جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة الاجتهاد والتقليد « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

(الصفحة 81)

ثمّ إنّ هناك آيات دالّة على النهي عن التقليد عموماً أو خصوصاً :

أمّا الطائفة الاُولى : فهي الآيات الناهية عن العمل بالظنّ واتّباع غير العلم .

وأمّا الطائفة الثانية : فكقوله ـ عزّ من قائل حكاية عنهم  ـ : {إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّة وَ إِنَّا عَلَى ءَاثَـرِهِم مُّقْتَدُونَ}(1). وقوله تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ أَوَ لَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْـًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}(2). وقوله ـ تعالى ـ : {وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ أَوَ لَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْـًا وَ لاَ يَهْتَدُونَ }(3) .

والجواب عن الطائفة الاُولى : أنّها لا تدلّ على حرمة التقليد وعدم حجّيّة فتوى المجتهد ، ولا على النهي عن اتّباع شيء من الأمارات المعتبرة ، وذلك لأنّ اعتبارها مستند إلى العلم ، إذ لا يعقل الانتهاء إلى الظنّ ، مع أنّ الأصل الأوّلي فيه عدم الحجّيّة وعدم ترتّب شيء من آثارها ، ولهذا اشتهر أنّ الشكّ في الحجّيّة مساوق للقطع بعدمها ، فحجّيّة كلّ حجّة لا محالة تنتهي إلى العلم . وعليه : فلا مجال لشمول قوله ـ تعالى ـ : {وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِى عِلْمٌ}(4) لمثلها ، وإلاّ يلزم عدم حجّيّة ظاهرة ; لأ نّه أيضاً من الأمارات التي لا تفيد إلاّ الظنّ نوعاً ، فاللازم إمّا الالتزام بعدم حجّيّة ظواهرها الدالّة على النهي والمذمّة على اتّباع غير العلم مطلقاً ، وإمّا الالتزام بعدم شمولها لمثل فتوى المجتهد التي قام الدليل القطعي على


(1) سورة الزخرف : 43 / 23 . (2) سورة المائدة : 5 / 104 . (3) سورة البقرة : 2 /170 . (4) سورة الإسراء : 17 / 36 .
(الصفحة 82)

اعتبارها وحجّيتها ، وعلى كلا التقديرين يثبت المطلوب .

وعن الطائفة الثانية : أنّها أجنبية عمّا نحن فيه ; لأنّ محلّ البحث إنّما هو حجّيّة فتوى المجتهد العالم في خصوص المسائل الفرعيّة والأحكام العمليّة غير الاعتقاديّة ، وهذه الطائفة من الآيات إنّما وردت فى مقام التوبيخ والمذمّة على التقليد في الاُصول الاعتقادية الراجعة إلى النبوّة وشؤونها ، مع أنّهم كانوا يقلّدون آباءهم الذين هم كانوا مثلهم في الجهل وعدم العقل ، والضلالة وعدم الاهتداء .

ومن الواضح أنّ رجوع الجاهل إلى مثله بمجرّد تحقّق الارتباط النسبي والاُبوّة والبنوّة لا يجوز عند العقل والعقلاء ، كما أنّ التقليد في الاُصول الاعتقاديّة التي يكون المطلوب فيها تحصيل العلم واليقين غير جائز ، فهذه الآيات الكريمة لامساس لها بالمقام أصلا .

ثالثها : الروايات الكثيرة المستفيضة بل المتواترة إجمالا ; للعلم الإجمالي بصدور بعضها ، الدالّة على جواز التقليد أو الإفتاء الملازم لجواز التقليد أو الإرجاع إلى خواصّ أصحابهم ، أو النهي عن الإفتاء بغير علم الدّال بالمفهوم على جوازه إذا كان عن مدرك صحيح ومستند معتبر ، أو على جواز الاجتهاد وتعليم طريقته وبيان ما يجب الأخذ به من الدليل في صورة التعارض ، أو على أ نّه مع وجود دلالة الكتاب وظهوره في بيان حكم المسألة لا حاجة إلى السؤال والاستفهام ، وغير ذلك من العناوين الملازمة لجواز الاجتهاد والتقليد .

وينبغي نقل هذه الروايات للحاجة إلى ملاحظتها في مسألة تقليد الأعلم الآتية إن شاء الله تعالى أيضاً :

منها : ما رواه أحمد بن علي بن أبى طالب الطبرسي في الاحتجاج عن أبي محمّد العسكري(عليه السلام) في قوله ـ تعالى ـ : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَـبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ

(الصفحة 83)

يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ}(1) . قال : هذه لقوم من اليهود ـ إلى أن قال :ـ وقال رجل للصادق(عليه السلام) : إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلاّ بما يسمعونه من علمائهم ، فكيف ذمّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلاّ كعوامنا يقلّدون علماءهم؟ ـ إلى أن قال :ـ فقال(عليه السلام) : بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة ، وتسوية من جهة ، أمّا من حيث الاستواء ; فإنّ الله ذمّ عوامنا بتقليدهم علماءهم ، كما ذمّ عوامهم . وأمّا من حيث افترقوا ; فإنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ، وأكل الحرام والرشا ، وتغيير الأحكام ، واضطرّوا بقلوبهم إلى أنّ من فعل ذلك فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدّق على الله ، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمّهم .

وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر ، والعصبيّة الشديدة ، والتكالب على الدنيا وحرامها ، فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم ، فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم ، فإنّ من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً ولا كرامة ، وإنّما كثر التخليط فيما يتحمّل عنّا أهل البيت لذلك ; لأنّ الفسقة يتحمّلون عنّا فيُحرّفونه بأسره لجهلهم ، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلّة معرفتهم ، وآخرون يتعمّدون الكذب علينا ، الحديث(2) .

ومنها : ما في رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب من قوله(عليه السلام) له : إجلس في


(1) سورة البقرة : 2 / 79 . (2) الاحتجاج : 2/ 509 ـ 512، رقم 337، وعنه وسائل الشيعة : 27/131 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب10 ح20 .
(الصفحة 84)

مسجد المدينة وافت الناس ، فإنّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك(1) .

ومنها : ما نقله محمّد بن إدريس في آخر السرائر من كتاب هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إنّما علينا أن نلقي إليكم الأُصول وعليكم أن تفرّعوا(2) .

ومنها : ما نقل من كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرضا(عليه السلام) قال : علينا إلقاء الاُصول ، وعليكم التفريع(3) .

ومنها : رواية أبي حيّون مولى الرضا ، عن الرضا(عليه السلام) قال : من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم ، ثمّ قال(عليه السلام) : إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتّبعوا متاشبهها دون محكمها فتضلّوا(4) . ودلالتها على جواز ردّ المتشابه إلى المحكم الذي لا يتيسّر لغير المجتهد واضحة .

ومنها : رواية علي بن أسباط قال: قلت للرضا(عليه السلام) : يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك ، قال : فقال : إئت فقيه البلد فاستفته من أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإنّ الحقّ فيه(5) .

ومنها : رواية داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف


(1) رجال النجاشي : 10 رقم 7. (2) تقدّمت الرواية والكلام في سندها في ص70 . (3) مستطرفات السرائر:58ح21،وعنه وسائل الشيعة: 27/62، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضيب6 ح52. (4) عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/290 ح39 ، وعنه وسائل الشيعة : 27/115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح22 . (5) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) : 1/275 ح10 ، وعنه وسائل الشيعة : 27/115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح23 .
(الصفحة 85)

كلامه كيف شاء ، ولا يكذب(1) .

ومنها : رواية أحمد بن إسحاق ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته وقلت : من أُعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال : العمري ثقتي ، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع ; فإنّه الثقة المأمون .

قال : وسألت أبا محمّد(عليه السلام) عن مثل ذلك ، فقال : العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ; فإنّهما الثقتان المأمونان ، الحديث(2) . وليست الرواية ظاهرة في خصوص نقل الرواية ; فإنّ ما يؤدّي إليه اجتهاد الفقيه في مذهبنا إنّما هو رأي المعصوم ونظر الإمام(عليه السلام) ، فيصدق أ نّه يؤدّي عن الإمام(عليه السلام) ويقول عنه ، كما لا يخفى .

ومنها : رواية إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أُشكلت عليّ ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزّمان ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ : أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ـ إلى أن قال :ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله ، الحديث(3) . ودلالتها على وجوب الرجوع إلى الفقهاء ـ الذين هم المراد من «رواة حديثنا» في الحوادث الواقعة التي ربما لا تكون منصوص الحكم ، خصوصاً مع ملاحظة التعليل ـ واضحة .

ومنها : رواية شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : ربما احتجنا أن نسأل


(1) تقدّمت في ص70. (2) الكافي : 1 / 329 ح1 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 138 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح4 . (3) كمال الدين : 483 ح4 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح9 .
(الصفحة 86)

عن الشيء فمن نسأل؟ قال : عليك بالأسدي ; يعني أبا بصير(1) .

ومنها : رواية عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه ، فقال : ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ; فإنّه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً(2) .

ومنها : رواية علي بن المسيّب الهمداني قال : قلت للرضا(عليه السلام) : شقّتي بعيدة ولست أصل إليك في كلّ وقت فمِمَّن آخذ معالم ديني؟ قال : من زكريّا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا . قال علي بن المسيّب : فلمّا انصرفت قدمنا على زكريا ابن آدم فسألته عمّا احتجت إليه(3) .

ومنها : رواية عبدالعزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً ، عن الرضا(عليه السلام) قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال : نعم(4) .

ومنها : رواية معاذ بن مسلم النحوي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : بلغني أنّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت : نعم ، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج ،


(1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 171 رقم 291 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح15 . (2) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 161 رقم 273 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 144 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح23 . (3) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 594 رقم 1112 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 146 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح27 . (4) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 490 رقم 935 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 147 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح33 .
(الصفحة 87)

إنّي أقعد في المجلس فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، ويجيء الرجل أعرفه بمودّتكم وحبّكم فاُخبره بما جاء عنكم ، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول : جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا ، فاُدخل قولكم فيما بين ذلك ، فقال لي : اصنع كذا فإنّي كذا أصنع(1) .

ومنها : رواية عليّ بن سويد قال : كتب إليّ أبو الحسن(عليه السلام) وهو في السجن : وأمّا ماذكرت يا علي ممّن تأخذ معالم دينك، لاتأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا ; فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين ، الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، إنّهم ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه ، الحديث(2) .

ومنها : رواية أحمد بن حاتم بن ماهويه قال : كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الثالث(عليه السلام)ـ أسأله : عمّن آخذ معالم ديني ؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك ، فكتب إليهما : فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا ، وكلّ كثير القدم في أمرنا ، فإنّهما كافوكما إن شاء الله تعالى(3) .

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة ، وغيرها من الروايات الواردة في علاج الخبرين المتعارضين ، التي جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء ، ودلالتها على المقام لأجل أنّ تشخيص التعارض


(1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 252 رقم 470 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 148 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح36 . (2) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 3 رقم 4 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 150 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح42 . (3) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 4 رقم7 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 151 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح45 .
(الصفحة 88)

والمرجّحات يتوقّف على الاجتهاد ، وبلوغ الراوي إلى هذا المقام الشامخ والمرتبة الجليلة ، كما هو ظاهر .

ومنها : رواية أبي عبيدة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): من أفتى الناس بغير علم ولاهدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه(1) . وغيرها من الروايات الواردة في النهي عن الفتوى بغير علم ، التي جمعها في الوسائل في الباب الرابع من أبواب صفات القاضي .

ومنها رواية زرارة المعروفة الواردة في المسح على الرأس ، المشتملة على سؤاله عن الإمام(عليه السلام) ، وقوله : من أين علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس(2) ؟ فهذا السؤال بنفسه وكذا الجواب بقوله(عليه السلام) : «لمكان الباء» دليل على جواز الاجتهاد ، وأ نّه للراوي الفقيه السؤال عن مدرك الحكم ومستند الرأي ، والإمام(عليه السلام) قرّره على ذلك ـ ولم ينكر عليه ـ بأنّ وظيفة مثلك أخذ الفتوى ونشرها ، ولا مجال لك للسؤال عن الدليل .

ومنها : رواية عبدالأعلى المعروفة أيضاً الدالّة على المسح على المرارة ، وأنّ مثل مورد السؤال يعرف حكمه من كتاب الله : {وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَج}(3) ،(4) من دون حاجة إلى السؤال .

ومنها : غير ذلك من الروايات التي تظهر للمتتبع . وقد انقدح من ذلك أ نّه


(1) الكافي : 7 / 409 ح2 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب4 ح1 . (2) الفقيه : 1 / 56 ح212 ، وعنه وسائل الشيعة : 1 / 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب23 ح1 . (3) سورة الحجّ : 22 / 78 . (4) التهذيب : 1 / 363 ح1097 ، الاستبصار : 1 / 77 ح240 ، الكافي: 3 / 33 ح 1، وعنها وسائل الشيعة : 1 / 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب39 ح5 .
(الصفحة 89)

بملاحظة الروايات لا يبقى مجال للإشكال في حجّية فتوى المجتهد وجواز الرجوع إليه .

بقي الكلام في هذه المسألة الثانية في الاستدراك الذي ذكره سيّدنا الاُستاذ العلاّمة الماتن ـ دام ظلّه ـ بقوله : «نعم ، ما يكون مصحّحاً للعمل هو صدوره عن حجّة ـ كفتوى الفقيه ـ وإن لم يصدق عليه عنوان التقليد» . والغرض منه دفع ما ربما يمكن أن يتوهّم من أ نّه لا يكاد يمكن الجمع بين أمرين : أحدهما : تفسير التقليد وتعريفه بنفس العمل . غاية الأمر مع الاستناد إلى فتوى الفقيه ، والآخر : ما هو المعروف من أنّ المصحّح لعمل العامّي غير المحتاط هو التقليد ، فإذا كان التقليد هو نفس العمل فكيف يكون المصحّح للعمل أيضاً هو نفسه ؟ ضرورة أنّ المصحّح لابدّ وأن يكون مغايراً لنفس العمل ، كما هو ظاهر . وقد عرفت سابقاً(1) أنّ الوجه في العدول عن تفسير التقليد بالعمل ما اشتهر بينهم من لزوم مسبوقيّة العمل بالتقليد ; لأ نّه يكون مصحّحاً له وموجباً لاتّصافه بعدم البطلان .

والجواب عن هذا التوهّم ما أشار إليه الماتن ـ دام ظلّه ـ من أ نّه لم يقم دليل على اعتبار عنوان التقليد في صحّة العمل وكونه مصحّحاً له حتى ينافي ذلك مع تفسيره بنفس العمل ، بل المصحّح للعمل هو صدوره عن حجّة وإستناده إليها وإن لم يكن هذا الاستناد منطبقاً عليه عنوان التقليد ، فكما أنّ المصحّح لعمل المجتهد هو صدوره عن حجّة ، كخبر الواحد وغيره من الأمارات المعتبرة ، فكذلك المصحّح لعمل العامّي هو صدوره عن حجّة واستناده إليها ، كفتوى الفقيه ، فمسبوقيّة العمل بالفتوى واستناده إليها هو الملاك ; لاتّصافه بالصحّة والخروج عن البطلان وإن


(1) في ص62 .
(الصفحة 90)

لم يكن التقليد عبارة عن الاستناد ، بل هو العمل مستنداً إلى الحجّة .

فالجمع بين الأمرين ممّا لا مانع منه ; لعدم ثبوت المنافاة بوجه ، فيمكن تفسير التقليد بنفس العمل والحكم بكون المصحّح له أمراً مغايراً له ، وهو الاستناد وكون صدوره ناشئاً عن الحجّة مسبوقاً بها ، ففي الحقيقة يرجع هذا الكلام إلى ما ذكرنا سابقاً(1) من أ نّه لم يقم دليل على لزوم مسبوقيّة العمل بالتقليد ، وأ نّه يعتبر تحقّق هذا العنوان قبل العمل ، بل كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ وسيأتي في بعض المسائل الآتية ـ  إن شاء الله تعالى ـ لا دليل على اعتبار الاستناد أيضاً في اتّصاف العمل بالصحّة ، بل مجرّد الانطباق ومطابقة العمل لفتوى المجتهد كاف في الحكم بالصحّة ، وسيأتي توضيحه(2) فانتظر .


(1) في ص63 . (2) في ص262 ـ 269 مسألة20 .
(الصفحة 91)

[شرائط مرجع التقليد]

مسألة3: يجب أن يكون المرجع للتقليد عالماً مجتهداً عادلا ورعاً في دين الله، بل غير مكبّ على الدنيا، ولا حريصاً عليها وعلى تحصيلها جاهاً ومالا على الأحوط. وفي الحديث: من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقّلدوه 1

1 ـ أقول : كما أنّ البحث في أصل مسألة التقليد ورجوع العامّي إلى المجتهد تارة :يقع فيما هو المستند للعامّي والمحرّك له على الرجوع ، وأُخرى : فيما يستنبطه المجتهد من الأدلّة ، كذلك البحث في شرائط المجتهد الذي يجب الرجوع إليه لأخذ الفتوى والعمل على طبقها ، تارة : يقع فيما يحكم به عقل العامي الذي لا مستند له إلاّهو ولا محرّك له إلاّ إدراكه ، وأُخرى : فيما يستفاد من الأدلّة الواردة في هذا الباب وما يستنبطه المجتهد منها .

أمّا من الجهة الأُولى : فقد عرفت أ نّه لا يمكن أن يجري التقليد في أصل مسألة التقليد وجوازه(1) . وكذا في شؤونه وشرائطه ; للزوم الدور أو التسلسل ، فلابدّ أن يرجع العامي إلى عقله ويتبع ما يقتضيه إدراكه من أصل التقليد وفروعه ، فإذا رجع إلى من يكون جامعاً للشرائط المعتبرة أو المحتملة عنده يكون اللازم حينئذ تطبيق العمل على فتواه ونظره ، ورعاية رأيه في الخصوصيّات المعتبرة في المرجعيّة للفتوى ، كما هو ظاهر .

وأمّا من الجهة الثانية : فنقول : قد اشترطوا في المقلَّد الذي يرجع إليه في التقليد


(1) في ص68 .
(الصفحة 92)

أُموراً متعدّدة :

الأوّل : البلوغ ، من الواضح الذي لا ينبغي الارتياب فيه أنّ أدلّة حجّيّة فتوى المجتهد وجواز تقليده لا دلالة فيها على اعتبار البلوغ أصلا ; فإنّ مقتضى الأدلّة اللفظيّة من الآيات والروايات ـ على تقدير تماميّة دلالتها على حجّية الفتوى كما عرفت المناقشة في بعضها(1) ـ هو كون الموضوع عنوان الفقيه ، وأهل الذكر ، والعارف والناظر في الحلال والحرام ، وأشباهها من العناوين التي لا ريب في صدقها على الصبي إذا اتّصف بالاجتهاد .

والسيرة العقلائيّة التي هي العمدة في باب التقليد وشؤونه لا فرق فيها بين البالغ وغيره ، فإنّ الملاك فيها هو رجوع الجاهل إلى العالم ، ولا فرق في هذا الملاك بينهما ، خصوصاً مع وجود ما هو أولى من المقام بمراتب في الشرع ; فإنّه كان من الأنبياء والأوصياء ـ صلوات الله عليهم ـ من بلغ مرتبة النبوّة والإمامة قبل أن يصير بالغاً . وعليه : فيرتفع الاستبعاد الذي ربما يمكن أن يتّكل عليه في المقام ، وإن كان في هذه المقايسة نظر ، كما هو غير خفيّ على أهل النظر .

وبالجملة : أدلّة جواز التقليد خالية عن اعتبار البلوغ ، كما أنّ ما ورد من أ نّه رفع القلم عن الصبيّ حتى يحتلم(2) لا دلالة له على اعتبار البلوغ في مثل المقام ; فإنّ رفع قلم المؤاخذة أو أصل التكليف لا يلازم خروجه عن صلاحيّة التقليد الذي هو عمل الغير ووظيفته . وأمّا ما ورد من أنّ عمد الصبي وخطأه واحد ، فإن كان مذيّلا بما في ذيل إحدى روايتيه من قوله : تحمله العاقلة ، أو يحمل على العاقلة(3) .


(1) في ص71 ـ 89 . (2) الخصال : 93 ح40 و175 ح233 ، وعنه وسائل الشيعة : 1 / 45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 . (3) تهذيب الأحكام: 10/233 ح921، وعنه وسائل الشيعة: 29/400، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب11 ح3.
(الصفحة 93)

فالظاهر عدم دلالته إلاّ على كون عمده في باب القتل والجناية خطأً ، وتكون الدية ثابتة على العاقلة محمولة عليها . وأمّا لو كان خالياً عن الذيل كما في إحدى الروايتين(1) فلا يبعد أن يقال بدلالته على المقام ونحوه ; فإنّ مقتضى إطلاق كون عمده خطأً أنّ الأفعال والأقوال والاستنباطات التي تصدر من الصبيّ مع التوجّه والالتفات تكون كالتي تصدر من غيره بدون التوجّه والقصد والإرادة .

ومن الواضح أنّ الاستنباط الذي هو فعل من الأفعال إذا صدر من غير توجّه ونظر لا يكون معتبراً بوجه ، ولا يجوز للعامّي أن يستند إليه أصلا . كما أ نّه على تقدير اشتمال الرواية على الذيل يمكن أن يقال بأنّ الذيل بيان لمصداق من الكبرى الكلّيّة ، والقاعدة العامّة التي اُفيدت في الصدر ، لا أ نّه قرينة على اختصاصه بخصوص باب القتل والجناية ، والتحقيق موكول إلى محلّه .

وكيف كان ، فالدليل على اعتبار البلوغ الإجماع الذي ادّعي في خصوص المقام(2) ، والإجماع بل الضرورة التي ادّعاها صاحب الجواهر(قدس سره) على أنّ الصبي مسلوب العبارة(3) ، فإذا كانت عبارته مسلوبة فاستنباطه ونظره بطريق أولى ، مضافاً إلى ذكر «الرجل» في حسنة أبي خديجة(4) ـ بناءً على دلالتها على حجّيّة الفتوى ، وكون المراد بـ«الرجل» ما يقابل الصبيّ أيضاً ـ وإلى أنّ اعتبار العدالة كما سيجيء يلازم اعتبار البلوغ أيضاً .

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ محلّ الكلام هو اعتبار البلوغ في زمان العمل بفتواه وأخذها منه


(1) تهذيب الأحكام: 10/233 ح920، وعنه وسائل الشيعة: 29/400، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب11 ح2. (2) الروضة البهيّة: 3/62، مسالك الأفهام: 13/326 ـ 327، مفتاح الكرامة: 10/9، مستند الشيعة: 17/33، رياض المسائل: 9/336 (3) جواهر الكلام : 29 / 143 . (4) تأتي في ص111.
(الصفحة 94)

لا في زمن تحقّق الاستنباط ، فإذا تصدّى المجتهد للاستنباط قبل البلوغ فأراد المقلّد الرجوع إليه بعده فلا مانع منه أصلا ، بل هو خارج عن محلّ النزاع ، كما أنّه إذا رجع إليه المقلّد في حال بلوغه فمات المجتهد فله أن يبقى على تقليده ، وإن كان استنباطه قبل البلوغ ولم يعمل بفتاويه بعد البلوغ أصلا ; لما سيمرّ عليك من عدم مدخليّة العمل في جواز البقاء .

الثاني : العقل ، واعتباره في المرجع ظاهر عند العقلاء والمتشرّعة ، وقد ادّعي أ نّه ممّا أجمع عليه الخلف والسلف(1) ، وادّعى الاتّفاق شيخنا الأعظم الأنصاري(قدس سره) على ما حكي عن ظاهر عبارته(2) ، وأدلّة التقليد وحجّيّة فتوى المجتهد ظاهرة في اعتباره ; فإنّه وإن لم يقع التعرّض لاعتبار العقل فيها بوجه ، إلاّ أنّ نفس العناوين المأخوذة فيها لا ينطبق إلاّ على العاقل ; فإنّ المجنون لا ميزان لفهمه واستنباطه ، كما أ نّه لا ملاك لأعماله وأقواله ، وكذلك السيرة العقلائيّة الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم ; فإنّه لا خفاء في اختصاصها بالعالم العاقل .

نعم ، المجنون الأدواري في حال الإفاقة لا مانع عند العقلاء من الرجوع إليه ، كما قد حكي القول به عن بعض متأخّري المتأخّرين ; كصاحبي المفاتيح(3)


(1) قال في مستمسك العروة الوثقى: 1/42، فقد قيل: إنّه ممّا أجمع عليه الخلف والسلف، وفي الروضة البهية: 3/62، إجماعاً، وفي مسالك الأفهام: 13/326 ـ 327، عندنا موضع وفاق، وفي كشف اللثام: 1/17، اتّفاقاً، وفي مفاتيح الشرائع: 3/246، بلا خلاف في شيء من ذلك عندنا، وفي رياض المسائل: 9/236، بلاخلاف في شيء من ذلك أجده بيننا، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة، كالمسالك وغيره. (2) راجع رسالة في الاجتهاد والتقليد للشيخ الأنصاري: 57، والحاكي هو صاحب التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد : 217. (3) مفاتيح الاُصول: 611.
(الصفحة 95)

والاشارات(1) ، كما أ نّه لو فرض أنّ المجنون الدائمي كان جنونه في جهة خاصّة وأمر مخصوص، بحيث لا يتعدّى عن تلك الجهة بوجه ولا يكون له مظهر غيرها ، لا يبعد أن يقال بعدم خروجه عن السيرة العقلائيّة الجارية على الرجوع إلى العالم ، فإنّه لو فرض أنّ الطبيب كان جنونه منحصراً في جهة غير مرتبطة بالطبابة أصلا ، وعلم بعدم تعدّي جنونه عن غير تلك الجهة ، فهل هو خارج عن جريان السيرة؟ الظاهر العدم ، اللّهمّ إلاّ أن يكون الإجماع منعقداً على عدم حجيّة فتواه في المقام .

ثمّ إ نّه يدلّ على اعتبار العقل ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ الدليل على اعتبار العدالة على ما سيجيء ، فإنّ اعتبار العدالة لا ينفكّ عن اعتبار العقل ، كما هو غير خفّي .

الثالث : الإيمان ، والمراد من اعتبار الإيمان ـ الذي مرجعه إلى كونه شيعيّاً إماميّاً ـ أ نّه هل يجوز الرجوع إلى غير الإمامي إذا كانت فتاواه وآراؤه مأخوذة عن المدارك المعتبرة عند الإمامي ، وكان استنباطه منحصراً في خصوص الأدلّة التي يرجع إليها المجتهد الإمامي ، وإلاّ فعدم جواز الرجوع إلى غير الإمامي في فتاويه المأخوذة عن المدارك المعتبرة عند نفسه ممّا لا ينبغي النزاع فيه ، وهو خارج عن محلّ الكلام كما هو ظاهر .

وقد استدلّ على اعتبار الإيمان في المجتهد الذي يرجع إليه للتقليد بوجوه :

منها : دعوى الإجماع من السلف والخلف على شرطيّة الإيمان في المجتهد الذي يرجع إليه(2) .

واُورد على هذه الدعوى بأنّ الإجماع المدّعى ليس من الإجماعات التعبّدية


(1) لم نعثر على كتاب اشارات الأصول ج2 . نعم ، حكى عنه السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: 1/42. (2) مستمسك العروة الوثقى: 1 / 42.
(الصفحة 96)

حتى يستكشف به قول المعصوم(عليه السلام) ; لاحتمال أن يكون مستنداً إلى بعض الوجوه التي استدلّ بها على اعتبار الإيمان ، ومعه لا مجال للاعتماد عليه(1) .

والجواب عن هذا الإيراد ـ مضافاً إلى أ نّه لا يجتمع الإيراد بذلك مع ما صرّح به المورد في أدلّة اشتراط العدالة ; من أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة الواصل ذلك إليهم يداً بيد عدم رضى الشارع بزعامة من لا عدالة له فضلا عن العقل والإيمان (2) ; فإنّ ثبوت هذا الارتكاز ينافي دعوى عدم استكشاف قول المعصوم(عليه السلام) ، وعدم العلم برأيه ونظره ـ : أنّ مجرّد احتمال الاستناد إلى بعض الوجوه الضعيفة غير الصالحة للاستدلال لا يقدح في أصالة الإجماع واستكشاف رأي الإمام(عليه السلام) ، كما هو ظاهر .

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة وحسنة أبي خديجة . ففي الأُولى: «ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا»(3) وفي الثانية: «ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا (قضائنا خ ل) »(4) ; فإنّ قوله(عليه السلام) : «منكم» في الروايتين ظاهر في اعتبار المماثلة في الإيمان والاعتقاد بإمامتهم .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما سيجيء إن شاء الله تعالى من أنّ مورد الروايتين باب القضاء وفصل الخصومة ، ولا ملازمة بين اعتبار شيء في القاضي واعتباره في المفتي ـ : أنّ تخصيص الحكم بخصوص الواجد لوصف الإيمان على ما هو المتفاهم عرفاً من الروايتين إنّما هو لأجل كون غيرالواجد لا تكون فتاواه مأخوذة عن


(1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، الاجتهاد والتقليد: 218. (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، الاجتهاد والتقليد: 223 . (3) تاتي في ص 110 ـ 111 . (4) تأتي بتمامها في ص 111 ـ 112 .
(الصفحة 97)

المدارك المعتبرة عند الإمامي غالباً، فلادلالة لهماعلى عدم اعتبار نظره إذا حكم بحكمهم(عليهم السلام)، وأفتى على طبق رواياتهم والأُصول المعتمدة في الفتوى عند المجتهد الإمامي .

ومنها : رواية عليّ بن سويد المتقدّمة قال : كتب إليَّ أبو الحسن(عليه السلام) وهو في السجن : وأمّا ماذكرت يا علي ممّن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا ; فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، إنّهم ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه ، الحديث(1) .

ويرد على الاستدلال بها أنّ الظاهر منها كون المانع هي الخيانة الموجبة لعدم الإئتمان والوثوق والاطمئنان لا مجرّد اعتقاد الخلاف ، وإن علم باستناد فتواه إلى المدارك المعتبرة عند الإماميّة ، ويؤيّده أنّ الرواية شاملة للرجوع إلى راوي الحديث وأخذ الرواية منه ، مع أ نّه لا يعتبر فيه الإيمان بل يكفي الوثوق والاطمئنان . هذا ، مضافاً إلى ضعف سند الرواية .

ومنها : رواية أحمد بن حاتم بن ماهويه المتقدّمة أيضاً في أدلّة حجّيّة الفتوى قال : كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الثالث(عليه السلام)ـ أسأله عمّن آخد معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك ، فكتب إليهما : فهمت ما ذكرتما ، فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا ، وكلّ كثير القدم في أمرنا ; فإنّهما كافوكما إن شاء الله تعالى(2) .

ويرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف السند أيضاً ـ : أنّ الأمر بالاعتماد على المسنّ في حبّهم وكثير القدم في أمرهم إنّما هو لِما ذكرنا من عدم الإئتمان بغير


(1  ، 2) تقدّمتا في ص87 .
(الصفحة 98)

الإمامي ، مع أنّ اعتبار هذين الوصفين مخالف للاجماع القطعي ; لأنّ غاية ما هناك اعتبار الإيمان بل العدالة كما سيجيء . وأمّا كونه مسنّاً في الحبّ وله قدم كثير في أمرهم فلا يكون بمعتبر قطعاً ، مع أنّ صدر الرواية يدلّ على اعتبار الوصفين وذيلها على كفاية وصف واحد ، فلا تخلو عن شبه مناقضة ، فتأمّل .

فانقدح أنّ الدليل على اعتبار الإيمان هو الإجماع الكاشف بضميمة ما يدلّ على اعتبار العدالة ، فإنّ اعتبارها لا ينفكّ عن اعتبار الإيمان كما هو ظاهر .

الرابع : العدالة ، واعتبارها في المفتي الذي يرجع إليه للتقليد لا يكاد يستفاد من شيء من الأدلّة الواردة في باب التقليد وحجّيّة فتوى المجتهد ; لعدم دلالة الأدلّة اللفظية على اعتبارها وعدم التعرّض لها ، والسيرة العقلائيّة التي هي العمدة في الباب غايتها إفادة اشتراط الوثاقة ; فإنّه وإن كان ملاكها رجوع الجاهل إلى العالم ، إلاّ أ نّه حيث يكون الغرض من الرجوع رفع الجهل والوصول إلى الواقع ، وهذا لا يتحقّق مع عدم الوثاقة والاعتماد ، فلا محالة تكون الوثاقة معتبرة ، وأمّا الزائد عليها فلا .

وقد استدلّ على اعتبار العدالة ـ مضافاً إلى الإجماع بالنحو الذي عرفت في اعتبار الإيمان(1) ـ برواية الاحتجاج ـ الطويلة المتقدّمة(2) في أدلّة حجّية فتوى المجتهد ـ عن أبي محمّد العسكري(عليه السلام) ، المشتملة على قوله(عليه السلام) في الذيل : «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم ، الحديث .


(1) في ص95 ـ 96. (2) في ص82 ـ 83.
(الصفحة 99)

والكلام في هذه الرواية تارة : من حيث السند ، وأُخرى : من جهة الدلالة .

أمّا من الجهة الأُولى : فقد روى الصدوق عن محمّد بن القاسم الأسترابادي ـ مشافهة من غير واسطة ـ التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد العسكري(عليه السلام)(1) ، وأكثر من النقل عنه في أغلب كتبه الموجودة بأيدينا(2) ، واعتمد على ما فيه ، وتبعه على ذلك جملة من الأساطين، كصاحب الاحتجاج(3) وصاحب الخرائج(4)، وابن شهرآشوب صاحب المناقب في مواضع عديدة(5) ، والمحقّق الكركي(6) ، والشهيد الثاني(7) ، والمجلسيّين(8) .

ولكنّه ضعّف العلاّمة في «الخلاصة» محمّد بن القاسم بقوله : ضعيف ، كذّاب روى ـ يعني الصدوق ـ عنه تفسيراً يرويه عن رجلين مجهولين : أحدهما يُعرف بيوسف ابن محمّد بن زياد ، والآخر علي بن محمّد بن سيار ، عن أبيهما ، عن أبي الحسن الثالث(عليه السلام)، والتفسير موضوع عن سهل الديباجي، عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير(9) (10).


(1) التفسير المنسوب إلى أبي محمّد العسكري(عليه السلام) : 9 . (2) كالفقيه: 2/211 ح967 والأمالي: 439 ح580 و علل الشرائع: 416 ب157 ح3، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/266 ب27 ح1. (3) الاحتجاج: 1/7 رقم. (4) الخرائج والجزائج: 2/519 ح28. (5) المناقب لابن شهرآشوب: 1/92. (6) بحار الأنوار: 108/78 ـ 79. (7) منية المريد: 23 وما بعده وبحار الأنوار: 108/169 ـ 170. (8) روضة المتقين: 14/250، بحار الأنوار: 1/28 و 70 ـ 73 . (9) خلاصة الأقوال : 404 . (10) خاتمة مستدرك الوسائل: 5/186 ـ 192  .
(الصفحة 100)

قال المحدّث النوري في خاتمة المستدرك بعد نقل هذه العبارة : ولم يسبقه فيما بأيدينا من الكتب الرجالية والحديث أحد سوى الغضائري ، ولم يلحقه أيضاً أحد سوى المحقّق الداماد . ثمّ ذكر عين عبارته وأورد عليه ما أورده المحقّقون من الطعن ، ثمّ ذكر في ذيل كلامه أسامي جماعة من المعتمدين على هذا التفسير ، كالاُستاذ الأكبر في التعليقة ، والمجلسيّين والحرّ العاملي والمحدّث الجزائري وجمع آخر ، واختار هو أنّ التفسير داخل في جملة الكتب المعتمدة(1) .

أقول : محصّل الإشكال في هذا المجال تارة : من جهة ضعف محمّد بن القاسم الأسترابادي وجهالة الرجلين اللذين رواه عنهما ، وأُخرى : من جهة أ نّه حكي عن صاحب المناقب في معالم العلماء أنّ الحسن بن خالد البرقي أخا محمّد بن خالد من كتبه تفسير العسكري من إملاء الإمام(عليه السلام) مائة وعشرين مجلّداً(2) . مع أنّ التفسير الموجود بأيدينا مجلّد واحد مشتمل على تفسير سورة الفاتحة وبعض سورة البقرة .

ويمكن دفع الإشكال من الحيثيّة الأُولى بأنّ اعتماد الصدوق عليه وإكثار نقله عنه في كتبه المتعدّدة يكفي في توثيقه ، وتضعيف الخلاصة مستند إلى الغضائري الذي اشتهر ضعف تضعيفاته ، والرجلان اللذان روى عنهما قد حكي عن الطبرسي التصريح بأنّهما من الشيعة الإماميّة(3) .

ومن الحيثيّة الثانية بأنّ الظاهر كون التفسير الموجود جزءاً من ذلك التفسير الكبير لا مغائراً له ; فإنّ ابن شهرآشوب الذي هو الأصل في النسبة إلى البرقي ينقل


(1) خاتمة مستدرك الوسائل: 5/186 ـ 200. (2) معالم العلماء : 34 رقم 189 . (3) الاحتجاج: 1/7 رقم2، والحاكي هو الشيخ النوري في خاتمة مستدرك الوسائل : 5/195.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>