جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب الحج ـ الجزء 4 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة101)



الدروس والمسالك والمحقق الكركي في حاشية الشرايع، هو القول بالوجوب وظاهر المتن، ثبوته بنحو الاحتياط الوجوبي، وكيف كان فالظاهر ثبوت الشهرة على العدم.
وامّا من جهة الروايات فمقتضى ظهور روايتي أبي بصير ومحمد بن مسلم المتقدمتين الوجوب وبهما يقيّد اطلاق سائر الروايات الواردة في المقام ولا مجال لدعوى انّ وقوع المطلقات في مقام البيان يمنع عن عروض التقييد لها فانّ جميع موارد حمل المطلق على المقيّد يكون المطلق فيها وارداً في مقام البيان لأنه لا مجال لحمل الكلام الذي كان مجملاً أو مهملاً على التقييد، فلا تنبغي المناقشة من هذه الجهة أصلاً.
نعم الاشكال في الروايتين انّما هو من جهة السّند فان الراوي عن أبي بصير هو علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف والرواية الثانية رواها الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم وسنده اليه ضعيف كما قرّر في محلّه وحيث انّ الشهرة على عدم الوجوب كما عرفت فلا يكون في البين جابر لضعف الخبر ولعلّ من قال بالوجوب تخيّل ان رواية محمد بن مسلم صحيحة كما وقع التعبير عنها بها في تقريرات بعض الأعاظم  (قدس سرهم)وكيف كان فلا مجال للفتوى بالوجوب ولا لجعله مقتضى الاحتياط الوجوبي، بل غاية الأمر الاستحباب لقاعدة التسامح في أدلّة السّنن.
ثانيهما في المراد من عنوان الشقّ سواء كان واجباً أو مستحبّاً فنقول بان العنوان المأخوذ في الفتاوى والكلمات مختلف، فعن الشيخ في المبسوط: يشقّ ظهر قدميهما. وعن الخلاف يقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين، ومثله ما عن ابن الجنيد حيث قال: يقطعهما الى أسفل الكعبين. وعن ابن حمزة انه يشقّ ظاهر القدمين، وان قطع الساقين كان أفضل. وظاهره ان المراد بالطرف الثاني الذي جعله أفضل هو القطع من دون شقّ فيدلّ ـ كما في الجواهر ـ على ثبوت المغايرة بين العنوانين، غاية الأمر ثبوت

(الصفحة102)



التخيير وكون القطع أفضل الفردين.
لكن فيها ان ظاهر المنتهى والتذكرة كون الشّق هو القطع حتى يكونا اسفل من الكعبين الذي رواه العامة بل حكى عن الفاضل في التحرير وموضع من المنتهى والتذكرة القطع بوجوب هذا القطع، وعن موضع آخر من المنتهى انه أولى خروجاً من الخلاف واخذاً بالتقيّة.
وكيف كان فالعنوان المأخوذ في روايتي ابي بصير ومحمد بن مسلم هو الشقّ الذي ظاهره عدم قطع شيء من الخفين، بل إزالة الهيئة الاتصالية بالاضافة الى ظهره من دون ان ينقص منه شيء لكن في رواية مرسلة: لابأس للمحرم اذا لم يجد نعلاً واحتاج ان يلبس خفّاً دون الكعبين(1) . كما ان في النبوي العامي: فان لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين(2). ومقتضى هاتين الروايتين قطع الساق من الخفين، بل مقدار من ظهرهما حتى يكونا أسفل من الكعبين. ومن الواضح ثبوت المغايرة بين العنوانين فان قلنا بالاستحباب فلا مانع من كون المستحب أحد الأمرين أخذاً بنحو التخيير بجميع الروايات الواردة في هذه الجهة.
وان قلنا بالوجوب يشكل الأمر فان المستند ـ ح ـ ليس إلاّ رواية محمد بن مسلم التي وقع التعبير فيها بشقّ ظاهر القدم وحمل الشقّ على القطع أو الأعم منه ممّا لا سبيل اليه، بعد عدم اعتبار ساير الروايات، بل لا محيص عن الالتزام بلزوم الشقّ بالمعنى الذي ذكرنا. نعم لو قطع الساق وبعض الظهر لايبقى اشكال في جواز الاكتفاء به، لعدم كونه ساتراً لظهر القدم، لكن البحث انّما هو في لزومه ولو على نحو الوجوب التخييري.

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والأربعون، ح2.
(2) السنن الكبرى للبيهقي5: 51 .

(الصفحة103)

العاشر: الفسوق ولا يختص بالكذب بل يشمل السباب والمفاخرة ايضاً، وليس في الفسوق كفّارة بل تجب التوبة عنه، ويستحب الكفارة بشيء والأحسن ذبح بقرة 1 .


ثم انّ هنا شبهة وهي انّه على تقدير كون الواجب هو الشقّ بالمعنى المذكور يكون لازمه عدم تحقق ستر ظاهر القدم ومع عدمه لا معنى لتعليق جواز لبس الخف مقيّداً بالشقّ بعدم وجدانه النعل.
وبعبارة اُخرى لايكون جواز لبسه مشروطاً بالاضطرار بل يجوز في حال الاختيار ووجدان النعل ايضاً، مع انك عرفت ثبوت التعليق في الفتاوى والنصوص.
والجواب امّا على مبنى كون العنوانين وهما الخفّ والجورب لهما موضوعية ومدخلية في ثبوت أصل الحكم بالحرمة كما اختاره بعض الاعاظم على ما تقدم فواضح لأن الشقّ وان كان يوجب خروج ظاهر القدم عن المستورية إلاّ انه لايوجب زوال عنوان الخفيّة ـ مثلاً ـ فهو بعد الشق ايضاً يكون خفّاً لايجوز لبسه إلاّ في حال الضرورة.
وامّا على المبنى الآخر الذي اخترناه وهو عدم ثبوت الموضوعية للعنوانين وكون المحرّم هو كل ما يستر ظهر القدم ولو كان مثل الشمشك فالجواب اَن يُقال امّا بعدم كون الشقّ مستلزماً لخروج ظاهر القدم عن المستورية فان مرجع الشقّ الى إزالة الهيئة الاتصالية المتحققة في ظهر الخفّ، وهذا لايوجب ظهور ظاهر القدم بوجه.
وامّا بانّ الشق وان كان مستلزماً لما ذكر إلاّ انه يكفي في المنع كون الخف موضوعاً لستر ظاهر القدم، ومن شأنه ان يكون كذلك فهذا المقدار يكفي في ثبوت متعلق الحرمة وان لم تكن مستوريّة بالفعل فتدبّر.
(1) قد نفى صاحب الجواهر وجدان الخلاف في حرمته قال بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكى منه مستفيض كالنصوص مضافاً الى الكتاب.

(الصفحة104)



ومراده من الكتاب قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج(1) والتعبير فيه وان كان بصورة الجملة النافية لكن المراد منه النهي الذي هو مفاد الجملة الانشائية ودلالته على النهي أقوى من دلالة صيغة «لاتفعل» كما قد قرر في محلّه وقد حمل بعض المشايخ من المعاصرين قوله  (صلى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار في الاسلام على مثل هذه الآية وان المراد منه النهي التكليفي عن الضرر والضرار استشهاداً بهذه الآية.
وكيف كان فلا تنبغي المناقشة في كون المراد من الآية هو النهي والتحريم وموردها وان كان هو الحج خصوصاً بقرينة تفريعه على قوله تعالى: الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج... إلاّ ان الظاهر ولو بقرينة عدم الفصل قطعاً انه لا فرق بين الحج وبين العمرة وفيها بين عمرة التمتع والعمرة المفردة فالحرمة المذكورة مرتبطة بالاحرام كسائر محرمات الاحرام.
ثم انّ المهم في هذا الأمر معنى الفسوق ومفاده وظاهر الكلمات انه محلّ اختلاف جدّاً.
فعن المقنع والنهاية والمبسوط والاقتصاد والجامع والنافع وظاهر المقنعة والكافي وصريح الشرايع والمحكى عن تفسير علي بن ابراهيم بل المنسوب الى المشهور ان الفسوق هو الكذب وقد اختاره صاحبا الحدائق والمدارك وكون الكذب محرّماً في غير حال الاحرام ايضاً يوجب تأكد الحرمة في حال الاحرام أيضاً يوجب تأكد الحرمة في حال الاحرام وشدّتها.
وعن الجمل والعقود انه الكذب على الله تعالى.
وعن الغنية والمهذب والاصباح والاشارة انه الكذب على الله تعالى ورسوله أو

(1) البقرة: 193.

(الصفحة105)



أحد الأئمة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ كما في باب الصوم.
وعن جمل العلم والعمل والمختلف والدروس انه الكذب والسباب واليه يرجع ما عن الحسن من انه الكذب والبذاء واللفظ القبيح.
وعن تبيان الشيخ الطوسي وفقه القرآن للراوندي ان الاولى حمله على جميع المعاصي التي نهى المحرم عنها. والظاهر انّ مرادهما منها محرّمات الاحرام مطلقاً ولولا الروايات الواردة في تفسير الفسوق لكانت الآية بنفسها شاهدة على بطلان هذا القول لانّه لايبقى ـ ح ـ مجال لعطف الفسوق على الرفث ولا لعطف الجدال على الفسوق إلاّ بضرب من التوجيه. واختار صاحب الجواهر ان الفسوق عبارة عن الكذب والسباب والمفاخرة مثل ما في المتن.
وحكى انه قد حكى الشهيد  (قدس سره) في بعض حواشيه انه عبارة عن المفاخرة خاصّة.
والمهمّ ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال فنقول المعتبرة منها روايتان:
احداهما صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى  (عليه السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ماهو؟ وما على من فعله؟ فقال: الرفث: جماع النساء، والفسوق الكذب والمفاخرة، والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله الحديث(1) .
ثانيتهما صحيحة معاوية بن عمّار وهي على مارواه الشيخ بطريقين صحيحين عنه قال قال ابو عبدالله  (عليه السلام): اذا احرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلّة الكلام إلاّ بخير، فان تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه إلاّ من خير كما قال الله ـ  عزّوجلّ ـ فان الله يقول: فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج فالرفث

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح4.

(الصفحة106)



الجماع، والفسوق الكذب والسباب، والجدال قول الرجل لا والله بلى والله(1) .
وعلى مارواه الكليني ايضاً بسندين صحيحين ايضاً عنه قال: قال ابوعبدالله  (عليه السلام)وذكر مثل مافي رواية الشيخ وزاد: وقال اتقّ المفاخرة، وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله فان الله ـ عزّوجلّ ـ يقول ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق قال ابو عبدالله  (عليه السلام): من التفث ان تتكلم في احرامك بكلام قبيح فاذا دخلت مكّة وطفت بالبيت تكلمت بكلام طيب فكان ذلك كفارة، قال: وسألته عن الرجل يقول: لا لعمري وبلى لعمري قال ليس هذا من الجدال وانّما الجدال لا والله وبلى والله(2).
قال في الوسائل بعده ورواه الصدوق باسناده عن معاوية بن عمّار مثله من قوله: اتق المفاخرة الى قوله فكان ذلك كفارة لذلك.
وليس في نقل الصدوق بل ولا في نقل الكليني اشعارٌ فضلاً عن الدلالة بكون لزوم اتقاء المفاخرة مرتبطاً بلزوم الاجتناب عن الفسوق حتى تكون المفاخرة داخلاً في معناه أيضاً ويؤيده عطف قوله: وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله على قوله: اتق المفاخرة وعليه فصحيحة معاوية بن عمار على النقلين الأولين ظاهرة في ان المراد بالفسوق هو الكذب والسباب فقط كما ان الصحيحة المتقدمة ظاهرة في ان المراد به هو الكذب والمفاخرة فبينهما التعارض حسب الظاهر.
وحكى عن المدارك ان الجمع بين الصحيحين يقتضي المصير الى الفسوق هو الكذب خاصة لاقتضاء احديهما نفي المفاخرة والاُخرى نفي السباب ولكنه عن

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح1.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح5.

(الصفحة107)



الحدائق انهما متفقتان في الكذب ومتعارضتان في المفاخرة والسباب ولازم التعارض التساقط والأخذ بما هو المتفق عليه بينهما وهو الكذب.
ويؤيده بعض الروايات الظاهرة في ان الفسوق هو الكذب خاصة وان كانت مخدوشة من حيث السند مثل رواية زيد الشحام الضعيفة بالمفضل بن صالح قال سألت ابا عبدالله  (عليه السلام) عن الرفث والفسوق والجدال قال: امّا الرفث فالجماع، وامّا الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ان تصيبوا قوماً بجهالة، والجدال هو قول الرجل لا والله وبلى والله وسباب الرجل الرجل(1) .
ومرسلة العيّاشي في تفسيره عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله  (عليه السلام) في قول الله ـ عزّوجلّ ـ الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج فالرفث الجماع والفسوق الكذب والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله(2).
ويغلب على الظن ان هذه المرسلة هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وان لم تكن مشتملة على ذكر السباب وما عن الفقه الرضوي من ان الفسوق الكذب فاستغفر الله عنه وتصدّق بكف من طعام(3).
ويرد على صاحبي الحدائق والمدارك انّ المعارضة بين المنطوق من الصحيحتين والمفهوم من الاُخرى لا بين المنطوقين لأنّهما مثبتان ولا منافاة بينهما بل التنافي بين المفهوم الذي هي قضية سالبة مع المنطوق من الآخر والدلالة على المفهوم انّما هي من جهة الوقوع في مقام التحديد والتعريف الظاهر في سلب الغير ونفيه، فمفهوم احدى

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح8.
(2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح9.
(3) المستدرك، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني، ح2.

(الصفحة108)



الصحيحتين خروج المفاخرة ومفهوم الاُخرى خروج السباب وحيث ان الدلالة المفهومية انّما هي بالظهور ومن باب الاطلاق فاللازم رفع اليد عنها بالمنطوق الذي هو الأظهر ومن باب التقييد، وعليه فيتحصّل انّ الفسوق يكون عبارة عن الأمور الثلاثة الكذب والسباب والمفاخرة كما في المتن تبعاً لصاحب الجواهر.
ثم ان المفاخرة تكون على قسمين، لأنها تارة تكون لإثبات فضيلة لنفسه مع استلزام الحطّ من شأن الآخرين وبيان وجود منقصة فيهم أو سلب رذيلة عن نفسه مع الاستلزام المذكور وهذا يكون محرّماً في غير حال الاحرام ايضاً.
واُخرى تكون لمجرد اثبات الفضيلة أو سلب الرذيلة عن نفسه من دون نظر الى الغير ولا يكون فيه الاستلزام المذكور فيه اصلاً.
ربما يقال كما حكى عن العلاّمة في المختلف انّ القسم الاوّل من المفاخرة مرجعه الى السباب ولا تكون منفكة عنه فلا تكون مغايرة معه.
ولكن الجواب منع عدم الانفكاك فان جملة من الفضائل لاتكون اثباتها للنفس ولو كان مستلزماً لتنقيص الغير وحطّاً من شأنه وماسّاً لكرامته لاينطبق عليه عنوان السباب الذي كان له معنى عرفي خاص فان اثبات الاجتهاد ـ مثلاً ـ لنفسه بنحو يكون مستلزماً لسلب هذه المرتبة عن الغير وفرض كون السلب عنه منقصة بالاضافة اليه لايعدّ سباباً بوجه.
كما انه ذكر بعض الأعلام  (قدس سرهم) ان القسم الثاني من المفاخرة فلو فرض صدق عنوانها عليه لابد من اخراجه من المفاخرة الممنوعة في حال الاحرام لأنه لايحتمل حرمة هذا النحو من المفاخرة مع ان الصحيحة في مقام تفسير الفسوق والخروج عن الجادة المستقيمة وهذا القسم من المفاخرة ليس من الفسوق ولا ينطبق عليه هذا

(الصفحة109)



العنوان.
ويردُ عليه ان منشأ عدم الاحتمال ان كان هو مجرد عدم الحرمة في غير حال الاحرام فكثير من محرمات الاحرام لايكون محرّماً في غير حال الاحرام بل ربما يكون مستحباً كالنظر في المرآة وغيره وان كان هو عدم انطباق عنوان الفسوق عليه.
فالروايتان ظاهرتان في عدم كون المراد بالفسوق معناه اللغوي والعرفي الذي يرجع الى جميع المعاصي المخرجة للفاعل أو التارك عن حجر الشرع والجادة المستقيمة الالهية. وعليه فلا مانع من ان تكون المفاخرة بهذا النحو داخلة في الفسوق المحرم في حال الاحرام وان لم تكن محرمة في نفسها فتدبّر.
بقي الكلام في هذا الأمر في ثبوت الكفارة فيه وعدمه وظاهر الجواهر مضافاً الى عدم حكاية القول بالثبوت من أحد ادّعاء القطع بالعدم، لكن ذهب صاحب الوسائل الى الثبوت حيث قال في عنوان الباب الثاني من أبواب بقيّة كفارات الاحرام: باب انه يجب على المحرم في تعمّد السباب والفسوق بقرة والمحكى عن الحدائق ايضاً الوجوب لكن في صوره اجتماع السباب والكذب لا عند انفراد كل منهما على الآخر.
ومستند الوجوب صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت ابا عبدالله  (عليه السلام) يقول: ـ في حديث ـ وفي السباب والفسوق بقرة والرفث فساد الحجّ(1) .
ولا خفاء في ظهورها في ثبوت كفارة البقرة في السباب والفسوق وظاهرها الثبوت في كل واحد منهما مستّقلاً ومنفرداً لا عند اجتماعهما سيّما على القول بان عطف الفسوق على السباب انّما هو من قبيل ذكر العام بعد الخاص الذي يوجد حتى في الاستعمالات القرآنية كذكر الخاص بعد العام، فانه على هذا التقدير مجال لاحتمال

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني، ح1.

(الصفحة110)



مدخلية الاجتماع بوجه.
نعم على القول بان ظهور العطف في المغايرة يقتضي ان يكون المراد بالفسوق هو الكذب لما مرّ في بعض الروايات من تفسيره بخصوص الكذب مستشهداً بآية النبأ، يمكن القول بمدخلية الاجتماع في الثبوت لكنه أيضاً خلاف الظاهر وما هو المتفاهم عند العرف.
وتظهر ثمرة الاحتمالين ايضاً في ثبوت الكفارة في المفاخرة التي هي القسم الثالث من أقسام الفسوق فانه على التقدير الأول تثبت الكفارة فيه بخلاف التقدير الثاني وكيف كان فلا اشكال في دلالة الرواية على ثبوت الكفارة كما انها تدلّ على عدم تحقق الفساد للحج بسبب الفسوق وان الفساد انّما يترتب على الرفث خلافاً لما حكى عن المفيد  (قدس سره) من ان الكذب مفسد للاحرام.
وفي مقابلها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله  (عليه السلام) في حديث قال أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل الله له حدّاً يستغفر الله ويلبّي(1) . قال في الوسائل بعد نقل هذه الرواية: هذا محمول على عدم التعمّد لما مرّ من عدم وجوب الكفارة على غير العامد إلاّ في الصيّد.
هذا ولكن الظاهر عدم تمامية هذا الحمل لأنّ ظاهر الرواية عدم تحقق جعل الحدّ من الله تعالى في مورد الفسوق وهذا لايلائم مع الجاهل الذي لايكون خارجاً عن دائرة الجعل على تقديره بل يكون الحكم مرفوعاً وموضوعاًنه فالرواية الدالة على عدم الجعل ظاهرة في عدم ثبوت الكفارة رأساً مضافاً الى ان التعبير بالابتلاء والحكم بوجوب الاستغفار لا يلائمان مع الجهل فلا تنبغي المناقشة في ظهور الرواية في العدم

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني، ح2.

(الصفحة111)

الحادي عشر: الجدال وهو قول: لا والله و بلى والله، وكل ما هو مرادف لذلك في أيّ لغة كان اذا كان في المقام اثبات أمر أو نفيه، ولو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، والأحوط الحاق سائر اسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم وخالق السماوات ونحوها بالجلالة، وامّا القسم بغيره تعالى من المقدسات فلا يلحق بالجدال 1 .


مطلقاً، غاية الأمر وجوب الاستغفار والتلبية التي لم يقل احد بوجوبها.
وذكر بعض الاعلام  (قدس سرهم) ان الصحيح حمل صحيحة سليمان بن خالد على الاستحباب لصراحة صحيح الحلبي في عدم الوجوب كما تحمل لذلك صحيحة علي بن جعفر  (عليه السلام) المروية عن قرب الاسناد ايضاً الدالة على التصدّق بشيء على الاستحباب فقد روى علي بن جعفر  (عليه السلام) عن أخيه موسى  (عليه السلام) وكفارة الفسوق شيء يتصدق به اذا فعله وهو محرم. وفي نسخة اُخرى: وكفارة الفسوق يتصدق به اذا فعله وهو محرم(1) .
اقول الظاهر انه لا مجال لحمل صحيحة سليمان بن خالد على الاستحباب بعد عدم كون التعبير فيها بصيغة أفعل أو بالجملة لخبرية الواردة في مقام بيان التكليف وإفادة حكم انشائي وذلك لظهورها في ثبوت الاشتغال الذي هو حكم وضعي ولا معنى فيه للحمل على الاستحباب.
فالحق ان يقال بثبوت المعارضة في البين وعدم امكان الجمع الدلالي بين الصحيحين وحيث ان الشهرة العظيمة المحققة الفتوائية توافق صحيحة الحلبي فاللازم الأخذ بها وطرح الاُخرى. نعم لا مجال للشبهة في حسن الاحتياط وان مقتضاه ذبح بقرة كما في المتن.
(1) قد وقع التعرّض في هذا الأمر لجهات:
الجهة الاولى: في أصل حرمة الجدال وكونه من محرّمات الاحرام والظاهر انه

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني، ح3.

(الصفحة112)



لاريب فيه نصّاً وفتوى والأصل فيه قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج بالتقريب المتقدم في الفسوق.
الجهة الثانية: في معنى الجدال المحرّم بعد كون معناه اللغوي والعرفي هو المخاصمة والمنازعة وقد ورد بهذا المعنى في الكتاب في مواضع متعددة مثل قوله تعالى: وجادلهم بالتي هي أحسن.
ولكن الروايات المستفيضة الواردة في هذا المجال تدلّ على ان المراد من الجدال المحرّم في الحج هو قول: لا والله وبلى والله وفي بعضها كلمة «انّما» الدالة على الحصر وانه ليس الجدال غيره. واللازم البحث في ان المحرم هل هو نفس هذا القول على الاطلاق وفي كل مورد أو انه يحرم في موارد خاصة فنقول:
انّه لا شبهة في عدم كون نفس التلّفظ بهذا اللفظ محرَّماً اذا لم يكن في مقام الخصومة والنزاع بل ولا في مقام اثبات أمر أو نفيه بحيث كان من قبيل الاذكار المستحبة التي يستحب التلفظ بها فكما ان التلفظ بكلمة لا إله إلاّ الله ـ مثلاً ـ مستحب كذلك التلفظ بهذا القول في حال الاحرام يكون محرّماً وذلك لأنّه مضافاً الى عدم فهم العرف من الروايات المفسّرة له بما ذكر ما يشمل هذه الصورة قد وقع التعبير عن الجدال بالحلف في بعض الروايات الآتية ومن الواضح ان الحلف أمر انشائي يعتبر فيه القصد ولا يكفي مجرّد اللفظ الخالي عن قصد معناه فهذه الصورة خارجة قطعاً.
كما انه لا شبهة في كون القول المزبور في مقام الخصومة والنزاع للاثبات والنفي جدالاً وانه هو القدر المتيقن من معنى الجدال ولم يناقش فيه أحد.
انّما الاشكال فيما اذا كان القول المزبور في غير مورد المخاصمة بل واقعاً في مقام الجواب عن السؤال ـ مثلاً ـ كما اذا سئل عنه هل انت مجتهد فقال بلى والله أو سئل عنه

(الصفحة113)



هل تحبّ زيداً ـ مثلاً ـ قال لا والله بحيث لم تكن مخاصمة في البين بل نفي أو اثبات مؤكدّ باليمين المزبورة ومقروناً معها، فان قلنا بكون هذه الصورة ايضاً جدالاً فاللازم الالتزام بثبوت الحقيقة الشرعية للجدال مغايرة لما هو مقتضى المعنى اللغوي أو العرفي أو ان الاستعمال الشرعي يكون بهذه الكيفية، وان لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية وان لم نقل بكون هذه الصورة جدالاً يصير الجدال المحرّم على المحرم بعض مصاديق الجدال اللغوي كما في الفسوق.
يظهر من صاحب الغنية القول الأوّل حيث ان المحكى عنه انه قال بعد ذكر ان الجدال من محرّمات الاحرام: «وهو عندنا قول لا والله وبلى والله بدليل اجماع الطائفة وطريقة الاحتياط، وقول المخالف: ليس في لغة العرب ان الجدال هو اليمين ليس بشيء لأنه ليس يمتنع ان يقتضي العرف الشرعي ماليس في الوضع اللغوي كما تقوله في لفظ الغائط» ومراده من المقيس عليه انه كما ان لفظ الغائط معناه اللغوي عبارة عن الأرض المنخفضة مع ان المراد منه في الشريعة ما يخرج من الدّبر كذلك الجدال.
ويؤيّده بعض الروايات الظاهرة في ان الجدال هي اليمين كما حكاه صاحب الغنية عن المخالف ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله  (عليه السلام) بعد تفسير الجدال بقول الرجل لا والله وبلى والله قال: واعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه ويتصدّق به، واذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدّق به قال: وسألته عن الرجل يقول: لا لعمري وبلى لعمري فقال: ليس هذا من الجدال وانّما الجدال قول الرجل لا والله و بلى والله(1) . وقرينة المقابلة تقضي بان المراد بالحلف بثلاثة ايمان هو الحلف صادقاً وعلى أيّ حال

(1) ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأوّل، ح3.

(الصفحة114)



فالرواية ظاهرة في ان اليمين هو الركن الاساسي في معنى الجدال المحرّم على المحرم ومثلها موثقة ابي بصير عن ابي عبدالله  (عليه السلام) قال اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه واذا حلف يميناً واحدة كاذباً فقد جادل فعليه دم يهريقه(1) . وليس المراد اختصاص الجدال بصورة الكذب كما هو ظاهر.
الجهة الثالثة: هل يعتبر في الجدال مضافاً الى اليمين التي عرفت انّها الركن الاساسي فيه، اشتماله على احدى الكلمتين: لا و بلى أم يكفي فيه مجرد اليمين ولو كانت خالية عنهما، قولان: ظاهر المشهور هو الأوّل والمحكى عن صريح المحقق في النافع والشهيد في الدروس هو الثاني وهو ظاهر المتن فان المراد بقوله ولو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، هو القسم الخالي عن الكلمتين، وإلاّ لايكون مغايراً مع تفسيره للجدال بقول: لا والله وبلى والله كما هو ظاهر.
ويدلّ على ماهو المشهور، ظاهر الروايات الكثيرة المفسّرة للجدال بالقول المذكور المشتمل على احدى الكلمتين، فانه لو لم يكن لهما مدخلية في معنى الجدال لما كان وجه لذكرهما في تعريفه خصوصاً بعدما عرفت من مغايرة معناه الشرعي للمعنى اللغوي والعرفي المقتضية للاقتصار على خصوص ماله الدخل في معناه وعدم ذكر ما ليس له مدخلية.
وبالجملة لا شبهة في ان ظاهر الروايات المفسرة بالقول المذكور، مدخلية احدى الكلمتين خصوصاً ما اشتمل منها على مثل كلمة «انّما».
لكنه ربما يقال بانّ مثل الروايتين المتقدمتين انفاً في الجهة الثانية ظاهرة ان الجدال مجرد الحلف من دون مدخلية شيء من الكلمتين فيه حيث انّ مقتضاهما ان

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاول، ح7.

(الصفحة115)



الحلف بثلاثة ايمان ولاء صادقاً جدال يترتب عليه الكفارة وبواحدة كاذباً أيضاً كذلك.
والحقّ انّ التأمل فيهما يقضي ببطلان هذا القول فانّ صحيحة معاوية بن عمار قد اشتمل صدرها وذيلها على تفسير الجدال بالقول المخصوص وعليه فالمراد بالحلف الواقع في الشرطيتين هو الحلف المعهود المذكور اوّلاً المشتمل على احدى الكلمتين لا الحلف المطلق الشامل لما يكون غير مقرون بشيء منهما ويؤيده سؤال الراوي في الذيل عن ان قول لا لعمري وبلى لعمري هل يكون جدالاً أم لا، فانه ظاهر في ثبوت المفروغية عنده بالاضافة الى مدخلية احدى الكلمتين، غاية الأمر انه كان من المحتمل عنده ان تغيير القسم بالجلالة بالقسم المذكور ايضاً يوجب تحقق الجدال فأجاب  (عليه السلام)بالنفي، وامّا الموثقة فلا تكون بصدد تفسير الجدال بل بصدد التفصيل في الجدال الموجب للكفارة بين الصادق والكاذب من جهة التعدد وعدمه وإلاّ فاللازم الالتزام بعدم كون اليمين الصادقة جدالاً اصلاً إلاّ اذا بلغت ثلاثاً، وهو مع كونه مخالفاً لسائر الروايات، لم يقل به احد، فاللازم ان يقال بعدم كونهما في مقام بيان معنى الجدال بل ذكره انّما هو تمهيد لثبوت الكفارة المترتبة عليه والتفصيل بين صورتي الصدق والكذب.
ثم انّ لمعاوية بن عمّار صحيحة اُخرى ظاهرها ما ذكرنا من كون المفروغ عنه عنده لزوم اشتمال الجدال على احدى الكلمتين قال سألت أبا عبدالله  (عليه السلام) عن رجل يقول لا لعمري وهو محرم قال: ليس بالجدال انّما الجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله، وامّا قوله: لا ها فانما طلب الاسم وقوله: ياهناه فلا بأس به وامّا قوله: بل شانيك فانّه من قول الجاهلية(1) .

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح3.

(الصفحة116)



وقد وقع شرح ذيل الرواية في كلام العلاّمة المجلسي  (قدس سره) في كتاب: «ملاذ الاخيار في فهم تهذيب الاخبار» قال ما لفظه: «قوله: لا ها، يمكن ان يكون المراد الحلف بـ «لاه» وهو من اسمائه تعالى بل قال سيبويه ان الجلالة اشتقت منه فيكن المراد انّهم يطلبون به اسم الله تعالى وهو من الجدال، أو هو من الحلف وليس من الجدال. ويمكن ان يكون «لا» حرف نفي و «ها» حرف تنبيه والمراد انّهم يوردون هذا مكان النداء بالاسم للتنبيه الى ان قال: وفي النهاية: ها مقصورة كلمة تنبيه للمخاطب ينبّه بها على من يساق اليه الكلام وقد يقسم بها فيقال: لا ها الله ما فعلت أي لا والله ابدلت الهاء من الواو.
وفيه أيضاً: يا هنتاه اي يا هذه وفي المذكر هنّ وهنان وهنون ولك ان تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول يا هنه وان تشبع الحركة فتصير ألفاً فتقول ياهناه وقيل ياهنتاه يا بلهاء كانها نسبت الى قلّة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم انتهى.
اقول: لما كانوا يذكرون ياهناه بمعنى يا فلان في صدر الكلام مكرراً كان مظنة لأن يتوهم انه قسم فأزال  (عليه السلام) ذلك الوهم.
قوله: لا بل شانيك الظاهر انه كان لا أب لشانئك كما في الدروس وقولهم لا أب لشانئك ولا أباً لشانئك أي لمبغضك قال ابن السكيت: «وهي كناية عن قولهم لا أباً لك» كذا ذكره الجواهري. اقول لعلّ مراده انه اسند عدم الأب الى مبغضه، والمراد نسبته اليه رعاية للأدب فيكون المراد بالخبر الحلف بهذا كان يقول لا أب لشانئك ان لم يكن كذا اي لا أب لك فآل بكثرة الاستعمال الى ما ترى.
ويمكن ان يكون المراد لا أقسم بشيء هين، بل اقسم بشانيك والشأنان العرقان المكتنفان بالرأس، فيكون القسم بعرقي رأسه الملزومين لحياته كما في قولهم لعمرك،

(الصفحة117)



أو يكون لا نفياً لما ذكره المخاطب ويكون حرف القسم في شانئك مقدراً أو يكون المراد انا شانئك ومبغضك ان لم يكن كذا والله يعلم».
الجهة الرابعة: في انه بعد عدم كفاية مجرد اليمين ولو بصيغتها وهي قول: والله في تحقق الجدال ولزوم كونها مقرونة به كلمة «لا» أو «بلى» يقع الكلام في لزوم اعتبار نفس احدى هاتين الكلمتين أو يكفي بيان مؤدّاها ولو كلمة اُخرى مثل «مافعلت» في مقام النفي أو «فعلت» في مقام الاثبات صرّح في الجواهر بالثاني حيث قال: «نعم لايعتبر لفظ لا وبلى نحو قوله  (عليه السلام): انّما الطلاق: انت طالق فان صيغة القسم هو قول: والله وامّا لا وبلى فهو المقسوم عليه فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤدّاه ولو بشهادة الصحيح المزبور بل تكفي الفارسية ونحوها فيه وان لم تكف في لفظ الجلالة فتأمّل جيّداً».
ومراده بالصحيحة ما رواه ابو بصير يعني ليث بن البختري قال: سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه والله لا تعمله فيقول: والله لأعملّنه فيحالفه مراراً يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا انّما أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان لله عزّوجلّ فيه معصية(1) .
ويرد عليه انّ مجرد كون صيغة القسم هو قول: والله كون الكلمتين هما المقسوم عليهما، لايقتضي عدم اعتبار خصوص اللفظين إلاّ على تقدير ثبوت كون الجدال من مصاديق اليمين، غاية الأمر انها يمين واقعة في مقام النفي والاثبات مع انّك عرفت في الجهة الثالثة، ان الحلف وان كان ركناً اساسياً في معنى الجدال لكن مفهومه المستفاد من الروايات المتعددة المفسرة له هو اليمين التي تتعقب احدى الكلمتين ومقرونة

(1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح 7.

(الصفحة118)



بتقدم احد اللفظين، وعليه فلا يجوز التعدّي عن ظاهر تلك الروايات في مدخلية نفس اللفظتين في المعنى الشرعي للجدال المركب منها ومن اليمين، وامّا التشبيه بقوله  (عليه السلام)انما الطلاق انت طالق فيرد عليه انّ التوسعة فيه انّما هي لأجل قيام الدليل على جواز توكيل الغير في اجراء صيغته ولو مع عدم حضور الزوجة وعلى جواز طلاق الزوج الغائب الذي لايمكن فيه الخطاب بقوله انت ففي الحقيقة قيام الدليل صار موجباً للحكم بعدم انحصار صيغته الطلاق بما ذكر ولم يقم في المقام دليل على التوسعة حتى يرفع اليد بسببه عن ظاهر الروايات المفسرة كما هو ظاهر.
وامّا الصحيحة فربما يستدلّ بها على ان الجدال مطلق الحلف بالله تعالى وما يسمى يميناً وان لم تكن مشتملة على احدى الكلمتين اصلاً فضلاً عن عدم كفاية ما يؤدّى مفادهما نظراً الى ان تعليل نفي الجدال بانه انّما أراد اكرام صاحبه دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على انه لولا إرادة الاكرام لثبت الجدال بمطلق والله كما هو المفروض في السؤال.
ولكن صاحب الجواهر  (قدس سره) أجاب عن هذا الاستدلال، بان التعليل في الصحيح المزبور لاينافي وجود علّة اُخرى، ومراده انه يكفي في جانب النفي عدم وجود شيء ممّا له مدخلية في الاثبات بخلاف الاثبات الذي يحتاج الى تحقق جميع ماله المدخلية فتعليل النفي بنفي واحد من ذلك لاينافي وجود علّة اُخرى.
ويرد عليه هنا نفس هذا الجواب، وان التعليل لايقتضي ما استفاده من عدم اعتبار خصوص اللفظين في مؤدّاه على ان الصحيحة لاتكون في مقام تفسير الجدال حتى يكون لها اطلاق بل في مقام بيان ان الحلف الاكرامي لا مانع منه ولا يترتب عليه ما يترتب على الجدال من الكفارة والظاهر ان المراد من قوله ـ ما كان لله فيه معصية ـ هو

(الصفحة119)

مسألة 24 ـ لو كان في الجدال صادقاً فليس عليه كفارة اذا كرّر مرتين وفي الثالث كفارة وهي شاة، ولو كان كاذباً فالأحوط التكفير في المرّة بشاة وفي المرّتين ببقرة وفي ثلاث مراتب بُدْنَة بل لايخلو عن قوّة 1 .


الجدال المشتمل على احدى الكلمتين الذي يكون محرّماً.
وكيف كان فالظاهر اعتبار خصوص اللفظين ومنه يظهر ان مثل الفارسية لايكفي وان كان مطابقاً لمعناه ومرادفاً له حقيقة لأن ظاهر الروايات اعتبار نفس القول المزبور ومن خصوصياته، العربية ولا دليل على التعدّي الى سائر اللغات. نعم مقتضى ما ذكرنا من ان اعتبار يكون واقعاً في مقام النفي أو الاثبات ان يكون المحرم عارفاً بهذه الخصوصية وان لم يكن عالماً باللغة العربية بوجه. كما ان مما ذكرنا ظهر ان تبديل لفظ الجلالة بسائر اسماء الله تعالى كالمذكورات في المتن يقدح في تحقق الجدال، فضلاً عن القسم بغيره تعالى من المقدسات في الشريعة كالقرآن والرسول والائمة  (عليهم السلام).
(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في حكم الجدال الصادق من جهة ثبوت الكفارة فيه وعدمه وقد استفاضت الروايات الدالة على عدم الثبوت اذا لم يتجاوز عن مرتين والثبوت اذا تجاوز عنهما وانّها هي شاة وقد تقدمت في تفسير الجدال صحيحة معاوية بن عمار وموثقة ابي بصير الظاهرتين في ترتب الكفارة على ما اذا حلف بثلاثة ايمان صادقاً وانّها لاتترتب على الأقل من الثلاث ومن هذه الروايات صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر  (عليه السلام) قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم، فقيل له: الذي يجادل وهو صادق؟ قال عليه شاة والكاذب عليه بقرة(1) .
ومنها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله  (عليه السلام) في حديث قال: قلت: فمن ابتلى

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأول، ح6.

(الصفحة120)



بالجدال ما عليه ؟ قال: اذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة(1) .
ومنها غير ذلك من الروايات الدالة عليه.
لكن في مقابلها اطلاقان:
احدهما اطلاق ما دلّ على ثبوت الشاة في الجدال من دون فرق بين الثلاث وغيره وهي صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت ابا عبدالله  (عليه السلام) يقول في الجدال شاة الحديث(2).
ثانيهما اطلاق ما دلّ على عدم ثبوت الكفارة في الجدال كذلك وهي صحيحة يونس بن يعقوب قال سألت ابا عبدالله  (عليه السلام) عن المحرم يقول: لا والله و بلى والله وهو صادق، عليه شيء؟ قال: لا(3).
لكن الروايات المفصّلة مقيدة لكلا الاطلاقين وشاهدة لحمل الاطلاق الأول على الثلاث والثاني على الأقل كما لايخفى.
المقام الثاني: في حكم الجدال الكاذب والمشهور فيه بين الاصحاب كما في الجواهر بل قيل انه لا خلاف يعتدّ به فيه، هو التفصيل المذكور في المتن الذي جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي بل نفى خلّوه عن القوة وهو انّ في المرّة الأولى، شاة وفي المرة الثانية، بقرة وفي المرّة الثالثة بدنة، ولكن لايستفاد من النصوص التي بأيدينا هذا التفصيل بل يدلّ عليه فقه الرّضا والمحكى من رسالة علي بن بابويه التي كان

(1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاول، ح2.
(2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأول، ح1.
(3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاول، ح8.

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>