعتمدون اليوم على سبيلين لممارسة الضغوط على الناس: فتارةً يسعون لتخزين السلع التي يحتاجها الناس لتشحّ في الأسواق فترتفع

(الصفحة142)

أسعارها ، فيبيعونها آنذاك في السوق السوداء ، وهذا ما يصطلح عليه بالاحتكار الذي حرّمه الإسلام ، ووضع عقوبة للمحتكر الذي يمارسه ويحتكر السلعة ، وتارة اُخرى يتواطأ عدد من الأثرياء ليشتروا سلعاً ويحتكرونها لأنفسهم ، بحيث لا يسع المشتري الحصول عليها إلاّ من عندهم ، وهذا هو الإجحاف بالمشتري والذي لاينسجم ومبادىء الإسلام .
وقد اختصر الإمام (عليه السلام) هذين العملين القبيحين بقوله: «واحتكاراً للمنافع» و«تَحَكّماً في البياعات» .
ولذلك يأمر مالكاً بتسعير السلع والبضائع وألاّ يطلق العنان للتجّار يصولون ويجولون ثمّ يطارد المحتكر والمجحف .

منزلة العمّال والمستضعفين في المجتمع الإسلامي

من المسلّم به أنّ كلّ مجتمع يضمّ بعض الأفراد الذين لا يقدرون على العمل لعدّة أسباب ، أو أنّهم لا يحصلون على الكفاف من أعمالهم في تأمين معيشتهم; ولذلك فهم يعيشون الحاجة والمسكنة .
وإذا لم يكن هناك من يعالج وضعهم فإنّ فتيانهم سيندفعون نحو الفساد والانحراف ، بينما سيساق كهولهم إلى الموت جوعاً . ولا يصحّ بروز مثل هذه الظاهرة المقيتة في المجتمع ، ولا سيّما في المجتمع الإسلامي ، فلابدّ من الالتفات إلى مصيبة هذه الطبقة الكادحة والأخذ بيدها إلى الحياة الحرّة الكريمة .
ويزعم اليوم عالمنا المتحضّر أنّه يتبنى هذه الرسالة ، وأنّه قد سَنَّ القوانين التي جعلته يبلغ بالطبقة العاملة حقوقها المنشودة وأنقذها من وضعها المسحوق ، إلاّ أنّنا نرى أنّ هذه الرسالة لم تتجاوز حدود الشعار; وذلك لأنّنا نشاهد بأُمّ أعيننا الطبقة

(الصفحة143)

العاملة والكادحة في الدول الصناعية المتقدّمة ـ مثل أمريكا وروسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ـ تعيش الأمرّين ، ومازالت تناضل ضدّ الاستغلال والفقر وتمدّ يد العون لإنقاذها من وضعها المزري .
بينما سبق الإمام (عليه السلام) هذه الدول وقوانينها ليحدِّد قوانين العمل وحقوق العمّال ـ قبل أكثر من ألف وثلاثمائة سنة ـ وقد أورد هذه القوانين حيّز التطبيق ، فقد أوصى مالكاً قائلاً له:
«ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ ، مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً ، وَاحْفَظْ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ ، وَقِسْماً مِنْ غَلاّتِ صَوَافِي الإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَد ، فَإِنَّ لِلأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلأَدْنَى . وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ ، فَلاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ ، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ ، فَلاتُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ .
وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ ، فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ .
وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ ، وَذَلِكَ عَلَى الْوُلاةِ ثَقِيلٌ ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَام طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ» .
قلنا: إنّ العمّال قد تمكّنوا في عالمنا المعاصر بعد تجشّم كلّ هذا العناء وتعرّضهم للضغوط من نيل بعض حقوقهم ـ من قبيل خفض ساعات العمل ، وزيادة الأُجور ، وأخذ التعويضات عند الإخراج من العمل والحصول على التأمين

(الصفحة144)

الاجتماعي ، ومن الضروري أن ندرك بأنّ هذه النتائج قد حصلت:
أوّلاً: بواسطة الجهود المضنية التي بذلتها الطبقة العاملة طيلة هذه السنوات ، بعد أن تجاهلتها السلطات المعنيّة ولم تكلّف نفسها عناء الاهتمام بتحسين أوضاعهم ، بل وقفت بوجهها وسعت لهضم حقوقها .
وثانياً: أنّ هذه القوانين الموضوعة لا تتمتّع بالسعة والشمولية وأهملت الكثير من الحالات الضرورية .
وثالثاً: ليس هناك من موقع في هذه القوانين للأفراد الطاعنين في السِنّ واليتامى ومَن لا معيل لهم والصبية العاجزين عن العمل .
بينما تضمّن عهد الإمام علي (عليه السلام):
أوّلاً: سَنّ قوانين العمل دون مطالبة الطبقة العاملة بذلك .
وثانياً: قد استوعبت كافّة الأفراد الضعفاء .
وثالثاً: ترى أنّ الدولة هي المسؤولة عن تطبيق هذه القوانين ، كما تحثّ بعض الأجهزة للتحرّي عن هؤلاء الأفراد .

مميّزات الحاكم الشعبي

من مميّزات الحاكم الشعبي أن يرى نفسه جزءاً من الأُمّة والأُمّة منه .
وعليه فهو ليس مستعدّاً لاعتماد حاجب بينه وبين الأُمّة ، بل هو فيهم و معهم كأحدهم . وهذا الأمر لا يؤدّي إلى تعاطف الأُمّة وتضامنها مع الحاكم فحسب ، بل سيحول بين العناصر الفاسدة والانتهازية وبين تشويههم سمعة عمّال الدولة لدى الأُمّة وإثارة العداء في أوساطها ضدّ الحاكم .
ومن هنا ورد تأكيده (عليه السلام) على مالك بالارتباط مباشرة مع الأُمّة وتوفير

(الصفحة145)

الأرضية اللازمة للاجتماع بهم دون أيّة تكلّفات واحترازات وفي أجواء مفعمة بالودّ وبعيدة عن الخوف والرهبة ، ليتمكّنوا من بثّ همومهم وطرح مشاكلهم دون أدنى حذر أو خيفة:
«وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ ، وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِع ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: «لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع» .
ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ ، وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَالأَنَفَ ، يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ ، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ ، وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً ، وَامْنَعْ فِي إِجْمَال وَ إِعْذَار» .
وهنا نتساءل لو دخلت هذه الوصية حيّز التطبيق لدى الحكومة ، فهل ستكون هناك من فرصة وذريعة لدى الخونة والعملاء لإشاعة الفساد والانحراف وممارسة الخيانة والرذيلة وتسريبها إلى الأُمّة والدفع بالمسؤولين لاتخاذ القرارات الجائرة بسبب ابتعادهم عن الأُمّة واكتواء الأُمّة . بمصائبها بفعل ابتعادها عن الحاكم؟

(الصفحة146)


سرّ موفّقية السلطة التنفيذية

تطرّقنا آنفاً لضرورة فصل السلطات وتوزيع الأعمال ، ونضيف هنا بأنّ سرّ نجاح القائمين على الشؤون التنفيذية إنّما يكمن في أمرين أساسيّين:
1 ـ من الواضح أنّ كبار المسؤولين لا يتمكّنون من القيام بكافّة مهامّهم ، فيضطرّون لتفويض البعض منها لمساعديهم ومستشاريهم ، وبالطبع فإنّ هنالك المهامّ التي ينبغي لهم ممارستها مباشرة بأنفسهم ، ولكي يستطيع المسؤول من ممارسة إشرافه على سير مهامّ مساعديه ، إلى جانب مباشرته لبعض الأعمال ، فإنّ عليه أن يفرّق بين الأعمال ذات الأولويّة عن تلك الثانوية غير الضرورية ـ الأعمال التي يقوى مساعدوه على القيام بهاـ فيقوم مباشرة بممارسة الأعمال ذات الأولوية على نحو السرعة والدقّة ، بينما يستعين بمساعديه في سائر الأعمال .
2 ـ ما إن يتمّ فرز الأعمال الضرورية من غيرها حتّى يعيّن لها أوقاتها ، فلا يؤجّل عمل اليوم إلى الغد:
«ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَبُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ ، وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْم عَمَلَهُ ، فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْم مَا فِيهِ» .

(الصفحة147)


تهذيب النفس أفضل مرَوِّح

إنّ تزكية النفس وتهذيبها من الأُصول التربوية الإسلاميّة ، والهدف من التزكية هو أن ينقّي الإنسان نفسه من كلّ خصلة قبيحة تحول دون سموّها وكمالها وقدرتها على نيل الخصال الحميدة النبيلة .
والإسلام يعتبر كلّ عمل مفيد بدافع التقرّب إلى الحقّ عبادة ، وعليه فإنّ كافّة أنشطة العمّال والولاة وكادر الدولة ستكون عبادة إن كانت خالصة للّه سبحانه .
والإمام (عليه السلام) وبغية إلفات نظر المسؤولين إلى أنّ كافّة أعمالهم عبادة ، والحيلولة دون الاستغراق فيها والغفلة عن الإتيان بالفرائض ، يوصي مالكاً بأفراد أفضل أوقاته للعبادة ، وأن يزيّن كافّة أعماله بالصلاة والإتيان بها كاملة غير منقوصة بكلّ كيانه ، فهي قربانه من الحقّ ووفادته عليه:
«وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ ، وَأَجْزَلَ تِلْكَ الأَقْسَامِ ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ .
وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ: إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً ، فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُوم وَ لاَ مَنْقُوص ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ . وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ ، فَلاتَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَلاَمُضَيِّعاً ، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ ، وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: صَلِّ بِهِمْ كَصَلاةِ أَضْعَفِهِمْ ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً» .
ورغم الدقّة والتشدّد في هذه العبارة البليغة «بالغاً من بدنك ما بلغ» في العبادة الفردية ، إلاّ أنّ الإمام (عليه السلام)أكّد على ضرورة رعاية ضعفاء المأمومين في صلاة

(الصفحة148)

الجماعة ، على أنّه أصل من الأُصول الإسلاميّة ، وما ذلك إلاّ لأنّ الإسلام يرى قيمة كبرى لاجتماع الناس وانتظامهم في صفّ واحد ، ومن هنا جعل الشارع أجزل الثواب على حضور الجماعة ، بغية الحيلولة دون تشتّت الأُمّة ورهبنتها .

ثمرة الشعبية ومفسدة العزلة

قلنا بأنّ الحاكم الشعبي هو مَن كان من الناس وفي الناس دون أن يحجبه حاجب عنهم . ويبيّن الإمام (عليه السلام) هنا ثمرات الحياة الشعبية وسط الأُمّة ومفاسد اعتزالهم:
«وَأَمَّا بَعْدُ فَلاتُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ، وَقِلَّةُ عِلْم بِالأُمُورِ ، وَالاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ ، فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ، وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الأُمُورِ ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ . وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقّ تُعْطِيهِ ، أَوْ فِعْل كَرِيم تُسْدِيهِ ، أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لاَمَؤونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ: مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَة ، أَوْ طَلَبِ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة» .
فقد ورد التأكيد في كلامه على أمرين:
1 ـ هناك طريقان للحصول على المعلومات: الأوّل: أن يحيط الحاكم بقضايا البلاد وأحداثها من خلال تجنيده للأجهزة السرّية والعلنية وسائر القنوات . والثاني أن يرتبط الحاكم من حين لآخر مباشرة بالأُمّة فيقف على أُمور البلاد من

(الصفحة149)

خلالها ، وبالطبع فيهم الموالي والمعادي .
أمّا الإمام (عليه السلام) فيرى الارتباط المباشر أفضل الطريقين; وذلك لأنّ الأُمّة حين تقترب من الوالي ـ وعلى ضوء الشروط التي ذكرت سابقاً بشأن الحاكم الشعبي ـ ستتحدّث عن الحقائق وتكشف النقاب عن الواقعيات ، وبهذه الطريقة سيتمكّن الحاكم من تقييم صحّة المعلومات التي وردته عن طريق الأجهزة السرّية فيقف تماماً على حقائق الاُمور .
2 ـ تتعذّر معرفة اتجاهات الحقّ من الباطل ـ ولا سيما في القضايا الاجتماعية من دون الاطّلاع على أفكار الأُمّة وذهنيّاتها ، والاقتصار على التفكير أو المعلومات الواصلة أو التوفيق بين هذين السبيلين; لأنّ الأفراد ليسوا مستعدّين لإطلاع المخبرين على كافّة الحقائق كما هي وبالشكل الذي تختلج في ضمائرهم ، بينما سيطرحونها على حقيقتها للحاكم بفعل قربهم منه وثقتهم به .

الغاية إجراء الأحكام الشرعية

الهدف من الحكومة في الإسلام هو إجراء الأحكام الشرعية ، وأنّ الحكّام هم أُمناء الأُمّة وحماة حقوقها . ومن هنا خاطب الإمام (عليه السلام) واليه على آذربيجان قائلاً: «وإنّ عملك ليس لك بطعمة ، ولكنه في عنقك أمانة وأنت مسترعى لِمَن فوقك . ليس لك أن تفتات في رعيّة»(1) .
وعلى هذا الضوء فقد تعيّنت وظيفة الحاكم إلى جانب وظيفة قرابته وبطانته . فوظيفة الحاكم ألاّ يتصوّر بأنّ الحكومة طعمة ليجني منها حطام الدنيا العفن ، بل

1 . نهج البلاغة: 366 ، الكتاب 5 .

(الصفحة150)

هدفه تطبيق أحكام الله . قرابة الحاكم أيضاً لا ينبغي أن تستغلّ الحاكم لتحقيق أغراضها ومآربها; فإن لم يرعووا وجب على الحاكم أن يجابههم بعدالته ، فيهبّ للدفاع عن حقوق المستضعفين ويجتثّ جذور المستغلّين ويوقفهم عند حدّهم:
«ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً ، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأَحْوَالِ .
وَلاَ تُقْطَعَنَّ لأَحَد مِنْ حَاشِيَتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعَةً ، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَة تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْب أَوْ عَمَل مُشْتَرَك يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» .

الجميع سواسية أمام القانون

إنّ أحد الاُسس الإسلاميّة الحيوية يكمن في المساواة بين جميع أفراد الأُمّة وأنّهم سواسية أمام القانون . وبناءً على هذا الأساس فإنّ الشارع قد أقرّ عقوبات تشمل الجميع في حالة ارتكاب الجرم بغضّ النظر عن موقعهم الاجتماعي ومدى قربهم وبعدهم عن الحاكم ، فمن يجرم ينتظر العقاب دون هوادة .
أمّا العالم المتحضّر الذي يزعم أنّ قوانينه قد طالت الجميع فلم يخرج هذا الزعم إلى الواقع ولم يكتب له النجاح على مستوى العمل . ففضيحة «واترغيت» من أبشع الجرائم التي عرفتها الدنيا برمّتها ، وقد رأينا كيف كانت اُلعوبة بيد الرئيس الأمريكي «جيرالد فورد» كما أودع «نيكسون» القضية الفلانية طيّ النسيان!!
أمّا في الإسلام فقد رأينا الحاكم الإسلامي الأعلى للدولة الإمام علي (عليه السلام) الذي سرق درعه بينما وقف عاجزاً عن أخذه حين شاهده بيد أحد الناس ، ولم تدعه قدرته وزعامته لسلبه منه ، ولم يكن أمامه من سبيل سوى الترافع إلى القاضي

(الصفحة151)

أُسوة مع أبسط أفراد الأُمّة ، وقد نهر قاضيه حين لم يعامله بمضمون قانون المرافعات ولم يسوِّ في المعاملة بينه وبين السارق ، وبذلك تتجسّد المساواة العملية التي رفعها الإسلام بشأن السيّد القرشي مع العبد الحبشي ، فقد قال (عليه السلام):
«وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، وَكُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً ، وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ» .

تدارك الاُمور

يرى الإسلام ضرورة قيام الثقة المتبادلة بين الحاكم والأُمّة ، فهو يعتقد بعدم إمكانية مواصلة المسيرة الاجتماعية الحيوية دون وجود مثل هذه الثقة . فكما يجب على الحاكم أن يثق برعيّته ويحسن الظنّ بها ، فهي الاُخرى عليها الاعتماد على الحاكم وحسن الظنّ به .
ومن هنا فإذا اشتبهت بعض الاُمور على الأُمّة أحياناً وعلى هامش حدوث العزل والنصب وإبرام العقود وما إلى ذلك ، فأوجب على الحاكم إطلاع الأُمّة وطرد ما يخالج أذهانها من الشكوك ويعتصر في أفكارها:
«وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ ، وَاعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ ، وَإِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ» .
والذي نستفيده من هذه الوصية:
1 ـ أنّ المسؤول الذي يرى نفسه ملزماً بتقديم الصورة الصحيحة للناس عن بعض الملابسات إنّما يرى في الواقع أنّ الناس متقدّمون ومتميّزون عليه ، وستؤدّي

(الصفحة152)

هذه الرؤية ـ وبعبارة اُخرى هذا النوع من التعامل مع الناس ـ إلى أن يتحلّى الوالي بملكة ضبط النفس ، الأمر الذي سيقوده إلى محاربة أهوائه وزلاّته ، إلى جانب مكافحة عثرات وشهوات الآخرين .
2 ـ إزالة الملابسات توجب تعرّف الأُمّة على الحقّ ، وبالتالي التزامها به وبالعدل وعدم التحرّج في بسطهما وإشاعتهما من قبل الأُمّة .

السلام والحياة الوادعة

لقد دعا الإسلام البشرية جمعاء إلى الصلح والسلام ، حتّى تبنّى القرآن شعاره الخالد: «الصلح خير» على أنّه من صميم الأهداف الرسالية ، كما صرّح القرآن به في قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}(1) .
كما دعا عامّة المسلمين للصلح والسلام قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(2) .
فالآيتان الكريمتان وسائر الآيات الواردة بشأن روابط المسلمين بالكفّار ، إلى جانب السيرة النبوية العطرة ، تفيد أنّ الصلح والسلام هو الركيزة الأساسية التي شيّدت عليها صروح السياسة الخارجية والداخلية للإسلام .
وبناءً على هذا فإنّ الحاكم الإسلامي مدعوّ للاستجابة للصلح والسلام ونبذ الحرب والقتال متى تقدّم العدوّ بذلك .
ولكن ينبغي هنا طرح هذا السؤال: هل يقرّ الإسلام السلام بصورة مطلقة دون قيودأو شروط، أم هناك شروط معيّنة ينبغي أن ينطوي عليهاالصلح والسلام؟


1 . سورة الأنفال ، الآية 61 .
2 . سورة البقرة ، الآية 208 .

(الصفحة153)

يجمع كافّة فقهاء الشيعة على أنّ الشرط الأساسي في الصلح أن يكون لصالح الإسلام والمسلمين ، ولا يجوز الصلح إذا كان يضرّ بالإسلام والمسلمين ، ويؤدّي بهم إلى الوهن والضعف; ولذلك قال (عليه السلام):
«وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ ولِلَّهِ فِيهِ رِضًا ، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ ، وَأَمْناً لِبِلادِكَ ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ ، وَاتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ» .
وتتّضح المعطيات التي يفرزها الصلح ـ كما وردت في كلمات الإمام (عليه السلام) ـ حيث تتمتّع القوّات المسلّحة بالهدوء والراحة في ظلّ استقرار الصلح والسلام ، كما يشعر الحاكم بالأمن والاستقرار الروحي وطرد الهموم والغموم ، فيتّجه صوب تنظيم شؤون البلاد ، والأهمّ من كلّ ذلك أنّ أفراد المجتمع يرون تحقّق آمالهم في ظلّ الأمن والسلام .
ثمّ يتطرّق الإمام (عليه السلام) إلى ضرورة عدم الخلود إلى الغفلة عن العدو بعد عقد الصلح; فالعدوّ هو العدو والذي يفكّر دائماً في القضاء على مَن يقف بوجهه . ولعلّ اقتراح الصلح وسيلة لإعادة تنظيم القوى ، وعليه لابدّ للحاكم من الحيطة والحذر وأن يدع لنفسه إساءة الظن بالعدوّ .


(الصفحة154)


الوفاء بالعهد

يعتبر الوفاء بالعهد والالتزام بالوعود من أعظم الفضائل الإنسانية من وجهة نظر الإسلام ، وقد ورد التأكيد على أنّ الوفاء بالعهد من عرى الإيمان ، وأنّ نقضه يسلب الدين والإيمان ، كما صرّح بذلك القرآن والروايات(1) .
ولا يقتصر هذا المبدأ على الروابط المحلّية بين المسلمين فحسب ، بل على المسلمين أن ينتهجوه حيال الكفّار والأجانب:
«وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً ، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً ، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً ، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ ، مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ ، وَقَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ ، فَلاتَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ ، وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلاّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ . وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ ، وَحَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ ، وَيَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ ، فَلا إِدْغَالَ وَلاَ مُدَالَسَةَ(2) وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ . وَلاَ تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ

1 . سأل أبومالك الإمام السجاد (عليه السلام) : أخبرني بجميع شرائع الدِّين ، قال: قول الحقّ ، والحكم بالعدل ، والوفاء بالعهد . الخصال: 113 ح90 ، مستدرك الوسائل: 11 / 316 ، كتاب الجهاد باب وجوب العدل ح1 .
2 . إذا كان اللفظ له معنيان والمتكلِّم يقصد المعنى الثاني ، فهذا النوع من الكلام يقال له: التورية .
إنّنا نقرأ في التاريخ عن سعيد بن جبير أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)  ، دخل مكرهاً إلى قصر الحجّاج بن يوسف الثقفي ، فسأله الحجّاج: ما تقول فيَّ؟ فقال سعيد: قاسط عادل ، فقال الحاضرون: ما أحسن ما قال! ظنّوا أنّه وصفه بالقسط والعدل ، قال الحجّاج: يا جَهَلَة سمّاني مشركاً ظالماً ، ثمّ تلا: (وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّمَ حطباً) . وقصده من كلمة «عادل» هو العدول عن الحقّ .
وفي مواضع أُخرى عندما أمر هارون الرشيد بقتل البرامكة أيّام حكومته ، حضرت لديه امرأة من البرامكة تطلب منه المساعدة ، فأمر هارون بإعطائها ، وبعد أن أخذت المال قالت لهارون الرشيد: أقرّ الله عينيك وفرّحك بما آتاك ، حكمتَ بالقسط والعدل . فسألها هارون: من أيّ قبيلة أنتِ؟ قالت: من البرامكة الذين أمرتَ بقتل رجالهم . وبعد أن انصرفت قال هارون للحاضرين: إنّ هذه المرأة كانت تقصد سوءً بكلامها ، فهي تقصد من قولها: «أقرّ» أي استقرّت عيناك وعميت ، ومن قولها: «فرّحك» أي إشارة إلى الآية النازلة بخصوص هذه الدُّنيا ، ومن قولها: «بالقسط» أي الآية (وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً)  ، ومن قولها: «والعدل» أي العدول عن الحقّ والحقيقة .
اُنظر فيض القدير شرح الجامع الصغير: 2 / 599 .

(الصفحة155)

الْعِلَلَ ، وَلاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْل بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثِقَةِ ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْر لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْر تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْر تَخَافُ تَبِعَتَهُ ، وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ ، لاَ تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لاَ آخِرَتَكَ» .
وهذا هو الاُسلوب الذي سار عليه الأنبياء (عليهم السلام) ، فقد ورد عن الصادق (عليه السلام)بشأن إسماعيل (عليه السلام) بأنّه وعد شخصاً خارج مكّة في منطقة يقال لها: «صفاح» فأقام فيها مدّة ولم يحضر ذلك الشخص ، فطلبه أهل مكّة فلم يجدوه ، حتّى مرّ به رجل فقال له: يا نبيّ الله ، ضعفنا بعدك وهلكنا . فقال (عليه السلام): لقد وعدت فلاناً فلن أبرح حتّى يأتي ، فانطلق إليه الناس وقالوا له: يا عدوّ الله ، وعدتَ نبي الله فأخلفته؟ فانطلق إلى إسماعيل (عليه السلام) وقال: يا نبيّ الله لقد نسيت ميعادك . ثمّ قال الصادق (عليه السلام): ولذلك وصفه الله في كتابه أنّه {صَادِقَ الْوَعْدِ}(1) ،(2) .
ثمّ قال الصادق (عليه السلام) بشأن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنّه وعد رجلاً إلى صخرة فقال: أنا لك هاهنا حتّى تأتي قال: فاشتدّت الشمس عليه فقال له أصحابه: يارسول الله (صلى الله عليه وآله)

1 . سورة مريم ، الآية 54 .
2 . بحار الأنوار: 13 / 390 ح5 .

(الصفحة156)

لو أنّك تحوّلت إلى الظلّ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) قد وعدته إلى هاهنا وإن لم يجئ كان منه المحشر(1) .
ونفهم من هذه الروايات وسائر الأخبار ـ التي وردت عن الأئمّة (عليهم السلام)بخصوص العهد ـ أنّ نقضه يستلزم عواقب وخيمة مدمّرة; لأنّ الإنسان مدني بالطبع ـ كما يصفه الفلاسفةـ وهو دائم البحث عن مدّ الجسور وإقامة العلاقات مع الآخرين ، وأنّ مثل هذه الحياة الاجتماعية تقتضي التزام كلّ فرد بتعهّداته ووعوده ونبذ كافّة العوامل ـ والتي أوجزها الإمام (عليه السلام) بالإدغال والمدالسة والخداع ـ التي من شأنها نقض العهود والإخلال بالوعود ، وإلاّ تصدّع النظام الاجتماعي برمّته .
وهذا هو الذي دفع برجال القانون والحقوق لأن يفردوا عدّة مباحث لموضوع «المعاهدات» حيث يرون ضرورة ربط العلاقات الدولية بهذه المعاهدات ، بهدف إشاعة الأجواء السلمية والتفاهم بين الدول والشعوب; وعلى هذا الأساس أبرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)المعاهدات مع المشركين ونصارى نجران وسائر أهل الكتاب والقبائل العربية في الجزيرة .


1 . بحار الأنوار: 16 / 239 ح24 .

(الصفحة157)


انهيار الحكومة بسفك الدماء

لا يؤمن الإسلام على غرار حكومات الشرق والغرب بتشييد صرح الدولة على إراقة الدماء وسفكها ، ويرى أنّ سفك الدم يشكّل اللبنة الأساسيّة في تآكل الحكومة وانتقالها إلى الآخرين .
والنظرة الإسلاميّة إنّما تستند إلى الإيمان الراسخ بكرامة الإنسان ، بل أبعد من ذلك أنّ الإسلام يرى قتل الفرد بمثابة قتل البشرية برمّتها ، وإحياء الفرد إحياءً لكافّة الإنسانية . فقد صرّح القرآن بهذا الخصوص قائلاً:
{مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}(1) .
ويبدو أنّ السرّ في ذلك هو أنّ الإنسان إذا استعدّ لقتل أحد دونما سبب فقد خالف في ذلك أصل ظهور الإنسان والإنسانية وأنّه لا يرى لهذا الكائن من وجود على سطح الأرض ، فليس هنالك من فارق بين قتل زيد و عمرو ، فمن يُقدم عبثاً على قتل زيد لا يتحفّظ عن قتل عمرو ، ولو استطاع لأهلك كلَّ مَن على الأرض .
وقد تبلور هذا الأمر في كلام القرآن الناطق الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)حيث قال:
«إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَة ، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة ، وَ لاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة ، وَانْقِطَاعِ مُدَّة ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،

1 . سورة المائدة ، الآية 32 .

(الصفحة158)

فَلاتُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ ، بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ . وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ; لأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ ، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً ، فَلاتَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ» .
ويتّضح من كلامه (عليه السلام) أمران رئيسيّان:
1 ـ يرى الإمام (عليه السلام) أنّ أكبر أثر وضعي لسفك الدماء بغير حقّ هو انهيار الحكومات وزوالها ، وأفضل دليل على ما أورده الإمام (عليه السلام) ما لمسته الأُمّة الإيرانية المسلمة من انهيار حكومة الاُسرة الشاهنشاهية ـ الملكيّة ـ المقبورة إثر الدماء الطاهرة التي أراقتها ، فلم تظفر إلاّ باللعنات التي تطاردها صباح مساء وفي الآخرة عذاب أليم .
2 ـ لا يرى أدعياء حقوق الإنسان شرعية القصاص الذي وصفه القرآن(1)بأنّه الوسيلة الضرورية لحفظ الحياة الإنسانية وصونها من الاقتتال ، ويرونه يتناقض مع هذه الحقوق ، الأمر الذي جعلهم يعزفون ليلاً و نهاراً على وتر انتهاك إيران الإسلام لحقوق الإنسان .
إلاّ أنّ السؤال الذي ينبغي طرحه هنا: ما هذه الحقوق التي يتحدّث عنها هؤلاء؟ ومَن هو الإنسان المعنيّ بهذه الحقوق؟ فهل يستحقّ إسم الإنسان من يشهر سلاحه في وضح النهار ليفتك بالأطفال والشيوخ ويحرق الأخضر واليابس؟ وهل هناك من حقوق لمن يزرع القنابل في الأزقّة والأسواق والطرقات ويفجِّر منشآت نقل الركّاب فيودي بحياة النساء والأطفال ويحيل أجسادهم رماداً؟


1 . (وَلَكُمْ فِى الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِى اْلأَلْبابِ) سورة البقرة، الآية 179 .

(الصفحة159)

فهل نعتبر مَن يقوم بهذه الجرائم البشعة والجنايات القذرة ، إنساناً ، ولو اعتبرناه إنساناً ذا حقوق فما بالك بحقوق أولئك الأفراد الذين يمزّق أجسادهم بقنابل غدره؟ فإذا كان الاقتصاص من القاتل الذي يؤدّي بحياة العشرات من الأبرياء وتطهير المجتمع من دنسه يعدّ عملاً وحشياً وغير إنساني ، فهل من تبرير وتوجيه لقتل الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا يعرفون حتّى قاتلهم وهدفه من ذلك القتل؟ أليست هذه الأفعال الشنيعة والجرائم البشعة تتناقض والإنسانية؟ أفلا يتمتّع ضحايا هؤلاء المجرمين بقيمة وحقوق إنسانية معتبرة ، وليست هناك من حقوق سوى لذلك القاتل أقرّتها له الدول الكبرى؟ وهل للحكومة الإسلاميّة أن تستجيب لهذه الحقوق المضحكة والتي تدعو للسخرية فتحترم حقوق القتلة وتسهر على توفير الدعم لهم وتولّي ظهرها للضحايا الأبرياء؟
وهذه هي الخزعبلات التي كانت تضطرّ الشهيد المظلوم الدكتور السيّد البهشتي لعقد المؤتمرات والندوات للردّ على الشكوك والشبهات التي تثار بشأن القصاص .
وعوداً على بدء فإنّ الإمام علي (عليه السلام) واستلهاماً من القرآن أكّد على ضرورة اعتماد القصاص حتّى بالنسبة لأقرب مقرّبيه من قبيل مالك الأشتر .

علاج مرض العجب

تعرّضنا سابقاً إلى أنّ أحد الأمراض الأخلاقية ـ التي قد تجد طريقها إلى مسؤولي الدولة ـ يكمن في العجب والاغترار بالنفس . ونحاول أن نطرح أسلوب علاج هذا المرض من وجهة النظر الفلسفية:
إنّ أحد المباحث المهمّة التي تثيرها الفلسفة مبحث رابطة ممكن الوجود

(الصفحة160)

بواجب الوجود ، والمراد بممكن الوجود الإنسان وكافّة ظواهر العالم التي يتساوى وجودها وعدمها ، أمّا واجب الوجود فهوالله سبحانه الغني بالذات .
وهناك جوابان بشأن الرابطة بين واجب الوجود وممكن الوجود ، ويمكن القول بنظرة سطحية عابرة: أنّ الإنسان وسائر الكائنات عبارة عن «شيء له الربط» وهو محتاج قد اكتسب وجوده من واجب الوجود ، والأعمق من ذلك ما أورده الفيلسوف المعروف صدر المتألّهين حيث قال: رابطة ممكن الوجود بواجب الوجود هي أنّ ممكن الوجود ليس شيء له الربط ، بل «هو عين الربط»(1) .
فإذا كانت هذه هي رابطة الإنسان بخالقه ، فأنّى له بالعجب والاغترار بذاته ، وهو يسمع القرآن يهتف به آناء الليل والنهار: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ}(2) ويقرّ بأنّ «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه»؟(3) .
إذن فأفضل علاج للاستكبار أن يضع نصب عينيه رابطته باللّه ، ويقف على مدى فقره وحاجته أمام الذات الغنية المطلقة ليرى هل العجب إلاّ شعور بالبلاهة والحماقة! ثمّ ألم يقل الحقّ: «الكبرياء ردائي»؟(4) أو ليس المتكبِّر يرى نفسه بمصافّ الله؟ أو ليس هذا من الشرك الخفي؟ ولذلك يحذّر الإمام (عليه السلام) مالكاً من العواقب المشؤومة التي يخلّفها العجب والتكبّر:
«وَإِيَّاكَ وَالإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَحُبَّ الإِطْرَاءِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ ،

1 . الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة: 1 / 327 ـ 331 .
2 . سورة فاطر ، الآية 15 .
3 . الكافي: 2 / 425 و521 و523 و525 و530 و . . .
4 . المسند لابن حنبل: 3 / 315 ح8903 وص390 ح9370، النهاية في غريب الحديث: 1/44، الترغيب والترهيب: 3 / 563 ح41،بحار الأنوار:1/152 وج49/13 ، وج73/192 و195 و210 وج 87 / 302.

(الصفحة161)

وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الإِحْسَانَ ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ ، وَالْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لاتَفْعَلُونَ} (1)» .
فما إن يفرغ الإمام (عليه السلام) من تصوير بشاعة الاستكبار حتّى يتعرّض إلى ثلاثة مواضيع:
* الأوّل: المِنّة
لقد أدانت التعاليم الإسلاميّة «المنّة» كيفما كانت ، سواء منّة الناس على بعضهم البعض أو منّة الدولة على الأُمّة; وذلك لأنّه:
أوّلاً: أنّ الإنفاق والصدقة ـ وبعبارة اُخرى مساعدة الآخرين ـ إنّما تهدف إلى انتشال الفقراء والمعوزين من ضائقتهم المادّية والتحفيف من توتّراتهم الروحية من خلال تلبية حاجاتهم المعيشيّة ، فإذا استبطنت المنّة هذا الإنفاق والصدقة فإنّها سوف لن تقضي على الهدف المذكور فحسب ، بل ستسدّد ضربة موجعة لروح الفقراء والمحتاجين .
وثانياً: ما تقدّمه الدولة من خدمات للاُمّة إنّما يمثِّل وظيفة لايمكن المنّة بها على أحد .
وثالثاً: أنّ الإنفاق والبذل لابدّ أن يكتسب صبغة ربّانية ، أمّا المنّة فهي تفيد أنّ العمل مجرّد من تلك الصبغة .
ورابعاً: لم يمنّ الله على عباده رغم إغداقه لكافّة النِّعم سوى نعمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)والإسلام ، فلو منّ أحد على آخر إثر إحسان أسداه إليه فإنّ ذلك يفيد أنّه يرى

1 . سورة الصفّ ، الآية 3 .

(الصفحة162)

استقلاليه لنفسه وأنّ النعمة صادرة منه ، والحال أنّنا نقرّ بأنّ مالك الكون كلّه هو الله: «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» وهو منه: {إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(1) .
* الثاني: خُلف الوعد
يرى الإسلام أنّ خلف الوعد بحكم التنصّل من الدين والإيمان . وقد قال القرآن بهذا الشأن: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} وبالمقابل فإنّ الوفاء بالعهد من علامات الإيمان والالتزام بالتعاليم الإسلاميّة . فإذا وعد المسؤول الأُمّة وعداً ونقضه ، فإنّ ضرر ذلك سيصيب الدولة إلى جانب مؤاخذته من الله .
وعليه فالأفضل أن يعد المسؤولون الاُمّة بما يستطيعوا الوفاء به والتحفّظ عن سائر الوعود والعهود .
* الثالث: المبالغة
تتمتّع الحقيقة وكلّ ما يمتّ لها بصلة بنور خاصّ ، ولذلك فإنّ الفرد الذي يكذب ـ على سبيل المثال ـ يعيش العذاب في أعماقه وضميره ويغطّ في ظلمات قاتمة ، بينما يفيض الصادق نوراً وإشراقاً .
وعلى هذا الأساس فإنّ قول ما يمكن تحقّقه لا ينفّر الناس ، بل يشدّهم ما يشاهدونه من نور إلى الحقيقة ، وعليه فلا يليق بالدولة الإسلاميّة أن تبالغ لدى الأُمّة بشأن الأعمال التي قامت بها; لأنّ الأُمّة تعشق الحقيقة حين تلمس الأشياء حسب واقعها ، بينما تعتبر المسؤولين حفنة من الخونة وعديمي الإيمان بالمبادئ الإسلاميّة إذا شعروا بالمبالغة وتضخيم الاُمور .


1 . سورة البقرة ، الآية 156 .

(الصفحة163)


القرار الناجح

يكمن سرّ الانتصار في اتّخاذ المسؤولين للقرارات الحاسمة ، فإذا اتّخذ المسؤول قراره الحاكم بوقته كان ناجحاً ، وإلاّ كان فاشلاً متخبّطاً .
وبناءاً على ذلك فإنّ المسؤول ينبغي أن يتحرّك بادئ ذي بدء استناداً إلى هدف معيّن واضح ، فإذا توفّرت الظروف اللازمة اتّخذ قراره دون تردّد أو إبطاء ، وبالطبع فإنّ القرار إنّما يكون قاطعاً صائباً إذا اتّخذ في الوقت المناسب إلى جانب توفّر الشروط المذكورة: «وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا ، أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا ، أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ ، وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْر مَوْقِعَهُ» .
ويمكننا أن نقف على عمق أهمّية الوقت فيما لو تأمّلنا الصلوات الخمس اليومية ، بحيث يُضحّى بأغلب الشرائط من أجل الوقت ، فعلى سبيل المثال لو تعذر الماء أمكن التيمّم للصلاة ولكن في وقت الصلاة لا خارجه ، وهكذا ضرورة الالتفات لمسألة الوقت في سائر العبادات ، كالحجّ الذي يجب أن تُؤدّى مناسكه في أوقات معيّنة ، والصوم في شهر رمضان . وكلّ هذه المقرّرات الشرعية إنّما تفيد أهمّية الوقت وعمق الأضرار التي يخلّفها عدم الالتفات إليه ، وقد قال الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام): . . . . فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، وإنّما تنالها في أوانها ، واعلم أنّ المدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع اُمورك يصلح حالك ، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويخشاك القنوط ، واعلم . . .(1) .


1 . أعلام الدين: 313 ، بحار الأنوار: 78 / 378 ح4 .

(الصفحة164)


ذكر الآخرة يقمع هوى النفس

لا شكّ أنّ الآخرة ثمرة مزرعة الدنيا وحصيلة جهودها ، وفيها تتجلّى الخصال والسلوكية الإنسانية ، وعلى الحاكم ـ وكلّ إنسان ـ أن يقمع أهواءه وطغيان غرائزه من خلال التفكير بالآخرة والحركة باتّجاه الإسلام والقرآن:
«وَإِيَّاكَ وَالاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ ، وَعَمَّا قَلِيل تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الأُمُورِ ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ ، امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ ، وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ ، وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاخْتِيَارَ ، وَلَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ» .

والذي نستفيده من كلامه (عليه السلام) ما يلي
1 ـ أنّ الاستبداد يتسلّل إلى الحاكم أسرع من سائر الأفراد العاديين ، وبالاستناد لما يمتلكه من إمكانات فليست هنالك من قوّة يمكنها الوقوف بوجه ذلك الاستبداد سوى قوّة الورع والتقوى ، وعليه فالحاكم مطالَب أكثر من غيره من الأفراد بالتحلّي بالتقوى .
2 ـ ما كان للناس يجب توزيعه بالسوية عليهم ، وليس للحاكم أن ينفرد بالأموال العامّة ، أو يخصّ بها ثلّة معيّنة من الناس; فإن فعل الحاكم مثل ذلك كان عمله ظلماً وسيدفع ثمنه باهضاً في محكمة العدل الإلهي .
3 ـ يُعدّ احترام الرأي العام من الوظائف الخاصّة للحاكم الشعبي .


(الصفحة165)

فلو كانت هناك بعض المخالفات والمفاسد الأخلاقية والإدارية التي ترتكب بمرأى من الأُمّة ثمّ تجاهلها الحاكم ولم يُقدم على علاجها فإنّ هناك عواقب وخيمة وأليمة تتربّص بالنظام والبلاد .
4 ـ لمّا كانت الأُمّة تتطلّع إلى الحاكم وترى فيه تحقّق آمالها وطموحاتها فإنّها لا تطيق غضب الحاكم وتذمّره ، وعليه يجب على المسؤولين أن يعاملوا الأُمّة على ضوء السلوكية الإسلاميّة الإنسانية ، بغية عدم جرح مشاعر الأُمّة وتعكير صفوحياتها .

الاعتبار والحركة على ضوء القرآن والسنّة

ذكرنا سابقاً أنّ القرآن والسنّة يشكِّلان مصدري كافّة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها ، ولابدّ أن يستند الحاكم إلى القرآن والسنّة في كافّة خطواته ، ولا يقبل منه تجاوزهما وإلاّ فهو معزول تلقائيا إن لم يلتزم بهما .
ولذلك يوصي الإمام (عليه السلام) مالكاً بالاعتبار بالماضين بعد اعتماد القرآن وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) في حركته ومسيرته:
«وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَة عَادِلَة أَوْ سُنَّة فَاضِلَة أَوْ أَثَر عَنْ نَبِيِّنَا (صلى الله عليه وآله) أَوْ فَرِيضَة فِي كِتَابِ اللَّهِ فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا ، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا ، وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا» .
ونفهم ممّا قاله (عليه السلام) أولاً: أنّ معرفة القضايا الإسلاميّة وفسح المجال أمام إجراء الأحكام الشرعية يُعدّ أعظم حجّة إلهيّة ، ولا يمكن التذرّع ببعض الذرائع الواهية بالنظر إلى تلك الحجّة عن إجراء أحكام الله; ولذلك قال زعيم الثورة الإسلاميّة

(الصفحة166)

المباركة الإمام الخميني (رضي الله عنه) في لقائه لعدد من علماء الدين: «لقد تمّت الحجّة اليوم ، ولم تعد هناك من ذريعة لعلماء الإسلام للتقاعس عن العمل وبذل الجهود من أجل إجراء الأحكام الشرعية» .
وثانياً: أنّ الجهود التي يبذلها المسؤولون بغية إجراء الأحكام الشرعية ، لاينبغي أن تصدّهم عن كبح أهوائهم النفسية وأداء عباداتهم الفردية ، بل هم موظفون بالسعي إلى تحكيم اُسس النظام إلى جانب التحلّي بالورع والتقوى وعدم الغفلة عن الإتيان بالفرائض الدينية .

الشهادة ، العاقبة

إنّ الشهادة في سبيل الله وإقامة الحكومة الإسلاميّة لإجراء الأحكام الشرعية تُعدّ نعمة إلهية عظمى للإنسان المؤمن; فالشهادة هي خاتمة مطاف الإنسان وقمّة سموّه . ولذلك يختتم الإمام (عليه السلام) عهده بالدعاء له ولواليه بالشهادة:
«وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَة ، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ ، وَجَمِيلِ الأَثَرِ فِي الْبِلادِ ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ ، وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ ، وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ ، إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ، وَالسَّلامُ» .

مصادر الكتاب

 


(الصفحة167)






(الصفحة168)





مصادر الكتاب
القرآن الكريم
1ـ إحياء علوم الدين، لأبي حامد محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي (450 ـ 505) دار الكتاب الإسلاميّة.
2 ـ الاستيعاب، لأبي عمر يوسف بن عبدالله بن محمّد بن عبد البرّ النمري الأندلسي القرطبي(368 ـ 463) دار الأعلام، الاُردن، الطبعة الاُولى، 1423هـ .
3 ـ أعلام الدين، للشيخ حسن بن أبي الحسن الديلمي (من أعلام القرن الثامن) مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) ، قم، الطبعة الثانية، 1414هـ .
4 ـ بامداد اسلام، دكتر عبد الحسين زرّين كوب، انتشارات امير كبير.
5 ـ بحار الأنوار، للعلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037ـ 1110) الطبعة الثالثة، 110 مجلّد، المكتبة الإسلاميّة.
6 ـ تاريخ الطبري (تاريخ الاُمم والملوك) لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (م310) دار الكتب العلميّة بيروت.
7 ـ تاريخ عرب، لفيليب خليل متّى، ترجمة ابو القاسم پاينده، انتشارات آگاه.
8 ـ تاريخ علم ، جورج سارتون، ترجمة احمد آرام، انتشارات فرانكلين.
9 ـ تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، المعروف باليعقوبي (م284) دار صادر، بيروت.
10 ـ تحرير الوسيلة، للسيّد روح الله الموسوي الخميني (م1409) نشر دار الكتب العلميّة، إسماعيليان، قم.
11 ـ تحف العقول، للشيخ أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (من أعلام القرن الرابع)، الطبعة السابعة، مؤسّسة النشر الإسلامي.
12 ـ ترجمة مقدّمة ابن خلدون، محمّد پروين گنابادي، شركت انتشارات علمى وفرهنگى.
13 ـ الترغيب والترهيب، لعبد العظيم بن عبد القوي بن عبدالله بن سلامة بن سعد المنذري (581 ـ 656) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1388هـ .
14 ـ الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، لصدر الدين الشيرازي، المعروف بملاّ صدرا (م1050) منشورات مصطفوي.
15 ـ الخصال، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م381) تصحيح علي أكبر غفّاري، نشر جماعة المدرّسين، قم.
16 ـ دعائم الإسلام، لأبي حنيفة النعمان بن محمّدبن منصوربن أحمدبن حيّون التميمي المغربي (م363) تحقيق آصف بن علي أصغر فيض، دار المعارف بمصر، القاهرة.
17 ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي (م656) تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، 20 مجلّد، دار إحياء الكتب العربية، مصر، الطبعة الاُولى، 1378.
18 ـ صريح السنّة، لمحمّد بن جرير الطبري (م310) تحقيق بدر يوسف المعتوق، الطبعة الاُولى، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت.
19 ـ عدّة الاُصول، لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) مطبعة ستارة، قم، الطبعة الاُولى، 1417هـ .
20 ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير، لعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري (954 ـ 1031) دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1391هـ .
21 ـ قاموس الرجال ، للشيخ محمّد تقي التستري، الطبعة الثانية، مؤسّسة النشر الإسلامي.
22 ـ الكافي، للشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م329)، تحقيق علي أكبر غفّاري، 8 مجلّدات، الطبعة الثالثة، نشر دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
23 ـ الكنى والألقاب، للشيخ عبّاس القمّي (م359) تقديم محمّد هادي الأميني، ثلاث مجلّدات، إيران.
24 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (735 ـ م807)، بتحرير العراقي وابن حجر، دار الكتب العلميّة.
25 ـ مستدرك الوسائل ، للميرزا حسين النوري الطبرسي (م1320) مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) .
26 ـ المسند، لأبي عبدالله أحمدبن محمّدبن حنبل بن هلال الشيباني (164 ـ 241) دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414هـ .
27 ـ مصباح الشريعة، المنسوب للإمام أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) (م148) الطبعة الاُولى، نشر مؤسّسة الأعلمي، بيروت.
28 ـ المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمّد، المعروف بالراغب الإصفهاني (م502) تحقيق محمّد سيّد كيلاني، دار المعرفة، بيروت.
29 ـ مقدّمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضرمي المغربي (م808) الطبعة الرابعة، 8 مجلّدات، نشر مؤسّسة الأعلمي، بيروت.
30 ـ المكاسب، للشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214ـ 1281هـ) تراث الشيخ الأعظم، قم، الطبعة الاُولى، 1415 ـ 1420هـ .
31 ـ منهاج الصالحين، للسيّد أبي القاسم الموسوي الخوئي (م1413) مجلّدان، الطبعة الثامنة والعشرون، نشر مدينة العلم، قم، 1410هـ .
32 ـ الميزان في تفسير القرآن، للسيّد محمّد حسين الطباطبائي (م1402)، 20 مجلّد، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم.
33 ـ نهاية الإرب في فنون الأدب، لأحمدبن عبد الوهّاب بن أحمدبن عبدالوهاب بن عبادة البكري النويري (677 ـ 732) وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة.
34 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، المبارك بن محمّد بن محمّد بن عبد الكريم بن عبدالواحد الشيباني الجزري (544 ـ 606) دار الفكر، بيروت.
35 ـ نهج البلاغة، للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، الدكتور صبحي الصالح، منشورات دار الهجرة.
36 ـ وسائل الشيعة، للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م1104)، الطبعة الثانية، 30 مجلّد، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) .
<<التالي الفهرس السابق>>