في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



الصفحة 41

فيها(1) . والظاهر أ نّ قوله (عليه السلام)  : «فليصم» ناظر إلى الجواز والمشروعيّة ، ويكون الأمر في مقام توهّم الحظر ، لكن يرد عليها أ نّ لازمها الإطلاق بالإضافة إلى قبل الزوال وبعده ، كما أ نّه وقع ارتفاع النهار مورداً في الرواية المتقدّمة ، مع أ نّ الإمام (عليه السلام) فرض له صورتين . وعليه : فاللازم تقييد هذه الرواية بما ورد في تلك الرواية . وإن قلنا : إنّ قوله (عليه السلام)  : «بعد ما ارتفع النهار» شامل لما قبل الزوال ، فاللازم الالتزام بالاحتمال الثالث الراجع إلى الأجر والفضيلة ; لضرورة أ نّه لو كانت النيّة قبل الزوال فلا إشكال في الصحّة بالإضافة إلى جميع أجزاء النهار .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أ نّ الترجيح مع الاحتمال الثالث المذكور .

ومنها : مرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر ، أيجوز له أن يجعله قضاءً من شهر رمضان؟ قال : نعم(2) .

وقد وقع توجيه الرواية لئلاّ تكون مخالفة للمشهور بأحد وجهين كلاهما مخالف للظاهر جدّاً :

أحدهما : أ نّ تأخير النيّة إلى العصر لأجل عدم الأكل الذي يكون المراد به عدم الإتيان بشيء من المفطرات أكلاً أو شرباً أو غيرهما ، والمراد بالعصر هو وقت صلاة العصر الداخل بالزوال، لما في الروايات الكثيرة من أ نّه «إذا زالت الشمس



(1) تهذيب الأحكام 4 : 187 ح 524 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 10 كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 3 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 188 ح 529 و ص 315 ح 956 ، الاستبصار 2 : 118 ح 385 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 12 كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 9 .


الصفحة 42

فقد دخل وقت الصلاتين»(1) .

ويرد عليه : أ نّ ظاهر المشهور لزوم تحقّق النيّة قبل الزوال ، وهو لا يتحقّق إذا كان مقارناً له فضلاً عمّا إذا كان متأخّراً عنه ، كما هو كذلك لا محالة في هذا التوجيه ، خصوصاً بعد اختصاص أوّل الزوال بصلاة الظهر، كما قرّر في محلّه ، فهذا التوجيه خلاف الظاهر .

ثانيهما : أن يقال بأ نّ مورد السؤال صورة تحقّق أصل نيّة الصوم من طلوع الفجر ، ومحطّ السؤال جعله بعنوان القضاء بعد العصر ، فمراد الرواية الحكم بالجواز في هذه الصورة ، وهي غير ما نحن فيه من السؤال عن وقت نية الصوم ومتى تكون ؟

ويرد عليه ـ مضافاً إلى كونه خلاف ظاهر السؤال على ما هو المتفاهم منه عند العرف ـ : أ نّ حمل الرواية على ذلك لا يجدي للمشهور شيئاً ; لأ نّهم قائلون بلزوم النيّة مع جميع خصوصيّاتها قبل الزوال ، خصوصاً على ما ذكرنا من أ نّ عنوان القضائية من العناوين المنوعة ، وليس مثل عنوان النذر الذي يوجب أن يكون الوفاء به واجباً ولا يوجب تبدّل الحكم في المنذور بوجه ، كما عرفت .

فالإنصاف أ نّ شيئاً من التوجيهين ليس بوجيه وإن حكيا عن الشيخ وبعض الأصحاب (2) ، فلا مجال لهما أصلاً ، لكنّ الرواية مرسلة غير معتبرة .

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا من الروايات أ نّ الرواية الوحيدة الدالّة على القول المشهور ـ وهو الامتداد اختياراً إلى الزوال فقط ـ هي موثقة عمّار الساباطي



(1) وسائل الشيعة 4: 125 ـ 131، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب 4 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 13 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصسوم ونيّته ب2 ذح9 .


الصفحة 43

المتقدّمة ، وفي مقابلها جملة من الروايات الدالّة على الامتداد إلى الغروب كذلك، كما اختاره ابن الجنيد(1); وإن كانت بعضها مرسلة غير معتبرة، وإن كان مرسلها البزنطي، كما حقّقناه في محلّه ، لكن فيها روايتان صحيحتان أيضاً وإن وقع توجيههما بما لا يخالف المشهور ، ولكن قد عرفت عدم تماميّة التوجيه وكونه مخالفاً للظاهر .

والبحث هنا في أ نّه مع قطع النظر عن الشهرة استناداً وإعراضاً ـ حيث إنّ الأوّل أوّل المرجّحات ، والثاني موجب للسقوط وعدم الاعتبار ـ هل يكون هناك جمع دلاليّ مخرج للروايات عن التعارض ; لأ نّ مورد الأخبار العلاجيّة التعارض العقلائي والاختلاف العرفي ، أو لا يكون في البين جمع بين الطرفين موجب للخروج عن الحديثين المختلفين؟ ظاهر صاحب الجواهر (قدس سره) (2)الأوّل ،وتبعه سيد المستمسك(3)، بل عبّر بقوله : لا ريب فيه ، نظراً إلى أ نّ قوله (عليه السلام) في الموثّقة بالإضافة إلى ما بعد الزوال : «وإن كان نوى الإفطار فليفطر» وإن كانت جملة خبريّة في مقام الإنشاء ، كقوله: يغتسل ويعيد ويتوضّأ وأمثالها ، إلاّ أ نّها لا تتجاوز عن كون الدلالة بالظهور وإن كان ظهور الجملة الخبرية في الوجوب أقوى من ظهور صيغة إفعل ومثلها .

فهذه الجملة في الموثّقة ظاهرة في وجوب الإفطار ، لكنّها لا تبلغ في الظهور مرتبة الصحيحتين(4) الدالّتين على الامتداد إلى الغروب وعدم الاختصاص بما قبل الزوال ، فهاتان الروايتان في الدلالة على عدم الوجوب أظهر ، بل هما قرينتان على



(1) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 238 ـ 239 مسألة 9 .
(2) جواهر الكلام 16 : 195 ـ 196 .
(3) مستمسك العروة 8 : 217 .
(4) وهما صحيحتا ابن الحجاج وابن هشام المتقدّمتان .


الصفحة 44

كون المراد من قوله (عليه السلام)  : «فليفطر» هو استحباب الإفطار ; لفرض كون نيّة الإفطار التي يكون المراد بها عدم نيّة الصوم ; ضرورة أ نّ الصوم يحتاج إلى النيّة ، وأمّا الإفطار فلا حاجة فيه إلى نيّة الإفطار بعد الزوال .

هذا ، ولكنّ الظاهر خلاف ذلك وأ نّه لا يمكن الجمع الدلالي بين الطرفين ، وذلك لأ نّ حمل قوله (عليه السلام) في الموثقة : «فليفطر» على استحباب الإفطار غير المنافي للصحّة في صورة نيّة الصّوم ينافي السؤال الأخير في ذيل الرواية ، حيث إنّه لابدّ في توجيه السؤال ـ بعد بيان الإمام (عليه السلام) لحكم كلتا الصورتين قبل الزوال : نيّة الصوم ونيّة الإفطار التي مفادها ما عرفت ـ أن يقال : لعلّ السائل قد اختلج في ذهنه إلى أنّ مراده (عليه السلام) من قوله : «فليفطر» هو بيان الحكم التكليفي غير المنافي للصحة من جهة الحكم الوضعي ، فلذا سئل عنه مباشرة وأ نّه هل يستقيم الصوم فيما إذا لم ينوه قبل الزوال بل نواه بعده؟ والجواب بقوله (عليه السلام) : «لا» صريح في عدم الاستقامة وعدم الصحّة، وإلاّ فلا وجه لهذا السؤال بعد تعرّض الإمام (عليه السلام) لحكم فرضي المسألة ، فتأمّل جيّداً .

فانقدح أ نّه مع قطع النظر عن الشهرة لا يكون هناك جمع دلاليّ ، بل اللازم ترجيح الموثقة لاستناد المشهور إليها ، وكون الشهرة أوّل المرجّحات على ما حقّقناه في محلّه .

القسم الثالث : المندوب ، وقد وقع فيه الاختلاف في الامتداد الاختياري وأ نّه حتى الزوال أو إلى المغرب ، والظاهر عدم تحقّق الشهرة في المسألة بالإضافةإلى أحد القولين ، بل وقع الخلاف في أ نّ الشهرة هل توافق القول الأوّل، كما يظهرمن عبارة المحقّق صاحب الشرائع (1) ، أو توافق القول الثاني، كما يظهر من



(1) شرائع الإسلام 1 : 187 .


الصفحة 45

غيرها (1) ، وبالنتيجة لابدّ من ملاحظة الروايات ; لعدم ثبوت شهرة محقّقة لما عرفت من الاختلاف فيما نسب إلى المشهور . فنقول :

منها : صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شيء وإلاّ صمت ؟ فإن كان عندهم شيء أتوه به وإلاّ صام(2). وكلمة «كان» ظاهرة في تعدّد هذا الجريان واستمراره، لا وقوعه مرّة أو مرّتين ، وحينئذ فمقتضى الإطلاق بناءً على عدم وقوع التقييد بقبل الزوال الشمول لما بعده أيضاً ، كما أ نّه لو فرض جريان العادة على أكل الطعام بعد الزوال ـ كما في هذه الأزمنة والأمكنة ـ يكون مقتضى الرواية الجواز بعد الزّوال ، كما أ نّ ظاهر السياق الاختصاص بالصوم المندوب وعدم اقتضاء الإطلاق للشمول للواجب ، أمّا الواجب المعيّن فواضح . وأمّا الواجب غير المعيّن; فلأ نّه ـ مضافاً إلى بعده في نفسه ـ يكون مقتضى إطلاق الرواية الشمول للمندوب أيضاً ، بل هو القدر المتيقّن منها .

ومنها : موثقة أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة ؟ قال : هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتى العصر ثمّ بدا له أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء(3) . ودلالتها على الصحّة في مفروض هذا القسم بلحاظ الفقرة الثانية الواقعة فيها واضحة ; لدلالتها



(1) مستمسك العروة 8 : 217 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 188 / 531 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 12 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته  ب 2 ح 7 .
(3) الكافي 4 : 122 ح 2 ، الفقيه 2 : 55 ح 242 وص 97 ح 435 ، المقنع : 201 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 14 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 3 ح 1 .


الصفحة 46

على جواز نيّة صوم التطوّع بعد العصر وبعد الزوال .

ومنها : صحيحة محمد بن قيس المتقدّمة(1) في القسم الثاني ، ومقتضى إطلاقها كما عرفت عدم الفرق بين ما قبل الزوال وما بعده ، كما أ نّ مقتضى إطلاقها الشمول للصوم المندوب أيضاً ، كما لا يخفى .

ومنها : رواية جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال في الذي يقضي شهر رمضان : إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار(2) .

وفي مقابلها رواية ابن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثمّ أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار ؟ قال : يصوم إن شاء ، وهو بالخيار إلى نصف النهار(3) . وفي سندها أبو عبدالله الرازي الذي ضعّفه جماعة ، كالصدوق وشيخه ابن الوليد وغيرهما (4).

ولا يخفى أ نّه في الوسائل نقل قبل هذه الرواية موثقة ابن بكير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح ، أيصوم ذلك اليوم تطوّعاً ؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار؟(5) والظاهر اتّحادها مع الرواية الاُولى وعدم تعدّدهما وإن كان ظاهر الوسائل خلاف ذلك ; لأ نّ الراوي شخص واحد ، والمسئول هو الإمام الصادق (عليه السلام)  ، ومورد السؤال شيء واحد ، فرمي هذه الرواية



(1) في ص 39 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 280 ح 849 ، الاستبصار 2 : 122 ح 396 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 16 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 4 ح 4 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 322 ح 989 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 68 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 3 .
(4) رجال النجاشي : 348 الرقم 939 ، الفهرست للشيخ الطوسي : 221 ـ 222 الرقم 622 .
(5) الكافي 4 : 105 ح 3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 68 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2 .


الصفحة 47

بالضعف من الجهة المذكورة غير وجيه .

فالتحقيق في الجمع بين الروايات الدالّة على الانتهاء إلى الغروب ، والرواية الدالّة على الانتهاء إلى نصف النهار أن يقال : إنّه لو كان في البين رواية ثانية لابن بكير على ما عرفت ، فعلاج التعارض إمّا برفع اليد عن هذه الرواية; لكونها ضعيفة من حيث السند ، والحال أ نّ تلك الروايات بين صحيحة وموثّقة ، وكلتاهما مشتركتان في الاعتبار والحجّية ، وإمّا الالتزام بالجمع الدلالي بينهما; بأ ن يقال بأ نّ مورد هذه الرواية هو الواجب غير المعيّن ، ومورد تلك الروايات الصوم التطوّعي . وإمّا الالتزام بعدم تعدّد الرواية وكونها واحدة.

غاية الأمر أ نّ أحد الطريقين إلى الراوي معتبر ، والآخر غير معتبر ، فاللازم الأخذ بالطريق المعتبر ، ولا شبهة في أ نّ الخصوصيّة المأخوذة فيه هو الصوم تطوّعاً وإن كان أصل السؤال في كلتيهما واحداً ، وقوله (عليه السلام)  : «أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار » إشارة إلى ثبوت هذا عند الراوي وفي ارتكازه .

وعليه : فيمكن أن يقال بثبوت الجمع الدلالي من جهة تقديم النصّ أو الأظهر على الظاهر ، نظراً إلى أ نّ قوله (عليه السلام)  : «أليس هو بالخيار » إلخ وإن كان ظاهراً في الامتداد إلى خصوص نصف النهار ، ولازمه عدم الصحّة بعده ، إلاّ أ نّ قوله (عليه السلام) في الموثقة في الجملة الأخيرة : «وإن مكث حتى العصر ثمّ بدا له أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء » ، صريح أو كالصريح في الامتداد بعد العصر ، وهو قرينة على التصرّف في الظاهر حملاً للظاهر على النصّ على ما عرفت ، فالذي يتحصّل من ذلك ، الامتداد إلى الغروب في الصوم المندوب كما في المتن . وقد مرّ أ نّ الظاهر عدم تحقّق شهرة على أحد الطرفين; للاختلاف فيما نسب إلى المشهور ، فتدبّر .


الصفحة 48

مسألة 5 : يوم الشك في أ نّه من شعبان أو رمضان يبني على أ نّه من شعبان فلا يجب صومه ، ولو صامه بنيّة أ نّه من شعبان ندباً أجزأه عن رمضان لو بان أ نّه منه . وكذا لو صامه بنيّة أ نّه منه قضاءً أو نذراً أجزأه لو صادفه ، بل لو صامه على أ نّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً ، وإلاّ كان مندوباً ، لا يبعد الصحّة ولو على وجه الترديد في النيّة في المقام . نعم ، لو صامه بنيّة أ نّه من رمضان لم يقع لا له ولا لغيره 1.


1ـ في صوم يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان جهات من الكلام :

الاُولى : في ثبوت المشروعيّة له في الجملة ، والمشروعيّة ناظرة إلى عدم ثبوت الوجوب والكراهة ، بل الحرمة كما هي ظاهر بعض الروايات (1)، كما أ نّ التقييد به في الجملة ناظر إلى الفرع الأخير المذكور في المتن ، والمحكوم بعدم الوقوع لا عن رمضان ولا عن غيره ، فأصل المشروعيّة في الجملة ممّا لا ارتياب فيه .

الثانية : في عدم ثبوت الوجوب ; لأ نّ مقتضى القاعدة الحاكمة ببقاء شعبان وعدم دخول رمضان بعد ، هو عدم الوجوب من حيث شهر رمضان وإن كان ربما يعرض له الوجوب من جهة تضيّق وقت صومه القضائي وأمثال ذلك .

الثالثة : أ نّ لصوم يوم الشك المذكور فيه ثلاثة فروض :

الأوّل : صومه بنيّة أ نّه من شعبان ندباً، أو قضاءً ولو تضيّق وقته، كما هو كذلك لامحالة ; لفرض أ نّه يوم الشك منه ـ أو نذراً .

الثاني : صومه بنيّة أ نّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً، وإلاّ كان مندوباً أو مثله.

الثالث : صومه بنيّة أنّه من رمضان .



(1) وسائل الشيعة 10: 20 ـ 29، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 و 6 .


الصفحة 49

وقد حكم في المتن في الأوّل بالصحّة والإجزاء عن رمضان لو انكشف كونه منه ونفى البعد عن الصحّة في الثاني ولو على وجه الترديد في النيّة ، وفي الثالث بعدم الوقوع لا لشعبان ولا لرمضان ، وفي الحقيقة يكون باطلاً .

واللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الواردة في المسألة .

فنقول : إنّها على طوائف :

الطائفة الاُولى : ما يدلّ على صحّة الصوم يوم الشك بنيّة أ نّه من شعبان ويجزئ عن رمضان لو بان أ نّه منه ، وهي :

رواية الزهري ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث طويل قال : وصوم يوم الشك اُمرنا به ونهينا عنه ، اُمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان ، ونُهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس . . . الحديث(1) . والظاهر أ نّ المراد من الجملة الأخيرة هو الصيام بعنوان أ نّه من رمضان .

ورواية سماعة المشتملة على قوله (عليه السلام) «إنّما يصام يوم الشك من شعبان ولا  تصومه من شهر رمضان ـ إلى قوله : ـ وإنّما ينوي من الليلة أ نّه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل الله ـ عزّوجلّ ـ وبما قد وسّع على عباده ، ولولا ذلك لهلك الناس(2) .

وصحيحة معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك ؟ فقال : هو شيء وفّق له(3) .



(1) الكافي 4 : 85 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 296 ح 895 ، الفقيه 2 : 47 ح 208، وعنها وسائل الشيعة 10 : 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 ح 8 .
(2) تقدّمت في ص 21 .
(3) الكافي 4 : 82 ح 3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 22 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 ح 5 .


الصفحة 50

ومن الواضح أنّ القدر المتيقّن من مورد السؤال صورة ما إذا صامه بنيّة أ نّه من شعبان ، كما لا يخفى .

وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال الظاهرة في أ نّه يصومه بعنوان شعبان ، فإن كان منه يحسب تطوّعاً ، وإن كان من رمضان أجزأ عنه وهو شيء وفّق له(1) .

الطائفة الثانية : ما يدلّ بظاهره على بطلان صوم يوم الشك ، مثل :

ما رواه المشايخ الثلاثة بأجمعهم ، غاية الأمر أ نّ بعضهم روى عن عبد الكريم بن عمرو ، والبعض الآخر عن كرام ـ وهو لقب عبد الكريم ـ قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (عليه السلام)  ، فقال : صم ، ولا  تصم في السفر ولا العيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه(2) . وفي بعض الروايات: ولا اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان(3) .

وقد اُجيب(4) عن الاستدلال بها على الحرمة التي هي ظاهر النهي ، تارة بعدم ظهور الرواية في ورودها في فرض النذر ، بل ظاهرها مجرّد الجعل على النفس والالتزام به خارجاً ، وإلاّ لكان اللازم أن يقول : «جعلت لله على نفسي» ; لأ نّها صيغة النذر ، ومن المعلوم أنّ متعلّق هذا الجعل هو الصوم الذي لا يكون واجباً في نفسه ; ضرورة أ نّ ما هو كذلك كرمضان غني عن الجعل المزبور . وعليه : فالنهي



(1) وسائل الشيعة 10 : 20 ـ 24، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 .
(2 ، 3) تهذيب الأحكام 4 : 183 ح 510 و ص 233 ح 683 ، الاستبصار 2 : 79 ح242، الكافي 4 : 141 ح 1 ، الفقيه 2 : 79 ح 351 ، المقنع : 186 ـ 187 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 26 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 6 ح 3 .
(4) المستند في شرح العروة 21 : 66 ـ 67 .


الصفحة 51

الواقع فيها قابل للحمل على الصوم بعنوان رمضان .

واُخرى بأ نّه على فرض الظهور لا تقاوم الروايات الكثيرة الدالّة على المشروعيّة ولو مع عدم الجعل ، فاللازم طرحها أو حملها على التقيّة ; لما نسب إلى العامّة من ترك الصوم في هذا اليوم ، خصوصاً مع أ نّ مقتضى استصحاب بقاء شعبان وعدم دخول رمضان كونه من الأوّل ، وأثره الجواز بعنوانه كما لا يخفى ، لا  بعنوان رمضان، كما عرفت في رواية الزهري المتقدّمة .

الطائفة الثالثة : ما يدلّ بظاهره على وجوب القضاء على من صام يوم الشك ثمّ انكشف كونه من رمضان ، مثل :

صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، فقال : عليه قضاؤه وإن كان كذلك(1) .

وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في يوم الشك : من صامه قضاه وإن كان كذلك ; يعني من صامه على أ نّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوماً من شهر رمضان ; لأ نّ السنّة جاءت في صيامه على أ نّه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء(2). وقوله: «يعني» يحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) ، ويحتمل أن يكون من كلام الشيخ (قدس سره)  ، ويحتمل أن يكون من كلام أحد الوسائط من الرواة ، والظاهر أ نّ التعبير بالواو الظاهر في ثبوت القضاء في غير هذه الصورة أيضاً ممّا لا يستقيم ; لأ نّ وجوب القضاء على تقديره ينحصر بما إذا انكشف كونه



(1) تهذيب الأحكام 4 : 182 ح 507 ، الاستبصار 2 : 78 ح 239 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 25 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 6 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 162 ح 457 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 27، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 6 ح 5 .


الصفحة 52

من رمضان ; ضرورة أ نّه لا مجال له مع عدم الانكشاف ، ولعلّ هذا يؤيّد كون التفسير من الإمام (عليه السلام)  ، خصوصاً مع التعليل المذكور في الرواية ، فتدبّر جيّداً .

ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الطوائف هو ما أفاده في المتن ; من لزوم إيقاع الصوم في اليوم المذكور على تقدير إرادته بعنوان أ نّه من شعبان ، وأ نّه يجزئه عن رمضان لو  بان أ نّه منه ، من دون فرق بين كون المنوي هو الصوم المندوب أو القضاء أو غيرهما وإن كان ظاهر بعض الروايات الاختصاص بالأوّل ، بل مقتضى الجمود حسابه تطوّعاً وإن لم يكن هو المنويّ ، لكنّ الظاهر أ نّ المراد الجدّي ما ذكرنا من عدم الإتيان بالصوم فيه بما أ نّه من رمضان ، كما لا يخفى .

بقي الكلام في هذه المسألة فيما أفاده من نفي البعد عن الصحّة فيما لو صامه على أ نّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً ، وإن كان من شهر شعبان كان مندوباً ولو على وجه الترديد في النيّة ، والظاهر أ نّه ناظر إلى الإشكال في التفصيل الذي ذكره سيّد العروة(1) الذي مرجعه إلى التفصيل بين أن يكون الترديد في النيّة ، وبين أن يكون الترديد في المنوي ، فقوّى في الأوّل البطلان ، وفي الثاني الصحّة وإن جعل الاحتياط الاستحبابي خلافه .

وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) في شرحه على العروة في وجه التفصيل المزبور كلاماً مفصّلاً يرجع حاصله إلى :

أنّ الكلام قد يقع في بيان الصورتين موضوعاً ، واُخرى في صحّة التفصيل حكماً.

أمّا الاُولى : فالموضوع في المورد المحكوم بالبطلان هو مورد الامتثال الاحتمالي ،



(1) العروة الوثقى 2 : 11 مسألة 2376، الوجه الرابع .


الصفحة 53

بمعنى أ نّ الباعث له على الصيام إنّما هو احتمال رمضان ، وأمّا الصوم الندبي من شعبان فلا اهتمام له به ، بل قد يعلم ببطلانه، لعدم كونه مأموراً به في حقّه ، كما لو كان عبداً قد منعه المولى عن الصوم الندبي ـ وفرض افتقاره إلى الإذن ـ فيصوم يوم الشكّ برجاء أنّه من رمضان لا على سبيل الجزم  ليكون من التشريع ، فالقصد يتعلّق بعنوان رمضان لكن لا على سبيل الجزم، بل بنحو الترديد والاحتمال .

وأمّا في المورد المحكوم بالصحّة فليس فيه رجاء أبداً ، بل هو قاصد للأمر الفعلي الجزمي الجامع بين الوجوب والاستحباب ; للقطع بتعلّق الأمر بالصوم في هذا اليوم . غاية الأمر أ نّ الخصوصيّة مجهولة ، وصفة المنوي مردّدة ، فتلغى تلك الخصوصيّة في مقام تعلّق القصد ، وهذا هو الذي سمّـاه بالترديد في المنوي دون النيّة ، عكس الصورة السابقة .

وأمّا الثانية: فلأ نّ الامتثال الاحتمالي وإن كان في نفسه محكوماً بالصحّة ، إلاّ أ نّه في خصوص المقام محكوم بالفساد ، نظراً إلى إطلاق الروايات الواردة في المقام الدالّ على بطلان الصوم في يوم الشك بعنوان رمضان ولو كان ذلك على سبيل الاحتمال والرجاء ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ الروايات ناظرة إلى نفس هذه الصورة ; إذ من البعيد الاهتمام فيها بأمر لا يقع خارجاً أو نادر الوقوع جدّاً ; وهو الصوم في يوم الشكّ بعنوان رمضان بنيّة جزميّة تشريعيّة ، فمن القريب جدّاً أ نّ النهي في هذه النصوص ناظر إلى ما هو المتعارف الخارجي ; وهو الصوم بعنوان الاحتياط .

وهذا بخلاف الصورة الاُخرى ; لعدم كونها مشمولة للروايات ولو بالإطلاق ; لأنّها إنّما نهت عن صوم تعلّق بعنوان رمضان ، إمّا جزماً، أو ولو احتمالاً كما عرفت ، وهذا إنّما قصد الطبيعيّ والمأمور به في شهر رمضان ; وهو طبيعيّ الصوم ، ولم يؤخذ فيه إلاّ خصوصيّة عدميّة ; وهي عدم قصد عنوان آخر وهو حاصل في المقام ،


الصفحة 54

مسألة 6 : لو كان في يوم الشك بانياً على الإفطار ، ثمّ ظهر في أثناء النهار أ نّه من شهر رمضان ، فإن تناول المفطر ، أو ظهر الحال بعد الزوال وإن لم يتناوله  ، يجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّباً وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان قبل الزوال ولم يتناول مفطراً يجدّد النيّة وأجزأ عنه 1 .


انتهى موضع الحاجة(1) .

وأنت خبير بأنّه ـ مضافاً إلى أ نّه من البعيد النهي عن الامتثال الاحتمالي والإتيان رجاءً في نفسه ; لأ نّ الاحتياط حسن على كلّ حال ـ لا يبعد أن يقال بعدم دلالة الروايات ولو بالإطلاق على البطلان ; لأ نّه وإن كان صوم يوم الشك مع الوصف المذكور بنيّة جزميّة بعنوان رمضان تشريعاً ، ولا يكاد يتحقّق ذلك نوعاً خصوصاً من العوام ، إلاّ أ نّ المنشأ لذلك ـ وإن كان غير معتبر ـ هو شهادة جمع من الناس بذلك، كما في مورد موثقة سماعة المتقدّمة (2)، مع أ نّه يمكن أن يقال بإطلاق مورد السؤال في صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة وترك الاستفصال في الجواب ، فالمتحصّل حينئذ ما في المتن من نفي البعد عن الصحّة ولو كان الترديد في النيّة لا في المنوي ، كما عرفت .

1ـ الوجه في ذلك ما تقدّم في المسألة الرابعة من أ نّ محلّ النيّة في الواجب المعيّن يمتدّ إلى الزوال إلاّ في ذوي الأعذار مطلقاً أو خصوص البعض على ما مرّ ، وحينئذفلو بنى على الإفطار في يوم الشكّ الذي لا يجب الصيام فيه بمقتضى الاستصحاب ،



(1) المستند في شرح العروة 21 : 75 ـ 77 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 21 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته، ب 5 ح 4 ، وقد تقدّم ذيلها في ص21.


الصفحة 55

مسألة 7 : لو صام يوم الشك بنيّة أ نّه من شعبان ، ثمّ تناول المفطر نسياناً وتبيّن بعد ذلك أ نّه من رمضان أجزأ عنه . نعم ، لو أفسد صومه برياء ونحوه لم يجزئه منه حتى لو تبيّن كونه منه قبل الزوال وجدّد النيّة 1 .


فإن تناول المفطر الذي كان يجوز له تناوله ، أو ظهر الحال وأ نّ اليوم المذكور من رمضان بعد الزّوال لا يبقى مجال لنيّة صوم رمضان ، غاية الأمر أ نّه يجب عليه قضاء ذلك اليوم الذي ظهر كونه من رمضان ، ويجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّباً كما سيأتي ، وإن لم يتناول المفطر وكان الظهور المذكور قبل الزوال يجب عليه تجديد النيّة ، ويكفي عن رمضان كما مرّ .

1ـ أمّا الإجزاء في الصورة الاُولى فلما يأتي من أ نّ تناول المفطر نسياناً لا  يوجب بطلان الصوم وإن كان واجباً معيّناً ; لأ نّ مقتضى حديث الرفع(1) وكون النسيان أحد الاُمور المرفوعة فيه ، عدم كون تناول المفطر كذلك موجباً للبطلان ، خصوصاً مع ملاحظة أ نّ النسيان لا يكون تحت الاختيار والإرادة . وأمّا عدم الإجزاء في الصورة الثانية ; وهي ما لو أفسد صومه بمثل الرياء ولو كان التبيّن قبل الزوال وجدّد النيّة في ذلك الوقت ; فلانّ الرياء في جزء من العبادة يوجب بطلان العبادة بأجمعها ، فمن رائى في ركوع صلاته تصير الصلاة فاسدة ، وفرض كون الرياء قبل الزوال وتجديد النيّة بعده لا يوجب صيرورة العبادة صحيحة وإن قلنا في الواجب المعيّن بالامتداد إلى النهار ، إلاّ أ نّ ذلك في صورة إمكان اتّصاف المجموع بالصحّة ، فالرياء قبله بمنزلة تناول المفطر عمداً ، وقد ذكرنا خروج وقت النيّة بذلك ، فتدبّر جيّداً .



(1) تقدّم في ص 37 .


الصفحة 56

مسألة 8 : كما تجب النيّة في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه ، فلو نوى القطع في الواجب المعيّن ـ بمعنى قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم ـ بطل على الأقوى وإن عاد إلى نيّة الصوم قبل الزوال . وكذا لو قصد القطع لزعم اختلال صومه ثمّ بان عدمه . وينافي الاستدامة أيضاً التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد عنه . وكذا لو كان تردّده في ذلك لعروض شيء لم يدرِ أ نّه مبطل لصومه أو  لا . وأمّا في غير الواجب المعيّن لو نوى القطع ثمّ رجع قبل الزوال صحّ صومه . هذا كلّه في نيّة القطع . وأمّا نيّة القاطع ـ بمعنى نيّة إرتكاب المفطر ـ فليست بمفطرة على الأقوى وإن كانت مستلزمة لنيّة القطع تبعاً . نعم ، لو نوى القاطع والتفت إلى استلزامها ذلك فنواه استقلالاً بطل على الأقوى 1 .


1ـ لا إشكال في وجوب استدامة النيّة في الصوم(1) كما تجب النيّة في ابتدائه; ضرورة افتقار العبادة بجميع أجزائها إلى النيّة ، غاية الأمر الاكتفاء فيما يحتاج إلى أزمنة متعدّدة كثيرة أو قليلة بالاستمرار الارتكازي والحكمي الذي مرجعه إلى عدم لزوم الالتفات التفصيلي ، وكفاية كون الجواب بأنّه مشتغل بالعبادة بعد السؤال عن الاشتغال ، وإلاّ يلزم الإشكال ، وقد فرّع على ذلك نيّة القطع أو القاطع ، ففي المسألة صورتان :

الاُولى: نيّة القطع ، والمراد بها كما في المتن قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم. وبعبارة اُخرى : عدم الاستدامة المعتبرة في العبادة ، بل ينافي الاستدامة اللازمة كذلك ولو ارتكازاً ، التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد عنه .

وقد فصّل فيها في المتن بين الواجب المعيّن ، فقوّى البطلان فيه وإن عاد إلى نيّة



(1) جواهر الكلام 16 : 192 و ص 215 .


الصفحة 57

الصوم قبل الزوال الذي هو انتهاء النيّة في الواجب المعيّن ، كما تقدّم في بعض المسائل السابقة ; لأ نّ المراد من ذلك صورة عدم تحقّق النيّة حين طلوع الفجر ، أو الليلة التي يريد صوم يومها . وأمّا مع التحقّق فاللازم الاستدامة المذكورة ، فلا يجوز قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم ، وكذا التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد ، وفي الحقيقة هذا القصد أو الترديد بمنزلة تناول المفطر غير ناس ; فإنّه فيه لا مجال للانتهاء المذكور ، ومثل الصورتين ما إذا قصد القطع لزعم اختلال الصوم ثمّ بان عدمه، أو كان تردّده في ذلك لعروض شيء لم يدر أ نّه مبطل لصومه أولا .

وبين الواجب غير المعيّن ، فحكم بالصحّة لو رجع قبل الزوال والمفروض عدم تناول المفطر، والظاهر أ نّ الحكم في المندوب كذلك إلى انتهاء اليوم وإن لم يقع التعرّض له في المتن في هذه المسألة .

الصورة الثانية : نيّة القاطع ، ومعناها نيّة ارتكاب المفطر بمجرّدها من دون تحقّق الارتكاب أصلاً ، وقد فصّل فيها في المتن بين صورتين مشتركتين في أ نّ نيّة القاطع تستلزم نيّة القطع ، غاية الأمر أ نّ نيّة القطع التي تستلزمها نيّة القاطع قد تكون بالتبع ، وقد تكون بنحو الاستقلال ، فحكم بعدم البطلان في الصورة الاُولى دون الثانية ; فإنّها محكومة بالبطلان ، والوجه فيها واضح بعد ما عرفت من البطلان مع نيّة القطع . وأمّا الصحّة في الاُولى ; فلأ نّ المفروض عدم ارتكاب المفطر خارجاً وبقاء النيّة واقعاً وإن كانت نيّة القاطع مستلزمة لنيّة القطع ، إلاّ أ نّ هذا الاستلزام غير ملتفت إليه أصلاً ، فلا مجال للحكم بالبطلان .

ثمّ إنّه ربما يفصّل بين نيّة القطع ونيّة القاطع تارة: بما يحتمل في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) (1); من أ نّ نيّة القطع وإن كانت مضرّة موجبة للإخلال بالنيّة ، إلاّ أ نّ نيّة



(1) جواهر الكلام 16 : 215 .


الصفحة 58

القاطع تؤكّد الصوم فضلاً عن المنافاة ، حيث إنّه يبني على القطع فيما بعد ، فهو بالفعل صائم لا محالة ليتّصف بعدئذ بالقطع ، فإن بدا له وجدّد النيّة قبل تناول المفطر فلا مانع من الصحّة . كما أ نّه قد يفصّل تارة اُخرى : بين نيّة الإتيان بالمفطر فعلاً ، وبين الإتيان به فيما بعد ، ببطلان الصوم في الأوّل دون الثاني .

واستظهر بعض الأعلام (قدس سرهم) أ نّ كلا التفصيلين مبنيان على شيء واحد ; وهو الخلط بين أمرين : عنوان الصوم المقابل للإفطار ، وصحّته . أمّا أصل الصوم فالذي ينافيه إنّما هو نيّة القطع ، وأمّا لو نوى القاطع فهو ممسك فعلاً ولم يرفع اليد عن صومه بوجه ، فعنوان الصوم باق إلى أن يرتفع بمفطر .

وأمّا الصوم الصحيح القربي الذي هو عبارة عن نيّة الإمساك الخاصّ المحدود فيما بين الفجر إلى الغروب، فلا  شكّ أ نّ كلاًّ من نيّتي القطع والقاطع الحالي أو الاستقبالي تنافيه ; ضرورة أ نّه كيف يجتمع العزم على الإمساك المذكور مع نيّة القاطع ولو بعد ساعة ؟ فنيّة القاطع فضلاً عن القطع ولو فيما بعد لا تكاد تجتمع مع القصد إلى الصوم الصحيح ، فهو نظير من شرع في الصلاة بانياً على إبطالها في الركعة الثالثة ; فإنّ مثله غير قاصد لامتثال الأمر بجميع أجزاء الصلاة وإن لم يكن بالفعل قاطعاً للصلاة . انتهى(1) .

وأنت خبير بأ نّه لا دليل على البطلان بمجرّد قصد الإبطال في الركعة الثالثة ما لم  يتحقّق الإبطال خارجاً ، فالأقوى حينئذ ما في المتن ، فتأمّل جيّداً .



(1) المستند في شرح العروة 21 : 85 ـ 86 .


الصفحة 59

القول فيما يجب الإمساك عنه

مسألة 1 : يجب على الصائم الإمساك عن اُمور :


الأوّل والثاني : الأكل والشرب; معتاداً كان كالخبز والماء ، أو غيره كالحصاة وعصارة الأشجار; ولو كانا قليلين جدّاً كعُشر حبّة وعُشر قطرة 1 .

1 ـ لا إشكال في مفطريّة الأكل والشرب في الجملة ، ويدلّ عليه قبل كلّ شيء الكتاب العزيز المشتمل على قوله ـ تعالى ـ : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ}ـ الآية(1) ـ ووجوب إتمام الصيام إلى الليل(2) ، ولعلّهما  ـ كما يظهر من بعض الروايات ـ هما الأساس والأصل في المفطريّة ، وبقيّتها ملحقة بهما .

وكيف كان ، فمفطريّتهما ضروريّة عند جميع المسلمين(3) ، فاتّصافهما بها من ضرورة الإسلام لا الفقه فقط . والظاهر أ نّه لا فرق فيهما من حيث المعتاد وغيره من جهة المأكول والمشروب ، كما أ نّه لا فرق فيهما من حيث الإيصال إلى البطن من الطريق غير المتعارف كالأنف وغيره ، أو من الطريق المتعارف كالفم ، أمّا الثاني



(1، 2) سورة البقرة 2 : 187 .
(3) جواهر الكلام 16 : 217 ، مستمسك العروة 8 : 233 ، المستند في شرح العروة 21 : 92 .


الصفحة 60

فسيأتي حكمه في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى .

وأمّا الأوّل : فالمشهور بل المتسالم عليه بينهم هو ذلك ، بل ربما يقال(1) : إنّ المرتكز في أذهان عامّة المسلمين عدم الفرق في المأكول والمشروب من حيث المتعاد وغيره . وقد نسب الخلاف في ذلك إلى بعض المخالفين(2) ، والسيّد في محكي بعض كتبه إدّعى الاتّفاق بين المسلمين على ذلك ، وأنّ الخلاف المزبور مسبوق بالإجماع وملحوق به (3)، ومع ذلك فقد حكي عنه في بعض كتبه(4) وعن ابن الجنيد(5) المخالفة في ذلك واختصاص المفطريّة بالمأكول والمشروب العاديين ، مع أ نّه من الواضح أ نّ إطلاقات الكتاب والسنّة تشمل الجميع من دون إشعار بالاختصاص فضلاً عن الدلالة .

ودعوى الاختصاص ممنوعة جدّاً ولو كانت ناشئة عن إدعاء الانصراف الممنوع جدّاً أيضاً; لعدم الفرق في نظر العرف بين المعتاد وغيره، فلافرق بين أكل الخبز وبين أكل الطين ، ولذا ورد في الرواية : من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه(6) .

نعم ، هنا شيء سيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى ; وهو أ نّه ربما تستعمل كلمة «الشرب» في اُمور لعلّها خارجة عن عنوان الشرب في نظر العرف ، كشرب التتن الممثّل به في الاُصول في بحث البراءة ، مع أ نّه خارج عن حقيقة الشرب ، واللازم



(1) مستمسك العروة 8 : 233 ، المستند في شرح العروة 21 : 93 ، جواهر الكلام 16 : 217 .
(2) وهما الحسن بن صالح وأبو طلحة الأنصاري ، والناسب هو السيّد في مسائل الناصريّات: 294.
(3) مسائل الناصريات : 294 ، والحاكي هو العلاّمة في مختلف الشيعة 3: 258 ـ 259 مسألة 21.
(4) رسائل الشريف المرتضى 3 : 54 وجمل العلم والعمل : 90 .
(5) حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 257 مسألة 21 .
(6) الكافي 6 : 266 ح 8 ، المحاسن 2 : 387 ح 2370، تهذيب الأحكام 9 : 89 ح 376 ، وعنها وسائل الشيعة 24 : 222 ، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 7 .

<<التالي الفهرس السابق>>