جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج3 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة61)

معاوية بن عمّار وعمّار الساباطي المتقدّمتان(1) .
ورواية واحدة واردة فيمن قرأ موضع التسبيح أو بالعكس ، وهي رواية عمّار المتقدّمة .
ورواية واحدة واردة في مطلق الزيادة والنقيصة ، وهي مرسلة سفيان بن السمط(2) التي يجي نقلها والتكلّم في مفادها .
قال الشيخ في المبسوط : وهي تعمّ كلّ فعل وهيئة وفرض ونفل ، ولكنّه بعيد(3) . هذه هي الروايات الواردة في السهو بالمعنى المصطلح .
وأمّا ما ورد منها في خصوص الظنّ ، فهي رواية الحلبي الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع الدالّة على وجوب سجدتي السهو إذا ذهب الوهم إلى الأربع(4) ، وقد أفتى على طبقها عليّ بن بابويه(5) ، ولكنّه شاذّ ، ورواية إسحاق بن عمّار الواردة فيمن ذهب وهمك إلى التمام أبداً في كلّ صلاة(6) ، ورواية محمد بن مسلم(7) ، ولم يعمل على طبق هذه الرواية أحد من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين .
وأما الروايات الواردة في خصوص الشكّ فعلى طائفتين ، طائفة منها غير معمول بها ، كرواية سهل بن اليسع الواردة فيمن لا يدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً الدالّة على أنّه يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم(8) ، ورواية

(1) الوسائل 8: 250 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح1 و2 .
(2) الوسائل 8: 250 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح2 و 3 .
(3) المبسوط 1: 125  .
(4) الكافي 3: 353 ح8 ; الوسائل 8: 217 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح5 .
(5) مختلف الشيعة 2: 411 و 424; الذكرى 4: 86  .
(6) التهذيب 2: 183 ح730; الوسائل 8: 211 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب7 ح2 .
(7) الكافي 3: 352 ح5; الوسائل 8: 217 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح 4 .
(8) الفقيه 1: 230 ح1023; الوسائل 8: 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح2 .

(الصفحة62)

عنبسة الواردة فيمن لا يدري ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثاً الدالّة على أنّه يبني صلاته على ركعة واحدة ، يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ويسجد سجدتي السهو(1) .
ورواية أبي بصير الواردة في الشكّ بين الإثنتين والأربع الدالّة على وجوب إضافة الركعتين بعد القيام والسجدتين بعد السلام(2) ، ورواية بكير بن أعين الواردة في الشكّ بين الإثنتين والأربع أيضاً(3)  ، ورواية عليّ بن يقطين الواردة فيمن لا يدري كم صلّى واحدة أو اثنتين أم ثلاثاً الدالّة على وجوب البناء على الجزم ، وأنّه يسجد سجدتي السهو ويتشهّد تشهّداً خفيفاً(4) .
وطائفة قد أفتى على وفقها بعض الأصحاب ، وهي رواية الحلبي الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس(5) ورواية زرارة الواردة فيما إذا شكّ الرجل فلم يدر زاد أم نقص(6) ، ورواية سماعة الدالّة على نفي سجود السهو فيمن حفظ سهوه فأتمّه(7) ، ورواية الفضيل كذلك(8) ، وقد أفتى الصدوق على طبقها(9) ولابدّ من التكلّم في مفادّ هذه الروايات الأربع بعد إيرادها فنقول :


(1) التهذيب 2: 353 ح1463; الاستبصار 1: 376 ح1427; الوسائل 8: 193 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح24 .
(2) التهذيب 2: 185 ح738; الوسائل 8: 221 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح8 .
(3) المحاسن 2: 57 ح1166; الوسائل 8: 221 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح9 .
(4) التهذيب 2: 187 ح745; الاستبصار 1: 374 ح1420; الوسائل 8: 227 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب15 ح6 .
(5) الفقيه 1: 230 ح1019; التهذيب 2: 196 ح772; الاستبصار 1: 380 ح1441; الوسائل 8 : 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح4  .
(6) الكافي 3: 354 ح1; الوسائل 8: 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح2 .
(7) الكافي 3: 355 ح4; الوسائل 8: 239 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح8 .
(8) الفقيه 1: 230 ح1018; الوسائل 8: 225 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح 6 .
(9) الفقيه 1: 225 ذ ح 993  .

(الصفحة63)

أمّا رواية الحلبي فهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً» . وقوله : «أم نقصت» يحتمل أن يكون عطفاً على قوله أربعاً . ويحتمل أن يكون عطفاً على قوله لم تدر .
وعلى الأول يحتمل أن تكون لفظة «أم» متّصلة . ويحتمل أن تكون منقطعة . أمّا احتمال أن يكون عطفاً على قوله: «لم تدر» بأن يكون المراد من الرواية : إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو خمساً أو إذا نقصت أو زدت ، فتدلّ الرواية حينئذ على ثبوت سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، كما هو مفاد مرسلة سفيان المتقدّمة ، فيبعّده أنّ كون كلمة «أم» متّصلة مشروطة بوقوعها ، إمّا بعد همزة التسوية كقوله تعالى : {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}(1) أو وقعت بعد همزة تكون مغنية عن لفظة أيّ ، كقوله : أزيد جاءك أم عمرو؟
ومن المعلوم عدم ثبوت هذا الشرط بناءً على هذا الاحتمال ، مضافاً إلى أنّ الظاهر من السياق كون المراد بالنقص والزيادة ، النقص عن الركعة بركعة أو أزيد ، والزيادة عليها كذلك ، وعليه تكون الرواية معرضاً عنها بالنسبة إلى الزيادة ، لانّ العلم بثبوتها يوجب الاستئناف لا السجدتين . نعم لا بأس به في طرف النقيصة لا من حيث كون النقص من حيث هو هو موجباً لهما ، بل من حيث استلزامه لوقوع التسليم في غير محلّه ، وهو الموجب للسجدتين كما هو ظاهر .
وأمّا بناءً على أن يكون معطوفاً على قوله : «أربعاً» كما لعلّه الظاهر ، فيحتمل حينئذ أن تكون «أم» متّصلة ويحتمل أن تكون منقطعة ، وعلى الأول يصير مدلول الرواية أنّه إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو خمساً أو نقصت من الأربع أو زدت على الخمس ، بأن كان شكّك ذا أطراف كثيرة مشتملا على احتمال النقيصة إمّا بركعة أو

(1) البقرة: 6  .

(الصفحة64)

ركعتين أو أزيد ، وعلى احتمال التمامية واحتمال الزيادة بركعة أو ركعتين أو أزيد فيجب عليك سجدتا السهو ، ومن المعلوم أنّ هذا المدلول لا يكون مفتى به لاحد من الأصحاب رضوان الله عليهم .
وعلى الثاني الذي مبناه على كون «أم» منقطعة ، ومعناها كونها للإضراب عن المطلب السابق ، تدلّ الرواية على ثبوت سجدتي السهو في الشكّ بين الأربع والخمس ، وكذا في الشكّ بين مطلق الزيادة والنقيصة ، سواء كانت الزيادة خمساً أو غيرها ، والنقيصة أربعاً أو غيرها ، وعليه لا يكون المراد بالزيادة ، الزيادة على الخمس . ولا بالنقيصة ، النقيصة من الأربع ، كما في الاحتمال الأول ، بل مطلق الزيادة والنقصان .
ومن المعلوم أنّ هذا باطلاقه غير معمول به ، ضرورة أنّ العلم الإجمالي بكون الصلاة إمّا ناقصة بركعة مثلا أو مزيدة عليها كذلك يوجب الاستئناف كما عرفت لا السجدتين ، فالانصاف أنّه لا يمكن الالتزام بمدلول الرواية على شيءمن التقادير المتقدّمة .
وأمّا رواية زرارة ، فهي التي رواها عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس» وسمّاها رسول الله(صلى الله عليه وآله) المرغمتين . والظاهر عدم جواز العمل بها ، لظهورها في كون المراد بالزيادة هي زيادة ركعة أو أزيد ، وبالنقيصة هي نقيصة ركعة أو أزيد .
وحينئذ فان كان المراد ، الزيادة على الأربع والنقص عنها بحيث كان مرجعه إلى العلم الإجمالي بوقوع الخلل في الصلاة إما من ناحية الزيادة وإمّا من جهة النقيصة ، فالحكم كما عرفت هو وجوب الاستئناف ، لبطلانها بذلك .
وإن كان المراد بهما مطلق الزيادة والنقيصة ، بحيث كانت الزيادة زيادة بالنسبة

(الصفحة65)

إلى النقيصة; والنقيصة نقيصة بالاضافة إلى الزيادة ، فاطلاق الرواية لا يكون حينئذ معمولا به عند أصحابنا الإمامية ، بل يقرب من مذهب العامّة ، على ماعرفت من أنه يجب سجود السهو عندهم عند عرض الشكّ في عدد الركعات في أثناء الصلاة ، بلا فرق بين الأوليين والأخيرتين(1) .
وأما رواية الفضيل بن يسار أنه سأل أباعبدالله (عليه السلام) عن السهو؟ فقال : «من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزادفي صلواته أم نقص منها» ، والكلام في هذه الرواية كالكلام في رواية زرارة ، إلاّ أنه لا يجري هنا احتمال كون المراد بالزيادة والنقيصة مطلقها ، بل ظاهرها باعتبار كلمة «منها» هي الزيادة على الأربع والنقيصة عنها ، وقد عرفت أنّ ـ في صورة العلم الإجمالي بنقصان الصلاة وزيادتها ـ الحكم هو البطلان ، ووجوب الاستئناف ، لا وجوب السجدتين .
وأمّا رواية سماعة فهي من حيث المتن متّحدة مع رواية الفضيل ، فالكلام فيها هو الكلام فيها .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنه لا ينهض شيء من هذه الروايات الأربع لإثبات وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة كما عرفت من الصدوق ، نعم يدلّ على ذلك مرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» .
والمناقشة في سندها من جهة الارسال ، مدفوعة ، بأنّ المرسل هو ابن أبي عمير الذي كان له جامع معمول بين الأصحاب مؤلّف في زمن الرضا(عليه السلام) ، ولم يفرّق الأصحاب بين مسانيده ومراسيله ، كما أنّ دلالتها على أنّ المراد بالزيادة وكذا

(1) راجع 3 : 52 .

(الصفحة66)

النقيصة هي الزيادة والنقيصة السهويتان ، واضحة من حيث التعبير بكون السجدتين هما سجدتي السهو ، ومن جهة توصيف الزيادة بالدخول عليك كما لا يخفى .
نعم ، الذي يقتضيه التتبّع والتفحّص في شتات الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة ، أنّ للمرسلة معارضات كثيرة ، ولابأس بايراد جملة منها فنقول :
منها : صحيحة زرارة الواردة فيمن جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، الدالّة على أنه إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته(1) ، وجه المعارضة أنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) : «فلا شيء عليه» هو نفي ثبوت تكليف عليه من وجوب الإعادة أو غيرها كالسجدتين للسهو ، فدلّ على ثبوت سجدتي السهو مع نقصان الجهر أو الاخفات في موضعهما .
ويمكن المناقشة في المعارضة: تارة بأنّ الظاهر من قوله: «فلا شيء عليه» هو نفي خصوص وجوب الإعادة عليه ، لأنّ الظاهر أنّ هذه الجملة بيان لمفهوم الجملة الاُولى الدالّة على وجوب الإعادة على من فعل ذلك متعمّداً ، فيختصّ بذلك ولا دلالة لها على نفي سجود السهو .
واُخرى بأنّه على تقدير دلالتها على نفي وجوب سجود السهو أيضاً لا تكون صالحة للمعارضة ، لانّ الإخلال بالجهر أو الإخفات في مواضعهما خارج عن مورد المرسلة ، لانّ المتبادر من النقيصة هو نقص الأجزاء الواجبة كما لا يخفى .
ومنها : صحيحتا زرارة ومحمد بن مسلم الواردتان في نسيان القراءة الدالّتان على أنّ من نسيها فلا شيء عليه ـ كما في الأولى ـ أو فقد تمّت صلاته ولا شيء

(1) الفقيه 1: 227 ح1003; التهذيب 2: 162 ح635; الإستبصار 1: 313 ح1163; الوسائل 6: 86 . أبواب القراءة في الصلاة ب26 ح1 .

(الصفحة67)

عليه ـ كما في الثانية(1) ـ  .
ومنها : حديثا ابن حازم(2) وحسين بن حمّاد(3) الواردان في السهو عن القراءة في الصلاة كلّها ، الدالاّن على تمامية الصلاة مع إتمام الركوع والسجود ـ كما في الأول ـ أو مع حفظهما ـ كما في الثاني ـ والانصاف أنه لا دلالة لهما على نفي وجوب سجود السهو ، لانّ غاية مدلولهما تمامية الصلاة مع إتمام الركوع والسجود ، وهي لا تنافي وجوب السجود للسهو بناءً على ما هو الحقّ عندنا من عدم كون الاخلال بسجود السهو في مورد وجوبه مضرّاً بتماميّة الصلاة خلافاً للعامة(4) .
ومنها : الأخبار الواردة في جواز العدول عن سورة إلى اُخرى في بعض الموارد(5) من غير تعرّض لسجود السهو ، ويمكن المناقشة في معارضتها للمرسلة بعدم كون مورد تلك الأخبار زيادة مشمولة للمرسلة حتّى يقع بينهما التعارض .
ومنها : خبر عبدالله بن ميمون القداح الوارد في نسيان تسبيح الركوع الدالّ على تمامية الصلاة ، وخبر عليّ بن يقطين الوارد في نسيان تسبيح الركوع والسجود الدالّ على نفي البأس بذلك(6) .
ومنها : رواية إسمعيل بن جابر عن أبي عبدالله(عليه السلام) الدالّة على وجوب الرجوع للسجود ما لم يركع فيما إذا نسي السجدة الثانية فذكر وهو قائم ، مع انّ الرجوع مستلزم لوقوع القيام أو هو مع القراءة كلاًّ أو بعضاً زيادة في الصلاة ، وظاهر

(1) الفقيه 1: 227 ح1005; التهذيب 2: 146 ح569; الكافي 3: 347 ح1; الوسائل 6: 87 أبواب القراءة في الصلاة ب27 ح1 و2 .
(2) الكافي 3: 348 ح3; التهذيب 2: 146 ح570; الوسائل 6: 90 . أبواب القراءة في الصلاة ب29 ح2 .
(3) الفقيه 1: 227 ح1004; التهذيب 2: 148 ح579; الوسائل 6: 93 . أبواب القراءة في الصلاة ب30 ح3 .
(4) المجموع 4: 152; بداية المجتهد 1: 264; الخلاف 1: 462; تذكرة الفقهاء 3: 359 مسألة 365 .
(5) راجع الوسائل 6: 100 ، أبواب القراءة في الصلاة ب36 .
(6) التهذيب 2: 157 ح612 و614; الوسائل 6: 320 . أبواب الركوع ب15 ح1 و2 .

(الصفحة68)

الرواية عدم وجوب سجدتي السهو لأجل ذلك . ومثلها رواية أبي بصير ـ ليث المرادي ـ في الدلالة على وجوب الرجوع للسجود فيما إذا نسي سجدة واحدة مادام لم يركع ، وعدم التعرّض لوجوب سجدتي السهو ، بل ظاهرها العدم(1) .
ومنها : الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان التشهّد الأول الدالّة على وجوب الرجوع إليه مادام لم يركع(2) ، من غير تعرّض لوجوب السجدتين للسهو من جهة زيادة القيام أو هو مع التسبيحات كلاًّ أو بعضاً ، بل ظاهرها بقرينة المقابلة مع ما إذا تذكّر بعد الركوع ـ حيث حكم فيه بالقضاء وسجدتي السهو ـ عدم وجوبهما هنا .
ومنها : الأخبار الواردة في نسيان القنوت الدالّة على أنه لا شيء معه(3) .
وغير ذلك ممّا يستفاد منه خلاف ما تدلّ عليه المرسلة . ومع ثبوت المعارض لها لابدّ من ترجيحه لأجل ثبوت الشهرة من حيث الفتوى على خلافها كما عرفت ، ويؤيّده ما ذكره الشيخ في المبسوط حيث إنّه بعد اختيار أنّ سجدتي السهو لاتجبان إلاّ في خمسة مواضع ، وحكاية أنّ في أصحابنا من قال : تجبان في كلّ زيادة ونقصان ، وعليه تجبان في كلّ زيادة على أفعال الصلاة أو هيآتها ، فرضاً كانت أو نفلا ، وكذلك كلّ نقيصة كذلك ، قال : إلاّ أنّ الأول أظهرفي الروايات والمذهب(4) .
وبالجملة : فالأقوى ما ا ختاره الشيخ(قدس سره) لما عرفت .
ثمّ إنّ سجود السهو في موارد وجوبه هل يكون شرطاً لصحّة الصلاة بحيث كان الاخلال به مضرّاً بها ، أو أنّ التكليف الوجوبيّ المتعلّق به تكليف نفسيّ ، غاية

(1) التهذيب 2: 153 و152 ح602 و598; الاستبصار 1: 359 و358 ح1361 و1360; الفقيه 1: 228 ح1008; الوسائل 6: 364 و 365 . أبواب السجود ب14 ح1 و4 .
(2) راجع الوسائل 6: 401 . أبواب التشهّد ب7  .
(3) راجع الوسائل 6: 285 . أبواب القنوت ب15 .
(4) المبسوط 1 : 123 ـ 125  .

(الصفحة69)

الأمر أنّ موجبه أمر وقع في الصلاة من زيادة أو نقصان على ما عرفت ؟ وجهان ، والظاهر أنه لا خلاف بيننا نصاً وفتوى في عدم كون الإخلال به موجباً لبطلان الصلاة .
نعم ، حكي عن الشيخ في الخلاف أنه قال بالوجوب ، وكونهما شرطاً في الصحّة حيث قال : سجود السهو واجب وشرط في صحة الصلاة(1) كما أنه حكي ذلك عن المصابيح مع نسبته فيه إلى بقية الأصحاب(2) ، لأنّهم كانوا قائلين بوجوب المبادرة ، وعن الذخيرة والكفاية أنه أحوط(3) .
وعن المعتبر(4) أنه ربما يظهر منه موافقة الخلاف وقوّاه في مفتاح الكرامة ، حيث إنّه بعد نقل هذا القول قال : قلت: هو قويّ جدّاً بحسب الأصول والقواعد وظواهر الأخبار ، لأنّ العبادة إن كانت إسماً للصحيح ـ كما هو الصحيح ـ يكون المكلّف مع هذا الخلل غير ممتثل ، لأنّ الشارع قد جعل هذه السجدة تداركاً لخللها ، فالصلاة حينئذ مطلوبة مع هذه السجدة ومأموراً بها بهذا الوجه ، فلو ترك السجدة عمداً لا يكون آتياً بالمأمور به على وجهه ، بل لو ترك سهواً يكون كذلك أيضاً ، إلاّ أن نقول بصحّتها من دليل أو قاعدة في صورة السهو .
نعم لو قيل: بأنّها إسم للأعمّ يكون الإتيان بسجدة السهو واجباً برأسه ، من غير مدخلية له في صحة الصلاة لأصالة الصحّة ، أو قيل : بأنّ كلّ خلل في الصلاة خطأً أوسهواً غير مضرّ، لعموم قوله(عليه السلام): «رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» ، وكلاهما غير مرضيّين ، خصوصاً في مقام قد جعل الشارع أمراً من الأمور تداركاً للسهو.


(1) الخلاف 1: 462 مسألة 203 .
(2) مصابيح الظلام: أواخر ج7 ، مفتاح 201 ، ذ شرح قول الماتن: «ولو أهملها»; مفتاح الكرامة 3: 375 .
(3) ذخيرة المعاد: 382; كفاية الأحكام : 26; المسألة الخامسة من الطرف الثاني .
(4) المعتبر 2: 402 .

(الصفحة70)

وتتبّع أحكام السهو يوجب على القطع بفساد أصالة الصحّة في غير كثير الشكّ ، ومن كان شكّه بعد الخروج عن موضع الشكّ ، وقد ورد في غير واحد من الأخبار «فاسجد سجدتي السهو» والفاء للتعقيب بلا مهلة وربما منع ، لكنّ المتبادر من جميع أخبار المسألة أنّهما بعيد التسليم وليس في مدّة العمر ، وفي بعضها بعد التسليم وفي بعضها وأنت جالس(1) . إنتهى بعض كلامه رفع مقامه .
والظاهر ما عرفت من عدم كونهما شرطاً ، وذهاب الشيخ إليه في كتاب الخلاف الذي قد صنّف في محيط جميع فقهاء المسلمين ، وكان المقصود من تصنيفه إيراد الفتاوى المتداولة بينهم لايسدّنا عن الخلاف ، خصوصاً مع ذهابه في سائر كتبه إلى ما ذكرنا ، كما أنّ اختيار السيّد(قدس سره) في كتاب المصابيح لا يصرفنا عن ذلك ، خصوصاً بعد كون ذلك الكتاب متفرّقات جمعت بعد موت مؤلّفه ، ونسبة ذلك إلى بقيّة الأصحاب مردودة ، لما عرفت من عدم الخلاف بينهم ظاهراً في عدم الشرطية .
وأمّا ما استدلّ به لهذا القول الذي قوّاه صاحب المفتاح فيرد عليه:
أوّلا : إنّ العبادة وإن كانت إسماً للصحيح على ما هو التحقيق ، إلاّ أنّ الصحيح الموضوع له هو عنوان واحد لا يختلف بحسب اللّغة والملل ، ويدلّ عليه تحقّق عنوان الصلاة على ما في الكتاب العزيز في شريعة موسى وعيسى(عليهما السلام) ، كقوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام) : {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً}(2) وذلك العنوان هو عنوان التخضّع والتخشّع بنحو مخصوص; غاية الأمر تحقّق الاختلاف بين الأديان في تلك الكيفية وذلك النحو ، وحينئذ فالاخلال بالسجدتين المأمور

(1) مفتاح الكرامة 3 : 375 ـ 376  .
(2) مريم: 31 .

(الصفحة71)

بهما بعد الصلاة لا يوجب عدم تحقّق عنوانها حتّى لا يكون ممتثلا فتدبر .
وثانياً: إنّ دعوى كون السجدة تداركاً للخلل الواقع في الصلاة وهي مطلوبة مع هذه السجدة ومأمور بها بهذا الوجه; أوّل الكلام ، فإنّا لا نسلّم أن تكون الصلاة مطلوبة مع هذه السجدة بحيث كانت السجدة مأموراً بها بالأمر الضمني أو الغيري وكونها تداركاً للخلل .
ممنوعة ، لعدم الدليل عليه ، فلعلّها كانت عقوبة لأصل السهو الواقع في الصلاة ، كما استظهرنا ذلك سابقاً في سجود السهو المسبّب عن الشكّ بين الأربع والخمس(1) ، حيث ذكرنا أنّ احتمال الزيادة مدفوع بالأصل ، والتكليف بالسجود مسبّب عن أصل تحقّق السهو في الصلاة ، ويؤيّد ما ذكرنا من عدم قدح الاخلال بسجود السهو في صحة الصلاة رواية عمّار بن موسى المتقدّمة الدالّة على أنّ نسيان سجدتي السهو لا يضرّ بالصلاة ، بل يسجدهما متى ذكر(2) ، فإنّها وإن كانت مشتملة على ما لا يقول به الأصحاب من الأحكام ، إلاّ أنه لا يضرّ بالاستدلال بها في غير تلك الموارد كما هو واضح .
هذا كلّه ما يتعلّق بذلك عند أصحابنا الإمامية ، وأما العامّة فقد اختلفوا في ذلك ، والظاهر أنّ القائلين بالوجوب ـ وأنّ سجود السهو فرض ـ كأبي حنيفة ومالك في بعض الموارد ذهبوا كلاًّ أو جلاًّ إلى كونه من شروط صحة الصلاة(3) .
ثمّ إنّ موضع سجود السهو عند أصحابنا الإمامية إنّما هو بعد التسليم(4) ، وقد

(1) راجع 2 : 498 .
(2) الوسائل 8: 250 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح2 .
(3) راجع 3 : 67 .
(4) أمالي الصدوق: 513; المقنعة : 148; الخلاف 1: 448; المبسوط 1: 125; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 37; الكافي في الفقه : 148; المراسم: 90; مستند الشيعة 7: 241 .

(الصفحة72)

عرفت الاختلاف في ذلك من العامّة(1) .
وأما كيفيته ، فالظاهر عدم ثبوت التكبير فيهما ، وحكي عن بعض العامّة القول بالثبوت(2) ، وأمّا رواية زيد بن عليّ بن الحسين المتقدّمة(3) الدالّة على إتيانه(صلى الله عليه وآله) بسجدتي السهو ، وأنه استقبل وكبّر وهو جالس ثمّ سجد سجدتين ، فهي التي رواها العامّة واستدلّوا بها لاتيانه(صلى الله عليه وآله)بسجدتي السهو(4) .
ولكن قد تقدّم(5) أنّها مضافاً إلى كونها مخالفة لأصول المذهب ، معارضة بصحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنه لم يسجد سجدتي السهو قط . هذا ، ولكن لا خلاف بين المسلمين ـ كما مرّ(6) في كونهما سجدتين ـ وبين الإمامية ظاهراً في ثبوت التشهّد والتسليم فيهما(7) ، وقد عرفت اختلاف العامّة في ذلك(8) .
وأمّا الذكر ، فقد وقع الاختلاف بين الإمامية في وجوبه واستحبابه ، وكذا في كيفيته(9) وقد ورد في هذا الباب مارواه الصدوق في الفقيه باسناده عن الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «تقول في سجدتي السهو: بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» (اللّهم صلّ على محمد وآل محمد خ ل) قال : وسمعته مرّة اُخرى

(1) راجع 3 : 53 .
(2) فتح العزيز 4: 183 و 192 ; عمدة القارئ 7 : 310; تذكرة الفقهاء 3 : 367; مستند الشيعة 7: 244 .
(3) الوسائل 8: 233 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب19 ح9 .
(4) صحيح البخاري 1: 197 ح714; وج2 : 82 ـ 83 ح1227 ـ 1229; سنن ابن ماجة 1: 383 ب134 .
(5) راجع 3 : 60 .
(6) راجع 3 : 51 .
(7) المبسوط 1: 125; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 37; السرائر 1: 259; المعتبر 2: 401; تذكرة الفقهاء 3: 362 مسألة 366; مستند الشيعة 7: 242; جواهر الكلام 12: 442 .
(8) راجع 3 : 53 .
(9) المقنع: 110; المبسوط 1: 125; المعتبر 2: 401; مدارك الأحكام 4: 283; الحدائق 9: 336; مجمع الفائدة والبرهان 3: 162; ذخيرة المعاد: 382; مستند الشيعة 7: 244; جواهر الكلام 12: 453 .

(الصفحة73)

يقول : «بسم الله وبالله والسلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» ، ورواه الشيخ في التهذيب مع اختلاف يسير ، وهو إعادة الجار مع قوله : آل محمد وعطف جملة «السلام عليك» بالواو(1) .
هذا ، والظاهر أنّ المراد بقول الراوي : وسمعته مرّة اُخرى يقول : ليس هو أنه سمعه في مقام الإتيان بسجدتي السهو يقول كذلك ، كيف وهو مضافاً إلى مخالفته لأصول المذهب مردود لصحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنه لا يسجدهما فقيه(2) ، بل المراد أنه سمعته يقول على وجه الفتوى والتعليم .
وكيف كان ، فيستفاد من الرواية التخيير في الذكر بين الكيفيتين ، بل الظاهر التخيير في مقام الصلاة على النبيّ وآله بين الإتيان بالجملة الخبرية أو الإنشائية ، وإن كان الصادر من الامام(عليه السلام) واحداً منهما ، وذلك لأجل عدم تفاوت في المضمون . ومنه يظهر ثبوت التخيير بين الإتيان بالجار وعدمه ، وبين العطف في قوله : السلام عليك وعدمه ، كما هو ظاهر .


هل يتعدّد السجود بتعدّد الموجب أم يتداخل الأسباب؟
هل يتعدّد السجود عند تعدّد الموجب مطلقاً ، أم يتداخل مطلقاً ، أو يفصل بين ماإذا كان الموجب من سنخ واحد ، كما إذا تحقّق الكلام السهوي متعدّداً فيتداخل ، وبين ما إذا لم يكن كذلك فيتعدّد؟ وجوه وأقوال ، ذهب إلى الأول جمع كثير كالعلاّمة والشهيد والمحقّق الكركي وغيرهم بل هو المشهور(3) ، وإلى الثاني

(1) الفقيه 1: 226 ح997; الكافي 3: 356 ح5; التهذيب 2: 196 ح773 ; الوسائل 8 : 234 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب20 ح 1  .
(2) الوسائل 8: 202  . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح13 .
(3) التحرير 1: 50; نهاية الأحكام 1: 549; تذكرة الفقهاء 3: 365; الذكرى 4 : 90; جامع المقاصد 2: 493; الموجز الحاوي (رسائل العشر): 108; مجمع الفائدة والبرهان 3: 198; ونسب في مفتاح الكرامة 3: 376 ، إلى كشف الالتباس; والجعفريّة والغريّة وشرح الألفيّة وارشاد الجعفريّة; مستند الشيعة 7 : 247 .

(الصفحة74)

الشيخ في المبسوط والمحقّق السبزواري في الذخيرة والكفاية وبعض آخر(1) ، وإلى الثالث ابن إدريس في السرائر ، وحكي عنه أنه نفى الخلاف عن عدم التداخل عند الاختلاف(2) ، وحيث أنه لا خصوصيّة للمقام بل هو من صغريات مسألة التداخل المعنونة في الأصول ، فلا بأس بالاشارة إلى تلك المسألة والتعرّض لها بنحو الاجمال ، فنقول وعلى الله الإتكال :
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كقوله : «إذا بلت فتوضّأ» و«إذا نمت فتوضأ» ، فهل اللازم الإتيان بالجزاء متعدّداً حسب تعدّد الشرط أم يتداخل فلا يجب إلاّ إتيانه ، فتعدّد دفعة واحدة ، أم يفصل بين ما إذا اتّحد جنس الشرط فيتداخل وما إذا تعدّد فيتعدّد؟ وجوه وأقوال ، نسب الأول إلى المشهور . والثاني إلى المحقّق السبزواري وجماعة . والثالث إلى الحلّي في السرائر(3) .
ونحن نقول : لا إشكال ولاخلاف في أنّ طبيعة واحدة وماهيّة فاردة لا يعقل أن يتعلّق بها أزيد من أمر واحد بالنسبة إلى آمر واحد ومأمور كذلك ، ضرورة أنّ التخصّص بخصوصيتين أو أزيد ، لابدّ وأن يكون ناشئاً من اختلاف الخصوصيات وتعدد المميزات ، وإلاّ فصرف الشيء لا يتثنّى ولا يتكرّر .
إنّما الإشكال فيما إذا تعدّدت الأسباب ، وأنّ كلّ سبب هل يوثِّر في حصول الأمر مستقلاًّ أو لا ، بل التأثير مستند إلى السابق منها وعند الاجتماع إلى مجموعها ، نظير توارد العلل التامّة على معلول واحد في الاُمور الخارجية؟ ، ونقول : حيث إنّ

(1) المبسوط 1: 123; المعتبر 2: 402; الذخيرة: 382; كفاية الأحكام : 27; بحار الأنوار 85: 227; الحدائق 9: 341; مفتاح الكرامة 3: 376 .
(2) السرائر 1: 258  .
(3) نهاية الاصول : 305 .

(الصفحة75)

متعلّق الأمرين أو الأوامر في الجزاء طبيعة واحدة وهي التوضّأ في المثال ، وظاهر القضية عدم كونها مقيّدة بشيء آخر ، وأنّ الطبيعة باطلاقها متعلّقة للأمر .
وقد عرفت أنّ الطبيعة الواحدة التي لم يلحظ فيها جهة الكثرة أصلا يستحيل أن يتعلّق بها أزيد من طلب واحد ، لانّ التكثّر لابدّ وأن يكون مسبّباً إما عن الآمر وإمّا عن المأمور ، وإمّا عن المأمور به ، المفروض إتّحاد الاُمور الثلاثة في المقام ، فلا بدّ أن يقال بتداخل الأسباب وعدم تأثيرها إلاّ في مسبّب واحد ، وإلاّ يلزم تعلّق أمرين أو أزيد بأمر واحد وشيء فارد .
وهذا لا فرق فيه بين أن تكون الأسباب والعلل الشرعية مؤثرات تامة أو غير تامة ، أو معرفات لا يكون لها تأثير أصلا ، فانّ امتناع التكثّر إنّما هو من جهة استحالة اتّصاف طبيعة واحدة بكونها مأموراً بها بأمرين أو أزيد ، فاللازم على القائل بعدم التداخل من الالتزام بأحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ ، إمّا القول بكون متعلّق الوجوب في كليهما هي الطبيعة المقيدة ، وإمّا القول بالاطلاق في أحدهما والتقييد في الآخر .
وهذا الالتزام وإن كان يمكن أن يستند إلى ظهور الشرطية في السببية التامة وترجيحه على ظهور الجزاء في اطلاق متعلّقه ـ حيث إنّه مقدّمات الحكمة ولا مجال لها مع ظهور الشرطية في السببية التامّة ـ إلاّ أنه يقع مورداً للإشكال ، من جهة أن القيد الذي يقيّد به أحد المتعلّقين أو كلاهما ماهو؟ وأنّ المتعلّق هل يكون قابلا للتقييد أم لا؟ .
ضرورة أنّ القيد المتصوّر هنا هو عنوان الغيرية ، بأن يكون متعلّق الوجوب في قوله : «إذا بلت فتوضّأ» هو الوضوء الموصوف بكونه مغايراً للوضوء الذي تعلّق به الوجوب في قوله : «إذا نمت فتوضّأ» وكذا العكس ، ومن الواضح عدم استقامة هذا ، لانّ تحقّق عنوان الغيرية متقوّم بأن يكون الأمر الذي هذا مغايراً له

(الصفحة76)

متميزاً ومتعيناً ، والمفروض أنّ تميّزه أيضاً إنّما هو بكونه مغايراً لهذا الأمر ، فكون هذا الأمر مغايراً له يتوقّف على تعيّنه ، فاذا توقّف تعيّنه على كونه مغايراً لهذا الأمر يلزم الدور كما هو واضح .
ودعوى أنّ القيد لا ينحصر في عنوان الغيرية ، بل يمكن تقييد المتعلّق في كليهما بخصوصية سبب الأمر الذي تعلّق به ، بأن يكون الواجب في قوله : «إذا بلت فتوضّأ» هو الوضوء الجائي من قبل البول ، وفي قوله : «إذا نمت فتوضّأ» هو الوضوء الجائي من قبل النوم .
مدفوعة بأنّ لازم ذلك وجوب تقييد المنويّ ذلك أيضاً ، بأن يكون اللازم عند التوضي عقيب البول قصد الوضوء المتّصف بذلك ، مع أنه لا يلتزم به أحد .
وبالجملة: العمدة في هذا الباب تصوير القيد الذي يوجب تعدّد المتعلّقين لأحدهما أو كليهما ، ومع عدمه لا مجال لدعوى عدم التداخل بعد كون المتعلّق في كليهما هو نفس الحيثية المطلقة وصرف وجود الطبيعة .
وليس المراد بصرف الوجود ما لا ينطبق إلاّ على أوّل الأفراد حتّى يمنع كون متعلّق الأوامر ذلك ، نظراً إلى أنّ ما يدلّ العقل على دخله في متعلّق الطلب زائداً على مدلول اللفظ ، انّما هو مطلق الوجود لا عنوان الصرفية والناقضية للعدم ، بل المراد به هوالوجود الصرف الذي لا يكون مقيداً بقيد ، وليس مبنى القول بالتداخل هو القول بصرف الوجود بذلك المعنى ، بل على تقدير تعلّق الأوامر بمطلق وجود الطبيعة أيضاً ، يستحيل تعلّق أمرين أو أزيد بطبيعة واحدة وحقيقة فاردة .
ضرورة أنّ مطلق وجود الطبيعة وإن كان يصدق على المصاديق الطولية كصدقه على المصاديق العرضية ، لا بمعنى كون المتعدّد منها فرداً واحداً ، بل بمعنى كون كلّ واحد فرداًمستقلاّ، إلاّ أنه يكفي في تحقّق الامتثال وحصول الغرض الإتيان بفرد واحد ووجود فارد ، فاطلاق متعلّق الجزاء لا يقتضي لزوم الإتيان بأزيد منه .


(الصفحة77)

فعلى تقدير القول بتعلّق الأوامر بمطلق وجود الطبيعة أيضاً ، لابدّ من الالتزام بالتداخل  ، لما عرفت من أنّ وجود الطبيعة وإن كان متكثّراً صادقاً على كلّ واحد من الأفراد ، من دون فرق بين الأفراد التدريجية والدفعية ، إلاّ أن الفرد الأول كاف في تحقّق الطبيعة وحصول الامتثال ، فاطلاق متعلّق الجزاء في كلتا الشرطيّتين يقتضي الاجتزاء بأوّل وجود الطبيعة لتحقّقها به ، فلا وجه لعدم التداخل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى الأصل التداخل ، ولكنّ الظاهر أنّ العرف ربّما يساعد القول بالعدم ، ويفهم من القضايا الشرطية التي تعدد الشرط فيها واتحد الجزاء تكرار متعلّق الجزاء حسب تعدد الأسباب وتكرّرها ، مضافاً إلى أنّ المستفاد من بعض الروايات الواردة في المقام ـ أعني سجود السهو ـ من طرق العامّة(1) وطريق الخاصّة وجوب تكراره حسب تعدد الموجب ، فإنّ قوله(عليه السلام) في المرسلة المتقدّمة : «تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(2)ظاهر في ايجاب كلّ زيادة وكذا نقيصة للسجدتين مستقلاًّ ، فلا ينبغي ترك الإحتياط وتكراره حسب تكرار الموجب ، نعم لايجب التكرار حسب تعدد أجزاء كلّ زيادة ، بل اللازم ملاحظة الزيادة الواقعة وأنه هل تعدّ شيئاً واحداً أم أشياء متعدّدة ، فالتكلّم سهواً بمقدار جملة أو أزيد متّصلا ، لا يوجب إلاّ الإتيان بالسجدتين مرّة واحدة .
ثمّ إنّه على تقدير تعدد الموجب لا يجب تعيينه قصداً عند الإتيان بهما ، بل يكفي الإتيان به على حسب تعدد الموجب وإن لم يعيّن قصداً ، وذلك لعدم الدليل على

(1) سنن أبي داود 1 : 272 ح1038; سنن ابن ماجة 1: 385  .
(2) التهذيب 2: 155 ح608; الاستبصار 1: 361 ح1367; الوسائل 8: 251; أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح3 .

(الصفحة78)

لزوم تعيين الموجب وإطلاق الأخبار الآمر بالسجود عقيب الموجب(1) يدفع اللزوم كما هو ظاهر .

الشكّ في النافلة

قد اشتهر بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعاً ـ كما ادّعاه بعض ـ أنه لا حكم للسهو في النافلة خلافاً لسائر الفرق ، حيث لم يفرّقوا بين الفريضة والنافلة في الأحكام المترتّبة على السهو(2) ، وكيف كان ، فالمعروف بين الإمامية التخيير بين البناء على الأقلّ والبناء على الأكثر ، فيما إذا شكّ في عدد الركعات(3) .
فما نسبه السيّد الأجل المحقّق اليزدي صاحب العروة إلى الأصحاب رضوان الله عليهم في بعض رسائله العمليّة من كون المعروف بينهم هو البناء على الأكثر ، إلاّ أن يكون مستلزماً للزيادة(4) ، كأنّه سهو منه(قدس سره) ، لما عرفت من أن المشهور هو التخيير بين البناء على الأقلّ والبناء على الأكثر .
وبالجملة: فاشتهار الحكم بين الأصحاب خصوصاً مع مخالفة سائر فرق المسلمين وانفرادهم به ، يغني عن الإجتهاد والتفحص عن الدليل ، وذلك لكشفه عن وجود نصّ معتبر ، ودلالته على كون هذا الحكم متلقّى إليهم من ناحية ائمّتهم المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، ومع ذلك فيمكن استفادة الحكم من جملة

(1) الوسائل 8 : 250  . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32  .
(2) المجموع 4: 161; بداية المجتهد 1: 264; الخلاف 1 : 465 مسألة 210 ; تذكرة الفقهاء 3: 333 مسألة 352 .
(3) الخلاف 1 : 465 مسألة 210; المعتبر 2: 395; شرائع الإسلام 1 : 108; تذكرة الفقهاء 3: 333; مدارك الأحكام 4: 274; جواهر الكلام 12: 423; مفتاح الكرامة 3: 345 .
(4) منتخب الرسائل: 64  .

(الصفحة79)

من الروايات :
منها : ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة وصفوان ، عن العلاء ، والكليني عن عليّ بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : «سألته عن السهو في النافلة؟ فقال : ليس عليك (عليه كما في الكافي) شيء(1)» وقد عرفت أنّ السهو بحسب المعنى اللغوي هو مطلق الذهول عن الواقع وعزوبه عن الذهن ، سواء كان مقارناً للجهل البسيط والتردّد والالتفات إلى ذهوله ، أم مقارنا للجهل المركّب والسهو بالمعنى المصطلح .
وظاهر الرواية بملاحظة الجواب أنّ المراد بالسهو الذي سئل عن حكمه هو السهو المساوق للشكّ والتردّد ، ومرجع عدم ثبوت شيء عليه أو على الساهي إلى عدم كونه موجباً لشي على المكلّف  ، فلا يجب عليه الإتيان بالركعة المشكوكة لا متّصلة ولامنفصلة ، ويمكن أن يحمل السهو في الرواية على ماهو ظاهره ، وهو الأعمّ من السهو المساوق للشكّ ، بأن كان المراد عدم ترتّب شيء على السهو في النافلة ، سواء كان السهو موجبا للتردّد فى ركعاتها أو موجباً للإتيان بما يكون وجوده مخرباً ، أو لترك بعض ما يكون معتبراً شطراً أو شرطاً .
وعليه ، فاطلاقها يشمل السهو عن الركن ، بل عن الركعة ، ولا يبعد دعوى كون مقتضى اطلاقها عدم وجوب القضاء فيما لو نسي شيئاً ممّا يوجب نسيانه القضاء ، كالسجدة الواحدة ، والتشهّد .
وكيف كان ، فالرواية تدلّ على عدم لزوم الإتيان بالركعة المشكوكة لا متّصلة ولا منفصلة .


(1) التهذيب 2: 343 ح1422; الكافي 3: 359 ح6; الوسائل 8: 230 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب18 ح1 .

(الصفحة80)

ومنها : مرسلة الكليني قال : «وروي أنه اذا سهى في النافلة بنى على الأقلّ(1)» وهي وإن كانت ظاهرة في لزوم البناء على الأقلّ ، إلاّ أنّ مقتضى الجمع بينها وبين ما تقدّم ، حملها على الاستحباب وكون البناء على الأقلّ أفضل كما هو المعروف بين الأصحاب أيضاً .
ومنها : مرسلة يونس المتقدّمة في سهو الإمام أو المأموم مع حفظ الآخر ، المشتملة على قوله(عليه السلام) : «ولا سهو في نافلة»(2) ، بعد نفي السهو في السهو ، والسهو في المغرب ، والسهو في الفجر ، والسهو في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة ، ومفادها عدم ترتّب حكم على السهو في النافلة والشكّ فيها ، فلا يتعيّن عليه الإتيان بالركعة المشكوكة ، لا متّصلة كما هو مقتضى البناء على الأقلّ ، ولا منفصلة كما هو مقتضى البناء على الأكثر ، والإتيان بصلاة الإحتياط بعد التسليم ، بل يبني على الأكثر من دون لزوم جبران النقيصة المحتملة .
وحيث أنّ ظاهرها نفي تعيّن البناء على الأقلّ لا نفي جوازه ، فلا منافاة بينها وبين المرسلة المتقدّمة ، بل مقتضى الجمع هو الحمل على الجواز ، واستحباب البناء على الأقلّ كما عرفت . إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها حكم الشكّ أو السهو في النافلة .


(1) الكافي 3: 359 ح9; الوسائل 8: 230 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب18 ح2 .
(2) الكافي 3: 358 ح5 ; الفقيه 1: 231 ح1028; التهذيب 3: 54 ح187; الوسائل 8: 242 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب25 ح8  .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>