في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



الصفحة 301

مسألة 13 : الصوم كالصلاة في أنّه يجب على الولي قضاء ما فات عن الميّت مطلقاً . نعم ، لا يبعد عدم وجوبه عليه لو تركه على وجه الطغيان، لكن الأحوط الوجوب أيضاً ، بل لا يترك هذا الاحتياط . لكنّ الوجوب على الوليّ فيما إذا كان فوته يوجب القضاء ، فإذا فاته لعذر ومات في أثناء رمضان ، أو  كان مريضاً واستمرّ مرضه إلى رمضان آخر ، لا يجب ; لسقوط القضاء حينئذ . ولا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه وإن كان الأحوط في الأوّل مع رضا الورثة الجمع بين التصدّق والقضاء . وقد تقدّم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلّقة بالمقام 1 .


1ـ يقع الكلام في هذه المسألة في جهتين :

الأُولى : في أصل الوجوب في الجملة ، والظاهر أنّه المشهور(1) ، وفي المقابل ابن أبي عقيل الذي أنكر وجوب القضاء وأوجب التصدّق عنه ، إمّا من ماله أو مال الوليّ ، وحكي عنه ادّعاء تواتر الأخبار به ناسباً القول بالقضاء إلى الشذوذ (2)، وقد حكم جملة من الأصحاب بغرابة هذه الدعوى منه (3) ; نظراً إلى عدم ورود رواية تدلّ على التصدّق . نعم ، في البين روايتان ـ ولا يتحقّق بهما التواتر ـ استدلّ له بإحديهما العلاّمة في محكي التذكرة(4)، وبالأُخرى غيره(5) .



(1) كفاية الفقه، المشتهر بـ«كفاية الأحكام» 1 : 257 ـ 258 ، مستند الشيعة 10 : 456 ، المستند في شرح العروة 22 : 205 .
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 392 مسألة 116 .
(3) جواهر الكلام 17 : 35 .
(4 ، 5) المستند في شرح العروة 22 : 207 ، ولكنّ العلاّمة نفسه ما استدلّ برواية أبي مريم في التذكرة 6 : 176 ، بل نقل استدلال السيّد المرتضى بها في الانتصار : 70 ـ 71 ، والظاهر أنّه وقع اشتباه من صاحب المستند (قدس سره) في النسبة إلى العلاّمة .


الصفحة 302

إحداهما : ما في الفقيه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال : قلت له : رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدّق ؟ قال : يتصدّق عنه فإنّه أفضل(1) . ومن العجب عدم تعرّض صاحب الوسائل لهذه الرواية أصلا ، والكلام فيها تارةً: من حيث السند . وأُخرى: من حيث الدلالة .

أمّا من جهة السند : فقد وصفها في محكي الحدائق(2) بالصحّة ، ولكن بعض الأعلام (قدس سره) مع تبحّره في علم الرجال وتصنيفه في هذا العلم كتاباً مفصّلا ـ لخّصه بعض الأعاظم من الفضلاء(3) ـ أنكر صحّة الرواية ; لأنّها مرويّة في الفقيه بصيغة المجهول ، حيث قال : وروي عن محمّد بن إسماعيل ، فهي رواية مرسلة لا اعتبار بها (4). وأُضيف إليه ما كرّرناه من عدم حجّية هذا النحو من مرسلات الفقيه وإن كانت مرسلاته الأُخرى معتبرة .

وأمّا من جهة الدلالة : فالمفروض في محلّ البحث هو قضاء الولي لا الأجنبي ، وليس في سؤال الرواية إشعار بذلك لو لم نقل بدلالته على كون المتصدّي هو الأجنبي ، ولا محالة يكون متبرّعاً ، فالسؤال إنّما هو عن أنّ المتبرّع هل يكون التصدّق عن الميّت أفضل أو الصيام عنه ؟ والرواية دالّة على أنّ الصدقة أفضل ، كما نطقت به جملة من النصوص الأُخرى(5) .

ثانيتهما : ما رواه المشايخ الثلاثة من صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن



(1) الفقيه 3 : 236 ح 1119 .
(2) الحدائق الناضرة 13 : 321 .
(3) أي محمد الجواهري بعنوان «المفيد من معجم رجال الحديث» .
(4) المستند في شرح العروة الوثقى 22 : 206 .
(5) وسائل الشيعة 10 : 433 ـ 435، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب، ب11 ح2 ـ 6 .


الصفحة 303

أبي عبدالله  (عليه السلام) قال : إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضاً حتّى مات فليس عليه شيء (قضاء خل) ، وإن صحّ ثمّ مرض ثمّ مات وكان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ ، وإن لم يكن له مال صام عنه وليّه(1) ، هكذا في روايتي الصدوق والكليني ، وفي رواية الشيخ : وإن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه(2) ، والرواية كما عرفت صحيحة من حيث السند ولو من بعض طرقها .

وأمّا من جهة الدلالة : فقد أورد عليها في محكيّ الجواهر بابتناء الاستدلال على رواية الشيخ . وأمّا على رواية الصدوق والكليني فلا دلالة لها ; لدلالتها حينئذ على وجوب الصيام على الوليّ المطابق لمذهب المشهور ، ولا ريب أنّ الكافي والفقيه أضبط ، فتقدّم روايتهما على رواية الشيخ لدى المعارضة ، فالرواية حينئذ من أدلّة المشهور ، ولا تصلح لأن تقع مستندة لابن أبي عقيل (3).

واستشكل عليه بعض الأعلام (قدس سره) بما ملخّصه : أنّ في كلامه مناقشتين :

الأُولى : أنّه لا شكّ في أنّ الكافي والفقيه أضبط ، إلاّ أنّ هذا إنّما يوجب التقديم فيما إذا كانت هناك رواية واحدة مرويّة بزيادة ونقيصة ، أو نفي وإثبات ، أو تبديل لفظ بلفظ ، فيرجّح حينئذ ما أثبته الأوّلان ; لأضبطيّتهما وكثرة اشتباه التهذيب ، كما نصّ عليه في الحدائق (4)،وأمّا إذا كان التهذيب ناقلا لكلتا الروايتين ، فروى تارةً:



(1) الكافي 4 : 123 ح3، الفقيه 2 : 98 ح439، تهذيب الأحكام 4 : 248 ح736، الاستبصار 2 : 109 ح357، وعنها وسائل الشيعة 1 : 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب23 ح7.
(2) تهذيب الأحكام 4 : 248 ح 735 ، الاستبصار 2: 109 ح 356، وعنهما وسائل الشيعة 10: 331، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب23 ح8 .
(3) جواهر الكلام 17 : 36  ، المستند في شرح العروة 22 : 208 .
(4) الحدائق الناضرة 13 : 320 ـ 321 .


الصفحة 304

بعين ما أثبته الكتابان . وأُخرى: بكيفيّة أُخرى بطريق آخر هو أيضاً صحيح كما في المقام. فهذا ليس من الاختلاف في اللفظ ، بل هما روايتان مرويّتان بطريقين ، فهذا أجنبيّ عن الترجيح بالأضبطيّة(1) .

قلت : إنّ نقل الشيخ للرواية في موضعين من التهذيب بطريقين لا يدلّ على تعدّد الرواية ، بل هي رواية واحدة كما أشرنا إليه مراراً ، وحينئذ لا يبقى مجال لدعوى التعدّد ، بل نقله في موضع من التهذيب بما يوافق الكتابين مؤيّد للأضبطيّة في المقام ، فالظاهر أنّ الرواية موافقة لما أثبته الكتابان ، وأوردها كذلك في موضع من التهذيب .

المناقشة الثانية : أنّ الرواية لو كانت مشتملة واقعاً على كلمة «تصدّق» ـ كما ذكره العلاّمة ورواه الشيخ ـ أمكن المناقشة حينئذ بأنّ هذا لا ينافي القضاء ، فيجب على الولي التصدّق من مال الميّت من جهة التأخير ، وإلاّ فمن ماله زيادة على القضاء ، إذ لا دلالة في الرواية على نفي القضاء بوجه ، بل لعلّ مقتضى المقابلة مع الصدر المشتمل على نفي القضاء لدى استمرار المرض ثبوت القضاء هنا ; أي في فرض عدم الاستمرار الذي تعرّض له في الذيل ، فيمكن أن تجب الكفّارة أيضاً من جهة التواني ; لأنّه صحّ ولم  يقض اختياراً ، فيكون موته في البين بمنزلة استمرار المرض .

وكيفما كان ،فبناءً على هذه النسخة ليست في الرواية أيّة دلالة على نفي القضاء ، وأمّا بناءً على نسخة الكافي والفقيه التي رجّحهما في الجواهر فهي حينئذ واضحة الدلالة على عدم القضاء ابتداءً ، حيث علّق الصوم على ما إذا لم يكن له مال ،



(1) المستند في شرح العروة 22 : 208 .


الصفحة 305

فوجوبه في مرتبة متأخّرة عن التصدّق(1) .

ثمّ إنّ ما أفاده في ذيل المتن من عدم الفرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه ـ وإن احتاط في الأوّل بالجمع بين القضاء والكفّارة مع رضا الورثة ـ مبنيّ ظاهراً على إشعار الحكم في الرواية في هذه الصورة ، بل دلالته على عدم وجوب القضاء في صورة ثبوت تركة للميّت وإمكان التصدّق به عنه ، مع أنّك عرفت ابتناء هذه الدلالة على روايتي الكليني والصدوق كما لا يخفى ; ضرورة أنّه على رواية الشيخ لا تعرّض فيها للقضاء ، لا أنّها تنفيه . فثبوت التصدّق به عنه لاينافي ثبوت القضاء على الوليّ بعد ثبوت مال له ، فتدبّر .

أقول : لو فرضت دلالتها على عدم وجوب القضاء ـ بناءً على رواية الشيخ ـ تكون الرواية معارضة مع الروايات الكثيرة الدالّة على وجوب القضاء على الولي ، والترجيح مع تلك الروايات الموافقة للمشهور ; لأنّ الشهرة أوّل المرجّحات في المتعارضين .

الجهة الثانية : بعد ما ثبت أصل وجوب القضاء في الجملة ، فهل يختصّ الحكم بما إذا فات لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما ، أو يعمّ ما تركه عمداً ، أو أتى به وكان باطلا من جهة التقصير في أخذ المسائل ؟ وإن احتاط بالقضاء بالإضافة إلى جميع ما  عليه ، وإن كان من جهة ترك الصوم عمداً ، وقد خصّه بما إذا تمكّن في حال حياته من القضاء وأهمل ، وإلاّ فلا يجب; لسقوط القضاء حينئذ ; يعني عن الميّت ، وفي المتن قال : لا ينبغي ترك الاحتياط بالإضافة إلى الترك في صورة الطغيان .

والحقّ أنّ في المسألة طائفتين من الأخبار :



(1) المستند في شرح العروة 22 : 208 ـ 209 .


الصفحة 306

إحداهما : مثل صحيحة حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه(1) . ومثلها مكاتبة الصفّار(2) ; نظراً إلى أنّ مقتضى ترك الاستفصال هو ثبوت الإطلاق وشموله للمعذور وغيره ، ودعوى الانصراف إلى المعذور ممنوع جدّاً ، خصوصاً بعد كون الصوم أمراً مشكلا .

ثانيتهما : موثّقة أبي بصير(3) ومرسلة ابن بكير(4) الواردتان في مورد العذر من مرض أو سفر ،إلاّ أنّ الظاهر أنّ المورديّة لا تقتضي التخصيص ، لكنّ الفتوى بلزوم القضاء عنه في هذه الصورة مشكل ، والظاهر ما في المتن والعروة (5) . وقد تقدّم في كتاب الصلاة في باب القضاء بعض الفروع المتعلّقة بالمقام ، والتفصيل هناك فراجع .



(1) الكافي 4 : 123 ح1 ، وعنه وسائل الشيعة 10 :331 ،كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب23ح 5 .
(2) الكافي 4 : 124 ح 5 ، الفقيه 2 : 98 ح 441 ، تهذيب الأحكام 4 : 247 ح 732  ، الاستبصار 2 : 108 ح 355 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 330 ، كتاب الصوم ، أبواب احكام شهر رمضان ب 23 ح3 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 325 ح 1007 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 332 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11 .
(4) تقدّمت في ص287.
(5) العروة الوثقى 2 : 59 مسألة 2540 .


الصفحة 307

القول في أقسام الصوم

وهي أربعة : واجب ، ومندوب ، ومكروه ، ومحظور ; فالواجب منه: صوم شهر رمضان ، وصوم الكفّارة ، وصوم القضاء ، وصوم دم المتعة في الحجّ ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وصوم النذر وأخويه وإن كان في عدّ صوم النذر وما يليه من أقسام الصوم الواجب مسامحة 1 .

1ـ أمّا الواجب منه فهو :

صوم شهر رمضان ووجوبه ـ مضافاً إلى ثبوت الارتكاز عند المتشرّعة ; لأنّه من فروع الدين ـ يدلّ عليه الكتاب(1) والسنّة المتواترة (2) ، وفي بعض الروايات وصفه بأنّه من أركان الدين(3) .

صوم الكفّارة ، الذي سيأتي البحث عنه وعن أقسامه المختلفة، فانتظر .

صوم القضاء على الشخص أو على وليّه بعد مماته ، وقد تقدّم البحث عن



(1) سورة البقرة 2 : 183 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 7 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيته ب 1 ، و ص : 239 ، أبواب أحكام شهر رمضان ب1 .
(3) الكافي 4 : 62 ح 1 ، الفقيه 2 : 44 ح 196 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 395 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 1 .


الصفحة 308

كليهما مفصّلا .

صوم دم المتعة في الحجّ ; والمقصود منه الصوم بدل الهدي لمن لا يقدر عليه ، ويدلّ عليه قبل كلّ شيء قوله ـ تعالى ـ : (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ )(1) . وقد فصّلنا الكلام في هذا النوع في كتاب الحجّ مع الفروع المتعلّقة به في أحكام منى (2).

5ـ صوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وسيأتي(3) في بحثه عن قريب إن شاء الله تعالى أ نّ الاعتكاف وإن كان أمراً مستحبّاً ، إلاّ أنّه بعد اليومين من الشروع تجب إدامته المشروطة بالصوم في اليوم الثالث .

6ـ صوم النذر وأخويه من العهد واليمين ، وأشار في الذيل إلى ما ذكرناه مراراً من أنّ تعلّق النذر لا يوجب صيرورة المنذور واجباً ، بل متعلّق الوجوب فيه هو الوفاء بالنذر ، غاية الأمر عدم تحقّقه في الخارج إلاّ بإتيان المنذور ، فصلاة الليل المستحبّة لا تصير واجبة بالنذر ، بل الواجب هو الوفاء ، وصلاة الليل باقية على استحبابها بعنوانها ، ولذا لا يعتبر قصد التقرّب في الوفاء بالنذر وإن كان معتبراً في المنذور لأجل كونه عباديّاً ، كما لا يخفى .



(1) سورة البقرة 2 : 196 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجّ 5 : 274 .
(3) في ص 362 ـ 364 .


الصفحة 309

القول في صوم الكفّارة

وهو على أقسام :

منها : ما يجب مع غيره ; وهي كفّارة قتل العمد ، فتجب فيها الخصال الثلاث ، وكذا كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان على الأحوط 1 .

1ـ ذكر بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : أنّ ظاهر إطلاق كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات ـ بل قد يظهر من المحقّق (قدس سره) إرساله إرسال المسلّمات (1) ـ أ نّ هذا الحكم عامّ يشمل جميع موارد القتل العمدي ، من دون الاختصاص بما تثبت فيه الدية غير المجتمعة مع القصاص . وقد استفاد من النصوص الثاني ; فإنّها لا تدلّ على الكفّارة إلاّ لدى العفو عن القصاص والانتقال إلى الدية ، ويلحق به ما إذا لم يمكن تنفيذ القصاص لفقد بسط اليد في الحاكم الشرعي ، أو ما إذا لم يكن مشروعاً، كما في قتل الوالد ولده .

وأمّا فيما استقرّ عليه القصاص لمشروعيّته وعدم عفو أولياء المقتول ، فلا دلالة في شيء من النصوص على وجوب الكفّارة ; بأن يكفّر أوّلا ثمّ يقتل ، بل قد يظهر من بعض النصوص خلافه ، وأ نّ توبة القاتل تتحقّق بمجرّد القصاص ; فإن كان



(1) شرائع الإسلام 1 : 185 .


الصفحة 310

ومنها : ما يجب بعد العجز عن غيره وهي كفّارة الظهار وكفّارة قتل الخطأ; فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق . وكفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان ; فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام . وكفّارة اليمين ; وهي عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، وإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام 1 .

هناك إجماع على الإطلاق ، وإلاّ فإثباته في غاية الإشكال(1) .

أقول: ويؤيّد الإطلاق ـ مضافاً إلى إرسال مثل المحقّق للمسألة إرسال المسلّمات ، وإلى أنّه لم ينقل الخلاف في شيء من فروضها من أحد ـ أنّ ظاهر قوله ـ تعالى ـ : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا}(2) عدم تحقّق التوبة للقاتل بمجرّد القصاص، فهل يمكن الالتزام بأنّ قتل الوالد لولده مثلا مستثنى من هذه الآية؟

نعم ، يبقى شيء ; وهو أنّ ظاهرهم في كتاب القصاص عدم ثبوت غيره في قتل العمد ، إلاّ أن يقال بأنّهم اعتمدوا في ذلك على بيان ثبوت الكفّارة أيضاً في كتاب الصوم ، كما صنعه في المتن وما يشابهه .

وأمّا الاحتياط الوجوبي في كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان ، فقد تقدّم بحثه في باب ما يمسك عنه الصائم (3)، فراجع .

1ـ أمّا كفّارة الظهار : فمقتضى الآية الشريفة الواردة ترتّب صوم شهرين متتابعين على العتق ، قال الله ـ تعالى ـ : { وَ الَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِن نِّسَآلـ ِهِمْ ـ إلى قوله تعالى : ـفَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}(4) إلخ . وقد وردت بذلك عدّة



(1) المستند في شرح العروة 22 : 231 ـ 232 .
(2) سورة النساء 4 : 93 .
(3) في ص 153 ـ 157 .
(4) سورة المجادلة 58 : 3 ـ 4 .


الصفحة 311

كثيرة من الروايات (1) . نعم، في عدّة اُخرى منها عطف هذه الخصال بلفظة «أو»(2)الظاهرة في التخيير دون الترتيب .

هذا، ولكن صراحة الآية المباركة والطائفة الأُولى من الروايات في الترتيب يمنع عن الأخذ بها ، ولا يبقي مجالا للجمع ، فاللازم التصرّف في الطائفة الثانية وحمل كلمة « أو » على بيان الأقسام، لا الترتيب في العمل . ومثله كثير في الاستعمالات .

وأمّا كفّارة قتل الخطأ : فمقتضى الآية الشريفة الواردة فيها(3) ترتّب الصيام على العتق . نعم ، الآية خالية عن التعرّض للإطعام ، إلاّ أنّ النصوص المتعدّدة دالّة علىثبوتها(4) ، وقد نسب إلى المفيد والسلاّر(5) التخيير ، وليس لهما مستند بوجه .

وأمّا كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان : فقد مرّ عن قريب (6).

وأمّا كفّارة اليمين : فصريح الآية المباركة الواردة فيها لزوم صيام ثلاثة أيّام(7) مع العجز عمّا يجب أوّلا . نعم ، في موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عنشيء من كفّارة اليمين ؟ فقال : يصوم ثلاثة أيّام . قلت : إن ضعف عن الصوم وعجز . قال : يتصدّق على عشرة مساكين(8) . ولكنّها ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ محمولة



(1 ، 2) وسائل الشيعة 22 : 303، كتاب الظهار ب 1 ، وص359 ـ 362، كتاب الإيلاء والكفّارات، أبواب الكفّارات ب1 .
(3) سورة النساء 4 : 92 .
(4) وسائل الشيعة 22: 374، كتاب الإيلاء والكفّارات، أبواب الكفّارات ب10 ح1 ، وج29: 34، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب11 ح4.
(5) المقنعة : 570  ، المراسم العلويّة : 190 .
(6) في ص 297 ـ 299 .
(7) سورة المائدة 5 : 89 .
(8) الكافي 7 : 453 ح 11 ، تهذيب الأحكام 8 : 298 ح1104 ، الاستبصار 4 : 52 ح 180 ، وعنها وسائل الشيعة 22 : 377 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 12 ح 6 .


الصفحة 312

وكفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته ونتفها رأسها فيه . وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو على ولده ; فإنّهما ككفّارة اليمين . وكفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً ; فإنّها ثمانية عشر يوماً بعد العجز عن بدنة 1 .

وكفّارة صيد المُحرم النعامة ; فإنّها بدنة ، فإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ، ويتصدّق به على ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، ولو زاد عن الستّين اقتصر عليهم ، ولو نقص لم يجب الإتمام ، والاحتياط

على مثل ما في الوسائل من حمل الإطعام هنا على ما دون المدّ ، فلا ينافي الإطعام الواجب قبل الصيام ، وعلى تقدير بعده فاللازم ردّ علمه إلى أهله .

1ـ أمّا ثبوت كفّارة اليمين في الفرعين الأوّلين: فهو المعروف المشهور(1) ، والتقييد ـ أي تقييد الخدش بالإدماء ـ وإن كان مخالفاً لإطلاق الأصحاب ، إلاّ أنّه قد ورد به النصّ . ونسب  الخلاف إلى ابن إدريس(2) ، فأنكر وجوب الكفّارة في المقام ، لكنّ المحكي عن الجواهر(3) إنكار هذه النسبة ، وقد نسب الخلاف إلى صاحب المدارك(4) .

ومستند الحكم رواية خالد بن سدير أخي حنان بن سدير قال : سألت أبا  عبدالله (عليه السلام) عن رجل شقّ ثوبه على أبيه ـ إلى أن قال : ـ وإذا شقّ زوج على



(1) رياض المسائل 11 : 246 ، جواهر الكلام 33 : 186 ، المستند في شرح العروة 22 : 238 .
(2) السرائر 3 : 78 .
(3) جواهر الكلام 33 : 186 .
(4) مدارك الأحكام 6 : 243 .


الصفحة 313

بالمدّين إنّما هو فيما لا يوجب النقص عن الستّين ، وإلاّ اقتصر على المدّ ويُتمّ الستّين ، ولو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مدّ يوماً إلى الستّين ، وهو غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثمانية عشر يوماً .

وكفّارة صيد المُحرم البقرَ الوحشيّ ; فإنّها بقرة ، وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ، ويتصدّق به على ثلاثين مسكيناً لكلّ واحد مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، فإن زاد فله ، وإن نقص لا يجب عليه الإتمام ، ولا يحتاط

امرأته ، أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتّى يكفّرا، أو يتوبا من ذلك ، فإذا خدشت المرأة وجهها ، أو جزّت شعرها ، أو نتفته ، ففي جزّ الشعر عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، وفي الخدش إذا دميت، وفي النتف كفّارة حنث يمين . .. إلخ(1) .

وقد استشكل(2) على الرواية بضعف السند من جهة الراوي ، ولكنّ الدلالة ظاهرة، كما أنّ الظاهر انجبار ضعف سند الرواية بعمل الأصحاب على طبقها، كما هو مقتضى التحقيق عندنا على ما مرّ مراراً، فاللازم الأخذ بها والفتوى على طبقها .

وأمّا كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً : فإنّها في الرتبة الأُولى هي البدنة ، ومع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً ، وقد حقّقنا هذا الفرع في كتابنا في شرح تحرير الوسيلة من هذا الكتاب في باب الحجّ مفصّلا(3) ، وقد طبع مرّتين في إيران وغيرها ، فراجع .



(1) تهذيب الأحكام 8 : 325 ح 1207 ، وعنه وسائل الشيعة 22 : 402 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 31 ح 1 .
(2) المستشكل هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22: 239.
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5 : 95 ـ 99 .


الصفحة 314

بالمُدّين مع إيجابه النقص كما تقدّم ، ولو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى الثلاثين ، وهي غاية كفّارته ، ولو عجز صام تسعة أيّام . وحمار الوحش كذلك ، والأحوط أنّه كالنعّامة .

وكفّارة صيد المُحرم الغزالَ ، فإنّها شاة ، وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام، ويتصدّق على عشرة مساكين لكلّ مُدّ على الأقوى ، ومدّان على الأحوط. وحكم الزيادة والنقيصة ومورد الاحتياط كما تقدّم . ولو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى عشرة أيّام غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثلاثة أيّام 1 .

1ـ ما أفاده من أنّ في صيد المحرم النعّامة بدنة ، وأ نّ في صيد المحرم البقر الوحشيّ بقرة ، وكذا في حمار الوحش ، وفي صيد الغزال شاة ، هو مقتضى الكتاب(1)والسنّة(2) المتظافرة ، ولكن حيث إنّ العمدة في هذا البحث بيان صوم الكفّارة الذي هو عنوان الباب ، ففي صورة العجز عن الكفّارة الأوّلية يفضّ الثمن على الطعام ، غاية الأمر أ نّه يتصدّق به على الستّين في البدنة ، وعلى الثلاثين في البقرة ، والعشرة في الغزال . ثمّ ينتقل إلى ثمانية عشر يوماً ، وتسعة أيّام ، وثلاثة أيّام ، واحتاط وجوباً في هذه الجهة .

والوجه في ذلك أنّه لا دليل قويّاً على وجوب الصوم، بل هو مقتضى الاحتياط الوجوبي ، كما أنّه احتاط استحباباً بالمدّين في كلّ واحد من الموارد الثلاثة ، والأمر في الزيادة والنقيصة ما ذكره فيها، كما لا يخفى ، والتحقيق الأزيد مذكور في كتاب الكفّارات (3).



(1) سورة المائدة 5 : 95 .
(2) وسائل الشيعة 13: 5 ، كتاب الحجّ ، أبواب كفّارات الصيد ب 1.
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الكفّارات : 270 ـ 309 .


الصفحة 315

ومنها : ما يجب مخيّراً بينه وبين غيره; وهي كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، وكفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع ، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، وكفّارة النذر والعهد ; فإنّها فيها مخيّرة بين الخصال الثلاث 1 .

أقول : أمّا كفّارة الإفطار العمدي في شهر رمضان: فقد تقدّم الكلام فيها (1).

وأمّا كفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع ; يعني في صومه ، فالمشهور أنّها مخيّرة (2)، وقيل : إنّها مرتّبة (3) ، والأخبار الواردة فيها مختلفة :

ففي موثّقة سماعة التي رواها الصدوق والشيخ ، ولأجله توهّم كونها روايتين مع أنّها رواية واحدة، إحداهما : مارواه الصدوق عنه قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله ؟ فقال : (قال خل) هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان(4) . وظاهر إطلاق السؤال وإن كان يعمّ بدواً المواقعة في غير الصوم ، إلاّ أنّ التنزيل منزلة الإفطار في شهر رمضان ظاهر في الاختصاص بالجماع حال الصوم .

والاُخرى : مارواه الشيخ بإسناده عنه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال : عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً... الحديث(5). وفي مقابلها صحيحتان تدلاّن على أنّها مرتّبة .



(1) في ص 140 ـ 149 .
(2) تذكرة الفقهاء 6 : 316 ، رياض المسائل 5 : 527 ، جواهر الكلام 17 : 210 و ج 33 : 171 ، مستمسك العروة 8 : 595 ، المستند في شرح العروة 22 : 241 .
(3)مدارك الأحكام 6 :350 ، مفاتيح الشرائع 1:279 ، الحدائق الناضرة 13 : 496 ـ 497 ، مستند الشيعة 10 :  573 .
(4) تقدّمت في ص162 ـ 163 .
(5) تهذيب الأحكام 4 : 292 ح888 ، الاستبصار 2 : 130 ح425، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 547، كتاب الصوم، أبواب الاعتكاف ب6 ح5 .


الصفحة 316

إحداهما : صحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المعتكف يجامع (أهله  خل) ؟ قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر(1) .

ثانيتهما : صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة كان زوجها غائباً ، فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها ؟ فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها ، فإنّ عليها ما  على المظاهر(2) .

وقد جمع المشهور(3)بين الصحيحتين وبين الموثّقة بحمل الاُوليين على الاستحباب.

وربما يقال(4) بإمكان الخدشة فيه; نظراً إلى أنّ الموثّقة غير صريحة في التخيير  ; لجواز أن يكون المراد من قوله (عليه السلام)  : «بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» ، وكذا قوله (عليه السلام)  : «عليه ما على الذي . . . إلخ» أ نّهما متماثلان في ذات الكفّارة والفرد المستعمل في مقام التكفير . وأمّا كيفيّة التكفير من كونه على سبيل الترتيب أو التخيير فغير صريحة فيهما ، غايته أ نّها ظاهرة بمقتضى الإطلاق في الثاني، فيمكن رفع اليد عنه بصراحة الصحيحتين في أنّها كفّارة الظهار التي لا شكّ أنّها على سبيل



(1) تقدّمت في ص : 163 .
(2) الكافي 4 : 177 ح 1 ، الفقيه 2 : 121 ح 524 ، تهذيب الأحكام 4 : 289 ح 877 ، الاستبصار 2 : 130 ح 422 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 548، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 6 .
(3) المعتبر 2 : 737 ، منتهى المطلب 9 : 537 ، تذكرة الفقهاء 6 : 316 ، جواهر الكلام 17 : 210 ، وسائل الشيعة 10: 548، كتاب الاعتكاف ب6 ذح 6، المستند في شرح العروة 22 : 243 .
(4) القائل هو السيّد الخوئي (قدس سره) .


الصفحة 317

الترتيب ، فتكون الصحيحتان مقيِّدتين لإطلاق الموثّقة ، وتكون نتيجة الجمع بعد ارتكاب التقييد أ نّ الكفّارة هي كفّارة الظهار .

ودفعها نفسه بأنّ ارتكاب التقييد مبنيّ على تقديم ظهور المقيّد على المطلق الذي هو من فروع تقديم ظهور القرينة على ذيها ، حيث إنّ المقيّد بمثابة القرينة للمراد من المطلق عرفاً ، بحيث لو جمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّراً، ولا يرى بينهما تهافتاً ، كما لو قلنا في جملة واحدة : «أعتق رقبة ، وأعتق رقبة مؤمنة» ، فما هو قرينة حال الاتّصال قرينة حال الانفصال ، غاية الأمر أنّ الأوّل مصادم للظهور ، والثاني مصادم للحجّية بعد انعقاد أصل الظهور; فلأجل هذه النكتة يتقدّم ظهور المقيّد على المطلق ، وهذا الضابط كما ترى غير منطبق على المقام ـ إلى أن قال : ـ فالإنصاف أنّ الطائفتين متعارضتان ولا يمكن الجمع العرفي بينهما بوجه .

ثمّ قال ما ملخّصه : إنّ الأقوى ما ذكره المشهور ، إمّا لترجيح الموثّقة على الصحيحتين ; نظراً إلى مخالفتها للعامّة ولو في الجملة ، وإمّا لأنّه بعد التعارض يرجع إلى الأصل العملي، وهو البراءة في الدوران بين التعيين والتخيير لا  الاحتياط(1) .

أقول : ما أفاده من أنّ الجمع بين الطائفتين خارج عن الجمع العرفي بل متعارضتان ، ممّا لا ينبغي المناقشة فيه ، إلاّ أنّ الرجوع إلى مخالفة العامّة بعدكونه واقعاً في الدرجات البعديّة من المرجّحات ، خصوصاً مع تصريحه بالمخالفة في الجملة ، ممّا لا يكاد يستقيم ، كما أنّ الأصل الجاري في الدوران بين التعيين والتخيير ليس هو البراءة بنحو الإطلاق ، بل موارده مختلفة كما حقّقناه في الأُصول(2) .



(1) المستند في شرح العروة 22 : 243 ـ 244 .
(2) لم نجده عاجلاً.


الصفحة 318

مسألة : يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع وكفّارة التخيير والترتيب، ويكفي في حصوله صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني كما مرّ . وكذا يجب التتابع على الأحوط في الثمانية عشر بدل الشهرين ، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات ، ولا يضرّ بالتتابع فيما يشترط فيه ذلك الإفطار في الأثناء لعذر من الأعذار ، فيبني على ما مضى كما تقدّم 1 .


ومع ذلك فالحقّ مع المشهور ; لأنّ الشهرة الفتوائيّة مطابقة للموثّقة ، ولا يبعد أن يكون وجه جمع المشهور إرادتهم عدم طرح الطائفة الأُخرى بنحو الإطلاق ، لا  أنّه هو الجمع العرفي المخرج للمورد عن المتعارضين ، فتدبّر جيّداً .

وأمّا كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب : فقد تقدّمت في رواية خالد بن سدير المتقدّمة في صدر المسألة ، وعرفت انجبار ضعفها بفتوى المشهور .

وأمّا كفّارة النذر والعهد: فهي مذكورة في كتاب النذر والعهد مفصّلا (1)، وقد ذكرناها هناك .

1ـ لا إشكال(2) في وجوب التتابع في صوم شهرين في الموارد المذكورة في المتن ، وسيأتي حكم التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين، بل في مطلق صيام سائر الكفّارات .

وأمّا كفاية التتابع بالنحو المذكور في المتن : مع أنّه خلاف فهم العرف ، فيدلّ عليها روايات :

عمدتها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن قطع صوم كفّارة اليمين وكفّارة



(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب النذر والعهد : 263 ـ 266 .
(2) مستمسك العروة 8 : 520، المستند في شرح العروة 22 : 252 .


الصفحة 319

الظهار وكفّارة القتل ، فقال : إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين ; والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر شيئاً أو أيّاماً منه . . . إلخ(1) . وقد أفتى المشهور(2)بذلك ، ومقتضى إطلاقها حصول التتابع بذلك في جميع موارد الصيام شهرين متتابعين ، فما نسب إلى السيّدين والشيخين(3) من اختصاص حصول التتابع بهذه الكيفيّة بما إذا كان آثماً في التفريق لأجل كونه عامداً خلاف هذه الصحيحة ، ولا  يكون له مستند، خصوصاً بعد أنّه لا يكون آثماً بوجه ; لأنّ التفريق على طبق الصحيحة لا يكون إثماً ، وعلى خلافها مبطل للكفّارة .

وأمّا التتابع في صوم ثمانية عشر يوماً بدل الشهرين احتياطاً : فقد ذهب المشهور(4) إلى اعتبار التتابع .

ونوقش فيه بأنّ اعتبار التتابع هنا خلاف إطلاق الدليل ، خصوصاً بعد تقييد الشهرين بالتتابع كما عرفته مراراً .

ولكن اُجيب عن هذه المناقشة بما أرسله المفيد (قدس سره) في المقنعة(5) من مجيء الآثار عنهم (عليهم السلام) بذلك . ولكنّ الظاهر ـ كما اعترف به المتتبّعون ـ عدم العثور على أيّ خبر يدلّ على اعتبار التتابع في المقام ، والبدليّة عن صوم الشهرين لاتقتضي ذلك، كما



(1) الكافي 4 : 138 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 283 ح 856 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 374 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 9 .
(2) مختلف الشيعة 3 : 423 مسألة 137 ، جواهر الكلام 17 : 79 ، العروة الوثقى 2 : 62 مسألة 2549 ، المستند في شرح العروة 22 : 253 .
(3) رسائل الشريف المرتضى 3 : 58 ، غنية النزوع: 142، النهاية: 166، المقنع: 203.
(4) جواهر الكلام 17 : 67 ، مستمسك العروة 8 : 521 ، المستند في شرح العروة 22 : 254 .
(5) المقنعة : 346  .


الصفحة 320

يظهر من الجواهر(1) ، حيث أفاد أنّ المأمور به ليس مطلق الثمانية عشر ليطالب بالدليل على اعتبار التتابع ، بل ما كان جزءاً من الشهرين ، حيث يظهر من دليلها أنّ المراد الاقتصار على هذا المقدار بدلا من الأصل ، فأسقط الزائد لدى العجز إرفاقاً وتخفيفاً على المكلّفين ، فتكون متتابعة لا محالة; لاعتبارها إلى واحد وثلاثين يوماً ، فتكون معتبرة في ثمانية عشر يوماً منها بطبيعة الحال(2) .

والجواب عنه : أنّ مطلق البدليّة من الشهرين مع توصيفهما بالتتابع دون البدل لا يقتضي اعتبار التتابع في البدل ، مع أنّ بدليّة صوم الثمانية عشر من الشهرين غير ثابتة ، بل يظهر من بعض الروايات(3) بدليّة صوم العدد المذكور من الإطعام دون الصيام . بل ربما يقال(4) : إنّه على فرض البدليّة لا دليل على كون صيام العدد بدلا من مثل هذا العدد بالإضافة إلى الشهر الذي يعتبر فيه التتابع ، فمن المحتمل كونه بدلا من الشهر الآخر أو المتوسّط بين الشهرين . وقد عرفت أنّ روايات المفيد (قدس سره) مرسلة وهي غير معتبرة ، فلم يبق في البين دليل على اعتبار التتابع وإن كان مجموع ذلك موجباً للحكم بالاحتياط كما في المتن .

وأمّا صيام سائر الكفّارات : فاعتبار التتابع فيه هو المشهور(5) بين الأصحاب أيضاً . قال المحقّق في محكيّ الشرائع(6) : إنّه يعتبر التتابع في جميع أقسام الصيام



(1) جواهر الكلام 17 : 67 .
(2) اُنظر المستند في شرح العروة 22: 254 ـ 255.
(3) تهذيب الأحكام 4 : 312 ح 944 ، الاستبصار 2 : 97 ح 314 ، المقنعة : 345 ـ 346 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 381 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 9 ح 1 .
(4) اُنظر المستند في شرح العروة 22 : 255 ـ 256.
(5) مستمسك العروة 8 : 522 ، المستند في شرح العروة 22 : 256 .
(6) شرائع الإسلام 1 : 205 .

<<التالي الفهرس السابق>>