جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج2 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة21)

بعض الروايات من جواز التسليم قبل الإمام ، فيما لو أطال التشهد(1) ، بدعوى إنّه لم يقل أحد بالتفصيل في جواز العدول بين مورد الرواية وغيره ، فيجوز مطلقاً .
ولا يخفى أنّ هذا الاستدلال مبنيّ على أن يكون مورد الرواية جائزاً فيه قصد الانفراد ، غاية الأمر إنّه يتعدّى عنه إلى سائر الموارد ، لعدم القول بالفصل ، مع أنّه في محلّ المنع ، لأنّ مجرّد جواز التسليم قبل الإمام كما ورد في الرواية لا يتوقف على صيرورة صلاته فرادى ، بل صلاته باقية على الجماعة ما دام لم يفرغ منها .
غاية الأمر أنّه بالفراغ لا يبقى موضوع لوصف الجماعة ، والحاصل أنّ جواز التسليم قبل الإمام ليس من أفراد المسألة حتى يتمسّك به عليها ، بل مرجعه إلى أنّ ما يكون واجباً على المأموم عند صيرورة صلاته جماعة ـ وهو وجوب متابعة الإمام في الأفعال ـ يرتفع عند عروض عذر للمأموم ، لأنّ متابعة الإمام في الأفعال ليست مقومة للجماعة ، لأنّها عبارة عن مجرّد اجتماع الناس لأجل العبادة ، وجعل واحد منهم واسطة بينهم وبين معبودهم ، بحيث يجعلون عبادتهم تابعة لعبادته ، وخضوعهم متعقّباً لخضوعه .
وأمّا متابعته في الأفعال فليست ممّا له مدخلية في حقيقة الجماعة ، نعم يجب على كل مأموم عند قصد الاقتداء وجعل صلاته تبعاً ، متابعة الإمام في الأفعال ، فإذا ارتفع الوجوب في بعض الموارد لعذر فلا يلزم من ذلك ارتفاع الجماعة ، ومورد الرواية من هذا القبيل ، لا من موارد صيرورة الجماعة فرادى ، ولذا ذكرنا في صلاة ذات الرقاع انّ صلاة كل من الطائفتين تقع بتمامها جماعة .
غاية الأمر إنّه بعد تماميّة سجود الركعة الاُولى يزول وجوب المتابعة بالنسبة إلى الركعة الثانية ، كما إنّه عند تماميّة سجود الركعة الثانية ، لا يجب على الطائفة

(1) الفقيه 1 : 257 ح1163; التهذيب 2 : 349 ح1445; الوسائل 8 : 413. أبواب صلاة الجماعة ب64 ح3 .

(الصفحة22)

الثانية متابعة الإمام ، إلى أن يفرغ منها ، بل بمجرّد رفع الرأس من السجود تقوم الطائفة الثانية للإتيان بالركعة الثانية ، والإمام يطيل التشهّد حتّى تبلغ الطائفة الثانية إليه فيسلّم بهم .
وأنت خبير بأنّ وجوب إطالة الإمام التشهد حتى يسلم بهم ، دليل على أنّ صلاتهم لم تخرج من الجماعة الى الفرادى ، وإلاّ فلا وجه لذلك أصلا كما لا يخفى .
ثمّ إنّ هنا وجهاً قويّاً يمكن أن يستدلّ به للقول بالجواز ، وهو: إنّه يستفاد من دعوى الشيخ في الخلاف اتّفاق أصحابنا الإمامية على جواز العدول(1) ، بأنّ ذلك كان متداولا بين الناس في مقام العمل ، بحيث لم يكن فيهم التزام بإدامة الجماعة أصلا ، وإلاّ فلو فرض خلافه والناس كانوا ملتزمين بذلك ، فلا يبقى وجه لادعائه بجواز العدول إلى الأصحاب في مقابل العامة ، بل لم يكن وجه لذكر المسألة في كتاب الخلاف الذي بناؤه فيه على ذكر المسائل الخلافية بين المسلمين كما لا يخفى .
نعم هنا شيء ربما يمنع من القول بالجواز ، وهو إنّه قد عرفت أنّ القول بالجواز في المسألة مبني على أن تكون الجماعة وصفاً لأجزاء الصلاة ، وقد عرفت أيضاً أنّ لازم هذا المبنى كما يجوز العدول من الائتمام إلى الانفراد ، كذلك يجوز نقل النيّة إلى الجماعة ، مع أنّه لا يجوز عند الأصحاب عدا الشيخ في الخلاف ، فإنّه أفتى بالجواز في المسألتين ، وكذا صاحب الجواهر(2) ، فإنّه يظهر منه تقوية القول بالجواز .
هذا ، مضافاً إلى ما يظهر من بعض المحققين من المعاصرين(3) ، من أنّه لو نوى الانفراد في أثناء الجماعة جاز ، ولو نوى ذلك عند الشروع في الصلاة فالجواز محلّ إشكال ، فإنّ المستفاد من ذلك أنّ المرتكز في أذهان الفحول من الفقهاء ، أنّ

(1) الخلاف : 1 / 552 مسألة 293 .
(2) جواهر الكلام : 14 / 23 .
(3) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 455 .

(الصفحة23)

صيرورة الصلاة جماعة ، إنّما تحصل بأن يجعل مجموع الصلاة تابعاً لصلاة الغير ومرتبطاً بها ، دون كل جزء منها ، وإلاّ فلو كانت الجماعة وصفاً للأجزاء على سبيل الاستقلال لا منافاة بين نيتها ونية الانفراد في الأثناء في ابتداء الصلاة ، إذ متعلق نية الجماعة هي صيرورة بعض الأجزاء جماعة ، ومتعلّق نية الانفراد هي صيرورة البعض الآخر كذلك ، فلا تنافي بينهما أصلا .
فالإشكال إنّما نشأ من حيث عدم إمكان اجتماع النيتين عندهم ، وهو متفرع على كون الجماعة وصفاً للصلاة لا لأجزائها ، وهذا بخلاف ما لو عدل في الأثناء ، فإنّ قصد الجماعة صار متمشّياً منه، فصارت صلاته جماعة، فنية الإنفراد في الأثناء إنّما هي عدول عنها، فلا تنافي بينهما .
وبالجملة : فعدم جواز نية الانفراد في الابتداء ، وكذا عدم جواز نقل النية من الانفراد إلى الائتمام ، ممّا يدل على أنّ الجماعة وصف للصلاة دون الأجزاء ، ومع هذا فلا يجوز الاعتماد على القول بالجواز ، فالانصاف أنّ المسألة في غاية الإشكال ، والأخذ بالاحتياط يقتضي عدم الانفراد في أثناء الصلاة ، ما دام يمكن بقاء الجماعة ، لعدم فراغ الإمام عن الصلاة ، ومع عدم الإمكان يكون الانفراد قهرياً ، كالمأموم المسبوق بركعة أو أزيد .
ثمّ إنّه قد يستدلّ على المنع كما في المدارك(1) وغيره ، بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام)  . وقد سأله عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدّم أحداً ما حال القوم؟ قال(عليه السلام) : «لا صلاة لهم إلاّ بإمام»(2) .
ولا يبعد أن يكون المراد بالسؤال انّه هل تكون صلاة القوم باقية على الجماعة إلى انتهائها ولو من دون إمام ، فأجاب(عليه السلام) بأنّ بقاء القدوة مشروط بوجود الإمام ،

(1) مدارك الأحكام 4: 378 .
(2) الفقيه 1 : 262 ح1196; التهذيب 3 : 283 ح843 ; الوسائل 8 : 426. أبواب صلاة الجماعة ب72 ح1 .

(الصفحة24)

لا أنّ صحة الصلاة متوقفة عليه ، فالرواية لا تدلّ على المنع في المقام .
تنبيه : قد أشرنا فيما سبق إلى أنّ النزاع في المسألة ليس مبنياً على كون الجماعة والفرادى نوعين متغايرين ، أو فردين من نوع واحد ، بل النزاع يجري ولو قلنا بالثاني ، فإنّه وإن كانت الجماعة بناءً عليه وصفاً عارضاً لبعض الأفراد يوجب أفضليته على سائر الأفراد ، وليست لها مدخلية في قوام الصلاة وحقيقتها ، نظير وقوعها في المسجد ، إلاّ أنّها باعتبار كونها من العناوين القصدية المتوقفة على القصد ، قد وقع النزاع في جواز العدول عنها إلى الانفراد .
وهذا بخلاف سائر الأوصاف العارضة لبعض الأفراد ، كوقوعها في المسجد ، فإنّه لم يقع خلاف من أحد في أنّه يجوز أن يقع بعض الأجزاء خارج المسجد بعد وقوع البعض الآخر فيه أو قبل وقوعه ، وليس ذلك إلاّ لعدم كونها من العناوين القصدية حتى يجري فيها النزاع .

لو انكشف الخلل في صحّة صلاة الجماعة
إنّ من المسائل المتفرّعة على ما ذكرنا ـ من كون الجماعة عنواناً قصدياً ـ مسألة اُخرى مذكورة في باب الجماعة أيضاً ، وهي أنّه لو نوى الاقتداء وجعل صلاته مرتبطة بصلاة الإمام بسبب القصد، ثمّ انكشف فقدان بعض ما يعتبر في صحة الصلاة جماعة ، أو تحقّق بعض ما اعتبر عدمه فيها كذلك ، كما إذا انكشف وجود الحائل بينه وبين الإمام ، أو بين صفوف المأمومين ، أو عدم الاتّصال به ، أو كون موضع الإمام أعلى من محلّ المأموم ، وغير ذلك ممّا اعتبر في صحة الجماعة وجوداً أو عدماً،فهل يكون ذلك مضرّاًبصحّة الجماعة فقط، أويوجب بطلان الصلاة من رأس؟
وبعبارة اُخرى ، هل تكون تلك الاُمور معتبرة في تحقق الاقتداء ـ بمعنى أنّ مجرّد قصد الاقتداء لا يوجب تحققه لو لم تكن هذه الأمور متحققة ، فكما أنّه يتوقف

(الصفحة25)

على القصد ، كذلك يتوقف عليها ـ أو أنّ تحقق عنوان الاقتداء لا يتوقف إلاّ على مجرّد القصد ، وهذه الاُمور معتبرة في صحة الصلاة بعد اتّصافها بأنّها صلاة المقتدى ، لا في صدق الاقتداء؟
لا إشكال بل لا خلاف في بطلان الصلاة لو أخلّ المأموم بوظائف المنفرد ، بأن ترك القراءة في الركعتين الاُوليين ، أو زاد ركناً ، كالركوع والسجود ، أو غير ذلك من الأمور التي يكون الإخلال بها في حال الانفراد مضراً بصحة الصلاة .
وجه البطلان في هذه الصورة واضح ، لأنّ المفروض عدم وقوع صلاته جماعة ، وصحتها فرادى متوقفة على الاتيان بما هو وظيفة للمنفرد ، والمفروض الاخلال به . إنّما الإشكال فيما لو لم يخلّ بوظائف المنفرد أصلا ، وأنّه هل تكون الجماعة غير متحققة ، أو تكون الصلاة فاسدة؟
فنقول : إنّ في المسألة وجهين بل قولين ، ربما يستفاد من كلام الفقهاء المتقدمين والمتوسطين القول بالبطلان(1) ، كما أنّ المشهور بين المحققين من المتأخرين هو القول بصحّة الصلاة فرادى(2) ، ويمكن أن يستظهر القول الأوّل من بعض الأخبار الدالة على اعتبار تلك الأمور ، مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) الواردة في مسألة الحائل، حيث قال(عليه السلام) : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يُتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام وأيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام وبينهم وبين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس لهم تلك بصلاة فإن كان بينهم سترة أو جدار

(1) الفقيه 1 : 253 ح1144 و 1146; المبسوط 1: 155 ـ 156; الوسيلة: 106; المهذّب 1: 79 و81 ; السرائر 1: 283 و 289; الغنية : 88 ; الكافي في الفقه : 144; شرائع الاسلام 1: 112 ـ 113; نهاية الأحكام 2: 122 و 124.
(2) مستند الشيعة 8 : 130 و 134; كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري: 280; العروة الوثقى 1: 612 مسألة 10 وص614 مسألة 18; كتاب الصلاة للمحقّق النائيني: 338 .

(الصفحة26)

فليس تلك لهم بصلاة . . .»(1) .
فإنّ ظاهره نفي حقيقة الصلاة معوجودالحائل بين الإمام والمأموم، أو المأمومين بعضهم مع بعض، لانفي صحة الجماعة فقط، ومثله في الدلالة على ذلك خبر السكوني الوارد فيما لو صلّى اثنان فقال : كل منهما كنت إماماً أو قال كنت مأموماً حيث روى «عن أبي عبدالله(عليه السلام) عن أبيه قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجلين اختلفا فقال أحدهما : كنت إمامك وقال الآخر : أنا كنت إمامك فقال: صلاتهما تامّة. قلت : فإن قال كل واحد منهما : كنت أئتمّ بك؟ قال : فصلاتهما فاسدة وليستأنفا»(2) .
فإنّ الحكم ببطلان صلاتهما فيما لو قال كل واحد منهما: كنت أئتمّ بك مع ترك الاستفصال عن الاخلال بوظائف المنفرد وعدمه ، لا ينطبق إلاّ على كون وجود الإمام معتبراً في صحة صلاة المقتدي ، لا في صحة أصل الاقتداء حتى لا ينافي بطلانه صحة أصل الصلاة .
وبالجملة : لو كان وجود الإمام شرطاً في تحقق الاقتداء ، فمع عدمه لا وجه لبطلان الصلاة ولو فرادى كما لا يخفى ، والاعتراض على الرواية من حيث السند يندفع بأنّ ضعفها مجبور باشتهارها بين الأصحاب فتوى ورواية ، بل كما في المصباح(3) تكون العلّة في تعرّضهم لهذا الفرع مع كونه من الفروع الفرضية التي لايكاد يتفق الابتلاء بها إلاّ نادراً إنّما هو ورود الرواية في مورده ، فالظاهر أنّ الرواية مقبولة عند الأصحاب ولا وجه لطرحها أصلا .

(1) الفقيه 1: 253 ح1144; الكافي 3 : 385 ح4; التهذيب 3: 52 ح182; الوسائل 8 : 410. أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 2 وص407 ب59 ح1 .
(2) الكافي 3 : 375 ح3; الفقيه 1 : 250 ح1123; التهذيب 3 : 54 ح186; الوسائل 8 : 352. أبواب صلاة الجماعة ب29 ح1 .
(3) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 655 .

(الصفحة27)

ثمّ لا يخفى أنّ ما ورد في صحة الصلاة وعدم وجوب إعادتها فيما لو انكشف كون الإمام فاقداً لشروط الإمامة ، مثل ما ورد فيما صلّى الرجل من خراسان إلى بغداد خلف رجل ثمّ ظهر كونه يهودياً من عدم وجوب الإعادة(1)، لايدل على الصحة في المقام، وإنّ فقدان الشرط لا يضرّ بصحّة الصلاة ، وذلك لأنّ الشرط ليس هو الإسلام الواقعي، بل إحرازه بالأمارة أو بالأصل ، والمفروض تحققه في مورد الرواية.
وبالجملة : فالنزاع في المقام إنّما هو فيما لو انكشف فقدان ما هو الشرط ، والمفروض في الرواية تحققه ، فلا يمكن الاستدلال بها للمقام ، مع أنّ الظاهر تحقّق الاخلال بوظائف المنفرد في الرواية ولو نادراً ، إذ يبعد عدم تحققه مع بعد المسافة بين خراسان وبغداد ، وطول المدّة في الطريق ، خصوصاً في الأزمنة السابقة، وحينئذ فلا يجوز التمسّك بها للمقام بعد كون البطلان في صورة الاخلال بوظائف المنفرد مورداً للاتّفاق هنا كما عرفت .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ القدر المتيقّن وإن كان هو اعتبار الأمور المعتبرة في صحة الجماعة في تحقّق أصل الاقتداء ، لا في صحة صلاة المقتدي إلاّ أنّك عرفت ظهور بعض الأخبار في البطلان ، فيما لو انكشف الخلاف ، فالأحوط إعادة الصلاة واستئنافها .
ثمّ إنّك عرفت أنّ الصلاة من العناوين القصدية التي لا ينصرف العمل المشترك إلى بعضها إلاّ بالنية ، فاعلم أنّ هذا القصد معتبر حين الشروع في العمل ، إذ مجرّد كونه قاصداً سابقاً لأداء الدين مثلا لا يوجب صرف العمل إلى ذلك العنوان ، وكذا الحكم في جميع العناوين القصدية التي منها عنوان الصلاة .

(1) الكافي : 3 / 378 ح4 ; التهذيب 3: 40 ح141; الفقيه 1: 263 ح1200; الوسائل : 8 / 374 أبواب صلاة الجماعة ب37 ح1 و2 .

(الصفحة28)


اعتبار قصد القربة في الصلاة



إنّ قصد القربة من الأمور المعتبرة في الصلاة زائداً على القصد إلى عنوانها ، توضيح ذلك: إنّه لا إشكال في أنّ كلّ فعل اختياريّ صادر عن الفاعل المختار لابدّ أن تسبقه الإرادة ، بخلاف الأفعال الطبيعية الصادرة من فاعليها ، بمقتضى طبيعتها من غير شعور ولا إرادة ، وكذا لا إشكال في أنّ الإرادة لا تتعلّق أولاً إلاّ بما هو محبوب للفاعل بالذات ، ومشتاق إليه بنفسه . ثم تتولّد من هذه الإرادة إرادة اُخرى متعلّقة بما يتوقّف عليه تحقق مطلوبه الأقصى ومحبوبه الأولى ، فالعطشان تتعلّق إرادته أولاً برفع العطش ، وثانياً بشرب الماء كذا سائر المقدّمات .
وبالجملة: تعلّق الإرادة بالأفعال الصادرة إنما هو لكونها محبوبة لنفس الفاعل بالذات ، أو دخيلا في تحقق ما هو محبوب كذلك ، وإلاّ فمع عدم المحبوبية مطلقاً لا يعقل تعلّق الإرادة بها . هذا في الأفعال الدنيوية التي لا يترتب عليها إلاّ الآثار الدنيوية .
وأمّا الأفعال العبادية فلا شبهة في أنّ تعلّق الإرادة بها مع عدم كونها محبوبة للنفس ومشتاقاً إليها أصلا لابدّ من أن يكون ناشئاً من الملائمة الحاصلة بينها وبين النفس في بعض المراتب ، إمّا لكون النفس مقهورة عند عظمة الحقّ جلّ جلاله وسطوته وجماله وجلاله ، فتأتي بالعبادة خضوعاً في مقابل عظمته ، وخشوعاً في مقابل الكمال المطلق الذي إليه يرجع كلّ الكمال ، وإمّا لكونها شائقة إلى شكر نعماء الله لتوجّهها إلى أنّه تعالى وليّ النِعم ، فتأتي بالعبادة شكراً لنعمه ، وإمّا لكونها شائقة إلى ما يترتب على فعل العبادة ، من حصول الثواب الأخروي ، أو خائفة عمّا يترتب على تركها من العقاب الاُخروي ، وإمّا لكونها شائقة إلى زيادة النعم

(الصفحة29)

الدنيوية ، أو بقاء ما كان منها .
ولا يخفى أنّ هذه المراتب تختلف باختلاف الفاعلين في كمال النفس وضعفها ، والانصاف كفاية كلّ واحد منها في صحة العبادة ، ولولا ذلك يلزم بطلان عبادة عامة الناس ، وتكون الصحة حينئذ منحصرةً على عمل الأنبياء والأول ياء فقط ، مع أنّ هذه المراتب ليست اختيارية للنفس ، بل قد عرفت أنّ اختلافها يدور مدار ضعف النفس وكمالها ، فلو كان بعض المراتب العالية معتبراً في صحة العبادة ، لكان اللاّزم من باب المقدّمة تكميل النفس إلى تلك المرتبة ، مع أنّه لم يكن ذلك ثابتاً حتّى في زمان النبي(صلى الله عليه وآله)  .
وبالجملة: لا إشكال في عدم اعتبار تلك المراتب ، وكفاية كلّ واحد منها ومن المراتب الذاتية .
ثم إنّ الوجه في عدم تعرّض الأخبار لمسألة قصد القربة واعتباره في العبادات ، إنما هو ما عرفت من أنّ الأفعال العبادية لا تكون محبوبة للنفس مع قطع النظر عن الأمر بها ، فالآتي بها مع كونها كذلك لا يكاد ينفكّ من ذلك القصد بإحدى المراتب المتقدّمة ، وحيث إنّه قد يعرضها بعض الأغراض الدنيوية ، فيمنع عن وقوعها على ما هي عليه بمقتضى طبعها الأول ي كالرياء ونحوه ، فلذا قد تكرّر في الأخبار ذكره(1) وأنّه موجب لبطلان الصلاة .
وبالجملة: فلا إشكال في اعتبار قصد القربة في العبادات ، وإن لم تتعرضه الأخبار ، كما أنّه لا خلاف فيه بين علماء الإسلام(2) . والقول بعدم اعتباره في

(1) الوسائل 1: 70. أبواب مقدّمة العبادات ب12 .
(2) الخلاف 1: 71، مسألة 18; مستند الشيعة 2 : 45 ـ 49; جواهر الكلام 9 : 156; تذكرة الفقهاء 3 : 100 مسألة 200; مدارك الاحكام 3 : 309 ـ 310; الذكرى 3 : 245 ; بداية المجتهد 1: 33.

(الصفحة30)

الطهارات الثلاث ـ كما حكي عن أبي حنيفة(1) ، ـ وفي الزكاة والخمس(2) ـ كما ربما يمكن توجيهه خلافاً للمتأخّرين من الإمامية(3) ـ إنما هو لعدم كونها عبادة عند القائل بعدم اعتباره فيها ، لا لأجل عدم اعتبار قصد القربة في العبادة كما هو واضح .
ثم إنه ما اشتهر في ألسنة المتأخّرين(4) ، وتكرّر في كلماتهم بأنه يجب الاتيان بالعبادة بقصد إطاعة الأمر المتعلّق بها وامتثاله ، وأنّه يجب توسيطه ، وجعله مقدّمة لحصول القرب ، أو ترتّب الثواب ، أو غيرهما من المراتب المتقدّمة ، وكأنّه لايحتاج إليه في صيرورة العبادة عبادة ، فإنّه يكفي في ذلك مجرّد الإتيان بها ، لكونها محبوبة للمولى ، وموجبة لحصول القرب وترتّب الثواب .
فإنّه إذا لم يكن للعبد غرض دنيوي مترتب على إتيانها ـ لعدم كونها محبوبة للنفس بالذات ، أو بالتّبع ، حتّى تتعلّق الإرادة بها من هذه الجهة ـ فالإتيان بها لا محالة يكون لغرض اُخرويّ ، ولكونها عبادة لله تعالى ، محبوبة له جلّ شأنه ، وقد عرفت أنّ هذا هو الوجه في عدم تعرّض الأخبار لاعتباره في العبادات .
وبالجملة : فصيرورة الشيء عبادة إنما تتوقّف على أن لا تكون الإرادة المتعلّقة بإتيانها ناشئة من المبادئ الدنيوية ، والأغراض المرتبطة بهذا العالم ، نعم يعتبر مع

(1) الخلاف 1 : 71 مسألة 18; بداية المجتهد 1 : 33; كشف اللثام 1 : 502; وهو قائل بعدم الاشتراط في الطهارة المائيّة فقط لا مطلقاً . راجع المجموع 1: 313; تذكرة الفقهاء 1: 139.
(2) القائل هو الأوزاعي: المجموع 6: 180; المغني لابن قدّامة 2: 502; الشرح الكبير 2: 673; تذكرة الفقهاء 5: 327، مسألة 238.
(3) المعتبر 2: 559; تذكرة الفقهاء 5: 327; مستند الشيعة 9: 374; جواهر الكلام 15: 471; رياض المسائل 5: 136; مدارك الأحكام 5: 299.
(4) تذكرة الفقهاء 3: 101 ـ 102; كشف اللثام 3: 408 ـ 409; جواهر الكلام 9: 154 ـ 156; مستند الشيعة 5: 11; الحدائق 8 : 13 ـ 18; مدارك الأحكام 3: 309.

(الصفحة31)

ذلك ورود الإذن من الشارع ولو كان في ضمن الأمر ، وأمّا اعتبار قصد إطاعة الأمر وامتثاله ، فلا دليل عليه ، كما أنّ اعتبار قصد القربة بمعناه الظاهري الذي يرجع إلى الإتيان بالعبادة لتحقّق القرب من المولى لا دليل عليه أيضاً .
مضافاً إلى ما عرفت من أنّ هذه المرتبة من المراتب السافلة في مقام الإتيان بالعبادات ، فإنّ بعض الأوحديّين من الناس يكون الداعي له إلى العبادة مجرّد كون المعبود أهلا ومستحقّاً لها ، كما حكي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال : «إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طعماً في ثوابك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك»(1) .
ومضافاً إلى أنّه لو كان قصد التقرب بمعناه الظاهر معتبراً ، لكان الواجب على الناس معرفة القرب من الله تعالى بأيّ معنى حتّى يقصد ذلك المعنى ، ومن المعلوم خلافه .
والذي ينبغي أن يقال: إنّ المعتبر في صحة العبادة هو الذي يقتضي طبع العبادة وكذا طبع العابد الإتيان بها بذلك النحو ، وحيث إنّ ذلك متحقّق غالباً بل دائماً في عامّة الناس بالنسبة إلى عباداتهم ، بعدما عرفت من عدم ترتّب غرض دنيوي عليه ، فلذا تكون الأخبار خالية عن بيانه ، واعتباره في الصلاة .
نعم ربما يعرض عليها بعض الأغراض الفاسدة التي تمنع عن وقوعها بمقتضى طبعها ، فتكون صورتها صورة العبادة ، والمقصود بها ترتّب الأغراض الدنيوية وهو الذي يسمّى بالرياء ، فلذا قد تكرّر في الأخبار ذكره ومذمّته والتوبيخ عليه ، وإنه مبطل للصلاة .
وفي الحقيقة يكون مفاد تلك الأدلة الواردة في الرياء إنّه لو لم يطرء على العبادة

(1) بحار الأنوار 41 : 14 .

(الصفحة32)

هذا الأمر الذي يصرفها عن وجهها ، فهي تقع بمقتضى طبعها عبادة ، فالمعتبر في صحّتها هو مجرّد خلوّها عن ذلك الأمر ، إذ بذلك تقع على ما هو مقتضى طبعها ، سواء كان الداعي له إلى إتيانها كون المعبود أهلا لها ، أو تحقق القرب إليه ، أو غيرهما من المراتب المتقدّمة ، وسواء كان قصد إطاعة الأمر وامتثاله واسطة في ذلك أم لا .
ثم إنّك عرفت أنّ مقتضى الأخبار بطلان العبادة بالرياء وحرمته(1) ، ولا فرق في ذلك بين أن يصير داعياً إلى الإتيان بمجموع العبادة أو ببعض أجزائها ، كما أنّه لا فرق في الثاني بين أن يكون الجزء من الأجزاء الواجبة أو المستحبة ، لأنّ مرجع الرياء في كلّ منهما إلى الرياء بالمجموع ، فالإتيان بالقنوت رياءً ليس إلاّ لإظهار أنّه يصلّي كذلك .
نعم لو كان المستحب شيئاً خارجاً عن الصلاة ، فالإتيان به رياءً في أثناء الصلاة لا يضر بصحتها ، إلاّ أن يرجع أيضاً إلى الرياء فيها ، وكذلك لا فرق في الثاني ـ أي الرياء في الأجزاء ـ بين تدارك الجزء والإتيان به ثانياً وعدمه ، وإن لم نقل ببطلان الأول من حيث الزيادة المبطلة .
هذا ، وقد قيل(2): بعدم بطلان العبادة فيما لو نوى الرياء ببعض الأجزاء المستحبة ، كالقنوت ورفع اليدين بالتكبير ، وغيرهما من الأجزاء المستحبة للصلاة ، لأنّ بطلان الجزء المستحبّ لا تؤثر في بطلان الأجزاء الواجبة المأتيّ بها خالصاً لوجه الله .
قال الشيخ المحقّق الأنصاري(قدس سره) ، في كتاب الصلاة ، في وجه عدم البطلان ، ما

(1) الوسائل 1 : 70. أبواب مقدّمة العبادات ب12 .
(2) مصباح الفقيه، كتاب الصلاة: 238 .

(الصفحة33)

هذا لفظه : «لأنّ بطلان الجزء المستحبّ لا يوجب الاخلال بالأجزاء الواجبة التي هي المناط في تحقق الامتثال للأمر الوجوبي ، وإن لم يحصل امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بنفس المستحب ، أو بالعبادة المشتملة عليه ، وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن التمسّك للإبطال بما دلّ على بطلان كلّ عمل لم يخلص لله، مثل رواية عليّ بن سالم(1) قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: قال الله سبحانه : «أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلاّ ما كان خالصاً لي»(2) . ورواية زرارة وحمران عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لو أنّ عبداً عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً»(3) ، وغير ذلك ممّا دلّ على بطلان العمل المشترك على وجه الإشاعة أو التبعيض(4) ، كما فيما نحن فيه ، فإنّا لا نمنع بطلان هذه العبادة ، بمعنى مخالفته للأمر الخاص المستحب المتعلّق بهذا الفرد الخاص ، ولا يلزم منه عدم مطابقته للأمر بمطلق الماهيّة الموجودة فيه ، الذي هو مناط التقرب بالعمل من حيث كونه واجباً...» إلى أن قال : «وممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو نوى الرياء بالزائد على الواجب من الأفعال كطول الركوع والسجود»(5) . إنتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره) .
وقال في المصباح في مقام الجواب عن الاستدلال للبطلان بالأخبار المذكورة ماملخّصه : إنّه كما يصح أن يقال على مجموع الصلاة: إنّها عمل ، كذلك يصح إطلاقه

(1) هو علي بن أبي حمزة البطائني وأبو حمزة كنية أبيه واسمه سالم (منه) .
(2) المحاسن 1: 392 ح874 ; الكافي 2 : 295 كتاب الايمان والكفر باب الرياء ح9; الوسائل 1 : 61. أبواب مقدّمة العبادات ، ب8 ح9 .
(3) عقاب الأعمال : 289 ح1; المحاسن 1: 212 ح384; الكافي 2: 293 ح3; الوسائل 1: 67. أبواب مقدّمة العبادات ب11 ح11.
(4) الكافي 2: 293 باب الرياء; الوسائل 1: 64. أبواب مقدّمة العبادات ب11.
(5) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري (رحمه الله): 88 ـ 89 .

(الصفحة34)

على أجزاء العمل ، لأنّ أجزاء العمل أيضاً عمل عند العقل ، وحينئذ فيصح أن يقال: إنّه أشرك في قنوته مثلا ، وأدخل فيه رضا غيره تعالى .
وحينئذ نقول : إنّ القنوت والصلاة ليسا مصداقين للعامّ على سبيل التواطؤ ، لاستحالة كون رياء واحد فردين من العام ، فصدقه على سبيل التشكيك بمعنى أنّ صدقه على القنوت لذاته ، وعلى الصلاة بواسطته ، وحينئذ فمجرّد وقوع القنوت لغير الله لا يضرّ بوقوع الأجزاء الواجبة متقرّباً بها إلى الله تعالى ، بعد كون كلّ واحد منهما عملا مستقلاً ، فغاية مدلول الأخبار بطلان القنوت مثلا ، لأنّه عمل أدخل فيه رضا غيره تعالى ، فلا يؤثر في صيرورة الفرد المشتمل عليه أفضل الأفراد ، ودعوى إنّ المراد من العمل في الروايات، الأعمال المستقلّة التي تعلّق بها أمر نفسي ، مع أنها بلا بينة يكذبها شهادة العرف بصدقها على أجزاء العمل ، ولذا لا يتوهّم أحد بطلان الحجّ بوقوع شيء منه رياءً مع عدم إمكان تداركه وعدم فوات محلّه ، وممّا ذكرنا يظهر حكم ما نوى الرياء بالزائد على الواجب من الأفعال، كطول الركوع والسجود(1) . إنتهى ملخّص كلامه(قدس سره)  .
وأنت خبير بأنّ مرجع كلامهما إلى أنّ الرياء اِنّما وقع في الصلاة بمرتبتها الكاملة الفاضلة ، لأنّ المفروض إنّه نوى الرياء بالأجزاء المستحبة ، أو بالزائد على الواجب من الأفعال ، ومقتضى الروايات بطلانها بهذه المرتبة التي أدخل فيها رضا أحد من الناس ، وهو لا ينافي صحتها بالمرتبة غير الكاملة التي أتى بها خالصاً لوجه الله ، متقرباً بها إليه ، لأنّه لم يشرك فيها ، ولم يدخل رضا غيره تعالى ، فلا وجه للحكم ببطلانها من رأس  .
هذا ، ولكن لا يخفى أنّ المرتبة غير الفاضلة ـ التي بها تتحقق طبيعة الصلاة المأمور بها ، وتكفي في امتثال الأمر الوجوبي المتعلّق بها ـ أتى بها على المفروض

(1) مصباح الفقيه، كتاب الصلاة : 239 .

(الصفحة35)

بعنوان الجزئية للصلاة ، لأنّ القصد إنما تعلّق بتلك المرتبة الكاملة ، فغيرها لا يكون مقصوداً إلاّ بنحو الجزئية لتلك المرتبة .
وبالجملة : فالمصلّي إنما قصد امتثال الأمر الوجوبي بأفضل الأفراد ، والمفروض بطلانه ، لأنّه أشرك وأدخل فيه رضا أحد من الناس ، وأمّا المرتبة غير الكاملة ، فلم يقصد بها امتثال الأمر الوجوبي أصلا ، فكيف يمكن الاجتزاء بها في مقام الامتثال ، مع أنّها لم تقصد إلاّ جزءً للفرد الذي يريد المصلّي أن يمتثل به .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ما ذكره صاحب المصباح من صدق العمل على أجزاء الصلاة أيضاً محلّ نظر بل منع ، فإنّه لا يقال على من اشتغل بالصلاة ، إلاّ أنّه مشتغل بعمل واحد ، كما أنّ الرياء في بعض الأجزاء يوجب صحة إطلاق كونه مرائياً في صلاته ، وتنظيره أجزاء الصلاة بأفعال الحج ممنوع أيضاً ، فإنّ أفعال الحج كلّها عبادة بحيالها ، يترتب عليها الثواب مستقلاً ، والأولى التنظير بنافلة المغرب ، المركبة من الصلاتين إذا أتى بالثانية منهما ، مرائياً فيها من حيث انّها صلاة ، وأمّا إذا رآى فيها من حيث إنّه يأتي بنافلة المغرب ، فالظاهر بطلان الصلاة الأولى أيضاً .
والحقّ في المقام أن يقال: إنّه لو نوى الرياء ببعض الأجزاء الواجبة ثم تداركه ، بناءً على عدم كون مثل هذه الزيادة مبطلا ، أو نوى الرياء بالأجزاء المستحبة ، سواء تداركها أم لم يتدارك ، فإنّ قصد الرياء فيها لا من حيث أنّها جزء للصلاة ، بل من حيث أنّه يحسن القراءة مثلا ، فالظاهر أنّه لا يضرّ بصحة الصلاة أصلا .
وأمّا لو نوى الرياء فيها من حيث أنّها جزء للصلاة ، فالظاهر بطلانها بذلك ، فإنّ قصد الجزئية بمثل هذا الجزء يؤثر في صيرورة العمل عملا غير خالص أدخل فيه رضا أحد من الناس ، وقد عرفت أنّ العمل لا يطلق على أجزاء الصلاة ، لأنّه عبارة عمّا يؤتى به لترتّب الأثر المترقّب منه عليه .


(الصفحة36)

وبالجملة : فالرياء في الجزء بما أنّه جزء من الصلاة يؤثر في فساد العمل المشتمل عليه ، وليس كالإتيان بالجزء الذي لا يصلح للجزئية لسائر الموانع الاُخر ، كالقراءة غلطاً ونحوه ، فإنّ تأثيره ليس إلاّ عدم صلاحية الجزء المغلوط لوقوعه جزءً ، بحيث التئم الكلّ منه ، وهذا بخلاف الرياء ، فإنّه يوجب عدم وقوع العمل من حين وقوعه على مقتضى طبعه الأول ي ، فالتدارك لا ينفع بوجه .
فانقدح أنّ الرياء في الجزء ، واجباً كان أو مستحبّاً ، إنما يكون كالرياء في الكلّ ، نعم قد عرفت إنّه لو نوى الرياء به ، لا من حيث أنّه جزء للصلاة ، فالظاهر عدم البطلان .
ثم إنّه قد يوجه الصحة في خصوص ما لو نوى الرياء بشيء من الأجزاء المستحبة ، بأنّ هنا مركبين : أحدهما ما يكون متعلّقاً للأمر الاستحبابي ، وهو المركب الطويل المشتمل على الأجزاء المستحبة أو بعضها . ثانيهما ما يكون متعلّقاً للأمر الوجوبي ، وهو المركّب القصير المشتمل على الأجزاء المعتبرة في طبيعة الصلاة ، والمفروض أنّه نوى الرياء في المركّب الأول ، فلا وجه لبطلان الثاني الموجود في ضمنه(1) .
هذا ، ويرد عليه إنّه إمّا أن يقال بصدق الصلاة عليهما ، أو على الأول دون الثاني ، أو العكس ، فعلى الأخير يلزم أن لا يكون ذلك الجزء جزءً للصلاة ولو على نحو الاستحباب ، وذلك واضح الفساد ، كما أنّه على الثاني يلزم وجوب ما فرض مستحباً من الأجزاء ، وذلك باطل أيضاً .
فالواجب أن يقال : بأنّ الصلاة إنما تقال على مصاديقها بنحو التشكيك ، ويكون لها مراتب من حيث الكمال والنقص ، والمفروض أنّ المصداق المأتي به في

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله) : 136 .

(الصفحة37)

مقام الامتثال ، قد أدخل فيه رضا أحد من الناس ، فلا وجه لصحته ، والفرد الناقص لم يقصد تحقق الامتثال به أصلا .
وبالجملة: فلا فرق بين الأجزاء الواجبة والمستحبة من حيث اقتضاء الرياء فيها ، لبطلان الصلاة كما لا يخفى .
ثم إنّه لا فرق في بطلان العبادة بالرياء بين أن يكون الرياء تمام الداعي إلى الإتيان بها ، أو بجزئها ، أو بعضه ، وعلى الثاني لا فرق بين أن يكون هو الأصل في الداعوية ، والقربة تابعة له ، وبين العكس ، وبين ما إذا تساويا في الداعوية ، كما أنّه لا فرق على الأخير بين أن يكون كلّ منهما مستقلاً في الدعوة ، بأن كان كلّ منهما داعياً ولو لم يكن الآخر متحققاً .
غاية الأمر إنّه حيث لا يمكن اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، فلا محالة يكون التأثير مستنداً إلى كليهما على سبيل الاشتراك ، وبين أن لا يكون كلّ منهما كذلك ، أي مستقلاً في الدعوة ، بل صار المجموع داعياً إلى الإتيان بالعبادة أو بجزئها ، هذا كلّه في الرياء المقارن للعبادة وأمّا لو كان الداعي له إلى الإتيان بها هي القربة ، أو سائر المراتب الاُخر ، ثم عرض له ذلك بعد الفراغ منها ، وصار مرائياً بالنسبة إلى العمل الذي أتى به ، فالظاهر أنّه لا دليل على بطلان عبادته ، بعد كون الداعي له إلى إتيان العبادة غير الرياء ، هذا كلّه في الرياء .
وأمّا العُجب ، فالظاهر أنّه ليس من قبيل الدواعي الباعثة على إتيان العمل ، كالقربة أو الرياء ، لأنّه عبارة عن مجرّد تخيّل العظمة للنفس ، أو العمل ، والنظر إليهما بعين الإعجاب ، وهذا لا ارتباط له بمسألة الداعي أصلا ، ولكنّه من الصفات المذمومة ، والرذائل الأخلاقية ، كما ورد في الأخبار الكثيرة مذمته ، والتوبيخ عليه ، على اختلاف ألسنتها .


(الصفحة38)

فبعض الأخبار يدلّ على أنّ منشأه قلّة العقل(1) ، وبعضها الآخر على أنّ تأثيره يسبّب الانحطاط في النفس ، وصيرورتها ذات حزازة ومنقصة ، بمرتبة يكون الإتيان بالعمل السوء ، ثم الندم عليه أولى من العمل الحسن العارض له هذا الأمر(2) . والطائفة الثالثة تدلّ على أنّ من فضل الله على العبد ، أن يحول بينه وبين العمل الحسن بتسليطه النعاس عليه(3) ، لأجل عدم اعجابه بذلك العمل ، على تقدير الإتيان به .
وبالجملة : فلا إشكال في كونه من الصفات المذمومة الكاشفة عن خسّة النفس ، وانحطاط درجتها ، ولكنّ الظاهر عدم الدليل على بطلان الصلاة به ، وقد يتوهّم دلالة بعض الروايات عليه ، وهو ما رواه يونس بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب فقال : «إذا كان أوّل صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخش الشيطان»(4) . فإنّ ظاهرها أنّه لو دخله العجب في أوّل الصلاة لكان مانعاً عن صحتها ، لمنافاته مع النية التي أريد بها الرب .
هذا ، ولا يخفى أنّ هذا المعنى يستلزم البطلان ، ولو دخله العجب في الأثناء ، فإنّه كما يجب الشروع في العمل بتلك النية ، كذلك تجب استدامتها إلى الفراغ منه ، ولا يجوز الإتيان ببعض الأجزاء بنية اُخرى ، فينافي ذلك مع الحكم بوجوب المضي وعدم كون الداخل مضرّاً بصحتها .

(1) الكافي 1 : 27 ح31 .
(2) الكافي 2 : 313 ح4 .
(3) الوسائل 1 : 98 . أبواب مقدّمة العبادات ب23 ح1 و4 و6 .
(4) الكافي 3 : 268 ح3; الوسائل 1 : 107 . أبواب مقدّمة العبادات ب24 ح3 .

(الصفحة39)

فمعنى الرواية: إنّه لو كان الإتيان بالصلاة بداعي الرب فلا يضرّه العجب ، وهذا راجع إلى أنّه لو كان شرط صحتها موجوداً حين الشروع فلا ينافيه ذلك ، لا أنّ مجرّد الشروع بنية الرب يكفي في صحة الصلاة ، ولو عرض في أثنائها بعض الاُمور المنافية لتلك النية .
كيف وقد عرفت أنّ العجب ليس داعياً إلى العمل ، وإلاّ لأضرّ بصحة الصلاة ، ولو دخل في الأثناء كما لا يخفى . وفي الرواية إشعار بما ذكرنا ، من أنّ المعتبر في صحة العبادة ليس خصوص قصد الامتثال ، ولا قصد التقرب ، بل المعتبر هو الذي يقتضي طبع العبادة والعابد ، ووقوعها على ذلك النحو كما عرفت .
ثم إنّه لو ضمّ إلى القصد المعتبر في العبادة بعض الضمائم الراجحة أو المباحة ، كقصد الترغيب ، أو التعليم ، أو غيرهما ، فلا إشكال في عدم بطلان العبادة في الضمائم المباحة ، لو كانت تابعة لقصد الاخلاص والقربة ، بمعنى أنّ الداعي إلى الإتيان بالعبادة إنما هو الاخلاص والقربة ، بحيث لم يكن لتلك الضمائم مدخلية أصلا .
كما أنّه لا إشكال في بطلان العبادة فيما لو كان قصد التقرب تابعاً ، وكان الداعي المحرّك للمكلّف إلى الإتيان بها هي نفس تلك الضمائم ، كما إذا توضّأ بقصد التبرّد أو التسخن مثلا ، بحيث لو لم يكن له هذا القصد لم يتوضأ أصلا ، وكذا لا إشكال في بطلانها فيما إذا كان كلّ من الداعيين قاصراً في مقام التأثير وناقصاً عن التحريك ، بحيث لو لم يكن في البين إلاّ واحد منهما لم يتحقّق منه العمل أصلا .
وجه البطلان ما عرفت من أنّ المعتبر في العبادة أن يكون الداعي والمحرّك إلى الإتيان بها هو التقرب ونظائره ، بحيث لا يكون للأمور الدنيوية مدخلية فيها

(الصفحة40)

أصلا ، إنما الإشكال والخلاف فيما إذا كان كلّ من الداعيين مستقلاً في التأثير ، بحيث يؤثر كلّ منهما ولو مع عدم الآخر .
غاية الأمر إنّه حيث يكون اجتماع العلّتين وتواردهما على معلول واحد شخصيّ من المحالات العقلية ، فلا محالة يكون التأثير مستنداً إلى كليهما ، فالمحكيّ عن كاشف الغطاء أنّه استقرب الصحة في هذه الصورة(1) .
قال الشيخ(رحمه الله) في توجيهه : ولعلّه لدعوى صدق الامتثال حينئذ وجواز استناد الفعل إلى داعي الأمر ، لأنّ وجود الداعي المباح وعدمه حينئذ على السواء ، نعم يجوز استناده إلى الداعي المباح أيضاً ، لكن القادح عدم جواز الاستناد إلى الأمر ، لا جواز الاستناد إلى غيره ، ألا ترى إنّه لو أمر المولى بشيء وأمر الوالد بذلك الشيء ، فأتى العبد مريداً لامتثالهما ـ بحيث يكون كلّ منهما كافياً في بعثه لو انفرد ـ عدّ ممتثلا لهما .
ثم أورد عليه بما حاصله : منع جواز استناد الفعل إلى كلّ منهما ، لامتناع وحدة الأثر وتعدد المؤثر ، ولا إلى أحدهما للزوم الترجيح بلا مرجح ، بل هو مستند إلى المجموع ، والمفروض أنّ ظاهر أدلة اعتبار القربة ينفي مدخلية شيء آخر في العمل ، وأمّا المثال المذكور فيمنع فيه صدق امتثال كلّ من المولى والأب .
نعم لمّا اجتمع الأمران في واحد شخصيّ لا يمكن التعدد فيه ، لم يكن بدّ من الإتيان به مريداً لموافقة الأمرين ، وهذا غاية ما يمكن في هذا الفرض من موافقة الأمر ، بخلاف المقام ، فإنّه يمكن تخليص الداعي لموافقة الأمر ، وتحصيل التبرّد بغير وضوء إن أمكن ، وإلاّ تضعيف لداعي التبرّد ، وتقوية لداعي الاخلاص ، فإنّ الباعثين المستقلّين يمكن ملاحظة أحدهما من دون الآخر ، كما لو أمر الشارع بانقاذ ولده الغريق ، فإنّه قد ينقذه لمحبة الولد محضاً ، من غير ملاحظة أمر الشارع ، وقد

(1) كشف الغطاء: 54 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>