جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج2 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة381)

بينك وبين نفسك، ولا ترفع صوتك»(1).
5 ـ رواية محمد بن مسلم، أنّه سأل أبا جعفر(عليه السلام) عن الرجل يسلّم على القوم في الصلاة؟ فقال: «إذا سلّم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلّم عليه، تقول: السلام عليك، وأشر بإصبعك»(2).
6 ـ رواية عليّ بن جعفر(عليه السلام) عن أخيه قال: سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلّم عليه الرجل، هل يصلح له أن يردّ؟ قال: «نعم، يقول: السلام عليك، فيشير إليه بإصبعه»(3).
7 ـ ما عن الشهيد في الذكرى قال: وروى البزنطي عن الباقر(عليه السلام) قال: «إذا دخلت المسجد والناس يصلّون فسلّم عليهم، وإذا سلّم عليك فاردد، فإنّي أفعله، وإنّ عمّار بن ياسر مرّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يصلّي، فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فردّ عليه السلام»(4).
هذه هي الروايات الواردة في هذا الباب، ويقع الكلام فيها من جهات:
الاُولى: ظاهر أكثر الروايات المتقدّمة وجوب ردّ السلام، ومقتضى بعضها الجواز، ولكنّ المراد به هو الجواز بالمعنى الأعم المنطبق على الوجوب. نعم هنا رواية ظاهرة في الحرمة، وهي رواية مصدّق بن صدقة عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)قال: «لا تسلّموا على اليهود ولا النصارى ـ إلى أن قال : ـ ولا على المصلّي، وذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام...»(5). ولكنّها محمولة على التقية

(1) الفقيه 1: 240 ح 1064; التهذيب 2: 331 ح1365; الوسائل 7: 268. أبواب قواطع الصلاة ب16 ح4.
(2) الفقيه 1: 240 ح1063; السرائر 3: 604; الوسائل 7: 268. أبواب قواطع الصلاة ب16 ح5 .
(3) قرب الإسناد: 177 ح801 ; الوسائل 7: 269. أبواب قواطع الصلاة ب16 ح7.
(4) الذكرى 4 : 24; الوسائل 7 : 271 . أبواب قواطع الصلاة ب17 ح3 .
(5) الخصال: 84 4 ح 57; الوسائل 7: 27. أبواب قواطع الصلاة ب17 ح1.

(الصفحة382)

لموافقتها لفتاوى العامّة.
الثانية: مقتضى روايتي منصور وعمّار المتقدّمتين وجوب الردّ خفيّاً، بناءً على أن لا يكون المراد بقوله(عليه السلام) في رواية عمّار: «فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك». هو الردّ بالقلب كما يشهد له قوله: «ولا ترفع صوتك»، فإنّ الظاهر أنّ المراد هو القول خفيّاً، ولعلّ الوجه فيه هو أنّ العامّة حيث كانت فتاواهم متطابقة على التحريم، فلذا أمر الشيعة بالإخفاء لئلاّ يظهر أمرهم ويتبيّن مخالفتهم.
الثالثة: قد ورد في إحدى روايتي محمّد بن مسلم ورواية عليّ بن جعفر(عليه السلام)الأمر بالإشارة بالإصبع، ولكنّ الظاهر عدم كونه أمراً وجوبيّاً، لعدم توقّف الردّ عليه وبعد كونه واجباً نفسيّاً، ولعلّ الوجه فيه هو إعلام المسلّم بذلك لعدم إمكان التوجّه والإقبال في حال الصلاة، ويحتمل أن يحمل على التقية، لما عرفت من أنّ الشافعي أوجب الإشارة باليد في موضع من القديم.
الرابعة: مقتضى رواية منصور وإحدى روايتي محمّد بن مسلم وجوب ردّ السلام بمثل ما قيل له وكما قال; وهل المراد بالمماثلة، المماثلة من جميع الجهات من التعريف، والتنكير، والإفراد، والجمع، والتقديم، والتأخير، كما يشهد له إطلاق المماثلة في الروايتين، أو أنّ المراد بها المماثلة في خصوص التقديم والتأخير؟. كما ربما يدلّ على ذلك رواية سماعة الناهية عن الردّ بمثل «عليكم السلام»، لأنّ المتعارف بينهم في مقام السلام هو تقديم السلام، واعتبار المماثلة يقتضي تقديمه في مقام الجواب أيضاً.
وحينئذ، فالتعرّض لذلك انّما هو للتنبيه على أنّ كيفية الجواب في أثناء الصلاة تغاير الكيفية المتعارفة بينهم في مقام الجواب في غيرها من تقديم الظرف، والظاهر هو الوجه الثاني.
فما ورد في إحدى روايتي محمّد بن مسلم ورواية عليّ بن جعفر المتقدّمتين من

(الصفحة383)

أنّه يجب أن يقال: السلام عليك، إنّما يكون ذكره من باب كونه أحد الأفراد، والمقصود منه وجوب تقديم السلام على الظرف فقط، لا هو مع التعريف والإفراد كما لا يخفى. ثم إنّه يحتمل أن يكون المراد بالمثل هو المماثلة في كونه قولاً، فالمراد هو بيان وجوب الردّ قولاً كما في غير حال الصلاة، قبالاً للعامّة القائلين بحرمته كذلك، ولكن هذا الإحتمال بعيد.
هذا كلّه فيما يتعلّق بوجوب ردّ السلام في الصلاة. وأمّا الردّ من حيث هو فهو واجب شرعاً، ويدلّ عليه قوله تعالى:{وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها}(1) والتحية عبارة عن نوع خاصّ من التواضع، مستعمل لدى العرف عند ملاقات بعضهم لبعض، وقد كان متداولاً في زمان الجاهليّة أيضاً، وكان علامة لعدم كون المحيّي قاصداً للسوء بالنسبة إلى المحيّى.
وكيف كان، فهل هو عبارة عن مطلق الألفاظ المستعملة في ذلك المورد، أو أنّه يختصّ بخصوص صيغة السلام؟ حكي عن الطبرسي في مجمع البيان أنّه قال: التحية: السلام، يقال: حيّى تحيّة إذا سلّم(2)، ولكن المحكيّ عن بعض أهل اللغة أنّه إسم لمطلق الألفاظ التي تستعمل في ذلك المورد، سلاماً كان أو غيره ممّا هو بمنزلته(3). ويؤيّده ما عن الصدوق في الخصال عن أبي جعفر، عن آبائه، عن أمير المؤمنين(عليهم السلام)قال: «إذا عطس أحدكم فسمّتوه قولوا: يرحمكم الله، وهو يقول: يغفر الله لكم ويرحمكم، قال الله تعالى: (وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها)(4)».

(1) النساء : 86 .
(2) مجمع البيان 3: 84 .
(3) مجمع البحرين 1 : 608 مادّة حَ ىَ ىَ .
(4) الخصال: 633; الوسائل 12: 8 8 . أبواب احكام العشرة ب58 ح3 .

(الصفحة384)

هذا، ولكنّ الحكم بوجوب ردّ مطلق التحية استناداً الى الآية الشريفة في غاية الاشكال ،خصوصاً بعد وضوح أنّ السيرة المستمرّة بين المسلمين إنّما كانت على ردّ خصوص السلام، ولا يلتزمون بردّ سائر التحيّات; وأمّا الاستدلال في الرواية بالآية الشريفة فليس لأجل كون الدعاء بمثل يغفر الله لكم ويرحمكم من مصاديق التحية، بل كان ذكرها من باب الاستئناس للمناسبة بين الموردين.
ثمّ إنّه لو فرض عموم التحية وعدم اختصاصها بخصوص صيغ السلام لوجب حمل الأمر في الآية الشريفة على الاستحباب بالنسبة إلى غير تلك الصيغ، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى، لأنّ صيغة الأمر موضوعة لمجرّد إنشاء الطلب.
غاية الأمر أنّه مع عدم قيام قرينة على الإذن في الترك، لا يكون المأمور معذوراً في المخالفة عند العقلاء، وكان مستحقّاً للذمّ والعقاب كما حقّقناه في الاُصول.
فالأقوى وجوب ردّ خصوص صيغ السلام، كما أنّه لا خلاف فيه ظاهراً بين المسلمين، وقد عرفت فتاوى العامّة في باب الردّ في أثناء الصلاة، فإنّه يستفاد من مجموعها مفروغية وجوب الردّ بالقول في غير حال الصلاة، بل يستفاد من بعضها أنّ الردّ يكون حقّاً للمسلّم على المسلّم عليه فتدبّر.
هذا، وأمّا ما يدلّ من الروايات على وجوب ردّ السلام فهي رواية مصدّق بن صدقة المتقدّمة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)، ورواية السكوني عن أبي عبدالله(عليه السلام)(1)، الدالتان على انّ السلام من المسلّم تطوّع والردّ فريضة، وقد روي هذا المضمون من طريق العامّة عن بعض التابعين(2)، ولكنّ الطبري في تفسيره

(1) الكافي 2: 644 باب التسليم ح1; الوسائل 12: 58. أبواب أحكام العشرة ب33 ح3.
(2) الجامع لأحكام القرآن 5: 304; صحيح مسلم 13: 117 ب2 و118 ب3; صحيح البخاري 7: 163 ب1 ـ 7.

(الصفحة385)

الكبير استدلّ للوجوب بالآية الشريفة، وروى عن أبي الزبير أنّه قال: سمعت جابراً يقول: «ما رأيته إلاّ يوجبه قوله تعالى:{وإذا حيّيتم بتحيّة...}»(1).
ثمّ لا يخفى أنّه لو قطع النظر عمّا يدلّ على وجوب ردّ السلام من حيث هو، فلايمكن أن يستفاد ذلك من الروايات الواردة في الردّ في أثناء الصلاة، لأنّ كثيراً منها لا يدلّ إلاّ على مجرّد الجواز والصلاحيّة التي مرجعها إلى عدم كون الاشتغال بالصلاة مانعاً عن الردّ، وما يدلّ بظاهره على الوجوب كروايتي سماعة ومنصور وغيرهما لا يستفاد منها الوجوب بعد كونها بصدد الردّ على العامّة القائلين بالحرمة في الصلاة، لأنّ الأمر في مقام توهّم الحظر لا يدلّ على الوجوب.
وبالجملة: بعد كون المرتكز في أذهان المسلمين في ذلك الزمان هي الحرمة، لاشتهار الفتوى بها من المتصدّين للإفتاء ، لا يبقى للأمر ظهور في الوجوب ولايستفاد منه إلاّ مجرّد الجواز في مقابل الحرمة كما لا يخفى.
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من موارد وجوب ردّ السلام ما إذا كان المسلّم رجلاً بالغاً عاقلاً مسلماً قاصداً لمعنى السلام، مع كونه بإحدى الصيغ الأربع التي هي عبارة عن: «سلام عليك»، و«السلام عليك»، و«سلام عليكم»، و«السلام عليكم»، والظاهر عدم اعتبار قصد القربة في السلام في وجوب ردّه لعدم الدليل عليه، مضافاً إلى أنّ الحكمة في الحكم بوجوب الردّ، والفرق بينه وبين السلام، لأنّه لا يكون إلاّ مستحبّاً، وهي كون السكوت في مقام الردّ والامتناع عنه موجباً للعداوة والبغضاء، مع أنّ مقصود الشارع هو حصول الاُلفة والاُنس، والحكمة تقتضي تعميم الحكم بالوجوب لما إذا لم يكن السلام مقروناً بقصد القربة كما لا يخفى.

(1) جامع البيان 4 : 259 .

(الصفحة386)

هذا، ولو لم يكن المسلّم قاصداً لمعنى السلام لأجل أنّه لا يعرف معناه مثلاً حتى يقصده كأكثر الأعاجم، فهل يجب ردّه أم لا؟ الظاهر نعم، لحصول عنوان التحية بذلك، وكفاية كونه قاصداً لها إجمالاً وإن لم يعرف معناه بالخصوص.
ولو لم يكن السلام بإحدى الصيغ الأربع المتعارفة، كما إذا قدّم الظرف على السلام على خلاف ما هو المتعارف بينهم في مقام الابتداء بتحية الأحياء ففيه وجوه أربعة:
أحدها: القول بأنّه لا يجب ردّه أصلاً، وصرّح المحقّق في المعتبر بتحريم إجابته في حال الصلاة، بل يظهر منه تحريم الإجابة في غير سلام عليكم من الصيغ الأربع أيضاً، حيث أنّه قال: إذا قال: سلام عليكم ردّ مثل قوله سلام عليكم، ولايقول: وعليكم السلام.
وبعد نقل الفتاوى والروايات قال: فرعٌ: لو سلّم عليه بغير اللفظ المذكور لم يجز إجابته، نعم لو دعا له وكان مستحقّاً وقصد الدعاء لا ردّ السلام لم أمنع منه، لما ثبت من جواز الدعاء لنفسه ولغيره في أحوال الصلاة بالمباح(1). انتهى.
ثانيها: القول بوجوب ردّه مماثلاً في حال الصلاة; ذهب إليه صاحب الجواهر والمصباح(2).
ثالثها: ما حكي عن المسالك من أنّه يردّ بالسلام المعهود(3).
رابعها: التخيير بين الردّ بالمثل وبين الردّ بغيره. ولا يخفى أنّ منشأ هذه الوجوه الأربعة ملاحظة أمرين:
أحدهما: إنّ التحية بغير السلام، إمّا خارجة عن الآية الشريفة موضوعاً، بناءً

(1) المعتبر 2: 263 ـ 264 .
(2) جواهر الكلام 11: 114; مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 421.
(3) المسالك 1: 232.

(الصفحة387)

على ما ذكره الطبرسي، أو حكماً بناءً على ما ذكره بعض أهل اللّغة من عموم التحيّة لغير السلام، فهل السلام بغير إحدى الصيغ الأربع المتقدّمة أيضاًيكون كذلك أم  لا؟
ثانيهما: إنّ المماثلة في التقديم والتأخير المعتبرة في الردّ في حال الصلاة هل تكون معتبرة مطلقاً، أو تكون معتبرة في خصوص ما لو كان السلام بإحدى الصيغ الأربع؟ ولا ينافي الاحتمال الأوّل النهي عن عليكم السلام في موثّقة سماعة المتقدّمة، لأنّ موردها ما إذا كان السلام بإحداها، كما هو المتعارف في السلام الابتدائي في تحيّة الأحياء.
وبعبارة اُخرى هل المماثلة المذكورة في الروايتين معتبرة بعنوانها، سواء كان السلام بإحدى الصيغ المتعارفة أو بغيرها، أو أنّها كناية عن تقديم السلام على الظرف كما هو المتعارف في السلام، وهو الوجه في التعبير عنه بها؟
إذا عرفت ذلك فنقول : الوجه الأوّل يبتني على عدم شمول الآية الشريفة لهذا السلام، إمّا لاختصاص التحية المذكورة في الآية بغيره من الصيغ الأربع المتعارفة، وإمّا لانصرافها عنه، كما أنّ غيره من الوجوه الثلاثة يبتني على شمول الآية له أيضاً، والاختلاف بينها إنّما هو في الأمر الثاني.
فمنشأ ما عليه الجواهر والمصباح هو أنّ المماثلة المعتبرة في الردّ في حال الصلاة معتبرة بعنوانها، فلابدّ من مراعاتها نظراً إلى ما يدلّ على اعتبارها، كما أنّ ما حكي عن المسالك من لزوم تقديم السلام على الظرف مبنيّ على أن لا يكون عنوان المماثلة معتبراً، بل كانت هي كناية عن تقديم السلام على الظرف.
وحيث أنّ مورد الأدلة الدالة على اعتبار المماثلة هو السلام على النحو المتعارف، فلذا كني عن ذلك بعنوان المماثلة ، وإلاّ فالواجب مطلقاً هو تقديم السلام على الظرف، سواء كان بإحدى الصيغ الأربع المتعارفة أو بغيرها، وأمّا الاحتمال

(الصفحة388)

الأخير فيبتني على خروج المورد المفروض عن الأدلة الدالة على اعتبار المماثلة، لأنّ موردها خصوص ما إذا كان السلام بالنحو المتعارف، فليس هنا ما يدلّ على اعتبارها في المقام.
ثمّ إنّ الظاهر في الأمر الثاني هو كون عنوان المماثلة مأخوذاً بنحو الكناية عن تقديم السلام على الظرف، فالوجه الثاني من الوجوه الأربعة بعيد جدّاً. نعم يبقى الكلام في شمول الآية الشريفة لهذا النحو من السلام، والظاهر إطلاقها لصدق عنوان التحية عليه.


(الصفحة389)






القاطع الثامن:

الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة


قد ادّعى العلاّمة في المنتهى إتّفاق أهل العلم كافّة على بطلان الصلاة به(1)، وهذا يدلّ على كونه مورداً لاتفاق المسلمين، لأنّ التعبير بهذا إنّما هو في مثل تلك الموارد.
والمشهور بين الإمامية التقييد بما إذا فعل ذلك عمداً(2)، ويمكن أن يستكشف من قيام الشهرة المحقّقة على قاطعية هذا العنوان ثبوت نصّ معتبر دالّ على ذلك، وحينئذفلابدّمن الرجوع إلى العرف في تشخيص موضوع الكثرة المأخوذ في النصّ.
هذا، ولكن يستفاد من كلمات كثير من المتأخّرين أنّ المستند في ذلك ليس ثبوت نصّ دالّ بمنطوقه على قاطعية هذا العنوان، بل المناط في البطلان هو محو

(1) المنتهى 1 : 310 .
(2) المعتبر 2: 255; نهاية الأحكام 1: 521; تذكرة الفقهاء 3: 288 مسألة 328; جامع المقاصد 2: 350; مجمع الفائدة والبرهان 3: 69; كشف اللثام 4: 172; مستند الشيعة 7: 42; جواهر الكلام 11: 55 .

(الصفحة390)

صورة الصلاة، كما صرّح بذلك في المدارك، حيث قال: ولم أقف على رواية تدلّ بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير، لكن ينبغي أن يراد به ما ينمحي به صورة الصلاة بالكليّة، كما هو ظاهر المصنّف في المعتبر، اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق، وأن لا يفرق في بطلان الصلاة بين العمد والسهو(1). انتهى .
ولكن لا يخفى أنّه بناءً عليه لا يكون وجه للتعبير عن الفعل الماحي لصورة الصلاة بالفعل الكثير، كما أنّه لا يكون وجه للتفصيل بين صورتي السهو والعمد كما هو المشهور.
ثمّ إنّ هنا وجهاً آخر استدلّ به في المصباح، وهو معهودية التنافي لدى المتشرّعة من الصدر الأوّل بين الصلاة وسائر الأعمال الخارجية، بحيث يرون الفرق بين الصلاةوسائرالعبادات، وأنّه ليس في الصلاة عمل خارجيّ بخلاف غيرها من العبادات; ويدلّ على مغروسيّة هذا المعنى في أذهان المتشرّعة كثرة السؤال في الإخبار عن الأفعال الجزئية التي مسّت الحاجة إلى فعلها في أثناء الصلاة، كقتل القمل، والبق، والبرغوث، ونفخ موضع السجود، وتسوية الحصى، وغير ذلك(2).
والاستدلال بهذه الأخبار ليس من جهة الحكم بالجواز المذكور فيها فإنّ المناط في هذا الحكم الجامع بين موارد السؤال هو القلّة، فتدلّ بالمفهوم على كون الفعل الكثير مبطلاً في غاية الإشكال، بل مبنى الاستدلال بها على كون السؤال فيها مشعراً بمغروسية التنافي بين الصلاة وبين الأعمال الخارجية في أذهان المتشرّعة، ولذا صاروا بصدد السؤال عن حكم مثل الأفعال المذكورة فيها.
ويدلّ على التنافي بين الصلاة وبين الأعمال الخارجية، بعض ما ورد في التكفير

(1) مدارك الأحكام 3 : 466 .
(2) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 411 .

(الصفحة391)

ممّا يدلّ على أنّ التكفير عمل وليس في الصلاة عمل(1). فإنّ الظاهر أنّ المراد بالعمل هو العمل الخارجي الذي لا يكون من سنخ أفعال الصلاة، وحينئذ فيدلّ على بطلانها بفعل شيء خارج عن حقيقتها ولو كان قليلاً، فلابدّ من ورود دليل مخصّص حتّى يدلّ على الجواز في بعض الموارد.
ثمّ لا يخفى أنّ استكشاف النصّ في المسألة من الفتاوى مشكل، لأنّه لم يكن لها تعرّض في أكثر الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة(عليهم السلام)بعين الألفاظ الصادرة عنهم. نعم ذكر في المراسم في عداد ما يوجب التعمّد إليه بطلان الصلاة : وكلّ فعل كثير أباحت الشريعة قليله في الصلاة، أو كلّ فعل لم تبح الشريعة قليله ولا كثيره(2).
وقال في الوسيلة في بيان القواطع : أنّها تسعة أشياء: العمل الكثير ممّا ليس من أفعال الصلاة(3). وقال الشيخ في المبسوط الذي هو كتاب تفريعيّ له: ولا يفعل فعلاً كثيراً ليس من أفعال الصلاة(4). والظاهر أنّ هذا استنباط من تجويز الأفعال الجزئية في الشريعة، لا أن يكون بهذا العنوان ممّا قام عليه نصّ. ويؤيّده أنّه في كتاب النهاية ـ الموضوع لنقل الفتاوى المأثورة ـ إقتصر على ذكر موارد الجواز(5).
وكيف كان، فدعوى الإجماع على مبطلية الفعل الكثير بعنوانه كما عن العلاّمة وجماعة من المتأخّرين مما لا وجه لها بعد عدم وجود نصّ في المسألة، ولا ما يمكن أن يستكشف منه، فالأولى كما عرفت التمسّك لذلك بأنّ المغروس في أذهان المتشرّعة أنّه يعتبر في الصلاة التوجّه إلى الخالق المعبود بحيث ينافيه الاشتغال

(1) قرب الاسناد: 177 ح795; الوسائل 7: 266. أبواب قواطع الصلاة ب15 ح4.
(2) المراسم : 87 .
(3) الوسيلة : 97 .
(4) المبسوط 1: 117.
(5) النهاية: 93 .

(الصفحة392)

بالأعمال الخارجية التي لا تكون من سنخ أجزاء الصلاة. نعم لا بأس بالاشتغال بالأفعال الجزئية غير المنافية للتوجّه فتدبّر.

قاطعيّة الأكل والشرب

لا يخفى أنّه ليس هنا أيضاً ما يدلّ من النصوص على ذلك، نعم ربّما يستدلّ له بالرواية الواردة في جواز شرب الماء في صلاة الوتر لمن أصابه عطش، وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة، بشرط أن لا يكون موجباً للاستدبار(1)، نظراً إلى أنّ المستفاد منها أنّ هذا إنّما يكون على سبيل الإستثناء، فيدلّ على قاطعية الشرب في غير هذا المورد، ولكنّه كما ترى.
فالأولى الاستدلال له أيضاً بما عرفت في الفعل الكثير من مغروسية التنافي بين حقيقة الصلاة التي هي التوجّه ، وبين الاشتغال بغيرها من الأفعال الخارجية، ولكن هذا الاستدلال يقتضي بطلان الصلاة بهما إذا كانا منافيين للتوجّه، فلا بأس بما لا يكون منهما منافياً له، كأكل شيء صغير وبلع ما بقي بين الأسنان، وإن كان هذا يوجب البطلان في باب الصوم.
ثمّ إنّ قاطعية الأكل والشرب إنّما تكون مذكورة في كتب المحقّق والعلاّمة ومَن بعدهما من الفقهاء المتأخّرين(2)، وليس في كلمات القدماء منهم ـ خصوصاً في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة ـ تعرّض لها أصلاً.

(1) التهذيب 2: 329 ح 1354;الفقيه 1 : 313 ح1424; الوسائل 7: 279. أبواب قواطع الصلاة ب23 ح1 ، 2 .
(2) المعتبر 2: 259; قواعد الأحكام 1: 281; نهاية الاحكام 1: 522; الدروس 1: 185; مسالك الأفهام 1 : 228; كفاية الاحكام: 24; رياض المسائل 3: 518; مجمع الفائدة والبرهان 3: 77; جامع المقاصد 2: 351; مدارك الأحكام 3: 467; كشف اللثام 4: 178; مستند الشيعة 7: 49; جواهر الكلام 11: 77; الحدائق 9: 55.

(الصفحة393)

نعم، ذكر الشيخ في كتاب المبسوط في عداد القواطع: إنّ الأكل والشرب يفسدان الصلاة، وروي جواز شرب الماء في الصلاة النافلة، وما لا يمكن التحرّز منه مثل ما يخرج من بين الأسنان، فإنّه لا يفسد الصلاة ازدراده(1).
وقال في الخلاف: روي أنّ شرب الماء في النافلة لا بأس به، فأمّا الفريضة فلايجوز أن يأكل فيها ولا أن يشرب. وبهذا التفصيل قال سعيد بن جبير، وطاووس. وقال الشافعي: لا يجوز ذلك لا في نافلة ولا في فريضة(2) .
دليلنا: إنّ الأصل الإباحة، فمن منع فعليه الدليل، وإنّما منعنا في الفريضة بدلالة الاجماع. وأيضاً روى سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي أبيت وأُريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء فأشرب، وأكره أن أصبح وأنا عطشان، وأمامي قلّة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة؟ قال: «تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء»(3)،(4)
ولا يخفى أنّ الرواية الواردة في جواز شرب الماء إنّما وردت في خصوص صلاة الوتر مع الخصوصيّات المذكورة فيها، فقوله: روي أنّ شرب الماء...، مبنيّ على إلغاء الخصوصيّات وإسراء الحكم إلى مطلق النافلة. ويحتمل أن يكون مراده الجواز في النافلة في الجملة في مقابل الفريضة التي لا يجوز فيها الشرب أصلاً.
وكيف كان، فدعوى الإجماع في الخلاف على بطلان الفريضة بذلك مبتنية على ملاحظة فتاوى الفقهاء من المسلمين المتعرّضين لها، حيث إنّها متطابقة على المنع في الفريضة كما عرفت من كلامه، فلا يكون كاشفاً عن وجود نصّ دالّ على

(1) المبسوط 1 : 118 .
(2) المجموع 4 : 90 .
(3) الوسائل 7: 279. أبواب قواطع الصلاة ب23 ح1.
(4) الخلاف 1 : 413 مسألة 159 .

(الصفحة394)

كون ذلك مبطلاً في الفريضة.
ثمّ إنّ تعبير السائل في الرواية بقوله: «فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب». ربّما يشعر بعدم كون الشرب في نظره منافياً للتوجّه المعتبر في الصلاة، بل حيث يكون موجباً لقطع الدعاء الذي كان مشتغلاً به، فلذلك كرهه. وكيف كان فدعوى الاجماع في المسألة والاستدلال به ممّا لا وجه له، خصوصاً بعد ثبوت الاختلافات الكثيرة في فروعها، وفي كيفية الاستدلال لها، فإنّ جملة من أفاضل المتأخّرين كالعلاّمة والشهيدين(1) يرون الإبطال دائراً مدار صدق عنوان الفعل الكثير، فلا تبطل الصلاة بمسمّى الأكل والشرب.
نعم، جعل العلاّمة كما حكي عنه مطلق الأكل والشرب بانضمامها إلى مقدّماتهما من الفعل الكثير(2)، وبعض آخر منهم استدلّ لذلك بكونهما ماحيين لصورة الصلاة، ولا يبعد الالتزام بذلك في مطلق الأكل والشرب، حتى في مثل ما لو ترك في فيه شيئاً يذوب كالسكر فذاب فابتلعه، لأنّ هذا العمل لو اطّلع عليه المتشرّعة لحكم بمنافاته مع هيئة الصلاة وصورتها.
نعم، يبقى الكلام في أنّه لو كان كلّ من الأكل والشرب ماحياً لصورتها فكيف يمكن تجويز شيء منهما ولو في خصوص النافلة، كما في الرواية المتقدّمة؟
هذا، ويمكن استفادة الحكم من بعض الروايات الواردة في صلاة الوتر كرواية عليّ بن أبي حمزة وغيره، عن بعض مشيخته قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أفصل في الوتر؟ قال: «نعم»، قلت: فانّي ربّما عطشت فأشرب الماء؟ قال: «نعم، وانكح»(3). والمراد من قوله: أفصل هو الفصل بين الركعة الأخيرة والركعتين الأوليين بالسلام،

(1) المنتهى 1 : 312; الذكرى: 8 ; المسالك 1: 228.
(2) تذكرة الفقهاء 3: 292 مسألة 328 .
(3) التهذيب 2: 8 12 ح493; الوسائل 4: 65. أبواب أعداد الفرائض ب15 ح13.

(الصفحة395)

وحينئذ فيستفاد أنّ جواز الشرب بعد الركعتين الأوليين إنّما هو لتحقق الفصل بالتسليم، فيدلّ على أنّه لولا الفصل لكان عدم جواز الشرب مسلّماً مفروغاً عنه، وليس المراد هو الشرب في أثناء صلاة الوتر، يعني في أثناء الأوليين أو الأخيرة بقرينة قوله: «وأنكح».
وبالجملة: فالرواية تدلّ على مفروغية منافاة الشرب للصلاة، ومثلها ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي ولاّد حفص بن سالم الحنّاط أنّه قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «لا بأس بأن يصلّي الرجل ركعتين من الوتر ثم ينصرف فيقضي حاجته، ثم يرجع فيصلّي ركعة، ولا بأس أن يصلّي الرجل ركعتين من الوتر ثمّ يشرب الماء، ويتكلّم، وينكح، ويقضي ما شاء من حاجته، ويحدث وضوءً ثم يصلّي الركعة قبل أن يصلّي الغداة»(1). والظاهر أنّ قوله: لا بأس أن يصلّي الرجل ركعتين من الوتر ...، من كلام الصدوق، لا جزء للرواية كما زعمه صاحب الوسائل، ويؤيّده أنّه حكاها في محكيّ الوافي بدون هذا الذيل(2).
ومنشأ زعم الخلاف أنّ الصدوق كان بناؤه في كتاب الفقيه على ذكر فتواه بعد نقل الرواية بلا فصل بينهما، فصار ذلك في بعض الموارد موجباً لتوهّم كون فتواه أيضاً جزءً للرواية، والظاهر أنّ مستند فتواه هذا هي رواية عليّ بن حمزة المتقدّمة.
أضف إلى جميع ما ذكرنا، كون الأكل والشرب في أثناء الصلاة يعدّ من المنكرات عند المتشرّعة، بحيث يرون التنافي بينهما، وعدم إمكان اجتماعهما كما لا يخفى، فالأكل والشرب في الجملة ممّا لا خفاء ظاهراً في قاطعيّتهما للصلاة.
وهنا عناوين خمسة مذكورة في كلماتهم، وقد وقع الاختلاف بينهم في حكم بعضها:

(1) الفقيه 1: 312 ح1420 ; الوسائل 4: 63. أبواب أعداد الفرائض ب15 ح4.
(2) الوافي 7 : 94 .

(الصفحة396)

أحدها: بلع ما بقي بين الأسنان من بقايا الغذاء، فعن المنتهى وجامع المقاصد أنّه لا تفسد الصلاة بذلك قولاً واحداً(1)، وبه صرّح في كثير من الكتب الفقهيّة(2)، وحكي عن بعض الأساطين(3) التأمّل في ذلك، ولكنّ الظاهر أنّه لا بأس به، لعدم المنافاة بينه وبين الصلاة في نظر المتشرّعة ، وعدم الدليل على كون المراد بالأكل القاطع للصلاة هو الأكل المفسد للصوم.
ثانيها: إبتلاع النخامة النازلة من الرأس، فالمحكيّ عن نهاية الأحكام أنّه غير مبطل(4)، وعن كشف اللثام استظهار أنّه لا يسمّى أكلاً(5)، وعن التذكرة: لو كان مغلوباً بأن نزلت النخامة ولم يقدر على إمساكها لم تبطل صلاته إجماعاً(6)، والأقوى هو عدم البطلان ووجهه واضح.
ثالثها: مالو كان في فمه لقمة فمضغها أو ابتلعها في الصلاة، قد استظهر من المنتهى دعوى الإجماع على عدم البطلان بذلك(7)، وفي المحكيّ عن الذكرى: أنّه لو كثر ذلك عادة أبطل(8); والظاهر هو البطلان لصدق الأكل ومنافاته للصلاة بنظر المتشرّعة كما لايخفى.
رابعها: مضغ العلك، ففي محكيّ نهاية الأحكام(9) أنّه كالأكل، والمحكيّ عن

(1) المنتهى 1 : 312; جامع المقاصد 2: 352.
(2) المعتبر 2 : 259; نهاية الاحكام 1: 522; رياض المسائل 3: 519; مجمع الفائدة والبرهان 3: 78.
(3) هو استاذ صاحب مفتاح الكرامة على ما حكاه عنه فيه : 3 / 33.
(4) نهاية الاحكام 1: 522 .
(5) كشف اللثام 4: 180.
(6) تذكرة الفقهاء 3: 294.
(7) المنتهى 1 : 312 .
(8) الذكرى 4 : 8 .
(9) نهاية الاحكام 1: 522.

(الصفحة397)

التنقيح أنّه لو وضع علكاً في فمه متفتّتاً فابتلعه مع الريق أبطل إتّفاقاً، لأنّه فعل كثير(1).
خامسها: مالو وضع في فمه شيئاً يذاب كالسكر فذاب وابتلعه، ففي محكيّ المنتهى أنّه لم تفسدصلاته عندنا وعند الجمهور تفسد(2)، وحكي عدم الإفساد من كثير من الكتب الفقهيّة، ولكن نقل في محكيّ التنقيح عن فخر المحققين أنّه خالف في ذلك(3) ووافقه بعض المتأخّرين(4) وهو الظاهر، لثبوت المنافاة وعدم الفرق بينه وبين أكل مثل اللقمة في نظر المتشرّعة كما لا يخفى.
أقسام القواطع عمداً وسهواً


ذكر الشيخ(قدس سره) في كتاب المبسوط: أنّ القواطع على قسمين: قسم يقطع الصلاة عمداً وسهواً، وهو كلّ ما ينقض الطهارة ويفسدها; وقسم يقطعها عمداً وهو سائر القواطع(5)، وتبعه الحلّي في السرائر وجمع من المتأخّرين عنه(6)، وحينئذ فيقع الكلام في مستند التفصيل في سائر القواطع.
فاعلم أنّ ما وقع في دليله التفصيل بين صورتي العمد والسهو هو الكلام، فإنّ دليل قاطعيته صريح في أنّه لو وقع عمداً يوجب بطلان الصلاة، ولو وقع سهواً

(1) التنقيح الرائع 1: 217.
(2) المنتهى 1 : 312 .
(3) التنقيح الرائع 1: 217 ; وفيه: «ويبطل عند السعيد» والسعيد لقب لفخر المحقّقين.
(4) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 414 ـ 415.
(5) المبسوط 1 : 117 .
(6) السرائر 1: 8 23; المعتبر 2: 250; الجامع للشرائع : 84 ; الوسيلة: 96; جواهر الكلام 11: 2; كشف اللثام 4: 156; مستند الشيعة 7: 9.

(الصفحة398)

يوجب سجدتي السهو. وأمّا غيره من القواطع فمقتضى إطلاق أدلّتها عدم الفرق بين الصورتين. نعم قد عرفت في باب التكفير والتأمين أنّ العمدة في وجه كونهما مبطلين هو التشريع الذي مرجعه إلى الإتيان بهما بما أنّهما يوجبان حصول الكمال للصلاة الكاملة بما أنّها كاملة. ومن الواضح اختصاص هذا الوجه بصورة العمد، ضرورة عدم تحقق التشريع في صورة السهو. وكيف كان فيقع الكلام في غير هذه الثلاثة في مستند التفصيل. وما يمكن أن يكون وجهاً له اُمور:
أحدها: استفادة أنّ قاطعية القسم الثاني من القواطع إنّما هو لملاك واحد وجهة واحدة، فإذا فرض قيام الدليل على اختصاص القاطعية في بعضها بصورة العمد كما في الكلام، حيث دلّ الدليل من النصوص والفتاوى على أنّ الكلام إذا صدر سهواً لا يوجب الإعادة بل سجدتي السهو، فيستفاد منه بملاحظة وحدة الملاك كون غيره من القواطع أيضاً على هذا الحال، وأنّ قاطعيّتها تختصّ بصورة العمد فتأملّ.
ثانيها: أن يقال: بعدم ثبوت الإطلاق لأدلّة القواطع، فالمرجع في صورة الشكّ في القاطعية مع عدم الإطلاق لصورة السهو هو حديث الرفع المشتمل على رفع ما لا يعلمون(1) لأنّ القاطعية في صورة السهو ممّا لا يعلم، فهي مرفوعة.
ثالثها: حديث لا تعاد(2) بناءً على شموله لإيجاد الموانع أيضاً.
توضيح ذلك: إنّك عرفت في بعض المباحث السابقة أنّ الحديث يختص بصورة السهو، والذهول الموجب لعدم مطالبة المأتيّ به مع المأمور به، ولا يعمّ صورة العمد كما زعمه بعض الأساطين(3)، لأنّ الحكم بوجوب الإعادة أو بعدمه إنّما يناسب مع من كان بصدد الإتيان بما هو المأمور به واقعاً، وكان الداعي له إليه هو

(1) الخصال: 417 ح9.
(2) الفقيه 1: 81 1 ح857 ; الوسائل 4: 312. أبواب القبلة ب9 ح1.
(3) نهاية الأفكار 3: 434 .

(الصفحة399)

تعلّق الأمر به من المولى.
غاية الأمر أنّه حيث طرأ عليه الذهول والنسيان الذي ربّما يعرض الإنسان فصار ذلك موجباً لعدم كون ما أتى به موافقاً للمأمور به، إمّا من جهة فقدانه لبعض ما يعتبر فيه شطراً أو شرطاً، وإمّا من جهة اشتماله على ما يكون وجوده مخلاًّ ومانعاً عن انطباق عنوان المأمور به على المأتيّ به; فمثل هذا هو الذي يناسبه الحكم بالإعادة أو بعدمها.
وأمّا من لم يكن قاصداً للإتيان بالمأمور به أو لم يكن الداعي له إلى الإتيان هو تعلّق الأمر به من المولى، بل بعض الأغراض الدنيوية، فالمناسب له هو الحكم عليه بوجوب الإتيان بالصلاة مع ما يعتبر فيها وجوداً أو عدماً.
هذا فيما لو كان عالماً بذلك، وأمّا الجاهل فيناسبه التكليف بوجوب تحصيل العلم بالتكاليف الشرعية والأحكام الإلهية، ثم العمل على طبقها ولا يناسب واحداً منهما التكليف بالإعادة. فشمول الحديث لصورة التعمّد مشكل بلا فرق بين العالم والجاهل.
ويبقى الكلام بعد ذلك في أنّ الحديث كما يشمل ما لو صار النسيان سبباً لترك بعض ما اعتبر وجوده جزءً أو شرطاً فهل يشمل ما لو صار النسيان سبباً لإيجاد بعض ما يكون وجوده مخلاًّ بالمأمور به، ومانعاً عن انطباق عنوانه على المأتيّ به أم لا؟.
وبعبارة أُخرى: كما تكون الصورة التي صارت العلّة للترك هو الذهول والغفلة عن فعل المتروك بخصوصه مشمولة للحديث، فهل يشمل الصورة التي تكون العلّة للفعل هو السهو والذهول عن الكون في الصلاة، لا الغفلة عن نفس الفعل، لعدم تعقّل كون الغفلة سبباً لحصول الفعل الإرادي، فإنّه يصدر عن الإرادة وهي فرع التوجّه، فإيجاده لابدّ وأن يكون مسبباً عن الغفلة في أمر آخر، فإنّ من

(الصفحة400)

يتكلّم في الصلاة نسياناً لا يكون صدور التكلّم عنه مسبّباً عن الغفلة عن أصل التكلّم. فإنّه كيف يعقل صدوره مع الغفلة عنه بل صدوره عنه مسبّب عن الإرادة، ومنشأ إيجاده هي الغفلة عن كونه في الصلاة أم لا؟ وجهان مبنيّان على أنّ حذف المستثنى منه وكون الاستثناء مفرغاً هل يستفاد منه العموم لكلّ ما يمكن أن يصير موجباً للإعادة تركاً أو فعلاً، أو أنّ كون المستثنيات الخمسة المذكورة في الحديث من سنخ ما يكون وجوده معتبراً في الصلاة جزءً أو شرطاً يقتضي أن يكون المستثنى منه المحذوف أيضاً من قبيلها؟ لايبعد الثاني.
رابعها: حديث الرفع من جهة اشتماله على رفع النسيان، وتوضيح مفاد الحديث بنحو الاجمال أن يقال: إنّ الظاهر من الحديث هو كون الاُمور المذكورة فيه مرفوعة تشريعاً لا تكويناً، فهو في مقام رفع ما يتعلّق باُمّة النبي(صلى الله عليه وآله) ممّا يكون موضوعه أفعال المكلّفين من التكليف وغيره، وحينئذ فلا مجال لتقدير المؤاخذة بعد كونها من الاُمور التكوينيّة.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ تعلّق الرفع بالاُمور التسعة المذكورة في الحديث ليس على نحو واحد، فلابدّ من ملاحظة كلّ واحد منها مستقلاًّ، فنقول: الظاهر أنّ المراد بكلمة الموصول في: «ما لا يعلمون» هو كلّ ما لا يعلم من الحكم أو الموضوع، ولا دليل على الاختصاص بالثاني خصوصاً بعد ملاحظة ما حقّقناه في الاُصول من أنّ المبهمات كأسماء الإشارة والضمائر والموصولات موضوعة للإشارة، والاختلاف بينها إنّما هو في المشار إليه(1).
فالموضوع له في باب الموصولات هو الإشارة إلى كلّ ما ثبت له الصلة، وحينئذ فلا وجه لجعل الموصول في المقام إشارة إلى بعض أفراد الموصول مع ثبوت الصلة لغيره أيضاً، فالموصول فيما لا يعلمون عام للحكم والموضوع.

(1) نهاية الاُصول: 25 ـ 26 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>