في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



الصفحة 121

التاسع : الحُقنة بالمائع ولو لمرض ونحوه ، ولا بأس بالجامد المستعمل للتداوي كالشياف . وأمّا إدخال نحو الترياك للمعتادين به وغيرهم للتغذّي والاستنعاش ففيه إشكال ، فلا يترك الاحتياط باجتنابه ، وكذلك كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى ، بل وغيره كتلقيح ما يتغذّى به . نعم ، لا بأس بتلقيح غيره للتداوي ، كما لا بأس بوصول الدواء إلى جوفه من جرحه 1 .

ويشربون في شهر رمضان متكّأً على اعتيادهم بذلك ، ومن الواضح أنّه خلاف الاحتياط ، بل مقتضاه الإمساك عن المفطرات والاقتصار في اليوم على مقدار الضرورة من ذلك من جهة الكيفيّة بالسعي في عدم الدخول في الحلق لو كان كافياً في رفع مقتضى الاعتياد ، كما ربما يشاهد في بعض الأفراد ، وكذلك من جهة الكمّية بالاقتصار على أقلّ ما يلزم استعماله عليهم بحسب الاعتياد .

وممّا ذكرنا ظهر أنّه مع عدم إمكان الاقتصار على ذلك لا وجه للفرار عنالصيام والأخذ بذيل الاعتياد ، بل يجب عليهم الإمساك الصومي وإن كانلا يمكن لهم ذلك . وإن شئت قلت : إنّ الموثقة المزبورة ظاهرة في أنّه لا بأس بالتدخين بعود ونحوه ، ولا فرق في ذلك بينه وبين شرب التتن أو الترياك أصلاً ، كما لا يخفى .

1ـ هذا الأمر أيضاً كسابقه مورد لاختلاف الأنظار ، فالمنسوب إلى المشهور(1)كما في المتن من المفطريّة بالإضافة إلى خصوص المائع ولو كان لأجل المرض ، وعن المحقّق في المعتبر والعلاّمة في المختلف وصاحب المدارك فيها التعميم وعدم



(1) مختلف الشيعة 3: 292، مشارق الشموس 2: 344، غنائم الأيّام 5: 135، المستند في شرح العروة 21 : 241 ـ 242 .


الصفحة 122

الاختصاص بالمائع (1) ، وعن الصدوق والمفيد والسيّد إطلاق القول بعدم الجواز (2) ، وعن ابن الجنيد استحباب الاجتناب عنه(3) .

وقد ورد في هذا المجال روايات :

منها : صحيحة ابن أبي نصر البزنطي ، عن أبي الحسن (عليه السلام)  ، أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان ؟ فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن(4). واستظهر انصراف إطلاق الاحتقان إلى المائع (5)، بل لعلّه لا يستعمل عرفاً بنحو الحقيقة إلاّ فيه ، وظاهرها عدم الجواز ولو في صورة المرض .

ومنها : موثّقة محمد بن الحسين (الحسن ظ) عن أبيه قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)  : ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب (عليه السلام)  : لا بأس بالجامد(6) . وفيما رواه الشيخ أنّه قال : في التلطف من الأشياف(7) ، وهذه الرواية صالحة لتقييد الإطلاق في الصحيحة على تقدير ثبوت الإطلاق فيها ; للتصريح بعدم البأس بالإضافة إلى الجامد فيها ، ثمّ إنّ الصحيحة قد رواها المشايخ الثلاثة



(1) المعتبر 2 : 679 ، مختلف الشيعة 3 : 280 ـ 282، مسألة 31، مدارك الأحكام6 :64 .
(2) المقنع : 191 ، المقنعة : 344 ، رسائل الشريف المرتضى 3 : 54 .
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 281 مسألة 31 .
(4) الكافي 4 : 110 ح 3 ، الفقيه 2 : 69 ح 292 ، تهذيب الأحكام 4 : 204 ح 589 ، الاستبصار 2 : 83 ح 256 وعنها وسائل الشيعة 10 : 42، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4 .
(5) المستند في شرح العروة 21: 242 .
(6) الكافي 4 : 110 ح 6 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 41 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2 .
(7) تهذيب الأحكام 4 : 204 ح 590 ، الاستبصار 2 : 83 ح 257 ـ والسند فيهما هكذا: أحمد بن محمّد، عن عليّ  بن الحسن، عن أبيه; أي الحسن بن فضّال ـ وعنهما وسائل الشيعة 10 : 42 ، كتاب الصوم، أبواب مايمسك عنه الصائم ب 5 ح 3 .


الصفحة 123

وإن كان في طريق الكليني إلى البزنطي سهل بن زياد ، وأمّا الأخيرة التي عبّر عنها بالموثّقة المرويّة عن الكافي فيما هو المحكي عن المحقّق الهمداني (قدس سره) (1) فهي مرويّة الكليني في الكافي والشيخ في التهذيبين ، وقد اُورد عليها بأنّها موثقة على طريق الشيخ وضعيفة على طريق الكليني (2)، ولكنّ الأمر سهل ; لكفاية الوثاقة على أحد الطريقين المتحقّقة في البين .

وقد استشكل في المتن في إدخال الترياك للمعتادين به وغيرهم للتغذّي والاستنعاش ، بل نهى عن ترك الاحتياط فيه بالاجتناب عن ذلك ، والظاهر أنّ الوجه فيه: أنّ حصول التغذّي والاستنعاش بإدخاله إنّما هو كالاستفادة من التزريقات القائمة مقام الأكل والشرب ، فكما أ نّها مشكلة ولو لم يكن الطريق إلى الوصول إلى الجوف وأجزاء البدن الحلق ; لأنّها ليست إلاّ تزريقاً ، فكذلك المقام .

نعم ، لو قلنا بأنّه لا مانع من التدخين بالدخانيات التي منها الترياك لكان الظاهر أنّ إدخاله للاستنعاش لا يكون أشدّ حكماً من التدخين به ، ولذا وقع في المتن التصريح بأنّ كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى ـ أي الإدخال في الدبر ـ يترتّب عليه حكم التلقيح المؤثّر في ذلك . نعم ، هنا أمران لا بأس بهما :

أحدهما : التلقيح غير المقصود منه التغذّي ، بل التلقيح لأجل التداوي ، والظاهر أنّه لا مانع منه ; لأنّ التداوي هو المراد أوّلاً ، والمفروض عدم الإيصال من طريق الحلق ، ومن هنا يظهر أنّ شرب بعض الأشربة المصنوعة للتداوي كوجع الصدر ونحوه، يوجب بطلان الصوم وإن كان الغرض منحصراً بالتداوي، كالحقنة



(1) مصباح الفقيه 14 ، كتاب الصوم : 443 .
(2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 243 .


الصفحة 124

العاشر : تعمّد القيء وإن كان للضرورة ، دون ما كان منه بلا عمد ، والمدار صدق مسمّاه . ولو ابتلع في الليل ما يجب عليه ردّه ، ويكون القيء في النهار مقدّمة له ، صحّ صومه لو ترك القيء عصياناً ولو انحصر إخراجه به . نعم ، لو فرض ابتلاع ما حكم الشارع بقيئه بعنوانه ، ففي الصحّة والبطلان تردّد ، والصحّة أشبه 1 .

بالمائع على ما عرفت من دلالة الرواية على عدم جوازها للصائم ولو لأجل العلّة والمرض .

ثانيهما : أنّه لا بأس بوصول الدواء إلى جوفه من جرحه ; لعدم انطباق شيء من العناوين المفطرة عليه ; لعدم صدق عنوان الأكل، لا من جهة عدم العبور من الفم إلى الحلق لكفاية العبور من الأنف مثلاً ، بل لعدم صدق العنوان المذكور بوجه .

1ـ المشهور(1) أنّ هذا الأمر ـ أي تعمّد القيء ـ من المفطرات ويفسد به الصوم ، وفي مقابله قول السيّد المرتضى ، بل نسب الكراهة إلى الفقهاء وأنّه يوجب نقصان الصوم لا بطلانه (2) ، وقول ابن إدريس القائل بأنّه حرام تكليفاً فقط(3) ، من دون ثبوت حرمة وضعيّة ، ولا يساعدهما رواية ولو ضعيفة حتى يؤخذ بها على خلاف ما هو المحكيّ عنهما من عدم حجّيّة خبر الواحد بوجه ، والعمدة الروايات الواردة



(1) مختلف الشيعة 3: 289 مسألة 39، جواهر الكلام 16 : 287 ، مستمسك العروة 8 : 308 ، المستند في شرح العروة 21 : 247 .
(2) رسائل الشريف المرتضى 3 : 54 .
(3) السرائر 1 : 387 .


الصفحة 125

في المسألة ، فنقول :

منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه(1) . وقد رواها في الوسائل في باب واحد مرّتين ، والظاهر اتّحاد الاثنين وعدم ثبوت التعدّد في البين .

ومنها : موثّقة سماعة قال : سألته عن القيء في رمضان ؟ فقال : إن كان شيء يبدره فلا بأس ، وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء ، الحديث(2) . وفيما رواه الصدوق في المقنع ، إسقاط قوله (عليه السلام)  : «وعليه القضاء» ، لكن كلمة «أفطر» تدلّ عليه ، كما لا يخفى .

ومنها : موثقة مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهما السلام)  ، أنّه قال : من تقيّأ متعمّداً وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة ، فإن شاء الله عذّبه ، وإن شاء غفر له . وقال : من تقيّأ وهو صائم فعليه القضاء(3) .

وفي مقابلها صحيحة عبدالله بن ميمون ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء ، والاحتلام ، والحجامة(4) .

ولابدّ من تقديم تلك الطائفة على هذه الرواية . إمّا بتقييد إطلاقها الشامل



(1) الكافي 4 : 108 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 264 ح 791 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 86 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 322 ح 991 ، الفقيه 2 : 69 ح 291 ، المقنع : 190 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 87  ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 264 ح 792 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 88 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 260 ح 775 ، الاستبصار 2 : 90 ح 288 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 88 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 8 .


الصفحة 126

لصورة غير العمد بتلك الطائفة المختصّة بصورة العمد حملاً للمطلق على المقيّد ،وهو يوجب الخروج عن عنوان الاختلاف والتعارض الموضوع في الأخبار العلاجية، كما مرّت الإشارة إليه . وإمّا بثبوت الترجيح لتلك الطائفة; نظراً إلىاستناد المشهور إليها ، وكون الشهرة هي أوّل المرجّحات على المختار ، فلا مجال للإشكال في أصل المسألة ، وأنّ تعمّد القيء من المفطرات وإن كان للضرورة ;لعدم خروجه بها عن عنوان التعمّد، كما عرفت نظيره . ثم إنّه تعرّض في المتنلفرعين :

أحدهما : أنّه لو ابتلع في الليل ما يجب عليه ردّه ويكون القيء في النهار مقدّمة له ، فلو ترك القيء عصياناً لا يضرّ ذلك بصحّة صومه ولو فرض انحصار إخراجه بالقيء ; وذلك لأنّ المفروض أنّه لم يتقيّأ أصلاً ، ومخالفة حكم الشارع بوجوب الردّ لا توجب بطلان الصوم ; لأنّ غاية الأمر ثبوت العصيان والضمان من جهة عدم الردّ ، وهذان لا يرتبطان بالصوم أصلاً ، كما لا يخفى .

ثانيهما : لو ابتلع ما حكم الشارع بقيئه بعنوانه ، كما لو كان مالاً للغير ولم يعرض له التلف ، كدينار أو درهم مثلاً ، فقد تردّد في المتن في الصحّة والبطلان أوّلاً ، وجعل الأشبه الصحّة ، وظاهر العروة(1) فساد الصوم إن كان الإخراج منحصراً في القيء وإن لم يتحقّق منه القيء أصلاً ، بقرينة المقابلة مع الصورة التي حكم فيها بالبطلان فيما إذا اختار القيء مع إمكان الإخراج بغيره .

والظاهر أ نّ وجه الأشبهيّة ما اختاره في مسألة الترتّب المعنونة في الاُصول من ثبوت الأمر بالإضافة إلى كلا الضدّين لا على سبيل الترتّب ; بأن يكون الأمر



(1) العروة الوثقى 2 : 38 مسألة 2453 .


الصفحة 127

مسألة 16 : لو خرج بالتجشُّؤ شيء ووصل إلى فضاء الفم ، ثمّ نزل من غير اختيار ، لم يبطل صومه ، ولو بلعه اختياراً بطل وعليه القضاء والكفّارة . ولايجوز للصائم التجشُّؤ اختياراً إذا علم بخروج شيء معه يصدق عليه القي ، أو  ينحدر بعد الخروج بلا اختيار ، وإن لم يعلم به ـ بل احتمله ـ فلا بأس به ، بل لو  ترتّب عليه حينئذ الخروج والانحدار لم يبطل صومه . هذا إذا لم يكن من عادته ذلك ، وإلاّ ففيه إشكال ، ولا يُترك الاحتياط 1 .


بالأهمّ مطلقاً والأمر بالمهمّ معلّقاً على عصيانه ، بل بنحو ثبوت الإطلاق في كلّ منالأمرين، وعدم كون التضادّ وعدم إمكان الاجتماع موجباً لخروج الأمر بالمهمّعن الإطلاق ، ولا محالة تكون العبادة صحيحة متعلّقة للأمر غير المشروط ، وقد اخترنا هذا النظر في ذلك البحث فراجع (1) . ومبنى العروة ظاهراً عدمالإمكان، كما لعلّه المشهور ، ولذا اختار البطلان ولو مع عدم تحقّق القيء أصلاً ، كما لا يخفى .

1ـ في هذه المسألة فروع :

الأوّل : لو خرج بالتجشّؤ غير الاختياري شيء ووصل إلى فضاء الفم ، فتارة: ينزل من غير اختيار كخروجه ، ففي هذا الفرض لا يبطل صومه . واُخرى : لو بلعه اختياراً ولم يكن نزوله كخروجه غير اختياري يبطل صومه ، ويترتّب عليه القضاء والكفّارة ; لصدق الأكل الاختياري حقيقة ، وقد عرفت أنّه لا خصوصيّة للمأكول ; فإنّ الأكل يوجب البطلان ولو كان المأكول مثل التراب فضلاً عمّا يؤكل عادة .



(1) سيري كامل در اصول فقه 6: 224 ـ 230 .


الصفحة 128

مسألة 17 : لا يبطل الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم وإن كان بتذكّر ما كان سبباً لاجتماعه ، ولا بابتلاع النخامة التي لم تصل إلى فضاء الفم; من غير فرق بين النازلة من الرأس والخارجة من الصدر على الأقوى . وأمّا الواصلة إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط بترك ابتلاعها ، ولو خرجت عن الفم ثمّ ابتلعها بطل صومه ، وكذا البصاق . بل لو كانت في فمه حصاة ، فأخرجها وعليها بِلّة من الريق ، ثمّ أعادها وابتلعها ، أو بلّ الخيّاط الخيط بريقه ، ثمّ ردّه وابتلع ما عليه من الرطوبة ، أو استاك وأخرج المسواك المبلّل بالريق ، فردّه وابتلع ما عليه من الرطوبة إلى غير ذلك ، بطل صومه .


نعم لو استهلك ما كان عليه من الرطوبة في ريقه ـ على وجه لا يصدق أنّه ابتلع ريقه مع غيره ـ لا بأس به . ومثله ذوق المرق ومضغ الطعام والمتخلّف من

الثاني : ما إذا علم الصائم أنّه إذا تجشّأ اختياراً يخرج شيء ويصدق عليه القيء ; فإنّه غير جائز حينئذ; لصدق تعمّد القيء عليه ، وكذا إذا علم بالانحدار القهري بعد الخروج الاختياري ; فإنّه أيضاً غير جائز ; لصدق الأكل الاختياري بعد كون مقدّمته ـ وهي الخروج ـ كذلك .

الثالث : صورة الاحتمال وعدم العلم ، إمّا بأصل الخروج ، أو بالانحدار بعده والوصول إلى فضاء الفم ، وقد فصّل في هذا الفرع بين ما إذا لم يكن من عادته ذلك ، فنفى عنه البأس; لصدق عدم التعمّد في صورة عدم العلم ، وبين ما إذا كان من عادته ذلك ، فقد استشكل فيه ونهى عن ترك الاحتياط ، وظاهره وجوب هذا الاحتياط ; نظراً إلى أنّ العادة بمنزلة العلم ، فكأنّها توجب صدق التعمّد مع وجود الاحتمال . نعم ، قد عرفت أنّه لو كان عالماً بالعدم لما كان يترتّب على الخروج ، أو الانحدار شيء من القضاء أو الكفّارة ، كما لا يخفى .


الصفحة 129

ماء المضمضة . وكذا لا بأس بالعلك على الأصحّ وإن وجد منه طعماً في ريقه مالم يكن ذلك بتفتّت أجزائه ولو كان بنحو الذَّوَبان في الفم 1 .

1ـ في هذه المسألة أيضاً فروع :

الأوّل : ابتلاع البصاق المجتمع في الفم غير الخارج عن فضائه ; فإنّه لا يوجب بطلان الصوم مطلقاً ، أي سواء كان بتذكّر ما كان سبباً لاجتماعه ، كالتوجّه إلى الشيء الحامض ، أو لم يكن كذلك ; لعدم صدق شيء من العناوين المفطرة عليه .

الثاني : ابتلاع النخامة ، وفيه صور ثلاث :

الاُولى:النخامة غير الواصلة إلى فضاء الفم رأساً ، وقد قوّى في المتن أنّه لا فرق بين النازلة من الرأس والخارجة من الصدر في عدم بطلان الصوم بابتلاعها ، والظاهر عدم صدق عنوان الأكل المفطر ، بل قوّى السيّد في العروة(1) جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق من غير الوصول إلى فضاء الفم وإن احتاط بالترك . نعم ، ربّما يقال : إنّ ظاهر المحقّق في الشرائع(2) أنّ النخامة خصوص ما يخرج من الصدر ، وعن بعض اللغويّين(3) عكس ذلك، وأنّ ما يخرج من الصدر هي النخاعة ، وعن جماعة كثيرة منهم(4) أنّهما مترادفتان كما هو ظاهر المتن ، فإن ثبت الأخير فاللازم الحكم بلزوم الاجتناب عنهما ، وإلاّ فيكفي عدم ثبوت الأوّل في الحكم بذلك ولو  من باب الاحتياط ، وهو كذلك وإن اختاره المحقّق في الشرائع ، وهو قليل النظير بل عديمه ، خصوصاً مع تضلّعه في نقد العرب ; لأنّها كانت لسانه .



(1) العروة الوثقى 2 : 14 مسألة 2386 .
(2) شرائع الإسلام 1 : 174 .
(3) وهو صاحب مختصر الصحاح ، المستند في شرح العروة 21 : 108 .
(4) لسان العرب 6 : 160 ، مجمع البحرين 3 : 1762 ـ 1763 ، أقرب الموارد 2 : 1283 .


الصفحة 130

الثانية : النخامة الواصلة إلى فضاء الفم ، ونهى في المتن عن ترك الاحتياط بترك ابتلاع هذا النوع من النخامة وانحدارها اختياراً ، والسرّ فيه صدق عنوان الأكل في هذه الصورة .

الثالثة : الفرض مع الخروج عن الفم ثمّ ابتلاعها ، ولا مجال للإشكال في هذه الصورة في بطلان الصوم ، كما هو واضح .

الثالث : ابتلاع البصاق الخارج عن الفم ، وقد حكم فيه بمثل ما تقدّم ، وقد وقع في المتن الترقّي إلى أنّه «لو كانت في فمه حصاة فأخرجها وعليها بلّة من الريق، ثمّ أعادها وابتلعها ـ أي البلّة المذكورة ; ضرورة أنّ ابتلاع الحصاة لا إشكال في بطلان الصوم كما مرّ في الأمر الأوّل ـ أو بلّ الخيّاط الخيط بريقه ثمّ ردّه وابتلع ما عليه من الرطوبة» ـ كما هو المتعارف بين الخيّاطين ـ أو نحوهما ، يوجب ذلك البطلان ، وقد استدرك ممّا ذكر صورة ما إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة في ريقه على وجه لايصدق أنّه ابتلع ريقه مع غيره ، فنفى عنه البأس .

وقد مرّ في مفطريّة الأمر الأوّل مناقشة بعض الأعلام(1) (قدس سره) في تحقّق الاستهلاك بالإضافة إلى المتجانسين ; فإنّه لو زيد على منّ من الماء مقدار قليل ولو في غاية القلّة ماء آخر لايكون هناك استهلاك ، بل منّ وإضافة مقدار من الماء ، وقد ذكر هناك أنّ الاستهلاك وإن كان غير متحقّق في المتجانسين ، إلاّ أنّ ذلك إنّما يتمّ بالنظر إلى ذات المزيج . وأمّا بالنظر إلى الوصف العنواني الذي بملاحظته جعل موضوعاً للحكم فالاستهلاك متحقّق ، وبالنتيجة لا يبطل الصوم في المقام في هذه الصورة فراجع . ومثله ذوق المرق ومضغ الطعام والمتخلّف من ماء المضمضة ، فلا بأس بها في صورة الاستهلاك .



(1) في ص63 ـ 64.


الصفحة 131

مسألة 18 : كلّ ما مرّ من أنّه يفسد الصوم ـ ما عدا البقاء على الجنابة الذي مرّ التفصيل فيه ـ إنّما يُفسده إذا وقع عن عمد ، لا بدونه كالنسيان أو عدم القصد ; فإنّه لا يُفسده بأقسامه . كما أنّ العمد يفسده بأقسامه; من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به ، مقصّراً على الأقوى ، أو قاصراً على الأحوط . ومن العمد من أكل ناسياً فظنّ فساده فأفطر عامداً . والمقهور المسلوب عنه الاختيار الموجَر في حَلقه لا يبطل صومه . والمكرَه الذي يتناول بنفسه يبطله . ولو اتّقى من المخالفين في أمر يرجع إلى فتواهم أو حكمهم فلا يفطره ، فلو ارتكب تقيّة ما لا يرى المخالف مُفطراً صحّ صومه على الأقوى .


وكذا لو أفطر قبل ذهاب الحمرة; بل وكذا لو أفطر يوم الشكّ تقيّة ـ لحكم قضاتهم بحسب الموازين الشرعيّة التي عندهم ـ لا يجب عليه القضاء مع بقاء

الرابع : العلك ، وقد وردت فيه روايتان :

إحداهما : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : الصائم يمضغ العلك؟ قال : لا(1) .

ثانيتهما : رواية محمد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عليه السلام)  : يا محمد إيّاك أن تمضغ علكاً ; فإنّي مضغت اليوم علكاً وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً(2) . والتعليل الواقع في هذه الرواية ظاهر في أنّ المنع عن المضغ بلحاظ وجدان شيء منه في النفس ، فمع عدمه لا مانع منه . وبعبارة اُخرى : أنّ الرواية الثانية قرينة على حمل الاُولى على الكراهة . وعليه : فيصحّ الاستدراك المذكور في المتن ، فتأمّل جيّداً .



(1) الكافي 4 :114 ح1 ، وعنه وسائل الشيعة 10 :105 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح2 .
(2) الكافي 4 :114 ح2 ، وعنه وسائل الشيعة  10 :104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح1 .


الصفحة 132

الشكّ على الأقوى . نعم، لو علم بأنّ حكمهم بالعيد مخالف للواقع ، يجب عليه الإفطار تقيّة، وعليه القضاء على الأحوط 1 .

1ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات :

المقام الأوّل : كلّ ما مرّ من مفطرات الصوم ـ سوى البقاء على الجنابة الذي مرّ التفصيل فيه، خصوصاً بالإضافة إلى النومات الثلاث بعد العلم بالجنابة ـ إنّمايفسده ويوجب القضاء إذا وقع عن عمد وقصد لا بدونه ; كالأمرين المذكورين في المتن ; لأنّه ـ مضافاً إلى اعتبار عنوان التعمّد في روايات بعض المفطرات، كما تقدّم من تعمّد القيء ونحوه (1) ـ يدلّ على عدم الفساد في صورة عدم التعمّد ما ورد في الصحيحة المتقدّمة ; من أنّه لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال ، أو  ثلاث خصال إلى آخره (2) ; فإنّ الاجتناب لا يتحقّق إلاّ في صورة القصد ، مع أ نّ المسألة متسالم عليها بين الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم ، وهذا في العالم بالحكم واضح لا ارتياب فيه .

وأمّا بالإضافة إلى الجاهل به ، فإن كان مقصّراً فهو مثل العالم بلا إشكال ; لفرض اطّلاعه على جهله وإمكان تحصيل الحكم والوصول إليه ، كما هو معنى الجاهل المقصّر ، ولذا لا نرى أنّ حديث «لا تعاد»(3) الوارد في الصلاة الدالّ على عدم إعادتها إلاّ إذا أخلّ بأحد الاُمور الخمسة المذكورة فيه ، شاملاً للجاهل المقصّر الذي فيه الخصوصيتان المذكورتان .



(1) في ص 127 .
(2) تقدّمت في ص 112 .
(3) الفقيه 1 : 181 ح 857 ، تهذيب الأحكام 2 : 152 ح 597 ، وعنهما وسائل الشيعة 4 : 312 ، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب 9 ح 1 .


الصفحة 133

وأمّا الجاهل القاصر الذي لا يعلم بالحكم ، إمّا لأجل قطعه بخلافه ، أو عدم الطريق له إلى تحصيله والوصول إليه ، فقد حكم في المتن بأنّ الاحتياط المطلق يقتضي الحكم بالفساد ، وقد صرّح سيّد العروة بأنّه لا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه والعالم (1) ، ولكن حكي عن ابن إدريس(2) الاختصاص بالعالم ، وتبعه في ذلك صاحب الحدائق مع الإصرار عليه كما قد حكي(3) .

ومنشأ الشمول للجاهل الاطلاقات الواردة في المفطريّة بضميمة أنّ الجاهل عامد قاصد ; فإنّ مقتضاها ثبوت البطلان ووجوب القضاء على الجاهل مطلقاً ولو لم يكن مقصّراً ; فإنّ عدم التقصير إنّما يؤثّر في عدم ثبوت العقاب لا في الصحّة وعدمها . نعم ، قد ذكر في مقابل الاطلاقات المذكورة روايتان :

إحداهما :موثقة زرارة وأبي بصير قالا جميعاً : سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له ؟ قال : ليس عليه شيء(4) .

ثانيتهما: صحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس المخيط حال الإحرام جاهلاً «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه»(5) ; فإنّ مقتضى الضابطة أ نّ ارتكاب أمر محرّم ناشئاً عن الجهل مطلقاً عدم ثبوت القضاء فضلاً عن الكفّارة ، فإطلاق



(1) العروة الوثقى 2 : 30 ، فصل في اعتبار العمد والاختيار في الإفطار .
(2) السرائر 1: 386 .
(3) الحدائق الناضرة 13: 61 ـ 62  .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 208 ح 603 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 53  ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 12 .
(5) تهذيب الأحكام 5 : 72 ح 239 ، وعنه وسائل الشيعة 12 : 488 ـ 489 ، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3 .


الصفحة 134

الثانية بل القدر المتيقّن منها هو الجاهل القاصر ، وهو ظاهر الرواية الاُولى .

وربّما يقال في وجه علاج التعارض بينهما ، وبين تلك المطلقات الدالّة على وجوب القضاء مطلقاً من دون فرق بين العالم والجاهل : إنّ النسبة عموم من وجه ; لاختصاص المطلقات بالقضاء وإن كانت شاملة للجاهل أيضاً ، واختصاصهما بالجاهل وإن كان مقتضى الإطلاق عدم وجوب القضاء وكذا الكفّارة ، ويتحقّق بينهما التعارض في الجاهل بوجوب القضاء ، وبعد تساقط المتعارضين يرجع إلى أصالة البراءة من تقيّد الصوم بذلك ، كما هو الشأن في الدوران بين الأقلّ والأكثر .

وقد اُجيب عن ذلكبجوابين :

أوّلاً : بما يرجع إلى لزوم تقديم الإطلاقات ; لأنّ تقييد الحكم بالعلم به وإن كان أمراً ممكناً في نفسه ، بل واقعاً في بابي القصر والإتمام، والجهر والإخفات ، وقد قرّر ذلك في علم الاُصول ، إلاّ أنّه يأباه الفهم العرفي ولا يساعد عليه أصلاً .

وثانياً : قصور الروايتين عن الإطلاق الشامل للقضاء أيضاً ، بل تختصّان بنفي الكفّارة فقط . أمّا الصحيحة فالأمر فيها واضح ; ضرورة أنّ لبس المخيط لايستوجب بطلان الحجّ ليحتاج إلى القضاء حتى في صورة العلم والعمد ، بل غايته الإثم والكفّارة ، فهو تكليف محض .

إن قلت : إنّ التأمّل في الصحيحة صدراً وذيلاً يشهد بأنّها ناظرة إلى نفي فساد الحجّ الذي أفتى به العامّة ، وأنّه ليس عليه الحجّ من قابل ، كما أنّه ليس عليه بدنة ، فهي مسوقة لنفي كلا الحكمين لدى الجهل بمقتضى الضابطة المذكورة فيها .

قلت : الصحيحة وإن كانت مسوقة لنفي الفساد الذي أفتى به العامّة ، إلاّ أنّه لايحتمل أن يكون نفي الفساد فيها من آثار الجهل ومتفرّعاً عليه ; لما عرفت من الصحّة ولو مع لبس المخيط عامداً عالماً بلا خلاف فيه ولا إشكال ، فيعلم من هذه


الصفحة 135

القرينة الواضحة أ نّ نظره (عليه السلام) في الضابطة الكلّية إلى نفي الكفّارة فقط ، ولا نظر له إلى عدم وجوب القضاء .

وأمّا الموثقة ـ بل وكذا الصحيحة لو لم يتمّ ما ذكرناه فيها ـ ; فلأنّ المنفي في ظرف الجهل إنّما هو الأثر المترتّب على الفعل لا ما يترتّب على الترك ، ومن المعلوم أنّ الأثر المترتّب على الإفطار إنّما هي الكفّارة فقط . وأمّا القضاء ، فهو من آثار ترك الصوم وعدم الإتيان به في ظرفه على وجهه ، وهو أثر للعدم لا للوجود . نعم ، لأجل الملازمة بين الأمرين ـ أعني الإفطار وترك الصوم ; لأنّهما ضدّان لا ثالث لهما  ـ صحّ إسناد أثر أحدهما إلى الآخر مجازاً وبنحو العناية ، فيقال : إنّ الإفطار موجب للقضاء مع أ نّ الموجب لازمه ، وهو ترك الصوم ، والصحيحة مفادها أنّه لا شيء عليه من ناحية ركوبه الأمر بجهالة ، وذلك الأثر هو الكفّارة المترتّبة على الإفطار .

وأمّا القضاء فهو من آثار ترك الصوم ، إذن فالروايتان إنّما تنفيان الآثار المترتّبة على الفعل ، ولا نظر لهما إلى بقيّة الآثار المترتّبة على ملازم هذا الفعل ، فلا تعارض حتى تصل النوبة إلى تساقط الإطلاقين والرجوع إلى الأصل العملي .

وقد أوضح المجيب(1) هذا الجواب بكلام طويل لا حاجة فعلاً إلى بيانه ولو مع التلخيص .

وأنت خبير بأنّه يمكن المناقشة في الجواب الثاني الذي هو المهمّ من الجوابين  ; أنّه لا ينبغي الارتياب في كونها مسوقة لبيان نفي وجوب القضاء في قبال من يفتي منهم بوجوبه ، وهذا الأمر الذي اعترف بأنّه متسالم عليه بين الأصحاب قد استفيد



(1) المجيب هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 21 : 270 ـ 275 .


الصفحة 136

من مثل الرواية ، وإلاّ فأيّ دليل على عدم وجوب القضاء ، والعلّة المذكورة فيها إنّما هي للإرشاد إلى مخالفتهم وعدم الموافقة لهم في وجوب القضاء ; وهي مشتملة على نكتة العدم، وسرّ بطلان الفتوى بالوجوب مع كون المورد ركوب الأمر بجهالة . نعم ، لا مانع من استفادة نفي وجوب الكفّارة أيضاً .

وما اُفيد في الذيل من أ نّ الإسناد المجازي يقتضي جواز الإسناد إلى الفعل ، فهو أمر عقليّ لا عقلائيّ يصحّ الاتّكال عليه ، إذن فالظاهر ثبوت التعارض ولزوم تقديم الإطلاقات لاستناد المشهور إليها ، فاللازم الحكم بما في المتن ، غاية الأمر وضوح الحكم المذكور بالإضافة إلى الجاهل المقصرّ ، وأمّا الجاهل القاصر فالحكم بالإضافة إليه غير واضح ، فلا يترك الاحتياط فيه ، وذكر في المتن بعده أ نّ من أكل عامداً بظنّ فساد صومه وعدم حرمة الأكل عليه من ناحية الصوم فهو عامد ، والسرّ فيه كونه في أكله عامداً ، غاية الأمر أنّ الداعي إليه والمحرّك هو ظنّ الفساد الذي انكشف خلافه ، ولا يقدح ذلك في الصدق المذكور .

المقام الثاني : أ نّ المقهور المسلوب عنه الاختيار كالموجر في حلقه لا يبطل به صومه بخلاف المكرَه ، أمّا عدم البطلان في الفرض الأوّل فوجهه واضح ; لأنّه مع القهر الكذائي لا يسند الفعل إليه حتّى يتّصف بالمفطريّة . وأمّا البطلان في الفرض الثاني ; فلأ نّ المكره ـ بالفتح ـ إنّما يفعل باختياره وإرادته ، غاية الأمر أنّ المحرّك له عليه هو التوعيد الصادر من المكرِه بالكسر ، فهو فاعل اختياراً فراراً عن الوعيد ، وإلاّ فمن الواضح أنّه لا يوجب سلب الاختيار عنه وإن كان مع عدم الإكراه لا يختار الفعل أصلاً .

المقام الثالث : في حكم التقيّة ، وفيها صور :

الاُولى : ما إذا ارتكب تقيّة ما لا يراه للناس مفطراً ، ولا يفتي علماؤهم


الصفحة 137

المتصدّون للفتوى ببطلان الصّوم معه ، كالارتماس في الماء وبعض المفطرات الاُخر ، وفي هذه الصورة حكم بصحّة الصوم مع الأمر الكذائي ، ولازمه عدم وجوب القضاء عليه ، ولكن أطلق السيّد في العروة بطلان الصوم مع الإفطار تقيّة ، فقال : إذا أفطر تقيّة من ظالم بطل صومه (1)، انتهى . وهو البادئ في النظر ; نظراً إلى أنّ التقيّة ترفع الحكم التكليفي وتنقلب الحرمة إلى الجواز ، بل إلى الوجوب . وأمّا بطلان الصوم فهو باق بحاله ; لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه طبقاً لمذهبه الذي هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام)  ، فاللازم القضاء لأدلّته .

والتحقيق في المقام أن يقال: إنّه لا ينبغي الإشكال في صحّة جملة غير قليلة من العبادات مع صدورها تقيّة ، كالصلاة والوضوء، بل الحجّ الذي ذكرنا في كتاب الحجّ(2) أنّ الأئـمّة (عليهم السلام) كانوا يحجّون مع الناس طبقاً لحكم قضاتهم برؤية الهلال ، فكانوا يرتّبون آثار عيد الأضحى على يوم كانوا يرونه عيداً ، واستمرّ هذا الأمر حدود مائتين سنة تقريباً من دون إشعار منهم بوجوب القضاء على شيعتهم ، وكانت الشيعة بل جمع من أنفسهم (عليهم السلام) مجبورين بالصلاة معهم جماعة مع الاختلاف العظيم بيننا وبينهم من جهات مختلفة، ولم ينقل منهم الإعادة أو إعلام الشيعة بذلك.

بل ذكرنا في رسالة مختصرة كتبناها في التقيّة المداراتيّة(3) سابقاً عدم وجوب الإعادة أو القضاء مع وجودها، فضلاً عن التقيّة الاضطراريّة الجائزة لدفع الخطر الاحتمالي عن النفس، فهل لا يستفاد من مجموع ذلك صحّة العمل العبادي مطلقاً



(1) العروة الوثقى 2 : 31 مسألة 2463 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5:106
(3) تقيّه مداراتى: 17 ـ 22.


الصفحة 138

ولو كان صوماً، كما هو المبحوث عنه في ا لمقام، أو يقال بالاختصاص بخصوص ما  قام الدليل على الإجزاء فيه من العبادات المخصوصة؟ الظاهر هو الأوّل كما قوّاه في المتن .

الثانية : ما إذا أفطر قبل ذهاب الحمرة على مبناهم، القائلين بتحقّق الغروب باستتار القرص ولا حاجة إلى ذهاب الحمرة المشرقيّة، كما هو المشهور بين علماء الشيعة(1) ، وقد ذكر فيه أنّ حكمها حكم الصورة الاُولى ، ولكن تحقّق موضوع التقيّة في هذا المورد مشكل ، فقد سمعت من بعض المعتمرين في رمضان خصوصاً في مكّة المكرّمة أ نّ الصائمين المجتمعين قبل الغروب في المسجدين اللذين أكثرهم منهم بل الشيعة في مقابلهم عدد قليل ، لا يفطرون بمجرّد سماع الأذان قبل ذهاب الحمرة، بل هم بين مفطر حينه ، وبين مفطر بعده ، وبين مفطر بعد صلاة المغرب ، التي كان ذهاب الحمرة معه متحقّقاً قطعاً ، فمع هذا الاختلاف لا مورد للتقيّة بالإفطار قبله إلاّ في موارد شخصيّة ، كما لا يخفى .

الثالثة : الإفطار يوم الشك في أنّه من رمضان أو من شوّال ، فيكون عيد الفطر الذي يحرم ا لصوم فيه، كما لا يخفى .

وقد فصّل فيها في هذه الصورة بعد كون حكمهم بالعيد ، مستنداً إلى الموازين القضائيّة الثابتة عندهم بالنسبة إلى الرؤية ، بين صورة بقاء الشك وعدم وضوح حال اليوم من كونه آخر رمضان أو أوّل شوّال ، بعدم وجوب القضاء على الأقوى مع وجوب الإفطار كما هو مقتضى التقيّة ، وتدلّ عليه قرينة المقابلة ، وبين صورة العلم بكون حكمهم مخالفاً ، وأ نّ هذا اليوم كان آخر رمضان ، فأوجب الإفطار



(1) مجمع الفائدة والبرهان 2:22، مفاتيح الشرائع 1:94، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1:227.


الصفحة 139

لأجل التقيّة واحتاط وجوباً القضاء ، وببالي استثناء صورة العلم بالمخالفة من لزوم التبعيّة لأجل التقيّة ، وعدم وجوب الإعادة بالمعنى الأعمّ في باب الحجّ من جهة حكمهم بثبوت الرؤية .

ولكنّا استشكلنا في ذلك بأنّ مقتضى الدليل الذي ذكرناه من حجّ المعصوم (عليه السلام) معهم في المدّة الطويلة المذكورة من دون التفوّه فيما يرتبط إلى العيد من مطابقة حكمهم للواقع أو مخالفته له ، لعلّه ربما يدلّ على لزوم المتابعة ولو مع العلم بالخلاف ; إذ من البعيد الالتزام بعدم العلم بكون حكمهم مطابقاً ولو مرّة أو مرّات أو مخالفاً .

فمن هذا الطريق يستفاد وجوب التقيّة ، كما أنّه يستفاد عدم وجوب الإعادة ، ولا غرو في ذلك بعد عدم الوجوب في مثل باب الصلاة التي هي أساس الدين وركن العبادات إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدّت ردّ(1) . نعم ، لا  بأس في المقام بالذهاب إلى اقتضاء الاحتياط الاستحبابي للقضاء ، فافهم واغتنم .



(1) وسائل الشيعة 4 : 34 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ب 8 ح 10 و 13  و ص 108 ، أبواب المواقيت ب 1 ح 2 .


الصفحة 140

<<التالي الفهرس السابق>>