في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



الصفحة 161

(قال  خ ل) : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان(1)، ورواها في الوسائل في باب واحد مرّتين، مع أ نّه من الواضح عدم ثبوت التعدّد في البين .

وصحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المعتكف يجامع (أهله خ ل)؟ قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر(2) .

ولكن قد عرفت أنّ الكلام هنا لا يكون إلاّ في أصل ثبوت الكفّارة وعدمها لا  في مقدارها . وعليه : فلا إشكال في ثبوت الكفّارة في الجماع ، ولذا لو وقع في الليل الذي لا يصام فيه تكون الكفّارة ثابتة ، ولم يستفصل في الروايتين عن أنّ الجماع هل وقع في الليل أو في النهار الذي يصوم المعتكف فيه؟

وأمّا الثاني : فالمشهور(3) فيه عدم الإيجاب للكفّارة ; إذ لا ملازمة بينه وبين الحرمة ، والمحكي عن المفيد والسيّدين والعلاّمة وجوب الكفّارة مطلقاً(4) ، بل عن الغنية دعوى الإجماع على الإلحاق بالجماع ، وهي كما ترى ، مضافاً إلى كونه من الإجماع المنقول الذي ليس بحجّة ، مخالفة للمشهور كما عرفت ، ونسب إلى بعض(5)إلحاق الاستمناء بالجماع ، وهو فاقد للدليل ; لأنّ ما ورد إنّما هو بالإضافة إلى الجماع، من دون فرق بين النهار والليل .

وممّا ذكرنا ظهر أ نّه لو كان الاعتكاف في شهر رمضان يكون الجماع في النهار



(1) الفقيه 2 : 123 ح 534 ، الكافي 4 : 179 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 291 ح 886 و ص 292 ح 888 ، الاستبصار 2 : 130 ح 423 و 425 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 547 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2 و 5 .
(2) الفقيه 2 : 122 ح 532 ، الكافي 4 : 179 ح 1، تهذيب الأحكام 4 : 291 ح 787 ، الاستبصار 2 : 130 ح 424 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 546 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 1 .
(3) جواهر الكلام 17: 208، مدارك الأحكام 6: 349، مستند الشيعة 10: 575، ذخيرة المعاد: 542.
(4) المقنعة : 363 ، غنية النزوع: 147 ، رسائل الشريف المرتضى 3 : 61 ، تذكرة الفقهاء 6 : 318 .
(5) المبسوط 1 : 294 ، الخلاف 2 : 238 مسألة 113 ، تذكرة الفقهاء 6 : 318 .


الصفحة 162

مسألة 5 : لو أفطر متعمّداً لم تسقط عنه الكفّارة ـ على الأقوى ـ لو سافر فراراً من الكفّارة ، أو سافر بعد الزوال ، وعلى الأحوط في غيره . وكذا لا تسقط لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص على الأحوط . بل الأحوط عدم سقوطها لو أفطر متعمّداً ، ثمّ عرض له عارض قهريّ من حيض أو نفاس أو مرض وغير ذلك وإن كان الأقوى سقوطها . كما أنّه لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال ، فالأقوى سقوطها كالقضاء 1 .


موجباً لثبوت كفّارتين للإفطار في شهر رمضان وللاعتكاف ، وهو مع أ نّه مقتضى القاعدة ، يدلّ عليه رواية عبدالأعلى بن أعين ـ التي في طريقها محمد بن سنان ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان؟ قال : عليه الكفّارة . قال : قلت : فإن وطأها نهاراً ؟ قال : عليه كفّارتان(1) . ولا  مجال لاحتمال التداخل في مثل ذلك بعد كون الموجبين مختلفين وإن فرض اتّحاد جنس الكفّارتين ، فتدبّر .

1ـ في هذه المسألة فروع :

الأوّل : لو أفطر متعمّداً فيما لو كان الإفطار موجباً للكفّارة وسافر بعد ذلك ، فقد فصّل في المتن بين ما لو كان السفر لأجل الفرار من الكفّارة ، أو كان السفر بعد الزوال ، فقد قوّى فيه عدم سقوط الكفّارة ، وبين غيره ، كما لو لم يكن السفر لأجل الفرار ولم يكن بعد الزوال ; بأن كان قبله لا للفرار ، فاحتاط وجوباً عدم السقوط . أمّا وجه قوّة العدم في الفرض الأوّل; فلأ نّ مقتضى الاستصحاب عدم السقوط ;



(1) الفقيه 2 : 122 ح 533 ، تهذيب الأحكام 4 : 292 ح 889 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 547 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 4 .


الصفحة 163

لفرض الثبوت حين الإفطار بعد تحقّقه من ناحية ، وعدم السفر حال الإفطار ، فهو مكلّف بالصوم حاله ، وقد وقع إفطاره متعمّداً ، فتجب عليه الكفّارة .

ولا مجال لأن يقال : إنّ السفر قبل الزوال خصوصاً فيما لو كانت نيّته من الليل ـ لا حادثة في النهار ـ يكشف عن عدم كونه مكلّفاً بالصوم الذي هو الإمساك في جميع النهار بقصد الصوم والأمر المتعلّق به ; لأنّ عنوان الإفطار متعمّداً في حاله كان محفوظاً ، أفيجوز قطع الصلاة على تقدير الحرمة بمجرّد العلم بخروج الحدث منه قبل إتمامها ؟ وهل يكون الخروج المزبور كاشفاً عن عدم كون خروجه عن الصلاة فهو غير محرّم ؟

والمقام كذلك ، خصوصاً فيما إذا كان السفر لأجل الفرار عن الكفّارة ، مع أ نّه لو كان السفر للفرار المزبور مفرّاً عن تعمّد الإفطار الموجب للكفّارة لاُشير إليه في جملة من الروايات الدالّة على ذلك ، مع أ نّه لم تقع الإشارة إليه ولو في واحدة فضلاً عن المتعدّدة ، وهذا مع أ نّه مقتضى القاعدة ، يدلّ عليه بعض النصوص ، مثل :

صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو عبدالله (عليه السلام)  : أيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنّه يزكّيه . قلت له : فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم ؟ قال : ليس عليه شيء أبداً . قال وقال زرارة عنه (عليه السلام)  : أ نّه قال : إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ثمّ خرج في آخر النهار في سفر، فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه ، وقال : إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ، ولكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء، بمنزلة منخرج ثمّ أفطر . . . إلخ(1); فإنّه لا مجال معها للمناقشة في أنّه إذا خرج بعد تعمّد



(1) الكافي 3 : 525 ح 4 ، تهذيب الأحكام 4 : 35 ح 92 ، الفقيه 2 : 17 ح 54 ، وعنها وسائل الشيعة 9 : 163 ، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضة ب 12 ح 2 .


الصفحة 164

الإفطار الموجب للكفّارة في آخر النهار الذي يراد به لا محالة بعد الزوال، وكان غرضه من الخروج للسفر إبطال الكفّارة فهي لا تسقط ، ولأجله لابدّ من الحكم به بنحو الفتوى كما في المتن .

نعم ، لو كان خروجه في أوّل النهار ، الذي يراد به قبل الزوال بغير قصد الفرار عن الكفّارة فقد احتاط فيه وجوباً بعدم السقوط ، ولعلّ الوجه فيه استفادة وحدة الملاك ; وهو حصول الإفطار في زمان كان مأموراً فيه بالصيام وإن انكشف الخلاف بعد .

الثاني : لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص المجوّز للإفطار ; فإنّه احتاط وجوباً أيضاً فيه بالملاك المتقدّم .

الثالث : ما لو تعمّد الإفطار ثمّ عرض له عارض قهريّ من مرض أو حيض أو نفاس أو غيرها ، فقد قوّى فيه في المتن سقوطها واحتاط استحباباً بالعدم ، ولازم ما ذكرنا من الملاك هو القول بعدم السقوط في هذا الفرع أيضاً ; لأنّه كان مأموراً حين الإفطار بالصيام وعدم جواز الإفطار ، لكن يمكن أن يقال بالسقوط هنا ; لأنّه لم يفعل موجبه اختياراً ، وحتى لا يكون كالسفر بعد الزوال ، بل العلّة ناشئة من أمر غير اختياري ، وإن شئت قلت : إنّه كما لا يجب في هذه الصورة القضاء في أكثر مواردها ، كذلك لا تجب الكفّارة ، فتدبّر جيّداً .

الرابع : ما لو أفطر في يوم الشكّ من شوّال ثم تبيّن أ نّه لم يكن من شهر رمضان وأنّ الإفطار قد وقع في يوم العيد ، فقد قوّى في هذه الصورة عدم وجوب الكفّارة ولا القضاء ، ولعلّ الوجه فيه أ نّ الإفطار الكذائي واقع في محلّه ، غاية الأمر عدم الاطّلاع عليه وكون مقتضى الاستصحاب العدم ، ومع انكشاف الخلاف يعلم بالعدم ، فلا وجه فيه لشيء من الأمرين أصلاً .


الصفحة 165

مسألة 6 : لو جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان ، فإن طاوعته فعلى كلّ منهما الكفّارة والتعزير ، وهو خمسة وعشرون سوطاً ، وإن أكرهها على ذلك يتحمّل عنها كفّارتها وتعزيرها ، وإن أكرهها في الابتداء ـ على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ـ ثمّ طاوعته في الأثناء ، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وكفّارة عليها ، وإن كان الإكراه على وجه صدر الفعل بإرداتها وإن كانت مكرهة ، فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وعدم كفّارة عليها . وكذا الحال في التعزير على الظاهر . ولا تلحق بالزوجة المكرهة الأجنبيّة . ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة . ولو أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئاً 1 .


1ـ لو جامع زوجته في شهر رمضان وهو صائم ، فتارة: لا تكون هي صائمة فالحكم لا يعدو عنه ، ولا مجال لاحتمال التحمّل . وأمّا إذا كانت صائمة ففيه صور ثلاث :

الاُولى : ما إذا كانت مطاوعة ابتداءً واستدامة ، فعلى كلّ منهما حكمه من الكفّارة والتعزير ، والمستند الوحيد في هذا الأمر هي رواية المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : إن كان استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة ، وعليها كفّارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطاً(1).

قال صاحب الوسائل (قدس سره) بعد نقل الرواية : ذكر المحقّق في «المعتبر» أ نّ سندها



(1) الكافي 4: 103 ح 9 ، الفقيه 2: 73 ح 313 ، تهذيب الأحكام 4 : 215 ح 625 ، المقنعة : 348 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 56 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1 .


الصفحة 166

ضعيف ، لكنّ علماءنا ادّعوا على ذلك إجماع الإماميّة فيجب العمل بها ، وتعلم نسبة الفتوى إلى الأئـمّة (عليهم السلام) باشتهارها(1) ، انتهى .

والظاهر أنّ الأمر كذلك ; لعدم ذكر التعزير في رواية اُخرى ، وعدم ثبوته على الصائم المجامع لامرأته مع عدم كونها صائمة أصلاً ; لما عرفت من أنّ الثابت في هذه الحالة ليس إلاّ الكفّارة ، فالحكم بثبوت التعزير في المقام لابدّ وأن يكون مستنداً إلى هذه الرواية ، والظاهر أ نّ هذا هو مراد المحقّق من الإجماع ، لا الإجماع المصطلح الذي هو فوق الشهرة، كما صرّح به في آخر كلامه ، فالإيراد(2) عليه باحتمال أن يكون مراد المحقّق التمسّك بالإجماع وإلغاء الرواية لضعفها ، في غاية البعد .

الثانية : عكس الصورة السابقة ، وهو ما لم تكن هناك مطاوعة أصلاً لا ابتداءً ولا استدامة ، والحكم فيها ـ كما يستفاد من الرواية ـ لزوم تحمّله عنها الكفّارة والتعزير ، فيجب عليه كفّارتان كما أ نّه يجب عليه تعزيران ; وهما خمسون سوطاً على ما فيها .

الثالثة : ما إذا كانت مكرهة في الابتداء مطاوعة في الاستدامة ، وقد فصّل فيها في المتن بين ما لو كان الإكراه في الابتداء على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ثمّ طاوعته بعد ذلك ، فحكم بثبوت كفّارتين عليه وكفّارة عليها ، وبين ما لو كان الإكراه ـ كما في سائر الموارد ـ على وجه صدر منها الفعل عن إرادة واختيار ، غاية الأمر أنّ المحرّك هو الفرار عن توعيده وتهديده ، فقد قوّى فيه ثبوت كفّارتين عليه وعدم كفّارة عليها ، وهكذا التعزير .



(1) المعتبر 2: 681.
(2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21 : 369 .


الصفحة 167

مسألة 7 : لو كان مفطراً لكونه مسافراً أو مريضاً، وكانت زوجته صائمة، لايجوز إكراهها على الجِماع ، وإن فعل فالأحوط أن يتحمّل عنها الكفّارة 1 .


والظاهر أنّ وجه التفصيل المذكور; أنّ الإكراه الموجب لسلب الاختيار والإرادة في الابتداء كما في الفرض الأوّل يوجب ثبوت كفّارتين عليه ، وبالمطاوعة البعديّة تثبت كفّارة عليها ، ولا يكون تحمّل الزوج مانعاً عن ثبوتها عليها لأجل المطاوعة ، وأمّا الإكراه بالمعنى الآخر فلا ينافي الاختيار والإرادة من الأوّل ، والمطاوعة العارضة لا تؤثّر في حدوث الإرادة ، غاية الأمر أنّ الرواية دلّت على تحمّل الزوج لأمرين ، فلم يتحقّق هنا عنوان آخر موجب لتغيّر الحكم أو الثبوت على الزوجة زائداً على الزوج .

وبعبارة اُخرى : حيث يكون أصل التحمّل على خلاف القاعدة ; لأنّها مقتضية للثبوت على نفس الشخص مع بقاء الإرادة، وللسقوط عنه على تقدير عدمها، والتحمّل يحتاج إلى دليل على الخلاف المذكور ، فلابدّ من الأخذ بالرواية التي قد  اُخذ فيها عنوان الإكراه لثبوت تحمّل الزوج ، من دون التعرّض لصورة المطاوعة بعد الإكراه ، بل اللازم الحكم فيها على طبق القاعدة ، ومقتضاها ثبوت كفّارات ثلاث، بخلاف الإكراه بالمعنى الثاني الذي لايكاد ينفكّ عن الإرادة والاختيار.

ثمّ إنّه لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة; لإطلاق الرواية ، نظراً إلى السؤال وترك الاستفصال في الجواب . وحيث عرفت أنّ التحمّل على خلاف القاعدة مدلولاً عليه بالنصّ ، فلا يجري الحكم في الزوجة الصائمة إذا أكرهت زوجها الصائم على الجماع ، كما أ نّه لا يجري فيها إذا أكره الرجل المرأة الأجنبية على الجماع وإن كانا صائمين; لخروج الفرضين عن مورد الرواية .

1ـ لو كان الزوج مفطراً لكونه مسافراً رجع من سفره بعد الزوال ، أو بعد


الصفحة 168

الإفطار في السفر ، أو كان مريضاً لا يجب عليه الصوم ، وكانت زوجته صائمة في شهر رمضان ، فهنا أمران :

الأوّل  : أنّه إذا أكرهها على الجماع من غير مطاوعة، فهل يتحمّل عنها الكفّارة ، غاية الأمر لزوم كفّارة واحدة; لعدم كونه بنفسه صائماً ؟ احتاط وجوباً في المتن بالتحمّل ، ولكن صرّح السيّد في العروة(1) بالعدم ، وهو الظاهر في بادئ النظر ; بلحاظ ما عرفت من كون التحمّل على خلاف القاعدة ، ومورد الرواية المتقدّمة هما الزوجان الصائمان ، فإذا لم يكن الزوج صائماً فهو خارج عنه ، ولكنّ التأمّل فيها يقضي بأنّ منشأ التحمّل هي صفة الصوم المتحقّقة في المرأة وإكراهها على الجماع من دون مطاوعة ، ولا فرق في ذلك بين صورة صوم الزوج الموجب لتحقّق الكفّارة، وثبوتها عليه في الجماع في شهر رمضان مثلاً ، وبين صورة العدم كما في فرض المقام ، فالظاهر هو الاحتياط المذكور في المتن .

الثاني : أصل جواز الإكراه في هذه الصورة وعدمه ، وقد صرّح في المتن بعدم الجواز، كما ربما يحكى(2)عن البعض الآخر; نظراً إلى أنّه لا يجوز لأحد أن يكره غيره فيما ليس له عليه حقّ . نعم، في حقّه الثابت المشروع له الإكراه،كما بالإضافة إلى المديون القادر على أداء الدين الممتنع فيه ، وفي المقام ليس له حقّ ; لأنّ الزوج وإن كان له حقّ الاستمتاع إلاّ أ نّه ليس له هذا الحقّ في هذه الحالة،كما في حال الحيض.

ولكن استظهر بعض الأعلام (قدس سره) أ نّه لا دليل على حرمة إكراه الغير على ما ليس فيه الحقّ على نحو الكبرى الكلّية . نعم ، لو كان العمل المكرَه عليه محرّماً كشرب



(1) العروة الوثقى 2 : 38 مسألة 2487 .
(2) الحاكي هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21 : 374 .


الصفحة 169

الخمر، أو كان الشيء المتوعّد عليه أمراً لا يسوغ ارتكابه في حدّ نفسه ; كما لو هدّده بالقتل أو مثله، كان الإكراه حينئذ حراماً . وأمّا لو كان العمل سائغاً وإن لم يكن فيه الحقّ ، أو كان التوعيد بما هو أيضاً سائغ في حدّ نفسه ، كما لو فرض أنّ الزوجة تعمل عملاً غير مناف لحقّ الزوج من خياطة أو نحو ذلك ، ولكنّ الزوج لا يعجبه ذلك العمل ولا يرضى به ، فيهدّدها بما هو جائز له من الطلاق أو التسرّي عليها ، فلا دليل على حرمة مثل هذا الإكراه بعد عدم كونه ظلماً ولا تعدّياً ، وإنّما هو إلزام وتوعيد للغير بالفعل الكذائي أو ترك الكذائي .

فمع كون الأمر المكره عليه سائغاً في نفسه والإكراه أيضاً بشيء وهو سائغ للمكره ، أفهل هناك مانع عن جواز الإكراه ؟ والمقام من هذا القبيل ; فإنّ تمكين الزوجة الصائمة وإن كان حراماً، إلاّ أنّه يرتفع بالإكراه موضوع الحرمة بمقتضى حديث الرفع (1) ، فيصدر عنها الفعل بنحو سائغ ، فإذا أكرهها الزوج بالتوعيد بشيء وهو سائغ في نفسه من الطلاق ونحوه ، فأيّ مانع من هذا الإكراه؟

نعم ، الذي ينبغي التكلّم فيه أ نّه هل يجوز الإكراه على أمر محرّم في نفسه ولو كان المتوعّد عليه مباحاً ; نظراً إلى صيرورته حلالاً بالإكراه ؟ وبعبارة اُخرى : هل يجوز إيجاد موضوع الجواز بالإكراه أو لا؟ واستظهر عدم الجواز ; لأنّ المولى إذا نهى شخصين عن عمل يفهم العرف منه أنّ المبغوض للمولى صدور هذا العمل من غير خصوصيّة لجهة الإصدار ، وأ نّ المتصدّي له هو الفاعل بالمباشرة أو بالتسبب ، فإذا منع المولى شخصين عن الدخول عليه ، فأكره أحدهما الآخر وأجبره علىالدخول ، يعاقب المكرِه على فعله التسبّبي وإن كان المكرَه معذوراً في عمله .



(1) تقدّم في ص 37 .


الصفحة 170

مسألة 8 : مصرف الكفّارة في إطعام الفقراء : إمّا بإشباعهم ، وإمّا بالتسليم إلى كلّ واحد منهم مُدّاً من حِنطة ، أو شعير ، أو دقيق ، أو أرُز ، أو خبز ، أو غير ذلك من أقسام الطعام ، والأحوط مُدّان ، ولا يكفي في كفّارة واحدة ـ مع التمكّن من الستّين ـ إشباع شخص واحد مرّتين أو مرّات ، أو إعطاؤه مُدّين أو أمداد ، بل لابدّ من ستّين نَفساً . ولو كان للفقير عيال يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد مُدّاً; مع الوثوق بأنّه يُطعمهم أو يُعطيهم ، والمُدّ ربع الصاع ، والصاع ستّمائة مثقال وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال 1 .


وقصارى ما يقتضيه حديث الرفع هو رفع العقاب دون المبغوضيّة ، وعلى هذا الأساس يكون البناء على عدم جواز تقديم المأكول النجس إلى المكلّف الجاهل ليأكله . نعم ، يتوقّف ما ذكر على إحراز ثبوت مقتضي الحرمة كما في المقام ، وإلاّ ففي صورة الشك لا يبعد الحكم بالجواز ، كما لو جامع الزوج غير الصائم زوجته الصائمة في حال النوم ، فإنّ الظاهر أ نّه لا بأس بهذا الجماع (1)، انتهى تقريباً .

وأنت خبير بأنّ ما أفاده بطوله وإن كان في غاية المتانة ولا تجري فيه المناقشة ، إلاّ أنّ مرجعه إلى ما ذكر من أ نّه ليس للزوج حقّ الاستمتاع في هذه الحالة كحال الحيض على ما مثّلنا ، فإذا أكرهها على الجماع في حال الصوم في رمضان مثلاً ، فالحرمة وإن كانت مرفوعة عن الزوجة المكرهة ، إلاّ أ نّه ليس له حقّ الاستمتاع في هذه الحالة ، فيكون الإكراه غير جائز .

1ـ الكلام في هذه المسألة في جهات :

الاُولى : لا إشكال في أنّ مصرف الكفّارة هو الفقير ، وفي أنّ المراد منه هو



(1) المستند في شرح العروة 21 : 375 ـ 378 .


الصفحة 171

المسكين المذكور في الآية(1) والروايات ; لأنّهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، والمراد منه من يقابل الغني الذي له مؤونة السنة بالفعل أو بالقوّة ولو لأجل القدرة على العمل ، كما هو المعمول في زماننا من وجود جماعة مخصوصة معدّين أنفسهم للاستئجار على الأعمال ، وذلك يكفي في ارتزاقهم وفي اتّصافهم بالغنى وإن كان لعلّه خلاف العرف ، لكن ملاكه في نظر الشرع واحد، كما في الموارد الاُخرى ، ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكر ، موثقة إسحاق بن عمّار الواردة في كفّارة الإطعام الدالّة على قوله : قلت : فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين ؟قال : نعم . . .إلخ(2); فإنّه يظهر منها أنّ الملاك مجرّد الحاجة من غير فرق بين القرابة وغيرهم .

الثانية : أ نّ للإطعام طريقين :

أحدهما : الإشباع ; أي إشباع ستّين مسكيناً ; لأنّه وإن كان يتحقّق الإطعام بمسمّـاه وإن لم يبلغ حدّ الإشباع ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي منه صورة الإشباع ، كما في التعبير القرآني الذي أطعمهم من جوع (3) ، الظاهر في مقابلة الإطعام مع الجوع ، كمقابلة الأمن مع الخوف في الآية(4) المعطوفة على هذه الآية ، والظاهر ثبوت المقابلة مطلقاً لا في خصوص المورد ، كما لا يخفى .

وثانيهما : التسليم إلى كلّ واحد من الفقراء ، وينبغي التكلّم في هذه الجهة من أمرين :



(1) سورة المائدة 5 : 89 و 95 .
(2) تهذيب الأحكام 8 : 298 ح 1103 ، الاستبصار 4 : 53 ح 185 ، تفسير العيّاشي 1 : 336 ح 166 ، وعنها وسائل الشيعة 22 : 386 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 16 ح 2 .
(3 ، 2) سورة قريش (إيلاف) 106 : 4 .


الصفحة 172

الأوّل : هل اللازم مع التسليم إلى الفقراء مدّان ، أو مدّ واحد؟ فالمشهور(1) على الثاني ، والمحكي عن الشيخ ومن تبعه الأوّل (2)، والظاهر أ نّه لم يرد في روايات الباب إلاّ مدّ واحد ، ولكنّ الشيخ لعلّه استفاد ذلك من ثبوت مدّين في كفّارة الظهار ; نظراً إلى أنّه لا فرق بين المقامين ، فإن قلنا بالتفكيك وإمكان الفرق ولزوم الاقتصار على المورد فهو ، وإلاّ فاللازم الحمل على الاستحباب جمعاً بين نصوص البابين ، وعلى فرض التعارض فالشهرة تعيّن المدّ في المقام ، كما أ نّه لو وصلت النوبة إلى الأصل فمقتضاه كفاية الاقتصار على الأقلّ ; للدوران بين الأقلّ والأكثر ، كما  لايخفى .

الثاني : الظاهر بلحاظ تعيين العدد في الفقراء إشباعاً أو تسليماً لزوم رعاية ذلك بالنسبة إلى الستّين ، فلا يكفي الأقلّ ولو بلغ ستّين مرّة ، بل لابدّ من البلوغ إلى العدد المذكور. نعم ، إذا كان للفقير عيال يجوز إعطاء الكفّارة إلى الفقير مع الوثوق بإطعامهم إشباعاً أو تسليماً ، ولكن لابدّ من البلوغ إلى العدد المذكور ، وهو ستّون نفساً .

الجهة الثالثة : المدّ ربع الصاع ، وقد اشتهر أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يتوضّأ بمدّ ويغتسل بصاع ، وفي المتن ستمائة مثقال وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال ، وقد مرّ في باب المياه من كتاب الطهارة في بحث الكرّ(3) ما يتضمّن التحقيق في هذا المقام ولا حاجة إلى الإعادة ، فراجع .



(1) جواهر الكلام 33 : 258 ، مستمسك العروة 8 : 374 ، المستند في شرح العروة 21 : 396 .
(2) الخلاف 4 : 560 مسألة 62 ، المبسوط 1 : 286 ، الوسيلة : 353 .
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الطهارة، المياه : 135 ـ 151 .


الصفحة 173

مسألة 9 : يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت; لصوم كانت أو لغيره . وفي جوازه عن الحيّ إشكال ، والأحوط العدم ، خصوصاً في الصوم 1 .


1ـ أمّا جواز التبرّع بالكفّارة عن الميّت لصوم كانت أو لغيره ـ فمضافاً إلى أ نّهلا إشكال فيه بل لا خلاف (1) ـ فلما فصّلناه في مبحث الحجّ النيابي(2) من أنّ النيابة وإن كانت على خلاف الأصل والقاعدة ، إلاّ أنّه قد دلّت الروايات الكثيرة(3) على جريانها في الحجّ والصلاة وأمثال ذلك من الاُمور العباديّة فضلاً عن غيرها ، كأداء دين الميّت . نعم ، في الجواز عن الحيّ إشكال واختلاف ، فالمشهور المنع (4)، وقد  جوّزه جماعة (5) ، كما أنّ المحقّق فصّل في محكي الشرائع(6) بين الصوم فلا يجوز ، وبين غيره كالعتق والإطعام فيجوز ، واحتاط الماتن بالاحتياط الوجوبي بالعدم مطلقاً، خصوصاً في الصوم .

والدليل على الجواز المطلق، إطلاق كلمة الدين على حقوق(7) الله وكلّ دين



(1) مستمسك العروة 8 : 370 ، المستند في شرح العروة 21 : 384 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ : 2 / 13 .
(3) وسائل الشيعة 2 : 443 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاحتضار ب 28، و ج 8 : 276 ، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات ب 12، و ج 11 : 163 ، كتاب الحجّ ، أبواب النيابة في الحج ب 1 و 2 و 3  ، و ج 18 : 371 ، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض ب 30 .
(4) جواهر الكلام 16 : 314 .
(5) المبسوط  1  : 276 ، مختلف الشيعة 3 : 318 مسألة 63 .
(6) شرائع الإسلام 1 : 176 .
(7) مسند أحمد بن حنبل 1 : 489 ح 2005 ، صحيح البخاري 3 : 294 ، كتاب الصوم ب 42 ح 1953 ، صحيح مسلم 2 : 661 ، كتاب الصيام ب27 ح 154 و 155 ، سنن أبي داود : 514 ، كتاب الأيمان والنذور ب 26 ح3310 .


الصفحة 174

مسألة 10 : يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني ، ويجوز له التفريق في البقيّة ولو اختياراً . ولو أفطر في أثناء ما يعتبر فيه التتابع لغير عذر وجب استئنافه ، وإن كان للعذر ـ كالمرض والحيض والنفاس والسفر الاضطراري ـ لم يجب عليه استئنافه ، بل يبني على ما مضى . ومن العذر نسيان النيّة حتّى فات وقتها; بأن تذكّر بعد الزوال 1 .


يسوغ فيه التبرّع ، مع أ نّه قد اُورد(1) على الصغرى بأنّ إطلاق كلمة الدين عليها وإن ورد في بعض الروايات المعتبرة ، لكنّه مبنيّ على ضرب من المسامحة ونوع من العناية ، وإلاّ فالمتبادر منه هو الدين المالي . وعلى الكبرى بعدم ثبوت جواز التبرّع عن الغير في كلّ دين ، وإنّما الثابت في خصوص الديون الماليّة ، وأمّا أ نّ مطلق ما  كان واجباً يصحّ التبرّع به عن الغير، فلم يدلّ عليه دليل .

وأمّا التفصيل ، فالدليل على العدم في الصوم ما مرّ من أنّ النيابة على خلاف القاعدة ، وعلى الجواز في غيره وضوح جريان التوكيل فيه ، ولازمه جريان التبرّع أيضاً مع أنّ الملازمة ممنوعة ، فالاحتياط كما في المتن ، لا يجوز أن يترك .

1ـ هل التتابع في صوم شهرين متتابعين الذي هو إحدى الخصال معتبر بالنسبة إلى جميع أيّامهما ; أي الستون أو ما يقرب منه ، أو أ نّه معتبر بالنسبة إلى الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني، بحيث يصدق التتابع من حيث الشهر ، ولا يعتبر التتابع في الأيّام، شبيه ما ذكرناه في كتاب الحجّ(2) بالنسبة إلى العمرة المفردة ; من أنّ



(1) المورد هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 21 : 388 ـ 390 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجّ 2 : 235 ـ 242 .


الصفحة 175

ما ورد «أنّ لكلّ شهر عمرة»(1) لا يراد به اعتبار فصل مقدار يساوي الشهر بين عمرتين ، بل المراد به أنّ لكل عنوان من عناوين الشهور عمرة مستقلّة ; فيجوز أن يأتي بعمرة في أواخر رجب ، وبعده في أوائل شعبان وإن كانت عن نفسه ولم يتحقّق الفصل إلاّ بمقدار قليل ، غاية الأمر تغيّر عنوان الشهر وتبدّله ، بخلاف ما إذا أوقع الثانية في نفس الشهر الذي أتى بالاُولى فيه ; فإنّه غير جائز وإن كان الفصل أزيد من عشرين يوماً .

وبعبارة اُخرى : التتابع الذي اُخذ وصفاً هل يعتبر بين الشهرين ، أو بين أيّامهما أيضاً ؟ الظاهر هو الأوّل ، ولازمه أنّه لو أفطر في أثناء ما يعتبر فيه التتابع من غير عذر يلزم استئنافه لحصوله . نعم ، لو كان مستنداً إلى العذر كالحيض والنفاس أو السفر غير الاختياري لا يجب الاستئناف حينئذ ، بل يبني على ما مضى ويراعي البقيّة مثل صورة رعاية التتابع. ثمّ إنّ من مصاديق العذر نسيان نيّة الصوم ـ الذيهو أمر غير اختياري ـ حتّى فات وقتها; بأن يتذكّر بعد الزوال .

ومنالروايات الدالّة على أصل الحكم رواية الفضل بن شاذان ، عن الرضا (عليه السلام)  ، المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإنّما وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر ; لأنّ الفرض الذي فرض الله تعالى على الخلق هو شهر واحد ، فضوعف هذا الشهر في الكفّارة توكيداً وتغليظاً عليه ، وإنّما جعلت متتابعين لئلاّ يهون عليه الأداء فيستخفّ به ; لأنّه إذا قضاه متفرّقاً هان عليه القضاء واستخفّ بالإيمان(2) .



(1) وسائل الشيعة 14 : 307 ، كتاب الحجّ ، أبواب العمرة ب 6 .
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 119 ب 34 قطعة من ح 1 ، علل الشرائع  : 272 ـ 273 ب 182 قطعة من ح 9 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 370 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 2 ح 1 .


الصفحة 176

مسألة 11 : لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان ، يجب عليه التصدّق بما يطيق ، ومع عدم التمكّن يستغفر الله ولو مرّة . والأحوط الإتيان بالكفّارة إن تمكّن بعد ذلك في الأخيرة 1 .


ومن الروايات الواردة في صورة العذر رواية رفاعة بن موسى قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تنذر عليها صوم شهرين متتابعين ؟ قال : تصوم وتستأنف أيّامها التي قعدت حتّى تتمّ الشهرين . قلت : أرأيت إن هي يئست من المحيض أتقضيه ؟ قال : لا تقضي يجزئها الأوّل(1) .

1ـ قد صرّح السيّد في العروة بأنّه في صورة العجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهررمضان يتخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً ، أو يتصدّق بما يطيق(2)، وظاهر المتن تعيّن الثاني ، واحتمل أن يكون الأوّل للمشهور (3) ، والمنشأ وجود روايات في هذا المجال بعضها ظاهرة في أنّ البدل في صورة العجز هو صيام ثمانية عشر يوماً ، والاُخرى ظاهرة في أنّ البدل هو التصدّق بما يطيق .

فمن الطائفة الاُولى : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ، ولم يقدرعلى الصدقة؟قال:فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام(4).



(1) الكافي 4 : 137 ح 10 ، وعنه وسائل الشيعة 10 :371 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب3 ح 1 .
(2) العروة الوثقى 2 : 39 مسألة 2488 .
(3) مفاتيح الشرائع 1 : 274 ، المستند في شرح العروة 21 : 378 .
(4) تهذيب الأحكام 4: 312 ح 944 ، الاستبصار 2: 97 ح314، المقنعة: 345 ـ 346 ، وعنها وسائل الشيعة 10: 381 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 9 ح 1 .


الصفحة 177

وفي تعليقة الوسائل(1) نقل الرواية عن الاستبصار ، عن أبي بصير وسماعة بن مهران قالا : سألنا أبا عبدالله (عليه السلام)  ، وترك قوله : ولم يقدر على العتق . والرواية موثّقة وإن كان بعض رواتها من أسناد كتاب كامل الزيارات (2)، وبعضها من أسناد كتاب التفسير لعلي بن إبراهيم (3).

ومن الطائفة الثانية : ما تقدّم من صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق(4). بناءً على كون المراد من قوله (عليه السلام) : «فإن لم يقدر» عدم القدرة على شيء من الخصال الثلاث كما هو الظاهر ، لا عدم القدرة على خصوص الأخيرة .

هذا ، وقد رواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين من دون أن يكون هناك تعدّد في البين .

والجمع بين الطائفتين اللتين لهما ظهور في التعيّن بالحمل على التخيير، كما عن المشهور .

وحيث إنّ رواية أبي بصير قد نقلها في الوسائل في باب الكفّارات أيضاً(5)، مع أنّ الظاهر الاتّحاد وعدم التعدّد ، وقد ذكر هناك عنوان الظهار الذي كفّارته الخصال



(1) أي في وسائل الشيعة 7 : 279، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي .
(2) كامل الزيارات : 166 ب 26، الرقم 217 وص 253 ب 49، الرقم 378 .
(3) تفسير القمّي 1 : 205 .
(4) تقدّمت في ص140.
(5) وسائل الشيعة 22 : 372 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 8 ح 1 عن تهذيب الأحكام 8 : 23 ح74 .


الصفحة 178

بنحو الترتيب ، لا بنحو التخيير كما في كفّارة رمضان على ما تقدّم ، فلذلك اُورد(1)على المشهور بعدم ثبوت التعارض بين الروايتين بعد كون موردهما أمرين غير مرتبطين ; لورود إحديهما في الظهار ، والاُخرى في كفّارة رمضان ، وهي المبحوث عنها في المقام ، وهو مستند المتن ، خصوصاً بعد كون الاتّصاف بالصحّة فيه أمراً لاريب فيه .

ويؤيّده أنّه في النقل الآخر الخالي عن التعرّض للظهار يكون المسؤول عنه صورة تعيّن صيام شهرين متتابعين عليه ، وهو لا ينطبق على كفّارة رمضان ، مع أنّ جعل صوم ثمانية عشر يوماً بدلاً عن إطعام ستّين مسكيناً وإن كان مناسباً لكفّارة اليمين ، التي يدلّ عليها قوله تعالى : (فَكَفَّـرَتُهُ و إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْـ إلى ـ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّام)(2) إلاّ أنّ الظاهر أنّ مورده صورة تعيّن الإطعام عليه ، وإلاّ فاللازم جعل البدل للثلاث لا للأخيرة ، خصوصاً مع كونها غير مرتّبة .

ومع الاستشكال في أنّ موردها الظهار ، فلا محالة تكون مطلقة ، وتكون الصحيحة الواردة في خصوص كفّارة رمضان مقيّدة . فاللازم حمل المطلق على المقيّد والحكم بتعيّن التصدّق في المقام ، كما هو ظاهر المتن .

بقي في المسألة أمران :

أحدهما : أنّه مع عدم التمكّن من التصدّق أصلاً يستغفر الله ولو مرّة ، فالظاهر أنّه لا دليل عليه بالخصوص من الروايات إلاّ صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن



(1) المورد بعض الأعلام (رحمه الله) في المستند في شرح العروة 21: 379.
(2) سورة المائدة 5 : 89 .


الصفحة 179

أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم  يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن لم يجد فليستغفر الله(1) . وهي وإن كان مفادها الترتيب في كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، وقد عرفت أنّ مقتضى التحقيق ثبوتها فيه بنحو التخيير ، إلاّ أنّ دلالتها على لزوم الاستغفار بطبيعته الصادقة على المرّة في صورة عدم التمكّن من شيء من الخصال ظاهرة ، كما لا يخفى .

ثانيهما : أ نّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الإتيان بالكفّارة إن تمكّن بعد ذلك في الأخيرة ، ولعلّ الوجه أنّ سقوط الكفّارة بسبب العجز إنّما هو مادام العجز باقياً وكونه موقّتاً به ; فمع فرض التمكّن يستكشف عدم السقوط من رأس ، غاية الأمر تخيّله وزعم خلافه ، فالاحتياط يقتضي ما ذكر ، وقد أفتى بذلك السيّد في العروة(2) .

ثمّ إنّ مورد هذا الاحتياط أو الفتوى ـ كما في المتن التصريح به ـ هي الأخيرة التي هو عبارة عن التصدّق بما يطيق ، وإلاّ فلا إشكال في أنّه لو كان متمكّناً من التصدّق وكان يتصدّق، لا يجب عليه شيء من الخصال الثلاث ، ومن البعيد غاية البعد أنّه في صورة عدم التمكّن من الصدقة، ثمّ عروض التمكّن من الخصال كان يجب عليه الخصال المزبورة، بحيث كان وجود التصدّق مع العجز حاله مسقطاً للثبوت بعد ذهاب العجز . وأمّا مع العدم فلا يكون هناك إسقاط ، فمورد الحكم المذكور في المتنإنّما هي صورة التمكّن من الأخيرة ، فتدبّر .



(1) مسائل عليّ بن جعفر : 116 ح 47 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 48 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9 .
(2) العروة الوثقى 2 : 39 مسألة 2488 .


الصفحة 180

مسألة 12 : يجب القضاء دون الكفّارة في موارد :


الأوّل : فيما إذا نام المجنب في الليل ثانياً بعد انتباهه من النوم ، واستمرّ نومه إلى طلوع الفجر ، بل الأقوى ذلك في النوم الثالث بعد انتباهتين وإن كان الأحوط شديداً فيه وجوب الكفّارة أيضاً ، والنوم الذي احتلم فيه لا يُعدّ من النومة الاُولى حتّى يكون النوم الذي بعده النومة الثانية ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط الذي مرّ 1 .

الثاني : إذا أبطل صومه لمجرّد عدم النيّة أو بالرياء أو نيّة القطع مع عدم

1ـ قد مرّ هذا البحث في الثامن من الاُمور التي يجب الإمساك منها ، ولا نرى حاجة إلى الإعادة ، كما أنّه قد تقدّم المراد من النومة الاُولى والنومة الثانية والنومة الثالثة، والذي اُضيف هنا الاحتياط الشديد بالإضافة إلى الكفّارة في النومة الثالثة .

وقد حكي عن المشهور(1) ذهابهم إلى وجوب الكفّارة في هذه النومة ، إلاّ أ نّها لم ترد فيه آية ولا رواية ولو ضعيفة ، وإن إدّعي عليه الإجماع في كلمات جملة من الفقهاء رضوان الله عليهم أجمعين(2) ، إلاّ أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة ـ كما قرّر في علم الاُصول(3) ـ خصوصاً من بعض المدّعين ، والإجماع الكاشف ليس بحاصل ، خصوصاً مع مخالفة جماعة اُخرى ، كصاحب المدارك وقبله الفاضلان (4) ، ولكن مع ذلك لا يجوز التنزّل عمّا في المتن ، فتدبرّ جيّداً .



(1) شرائع الإسلام 1: 192، مسالك الأفهام 2: 25.
(2) الوسيلة : 142 ، غنية النزوع 138 ، جامع المقاصد 3 : 70 .
(3) سيرى كامل در اصول فقه 10: 321 ـ 326.
(4) المعتبر 2 : 674 ، منتهى المطلب 9 : 127 ـ 128 ، مدارك الأحكام 6 : 90 .

<<التالي الفهرس السابق>>