جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج1 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة261)

ومن المعلوم أنّ ما هو المناط في وجوب الستر ثابت في الوجه على النحو الأتم كما لا يخفى . فتدل الرواية حينئذ على أنّه يجب على المرأة ستر جميع البدن حتّى الوجه والكفّين . هذا ، ويحتمل أن يكون المراد من العورة ما هو معناها بحسب اللغة وهو كلّ شيء يستره الإنسان للاستحياء من ظهوره لكونه قبيحاً ، ويكون المراد من الرواية أنّ المرأة شيء يستحيي من ظهورها لاحتفافها بالأعمال القبيحة ، والأفعال الممنوعة التي لا ينبغي صدورها منها .
ويؤيده ما رواه الخاصّة عن النّبي(صلى الله عليه وآله) انّه قال : «النساء عيّ وعورة فداووا عيّهنّ بالسكوت وعوراتهنّ بالبيوت»(1) فإنّ حفظ عوراتهنّ بالبيوت يدل على كون ظهورها ولو مع تسترها بالثياب معرضاً لصدور الأفعال القبيحة ، فحمل العورة على المرأة باعتبار احتفافها بتلك الأفعال والأعمال ، وإلاّ فنفس المرأة ليست شيء يستحيي منها مع قطع النظر عن احتفافها بها ، كما يدلّ عليه إضافة العورات إليهن .
ولكنّ الظاهر من الرواية هو المعنى الأول كما هو غير خفيّ على من لاحظ ما هو المفهوم من العورة عند العرف ، وقوله(صلى الله عليه وآله)  : «فداووا  . . . وعوراتهنّ بالبيوت» يكون تأكيداً لحرمة ظهورها غير مستورة ووجوب سترها ، فلا ينافي عدم وجوب الحفظ بالبيوت .
هذا مقتضى الرواية الاُولى ، وأمّا الرواية الثانية فتدلّ أيضاً على وجوب ستر الوجه والكفّين عليها ، بضميمة وجوب إرخاء مقدار من الجلباب الذي يستفاد من قوله تعالى : {يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ} وبضميمة وجوب ضرب الخمار على الجيب الذي يدلّ عليه قوله تعالى : {وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ}(2)

(1) أمالي الطوسي 2 : 192 ; بحار الأنوار 100 : 251 ح48  .
(2) النور: 31.

(الصفحة262)

فانقدح أنّ مقتضى هاتين الروايتين ـ كغيرهما ممّا لم يكن بهذا الظهور ـ هو العموم بالنسبة إلى الوجه والكفين .
وقوله تعالى : {ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها} وإن كان المستفاد منه عدم وجوب سترهما بناءً على ما حكاه العامة عن ابن عباس من تفسير الزينة الظاهرة بالكحل والخدّين والخضاب في الكف(1) ، إلاّ أنّه بملاحظة أنّ انكشاف المرأة وعدم تستّرها ولو بوجهها يعدّ عند المتشرّعة من المنكرات ، وأنّ السيرة المستمرة قائمة على عدمه ، فيعلم أنّ المراد من الزينة الظاهرة ليس ما هو المحكيّ عن ابن عباس ، بل المراد منها هو الثياب كما حكي عن ابن مسعود(2) .
ومن هنا انقدح أنّه لا اعتبار بالأخبار الدالة على عدم وجوب ستر الوجه والكفّين ، كخبر مسعدة بن زياد المحكيّ عن قرب الإسناد حيث قال : سمعت جعفراً وسئل عمّا تظهر المرأة من زينتها؟ قال : «الوجه والكفّان»(3) . وغيره ممّا رواه الخاصة عن الأئمة(عليهم السلام) ، وذلك لإعراض الأصحاب عنها لقيام السيرة على خلافها .
نعم قد ورد في باب إحرام المرأة روايات ، واستدل القائلون بعدم وجوب سترهما ببعضها كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : مرّ أبو جعفر(عليه السلام) بامرأة متنقبة وهي محرمة ، فقال : «أحرمي واسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك ، فإنّك إن تنقبت لم يتغيّر لونك» ، فقال رجل : إلى أين ترخيه؟ قال : «تغطّي عينيها» ، قال : قلت : تبلغ فمها؟ قال : «نعم»(4) . والمراد بقوله  : إسفري وجوب كشف الغطاء عن الوجه .

(1) جامع البيان 10 : 157 ـ 158 ; الدر المنثور 5 : 41 .
(2) مجمع البيان 7 : 138 .
(3) قرب الاسناد  : 83 ح257 ; الوسائل 20 : 202  . أبواب مقدّمات النكاح ب110 ح5 .
(4) الكافي 4 : 344 ح3 ; التهذيب 5 : 74 ح245 ; الوسائل 12 : 494 . أبواب تروك الاحرام ب48 ح3 .

(الصفحة263)

وأنت خبير بأنّ هذه الرواية لا تدلّ على وجوب كشف الوجه على نحو يمكن أن ينظر الناظر إليه ، ويقع معرضاً لنظره ، بل إنّما تدل على حرمة تغطية الوجه على نحو تكون بعيدة عن التأذي بسبب حرارة الشمس وغيرها ، كما إذا غطّى الوجه بالنقاب ونحوه ، فلا تنافي مع وجوب ستره على نحو لا يكون معرضاً لنظر الأجنبي إليه ، كما هو المرسوم في هذه الأزمنة ، وعلى فرضه فلا تدلّ على كون الحكم في غير حال الإحرام أيضاً كذلك .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ذيلها يدلّ على وجوب إرخاء الثوب من فوق الرأس على نحو يغطّي العينين والفم ، فالمستفاد من الآيات والروايات هو وجوب التستّر على المرأة حتى بالنسبة إلى الوجه والكفّين ، ولم يثبت ما يدلّ على التخصيص بهما .
ثمّ لا يخفى أنّ الحكم بعدم وجوب ستر الوجه على النساء لا يلازم الحكم بجواز نظر الأجنبيّ إليه ، فلا ينافيه ما يدلّ على حرمة النظر إلى الأجنبية ، مثل ما دلّ على أن النظر إليها سهم مسموم من سهام إبليس . أو أنّه زنا البصر(1) وغير ذلك ، فإنّ شمولها للنظر إلى الوجه ممّا لا يكاد ينكر ، بل هو القدر المتيقّن منه ، خصوصاً مع ملاحظة الحكمة في هذا الحكم المنصوص عليها في بعض الروايات(2) ، وهي كونه مهيّجاً للشهوة ، فإنّ التهييج الحاصل من النظر إلى الوجه يكون أقوى مراتبه .
ويدلّ على عدم ثبوت الملازمة بين الأمرين أنّ نظر المرأة إلى الأجنبي حرام مع أنّه لا يجب التستّر عليه بالاجماع(3) والضرورة ، حتّى إنّ بعضهم مع حكمه بعدم وجوب التستّر على النساء في الوجه حرّم نظرهنّ إلى وجوه الرجال .

(1) جامع الاخبار : 93 ; بحار الأنوار 101 : 38 ح34 و35 ; وص40 ح46 .
(2) علل الشرائع : 564 ; عيون الاخبار 2 : 97 ; بحار الأنوار 101 : 34 ح12 .
(3) جواهر الكلام 29 : 81 .

(الصفحة264)

وبالجملة : فلا ملازمة بين حرمة النظر ووجوب التستر ، ويؤيّد ذلك أنّهم أجمعوا على أنّه يجوز لمن أراد أن يتزوّج امرأة أن ينظر إلى وجهها ، ولمن أراد اشتراء أمة أن ينظر إلى الوجه والكفّين(1) ، فإنّه يستفاد منه أنّ جواز النظر إلى الأجنبية يختصّ بمن أراد التزويج أو الاشتراء ، ولا يعمّ غيرهما .
ثمّ إنّه لا فرق فيما يتستّر به بين أن يكون ثوباً أو غيره من ورق الشجر وغيره وإن كان يمكن الفرق بينهما في الستر الذي يكون شرطاً للصلاة . إلاّ أنّه لا فرق في هذا الستر المتعلّق للوجوب النفسي ; هذا كلّه في حكم النساء .
وأمّا الرجال فيجب عليهم ستر العورة كما هو المتّفق عليه بين المسلمين(2) ، والمشهور بين العامّة أنّه يجب عليهم التستّر من السرّة إلى الركبتين(3) ، وبين الخاصة هو وجوب ستر العورة فقط لقوله تعالى : {قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}(4) والظاهر من حفظ الفرج وإن كان هو حفظه عن الزنا ، إلاّ أنّه بقرينة الأخبار الدالّة على أنّ المراد بحفظ الفرج في الآيات كلّها هو حفظه عن الزنا إلاّ هذه الآية(5) ، فإنّ المراد منه حفظه من أن ينظر إليه يدلّ على ذلك .
والمراد بالفرج هو ما يفهم منه عرفاً لا المعنى اللغوي ، ومقتضى إطلاق الآية وجوب حفظ الفرج عن كلّ ناظر رجلا كان أو امرأة ، صغيراً أو كبيراً ، مجنوناً أو غيره ، نعم الصغير الذي لا يميّز بين العورة وغيرها خارج عن هذا الحكم ، لأنّ

(1) المقنعة : 520 ; المبسوط 4 : 160 ـ 161 ; شرائع الإسلام 4 : 212 ; جواهر الكلام 29 : 63 .
(2) الخلاف 1 : 393 مسألة 144 ; المعتبر 2 : 99 ، تذكرة الفقهاء 2 : 444 مسألة 10 ; الذكرى 3 : 5 ; كشف اللثام 3 : 227 ; مفتاح الكرامة 2 : 162 .
(3) الأمّ 1  : 89  ; المجموع 3 : 167 ; بداية المجتهد 1 : 166 ـ 167 ; الخلاف 1 : 393 مسألة 144 .
(4) النور : 30 .
(5) مجمع البيان 7 : 137 و 138 ; الميزان 15 : 116 ; نور الثقلين 3 : 587 و 588  ; التفسير الكبير 8  : 363  .

(الصفحة265)

المتبادر من الإطلاق غيره ، وكذا المجنون الذي بلغ جنونه إلى حدّ عدم التمييز بينهما لا مطلق الجنون .
ثمّ إنّه لا إشكال في وجوب حفظ الفرج عليهم في صورة العلم أو الظنّ ، بأنّه مع كشف العورة يقع مورداً لنظر الغير ، أمّا مع الاحتمال فقال بعض : بعدم الوجوب فيما لو كان الاحتمال موهوماً ، بحيث لو كشف عورته مع هذا الاحتمال فوقع نظر الناظر إليه لم يكن معاقباً عليه .
هذا ، ولا يخفى أنّه لو كان الاحتمال إحتمالا عقلائيّاً فمقتضى إطلاق الآية هو الوجوب ، ومع عدم كونه كذلك فمقتضى الإطلاق وإن كان أيضاً ذلك إلاّ أنّ الحكم به لا يخلو عن إشكال .
وقال الشافعي بأنّه يجب على الرجال التستّرولومع العلم بعدم وجود الناظر(1)، وفيه ما لا يخفى من المخالفة للآية الشريفة المفسّرة بما رواه العامّة عن النّبي(صلى الله عليه وآله)(2) ، والخاصّة عن أبي عبدالله(عليه السلام)(3) ، من أنّ المراد حفظ الفرج من أن ينظر إليه .
ثمّ إنّ حفظ الفرج يتحقّق بجعل حائل بين المبصِر والمبصَر ولو لم يكن ثوباً ، والأحوط أن لا يكون شفّافاً بحيث يحكي ما تحته ، نعم لا دليل على وجوب كون الحائل على نحو لا يحكي حجم المبصر ، وإن كان الأحوط أيضاً ذلك .
ثمّ إنّ كلمة «من» في قوله تعالى : {وقُل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم}يحتمل أن تكون زائدة وأن تكون للتبعيض ، وهو إمّا باعتبار الابصار أو باعتبار المبصر ، فعلى الأوّل والثاني لا دلالة له على ما يجب غضّ البصر عنه ، لأنّ متعلّقه محذوف ولا يمكن أن يكون حذف المتعلّق هنا دليلا على العموم كما في سائر الموارد

(1) المجموع 3 : 166 ـ 167 ; المغني لابن قدامة 1 : 651 ; تذكرة الفقهاء 2 : 444 مسألة 106 .
(2) التفسير الكبير 8 : 363 .
(3) مجمع البيان 7 : 138 .

(الصفحة266)

لعدم إرادته قطعاً فهي مجملة من هذه الحيثية .
كما أنّ الإجمال متحقّق في المعنى الثالث أيضاً كما لا يخفى ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ المراد وجوب غضّ البصر عن فروج سائر الرجال لمقارنته مع قوله تعالى : {ويحفظوا فروجهم} فيصير المعنى حينئذ أنّه يجب على المؤمنين حفظ فروجهم من أن ينظر إليها ، ويحرم عليهم النظر إلى فروج غيرهم من الرجال .
وأمّا الكلام في الجهة الثانية ، وهي الوجوب الشرطي المتعلّق بالستر ، فهو المقصود بالبحث . واعلم أنّ بين الوجوب النفسي المتعلّق بالستر مطلقاً والوجوب الشرطي الذي يتعلّق به في حال الصلاة فرق من جهات :
منها : أنّ الأوّل يتعلّق بالرجل بالنسبة إلى عورته وبالمرأة بالنسبة إلى جميع بدنها إذا كانا معرضين لنظر الغير كما عرفت ، والثاني يكون ثابتاً عليهما مطلقاً ولو لم يكونا معرضين للنظر أصلا .
ومنها : أنّ الأوّل أعمّ من حيث الساتر أي لا يجب أن يكون هو الثوب ، بل يكفي ورق الشجر أو الطين أو غيرها ، بخلاف الثاني ، فإنّه يجب أوّلا أن يكون الساتر هو الثوب ، ومع عدم التمكّن منه يكتفي بغيره ، وإن لم يكن متمكّناً من الساتر رأساً تسقط شرطية الستر كما سيجيء .
ومنها : أنّه لا يعتبر في الأوّل أن يكونا لابسين له ، بل يكفي أن يكون الساتر بحيث يكون حائلا بينه وبين الغير وإن كان منفصلا عنه بخلاف الثاني ، فإنّه يجب أن يكون المصلّي لابساً له .
ومنها : أنّه لا يعتبر في الأوّل صفة في الساتر ، أي لا يعتبر أن لا يكون حريراً للرجل أو غيره ، بخلاف الثاني فإنّه يجب أن لا يكون الساتر حريراً للرجل أو ميتة أو نجساً ومن أجزاء غير مأكول اللحم لمطلق المصلّي وإن كان امرأة .
نعم هذه الأوصاف لا تعتبر في الساتر بما هو ساتر ، بل تكون معتبرة فيه من

(الصفحة267)

حيث كون المصلّي لابساً له ، وبعبارة أُخرى يشترط أن لا يكون ما يلبسه المصلّي وإن لم يكن ساتراً له واجداً لواحد من تلك الأوصاف ، ويكون وجود واحد منها مانعاً لصحّة الصلاة كما سيظهر إن شاء الله تعالى .
إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّه لا يجب على الرجال في الصّلاة إلاّ ستر ما يكون ستره متعلّقاً للوجوب النفسي ، فيجب عليهم ستر العورة فقط ، خلافاً لبعض العامّة(1) حيث أوجب عليهم أن يستروا ما بين السرّة والركبة ، ولكن لا دليل عليه كما عرفت ، ولكن يستحبّ نفسيّاً أن يستر ما بينهما(2) ، ويوجب ذلك أكملية الصلاة ، هذا في الرجال .
وأمّا النساء فيجب عليهنّ ستر جميع البدن ما عدى الوجه ، فإنّ ستره لا يكون شرطاً لصحّة الصلاة(3) ، كما هو مقتضى الأخبار الصحيحة الدالّة على ذلك(4) ، بل بعضها يدلّ على استحباب عدمه(5) ، غاية الأمر أنّها إذا كانت معرضاً لنظر الغير ولم يستر وجهها تكون عاصية للوجوب النفسي ، بناءً على وجوب ستره عليها ، وهذا لا يكون مضرّاً بصحّة الصلاة كما هو واضح .
والمراد بالوجه الذي لا يجب ستره في الصلاة ولا يكون شرطاً لها هل هو الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء ، وهو ما دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن ، كما رواه زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)(6) ، أو أنّ المراد به هو

(1) كالشافعي ومالك وأبي حنيفة كما في بداية المجتهد 1 : 166 . المسألة الثانية .
(2) قواعد الأحكام 1 : 256 ; وهو المشهور كما في كشف اللثام 3 : 231 .
(3) المبسوط 1 : 87  ; الإقتصاد : 258 ; الكافي في الفقه : 139 ; السرائر 1 : 260 ; مختلف الشيعة 2 : 98 .
(4) الفقيه 1 : 167 ح785  ; الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح1  .
(5) التهذيب 2 : 230 ح904 ; الوسائل 4 : 421 . أبواب لباس المصلّي ب33 ح1 وص424 ب35 ح6 .
(6) الفقيه 1 : 28 ح88  ; الكافي 3 : 27 ح1 ; التهذيب 1 : 54 ح154 ; الوسائل 1 : 403 . أبواب الوضوء ب17  ح1 .

(الصفحة268)

الوجه العرفي الذي يكون أوسع من ذلك؟ وجهان :
من أنّ تفسير الإمام(عليه السلام) الوجه بذلك في باب الوضوء يدلّ على أنّ الوجه في نظر الشارع هو ذلك المقدار . ومن أنّ مراده(عليه السلام) هو عدم وجوب غسل ما هو خارج عن ذلك الحدّ في قبال العامّة ، حيث إنّهم يجعلون كلاًّ من أجزاء الوجه مورداً للبحث ويناظرون فيه ، حتى إنّ بعضهم أوجب غسل الأذنين ، فمراده(عليه السلام)إبطال قولهم بوجوب غسل ما هو زايد على ذلك المقدار ، وبيان ما يجب غسله من الوجه ، فلايدل على أنّ المراد بالوجه في غير ذلك المورد هو هذا المقدار . وهذا الوجه هو الظاهر .
ولا يخفى أنّ المراد ممّا ذكره الإمام(عليه السلام) إنّه يجب غسل المقدار الذي يكون مساوياً للمقدار الذي هو منتهى الفاصلة بين الابهام والوسطى ، بحيث لا يخرج عن حدّ الوجه ، فلا يرد أنّ وجوب غسل ذلك المقدار في الذقن لا يتحقق امتثاله إلاّ بإدخال جزء من العنق في الغسل ، وذلك لخروجه عن حدّ الوجه ، ولعلّه السبب في حمل بعض وتأويله الرواية على فرض دائرة في الوجه يكون قطرها ذلك المقدار الفاصل بين الابهام والوسطى .
وأنت خبير ببعد هذا المعنى والصواب ما ذكرناه . هذا ، ولكنّ التحقيق إنّه ليس في الأخبار الدالة على عدم وجوب ستر الوجه في الصلاة ما يدلّ على استثناء الوجه بعنوانه حتّى يبحث في المراد منه ، بل مدلول تلك الأخبار إنّما هو مجرّد ما يكفي من الثياب أن تصلّي المرأة فيها ، مثل قوله(عليه السلام)  : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة»(1) ، وقوله(عليه السلام)  : «صلّت فاطمة(عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها»(2)

(1) الفقيه 1 : 343 ح1081 ; الكافي 3 : 394 ذ ح2 ; التهذيب 2 : 217 ذ ح855  ; الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح3 وص 406 ذ ح7  .
(2) الفقيه 1: 167 ح785; الوسائل 4: 405. أبواب لباس المصلّي ب28 ح1.

(الصفحة269)

والمعنى : إنّ أقل ما يكفي من الثياب هو الدرع والخمار ، والمراد بالأوّل هو قميص المرأة الذي يستر من الكتف إلى القدمين ، وبالثاني هو ما يستر رأس المرأة .
وحينئذ فلابد من الفحص والتتبع ليعرف المقدار الخارج عن الدرع والخمار حتّى يستدل بتلك الأخبار على عدم وجوب ستره ، وإن لم تدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيهما ومستور بهما ، لإمكان عدم وجوب ستر بعض ما يكون داخلا فيهما كما لا يخفى .
وانقدح ممّا ذكرنا أنّ ستر المرأة وجهها لا يكون شرطاً لصحّة صلاتها ، كما هو المشهور بين العامّة(1) والخاصّة(2) ، للأخبار الدالّة على أنّ المرأة تصلّي في درع وخمار ، ومن المعلوم أنّ الخمار لا يكون ساتراً للوجه . وحكي عن بعض العامّة(3)والخاصّة أنّ ستره يكون واجباً وشرطاً لها ، كالمحكي عن ابن حمزة من أنّه يجب عليها ستر جميع بدنها إلاّ موضع السجود(4) .
وما حكي عن الغنية والجمل والعقود ، من شرطية ستر جميع البدن من غير استثناء(5) ممّا لا وجه له ، وكذا ما حكي عن البعض الآخر من جواز كشف بعض الوجه(6) ويمكن أن يكون مراده وجوب ستر البعض من باب المقدّمة ، فلا ينافي ما ذكرنا ، وقد عرفت أنّ المراد بالوجه فيما نحن فيه هو الوجه العرفي الشامل للصدغين وما يحاذيهما من الوجه ، لا الوجه في باب الوضوء ، ويدلّ عليه ما رواه الصدوق

(1) بداية المجتهد 1 : 167 المسألة الثالثة ; المغني لابن قدامة 1 : 672 ; المجموع 3 : 169 .
(2) المبسوط 1 : 87 ; الإقتصاد : 258 ; الكافي في الفقه  : 139 ; السرائر 1 : 260 ; مختلف الشيعة 2 : 98  .
(3) وهو أبو بكر بن عبدالرحمن بن هشام كما في تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108; والخلاف 1: 394 مسألة 144 .
(4) الوسيلة  : 89  .
(5) الغنية : 65 ; الجمل والعقود : 63  .
(6) إشارة السبق : 83  .

(الصفحة270)

عن الفضيل ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «صلّت فاطمة(عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها ، ليس عليها أكثر ممّا دارت به شعرها وأذنيها»(1) .
والمراد أنّ خمارها كان على نحو لا تستر أزيد من الشعر والأذنين من الوجه ، وليس المراد أنّه لا يستر العنق والصدر كما لا يخفى .
إن قلت : إنّه لا يدلّ على ما ذكر ، لأنّ مضمونه إنّما هو حكاية فعلها(عليها السلام)والفعل لا إطلاق له ، فلعلّها كانت تصلّي فيهما لضرورة .
قلت : نعم ، يصحّ ذلك لو كان الحاكي غير الإمام(عليه السلام) ، وأمّا لو كان هو الحاكي مع كون المقصود من الحكاية بيان الحكم ، يعلم عدم كونه مقيّداً بحال الضرورة وغيره ، وإلاّ كان عليه البيان كما لا يخفى . هذا ، ولكن الفضيل مشترك وطريق الصدوق إليه ضعيف ، فالأحوط الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو الوجه في باب الوضوء .
ثمّ إنّه هل يكون المراد بالوجه ظاهره فقط حتّى يكون ستر باطنه شرطاً لصحّة صلاتها ، أو أنّ المراد به أعمّ من باطنه؟ قولان ، حكى صاحب الجواهر عن كاشف الغطاء القول بوجوب ستر الباطن(2) ، لأنّ المتبادر من الوجه ظاهره ، فلا تشمل الأدلة غيره .
وفيه قد عرفت أنّه لا دليل على استثناء الوجه بعنوانه حتّى يقال إنّ المتبادر منه خصوص الظاهر ، بل الدليل هو مثل قوله(عليه السلام)  : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة»(3) وهو كما يدلّ على عدم وجوب ستر الظاهر لخروجه عنهما ، كذلك يدلّ على عدم وجوب ستر الباطن لعدم الفرق ، هذا كلّه في الوجه .

(1) الفقيه 1 : 167 ح785  ; الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح1 .
(2) كشف الغطاء : 197 ; جواهر الكلام 8  : 174  .
(3) الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح3 و ص406 ذ ح7  .

(الصفحة271)

وأمّا الكفّان ففي وجوب سترهما وعدمه خلاف ، والمشهور بين الخاصّة والعامّة استثنائهما كالوجه ، بل ادّعى كثير من العلماء الاجماع عليه(1) ، ولكن حكي عن صاحب الحدائق إنّه ذهب إلى ما ذهب إليه أحمد بن حنبل وداود من العامّة ، من أنّ ستر الكفّين شرط لصحّة صلاة المرأة ، واستدلّ عليه برواية جميل قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المرأة تصلّي في درع وخمار؟ فقال : «يكون عليها ملحفة تضمّها عليها»(2) وغيرها ، لأنّها تدلّ على أنّهما أقل ما يكفي للمرأة من الثياب .
ومن المعلوم أنّ الدروع في هذه الأزمنة تستر الكفّين أيضاً ، ومع الشك في أنّه هل كانت الدروع في زمان النبي والأئمة(عليهم السلام) ساترة لهما أم لا؟ يرجع إلى أصالة عدم التغيير(3) .
وفيه : أنّه مع فرض كون الدروع في زمانهم ساترة للكفّين أيضاً نقول : لا دليل على اعتبار سترهما ، لأنّك عرفت أنّ الرواية إنّما تدلّ على عدم وجوب ستر ما هو خارج عن الدرع والخمار ، ولا يكون مستوراً بهما ، ولا تدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيهما ومستور بهما .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الأصحاب من عصر الإمام(عليه السلام) إلى عصر العلاّمة والشهيدين وغيرهم ، قد أفتوا بعدم شرطية سترهما(4) ، واستدلّوا على ذلك بتلك

(1) المغني لابن قدامة 1 : 601  ; بداية المجتهد 1 : 167 ; الخلاف 1 : 394 مسألة 144 ; تذكرة الفقهاء 2 : 446 مسألة 108 ; مختلف الشيعة 2 : 98 ; كشف اللثام 3 : 234 .
(2) التهذيب 2 : 218 ح860 ; الإستبصار 1 : 39 ح1484 ; الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح11  .
(3) الحدائق 7 : 9  .
(4) المبسوط 1 : 87  ; السرائر 1 : 260 ; وحكاه عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة 2 : 98 ; المعتبر 2 : 101 ; الجامع للشرائع : 65 ; تذكرة الفقهاء 2 : 446 مسألة 108 ; قواعد الأحكام 1 : 257 ; الدروس 1 : 147 ; الذكرى 3  : 7 ; مسالك الأفهام 1 : 166 ; الروضة البهيّة : 203 ; جامع المقاصد 2 : 97 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 104 ; مدارك الأحكام 3 : 188 ; كشف اللثام 3 : 228 .

(الصفحة272)

الرواية ، فيعلم منه أنّ الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفّين ، وإلاّ فلا يكون وجه للاستدلال بها كما لا يخفى ، ولا أقلّ من كون الدروع في زمانهم على قسمين : قسم كان ساتراً لهما ، وقسم آخر لم يكن كذلك ، فاستدلّوا باطلاق الحكم على عدم الوجوب ، حيث انّ مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقاً ، إذ لا يكون فيها تقييد بما كان منها ساتراً كما هو واضح .
ويؤيّد عدم كون الدروع ساترة للكفّين في الأزمنة السابقة ما حكي عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى : {إلاّ ما ظهر منها}(1) من أنّ الزينة الظاهرة هو الوجه والكفّان(2) ، حيث أنّه يدلّ على عدم كونهما مستورين في زمانه ، ولم يعترض عليه أحد من تلامذته ، فلا يبعد الحكم بعدم اعتبار سترهما للروايات ، مع انضمام الفتاوى إليها .
هذا ، مع أنّه لو شك في خروجهما عن الدرع فالواجب هو الرجوع إلى أصالة البراءة العقلية والنقلية ، بناءً على ما هو الحقّ من جريان أصل البراءة مطلقاً في الشك في الجزئية والشرطية ، هذا في الكفين .
وأمّا القدمان فالمشهور بين الخاصّة أيضاً أنّه لا يجب سترهما في الصلاة(3)خلافاً لصاحب الحدائق ، حيث ذهب إلى اعتبار سترهما كالكفّين(4) ، ودليله ما عرفت ، وقد ذكرنا ما فيه ، إلاّ أنّ في المقام قد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر

(1) النور  : 31 .
(2) جامع البيان 10 : 157 ـ 158 ; الدر المنثور 5 : 41 ; المحلّى 3 : 221 ; تذكرة الفقهاء 2 : 447 .
(3) المبسوط 1: 87 ; المعتبر 2: 101; الجامع للشرائع: 65; المنتهى 1: 237; تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108; مختلف الشيعة 2: 98 .
(4) الحدائق 7  : 9  .

(الصفحة273)

القدمين(1) ، وهو محتمل لأن يكون الحكم أي عدم شرطية الستر مختصّاً بظاهرهما دون الأعم منه ومن باطنهما ، كما هو مقتضى ظاهر التعبير ، ولأن يكون التعبير بالظاهر لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر .
وأمّا الباطن فهو مستور بالأرض أو بغيرها على أيّ حال ، والظاهر هو الثاني وفاقاً لصاحب الجواهر(2) ، ويؤيّده أنّه لو كان الحكم مختصّاً بظاهرهما يلزم عدم الفايدة فيه ، لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارفة يكون ساتراً للظاهر أيضاً ولا عكس ، وكونه مستوراً بالأرض إنّما هو في غير حال السجود كما لا يخفى .
وبالجملة : فالمسألة غير صافية عن الإشكال ، ولذا تردد المحقق في الشرائع في استثناء ظاهرهما ، وإن ذهب في النافع ـ الذي هو آخر ما صنّفه ـ إلى أظهرية الاشتراط(3) هذا ، وقد استدل العلامة في التذكرة لعدم اعتبار سترهما بأنّ الحكم بكونهما ليسا بعورة أولى من الحكم بأنّ الكفّين لا يكونان منها ، فلا يشملهما قوله(صلى الله عليه وآله) : «المرأة عورة»(4) وفيه : ما لا يخفى من عدم الدليل على هذه الأولوية .
وكيف كان فمستند المسألة هو قوله(عليه السلام)  : «لا ينبغي للمرأة أن تصلّي إلاّ في ثوبين» كما رواه الخاصّة عن الأئمة(عليهم السلام)(5) ، أو «تصلّي المرأة في درع وخمار» كما رواه العامّة عن النبي(صلى الله عليه وآله)(6) . وقد عرفت أنّها تدل على عدم وجوب ستر كل ما هو خارج منهما لا وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيهما ، فلابدّ من التتبع ليعرف أنّه هل يكون القدمان داخلين في الدرع أو لا؟ ومع الشك يرجع إلى أصالة البراءة مطلقاً

(1) المبسوط 1 : 87  ; المعتبر 2 : 101 ; قواعد الأحكام 1 : 257 ; كشف اللثام 3 : 234 .
(2) جواهر الكلام 8  : 172 .
(3) شرائع الاسلام 1 : 70 ; المختصر النافع : 25 .
(4) تذكرة الفقهاء 2 : 447  .
(5) الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ذ ح10 .
(6) السنن الكبرى 2 : 232 و233  .

(الصفحة274)

بناءً على ما هو الحقّ كما عرفت .
ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً لما تحته من الساتر ، ولا يكون شرطاً لصحّة صلاتها(1) ، واستدلّ عليه بما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم في حديث قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال : «إذا كان كثيفاً فلا بأس به ، والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً يعني إذا كان ستيراً»(2) ، فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة .
وأجاب عنه صاحب الجواهر(3)(قدس سره) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس ، لأنّه إذا كانت المقنعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة ، والقول بأنّها مستورة بشعره غير ثابت ، لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن والساتر يجب أن يكون من غيرها ، وبطلان التالي واضح لعدم التزام المستدلّ  به .
هذا ، ولكن يمكن أن يجاب عنه ـ ولو مع تسليم أنّه يكفي كون الساتر هو الشعر ـ أوّلا بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لا تكون لها شعر ، وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس ، وقد عرفت أنّه لا يلتزم به .
وثانياً بأنّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب ، وقد بيّن في الاُصول أنّه غير ثابت ، مع أنّ هذه الرواية هي ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) إنّه قال : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً» ولا

(1) مدارك الأحكام 3  : 188 ـ 189  .
(2) الكافي 3 : 394 ح2 ; التهذيب 2 : 217 ح855  ; الفقيه 1 : 243 ح1081 ; الوسائل 4 : 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح7 .
(3) جواهر الكلام 8 : 168 ـ 169 .

(الصفحة275)

تكونان روايتين ، بل الظاهر أنّ الراوي وهو محمّد بن مسلم قد سمع هذه الجملة منه(عليه السلام) دفعة واحدة ، والاختلاف إنّما نشأ من اشتباه الراوي .
وعليه لا يمكن الاستدلال بالاُولى ، إذ اللفظ الصادر منه(عليه السلام) يكون مردّداً لنا ، ومن الواضح أنّ ما رواه الصدوق لا يدلّ على ما ذهب إليه المستدل ، لأنّ الضمير في قوله(عليه السلام) : «إذا كان كثيفاً» وإن كان مفرداً إلاّ أنّ الظاهر رجوعه إلى الجامع بين الدرع والمقنعة ، والتعبير بهذا النحو شائع في الأخبار بل في القرآن أيضاً ، وكونه راجعاً إلى خصوص الدرع باعتبار كونه مذكّراً خلاف الظاهر ، لتقدّمه في الذكر على المقنعة .
ثمّ لا يخفى أنّ المتبادر من قوله(عليه السلام) : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة» هو اعتبار كونهما كثيفين ، لأنّه يدلّ على أنّ أقل ما يكفي من الساتر للمرأة هو الدرع والمقنعة ، والثوب غير الكثيف لا يكون في الحقيقة ساتراً . هذا ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه(1) .
ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الصغيرة ستر الشعر ، حتّى بناءً على ما هو الحق من كون عبادات الصبي شرعية لا تمرينية ، والدليل عليه الشهرة العظيمة المحققة(2) ، مضافاً إلى الأخبار الواردة في هذا المقام ، مثل ما رواه الصدوق عن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال : نعم ، قال : قلت : فالمرأة؟ قال : «لا ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار إلاّ أن لا تجده»(3) .

(1) الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28  .
(2) المعتبر 2 : 103 ; المنتهى 1 : 237 ; الذكرى 3 : 9 ; جامع المقاصد 2 : 98 ; روض الجنان : 217 ; كشف اللثام 3 : 238 ; مختلف الشيعة 2 : 101 .
(3) الفقيه 1 : 244 ح1082  ; الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلي ب28 ح4 .

(الصفحة276)

وفي رواية رواها الصدوق قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)  : قال النّبي(صلى الله عليه وآله) : «ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : منهم المرأة المدركة تصلّي بغير خمار»(1) ، وكذا لا يجب على المملوكة ستر الشعر ، للشهرة والأخبار الكثيرة مثل ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : «ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة . . .»(2) .
ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا منافاة بين ما ذكرنا من أنّه يجب على الرجل ستر عورته فقط ، وبين ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الرجل يصلّي في ثوب أو قميص واحد(3) ، باعتبار أنّه يدلّ على كونه أقلّ ما يكفي للرجل من الساتر ، وذلك لما عرفت من أنّ مثله يدلّ على عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه ولا يكون مستوراً به ، ولا يدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيه ومستور به كما لا يخفى ، فلا منافاة بينهما أصلا .

كيفيّة صلاة العاري

إذا كان المصلّي فاقداً للساتر أو كان ثوبه منحصراً في النجس ، وقلنا بأنّه يجب عليه الصلاة عرياناً ، ففي كيفية صلاته من حيث القيام والقعود ومن حيث الركوع والسجود أو الايماء خلاف(4) ، منشؤه اختلاف الأخبار ، ولابدّ من التكلّم

(1) الفقيه 1 : 36 ح131 ; المحاسن 1 : 76 ح36 ; الوسائل 4 : 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح6 .
(2) التهذيب 2 : 217 ح854 ; الاستبصار 1 : 389 ح1479 ; الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح10 .
(3) الكافي 3 : 394 ح2 ; الفقيه 1 : 243 ح1082 ; التهذيب 2 : 217 ح855  ; الوسائل 4 : 405 ، 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح4 و 7  .
(4) الخلاف 1 : 399 و 400 ; المعتبر 2 : 105 ; تذكرة الفقهاء 2 : 455 ; الذكرى 3 : 21 ; مختلف الشيعة 2 : 100 ; كشف اللثام 3 : 245 .

(الصفحة277)

في كل من الحيثيتين مستقلا فنقول :
أمّا من الحيثية الاُولى فمقتضى بعض الأخبار أنّه يصلّي جالساً ، كرواية إسحاق بن عمّار الواردة في صلاة جماعة العراة قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام)  : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراتاً وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال : «يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيؤمي إيماءً بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم»(1)  .
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، الواردة أيضاً في صلاتهم جماعة قال : سألته عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة؟ قال(عليه السلام)  : «يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس»(2) .
وصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام)  : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه؟ فقال : «يصلّي إيماءً وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوءته ثمّ يجلسان فيؤميان إيماءً ، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما . . .»(3) .
وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّه يصلّي جالساً مثل ما ورد فيما لو كان ثوب المصلّي منحصراً في النجس ، كرواية محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام)(4) وموثقة سماعة المروية في الكافي(5) ، وأمّا ما في التهذيب(6) فهو يدلّ على أنّه يصلي قائماً لا

(1) التهذيب 2 : 365 ح1514  ; الوسائل 4 : 451 . أبواب لباس المصلّي ب51 ح 2 .
(2) التهذيب 2 : 365 ح1513 ; وج3 : 178 ح404 ; الوسائل 4 : 450 . أبواب لباس المصلّى ب51 ح1 .
(3) الكافي 3 : 396 ح16 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح6 .
(4) التهذيب 1: 406 ح1278 وج2: 223 ح882; الإستبصار 1: 168 ح583; الوسائل 3: 486. أبواب النجاسات ب46 ح4.
(5) الكافي 3: 396 ح15 ; التهذيب 2 : 223 ح881 عن الكليني ; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح1 .
(6) التهذيب 1 : 405 ح1271 ; الإستبصار 1 : 168 ح582 عن غير طريق الكليني ; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح3 .

(الصفحة278)

قاعداً ، ويدلّ على وجوب الصلاة جالساً أيضاً رواية أبي البختري الآتية في كيفية صلاتهم من حيث الركوع والسجود .
وبإزاء هذه الأخبار ، روايات تدلّ على أنّ العاري يصلّي قائماً ، كصحيحة علي ابن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : «إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم»(1) .
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في حديث  : «وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً»(2) .
هذا ، ومقتضى قاعدة الجمع حمل الطائفة الاُولى على صورة وجود الناظر ، والثانية على ما إذا كان في محلّ يأمن من المطلع ولا يراه أحد . ويدلّ على ذلك مرسلة عبدالله بن مسكان عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة ، قال : «يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلّى جالساً»(3) ورواه أيضاً الصدوق مرسلا(4) ، ورواه البرقي في المحاسن عن ابن مسكان عن أبي جعفر(عليه السلام)(5) مع اختلاف في العبارة ، والظاهر أنّه اشتباه من الراوي إلاّ أنّه يناقش فيه بأنّه لا يمكن له النقل عن أبي جعفر(عليه السلام) بدون الواسطة فتكون

(1) التهذيب 2 : 365 ح1515  ; مسائل عليّ بن جعفر : 172 ح298 ; الوسائل 4 : 448 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح1  .
(2) الفقيه 1 : 166 ح782 ; التهذيب 2 : 366 ح1519 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح4  .
(3) التهذيب 2 : 365 ح1516 ; الفقيه 1 : 168 ح793 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3 و 5  .
(4) التهذيب 2 : 365 ح1516 ; الفقيه 1 : 168 ح793 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3 و 5  .
(5) المحاسن 2  : 122 ح1338 ; الوسائل 4  : 450 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح7 .

(الصفحة279)

الواسطة محذوفة .
وكيف كان ، فالإشكال في الاستدلال بالرواية بالإرسال ممّا لا يتمّ ، بعد كون الراوي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه وإن كان مرسلا ، فيجب الجمع بذلك النحو والحكم بالتفصيل كما هو المشهور .
وأمّا من الحيثية الثانية ففيه أقوال :
أحدها : القول بوجوب الركوع والسجود مطلقاً .
ثانيها : القول بوجوب الايماء مطلقاً .
ثالثها : ما عن الغنية من التفصيل بين صلاته قائماً فيجب الركوع والسجود ، وجالساً فيجب الايماء دونهما(1) .
ومنشأ هذه الأقوال اختلاف الأخبار ، وأكثرها يدلّ على الايماء ، كصحيحتي علي بن جعفر وزرارة المتقدّمتين ، ورواية أبي البختري عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه(عليهما السلام)أنّه قال : «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً ، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يؤمي إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه»(2) .
ويدلّ عليه أيضاً ما ورد في المصلّي المنحصر ثوبه في النجس ، وبعضها دالّ على وجوب الركوع والسجود ، كمرسلة أيّوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع»(3) ، ورواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة الواردة في صلاة العراة جماعة .

(1) الغنية  : 92  .
(2) قرب الاسناد : 127 ح498 ، الوسائل 4 : 451 . أبواب لباس المصلّي ب52 ح1 .
(3) التهذيب 3: 179 ح405 و ج2 : 365 ح1517 بسند آخر ; الوسائل 4 : 448 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح2.

(الصفحة280)

ويدلّ عليه أيضاً ما لم يكن فيه تعرّض لحكم صلاة العاري من حيث الركوع والسجود ، فإنّه يدلّ على وجوب ما هو الأصل في الصلاة ، وهو الركوع والسجود دون الإيماء كما هو واضح .
والحقّ في المقام أن يقال : بعدما عرفت أنّ مرسلة ابن مسكان المفصلة بين صورتي الأمن من المطّلع وعدمه(1) ، تكون حاكمة على الروايات الدالّة على أنّه يصلّي جالساً مطلقاً أو قائماً كذلك ، ويجب حمل الاُولى على ما إذا لم يكن المصلّي آمناً والثانية على خلافه .
فالمستفاد من المرسلة الحاكمة أنّه مع وجود الناظر المحترم يكون ما هو الأصل في الصلاة ـ وهو القيام ـ مزاحماً بالستر الذي يكون واجباً نفسيّاً ، والشارع حكم بتقدّمه على القيام ، وأوجب الجلوس عليه  ، لأنّه مع القيام يكون قبله مكشوفاً غير مستور ، وإن كان دبره مستوراً بأجزاء البدن ، فستر القبل لا يزاحمه وجوب القيام .
وأمّا ستر الدبر فالمستفاد من صحيحة عليّ بن جعفر(عليه السلام) الدالّة على وجوب الايماء والقيام ، أنّه لا يزاحمه وجوب الركوع والسجود الذين هما الأصل في الصلاة ، وأنه يجب عليه الايماء لئلاّ يبدو ما خلفه ، ويكفي كونه مستوراً بأجزاء البدن لعدم تمكّنه من شيء آخر يستره به ، ويدلّ عليه أيضاً رواية زرارة الدالة على النهي عن السجود والركوع ، المعلّلة بقوله : «فيبدو ما خلفهما» ، وكذا كل ما يدل على وجوب الايماء جالساً أو قائماً .
فإنّ مفاد جميعها أنّ وجوب الركوع والسجود الذي هو الأصل في الصلاة لا يزاحم ستر الدبر ، فيجب عليه الايماء ، صلّى قائماً أو جالساً ، ولكن تعارضه

(1) الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3  .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>