جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج2 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة201)

عن التأثير في نفسه ، ولا تكون إرادة المولى تحقق الانبعاث بهذا البعث منه أيضاً .
ثم لا يخفى أنّ لسان بعض الأحكام الظاهرية لسان التوسعة في المأمور به بالأمر الواقعي ، ويكون ناظراً إليه مثلا الحكم بالطهارة الظاهرية المستصحبة ، فيما إذا كان بدن المصلّي أو ثوبه طاهراً سابقاً ، مرجعه إلى جواز الصلاة معه ، فيدلّ على أنّ الأدلة الواردة في اشتراط الصلاة بطهارة البدن والثوب أعمّ ممّا إذا كانت الطهارة طهارة واقعية أو ظاهريّة ثابتة بالاستصحاب أو قاعدتها .
وقد ذكرنا في مبحث الإجزاء من الاصول(1) ، إنّ هذا القسم من الأحكام الظاهرية مقتضية للإجزاء سواء كانت من الأصول أو الأمارات ، وسواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية ، وليس مدلولها مجرّد كون المكلّف معها معذوراً في مخالفة الحكم الواقعي ، فإنّه كيف يمكن أن يحمل قول أمير المؤمنين(عليه السلام) : «ما أُبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم»(2) ، على مجرّد المعذورية في المخالفة مع الشكّ كما هو واضح .
إذا عرفت جميع ذلك فاعلم أنّه يمكن أن يجاب عن الإشكال المتقدّم الذي مرجعه إلى أنّه كيف يمكن أن يؤخذ العلم في الحكم بوجوب الصلاة جهراً أو اخفاتاً ، بأنّا لا نقول بكون الحكم الواقعي ـ أي الوجوب المتعلّق بالصلاة المشتملة على خصوصية الجهر أو الاخفات ـ مختصّاً بالعالم به ، بحيث يكون العلم داخلا في موضوعه ، بل هو كسائر الأحكام الواقعية مطلق بلا اختصاص بالعالم به ، ولكن الجاهل في المقام حيث إنّه كان عمله موافقاً للحكم الظاهري المتوجه إليه ، فلا محالة يكون عمله تامّاً .

(1) نهاية الاُصول : 137 .
(2) الفقيه1 : 42 ح166; التهذيب 1 : 253 ح735; الاستبصار 1 : 180 ح629; الوسائل 3 : 467 . أبواب النجاسات ب37 ح5 .

(الصفحة202)

توضيحه إنّك عرفت أنّ المراد بقوله(عليه السلام)  : «لا يدري» في صحيحة زرارة المتقدمة(1) ليس الأعم من الجاهل المتردّد الشاك ، فإنّ قرينة السياق تقتضي أن يكون المراد به هو الجاهل الذي كان سبب اجهاره في موضع الإخفات أو العكس هو جهله ، وعدم علمه باعتبار هذه الخصوصية في الصلاة ، كما أنّ الناسي أو الساهي يكون سبب مخالفته هو النسيان أو السهو ، فالجاهل الذي لا يكون عمله المخالف للواقع مستنداً إلى جهله كالشاكّ المتردّد ، حيث إنّ التردّد والشكّ يقتضي الإتيان بطرفي الاحتمال ، لا خصوص واحد منهما يكون خارجاً عن مورد الرواية .
وحينئذ فبملاحظة ما عرفت سابقاً أيضاً من أنّ عمل المسلمين كان من زمن النبي(صلى الله عليه وآله) والخلفاء بعده مستمرّاً على الجهر في الصلوات الجهرية ، والاخفات في الصلوات الاخفاتية ، يظهر أنّ من عمل على خلاف هذه الطريقة المستمرة بين المسلمين ، فلا محالة يكون عمله مستنداً إلى الفتاوى المشهورة بينهم ، الصادرة من المراجع الذين كانوا يرجعون إليهم في أخذ الفتوى .
وقد عرفت استقرار فتاويهم على الاستحباب ، ولم يظهر القول بالوجوب إلاّ من ابن أبي ليلى(2) ، فالجاهل الذي تشمله الرواية هو من كان إجهاره موضع الاخفات أو العكس مستنداً إلى فتوى مراجعهم ، فهي حجّة عقلية عليهم ، فمرجع تمامية صلاة الجاهل إلى إجزاء الحكم الظاهري المختصّ به عن الحكم الواقعي الذي ليس مختصّاً بالعالم .
ومن هذا البيان يظهر أنّه كما تكون صلاة الجاهل تامّة على ما هو مدلول

(1) الوسائل 6: 86 . أبواب القراءة في الصلاة ب26 ح1.
(2) راجع 2 : 174 .

(الصفحة203)

الرواية ، كذلك لا يكون مستحقّاً للعقوبة أيضاً ، إذ لا وجه لاستحقاقه لها بعد صحة عمله ، وذهاب جماعة من الأصحاب إليه ـ كما حكاه في المصباح(1)ـ لا يلزمنا بذلك بعد عدم الدليل عليه .
ثم إنّه لو أغمض النظر عمّا ذكرناه من حجية فتاوى مراجعهم بالنسبة إليهم ، لكان الوجه في عدم فعلية الحكم الواقعي غير المختصّ بالعالم بالنسبة إلى الجاهل ، هي هذه الرواية الدالة على تمامية صلاته المخصّصة ، لما دلّ على عدم معذورية الجاهل مطلقاً ، فإنّك عرفت أنّ الحكم الواقعي وإن كان مطلقاً إلاّ أنّ الخطاب المتضمّن له قاصر عن بعث الجاهل به ، لعدم معقولية تحقق الانبعاث من البعث المجهول .
فإذا أراد المولى صدور المبعوث إليه من الجاهل ، فلابدّ له من أن يتوصّل إلى ذلك بخطاب آخر متوجّه إلى خصوص الجاهل بالخطاب الأول ، ليعلم أنّه لم يرفع يده عن تكليفه ، وأنّه فعليّ حتّى بالنسبة إلى الجاهل ، وحينئذ فمن الجائز كما في المقام تخصيص ذلك الدليل بالنسبة إلى بعض الموارد كما في المقام ، ومسألة القصر والاتمام كما هو غير خفيّ .
ثم إنّه يرد على ما أفاده في المصباح من الجواب المتقدّم ، إنّه مع قيام مصلحة ملزمة بنفس الصلاة أيضاً لابدّ أن تكون هي بنفسها متعلّقة للوجوب ، فيكون هنا وجوبان لا وجوب واحد ، مع أنّه بناءً عليه لا وجه لتمامية صلاة الجاهل التي دلّت عليها صحيحة زرارة المتقدمة ، لأنّه بعدما كانت المصلحة القائمة بالطبيعة المقيّدة فائتة مع الإتيان بأصل الطبيعة ، لا يبقى وجه لتمامية صلاته الظاهرة في عدم الفرق بينه وبين العالم كما هو واضح .

(1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 316 .

(الصفحة204)


المسألة الثالثة : الجهر بالبسملة في الصلوات الإخفاتيّة


لا إشكال في وجوب الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية ، لما عرفت من جزئيتها للسورة التي أمر بالاجهار بها فيها(1) ، وأمّا الجهر بها في الصلوات الاخفاتية ففي وجوبه مطلقاً ، أو استحبابه كذلك ، أو وجوبه في خصوص الركعتين الاُوليين ، أو استحبابه كذلك ، أو استحبابه بالنسبة إلى خصوص الإمام وجوه وأقوال :
نسب الأول إلى القاضي بن البراج في المهذب ، وإلى ظاهر الصدوق في الخصال(2) . والثاني إلى المشهور على ما ادّعاه غير واحد(3) . والثالث إلى أبي الصلاح في الكافي(4) . والرابع إلى الحلّي(5) . والخامس إلى ابن الجنيد(6) .
ومستند المسألة أخبار كثيرة وردت في المقام .
منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن صفوان قال : صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام) أيّاماً فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم

(1) الخلاف 1: 331 مسألة 83 ; الغنية: 78 ; السرائر 1: 218; المنتهى 1 : 278; تذكرة الفقهاء 3: 152 مسألة 237.
(2) المهذّب 1 : 92; الخصال : 604 .
(3) الخلاف 1: 331; تذكرة الفقهاء 3: 152; المنتهى 1 : 278; جامع المقاصد 2: 268; مدارك الأحكام 3: 360; مستند الشيعة 5 : 170 ; جواهر الكلام 9 : 385; كشف اللثام 4 : 46 .
(4) الكافي في الفقه : 117 .
(5) السرائر 1 : 218 .
(6) المختلف 2 : 155 عنه .

(الصفحة205)

الله الرحمن الرحيم، وأخفى ما سوى ذلك(1) .
ورواه في الوسائل عن الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، ولكن لابدّ حينئذ من الالتزام بأنّ السند مقلوب ، لأنّ عبدالرحمن من صغار الطبقة السادسة ، وهو من كبارها ، ولا يروي هو عنه ، والدليل على ذلك أنّ السند على ما في التهذيب موافق لما ذكرنا ، كما أنّه رواه في الوسائل أيضاً بهذا النحو في غير هذا الباب(2) .
وروى في الوسائل نظير هذه الرواية عن الكليني بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن صفوان الجمال قال : «صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام)أيّاماً، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان يجهر في السورتين جميعاً»(3). ولكن المراد بصفوان في الرواية الأولى هو صفوان بن يحيى وفي هذه الرواية هو صفوان بن مهران ، وكيف كان فمدلول الروايتين هو أنّ الإمام جهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية ، ولكن لا يستفاد منهما أنّ ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ ، لأنّ الفعل يحتملهما ، كما أنّه لا يستفاد منهما الاطلاق بالنسبة إلى غير إمام الجماعة ، لأنّ موردهما هذه الصورة .
ومنها : رواية حنّان بن سدير قال : صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام)، فتعوّذ بإجهار ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم(4) .
هذا، ولا يستفاد منها الاطلاق بالنسبة إلى الصلوات الاخفاتية ، لإمكان اختصاص ذلك بالصلوات الجهرية ، كما أنّه لا دلالة لها على الإطلاق بالنسبة إلى

(1) التهذيب 2: 68 ح246; الاستبصار 1 : 310 ح1154; الوسائل 6: 134. أبواب القراءة في الصلاة ب57 ح2 .
(2) الوسائل : 6 / 57. أبواب القراءة في الصلاة ب11 ح1.
(3) الكافي 3 : 315 ح20; الوسائل 6 : 74 . أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح1.
(4) التهذيب 2: 289 ح1158; قرب الإسناد: 115 ح423; الوسائل 6: 75. أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح3.

(الصفحة206)

غير إمام الجماعة .
ومنها : رواية أبي حمزة قال : قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): «يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول : هل ذكر ربّه؟ فإن قال : نعم، ذهب وإن قال : لا ، ركب على كتفيه، فكان إمام القوم حتّى ينصرفوا»، قال : فقلت : جُعلت فداك أليس يقرؤون القرآن؟ قال : «بلى، ليس حيث تذهب يا ثمالي، إنما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(1) . ولكنّها مضافاً إلى اشتمال سندها على الارسال بإبهام الواسطة لا دلالة فيها على غير إمام الجماعة ، مع أنّ شمولها للصلوات الاخفاتية محلّ نظر بل منع ، لما سيجيء .
ومنها : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال : «والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب»(2) . واطلاقها بالنسبة إلى الصلوات الاخفاتية غير ثابت ، لاحتمال الاختصاص بالصلوات الجهرية .
وتوهّم أنّ الاجهار بالبسملة فيها لم يكن يحتاج إلى البيان لوضوحه ، مندفع بالاختلاف فيه أيضاً من كثير من علماء العامة ، ولا بأس بنقل عبارة الخلاف هنا ليظهر ثبوت الاختلاف في الصلوات الجهرية أيضاً بين المسلمين .
قال في الخلاف : يجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الحمد وفي كلّ سورة بعدها ، كما يجب بالقراءة ، هذا فيما يجب الجهر فيه ، فإن كانت الصلاة لا يجهر فيها استحبّ أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وإن جمع في النوافل بين سور كثيرة وجب أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع كلّ سورة ، وهو مذهب الشافعي ، إلاّ أنّه لم يذكر استحباب الجهر فيما يسرّ فيه بالقراءة ، ذكر ذلك في البويطي وفي اختلاف

(1) التهذيب 2: 290 ح1162; الوسائل 6: 75 . أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح4.
(2) الخصال : 604 ; الوسائل 6: 75. أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح5.

(الصفحة207)

العراقيين، وذكر ابن المنذر عن عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير ، إنّهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وروي مثل ذلك عن ابن عمر أنّه كان لايدع الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في أُمّ القرآن ، والسورة التي بعدها .
وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو عبيدة وأحمد إلى أنّه يسرّ بها ، وقال مالك : المستحبّ أن لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويفتتح القراءة بالحمد لله ربّ العالمين(1). ثم قال : دليلنا إجماع الفرقة، فإنّهم لا يختلفون في ذلك. ثم نقل رواية صفوان .
أقول : هذه العبارة كما ترى صريحة في وقوع الاختلاف في الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية أيضاً ، وأنّ القائل بالوجوب من العامة هو الشافعي فقط ، نعم كان عمل بعضهم أيضاً على الجهر ، كما حكاه ابن المنذر، وروي عن ابن عمر، وأمّا أبو حنيفة وسفيان والأوزاعي وأبو عبيدة فكلّهم قائلون بالاسرار بها في جميع الصلوات ، وقال مالك باستحباب تركها رأساً ، ومع ثبوت هذا الاختلاف خصوصاً مع ذهاب جلّهم إلى الاسرار في الصلوات الجهرية أيضاً ، لا يبقى مجال للاطمئنان باطلاق مثل الرواية ، لو لم نقل بأنّ ذلك يوجب الانصراف إلى خصوص الصلوات الجهرية ، إذ هي التي كان الجهر بالبسملة فيها واجباً عند الأئمة(عليهم السلام)  ، وكانوا بصدد بيانها نوعاً ، في قبال العامة الذين ذهب أكثرهم إلى نفي الوجوب ، بل إلى وجوب الاسرار .
ومنها : رواية رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا(عليه السلام) أنّه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار(2) . وهذه الرواية وإن كانت صريحة في الجهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية أيضاً ، إلاّ أنّه حيث كانت حكاية لفعل

(1) الخلاف1: 331 ـ 332 مسألة83; المجموع3: 341 ـ 342; المغني لابن قدامة1: 341 ـ 478; المحلّى3: 252.
(2) عيون اخبار الرضا(عليه السلام) 2 : 182; الوسائل 6: 76. أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح7 .

(الصفحة208)

الإمام(عليه السلام) ، ومن المعلوم أنّ الفعل لا يكون له اطلاق كالقول ، إذ لا يقع إلاّ على وجه واحد ، فاطلاقها بالنسبة إلى غير إمام الجماعة كما توهّم باطل ، لا مجال لدعواه ، فلا يستفاد منها الاجهار حتّى بالنسبة إلى المنفرد ، إذ لعلّه كان يصلّي جماعة .
ومنها : رواية سليم بن قيس المروية في روضة الكافي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)في خطبة طويلة مشتملة على أحداث الولاة الذين كانوا قبله إلى أن قال : «وأمرت [الناس] بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(1) . والظاهر اختصاصها بحال الصلاة إلاّ أنّه بملاحظة ما ذكرنا يظهر اختصاصها بالصلوات الجهرية التي كان بناؤهم على الاسرار فيها .
ومنها : ما ورد من أنّ الجهر بالبسملة من علائم المؤمن(2) ، ودلالته على الجهر بها في الصلوات الاخفاتية ممنوعة كما عرفت .
ومنها : خبر فضل بن شاذان المرويّ في محكيّ العيون عن الرضا(عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال : «والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنّة»(3) . وهذه الرواية ظاهرة بل صريحة في عدم الاختصاص بالصلوات الجهرية ، ولكنّ المراد بالسّنة هي المطابقة لعمل النبي(صلى الله عليه وآله)  ، فلا ينافي الاستحباب في خصوص الصلوات الاخفاتية ، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين المنفرد والإمام ، وقد عرفت أنّ ما كان من الروايات مشتملة على حكاية فعل الإمام(عليه السلام) لا إطلاق لها بالنسبة إلى المنفرد ، بل مورد بعضها هو الاجهار في الجماعة ، ولكن لا يستفاد منها الاختصاص بهذه الصورة ، فالأظهر ما ذهب إليه المشهور .
ثم إنّ ذلك فيما لو وجب الاخفات بالأصالة ، وأمّا لو وجب لعارض الجماعة

(1) روضة الكافي : 61 ح21; الوسائل 1: 458. أبواب الوضوء ب38 ح3.
(2) مصباح المتهجّد : 551; بحار الأنوار 82 : 75 .
(3) عيون اخبار الرضا(عليه السلام) 2 : 123; الوسائل 6 : 76 . أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح6 .

(الصفحة209)

كالمأموم المسبوق ، فهل يستحبّ له الجهر بالبسملة أيضاً؟ الظاهر العدم ، لعدم ثبوت اطلاق للرواية بالنسبة إلى هذه الجهة ، بل المقصود منها بيان ما هو وظيفة المصلّي مع قطع النظر عن حال الايتمام المؤثر في اختلاف تكليفه ، مضافاً إلى عموم قوله(عليه السلام)  : «لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه شيئاً ممّا يقول»(1) ، وإلى أنّ وضع الجماعة التي بناؤها على متابعة الإمام الذي هو بمنزلة الرئيس للمأمومين ، وعدم المزاحمة معه ، يقتضي ذلك ، وإلى أنّ سقوط الجهر في موارد وجوبه يقتضي سقوطه في موارد ندبه بطريق أولى كما لا يخفى .

المسألة الرابعة : عدم وجوب الجهر على النساء


قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ وجوب الجهر في مواضعه إنما يختصّ بالرجال ، وأمّا النساء فليس عليهنّ جهر ، والدليل على ذلك ـ مضافاً إلى أنّ ما هو العمدة في إثبات وجوب الجهر ، وهو سيرة المسلمين من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك ، لا يشمل النساء كما هو واضح ـ صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) المروية في قرب الإسناد لعبدالله بن جعفر قال : وسألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال : «لا إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»(2) .
وكلمة «تسمع» إمّا من باب الإفعال فيصير معناه حينئذ بقدر إسماعها قراءتها ، وإمّا مبنيّ للمفعول، والظاهر سماع المأمومات قراءتها ، وأمّا احتمال أن يكون مبنياً للفاعل بحيث يكون معناه سماع نفسها قراءتها ، كما حكي عن

(1) التهذيب 3 : 49 ح170; الوسائل 8 : 396 . أبواب صلاة الجماعة ب52 ح3.
(2) قرب الاسناد : 186 ح853 ; الوسائل 6: 95. أبواب القراءة في الصلاة ب31 ذ ح3.

(الصفحة210)

الحدائق(1) ، فهو خلاف الظاهر كما لا يخفى .
هذا ، ويدلّ على حكم إمامة المرأة للنساء روايتان .
إحداهما : رواية عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال : «بقدر ما تسمع»(2) .
والاُخرى : صحيحة اُخرى لعليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال : «قدر ما تسمع»(3) . والمراد بالجواب في هاتين الروايتين هو ما عرفت في الرواية الأولى .
وكيف كان فمدلول الرواية الأولى عدم وجوب الجهر على النساء في الصلوات الجهرية ، ومدلول الروايات الثلاث جواز الجهر فيما إذا أمت النساء بقدر ما تسمع قراءتها المأمومات، لا جميعهنّ بل من قربت منهنّ إليها ، كما في الرجل إذا أمّ .
ثم إنّ جواز الجهر لها في موضعه ممّا لا إشكال فيه ، فيما إذا لم يسمع صوتها الأجنبيّ ، وأمّا إذا سمع صوتها مع العلم بأنّه يسمع ، فإن قلنا بحرمة إسماعها صوتها إيّاه مطلقاً، فالظاهر بطلان صلاتها، وإن قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي كما هو التحقيق(4)، لأنّ ذلك لا يصحّح العبادة كما عرفت مراراً ، وإن لم نقل بذلك فلا وجه لبطلانها .
نعم لو كان صوتها مشتملا على التلذّذ والريبة ، فالظاهر البطلان لحرمة

(1) الحدائق 8 : 142 .
(2) التهذيب 3 : 267 ح760 ; الوسائل 6 : 94 . أبواب القراءة في الصلاة ب31 ح1.
(3) التهذيب 3: 267 ح761; قرب الإسناد : 186 ح852 ; الوسائل 6: 95. أبواب القراءة في الصلاة ب31 ح2.
(4) نهاية الاُصول : 259 .

(الصفحة211)

إسماعها حينئذ بلا إشكال. هذا كلّه في الصلوات الجهرية ، وأمّا الاخفاتية منها فالظاهر تعيّن الاخفات عليهنّ كالرجال ، لأنّ التخيير إنما هو في خصوص الجهرية كما عرفت .

المسألة الخامسة : استحباب الاستعاذة أمام القراءة


تستحب الاستعاذة أمام القراءة في خصوص الركعة الأولى ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الاجماع(1) ، وورود الأمر بها عند قراءة القرآن في الكتاب العزيز(2)الشامل لحال الصلاة وغيره ، ـ جملة من الأخبار :
منها : رواية حنان بن سدير قال : «صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام)، فتعوّذ بإجهار ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(3) .
وغير ذلك من الأخبار الدالة عليه(4) ، المختلفة في صيغة الاستعاذة ، ولكن الظاهر حصول امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بها بجميعها ، بل بغيرها من الصيغ غير المذكورة فيها كما لا يخفى . هذا ، والمشهور بينهم هو استحباب الاخفات بالاستعاذة ، ولو في الصلوات الجهرية(5) ، وحكي عن الخلاف(6) دعوى الاجماع عليه ورواية حنان بن سدير حملت على الجواز ولا بأس به .

(1) الخلاف 1: 324 مسألة 76; مجمع البيان 3: 385; الذكرى 3: 330; المنتهى 1 : 269; جامع المقاصد 2: 271; مستند الشيعة 5 : 173; جواهر الكلام 9 : 420; كشف اللثام 4 : 52 .
(2) النحل: 98. ( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرّجيم) .
(3) التهذيب 2 : 289 ح1158; الوسائل 6 : 134 . أبواب القراءة في الصلاة ب57 ح4 .
(4) راجع الوسائل 6 : 135 بقية أحاديث الباب .
(5) مستند الشيعة 5: 175; الحدائق 8 : 164; رياض المسائل 3: 406; مفتاح الكرامة 2 : 399 .
(6) الخلاف 1 : 326 مسألة 79 .

(الصفحة212)


المسألة السادسة : اعتبار الموالاة بين أجزاء القراءة


المعروف بين المتأخّرين اعتبار الموالاة في أجزاء القراءة في صحتها(1) ، بحيث لو أخلّ بها يجب عليه استئناف القراءة وإعادتها ، ولكنّ القدماء من الأصحاب لم يظهر منهم اعتبارها ، على ما يشهد به التتبّع في كتبهم الموضوعة لنقل فتاوى الأئمة(عليهم السلام)(2) .
نعم ربما يظهر ذلك من الشيخ في كتاب المبسوط الذي صنّفه لبيان الفروعات التي يستخرج حكمها من الأصول الصادرة عنهم(عليه السلام)  ، على خلاف النهج المتعارف بين علماء الإمامية في ذلك الزمان في مقام التأليف والتصنيف .
قال فيه تفريعاً على وجوب الترتيب بين آيات الحمد ما هذا لفظه:
فإن قرأ من خلالها آية أو آيتين من غيرها ساهياً ، أتمّ قراءتها من حيث انتهى إليه حتى يرتّبها ، فإن وقف في خلالها ساعة ثم ذكر مضى على قراءته . ثم قال : وإن قرأ متعمّداً في خلالها من غيرها ، وجب عليه أن يستأنفها من أوّلها(3) . انتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره)  .
فإنّ حكمه بوجوب استئناف القراءة من أوّلها ، فيما لو قرأ عمداً في خلال القراءة من غيرها ، ليس إلاّ من جهة اعتبار التوالي بين أجزاؤها ، إذ ليس المراد هو ما إذا قرأ متعمّداً من غير القراءة بعنوان أنّه منها حتى يكون البطلان مستنداً إليه ،

(1) نهاية الاحكام 1 : 463; الذكرى 3 : 310; مفاتيح الشرائع 1: 129; جواهر الكلام 10 : 11 ; مستند الشيعة: 125; كشف اللثام 4: 44.
(2) مثل المقنعة والهداية والنهاية والوسيلة والمراسم والمهذّب.
(3) المبسوط 1 : 105 .

(الصفحة213)

لأنّه مضافاً إلى ندرة الفرض ، يكون مقتضى ذلك بطلان أصل الصلاة ، لا وجوب استئناف القراءة فقط كما لا يخفى .
وكيف كان فقد استدلّ على اعتبار التوالي في صحة القراءة بقوله(صلى الله عليه وآله)  : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»(1) . وفيه أنّ استفادة مثل هذه الاُمور الجارية مجرى العادة من مثله ممنوعة . مضافاً إلى أنّه لو دلّ لكان مقتضاه بطلان أصل الصلاة بالاخلال به ، لا بطلان خصوص القراءة ووجوب استئنافها .
هذا ، وذكر في المصباح في وجه ذلك ، أنّ المتبادر من أوامر القراءة في الصلاة ولو بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن ، هو الإتيان بمجموع القراءة في ضمن فرد من القراءة ، بحيث يعدّ في العرف مجموعها قراءة واحدة ، مع حفظ صورتها التي بها تتقوّم ماهية القرآنية التي هي قوام المأمور به ، فالفصل الطويل المنافي لصدق وحدة القراءة عرفاً أو مزج كلمات خارجية منافية لحفظ الصورة مخلّ بصحتها(2) . انتهى .
ولا يخفى أنّ دعوى تبادر ذلك ممنوعة جدّاً ، ألا ترى أنّه لو نذر قراءة سورة ، فهل يجب عليه أن يقرأها بنحو التوالي بحيث لو قرأ نصفها مثلا ، ثم اشتغل بعمل آخر ، ثم قرأ نصفها الآخر ، لما تحقق برّ نذره ، والمعلوم خلافه على ما يشهد به مراجعة المتشرّعة في أمثال ذلك .
وبالجملة: فلزوم كون القراءة قراءة واحدة ، ممّا لم يدلّ عليه دليل .
نعم لا ننكر اعتبار التوالي بين أجزاء القراءة ، بما يعتبر بين القراءة وسائر أجزاء الصلاة ، ولكنّه معتبر في نفس الصلاة ، ولا يتحقّق الاخلال به بمثل قراءة آية قصيرة أو آيتين كذلك ، وامّا اعتباره في نفس القراءة ـ بحيث كان الاخلال به مضرّاً

(1) صحيح البخاري : 1 / كتاب الاذان: 176; سنن الدارقطني 1 : 220 .
(2) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 313 المسألة الثانية .

(الصفحة214)

بصدقها ، لا بصدق أصل الصلاة ، ولا محالة تكون دائرته حينئذ أضيق من دائرة التوالي المعتبر في الصلاة ـ فلم نعلم له مستنداً ، وما تقدّم غير صالح لاثبات هذا المعنى كما عرفت .
هذا ، ولا ننكر أيضاً اعتبار التوالي بين أجزاء كلمة واحدة أو كلام واحد ، لأنّ صدق تلك الكلمة يتوقّف على التكلّم بحروفها متوالية ، إذ مع التوقّف في خلالها لاتتحقّق الكلمة ، كما أنّ صدق الكلام يتوقّف على الإتيان بكلماته متوالية ، إلاّ أنّ ذلك معتبر في نفس الكلمة والكلام .
وبالجملة: فليس هنا ما يدلّ على اعتبار التوالي في صحة القراءة مع قطع النظر عن الموالاة المعتبرة في صحة الصلاة ، ومع قطع النظر عن التوالي المعتبر في صدق الكلمة والكلام فتدبّر .

المسألة السابعة : ما يعتبر في صحّة القراءة

يجب في قراءة الحمد والسورة مراعاة ما يعتبر في صحة التكلّم بالألفاظ العربية عند العرب ، بحيث يصدق عندهم أنّه قرأ الفاتحة وحينئذ فلو أخلّ بحرف واحد عمداً بطلت صلاته ، وفي حكمه الاخلال بالتشديد  ، لأنّ الإخلال به يرجع إلى الإخلال بحرف واحد ، لأنّه حادث من التقاء حرفين ، أوّلهما ساكن والآخر متحرّك ، والإخلال به يوجب اسقاط الحرف الساكن ، وكذلك تبطل الصلاة بالإخلال بالإعراب ، سواء كان مغيّراً للمعنى ، كما إذا قرأ التاء في أنعمت عليهم بالضمّ ، أو لم يكن موجباً له .
وأمّا ما ذكره علماء التجويد ، فأكثرها يعدّ من محسنات القراءة ، ولهذا سمّوا ذلك العلم باسم التجويد ، لا أنّه معتبر في صحتها ، والضابط ما عرفت من اعتبار

(الصفحة215)

أن تكون القراءة على نحو كانت عند العرب موصوفة بالصحة ، ولا يعتبر أن تكون كيفيّتها باللهجة العربية التي تكون مختصّة بهم ، ويتعسّر تحصيلها لغيرهم كما هو واضح .
ثم إنّ المتداول بين العرب في المحاورات ، الوقف في بعض الموارد ، والوصل في البعض الآخر ، كما هو كذلك في المتكلّمين بسائر اللغات ، إلاّ أنّ الوقف عندهم يوجب تغير الكلمة من حيث الهيئة ، بل المادّة في بعض الموارد .
ففي هذه الحالة قد يحذفون حركة آخر الكلمة ، سواء كانت حركة إعرابية ، أو بنائية ، وقد يكون الوقف عندهم بإبدال التنوين ألفاً ، كما في حال النصب، وقد يبدّلون الحرف الآخر ألفاً ، كما في مثل إذن ، لشباهتها بالمنوّن المنصوب ، كما أنّهم يبدّلون في حال الوقف تاء التأنيث هاءً ، وقد يلحقون الهاء بآخر الكلمة في تلك الحالة ، كما في نحو إرم ، حيث يقولون في حالة الوقف إرمه ، بالحاق الهاء بآخرها ، إلى غير ذلك من قواعد الوقف .
وحينئذ فيقع الكلام في أنّ هذه القواعد هل تعتبر في صحة القراءة ، أو أنّها من محسناتها ، ولا يضرّ الاخلال بها بصحتها عندهم ، وقد تعرّض لهذا الفرع المتأخرون من الفقهاء في كتبهم الفقهية الاستدلالية(1) ، ولم نعثر حتّى الآن على من تعرّض له من القدماء .
وكيف كان فقد جعلوا النزاع على ما هو ظاهر عباراتهم في الوقف بالحركة ، والوصل بالسكون ، مع أنّ الظاهر عدم الاختصاص ، فإنّ الغرض بيان حكم ما إذا خالف الطريقة المتداولة بين العرب في حالتي الوقف والوصل كما لايخفى .
وبالجملة: فالمسألة خلافية ، فالمحكيّ عن كاشف الغطاء الجواز فيهما(2) ،

(1) مسالك الأفهام 1: 203; رياض المسائل 3: 380; تذكرة الفقهاء 3: 140; المعتبر 2: 166; الذكرى 3: 304.
(2) كشف الغطاء: 236 .

(الصفحة216)

والمصرّح به في كلام جماعة عدم الجواز(1) ، بل عن المحدّث المجلسي أنّهما غير جائزين باتفاق القرّاء وأهل العربية(2) .
وصرّح الشيخ الأنصاري(قدس سره) في رسالة الصلاة ، التفصيل بين الوقف بالحركة والوصل بالسكون ، بجواز الأول دون الثاني ، قال في وجه ذلك ما هذه عبارته :
والأظهر أن يقال : أمّا الوصل بالسكون ، فالأقوى فيه عدم الجواز ، لأنّ الحركة في آخر الكلمة من قبيل الجزء الصوري ، فإذا وقف عليها سقطت ، لقيام الوقف مقامها في عرف العرب ، وعند القراء ، وأهل العربية ، وأمّا سقوطها مع الوصل ، فهو نقص للجزء الصوري ، ولا فرق بين حركات الأواخر وغيرها ، في أنّ ابدالها أو حذفها يوجب تغيير الجزء الصوري ... ، إلى أن قال : وأمّا الوقف على الحركة فلا دليل على منعه ، عدا ما يستفاد من حكم القرّاء بلزوم حذف الحركة ، وقد عرفت عدم وجوب ما يلتزمونه(3) . انتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره)  .
ويمكن أن يستدلّ للقول بالجواز فيهما ، بأنّ الوقف في موضعه ليس تابعاً للانفصال الواقعي ، وكذا الوصل في محلّه ، فإنّه أيضاً لا يكون تابعاً للاتّصال الواقعي ، بل إنما هما أمران تابعان لإرادة المتكلّم ، فإنّ المتكلّم المشتغل بالتكلّم قد يريد الوقف على موضع من كلامه للتنفس أو الاستراحة  ، أو لغيرهما من الاُمور الاُخر ، وقد لا يريد ذلك ، بل يأتي بجملات كلامه متّصلا  .
وحينئذ فنقول : إذا أراد المتكلّم الوقف على كلمة ، فحذف حركة آخرها ، ثم بدا له الوصل ، فهل يستأنف تلك الكلمة ويأتي بها ثانياً مع عدم حذف الحركة ، أو يأتي بسائر الكلمات من دون استئناف ، فعلى القول بالمنع لابدّ من القول بوجوب

(1) المعتبر 2: 181; مجمع البيان 9: 377 ـ 378; جواهر الكلام 9: 299; كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري: 142.
(2) بحار الأنوار 82 : 8 . حكاه عن والده (رحمه الله) .
(3) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري(رحمه الله)  : 142 .

(الصفحة217)

الإتيان بها ثانياً ، مع أنّ الظاهر خلافه ، كما يظهر بمراجعة محاوراتهم .
كما أنّ لازمه القول بوجوبه ، فيما إذا أراد المتكلّم الوصل ، فأتى بحركة آخر الكلمة ، ثم بداله الوقف فوقف ، فإنّه وقف على الحركة ، ولا يجوز بناءً على هذا القول ، إذ لا فرق بين نية الخلاف في الابتداء وعدمها ، لأنّ مرجع عدم الجواز إلى بطلان القراءة في الصورتين ، وهو لا فرق فيه بين المقامين كما هو واضح .
وكيف كان ، فالظاهر إنّه لا دليل على بطلان القراءة بسبب الوقف بالحركة أو الوصل بالسكون ، واتفاق القراء وأهل العربية لا يثبت اللزوم الشرعي ، نعم الأحوط ذلك في خصوص ما إذا أراد الوقف على كلمة ، فوقف عليها مع الاتيان بحركة آخرها ، وكذا في الوصل ، أمّا إذا أراد الوصل فوقف لعروض البداء أو مانع عنه كالتنحنح وغيره ، أو أراد الوقف فوصل كذلك ، فالظاهر الجواز من دون مراعاة الاحتياط بالاستئناف كما لا يخفى .
هذا ، وممّا حكم القراء بلزومه في القراءة المدّ ، وهو على قسمين : المتّصل والمنفصل(1) ، والمراد بالأول ما كان حرف المدّ الذي هو عبارة عن الألف التي كان قبلها مفتوحاً ، والواو التي كان قبلها مضموماً ، والياء التي كان قبلها مكسوراً ، وموجبه الذي هو السكون أو الهمزة في كلمة واحدة ، وبالثاني ما كان كلاهما في كلمتين ، وقد اتّفق القرّاء على لزومه ، خصوصاً المدّ المتّصل ، سيّما إذا كانت الهمزة واقعة بعد حرف المدّ ، أو كان السكون لازماً لا عارضاً لأجل الوقف ، وأقصى ما استدلّوا به هو ما رووه عن رجل، عن ابن مسعود حين قرأ عليه قوله :{إنما الصدقات للفقراء والمساكين}(2) بدون المدّ ، فقرأ عليه ابن مسعود مع المدّ ، ثم قال

(1) الاتقان في علوم القرآن 1 : 334.
(2) التوبة: 60 .

(الصفحة218)

هكذا : أقرأني رسول الله(صلى الله عليه وآله) (1) ، وهو على تقدير دلالته لا يدلّ على أزيد من المدّ في نحو الآية ، وهو اجتماع الألف مع الهمزة والياء مع السكون ، ولكنّه لا دلالة له على الوجوب ، فإنّه يمكن أن تكون قراءة النبي(صلى الله عليه وآله) كذلك ، لكونه مستحسناً ، لا لاعتباره في صحة القراءة ، مضافاً إلى أنّ ملاحظة المحاورات تقضي بخلاف ذلك كما لايخفى .
وأمّا الادغام فهو أيضاً على قسمين : الصغير والكبير(2) ، والمراد بالأول ما إذا كان أحد المتماثلين أو المتقاربين أو المتجانسين ساكناً ، وبالثاني ما كان كلّ منهما متحرّكاً نحو :{ما سلككم في سقر}(3) و{ألم نخلقكم}(4) والمراد بالتقارب التقارب في المخرج ، وبالتجانس الاتحاد في المخرج مع الاختلاف في الصفة كالتاء والطاء .
ثم إنّ الادغام الصغير في المتماثلين لعلّه كان ضرورياً للنطق ، فلا وجه للنزاع في لزومه ، وأمّا غيره فلا دليل على لزومه ، وقد حكي عن حمزة أنّه كره الادغام في الصلاة(5)، وعن جماعة تركه في مطلق قراءة القرآن(6) ، ولكن ظاهر الباقين هو اللزوم في الادغام الصغير ، وأمّا الكبير فظاهر ابن مالك في الألفية(7) ، لزومه في المتماثلين في كلمة واحدة ، نحو ما سلككم ، ولكنّه لا دليل عليه بعد مساعدة المحاورات على الخلاف .

(1) الاتقان في علوم القرآن 1 : 333 .
(2) الاتقان في علوم القرآن 1 : 323 و328 .
(3) المدّثر: 42 .
(4) المرسلات : 20 .
(5 و 6) الاتقان في علوم القرآن 1 : 331 .
(7) ألفيّة ابن مالك : 149; وهو هذا الشعر :
وفَكُّ أفعِل في التعجّب التُزمْ *** والتُزِمَ الإدغام ايضاً في هَلُمّ

(الصفحة219)

ثم إنّ ممّا تعرّضوا له بالخصوص ، هو اجتماع التنوين أو النون الساكنة مع حروف يرملون ، وذكروا أنّ النون إذا وقع بعده أحد حروف الحلق ، فاللاّزم اظهاره ، وإذا وقع بعده الباء ، فاللاّزم قلبه ميماً ثم ادغامه في الباء ، وإذا وقع بعده أحد حروف يرملون فاللازم الادغام فيه ، وإذا وقع بعده سائر الحروف ، فحكمه الاخفاء وهو حالة بين الاظهار والادغام  .
أقول : أمّا المورد الذي يجب فيه الاظهار ، فالحكم فيه مطابق للقاعدة ، وأمّا وجوب القلب إلى الميم أو الاخفاء فلا دليل عليه ، نعم الأحوط مراعاة الادغام إذا كان بعدهما أحد حروف يرملون ، كما أنّ الأحوط مراعاة الغنة في الميم والنون ، ولا بأس بتركها في الواو والياء أيضاً .
ثم إنّه لا يلزم مراعاة مخارج الحروف التي عيّنها القرّاء ، بل الواجب كما عرفت في صدر المسألة هو صحة القراءة عند العرب ، نعم الأحسن مراعاتها كسائر ما ذكره علماء التجويد .

المسألة الثامنة : وجوب التعلّم على من لا يحسن القراءة

يجب على من لا يحسن الفاتحة أصلا التعلّم ، على ما ذكره الأصحاب(1) ، وحكي عن المعتبر والذكرى دعوى الاجماع عليه(2) ، وظاهرهم وجوبه عليه عيناً لا تخييراً بينه وبين الائتمام ، وصرّح بذلك في محكيّ كشف الغطاء(3) ، وأنّه لو تركه

(1) المنتهى 1 : 272; نهاية الأحكام 1: 473; مسالك الأفهام 1: 204; مدارك الأحكام 3: 342; رياض المسائل 3: 382; مستند الشيعة 5: 82 ; جواهر الكلام 9: 300.
(2) المعتبر 2: 169; الذكرى 3: 310 .
(3) كشف الغطاء: 236 .

(الصفحة220)

وائتمّ أثم وصحت صلاته ، وظاهر الجواهر اختياره(1) .
ولكن لا دليل على ذلك ، لأنّ التعلّم لا يكون واجباً إلاّ مقدّمة للإتيان بالمأمور به ، وهي الصلاة المشتملة على قراءة الفاتحة ، وحينئذ فإذا فرض سقوط وجوبها في بعض الموارد لأجل الائتمام مثلا ، فلا وجه لوجوب التعلّم عليه مطلقاً ، بل الظاهر التخيير بينه وبين الائتمام ، نعم لو عجز عن الثاني يتعيّن عليه الأول، كما هو الشأن في جميع الواجبات التخييرية، التي عجزت عن الإتيان ببعض أطرافها .
وظاهر الأصحاب وإن كان ما ذكرنا من ايجابه تعييناً ، إلاّ أنّ الظاهر كون مرادهم ذلك لعدم الدليل على وجوب التعلّم مطلقاً ، وصرّح بذلك في المصابيح حيث قال فيما حكي عنه :
وظاهر الأصحاب وجوب التعلّم ، وإن أمكنه الاقتداء والقراءة في المكتوب ، بل صرّح بعضهم بترتّبها على العجز عنه . قال : وفيه أنّ وجوب التعلّم ليس إلاّ لتوقّف العبادة عليه ، ومتى أمكن الإتيان بها بدونه لم يجب ، فإن ثبت الاجماع ، كما في المعتبر والذكرى ، وإلاّ اتّجه القول بنفي الوجوب لانتفاء ما يدلّ عليه(2) . انتهى .
هذا فيما إذا دخل الوقت ، وأمّا قبل دخوله فكذلك يجب عليه التعلّم مقدّمة لثبوت الوجوب لذيها ، بناءً على القول بثبوت الواجب المعلّق ، كما هو التحقيق ، وأمّا بناءً على العدم فيمكن القول بوجوبه ، فيما إذا لم يقدر عليه في الوقت لحكم العقل بذلك كما لا يخفى .

(1) جواهر الكلام 9 : 300 ـ 301 .
(2) حكاه عنه في جواهر الكلام 9: 301.

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>