جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج1 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة141)

المغرب في السفر حتّى يغيب الشفق ، ولا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق»(1) .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله تعالى : {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}(2) قال : «إنّ الله افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها : صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ومنها : صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(3) .
ومنها : رواية جميل بن دراج قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام)  : ما تقول في الرجل يصلّي المغرب بعدما يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّة ، لا بأس» . قلت : فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّة ، لا بأس»(4) . وحينئذ فتصير الرواية من الأخبار المقيدة ، إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على جواز الجمع ، والإتيان بالعشاء قبل سقوط الشفق ، إمّا مطلقاً ، أو في خصوص السفر ونحوه .
وبازاءهذه الأخبارروايات اُخرى ظاهرة في عدم دخولوقتهاقبل ذهاب الشفق:
فمنها : رواية عمران بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) متى تجب العتمة؟ قال : «إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة ، فقال عبيدالله : أصلحك الله إنّه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض ، فقال أبو عبدالله(عليه السلام)  : إنّ الشفق إنّما هو الحمرة وليس الضوء من الشفق»(5) .

(1) التهذيب 2 : 35 ح180 ; الاستبصار 1 : 272 ح984 ; الوسائل 4 : 202 . أبواب المواقيت ب22 ح1 .
(2) الاسراء : 78  .
(3) التهذيب 2 : 25 ح72 ; الاستبصار 1 : 261 ح938 ; الوسائل 4 : 157 . أبواب المواقيت ب10 ح4 .
(4) التهذيب 2 : 33 ح101 ; الاستبصار 1 : 268 ح969 ; الوسائل 4 : 196 . أبواب المواقيت ب19 ح13 .
(5) الكافي 3 : 280 ح11  ; التهذيب 2 : 34 ح103 ، الإستبصار 1 : 270 ح977 ; الوسائل 4 : 204 . أبواب المواقيت ب23 ح1 .

(الصفحة142)

ومنها : ما رواه عبدالله بن جعفر في قرب الاسناد عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن وقت صلاة المغرب؟ فقال : «إذا غاب القرص . ثم سألته عن وقت العشاء الآخرة؟ فقال : إذا غاب الشفق ، قال : وآية الشفق الحمرة . ثمّ قال بيده هكذا»(1) .
ومنها : ما ورد في حديث بكر بن محمد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل»(2) .
واللاّزم الجمع بين هاتين الطائفتين ، وهو يحصل بأحد الوجوه الثلاثة :
أحدها : أن تحمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة ، والطائفة الاُولى على بيان وقت الإجزاء ، وقد عرفت أنّ لكلّ صلاة وقتين ، وقت فضيلة ووقت إجزاء .
ثانيها : أن تحمل الطائفة الاُولى على بيان الوقت للمضطرّ ، والثانية على بيانه للمختار .
ثالثها : أن تحمل هذه الطائفة على التقية ، لاتفاق العامة على عدم جواز الإتيان بالعشاء قبل زوال الشفق(3) .
هذا ، ويبعد الوجهين الأوّلين الروايات الدالة على أنّ لكل صلاة وقتين(4)سواء كان المراد بهما الاختياري والاضطراري ، أو الفضيلة والإجزاء لأن مقتضاها أنّ هذا شأن جميع الصلوات ، بلا فرق بينها ، مع أنّ لازم هذين الوجهين كون العشاء له أوقات ثلاثة كما لا يخفى .
وحينئذ فيقوى في النظر الوجه الثالث ، ويؤيده ما رواه الفريقان عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)

(1) قرب الإسناد : 47 ح111 ; الوسائل 4 : 205 . أبواب المواقيت ب23 ح3 .
(2) الفقيه 1 : 141 ح657 ; الوسائل 4 : 174 . أبواب المواقيت ب16 ح6 .
(3) المجموع 3 : 42 ; مغني المحتاج 1 : 122 ; سنن البيهقي 1 : 373 ; الخلاف 1 : 262 مسألة 7 .
(4) الكافي 3: 274 ح3 و 4; التهذيب 2: 39 ـ 40 ح124، 125; الإستبصار 1: 244 ح870 ، 871 ; الوسائل 4: 121، 122. أبواب المواقيت ب3 ح11 و13.

(الصفحة143)

أنّه قال : «لولا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل أو نصفه»(1) . على الاختلاف ، فإنّ المستفاد من ذلك أنّ الإتيان بالعشاء في آخر وقته أفضل ، فلا يجوز جعل زوال الحمرة وقت الفضيلة ، فتدبّر .
وكيف كان فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى الطائفة الاُولى ، خصوصاً مع كثرتها ، بحيث لا ينبغي الارتياب فيها مضافاً إلى الشهرة المحقّقة من زمان العلاّمة ، بل كان القائل به قبله أيضاً كثيراً ، ومن هنا ينقدح الخلل فيما استدلّ به الشيخ في الخلاف(2) في عبارته المتقدّمة ، ما ملخّصه : إنّ ما بعد الشفق متيقن ، وقبله مشكوك ، وجه الخلل أنه لا مجال للشكّ بعدما عرفت من كثرة الأخبار الدالة على دخول وقتها بمجرّد الفراغ من المغرب(3) ، وعدم إمكان رفع اليد عنها كما لا يخفى .

المسألة السادسة : آخر وقت صلاة العشاء

فنقول : اختلف المسلمون في ذلك ، فحكي عن العامة أقوال أربعة :
أحدها : ما اختاره إبراهيم النخعي من القول بامتداده إلى ربع الليل ، بلا فرق بين صورتي الاختيار والاضطرار(4) .
ثانيها : ما ذهب إليه أبو حنيفة ، والثوري ، والشافعي في القديم ، وجماعة من

(1) الكافي 3 : 281 ح13  ; الوسائل 4 : 186 . أبواب المواقيت ب17 ح12 و13 ; سنن ابن ماجة 1 : 226 ح691 ; سنن الترمذي 1 : 214 ح167 ; سنن النسائي 1 : 301 ح530 ; صحيح البخاري 1 : 161 ح571 ; صحيح مسلم 5 : 116 ، ب39 ، ح225 .
(2) الخلاف 1 : 262 مسألة 7  .
(3) الكافي 3 : 281 ح16 ; الفقيه 1 : 142 ح662 ; التهذيب 2 : 260 ح1037 ; الوسائل 4 : 184 و186 . أبواب المواقيت ب17 ح2 و 14 .
(4) عمدة القاري 5 : 62 و 69 ; المجموع 3 : 39 ـ 40 ; مغني المحتاج 1 : 124 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8  .

(الصفحة144)

القول بامتداده للمختار إلى النصف ، وللمضطر إلى الطلوع(1) .
ثالثها : الامتداد إلى الفجر مطلقاً ، حكي ذلك عن ابن عباس ، وعطا ، وطاووس ، وعكرمة ، ومالك(2) .
رابعها : الامتداد إلى الثلث للمختار ، وإلى الفجر للمضطر ; ذكره الشافعي في الجديد(3) .
وقد ظهر من ذلك أنّ القول بالإمتداد إلى الفجر في الجملة قول معروف بينهم ، لأنّه لم يخالف فيه أحد منهم إلاّ النخعي .
وأمّا الإمامية فهم أيضاً مختلفون في ذلك ، لاختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب ، والقول الذي كان معروفاً بينهم في جميع الأعصار هو القول بالامتداد إلى نصف الليل، أوثلثها، وأمّاالقائل بالامتداد إلى الفجر فقليل جدّاً . وقد أفتى به المحقّق في المعتبر بالنسبة إلى المضطرّين(4) ، وعبارة الصدوق(رحمه الله) في الفقيه(5) ظاهرة في اختياره ذلك. وحكاه الشيخ أيضاًفي المسبوط عن بعض أصحابناالإمامية(6)، ولكنّه يبعدأن يكون مراده بذلك البعض هوالصدوق; وبالجملة فهذاالقول في غاية الشذوذ.
وأمّا القول بالامتداد إلى نصف الليل ، فذهب إليه السيّد ، وابن إدريس ، والحلبي ، وجماعة(7) ; وصرّح بعضهم بكونه آخر وقت المضطرّ ، وأنّ آخر الوقت

(1) عمدة القاري 5 : 62 و 69 ; المجموع 3 : 39 ـ 40 ; مغني المحتاج 1 : 124 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8  .
(2) عمدة القاري 5 : 62 ; المجموع 3 : 40 ; الخلاف 1 : 264 مسألة 8  ; ونقل فيه عنهم القول بالامتداد إلى طلوع الفجر الثاني لا مطلقاً كما في المتن .
(3) المجموع 3 : 39 ; عمدة القاري 5 : 29 و 62 ; مغني المحتاج 1 : 124 ; الخلاف 1 : 264 مسألة 8  .
(4) المعتبر 2 : 43 .
(5) الفقيه 1 : 232 ـ 233 ذح1030  .
(6) المبسوط 1  : 75 .
(7) رسائل الشريف المرتضى 1 : 274 ; المراسم : 62 ; الغنية : 70 ; الكافي في الفقه : 137 ; الوسيلة : 83  ; السرائر 1 : 195 ; شرائع الإسلام 1 : 50 ; مختلف الشيعة 2 : 27 ; الدروس 1 : 139 ; الذكرى 2 : 344 ; مسالك الافهام 1 : 139 ; مفتاح الكرامة 2 : 29 .

(الصفحة145)

للمختار هو الثلث(1) ، وأمّا ثلث الليل فاختاره المفيد ، والشيخ في النهاية والجمل والخلاف ، وبعض كتبه الاُخر(2) ; وقال ابن أبي عقيل : أوّل وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق ، وهو الحمرة لا البياض ، فإن جاوز ذلك حتّى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير(3) .
وبالجملة : فأقوال الإمامية في المسألة أيضاً أربعة : الفجر ، ونصف الليل ، وثلثها ، وربعها ، وحكى في مفتاح الكرامة أنّ القول الأخير مرويّ عن الرضا(عليه السلام)(4) ، والظاهر أنّه أراد فقه الرضا ، وأمّا ما يدلّ على القول الأوّل فهي الأخبار المتقدّمة في آخر وقت المغرب(5) ، ولا يمكن الاعتماد عليها لموافقتها للعامّة ، لتسالمهم على الامتداد إلى الفجر في الجملة كما عرفت . نعم حكي عن النخعي القول بامتداده إلى ربع الليل ، ولكنّه شاذّ عندهم(6) .
وحينئذ فيحتمل قويّاً صدور الروايات الدالّة على ذلك تقية ; وما ذكرناه سابقاً(7) في مقام تصحيح هذه الأخبار من أن القول بجواز الإتيان بالمغرب إلى الطلوع خلاف ما هو المشهور بينهم ، فهو إنّما كان بالنسبة إلى المغرب ، وأمّا بالنسبة إلى صلاة العشاء فلا ، وإن كان ربّما يستظهر منها عدم التقية ، باعتبار اشتمالها على

(1) الجامع للشرائع : 60  .
(2) المقنعة : 93 ; النهاية  : 59  ; الجمل والعقود : 59 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8 ; الاقتصاد : 256 .
(3) مختلف الشيعة 2 : 28 .
(4) مفتاح الكرامة 2 : 29 .
(5) راجع الوسائل 4 : 159 . أبواب المواقيت ب10 ح9 وص 288 ب62 ح3 و 4 .
(6) عمدة القاري 5 : 62 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8  .
(7) راجع ص127 .

(الصفحة146)

امتداد المغرب أيضاً إلى الفجر ، والعامّة لا يقولون به .
هذا ، ولكن عرفت سابقاً إتّفاقهم إجمالا على امتداده أيضاً إلى الطلوع ، وإن اختلفوا من حيث أنّ الجواز من جهة سعة الوقت ، كما اختاره مالك(1) ، أو من جهة الجمع في موارد مشروعيته ، كالسفر والمطر ونحوهما ، فليس ذكر المغرب فيها مانعاً عن الحمل على التقية ، نعم بعضها يدلّ على ما لا يقولون به أصلا ، وهو اشتراك الوقت بين المغرب والعشاء إلى أن يبقى إلى الفجر مقدار أداء العشاء ، فيختصّ بها ، إذ ليس هذا التفصيل في كلامهم أصلا . وكيف كان ، فهذه الأخبار أيضاً مخالفة للمشهور ، ولا يجوز العمل بها .
وأمّا ما يدل على الامتداد إلى الثلث مطلقاً ، فهو الروايات الدالة على إتيان جبرئيل بالوقت(2) المشتملة على أنّ ما بين زوال الحمرة والثلث وقت .
وأما ما يدلّ على النصف :
فمنها : قوله تعالى : {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}(3) لأنّ المراد بالغسق هو النصف ، كما قد فسّر به(4) .
ومنها : رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عمّا فرض الله تعالى من الصلاة؟ فقال : «خمس صلوات في الليل والنهار» ، فقلت : هل سمّاهنّ الله وبيّنهنّ؟ قال : «نعم ، قال الله عزّوجلّ لنبيّه : {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} ودلوكها زوالها ، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات : سمّـاهنّ الله

(1) عمدة القاري 5 : 62 ; المجموع 3 : 40 ; الخلاف 1 : 264 ذيل مسألة 8  .
(2) الوسائل 4 : 157 ـ 158 . أبواب المواقيت ب10 ح5 ـ 8  .
(3) الاسراء : 80  .
(4) مجمع البيان 6 : 282  ، تفسير الصافي 3 : 209 ، نور الثقلين 3 : 200  .

(الصفحة147)

وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق الليل إنتصافه . . .»(1) الحديث .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق(عليه السلام) : «إذا غابت الشمس فقد حلّ الافطار ووجبت الصلاة ، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل»(2) .
ومنها : رواية داود بن فرقد المشتملة على قوله(عليه السلام) : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل»(3) .
ومنها : رواية معلّى بن خنيس عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «آخر وقت العتمة نصف الليل»(4) . وغير ذلك من الأخبار الظاهرة في امتداد وقت العشاء إلى الانتصاف .
هذا والجمع بين هذه الأخبار والأخبار الدالّة على الثلث ، هو حمل الثانية على الفضيلة والاُولى على الإجزاء ، لما عرفت من أنّ لكلّ صلاة وقتين وأنّ اختلافهما إنّما هو بالفضيلة والاجزاء . نعم من قال بأنّ اختلافهما إنّما هو بالنسبة إلى حالتي الاختيار والاضطرار ، كما ذهب إليه جماعة(5) ، يكون المتعيّن عنده هو حمل الثانية

(1) الكافي 3 : 271 ح1 ; تفسير العياشي 1 : 127 ح416 ; الفقيه 1 : 124 ح1 ; علل الشرائع : 354 ح1 ; التهذيب  2 : 241 ح954 ; معاني الأخبار : 332 ; الوسائل 4 : 10 . أبواب اعداد الفرائض ب2 ح1  .
(2) الفقيه 1 : 142 ح662 ; الوسائل 4 : 184  . أبواب المواقيت ب 17 ح2  .
(3) التهذيب 2 : 28 ح82  ; الاستبصار 1 : 263 ح945  ; الوسائل 4 : 184  . أبواب المواقيت ب17 ح4  .
(4) التهذيب 2 : 262 ح1042 ، الإستبصار 1 : 273 ح987 ، الوسائل 4 : 185 . أبواب المواقيت ب17 ح8  .
(5) المقنعة : 94 ; المبسوط 1 : 72 . الخلاف 1 : 271 مسألة 13 ; الكافي في الفقه : 138 ; الوسيلة : 81  ; المهذّب  1  : 71  .

(الصفحة148)

على صورة الاختيار ، والاُولى على صورة الاضطرار ، ولكنّه خلاف ما يستفاد من الأخبار الدالّة على أنّ لكل صلاة وقتين كما مرّ سابقاً .

المسألة السابعة : وقت صلاة الفجر أوّلا وآخراً

فنقول : اتّفق المسلمون كافّة على أنّ أوّل وقت صلاة الفجر هو طلوع الفجر الصادق(1) ، كما أنّه أوّل وقت الصوم أيضاً . نعم حكي عن الأعمش أنّه قال : أوّل وقت الصوم هو طلوع الشمس(2) ، ولكنّه مردود بالاجماع ، ولا عبرة بالفجر الأول المسمّى بالفجر الكاذب ، لا عندنا ولا عند المخالفين ; وما حكي من اعتماد عوامهم على الفجر الكاذب فهو على فرض صحّة الحكاية سيرة مستمرّة بين العوام ، ولا يقول به أحد من علمائهم ، كما يظهر بمراجعة الفتاوى .
ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى الاجماع ، الآية الشريفة ، والروايات الكثيرة ، قال الله تعالى : {كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}(3) ، والتعبير عن البياض بالخيط إنّما هو لكونه في أوّل حدوثه دقيقاً ، والتعبير عن الليل بالخيط أيضاً مع كونه محيطاً لجميع السماء والأرض إنّما هو من باب المشاكلة ، والتعبير عن الشيء بلفظ مصاحبه ، فمعنى الآية : {كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط} الذي هو أمارة على النهار ، عن الخيط الذي هو عبارة عن ظلمة الليل ، وليس المراد التبيّن لكل واحد واحد من آحاد الناس باختلاف حالاتهم ، أو حالات الليل ، من كونه مقمراً ، أو غيره ، أو حالات الهواء من كونها

(1) الخلاف 1 : 267 مسألة 10 ، المعتبر 2 : 44 ; تذكرة الفقهاء 2 : 316 مسألة 35 .
(2) المجموع 3 : 45 ; الخلاف 1 : 266 . ذيل مسألة 9  .
(3) البقرة : 187 .

(الصفحة149)

مغيمة ، أو صحواً ، بل المراد هو التبيّن والتميّز النوعي مع قطع النظر عن الموانع ، لأنّ النهار إنّما يتحقق بقرب الشمس في حركتها إلى الاُفق ، بحيث يمكن رؤية ضوئها لو لم يكن في البين مانع ، ولا يختلف حسب اختلاف حالات الناظرين ، أو غيرها كما هو واضح .
ثمّ اعلم أنّ سبب نزول الآية كما يستفاد من الروايات(1) ، أنّه كان في صدر الإسلام الأكل والنكاح محرّمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم ، بل كان النكاح محرّماً فيه مطلقاً ، فوقع الناس من أجل ذلك في شدّة ومشقّة ، الشيوخ من ناحية الأول والشبان من جهة الثاني فمنّ الله عليهم بأن وضع عنهم هذا التكليف ، وقد حكي أنّ بعض الصحابة(2) بعد سماعه للآية فسّرها بصيرورة العالم مضيئاً بحيث يمكن تمييز الحبل الأسود من الحبل الأبيض ، فقال ذلك للنبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فقال(صلى الله عليه وآله) : «إنّك لعريض القفاء» .
ووجه حمله الآية على ذلك ، تخيله بأنّ المراد بالخيط معناه الحقيقي ، مع أنّه كما عرفت إنّما هو من باب الاستعارة ، وتشبيه البياض المعترض في أفق المشرق بالخيط الأبيض في الدّقة ، لأنّ المراد إنّما هو حين حدوثه ، وهو في هذا الحال دقيق كما مرّ ; والتعبير عن السواد بالخيط إنّما من باب المشاكلة .
ثمّ لا يخفى أنّه يمكن أن يستفاد كون المراد بالفجر هو الفجر الثاني المسمّى بالفجر الصادق من قوله تعالى : {اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}(3) بضميمة قوله تعالى : {ثمّ أتموا الصيام إلى الليل}(4) ، فإنّ المستفاد من مجموعهما

(1) تفسير القمّي 1 : 66 ، مجمع البيان 2 : 280 ; نور الثقلين 1 : 68 ; الصافي 1 : 224 ; تفسير القرطبي 2 : 314 ; التفسير الكبير 2 : 267 .
(2) وهو عديّ بن حاتم الطائي  : التفسير الكبير 2 : 273 .
(3) و (4) سورة البقرة : 187.

(الصفحة150)

أنّ وقت الإمساك عبارة عن مجموع النهار ، ولا إشكال في أنّ مبدأ النهار عند عرف العرب هو الفجر الثاني لا الأوّل .
وأمّا الأخبار الدالّة على ذلك فكثيرة :
منها : رواية أبي بصير ليث المرادي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) فقلت : متى يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال : «إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء(1) ، فثمّ يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر» قلت : أفلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟ فقال : هيهات أين يذهب بك ، تلك صلاة الصبيان»(2) .
ومنها : رواية عليّ بن عطية عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «الصبح هو الذي إذا رأيته كان معترضاً كأنه بياض نهر سوراء»(3) .
ومنها : مكاتبة أبي الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ، فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الاُفق واستبان ، ولست أعرف أفضل الوقتين فأُصلّي فيه ، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي ، وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ ، وكيف أصنع مع الغيم وما حدّ ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله . فكتب(عليه السلام)بخطّه : الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض ، وليس هو الأبيض صعداً ، فلا تصلِّ في سفر ولا

(1) القبطيّة : ثياب بيض رقاق يؤتى بها من مصر ، (لسان العرب 7 : 373) .
(2) الفقيه 2 : 81 ح361 ; التهذيب 4 : 185 ح514 ; الوسائل 4 : 209 . أبواب المواقيت ب27 ح1 .
(3) الفقيه 1 : 317 ح1440 ، الكافي 3 : 283 ح3 ، وج4 : 98 ح2 ، التهذيب 2 : 37 ح118 وص185 ح515 ، الإستبصار 1 : 275 ح997 ، الوسائل 4 : 210 . أبواب المواقيت ب27 ح2 .
وسوراء موضع في العراق في أرض بابل ، معجم البلدان 3 : 378 .

(الصفحة151)

حضر حتّى تبيّنه ، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا ، فقال : {كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}(1) ، فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي يوجب به الصلاة»(2) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي ركعتي الصبح ـ وهي الفجر ـ إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً»(3) .
ومنها: رواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال : سألته عن وقت صلاة الفجر فقال : «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء»(4) . إلى غير ذلك ممّا يدل على أنّ وقت الصبح إنّما يدخل إذا طلع الفجر الثاني المسمّى بالفجر الصادق.
والفرق بينه وبين الفجر الكاذب من وجوه :
الأوّل: إنّ الفجرالكاذب منفصل عن الاُفق بخلاف الفجر الصادق، فإنّه متصل به .
الثاني : إنّ الأوّل يكون عموديّاً والثاني اُفقيّاً .
الثالث : إنّ الأوّل يكون عند حدوثه أشدّ ضوءً لأنّه يزول تدريجاً ، والثاني بخلاف ذلك ، فإنّه ينتشر قليلا قليلا ، ويشتدّ ضوءه تدريجاً . هذا كلّه في أوّل وقت صلاة الصبح .
وأمّا آخر وقتها فلا خلاف بين المسلمين في امتداده إلى طلوع الشمس إجمالا ، وإن وقع الخلاف بينهم في كونه آخر وقت الإجزاء ، أو آخر الوقت

(1) سورة البقرة : 187  .
(2) الكافي 3 : 282; التهذيب 2 : 36 ، ح115; الاستبصار 1 : 274 ، ح996; الوسائل 4 : 210 ، أبواب المواقيت : ب17 ، ح4 .
(3) التهذيب 2 : 36 ح111  ; الاستبصار 1 : 273 ح990  ، الوسائل 4 : 211 . أبواب المواقيت ب27 ح5  .
(4) التهذيب 2 : 37 ح117 ، الإستبصار 1 : 275 ح996 ، الوسائل 4 : 212 . أبواب المواقيت ب27 ح6 .

(الصفحة152)

للمضطرّ ، وأنّ آخره للمختار هو طلوع الحمرة المشرقية ، فذهب إلى الأوّل أبو حنيفة(1) وهو الأقوى ، بناء على ما اخترناه من أنّ الافتراق بين الوقتين إنّما هو بالفضيلة والإجزاء ، وحكي الثاني عن الشيخ(قدس سره) ، بناء على مااختاره من جعل الافتراق بينهما بالاختيار والاضطرار ، وبه قال الشافعي ، وأحمد(2) .
ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى الاجماع أخبار كثيرة :
منها : ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام»(3) والتعبير بلفظ «لا ينبغي» ظاهر في تأكّد الاستحباب  ، ودلالة الرواية على ما اخترناه من كون افتراق الوقتين بالفضيلة والإجزاء أوضح من دلالتها على مختار الشيخ(رحمه الله) كما لا يخفى .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لكلّ صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنّه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام . . .»(4) ، الحديث .
ولا يخفى ما في كلمة ينشق و يتجلل في الروايتين من الاستعارة التخييلية ، حيث شبّه الفجر بشيء ينشق كالحجر مثلا، والصبح بلباس يستر البدن، ثم ذكر المشبه، أعني الفجر والصبح وأسند إليه بعض خواص المشبّه به، وهو

(1) المجموع 3 : 43 ; الام 1 : 74 ; أحكام القرآن للجصّاص 2 : 268 ; بداية المجتهد 1 : 145 ـ 146; الخلاف 1 : 267 مسألة 10 .
(2) الخلاف 1 : 267 مسألة 10; الاُم 1 : 74 ; المجموع 3 : 43 .
(3) الكافي 3 : 283 ح5  ; التهذيب 2 : 38 ح121 ، الاستبصار 1 : 276 ح1001 ; الوسائل 4 : 207 . أبواب المواقيت ب26 ح1  .
(4) التهذيب 2 : 39 ح123 ; الإستبصار 1 : 276 ح1003 ; الوسائل 4 : 208 . أبواب المواقيت ب26 ح5 .

(الصفحة153)

الانشقاق  والتجلل.
ومنها : رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وقت الفجر حين يبدو حتّى يضيء»(1) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»(2)  .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا تفوت صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس»(3)  . إلى غير ذلك ممّا يدلّ عليه .
ثمّ إنّ المشهور جعلوا آخر وقت الفضيلة هو طلوع الحمرة المشرقية(4) ، مع أنّه ليس منه ذكر في النصوص والأخبار ، ولا ملازمة بين الإضاءة والتجلّل المذكورين في الروايات المتقدّمة وبين طلوع الحمرة كما هو واضح . وحينئذ فاللازم أن يقال بأنّ الشهرة تكشف عن وجود نصّ معتبر ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا ، كما هو الشأن في جميع الفتاوى المشهورة الخالية عن الدليل الظاهر .
ثمّ إنّه قد وقع الخلاف بين العامّة في أنّ التغليس بصلاة الصبح أفضل ، أو أنّ الأفضل الاسفار بها؟ والمراد بالأوّل هو الإتيان بها في الغلس محرّكة وهي الظلمة ، وبالثاني الإتيان بهابعدالإضاءة، فذهب بعضهم إلى الأوّل ، إستناداً إلى فعل عليّ(عليه السلام)

(1) الكافي 3 : 283 ح4 ; التهذيب 2 : 36 ح112 ; الإستبصار 1 : 274 ح991 ; الوسائل 4 : 207 . أبواب المواقيت ب26 ح3  .
(2) التهذيب 2 : 36 ح114 ، الإستبصار 1 : 275 ح998 ، الوسائل 4 : 208 . أبواب المواقيت ب26 ح6 .
(3) التهذيب 2 : 256 ح1015 ، الإستبصار 1 : 260 ح933 ، السرائر 3 : 602 ، الوسائل 4 : 159 . أبواب المواقيت ب10 ح9  .
(4) الوسيلة : 83  ، ونقله عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 2 : 31 ; نهاية الأحكام 1 : 311 ; قواعد الأحكام 1 : 247 ; جامع المقاصد 2 : 19 ; روض الجنان : 180 ، كشف الغطاء : 222 ; كشف اللثام 3 : 49 ; مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 42 ، كتاب الصلاة (تقريرات بحث المحقّق النائيني (رحمه الله)) 1 : 38  .

(الصفحة154)

وبعضهم إلى الثاني، إستناداً إلى عمل بعض الخلفاء(1). هذا، ولاريب عند الإمامية في أنّ الأول أفضل للأخبارالصادرة عن أئمتهم المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين(2).

وقت فضيلة العصر والعشاء

مسألة: قد عرفت أنّ لكل صلاة وقتينوأنّ افتراقهماإنماهوبالفضيلة والإجزاء، وأنّ أول الوقت هو وقت الفضيلة، وحينئذ فلاإشكال في أنّ الإتيان بالظهر والمغرب والصبح في أوّل أوقاتها أفضل من التأخير عنه ، نعم وردت في الظهر روايات تدلّ بظاهرها على تأخيرها إلى القدم ، أو القدمين ، أو نحوهما(3) . ولكن قد عرفت فيما تقدّم أنّ ذلك إنّما هو لأجل النافلة(4) ، فلا يستفاد منها التأخير حتى بالنسبة إلى من لم يكن مريداً للإتيان بالنافلة ، أو لم تكن مشروعة في حقّه ، أو نحوهما كما هو واضح . فالأفضل في حق مثل هؤلاء التعجيل والإتيان بالفريضة في أوّل الوقت .
وأمّا العصر والعشاء فحيث يكون وقت كل واحد منهما مبائناً لوقت صاحبه من الظهر والمغرب عند الجمهور ، لأنه لا يدخل وقت العصر عندهم إلاّ بعد مضيّ مقدار المثل(5) ، والعشاء إلا بعد زوال الشفق(6) فالأفضل عندهم هو الإتيان بهما في

(1) بداية المجتهد 1 : 145 . المسألة الخامسة ; الاُم 1 : 74 ; المجموع 3 : 43 ; سنن ابن ماجة 1 : 221 ح671 ; سنن الترمذي 1 : 204 ح153 .
(2) راجع الوسائل 4 : 207 . أبواب المواقيت ب26 .
(3) الوسائل 4 : 140  . أبواب المواقيت ب8  .
(4) في المسألة الاولى في وقت الظهرين : ص64 و 65 . من هذا الكتاب .
(5) المجموع 3 : 21 و 25 ; الاُم 1 : 72 ـ 73 ; المغني لابن قدامة 1 : 417 ; الشرح الكبير 1 : 469 ; بداية المجتهد 1 : 140 ـ 141 ; الخلاف 1 : 259 مسألة 5 ; تذكرة الفقهاء 2 : 306 مسألة 28 .
(6) المجموع 3 : 38 ; المغني لابن قدامة 1 : 426 ; الشرح الكبير 1 : 474 ; بداية المجتهد 1 : 143 ; تذكرة الفقهاء 2 : 312 مسألة 32 ; الخلاف 1 : 262 مسألة 7 .

(الصفحة155)

أوّل وقتهما . وأمّا نحن فقد عرفت أنّ مختارنا هو دخول وقت العصر بمجرّد الزوال بعد مضيّ مقدار أداء الظهر(1) ودخول وقت العشاء بالغروب بعد مضيّ أداء المغرب(2) وحينئذ فهل الأفضل الإتيان بهما في أوّل وقتهما كسائر الفرائض ، أو أنّ الأفضل تأخير العصر إلى المثل والعشاء إلى زوال الشفق ، أو يفصل بينهما بكون العصر كسائر الفرائض ، فالأفضل الإتيان بها في أوّل وقتها دون العشاء ; فإنّ تأخيرها إلى زوال الشفق أفضل؟ وجوه واحتمالات .
ولا يخفى أنّه بناء على الوجه الأوّل لا يكون للعصر والعشاء إلاّ وقتان : وقت فضيلة ووقت إجزاء ، وأمّا بناء على الوجه الثاني يصير لهما ثلاثة أوقات : وقت فضيلة ، ووقتا إجزاء ، كما أنّه بناء على الوجه الأخير يكون للعصر وقتان ، وللعشاء ثلاثة أوقات .
ويدل على الوجه الأول ، العمومات الدالّة على أنّ أول الوقت أفضل(3) ، وعلى الوجه الثاني ، الأخبار الدالّة على إتيان جبرئيل بأوقات الصلاة المروية بطرق الفريقين وقد تقدّمت ; وكذلك ما نقل بطريق الفريقين أيضاً من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)كان يفرّق بين الظهر والعصر وكذا بين المغرب والعشاء(4) ، ومن المعلوم أنّ ذلك لم يكن إلاّ لإدراك الفضيلة ، لما سيأتي من عدم خصوصية للتفريق بما هو تفريق ، بل هو إنّما كان لأجل إدراك الفضيلة .
وبالجملة : فلا إشكال في أنّ العمل المستمر من النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان هو التفريق بين

(1) ذكرنا المختار في المسألة الاُولى في بيان أوّل وقت الظهرين .
(2) المسألة الخامسة في أوّل وقت العشاء ص105 من هذا الكتاب  .
(3) الوسائل 4 : 118 . أبواب المواقيت ب3  .
(4) الوسائل 4 : 157 ـ 158 . أبواب المواقيت ب10 ح5 ـ 8 و ص220 ب31 ح7 ، سنن الترمذي 1 : 200 ، ح149 ; سنن أبي داود 1 : 107 ح393 ; سنن ابن ماجة 1 : 219 ح667 ; سنن البيهقي 1 : 364 ; سنن النسائي 1 : 283 ح498 .

(الصفحة156)

الصلاتين ، فإنّه(صلى الله عليه وآله) كان يرجع إلى منزله بعد الإتيان بالمغرب ، ويتنفل ثمّ يصبر مدّة ثم يرجع إلى المسجد للعشاء(1) . نعم قد ورد منه أنّه كان قد يجمع بين الصلاتين(2)ولكن الظاهر إنّه كان نادراً إتفاقياً ، ولعلّ الغرض منه بيان الجواز .
فالعمدة في المقام بيان وجه ذلك مع أنّ التفريق كان مشقّة له(صلى الله عليه وآله) وللناس ، ولا وجه له سوى كون التأخير أفضل ، فكيف يجتمع ذلك مع الروايات الدالّة على أنّ أوّل الوقت أفضل مطلقاً ، وقد عرفت أنّ وقتهما يدخل بمجرّد الزوال والغروب بعد مضيّ مقدار أداء الشريكة(3) .
هذا ، وحكي عن الجواهر(4) أنّه أخذ بمقتضى ما استمرّ عليه عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله)من أنّ التأخير أفضل في كلتيهما ، أعني العصر والعشاء ، ولكنّه ذهب المحقّق الهمداني في المصباح إلى التفصيل بينهما كما هو مقتضى الوجه الثالث . قال في وجه ذلك ما ملخّصه : إنّ تأخير العصر وإن كان راجحاً مستحبّاً إلاّ أنّ تعجيلها والإتيان بها بعد أداء الظهر ونافلة العصر أيضاً حسن ، بل أحسن من جهة انطباق عنوان المسارعة والاستباق إلى الخير الذي هو عنوان ثانوي راجح عليه(5) .
ولكنّه يرد عليه أنّ هذا الكلام يجري بعينه في العشاء أيضاً ، فلا وجه للتفصيل بينها وبين العصر ، مضافاً إلى أنّ الأمر بالاستباق(6) والمسارعة(7) ليس أمراً مولويّاً استحبابياً ناشئاً عن ملاك الاستحباب ، بل هو أمر إرشادي كما هو واضح ،

(1) سنن النسائي 1 : 301 ـ 303 ح531 ـ 535 ، صحيح البخاري 1 : 160 ـ 161 ح569 إلى 572 .
(2) الوسائل 4 : 220 . أبواب المواقيت ب32  .
(3) تقدّم : ص123 .
(4) جواهر الكلام 7 : 306 ـ 311  .
(5) مصباح الفقيه كتاب الصلاة  : 82  .
(6) البقرة : 148 .
(7) آل عمران : 133 .

(الصفحة157)

ولو سلّمنا كونه مستحباً مولوياً أيضاً فنقول : يقع التزاحم حينئذ بين المستحبيّن ، ومن المعلوم أنّ تقديم أحدهما على الآخر يتوقّف على إحراز أقوائية ملاكه ، وكونه أرجح بالنسبة إلى الآخر ، ولم يقم في المقام دليل على أرجحية ملاك المسارعة في خصوص العصر ، للروايات المتواترة(1) الدالّة على استحباب الإتيان بالعصر بعد الذراعين نظراً إلى وضوح عدم خصوصية للذراعين ، وأنّ التأخير إليهما إنّما هو لمكان النافلة ، ولكنّه يرد عليه مخالفة ذلك لما استمرّ عليه عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله) من التأخير إلى المثل .
والذي يمكن أن يقال في هذا المقام أنّ استمرار عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله) على ما ذكر من تأخير العصر إلى أن يصير ظلّ الشاخص مثله مما لم يثبت ، كيف ويستفاد من الروايات الكثيرة التي بلغت من الكثرة حدّاً يمكن دعوى القطع بصدورها ، أنّ بناءه(صلى الله عليه وآله) كان على الإتيان بالعصر بعد الذراعين ، وحينئذ فيظهر بطلان ما عليه العامّة في مقام العمل من التأخير إلى المثل ، وكذا عدم صحة ما حكوا عن النبي(صلى الله عليه وآله)من أنّه كان ملتزماً بذلك(2) .
ولا بأس بإيراد بعض تلك الأخبار ليتّضح الحال ، فنقول :
منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير ابن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) إنّهما قالا : «وقت الظهر بعد الزوال قدمان»(3) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر؟ فقال :

(1) الوسائل 4 : 143 . أبواب المواقيت ب8  .
(2) سنن النسائي 1 : 285 ح500 ; سنن البيهقي 1 : 366  .
(3) الفقيه 1 : 140 ح649  ; التهذيب 2 : 255 ح1012 ; الاستبصار 1 : 248 ح892 ; الوسائل 4 : 140 . أبواب المواقيت ب8 ح1 و 2  .

(الصفحة158)

«ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس . ثمّ قال : إنّ حائط مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان قامة ، وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر . ثمّ قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة ، لك أن تنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة»(1) .
ومنها : ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «كان حائط مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل أن يظلّل قامة ، وكان إذا كان الفيء ذراعاً وهو قدر مربض عنز صلّى الظهر ، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر»(2) .
ومنها : رواية صفوان الجمّال قال : صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام) عند الزوال ، فقلت : بأبي أنت واُمّي وقت العصر؟ فقال : «ريثما تستقبل إبلك ، فقلت : إذا كنت في غير سفر؟ فقال : على أقلّ من قدم ثلثي قدم وقت العصر»(3) .
ومنها : رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله)إذا كان فيء الجدار ذراعاً صلّى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلّى العصر ، قال : قلت : إنّ الجدار يختلف ، بعضها قصير وبعضها طويل؟ فقال : كان جدار مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)يؤمئذ قامة»(4) .
ومنها : رواية علي بن حنظلة قال : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام)  : «القامة والقامتان

(1) الفقيه 1 : 140 ح653 ، التهذيب 2 : 19 ح55 ، الإستبصار 1 : 250 ح899 ، علل الشرائع : 349 ح2 ، الوسائل 4 : 141 . أبواب المواقيت ب8 ح3 و 4 .
(2) الكافي 3 : 295 ح1 ، التهذيب 3 : 261 ح738 ، الوسائل 4 : 142 . أبواب المواقيت ب 8 ح7 .
(3) الكافي 3 : 431 ح1 ; الوسائل 4 : 143 . أبواب المواقيت ب8  .
(4) التهذيب 2 : 21 ح58 ، الوسائل 4 : 143 . أبواب المواقيت ب 8 ح10  .

(الصفحة159)

الذراع والذراعان في كتاب علي(عليه السلام)»(1) . والمراد أنّه قد فسّرت القامة بالذراع في كتابه(عليه السلام) ، أو أنّ المذكور فيه بدل القامة الذراع .
إلى غير ذلك ممّا يستفاد منه عدم تأخير العصر إلى المثل ، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله)كان يصلّيها قبله ، وحينئذ فلا ينبغي الارتياب بمقتضى أصول المذهب في بطلان ما عليه العامّة ، لحجّية أقوال العترة الطاهرة في حقّنا ، بل في حقّ من لم يقل بإمامتهم أيضاً ، فإنّهم أحد الثقلين(2) اللذين تركهما النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الاُمة في عرض الثقل الآخر الذي هو الكتاب العزيز ، ويستفاد من ذلك أنه كما يجب التمسك بالكتاب لأجل فهم الأحكام الشرعية ، كذلك يجب الاعتصام بحبلهم لإستفادة ما لم يكن مبيّناً في الكتاب من الأحكام والشرائع ، فلا عذر في طرد قولهم والاستغناء عنهم بالكتاب.
هذا كلّه بالنسبة إلى صلاة العصر .
وأمّا صلاة العشاء فاستفادة استحباب تأخيرها إلى زوال الشفق من مجرّد تأخير النبيّ(صلى الله عليه وآله) إليه على فرض ثبوته مشكل ، إذ لعلّ تأخيره لم يكن لأجل كونه أفضل ، بل كان لجهات خارجية كتعشي الناس واستراحتهم مثلا ، حيث كان أكثرهم في النهار مشتغلين بتحصيل المعاش وتحمل المشقة ، فلم يقدروا في الليل على الإتيان بالصلاتين متعاقبة .
وبالجملة : فمجرّد الفعل من دون وضوح وجهه لا يدلّ على الاستحباب أصلا وتسالم العامّة على ذلك قولا وفعلا لا يدلّ على ذلك ، خصوصاً بعدما ظهر فساد أكثر ما تسالموا عليه ، كما عرفت في صلاة العصر ، مضافاً إلى وضوح أنّ بنائهم في ذلك على اُمور لا اعتبار بها أصلا كالاعتماد على قول صحابيّ ، ولو كان مثل أبي هريرة الذي روى عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما يزيد عن خمسة آلاف حديث مع قلّة

(1) التهذيب 2 : 23 ح64 ، الوسائل 4 : 144 . أبواب المواقيت ب8 ح14 .
(2) المراجعات : 27 ، المراجعة 8  ; وفي ذيلها ذكر موارد نقل الحديث في كتب العامة .

(الصفحة160)

صحبته  له(صلى الله عليه وآله) ، وعدم كونه ممّن يصلح لأخذ الرواية ، كما يشهد به التواريخ ، فاتفاقهم على شيء لا يجدي لنا أصلا .
نعم ورد في المقام من طرق الإمامية روايات ظاهرة في أفضلية التأخير إلى زوال الشفق(1) ، وحينئذ فيكون للعشاء وقت فضيلة ووقتا إجزاء ، وللعصر وقتان كما عرفت(2) ; لأنّه ظهر أنّ تأخيرها إلى الذراعين لمكان النافلة ، لا لإدراك  الفضيلة .
ثمّ إنّه عبّر بعض المتأخّرين عن عنوان المسألة ، بأنه هل الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت أفضل ، أو التفريق بينهما؟ ولا يخفى أنّه لا وجه لهذا التعبير أصلا ، فإنّه ليس لهذين العنوانين ـ من حيث هما ـ خصوصيّة أصلا ، بل هما من العناوين المنطبقة على الفعل قهراً ، ضرورة أنّ تأخير العصر مثلا إلى أن يصير ظلّ الشاخص مثله ـ عند من يقول بأنّه هو وقت فضيلتها ـ إنّما يترتّب عليه المزية لأجل وقوع العصر في وقت فضيلتها ، لا لحصول التفريق بينها وبين صلاة الظهر ، كما أنّ الإتيان بصلاة العصر بمجرّد الفراغ من الظهر ونافلة العصر إنّما يكون راجحاً ذا مزية عند من يقول بأنّ وقت فضيلتها هو أوّل الوقت من جهة وقوعها في وقت فضيلتها ، لا من جهة حصول الجمع بينها وبين صاحبتها ، فليس لعنواني الجمع والتفريق بذاتهما مزية ورجحان أصلا كما هو واضح ، نعم قد يكون عنوان الجمع بذاته موضوعاً لحكم من الأحكام كسقوط الأذان مثلا ، وحينئذ يصح التعبير به والتكلم في خصوصياته من حيث أنّ الفصل بالنافلة مضرّ بصدقه أم لا؟ ولكنها مسألة اُخرى غير مربوطة بالمقام تأتي في محلّها إن شاء الله تعالى .

(1) الوسائل 4 : 156 ـ 158  . أبواب المواقيت ب 10  .
(2) تقدّم : ص154 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>