في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

بسم الله الرحمن الرحيم

الأسئلة الاعتقادية التي أجاب عنها مكتب سماحة آية الله الشيخ فاضل اللنكراني.

إن كانت لديك مسألة فاسأل، نحن نجيب عنها، إن شاء الله تعالى.

1 ـ ما هو حدّ الغلو، وهل تصحّ عقيدة المؤمن إذا رأى أنّ للأئمّة صلوات الله عليهم مقاماً لا يبلغه ملكٌ مقرّب ولا نبيٌّ مرسل؟ وعموماً، إذا اعتقد بالمضامين التي جاءت في الجامعة الكبيرة.

هل يشمل اللعن في الآية }يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان{ القائلين إنّ الله فوّض إلى الأئمّة(عليه السلام) الأحكام الشرعيّة وشؤون الخلق والرزق...، مع إقرارهم وإذعانهم بأنّ كلّ ذلك من الله، وهبه لهم وفوّضه إليهم، فهم يباشرون خلق الخلق ورزقهم وإنزال السحاب وإنبات الثمر و... كما يباشر عزرائيل(عليه السلام) قبض الأرواح؟ عموماً، ماذا تعني الولاية التكوينيّة للأئمّة(عليه السلام)؟ وهل تؤمنون بها؟ نرجو أن تذكروا دليلا معتبراً على ذلك.

ج س1 ـ اعلم انّ الغلاة على طوائف:

الاُولى: من يعتقد الربوبية لأمير المؤمنين(عليه السلام) أو لأحد من الأئمّة المعصومين فلا إشكال في كفرهم ونجاستهم لأنّه إنكار لالوهيته سبحانه وهو من أحد الأسباب الموجبة للكفر والنجاسة.

الثانية:من يعتقد بشركة علي أو أحد الأئمّة(عليه السلام) مع الله تبارك وتعالى في تدبير العالم وهو أيضاً نجس لكونه مشركاً.

الثالثة:من اعتقد بأنّه تعالى قد اتّحد مع عليّ(عليه السلام) أو حلّ فيه وهذه الطائفة لو اعتقدوا انّ علياً(عليه السلام) قد صار بعد الحلول أو الاتحاد إلهاً في مقابل الله تعالى فهم مشركون لا إشكال في نجاستهم ولو اعتقدوا انّ العبد قد يفنى في الله فناء الظلّ في ذي الظل بحيث تزول الاثنينية وتجيء الوحدة وقد تحقّق هذا في علي(عليه السلام) فهذه العقيدة وإن كانت باطلة إلاّ انّها لا توجب الكفر والنجاسة.

الرابعة:المفوّضة وهم الذين يعتقدون انّ الله تعالى هو خالق السماوات والأرضين وما بينهما ويعترفون بالوهيته سبحانه مع الاعتقاد بأنّ الاُمور الراجعة إلى التشريع والتكوين كلّها بيد أمير المؤمنين أو أحدهم(عليه السلام) وانّ الله قد عزل نفسه عمّا يرجع إلى تدبير العالم وفوّض الاُمور إليهم وهذه العقيدة وإن كانت باطلة وإنكاراً للضروري لأنّ الاُمور الراجعة إلى التكوين والتشريع كلّها مختصّة بذات الواجب إلاّ انّها لا توجب الكفر مستقلّة. نعم لو رجع إلى تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله) فهو كافر لذلك.

الخامسة:من لا يعتقد بربوبيّة أمير المؤمنين(عليه السلام) ولا يعتقد بتفويض الاُمور إليه أو إلى أحد من ولده وانّما يعتقد بأنّه وغيره من المعصومين بعده ولاة الأمر وانّهم كما ثبتت لهم الولاية التشريعية ثبت لهم الولاية التكوينية فيقدرون على الإماتة والإحياء، والشفاء والإغناء بإذن الله تبارك وتعالى وإقداره لهم مع حفظ كمال قدرته واستقلاله تعالى وعدم انعزاله، وأنّ كلّ شيء بيده ولا حول ولا قوّة إلاّ به،

وكون أزمّة الاُمور طرّاً بيده، فهذا مع أنّه لا يكون مستلزماً للكفر يكون كمال التوحيد، لأنّ المعتقد بهذه العقيدة الصحيحة يعتقد بأنّ دائرة قدرة الله ليس لها حدّ محدود، وأنّه تعالى كما يقدر نفسه على الإماتة والإحياء كذلك يقدر على إقدار الغير على ذلك وإعطاء هذه المزيّة له مع حفظ قدرته وثبوت المزيّة لنفسه، فكيف يكون هذا من الكفر والشرك، مع أنّه لا محيص من الالتزام بذلك بالإضافة إلى طائفة اصطفاهم الله من بين الناس وفضّلهم على غيرهم بمقتضى الآيات والروايات الكثيرة في هذا الباب }أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله{.

ومن العجب بعد ذلك من بعض المنتحلين للتشيّع المتعقدين بالإمامة كيف يرى أنّه لا فضيلة للأئمّة(عليه السلام) على غيرهم، وأنّ امتيازهم في مجرّد استجابة الدعاء، وأنّهم لا يقدرون على شيء من الاُمور المذكورة، فإذا كان المسيح قادراً على إحياء الموتى، غاية الأمر بإذن الله، كيف لا يكون الإمام قادراً عليه؟ وتأويل الآية الظاهرة في ذلك من دون قيام دليل على خلاف ظاهره لا مجال له أصلا.

ودعوى رجوعه إلى الشرك واضحة الفساد، فإنّ الشرك لا يتحقّق إلاّ بالاعتقاد باتّحاد الرتبة في الذات أو في الفعل أو في العبادة وما نعتقده في أئمّتنا(عليه السلام)لا يرجع إلى ذلك بوجه، فإنّ قدرتهم تابعة لقدرة الله ولا تكون واقعة في عرضها، كما أنّ قدرة الوكيل في طول قدرة الموكّل.

ومن جميع ما ذكرنا ظهر المراد من الملعونين في الآية الشريفة التي اُشير إليها في السؤال، فتدبّر.

2 ـ في الكافي الشريف أنّ الأئمّة(عليه السلام) يتوارثون كتاباً مختوماً، أو خواتيماً (ج1 كتاب الحجّة باب أنّ الأئمّة: لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله) يفتحها كلّ منهم ويمضي ما فيها، وأنّ الحسين(عليه السلام) فتحها فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتُقتل واخرج بأقوام للشهادة، لا شهادة لهم إلاّ معك، ففعل، وانّ زين العابدين(عليه السلام)فتحها فوجد فيها أن اصمت واطرق، وأنّ الباقر(عليه السلام) فتح الخاتم الخامس فوجد فيه فسّر كتاب الله وصدّق أباك وورّث ابنك واصطنع الاُمّة... وهكذا. ترى أين يقع ما يقوم به بعض الكتّاب والمفكّرين الإسلاميين من تحليل تاريخ الأئمّة واستنباط الآراء والمواقف من سيرتهم، إنّهم يعرضون الاُمور في كتاباتهم وتحليلاتهم على نحو يفهمه القارئ كتفسير للحدث وتعليل لعمل المعصوم، هل ذلك لهم؟ أين يقع ذلك من الروايات التي تتحدّث عن الكتاب والخاتم المختوم؟

ج س2 ـ مع أنّ أكثر الأحاديث المشتملة على هذا المضمون وهو وجود الكتاب المختوم أو الخواتيم ضعيف، والصحيح منها دالّ على غير هذا التعبير، يكون مفاده ثبوت وظائف خاصّة لكلّ واحد من الأئمّة(عليه السلام)، ومن الظاهر أنّ اختلاف الوظائف ناش عن اختلاف الظروف والخصوصيّات في زمن كلّ واحد منهم، وكلّ ظرف يقتضي شأناً خاصّاً، وعليه فالتحليل إذا كان مطابقاً لتلك الظروف ودالاًّ على أنّ الظرف الخاصّ يقتضي حكماً خاصّاً ووظيفة مخصوصة لا بأس به، وعليه فالتحليلات بالشرط المذكور لا تنافي تلك الوظائف بوجه.

3 ـ مقولة أنّ العقائد قضيّة عقلّية، يجب أن يصل المكلّف إليها مباشرة فيعرف برهانها، ويذعن له، لا أن يأخذها تقليداً. هل يشمل ذلك جميع العقائد ، أم اصولها وأُسسها دون تفصيلاتها، ماذا عن التفصيلات المختلف فيها، ما هو المرجع في تحديد الصحيح والأصحّ، هل تخضع للقواعد والعلوم التي تعالج فيها الأحكام الشرعية فنرجع فيها إلى المتخصّص، أم أنّ لنا ـ كعوام ـ التعامل المباشر معها؟ الروايات التي تتحدّث عن حدود علم الإمام (على سبيل المثال) هل لنا أن نرفضها لأن الضرورة العقلية لا تقتضي وجوبها على الإمام وأنّها تفرض فيه مجرّد العصمة عن الخطأ في التبليغ ليس إلاّ، أم علينا التسليم والإذعان والاعتقاد بها (إذا صحّت سنداً وتمّت دلالةً)...؟

ج س3 ـ أمّا أصل عدم جريان التقليد في اُصول الدين فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعاه جماعة بل حكي إجماع المسلمين عليه ـ أنّ المطلوب فيها إنّما هو المعرفة واليقين، والتقليد لا يؤثّر في حصول ذلك لأنّ مرجعه إلى الرجوع إلى الغير تعبّداً وحجّية نظر العالم كذلك من دون مطالبة الدليل، بل لو فرض حصول العلم من قول الغير يخرج ذلك عن دائرة التقليد ويصير المستند حينئذ هو العلم الحاصل من قوله، لا نفس قول الغير كما هو كذلك في الفرعيّات أيضاً.

ثمّ إنّ مورد ما ذكرنا انّما هو أصول العقائد واُسسها، ولا يشمل جميع العقائد وتفصيلاتها، فإنّه لا يكون الاعتقاد ومعرفة الإمام (عليه السلام) في رتبة معرفة علمه وسعته وضيقه، بل الأوّل هو التربة المتقدّمة، ومن الواضح أنّ المرجع في غير الاُسس والاُصول إنّما هو المنابع الشرعيّة من ظواهر الكتاب والسنّة المعتبرة ودليل العقل.

4 ـ هل يجوز للمثقّف المطّلع أن يحدّد الأفكار والمفاهيم الإسلامية، ويكون صاحب رأي ونظر في القضايا الإسلامية المختلفة (غير الأحكام الشرعية)، وهل يجوز لنا أن نأخذها عنه؟ أم أنّ ذلك يفتقر للعلوم الحوزويّة ولابدّ من مراجعة العلماء فيها؟

ج س4 ـ لابدّ في تلك القضايا من مراجعة العلماء المتخصّصين فيها، ولعلّ بعضها في هذه الجهة أشدّ حاجة في الرجوع إليهم من الرجوع في الأحكام الشرعيّة.

5 ـ هناك من ينكر فضائل الزهراء(عليها السلام) ويقول: إنّها امرأة عادية مثل سائر النساء، غاية الأمر أنّها جاهدت وعبدت فبلغت مقاماً عالياً يمكن لغيرها من النساء أن تبلغه إذا ما مضت على الطريق نفسه وتوفّرت لها الظروف نفسها، ويقول: «لنجرّب أن نجد أكثر من فاطمة في أكثر من موقع»! ويشكّك في مصائبها وما جرى عليها من القوم من كسر الضلع وإسقاط الجنين وكونها استشهدت إثر تلك الجرائم الفظيعة... ما رأيكم في ذلك وما هو حكم بيع وشراء وقراءة كتبه ومؤلّفاته؟

ج س5 ـ في أصل تفضيل الزهراء سلام الله عيها راجع إلى كتاب «رؤية مبتكرة في آية التطهير» وقد أثبتنا فيه أنّ آية التطهير تثبت فضيلة خاصّة للزهراء لا يشابهها سائر النساء حتّى زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ وفي مصائبها راجع كتاب «بيت الأحزان» للمحدّث القمّي تجد انّ المصائب المذكورة لا شبهة فيها، وأنّ إنكارها إنكار التاريخ البديهي، ولا ينكرها إلاّ معاند مبغض، وقراءة تلك الكتب المذكورة في السؤال وبيعها غير جائز إلاّ لمن يريد الجواب والردّ.

6 ـ الفقهاء العدول الجامعون لشرائط الفتوى والتقليد الذين هم الاُمناء على فقه آل محمّد، هل هم اُمناء على العقائد أيضاً؟ هل يصحّ أن يقول البعض: إنّهم  ـ  والعياذ بالله ـ يؤيّدون الخرافات والأساطير ويتبنونها مراعاة للعوام، خوفاً منهم أو حرصاً على استمرار الاتّصال بهم؟

ج س6 ـ لا ينبغي أن يظنّ بالفقيه الذي يجب الرجوع إليه في الحوادث الواقعة طبقاً للأمر به من الناحية المقدّسة، ويكون وارثاً للأنبياء وأمين الله في أرضه أن يكون في المسائل الاعتقاديّة تابعاً للعوام، أو أن يسكت في قبالهم خصوصاً مع وجود مَلَكة العدالة فيه ومع تبحّره في العلوم الإسلامية وتمييز العقائد عن غيرها فهل هذا إلاّ سوء الظنّ الناشئ عن العناد، أو عن عدم معرفة الفقيه الذي له مقام شامخ في الإسلام وعند المسلمين؟

7 ـ يرجى بيان معنى العبارة الآتية التي وردت في دعاء رجب «... أسألك بما نطق فيهم من مشيّتك فجعلتهم معادن لكلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلاّ انّهم عبادك وخلقك»؟

ج س7 ـ محصّل المراد أنّه بعد كونهم(عليه السلام) معادن لكلماته ـ تبارك وتعالى ـ وأركاناً لتوحيده وآياته ومقامه لا يكون فرق بينهم وبينه تعالى إلاّ في العبودية والمخلوقيّة المستلزمة للتبعية في مقابل الأصليّة الثابتة له تعالى، فهو باعتبار أنّه علّة العلل ومفيض الوجود، وأنّ أزمة الاُمور كلاًّ بيده، ويكون له مقام الأصالة والاستقلال في جميع الفضائل الكمالية والصفات الثبوتية والسلبية، وهم باعتبار أنّهم مخلوقون وعباد له تكون الفضائل المذكورة ثابتة لهم بالتبعيّة وعقيب المشيّة والإرادة، ولذا قد عبّر في الدعاء المذكور بقوله: فجعلتهم معادن، فهذه الخصائص ثابتة باعتبار الجعل الإلهي والمشيّة الربّانية، لكن بما أنّ مشيّته تعالى في حقّهم تامّة كاملة فصاروا من المظاهر الكاملة له تعالى، فلا فرق بينه وبينهم إلاّ في العبوديّة والمخلوقيّة كالفرق بين الظلّ وذي الظلّ.

8 ـ يرى البعض أنّ معرفة منزلة الأئمّة(عليه السلام) ومقاماتهم ومعجزاتهم وأفضليّتهم على الخلق أجمعين، ليس بالأمر المهمّ، وأنّه نوع من الترف الفكري، لأنّ ما يجب الاهتمام به هو تطبيق تعاليمهم والعمل بإرشاداتهم، والإهتمام بالجانب الأوّل يشغل ويؤثّر سلباً في الجانب الثاني... فما هو رأيكم؟

ج س8 ـ غير خفيّ أنّ الأمر الأوّل يؤكد الاهتمام بالأمر الثاني، وأنّ معرفة منازل الأئمّة(عليه السلام) ومقاماتهم ومعجزاتهم وكراماتهم تؤثر إيجاباً في التطبيق والعمل بإرشاداتهم، لأنّه كلمّا كان الاعتقاد بالمرشد أشدّ وأكثر يكون التطبيق والعمل بالإرشاد أسهل وأعمق، فاللاّزم كلا الأمرين والاهتمام بالجانبين كما هو الحقّ في البين، ويدلّ على ما ذكرنا الروايات الواردة في فضائلهم ومناقبهم، فإنّ الظاهر أنّها لا تكون بصدد بيان الفضائل والمناقب في نفسها، بل مضافاً إلى ذلك يكون بصدد التمهيد للاهتمام بأقوالهم وإرشاداتهم، ويؤكّد ما ذكرنا مثل حسنة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته.

9 ـ جاء في كتاب «العروة الوثقى» فصل في مكروهات الدفن، ما يلي: «...السابع; تجديد القبر بعد اندراسه إلاّ قبور الأنبياء والأوصياء والصلحاء والعلماء... التاسع: البناء عليه عدا قبور من ذكر، والظاهر عدم كراهة الدفن تحت البناء والسقف... العاشر: اتخاذ المقبرة مسجداً إلاّ مقبرة الأنبياء والأئمّة والعلماء... الحادي عشر: المقام على القبور إلاّ الأنبياء والأئمّة...» ما هو الوجه في استثناء هذه القبور من المكروهات السابقة؟ وما هو رأيكم في الزخارف والتزيينات الموجودة في هذه المقامات.

ج س9 ـ الوجه في ذلك واضح، فإنّ عدم كراهة التجديد بعد الاندراس بالنسبة إلى قبورهم وجواز البناء عليها واتّخاذها مسجداً، وعدم كراهة المقام عندها إنّما هو لأجل كون قبورهم المطهّرة كأنفسهم الشريفة مذكّرة لله وحاكية عن المراتب المعنوية والمقامات الإلهية، كما أنّ المتّقين الذين وصفهم أميرهم وسيّدهم في خطبة المتّقين يكونون بأوصافهم هادين بالهداية العمليّة ومذكّرين بالذكر العملي، كذلك قبورهم المقدّسة، ولأجله يكون الحثّ على زيارتها أشدّ وآكد من الحثّ على زيارة غيرها من القبور وإن كانوا مؤمنين، وأمّا الزخارف والتزيينات فإنّها أيضاً حاكية عن الاهتمام بالقبور والاحترام لأصحابها وإن كانوا بأنفسهم غير معتنين بشأنها، كما يدلّ عليه ملاحظة خصوصيّات حياتهم المادّية.

10 ـ ما هو تفسير }كلاّ إذا بلغت التراقي وقيل من راق{، وما معنى «راق»، هل تصحّحون ما جاء في بعض الروايات من الندب لقراءة بعض الأدعية أو اتخاذ الأحراز طلباً للأمان أو شفاء المريض، وما إلى ذلك... كيف التوفيق بينها وبين لزوم مراجعة الأطباء، واللجوء إلى الأسباب المادّية الطبيعية في الاستشفاء؟

ج س10 ـ الظاهر أنّ المراد من قوله تعالى : }من راق{ أنّه من الطبيب الذي يشفيه ويداويه، ويستعمل في مورد اليأس عن الشفاء، ولا منافاة بين الأمرين: معالجة الطبيب، والاستفادة من الأدعية والأحراز، فإنّ كلاًّ من الطريقين سبب للشفاء، وقد لا يتحقّق مع وجود كليهما، لعدم تعلّق المشيّة الإلهية بالشفاء أصلا وكلّ من الطريقين مؤثّر مع إرادة الله تبارك وتعالى.

11 ـ هل يصحّ القول في غير الأنبياء والأئمّة(عليه السلام) أنّه معصوم، كالسيّدة الحوراء زينب(عليها السلام) وأبي الفضل العبّاس(عليه السلام) ؟ هل للعصمة مراتب؟

ج س11 ـ الظاهر أنّ للعصمة مراتب وبعض مراتبها النازلة موجودة في أكثر الناس القائلين بالحسن والقبح، فانّ العصمة بالإضافة إلى جميع المعاصي صغيرها وكبيرها، بل العصمة بالإضافة إلى الخطأ والنسيان هي التي تكون شرطاً للإمامة وقيادة الاُمّة. نعم في خصوص فاطمة الزهراء سلام الله عليها تكون العصمة المطلقة متحقّقة وإن لم تكن مقرونة بالإمامة، إلاّ أنّ اقترانها باُمومة الإمامة بأجمعها وزوجيّتها أوجب تحقّقها كذلك. ومن الظاهر عدم ثبوتها بهذه الكيفيّة في غيرها وغير النبيّ والأئمّة من سائر الاُمّة.

12 ـ حبّ أهل البيت(عليه السلام) وبغض أعدائهم بحدّ ذاته، إذا لم ينجر إلى عمل ولم يدفع إلى عبادة، هل يفيد الإنسان؟

ج س12 ـ أوّلا: إنّ الحبّ والبغض لابدّ وأن يكون لهما ملاك وعلّة، ولا يتحقّق شيء منهما من دون جهة، ولذا يسئل عن زيد إذا تعلّق حبّه بعمرو انّه ما علّة حبّك له؟ وعليه الجواب، وعلى هذا فحبّ الأئمّة(عليه السلام) لا يكاد ينفكّ عن الاعتقاد بفضائلهم كلاًّ أو بعضاً، ومع هذا الاعتقاد لا يتحقّق الانفكاك بين الحبّ والعمل، ففي مورد وجود الحبّ واقعاً يتبعه العمل خارجاً، كما يستفاد من ظاهر قوله تعالى: }إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني{ وعلى هذا لا يكاد يتصوّر الحبّ خالياً عن العمل.

ثانياً: لو سلّمنا انفكاك الحبّ عن العمل والافتراق بينهما فحبّهم(عليه السلام) على ما يستفاد من ظاهر الروايات الواردة في هذا المجال يكون بنفسه فضيلة لا تنكر.

13 ـ ما هو قولكم في الرجعة، وهل يصحّ عدّها من أصول المذهب؟

ج س13 ـ بما انّ هذه المسألة مفصّلة وقد وقع البحث فيها طويلا فينبغي الرجوع فيها إلى كتاب «إيقاظ الهجعة في إثبات الرجعة» لصاحب الوسائل الشيخ الحرّ العاملي(قدس سره).

14 ـ حديث انعقاد نطفة الزهراء(عليها السلام) والطعام الذي جيء به للنبي(صلى الله عليه وآله)واعتزاله خديجة... هل يتعلّق بخلق روحها أم بدنها الشريف؟ وعموماً: هل يختلف عنصر وهيئة بدن المعصوم عن أبدان سائر الخلق؟ كيف كانوا يمرضون إذن؟ وكيف كان بعضهم شديد السُمرة، وبعضهم بَديناً، كما في الروايات؟ وما مدى صحّة ما يقال من الخصائص الجسمانية للمعصومين(عليه السلام) من قبيل عدم النوم ورؤية الخلف كما الإمام، وانطباع أثر القدم على الحجر دون الرمل... ؟

ج س14 ـ من الواضح أنّ حديث انعقاد نطفة الزهراء(عليها السلام) يتعلّق بخلق بدنها الشريف في هذا العالم، والوجه في اختصاص بدنها بذلك أمران:

أحدهما: كونها صلوات الله عليها اُمّ الإمامة والولاية وأنّ الأئمّة(عليه السلام) جلّهم من ولدها.

ثانيهما: أنّ المسانخة اللازمة بين الروح والبدن اقتضت أن يكون بدنها ناشئاً من موادّ خاصّة مرتبطة بالجنّة، وما ذكرنا لا ينافي ثبوت بعض العوارض والأمراض والتأثّر من الحوادث الخارجة، كما أنّه لا يلازم ثبوت جميع الخصوصيّات الجسمانيّة لسائر الناس لهم.

15 ـ إذا كان أمير المؤمنين(عليه السلام) قد منح بعض أصحابه كرشيد الهجري وسلمان الفارسي علم المنايا والبلايا، فمن باب أولى أنّه(عليه السلام) كان يحمل هذا العلم، إذن كان يعلم بأجله ووقت منيّته... على ضوء ذلك: ما هي فضيلة أمير المؤمنين(عليه السلام)في قضية المبيت على فراش النبيّ(صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، وهكذا بروزه لعمرو بن عبد ود يوم الخندق، وغير ذلك من مواطن تعرّضه لحتفه؟

ج س 15 ـ الظاهر أنّ لزوم حمل علم المنايا والبلايا المستلزم للعلم بأجله ووقت منيّته إنّما هو يكون تبعاً للإمامة ومن شؤونها ولوازمها، وقبل الاتّصاف بها لا دليل على ثبوت هذا العلم، وأمير المؤمنين(عليه السلام) في قضيّة المبيت على فراش النبيّ(صلى الله عليه وآله)ليلة الهجرة، وكذا بروزه لعمرو بن عبد ود يوم الخندق وغيرهما لم يبلغ زمان إمامته وولايته، ولذا سأل عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) في قصّة المبيت أنّه مع بيتوتتي مكانك هل تبقى نفسك الشريفة سالمة؟ فأجاب: بنعم.

وكذا سأل عن النبيّ في الخطبة الشعبانيّة المعروفة أنّ وقوع جناية القتل عليّ هل يكون في حال السلامة من الدين بالإضافة إليّ؟ وبالجملة لا يلزم في الإمام قبل الوصول إلى الإمامة أن يكون عالماً بالمنايا والبلايا، وهذا بخلاف العصمة التي تكون وجه ثبوتها للمعصوم مقتضياً للثبوت حتّى قبل الوصول إلى مقام الإمامة، لما في عدمها من التوالي الفاسدة.

وعليه فالنسبة بين علم المنايا والبلايا والعصمة تكون عموماً من وجه لثبوت الأوّل في غير الإمام(عليه السلام) أيضاً بالمنح منه دون الثاني، وثبوت الثاني قبل إمامة الإمام أيضاً ضرورةً دون الأوّل، فتدبّر. وتفصيل البحث في علم الإمام(عليه السلام)يطلب من محالّه، وقد فصّلنا القول فيما يستفاد من القرآن من علم الإمام في كتاب «أئمه أطهار(عليه السلام) يا پاسداران وحى در قرآن كريم» فراجع.

16 ـ الحبال التي ألقاها السحرة أمام موسى(عليه السلام) هل انقلبت حقيقة إلى ثعابين أم تراءى للناس ذلك؟ وهل يمكن لمثل ذلك أن ينطلي على الأنبياء والأئمّة؟ وما هي قصّة «النفاثات في العقد»؟

ج س 16 ـ الظاهر أنّ الحبال تراءى للناس ذلك والشاهد على ذلك قرينتان:

الاُولى: قوله تعالى في سورة الأعراف: }سحروا أعين الناس{.

الثانية: التعبير بالتخيّل في الآية الشريفة، فسحر السحرة كان خالياً عن الحقيقة وموجباً لتخيّل الناس، ومنهم موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام، والتخيّل بهذا النحو ليس منافياً لمقام النبوّة، لأنّه مقدّمة للمقابلة والمعارضة مع السحرة، وبدونه لا يبقى مجال للمعارضة، مع انّ أصل التخيّل ونفسه من دون ترتيب أثر بالإضافة إلى نفس المتخيّل من العوارض الطبيعية للإنسان. وبعبارة اُخرى في صورة ترتيب الأثر بالنسبة إلى المتخيّل يكون منافياً للنبوّة.

والمراد من النفاثّات في العقد هو النفث فيها الموجب للتخيّل.

17 ـ في كتاب الآداب المعنوية للصلاة للإمام الخميني(قدس سره) الفقرة التالية: «إنّ الذين يظنّون أن لدعوة النبيّ الخاتم والرسول الهاشمي(صلى الله عليه وآله) جهتين دنيوية وأخروية، ويحسبون هذا فخراً لصاحب الشريعة وكمالا لنبوّته، فهؤلاء ليس عندهم معرفة عن الدين وهم عن مقصد النبوّة ودعوتها غافلون. إنّ الدعوة للدنيا خارجة عن مقصد الأنبياء العظام بالكلّية ويكفي في الدعوة إلى الدنيا حسّ الشهوة والغضب والشيطان الباطن والظاهر، ولا يحتاج إلى بعث الرسل، إنّ إدارة الشهوة والغضب لا تحتاج إلى القرآن والنبيّ، وإنّما بُعث الأنبياء لينهوا الناس عن التوجّه إلى الدنيا، وهم عندما يقيّدون إطلاق الشهوة والغضب ويدعون لكبح جماحها إنّما يحدّدون موارد المنافع، فيظنّ الغافل أنّهم يدعون إلى الدنيا، الأنبياء يصدّون طريق إطلاق الشهوات ويحدّدون قنواتها، لا أنّهم يدعون إليها، إنّ روح الدعوة إلى التجارة المشروعة هي تقييد عن مطلق الكسب، وروح الدعوة إلى أكل المباحات هي نهي وصدّ عن أكل كلّ ما تشتهيه النفس، وروح الدعوة إلى النكاح (الشرعي) هي تقييد وحدّ أيضاً. نعم إنّهم(عليه السلام) ليسوا معارضين ومانعين لهذه الاُمور على نحو الإطلاق، فإنّ هذه المعارضة مخالفة مع النظام الأتمّ» (ص97). هناك من العلماء من يرى أنّ الإسلام دين ودنيا، وأنّ النظرة الاُولى تنتهي إلى الرهبنة وانتظار الموت وتوقّف عجلة الحياة وتخلّف المسلمين عن ركب الحضارة، خصوصاً وان في الأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلاميّة ما يدعو للجمع بينهما، فما هو رأي سماحتكم؟

ج س 17 ـ لا شكّ أنّ الغرض الأصلي والغاية القصوى من بعث الرسل وجعل الأحكام الشرعيّة هي العبودية والتوجّه إلى الآخرة التي هي الحَيَوان بحسب تعبير القرآن، والدنيا دار ممرّ ومجاز، ولكنّ الوصول إلى هذا الغرض يتوقّف على وجود قوانين ومقرّرات للاعمال الإنسانية في دار الدنيا، وبناءً على ذلك فالتفات الشريعة إلى الدنيا التفات تبعيّ وآلي، ومقصود الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه هو هذا، فالأنبياء لا يقصدون الدنيا للناس قصداً استقلالياً. نعم التعلّق بالدنيا وظواهرها مذموم في الشريعة، لكن بين التعلّق والتوجّه إلى اُمور الناس في دار الدنيا فرق واضح. وممّا ذكرنا ظهر أنّ كون الغرض الأقصى هي الآخرة لا يستلزم الرهبانية التي ابتدعها المبتدعون مع أنّ الله لم يكتب عليهم، ذلك لأنّ الرهبانية مرجعها إلى الحياة الفرديّة أوّلا، وإلى الإعراض عن شؤون الدنيا كلاًّ ثانياً مع أنّ الإسلام معتن بالحياة الاجتماعية وبالاهتمام بشؤون الدنيا من دون أن تكون هي الغرض الأقصى، بل كما في الرواية: «الدنيا مزرعة الآخرة».

18 ـ ماهو رأيكم في الشعائر الحسينية وما هو الردّ على القائلين بأنّها طقوس لم تكن على عهد الأئمّة الأطهار(عليه السلام) فلا مشروعيّة لها؟

ج س 18 ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «حسين منّي وأنا من حسين». وهذا القول يرشد إلى أنّ بقاء الإسلام واستمرار الشريعة الإسلامية كان مرتبطاً بالحسين(عليه السلام)والنظر إلى استشهاده بأهله وأصحابه وإسارة أهل بيته من الصغير والكبير لأجل طلب الإصلاح في اُمّة جدّه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين تقام بهما سائر الفرائض، ومن هذه الجهة تعظيم الشعائر الحسينية لا ينفكّ عن تعظيم الدين والاعتناء بحفظه ودوامه واستمراره، ولذا كلّ ما ينطبق عليه هذا العنوان لا يكون إلاّ مستحسناً لو لم يكن لازماً. نعم الشعائر التي تكون مقرونة أحياناً ببعض المحرّمات أو منطبقاً عليها بعض العناوين المحرّمة لا يجوز شرعاً، ولكنّه يتّفق أحياناً وقليلا، وأمّا أكثر الشعائر في أبعادها المختلفة من تشكيل المآتم والشركة فيها والإعانة عليها، ومن ذكر المصائب والإبكاء والبكاء عليها، وتشكيل المواكب والضرب بالسلاسل واللطم على الصدور، ومن حمل العلائم أو نصبها فممّا لا مانع منها بل مستحسن جدّاً.

19 ـ يرجى التعليق على هذه الفقرة للمرحوم آية الله العظمى الخوئي(قدس سره) في بحث أقسام التقيّة، ومنها التقيّة المحرّمة ... : «وإذا كانت المفسدة المترتّبة على فعل التقيّة أعظم من المفسدة المترتّبة على تركها، أو كانت المصلحة في ترك التقيّة أعظم من المصلحة المترتّبة على فعلها، كما إذا علم بأنّه إن عمل بالتقيّة ترتّب عليه اضمحلال الحقّ واندراس الدين الحنيف وظهور الباطل وترويج الجبت والطاغوت، وإذا ترك التقيّة ترتّب عليه قتله فقط، أو قتله مع جماعة آخرين، ولا إشكال حينئذ في أنّ الواجب ترك العمل بالتقيّة وتوطين النفس للقتل، لأنّ المفسدة الناشئة عن التقيّة أعظم وأشدّ من مفسدة قتله. ثمّ يقول(رحمه الله) : ولعلّه من هنا أقدم الحسين سلام الله وصلواته عليه وأصحابه رضوان الله عليهم لقتال يزيد بن معاوية وعرضوا أنفسهم للشهادة وتركوا التقيّة عن يزيد. وكذا بعض أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)، بل بعض علمائنا الأبرار قدّس الله أرواحهم وجزاهم عن الإسلام خيراً كالشهيدين وغيرهما» (التنقيح ج4 ص257).

ج س 19 ـ مع أنّ أصل هذا المطلب من وجهة النظر الفقهي صحيح لا ريب فيه، إلاّ أنّ تطبيقه على عمل الحسين(عليه السلام) وأصحابه لعلّه مخدوش من جهة أنّ وظيفة الإمام المعصوم(عليه السلام) وظيفة خاصّة لا تنكشف إلاّ له ولمثله، ولعلّها فوق وظيفة غيره. وبعبارة اُخرى: كان عمله(عليه السلام) فوق عنوان ترك التقيّة، بل لا ينطبق هذا العنوان بالنسبة إلى ما فعله(عليه السلام) في مورد بعض أولاده وإسارة أهله، والمصداق الكامل لهذه الكلّية في عصرنا هو الإمام الراحل(قدس سره) في الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، حيث إنّه هيّأ نفسه فداءً في مقام المخالفة مع الطاغوت الذي كان بصدد هدم الإسلام فروعاً واُصولا.