جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج2 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة461)

على الوجه الأولّ متيقّنة كما لا يخفى. ثمّ إنّ الرواية تدلّ بظاهرها على اتحاد المراد بالدخول في الغير والتجاوز عن الشيء المشكوك فتدبّر.
4 ـ رواية بكير بن أعين قال: قلت له: الرجل يشكّ بعدما يتوضّأ؟ قال: «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»(1).
5 ـ رواية إسماعيل بن جابر قال: قال أبوجعفر(عليه السلام) : «إن شكّ في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض، كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه»(2).
6 ـ رواية حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أشكّ وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا؟ فقال: «قد ركعت، امضه»(3).
7 ـ رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال: «قد ركع»(4).
وهذه الروايات الواردة في هذا المقام، بعضها يدلّ على الفرع الأول من الفرعين اللّذين ذكرنا في صدر المبحث، أنّه لا ينبغي الريب في ثبوتهما، وبعضها يدلّ على الفرع الثاني.
ولا يذهب عليك أنّ ما ورد في الفرع الأوّل الذي هو مجرى قاعدة الفراغ  ـ كالرواية الثامنة من روايات محمد بن مسلم التي رواها عنه ابن بكير ـ لا يشمل الفرع الثاني أيضاً، لأنّ موضوع الحكم بوجوب المضي فيه هو الشكّ في الأمر الماضي، الظاهر في كون المشكوك هو صحته لا أصل وجوده، والمفروض

(1) التهذيب 1: 101 ح265; الوسائل 1: 471. أبواب الوضوء ب42 ح7 .
(2) التهذيب 2: 153 ح602 ; الاستبصار 1: 358 ح 1359 ; الوسائل 6: 317. أبواب الركوع ب13 ح4.
(3) التهذيب 2: 151 ح594; الاستبصار 1: 358 ح 1356; الوسائل 6: 317. أبواب الركوع ب13 ح2.
(4) التهذيب 2: 151 ح596; الاستبصار 1: 358 ح1358; الوسائل 6: 318. أبواب الركوع ب13 ح6.

(الصفحة462)

في قاعدة التجاوز الجارية في الفرع الثاني هو الشكّ في أصل الوجود بعد التجاوز عن محلّه، فلا يشمله ما دلّ بظاهره على قاعدة الفراغ، كما أنّ ما ورد في قاعدة التجاوز كرواية إسماعيل بن جابر المتقدّمة لا يعمّ قاعدة الفراغ، لأنّ موردها هو الشكّ في أصل الوجود ومجرى تلك القاعدة هو الشكّ في صحّة ما  وجد.
ثمّ إنّه بعدما ظهر أنّه في مقام الإثبات لا يمكن استفادة شيء من القاعدتين من الدليل الوارد في الاُخرى، فهل يمكن الالتزام بأنّ مرجعهما في مقام الاعتبار والثبوت إلى ملاك واحد ومناط فارد؟ الظاهر العدم، لأنّ مرجع قاعدة الفراغ إلى أصالة الصحة في عمل النفس، نظير أصالة الصحة الجارية في عمل الغير.
وكما أنّ المستند في أصالة صحّة عمل الغير هو لزوم اختلال النظام لو اعتبر الشكّ في صحّة عمله ولم يجز البناء عليها كما هو واضح، كذلك المستند في أصالة صحّة عمل النفس هو لزوم الحرج الشديد والعسر الأكيد لو رتّب الأثر على احتمال عدم صحّته، وهذا بخلاف قاعدة التجاوز الجارية في أثناء العمل، فإنّ عدم اعتبارها لا يستلزم حرجاً ولا عسراً، كما نلاحظ ذلك في الموارد التي لم يعتبر فيها قاعدة التجاوز، كما في الطهارات الثلاث.
نعم، الظاهر أنّ الحكمة في اعتبارها في الصلاة هو أنّ المسلمين لمّا كانوا في الصدر الأوّل ملتزمين بصلاة الجماعة التي مرجعها إلى جعل المأمومين صلاتهم تبعاً لصلاة الإمام ، فلو لم تعتبر قاعدة التجاوز فيها يلزم اشتغال المأمومين بعضهم بعمل مغاير لما اشتغل به الآخر، فتختلّ صورة الجماعة كما هو غير خفيّ.
وكيف كان، فالظاهر اختلاف الملاك وتعدّده في القاعدتين، وحينئذ فلابدّ من ملاحظة كلّ منهما على سبيل الاستقلال.


(الصفحة463)


قاعدة التجاوز


قاعدة التجاوز، وإن كان اختصاص مورد جريانها بالشكّ في أصل وجود الجزء بعد التجاوز عن محلّه، إلاّ أنّه يستفاد منها الشكّ في صحّة الجزء المأتيّ به بمفهوم الموافقة، لأنّه إذا كان الحكم فيما لو شكّ في أصل الوجود هو البناء على الوجود، ففيما لو شكّ في صحّة ما وجد يكون الحكم بها بطريق أولى كما لا يخفى، ولانحتاج إلى ادعاء أنّ مرجع الشكّ في الصحة أيضاً إلى الشكّ في الوجود الصحيح كما ادّعاه الشيخ المحقّق الأنصاري(قدس سره)(1).
ثمّ إنّ قاعدة التجاوز تختص بالصلاة ولا تجري في غيرها كما عرفت، وصحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في الصلاة وإن كانت ظاهرة في جريانها بالنسبة إلى الأذان والإقامة مع أنّهما ليسا من الصلاة، إلاّ أنّ الظاهر أنّ جريانها فيهما باعتبار كونهما مقدّمة للصلاة، فكأنّهما من أجزائها كما لا يخفى.
ثمّ المشهور بين الأصحاب هو أنّه يعتبر في قاعدة التجاوز، التجاوز عن محلّ المشكوك والدخول في الغير الذي كان من أجزاء الصلاة، ولا يكفي الدخول في مقدّمة الجزء، فلو شكّ في الركوع وقد أهوى إلى السجود أو شكّ في السجود وقد نهض إلى القيام، يجب عليه الاعتناء بالشكّ والعود للتدارك، ولا تجري قاعدة التجاوز(2).
هذا، وذهب جمع من المتأخّرين إلى أنّ المراد بالغير الذي يعتبر الدخول فيه

(1) فرائد الاصول: 410 .
(2) البيان : 253; الروضة البهيّة 1 : 323; روض الجنان: 349; رياض المسائل 4: 229; الحدائق 9: 179 .

(الصفحة464)

غير الشيء الذي شكّ في تحقّقه، سواء كان من أجزاء الصلاة أو من مقدّمات الجزء(1)، ويدلّ عليه إطلاق قوله(عليه السلام) في رواية زرارة: «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره»، فإنّ ظاهر كلمة «الغير» هو ما يغاير الشيء الذي شكّ فيه، والمغايرة بين الركوع وبين الهويّ إلى السجود متحقّقة، خصوصاً إذا جلس وانحنى بمقدار ركوع من يصلّي جالساً.
ويؤيّد هذا أنّ الملاك في عدم الاعتناء بالشكّ هو الدخول في الغير الذي كان من أجزاء الصلاة، والظاهر اعتبار وجود الإرادة الارتكازية المتعلقة بالإتيان بالمركب الناشئة منها إرادات اُخرى متعلّقة بأجزاء المركّب، فالاتيان بالشيء المشكوك عن إرادة متعلّقة به، موجود فيما لو لم يكن الغير من أجزاء الصلاة أيضاً.
هذا ، ولكن رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله تدلّ بظاهرها على التفصيل بين ما إذا شكّ في الركوع وقد أهوى إلى السجود فلا يعتني بشكّه، وبين ما إذا شكّ في السجود وقد نهض إلى القيام قبل أن يستوي قائماً فيعتني بشكّه ويرجع للسجود، حيث قال بعد السؤال عن حكم الصورة الاُولى والجواب عنه: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل رفع رأسه من السجود فشكّ قبل أن يستوي جالساً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد. قلت: رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»(2) ولكن الرواية معرض عنها عند الأصحاب.
نعم، قد عمل بها السيّد(قدس سره) في العروة في خصوص موردها، فحكم بوجوب الرجوع إلى السجود مع الشكّ فيه، وقد نهض إلى القيام ولما يقم بعد، وعدم

(1) منهم: صاحب ذخيرة المعاد: 376 وجواهر الكلام 12: 316 ـ 318 ومدارك الأحكام 4: 249.
(2) التهذيب 2 : 153 ح603; الإستبصار 1: 359 ح1371; الوسائل 6: 369. أبواب السجود ب15 ح6.

(الصفحة465)

وجوب الرجوع للتشهد مع الشكّ فيه كذلك(1).
وأنت خبير بأنّ هذا مستبعد جدّاً، إذ لا خصوصية لمورد الرواية أصلاً; فالإنصاف أنّ الرواية مطروحة باعتبار إعراض الأصحاب عنها، حيث إنّهم لم يفصلوا بين المقامين، بل أفتوا بوجوب الرجوع والعود للتدارك فيهما معاً.
ويدلّ على مقالتهم رواية إسماعيل بن جابر المتقدّمة، حيث إنّ الظاهر كون الفرعين المذكورين أوّلاً توطئة للقاعدة الكلّية المقرّرة بقوله(عليه السلام): «كلّ شيء شكّ فيه...». وحينئذ فيظهر منه أنّ السجود والقيام حدّ للغير الذي يعتبر الدخول فيه، وأنّه لا غير أقرب من السجود بالنسبة إلى الركوع ومن القيام بالنسبة إلى السجود، لأنه لو كان الهويّ إلى السجود كافياً في عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع، والنهوض للقيام كافياً عند الشكّ في السجود، لكان أخذ السجود والقيام في مقام التوطئة مستهجناً جدّاً كما هو ظاهر.
فالرواية ظاهرة في أنّ الهويّ إلى السجود والنهوض للقيام لا يتحقق بشيء منهما الدخول في الغير الذي يوجب عدم الاعتناء بالشكّ. هذا، والظاهر أنّ الشهرة حيث كانت في المسائل الفرعيّة لا المسائل الأصليّة التي تكشف الشهرة فيها عن وجود نصّ معتبر في البين، فلا مانع من مخالفتها، لعدم كونها كاشفة حينئذ عن النصّ، والرواية قد عرفت أنّها معرض عنها، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون المراد بالهويّ إلى السجود البلوغ إلى حدّ السجود، فلا دلالة لها على التفصيل بين الصورتين.
وكيف كان، فالظاهر إطلاق كلمة الغير وشمولها لمقدّمات الأجزاء أيضاً، خصوصاً بعدما عرفت من وجود الملاك فيما إذا دخل في مقدّمات الأجزاء أيضاً،

(1) العروة الوثقى1: 650. احكام الشكوك مسألة 10.

(الصفحة466)

مضافاً إلى أنّه من البعيد الفرق بين من أهوى إلى السجود ولمّا يبلغ حدّه، وبين من هوى إليه وبلغ حدّه، وهكذا بالنسبة إلى الناهض للقيام، ولمّا يبلغ حدّه والناهض له المستوي قائماً.
نعم، يمكن الفرق بين الصورتين ـ كما في رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمة ـ بأنّ من أهوى إلى السجود ولم يبلغ حدّه يصدق عليه أنّه جاوز عن محلّ الركوع ودخل في غيره، وأمّا من كان ناهضاً للقيام وكان في حالة بين حالتي الجلوس والقيام، فمرجع شكّه في أنّه سجد أم لم يسجد إلى أنّ هذه الحالة التي هو فيها هل هي الحالة المسبوقة بالجلوس للسجود أو الحالة المسبوقة بالقيام بعد الركوع، وأنّه مهو من القيام إلى السجود.
ومن المعلوم أنّه مع هذا الشكّ لا يتحقق عنوان التجاوز أصلاً، كمن شكّ في حال القيام في أنّ قيامه هل هو القيام المسبوق بالركوع، أو القيام الذي يجب له أن يركع بعده؟.
وبعبارة أُخرى: شكّ في أنّ هذا القيام هل هو القيام للركوع أو القيام عن الركوع؟
فإنّه لا شبهة في أنّه يجب عليه أن يركع ولا يعتني باحتمال كون هذا القيام مسبوقاً بالركوع، وحينئذ فلا تكون الرواية مخالفة للروايات المتقدّمة الواردة في قاعدة التجاوز. هذا كلّه في قاعدة التجاوز.

قاعدة الفراغ:

أمّا قاعدة الفراغ فمقتضى أكثر الروايات الواردة فيها، أنّ مجريها هو مجرّد الفراغ والانصراف من العمل الذي كان مشتغلاً به، مثل ما رواه عليّ بن رئاب عن

(الصفحة467)

محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)(1)، فإنّ ظاهره اعتبار مجرّد الفراغ من الصلاة. وما رواه أبو أيّوب الخزّاز عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)(2)، فإنّ ظاهره اعتبار مجرّد الانصراف عنها، وما رواه ابن أبي عمير عنه(3)، وظاهره أيضاً اعتبار مجرّد الفراغ من الصلاة; وما رواه عبدالله بن بكير عنه(4)، فإنّ ظاهره اعتبار مضي الصلاة والطهور، بناءً على أن تكون لفظة «من» فيه للتبيين لا للتبعيض ; وكذا ما رواه الصدوق بإسناده عنه(5).
هذا، ولكن صحيحة زرارة الواردة في باب الوضوء ظاهرة في اعتبار الفراغ منه، والصيرورة في حال اُخرى من صلاة وغيرها، وكذا موثّقة ابن أبي يعفور بناءً على أن يكون مرجع الضمير فيها هو نفس الوضوء، فإنّها ظاهرة في اعتبار الدخول في الغير.
والظاهر أنّ المراد «بحال أُخرى» ليس إلاّ مجرّد الفراغ، ضرورة أنّه بالفراغ يتغيّر حاله، وينقلب حال اشتغاله بالوضوء إلى حال اُخرى، سواء شرع في الصلاة أم لا. وأمّا الموثّقة فذيلها يدلّ على أنّ المراد بالدخول في الغير ليس إلاّ التجاوز المتحقق بالفراغ كما هو غير خفيّ.
ثمّ إنّه يترائى من الشيخ(قدس سره) في الرسالة أنّ مرجع القاعدتين إلى قاعدة واحدة، وأنّ المستفاد من أخبار الباب ليس إلاّ قاعدة واحدة مسمّـاة بقاعدة التجاوز، حيث إنّه بعد إيراد سبع من الروايات الدالة على القاعدة الواردة بعضها في قاعدة

(1) الوسائل 8 : 246.أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب27 ح2 .
(2) الوسائل 8 : 246.أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب27 ح1 .
(3) الوسائل 1: 470.أبواب الوضوء ب42 ح5 .
(4) الوسائل 1: 471.أبواب الوضوء ب42 ح6 .
(5) الوسائل 6: 246. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب27 ح3 .

(الصفحة468)

الفراغ، وبعضها في قاعدة التجاوز، وبعضها في الشكّ بعد خروج الوقت، قد تكلّم في مواضع سبعة عمدتها الموضع الأوّل والثاني والثالث.
وأمّا سائر المواضع فإنّما يتعلّق ببعض فروعات المسألة; وقد أفاد في الموضع الأوّل أنّ الشكّ في الشيء ظاهر لغة وعرفاً في الشكّ في وجوده، لكنّ التقييد في الروايات بالخروج عنه ومضيّه، والتجاوز عنه ربّما يصير قرينة على إرادة كون أصل وجود الشيء مفروغاً عنه.
نعم، لو اُريد الخروج والتجاوز عن محلّه أمكن إرادة المعنى الظاهر من الشكّ في الشيء وهذا هو المتعيّن، لأنّ إرادة الأعمّ من الشكّ في وجود الشيء والشكّ الواقع في الشيء الموجود في استعمال واحد غير صحيح، وكذا إرادة خصوص الثاني، لأنّ مورد غير واحد من تلك الأخبار هو الأوّل.
وتكلّم(رحمه الله) أيضاً في الموضع الثاني في المراد من محلّ الفعل المشكوك وجوده، وأنّ المراد به هي المرتبة المقرّرة له بحكم العقل، أو بوضع الشارع، أو غيره، ولو كان نفس المكلّف من جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحل.
وقال في الموضع الثالث في اعتبار الدخول في الغير وعدمه: إن كان الدخول في غير المشكوك محقّقاً للتجاوز، فلا إشكال في اعتباره. وإلاّ فظاهر الصحيحتين إعتباره وظاهر إطلاق موثّقة ابن مسلم عدم اعتباره; ثم قال: ويمكن حمل التقييد في الصحيحين على الغالب، خصوصاً في أفعال الصلاة، ويحتمل ورود المطلق على الغالب، فلا يحكم بالإطلاق(1).
ويرد على ما أفاده في الموضع الأول: إنّ إرادة الأعم من الشكّ في وجود الشيء والشكّ الواقع في الشيء الموجود في استعمال واحد وإن كان غير صحيح،

(1) فرائد الاصول: 410 ـ 411 .

(الصفحة469)

وكذا إرادة خصوص الثاني إلاّ أنّه لا يلزم من إرادة الشكّ في الوجود أن يكون المراد بالخروج والتجاوز هو الخروج والتجاوز عن المحل; لأنّ هذه التعبيرات إنّما هي باعتبار اعتقاد المصلّي حيث إنّه لا يدخل في الجزء اللاحق إلاّ بعد اعتقاد إتيان الجزء السابق، فبدخوله فيه يتحقق الخروج عن الجزء السابق والتجاوز عنه حسب اعتقاد المصلّي.
وحينئذ فلا يبقى للتكلّم في الموضع الثاني مجال أصلاً ، لأنّه متفرّع على كون المراد بالخروج هو الخروج عن المحل، وقد ظهر بطلانه وأن المراد به هو الخروج عن نفس الشيء على اعتقاد المصلّي.
وأمّا ما أفاده في الموضع الثالث فيبتني على اتحاد القاعدتين، وقد عرفت سابقاً أنّ هنا قاعدتين مستقلتين:
1 ـ قاعدة التجاوز الجارية في خصوص الصلاة، والروايات الدالة على اعتبارها ظاهرة في اعتبار الدخول في الغير فيها، وقد مرّ أنّ الظاهر إطلاق الغير وشموله لمقدّمات الأجزاء أيضاً.
2 ـ قاعدة الفراغ الجارية في جميع العبادات بل المعاملات، وأدلّة اعتبارها لا تدلّ على أزيد من اعتبار مجرّد الفراغ كما مرّ.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الطهارات الثلاث التي ادّعى الاجماع على عدم جريان قاعدة التجاوزفيها،لاتكون مشمولة لأدلّة اعتبار تلك القاعدة حتّى يكون الاجماع مخصصاً لها، لأنّ أدلّة اعتبارها تختص بباب الصلاة ولا تجري في غيرها فتدبّر.
ثمَّ إنّه لا فرق في جريان قاعدة الفراغ بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسياناً أو تركه عمداً ، كما أفاده الشيخ(رحمه الله) في ضمن الموضع السابع(1) من المواضع السبعة.

(1) فرائد الاصول: 414 .

(الصفحة470)

لأنّ التعليل بقوله(عليه السلام) : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»(1)، لا يختصّ بصورة السهو، لأنّ مرجعه إلى إلغاء الشكّ الطارئ الذي حصل بعد زمان الاشتغال بالمأمور به.
ومن المعلوم أنّ احتمال ترك الجزء عمداً أبعد من احتمال تركه سهواً لو لم نقل بعدم إمكان تحقّقه من المقاصد للإمتثال، العالم بأجزاء المأمور به وشرائطه. مضافاً إلى أنّ قوله(عليه السلام) : «فامضه كما هو»(2)، يدلّ على عدم الاعتناء بالشكّ الطارئ، وترك الماضي كما هو، وظاهره عدم الفرق بين كون المحتمِل ترك الجزء نسياناً أو تركه عمداً.

(1) الوسائل 1: 471. أبواب الوضوء ب42 ح7 .
(2) الوسائل 8 : 237. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح3.

(الصفحة471)







الشكّ بعد الوقت



هذه القاعدة أيضاً من القواعد التي تستفاد من السنّة، ويظهر من الشيخ(قدس سره) في الرسالة أنّها ليست قاعدة مستقلّة، بل هي مع قاعدتي التجاوز والفراغ مندرجة تحت قاعدة واحدة، حيث أورد الرواية الدالة على عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت في ضمن الأخبار الدالة على قاعدتي الفراغ والتجاوز، وقد مرّت الإشارة إليه سابقاً.
كما أنّه يظهر من بعض المحقّقين من المعاصرين في كتابه في الصلاة، أنّ هذه القاعدة من مصاديق قاعدة التجاوز، حيث استند في إثباتها إلى الأخبار الخاصّة، والعمومات الدالة على أنّ الشكّ في وجود الشيء بعد انقضاء محله ليس بشيء(1). ولكنك عرفت تغاير قاعدتي الفراغ والتجاوز، وفاقاً لما اختاره شيخنا العلاّمة الخراساني في التعليقة على الرسائل(2).

(1) كتاب الصلاة للمحقق الحائري: 343 .
(2) التعليقة على فرائد الاصول: 237 .

(الصفحة472)

والظاهر أنّ قاعدة الشكّ بعد الوقت قاعدة ثالثة، والعمومات الواردة في قاعدة التجاوز لا تدلّ عليها، لأنّه لا يمكن أن يكون المراد من قوله(عليه السلام) : «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى...»(1)، أعم ممّا قد مضى نفسه أو محلّه أو وقته كما هو واضح.
وأمّا الأخبار الخاصّة فلا يخفى أنّه ليس هنا إلاّ خبران:
1 ـ ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، وإن شككت بعدما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت». ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله(2).
2 ـ ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبدالله، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين ويقضي الحائل والشكّ جميعاً، فإن شكّ في الظهر فيما بينه وبين أن يصلّي العصر قضاها، وإن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلاّ أن يستيقن، لأنّ العصر حائل فيما بينه وبين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلاّ بيقين»(3).
والرواية الثانية مضافاً إلى اضطرّاب متنها ـ لأنّ الظاهر أنّ قوله(عليه السلام): «ويقضي الحائل والشكّ جميعاً» جزاء للشرط غير المذكور، وهو ما إذا شكّ بعد الحائل، ولا يمكن أن يكون عطفاً على الجزاء في الشرطية الاُولى، لأنّ المفروض فيها صورة

(1) الوسائل 8 : 237. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح3.
(2) الكافي 3: 294 ح10; التهذيب 2: 276 ح 8 109; الوسائل 4: 82 2.أبواب المواقيت ب60 ح1.
(3) السرائر 3: 588 ; الوسائل 4 : 283 . أبواب المواقيت ب60 ح2 .

(الصفحة473)

اليقين بعدم الاتيان ـ ومضافاً إلى كونها مخالفة لفتوى الأصحاب ـ حيث إنّهم يوجبون الإعادة فيما لو شكّ في الظهر بعد الاتيان بالعصر قبل خروج الوقت ـ لا دلالة لها على هذه القاعدة ـ أي قاعدة عدم الاعتناء بالشكّ بعد خروج الوقت ـ لأنّ مفادها عدم الاعتناء بالشكّ في الظهر لأجل حيلولة العصر، لا لأجل خروج وقت الظهر كما هو غير خفي.
وبالجملة: فالرواية لا يمكن الاستناد إليها والاعتماد بها أصلاً، فلم يبق في البين إلاّ الرواية الاُولى الظاهرة في هذه القاعدة، لأنّ الظاهر أنّ قوله: «وقد دخل حائل»، ليس قيداً آخر، بل المراد به ليس إلاّ خروج الوقت، والحكم بوجوب الصلاة مع الشكّ في وقتها ليس حكماً مجعولاً شرعيّاً في قبال عدم الاعتناء بالشك بعد خروج الوقت، بل الظاهر أنّه حكم عقليّ موضوعه مجرّد الشكّ في إتيان المأمور به، جيء به توطئة للحكم المذكور بعده، ومن هنا يعلم أنّه لا يحتاج في وجوب الاتيان بالصلاة مع الشكّ في وقتها إلى استصحاب عدم الاتيان بها، لأنّ هذا الحكم مترتّب على نفس الشكّ، ولا حاجة إلى إحراز عدم الاتيان.
ثمّ الظاهر أنّ هذه القاعدة جارية في خصوص الصلاة لاختصاص ظاهر دليلها بها ولا تجري في سائر الفرائض الموقّتة.

الشكّ في الصلاة مع بقاء الوقت بمقدار ركعة
إذا شكّ في الصلاة وقد بقي من الوقت مقدار أقلّ من ركعة واحدة، ففي جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت وجهان:
1 ـ من أنّ مجراها ما إذا خرج الوقت المضروب للعمل بتمامه، والمفروض أنّ مقداراً منه باق.
2 ـ ومن أنّ الملاك في جريانها هو عدم إمكان وقوع العمل في وقته، بحيث

(الصفحة474)

لايمكن الاتيان به إلاّ قضاء، والمفروض أنّ المقام أيضاً كذلك.
وأمّا لو شكّ فيها وقد بقي من الوقت مقدار ركعة، ففي جريانها أيضاً وجهان:
1 ـ من إمكان الاتيان بالعمل في الوقت التنزيلي المستفاد من قاعدة من أدرك(1)، فلا مجال حينئذ لهذه القاعدة بعد اختصاصها بما إذا خرج الوقت.
2 ـ ومن أنّ مورد تلك القاعدة ما إذا كان عدم الاتيان بالعمل محرزاً، والمفروض هنا الشكّ في الاتيان فلا تنزيل هنا، ومع عدم ثبوت التنزيل تجري قاعدة الشكّ بعد الوقت، لعدم الفرق حينئذ بين مقدار الركعة وأقلّ منه.
ودعوى أنّه يمكن إحراز موضوع تلك القاعدة باستصحاب عدم الاتيان بالصلاة.
مدفوعة بأنّه مع جريان هذه القاعدة لا مجال للاستصحاب، لأنّها مجعولة في مورده.
وإن شئت قلت: إنّ الاستصحاب في الوقت ممّا لا يحتاج إليه كما عرفت، وفي خارج الوقت ملغى بسبب اعتبار هذه القاعدة، فلا موقع له في الوقت ولا في خارجه، وبدونه لا يمكن إحراز موضوع قاعدة «من أدرك» كما هو ظاهر.
والتحقيق في الصورتين أن يقال: إنّه لا مجال لهذه القاعدة فيهما، لأنّ مجراها ما إذا كان ظرف الشكّ بعد خروج الوقت، والمفروض بقاؤه وعدم انقضائه.
توضيحه: إنّ معنى كون زمان وقتاً لعمل ، عبارة عن صحّة ذلك العمل لو أتى به على نحو ينطبق أجزاؤه على أجزاء ذلك الزمان ، ولا يجب في اتصاف جزء منه بكونه وقتاً له أن يكون الجزء قابلاً لأن يقع ظرفاً لمجموع الفعل، كيف وهو من المستحيل، بداهة عدم إمكان تحقق العمل الذي يكون وجوده تدريجيّاً في آن واحد، وبعد ذلك يرجع معنى كون كلّ واحد من الآنات متّصفاً بأنّه وقت لذلك

(1) الوسائل 4: 217 ـ 218. أبواب المواقيت ب30 .

(الصفحة475)

العمل، إلى أنّه لو وقع ذلك الآن ظرفاً لوقوع جزء من العمل فقد وقع ذلك الجزء في وقته، وحينئذ ينقدح أنّه ما دام شيء من الوقت باقياً بحيث لو كان مشتغلاً به لوقع شيء من أجزائه فيه على نحو ينطبق آخر جزء من العمل على آخر الجزء من الوقت، يصدق أنّ الوقت باق ولو لم يمكن وقوعه ظرفاً لمجموع العمل.
وبالجملة: الوقت عبارة عن الزمان الذي جعل ظرفاً للعمل، بحيث لو وقع جزء منه فيه لم يلزم وقوعه في خارج الوقت، وهذا المعنى يصدق على ما إذا بقي من الوقت آن واحد، وحينئذ فيظهر أنّه لا مجال لهذه القاعدة في الصورتين المتقدّمتين بعد كون ظرف الشكّ فيهما هو الوقت لا خارجه، فيجب الإتيان بالعمل الذي شكّ في الإتيان به، ولو لم يبق مقدار الركعة أيضاً.
لأنّ المفروض بقاء الوقت حقيقة، ومفاد قاعدة «من أدرك» ليس التنزيل في نفس الوقت، بحيث صار مقدار الركعة الباقي وقتاً تنزيليّاً للصلاة، كيف وقد عرفت أنّه وقت لها حقيقة، بل مفادها تنزيل الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت منزلة الصلاة الواقعة بتمامها فيه كما لا يخفى.
هذا كلّه إذا كانت الصلاة التي شكّ فيها وقد بقي من الوقت مقدار ركعة أو أقلّ منها فاقدة للشريكة كصلاة الغداة، فيجب الاتيان بها لو شكّ فيها ولو لم يبق من الوقت إلاّ آن واحد.
وأمّا في مثل الصلاة التي لها شريكة كصلاة الظهر فيتصوّر وجوه: لأنّه تارة يشكّ في الإتيان بها مع القطع بالإتيان بالشريكة، وثانية يكون بالعكس، وثالثة يشكّ في الإتيان بإحداهما لا على التعيين، مع القطع بالإتيان بواحدة منهما، ورابعة يشكّ في الإتيان بهما، ويحتمل أنّه لم يأت بشيء منهما بعد.
ففيما إذا شكّ في كلتيهما، تارة يكون الشكّ في الوقت المختصّ بالشريكة التي هي العصر مثلاً، واُخرى يكون الشكّ قبله ولو بمقدار ركعة. فعلى الأوّل يكون

(الصفحة476)

الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت، بناءً على القول المشهور، وهو اختصاص مقدار أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر وخروج وقت الظهر بذلك(1)، وأمّا بناءً على ما يقول به ابن بابويه(2) من الاشتراك في الوقت يكون الشكّ بالنسبة إلى كليهما شكّاً في الوقت.
وعلى الثاني فالمسألة مبتنية على ملاحظة الحكم فيما إذا علم بعدم الإتيان بشيء منهما، وقد بقي من الوقت مقدار خمس ركعات، فإن قلنا بأنّ الواجب عليه هناك، الإتيان بكلتا الصلاتين، فاللازم هنا أيضاً الجمع بينهما. وإن قلنا: بأنّ الواجب هناك الإتيان بصلاة العصر فقط في وقتها وعدم مزاحمة الظهر معها فالحكم هنا أيضاً كذلك بطريق أولى كما لا يخفى.
وقال بعض الأعاظم من المعاصرين ـ بعد تقسيمه هذه الصورة إلى قسمين لأنّه تارة يعلم بعدم التفكيك بينهما، واُخرى يحتمل التفكيك ـ ما ملخّصه في القسم الأوّل: إنّ الشكّ في الظهر يكون شكّاً بعد الوقت، فإنّ المفروض عدم بقاء أربع ركعات للظهر وأمّا الشكّ في العصر فيكون شكّاً فيها في وقتها ومقتضى ذلك الحكم بوجود الظهر وعدم الاتيان بالعصر، إلاّ أنّ الإشكال القطع بلغويّة العصر، لأنّه يعلم إجمالاً إمّا بوجودها سابقاً، وإمّا ببطلانها فعلاً من جهة الاخلال بالترتيب.
وحينئذ فهل يمكن أن يقال ببراءة الذمّة منهما ـ أمّا الظهر فلقاعدة الشكّ بعد الوقت وأمّاالعصر فللقطع باللغويّة ـ أويجب عليه العصر على نحو يقطع بفراغ ذمّته، وهو أن يأتي بالظهر مراعياً للترتيب المعتبر؟ والأظهر الثاني، لأنّه لو كانت ذمّته

(1) المبسوط 1 : 72; المسائل الناصريات: 189; السرائر 1 : 195; المهذّب 1: 71; الغنية: 69; المراسم: 62; شرائع الاسلام 1: 50; رياض المسائل 3: 33; مدارك الاحكام 3: 35; مستند الشيعة 4: 22; جواهر الكلام 7: 75; كشف اللثام 3: 24; جامع المقاصد 2 : 24.
(2) المقنع: 91 ; الهداية: 127; الفقيه 1 : 216 ح647.

(الصفحة477)

مشغولة بالعصر واقعاً فلاتفرغ إلاّ بإتيان العصر مرتباً على الظهر، والمفروض اشتغال ذمّته بحكم القاعدة، فيجب عليه إتيان الظهر رجاءً مقدّمة لحصول الترتيب.
نعم، يجوز على المبنى المتقدّم، التأخير إلى أن لا يبقى إلاّ مقدار أربع ركعات من الوقت، لفراغ ذمّته من الظهر بحكم القاعدة وعدم تضيّق الوقت بمقدار تأخيرها ركعة واحدة(1). انتهى .
هذا كلّه مبني على عدم جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت، فيما لو بقي من الوقت مقدار ركعة واحدة، وأمّا بناءً على ما حقّقناه آنفاً من الجريان لبقاء الوقت حقيقة، فالشكّ وقع في الوقت لا في خارجه، فلامجال لما أفاده(قدس سره)، لأنّه يجب عليه في الصورة المفروضة الإتيان بكلتا الصلاتين كما هو واضح.
ثمّ هذا كلّه فيما إذا شكّ في الظهرين معاً، وأمّا إذا شكّ في أحدهما مع العلم بإتيان الآخر، فتارة يشكّ في الوقت المشترك، واُخرى في الوقت المختصّ بالعصر، ففي الأوّل يكفي الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، من غير أن يعيّن كونه ظهراً أو عصراً، وفي الثاني يكون الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت وبالنسبة إلى العصر شكّاً فيه، فيجب الإتيان بأربع ركعات بعنوان العصر. وممّا ذكرنا يظهر حكم باقي الصور فتدبّر.

إعتبار الظنّ في الصلاة


ومن القواعد الأصليّة المستفادة من النصوص المذكورة في باب الخلل، قاعدة اعتبار الظن في الصلاة في الجملة وعدم ترتب أحكام الشكّ عليه، ووجوب البناء عليه وكونه كاليقين، وهي بنحو الاجمال ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال.

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 346.

(الصفحة478)

نعم، قد وقع الخلاف في موضعين:
أحدهما: اعتباره في غير الركعتين الأخيرتين.
ثانيهما: اعتباره في الأفعال التي هي مقابل الركعات ومن أجزائها.
أمّا اعتباره في الركعتين الأوّلتين، فذهب إليه السيّد المرتضى(رحمه الله) حيث قال فيما حكي عنه: كلّ سهو يعرض والظنّ غالب فيه بشيء فالعمل بما غلب على الظنّ(1). وتبعه الشيخ(رحمه الله) في كثير من كتبه(2) وجماعة ممّن تأخّر عنه(3)، وربّما يترائى من كلمات جمع من القدماء، إختصاص اعتبار الوهم بالركعتين الأخيرتين(4).
والذي يشكل الأمر أنّه ليس في شيء من كلمات القدماء إشعار بأنّ المسألة ذات قولين فضلاً عن الدلالة، بل الظاهر من كلّ من الطائفتين أنّه لا يكون فيها إلاّ قول واحد، ويؤيّده أنّ ابن إدريس في كتاب السرائر جمع بين العبارتين، حيث صدّر باب السهو في كتابه بمثل ما حكى عن السيّد من العبارة المتقدّمة وقال في الضرب الثالث من السهو ما لفظه:
وأمّا الضرب الثالث من السهو وهو الذي يعمل فيه على غالب الظنّ، فهو كمن سها فلم يدر صلّى إثنتين أم ثلاثاً؟ وغلب على ظنّه أحد الأمرين، فالواجب العمل على ما غلب في ظنّه وإطراح الأمر الآخر، وكذلك إن كان شكّه بين الثلاث والأربع، أو الاثنين والأربع، أو غير ذلك من الأعداد، بعد أن يكون اليقين حاصلاً بالأوّلتين، فالواجب في جميع هذه الشكوك العمل على ما هو أقوى وأغلب في ظنّه وأرجح عنده(5). انتهى .

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 35.
(2) المبسوط 1: 123; النهاية: 90 ـ 91; الخلاف 1 : 445 مسألة 192.
(3) الكافي في الفقه: 148; المهذّب 1 : 155; السرائر 1: 250; الجامع للشرائع: 84 .
(4) الكافي 3: 359; الفقيه 1: 225; المقنعة: 145; الانتصار: 156، المختصر النافع: 44; المنتهى 1: 410.
(5) السرائر 1: 250 .

(الصفحة479)

فإنّ هذا القول منه يوهم أنّ غلبة الظنّ تعتبر في الأخيرتين خاصّة دون الأوّلتين، ولذا اعترض عليه العلاّمة في المختلف بأنّه نسي ما أخذه من كلام السيّد وصدّر به كتابه(1).
وبالجملة: لا مجال للاعتماد على الفتاوى بعد اختلافها بهذا النحو، بل لابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في هذا الباب.
فنقول: الروايات ـ الظاهرة في اعتبار الظنّ في الصلاة ـ التي لا تخالف الفتاوى المشهورة كثيرة:
منها : رواية عبدالرحمن بن سيّابة وأبي العباس جميعاً، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث، فابن على الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع فسلّم وانصرف، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس»(2).
ومنها : رواية حسين بن أبي العلاء عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم و صلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصّر في التشهّد»(3).
ومنها : مرسلة جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال فيمن لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً؟ ووهمه في ذلك سواء، قال: فقال: «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس...»(4).

(1) مختلف الشيعة 2: 402 .
(2) الكافي3: 353 ح7; التهذيب 2: 184 ح733; الوسائل 8 : 211. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب7 ح1.
(3) الكافي 3: 351 ح 2 ; التهذيب 2: 185 ح 736 ; الوسائل 8 : 218. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح 6.
(4) الكافي 3: 353 ح9 ; التهذيب 2: 184 ح 734; الوسائل 8 : 216. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح2.

(الصفحة480)

ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: «إذا لم تدر إثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهّد وسلّم ثمّ صلِّ ركعتين وأربع سجدات، تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ثمّ تشهّد وتسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(1).
ومنها : موثّقة صفوان عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة»(2).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ما يمكن الاستدلال به لاعتبار الظنّ في الأوّلتين أيضاً من هذه الروايات، موثّقة صفوان، لأنّ مورد غيرها من سائر الروايات يختص بغير الأوّلتين كما هو ظاهر، فلابدّ حينئذ من ملاحظة مدلولها.
فنقول: ربّما يقال : بأنّ رواية صفوان لأجل احتمال كون المراد به هو خصوص صورة التردّد بين الاحتمالات الكثيرة الذي هو ما اصطلح عليه الفقهاء، تكون النسبة بينها وبين الأدلة الدالة على اعتبار العلم في الأوليين عموماً من وجه، لأنّ التردّد بين احتمالات كثيرة أعم من أن يكن في البين قدر متيقّن أو لا، فمن موارده ما إذا حفظ الأُوليين ثمّ تردّد بين احتمالات شتّى، وحينئذ فيشكل تقديمها على تلك الأدلة، نعم لو استفيد كون اعتبار الظنّ من حيث الطريقيّة يتم المقصود، فإنّه يكون دليل اعتباره حاكماً على أدلّة اعتبار العلم في الأوليين ولكنّه في غاية الاشكال.
ولا يخفى أنّ الظاهر من الرواية بعد عدم إمكان حملها على ما إذا فاتت منه صلوات لا يدري مقدارها، ولم يقع وهمه على شيء، لأنّ الحكم بوجوب الإعادة ينافي ذلك أنّ المراد به ما إذا كان عدد الركعات مجهولاً، سواء كان قدر متيقّن في

(1) الفقيه1: 229 ح 1015; الكافي 3: 353 ح8 ; الوسائل 8 : 219 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح1.
(2) الكافي 3: 8 35 ح1; التهذيب 2: 87 1 ح 744; الاستبصار 1: 373 ح 1419; الوسائل 8 : 225 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب15 ح1.

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>