جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة الاجتهاد والتقليد « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

(الصفحة 221)

لأ نّه من الرجوع عن الأعلم إلى غيره . وبعبارة اُخرى : بعدما كان الرجوع إليه واجباً ولو احتياطاً كيف يجوز العدول عنه إلى الميّت مع كونه مفضولا ؟ خصوصاً مع ملاحظة أ نّه لا يجوز العدول إلى المساوي أيضاً عند الماتن دام ظلّه ، ومقتضى ما ذكرنا أنّ عدم الجواز يكون بنحو الفتوى ، لا على سبيل الاحتياط اللزومي .

هذا ، وقد عنون في العروة هذا الفرع بقوله : إذا عدل عن الميّت إلى الحيّ لا يجوز له العدول إلى الميّت(1) .

وقد حمل بعض الأعلام في شرحها ـ على ما في تقريراته هذه العبارة على موردين ; لدعوى اختصاص صحّة العدول بهما ـ حيث قال : إنّ صحّة العدول إنّما تكون في موردين :

أحدهما : فيما إذا كان الحيّ أعلم من الميّت .

وثانيهما : فيما إذا كان الميّت أعلم إلاّ أنّ المكلّف نسي فتواه ، إذ معه لا مسوّغ للبقاء على تقليد الميّت ـ والمفروض أنّ عدوله إلى الحيّ صحيح ، ومع فرض صحّة العدول لا مجوّز بوجه للعدول عنه إلى تقليد الميّت(2) .

أقول : لا ينبغي الإشكال في عدم كون المراد بالعبارة هذين الموردين ، بل المراد هي الصورة التي يكون المقلّد مخيّراً في البقاء وعدمه ، وهو فيما إذا كانا متساويين في الفضيلة والعلم ; سواء علمت المخالفة بينهما في الفتوى أم لم تعلم . غاية الأمر أ نّه لابدّ من البحث والتكلّم حينئذ في الجواز وعدمه .

فنقول : الوجه في الجواز هو استصحاب التخيير الثابت قبل الرجوع عن الميّت ;


(1) العروة الوثقى : 1 / 7 مسألة 10 . (2) التنقيحفي شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد : 118 .
(الصفحة 222)

بمعنى أنّ المقلّد كان يجوز له اختيار فتوى المجتهد الحيّ الذي وقع الكلام في جواز العدول عنه، كماكان يجوزله اختيارفتوى المجتهد الميّت ، فهو كان مخيّراً بين الأمرين، وله الأخذ بكلّ واحدة من الفتويين، والآن كما كان بمقتضى دليل الاستصحاب.

والوجه في عدم الجواز ـ مضافاً إلى أصالة الاحتياط ; لكون المورد من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير .

والإيراد عليه بأ نّه لا مجال لها ، إذ كما يحتمل وجوب البقاء على تقليد الميّت ، يحتمل وجوب العدول عنه ، فاحتمال التعيين موجود في كلّ من الطرفين ، كما يحتمل أيضاً التخيير ، وفي مثله يجب البناء على التخيير بعد قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط على العامّي(1) حتّى أحوط القولين المتعيّن في نظر العقل لولا الإجماع المذكور .

مندفع بأ نّه لا منشأ لاحتمال وجوب العدول عن الميّت ، بعد ملاحظة كون المفروض صورة تساوي المجتهدين في الفضيلة ، وكون البقاء على تقليد الميّت جائزاً بمقتضى الاستصحاب ، أو غيره من الأدلّة ، فمع لحاظ هذين الأمرين لا مجال لاحتمال وجوب العدول وتعيّن المجتهد الحيّ ، فالمورد من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير الذي يحكم العقل فيه بأصالة التعيين .

كما أنّ الإيراد عليه بأ نّه لو فرضنا تساوي الميّت والحيّ مع العلم بالمخالفة بينهما ، يكون مقتضى القاعدة سقوط فتوائيهما عن الاعتبار ; للمعارضة ، ولا يبقى معه الدوران بين التعيين والتخيير .


(1) رسالة في الاجتهاد والتقليد للشيخ الانصاري، ضمن مجموعة رسائل: 48 ـ 49 ، مستمسك العروة الوثقى: 1 / 21 .
(الصفحة 223)

مندفع أيضاً ـ مضافاً إلى أنّ محلّ البحث أعمّ من صورة العلم بالمخالفة بينهما ; لما عرفت من أنّ مورد البحث صورة تساوي المجتهدين في الفضيلة ; سواء علمت المخالفة أم لم تعلم  ـ : بأنّ هذا مبنيّ على ما هو المشهور ، ومقتضى التحقيق من ثبوت التخيير في مثل هذا المورد ، وعدم سقوط كلتا الفتويين عن الاعتبار ـ كما تقدّم البحث عنه ـ هو كون العدول عن الحيّ إلى الميّت تقليداً ابتدائيّاً للميّت ، وقد قام الإجماع على عدم الجواز والمنع عنه (1)، اللّهم إلاّ أن يمنع شموله لمثل المقام ، ممّا كان المكلّف مقلِّداً للميّت في برهة من الزمان .

ثمّ إنّه لا يختلف الحكم بعدم جواز العدول عن الحيّ إلى الميّت بالاختلاف في معنى التقليد ، وأنّه هو الالتزام وشبهه ، أو العمل استناداً إلى قول الغير ; لِما ذكرنا من أنّ مبنى عدم جواز العدول هو كونه تقليداً ابتدائيّاً للميّت ، فحمل الحكم بعدم الجواز على مبنى كون التقليد هو الالتزام ، ممّا لا وجه له أصلا .

نعم ، هذا الاختلاف إنّما يثمر في أصل موضوع العدول ، حيث إنّ العدول على تقدير كون التقليد بمعنى الالتزام ، يتحقّق برفع اليد عن الالتزام الأوّل ، والالتزام بالرجوع إلى آخر ثانياً . وأمّا على تقدير كونه بمعنى العمل فهو لا يتحقّق إلاّ بالعمل ، فإذا أفتى أحدهما بوجوب صلاة الجمعة مثلا ، والآخر بحرمتها ، فالعدول عن تقليد القائل بالحرمة إنّما يتحقّق بالإتيان بها استناداً إلى فتوى القائل بالوجوب ، فالاختلاف في معنى التقليد إنّما يثمر في موضوع العدول ، لا في حكمه من الجواز وعدمه ، فتدبّر جيّداً .


(1) جامع المقاصد: 3 / 491 ، شرح الألفيّة ، والمطبوع مع حياة المحقّق الكركي وآثاره: 7 / 253 ; مسالك الأفهام: 3 / 109 ; رسائل الشهيد الثاني: 1 / 44 ; مستمسك العروة الوثقى: 1 / 22 .
(الصفحة 224)

ثالثها : ما ذكره في المتن بقوله : «ولا إلى حيّ آخر كذلك إلاّ إلى أعلم منه ; فإنّه يجب على الأحوط» ، والمقصود أنّه بعد ما رجع عن الميّت إلى الحيّ لا يجوز له العدول عن الحيّ إلى حيّ آخر احتياطاً ، إلاّ إذا كان أعلم من الحيّ الأوّل ; فإنّه يجب العدول إليه احتياطاً ، وقد ظهر ممّا ذكرنا وجه ما أفاده ، كما أنّه ظهر أنّ المختار جواز العدول في المستثنى منه إذا كانا متساويين ، ووجوبه في المستثنى بنحو الفتوى .

رابعها : أنّه لابدّ وأن يكون البقاء على تقليد الميّت مستنداً إلى فتوى الحيّ الذي يفتي بجواز ذلك ، بحيث لو بقي على تقليد الميّت من دون الرجوع إلى الحيّ كان كمن عمل من غير تقليد ، وهذا إنّما هو فيما إذا احتمل المكلّف العامّي ارتفاع الحجّية عن الفتوى بالموت حتّى يجب عليه الرجوع إلى العالم . وأمّا لو فرض ثبوت القطع له ببقاء الحجّية ، لا يبقى مجال للرجوع إلى الحيّ في ذلك كما هو واضح ، كما أ نّه ربما يكون الحامل له على الرجوع إلى الحيّ فتوى المجتهد الميّت بأ نّه يعتبر في البقاء الرجوع إلى الحيّ ; فإنّه مع ملاحظة هذه الفتوى ، إذا أراد البقاء لابدّ وأن يرجع إلى الحيّ ; لأنّ لازم البقاء على تقليد الميّت في جميع فتاواه ـ التي منها اعتبار الرجوع إلى الحيّ في البقاء ـ الرجوع إلى الحيّ ، وهو ظاهر .

(الصفحة 225)

[وجوب العمل بفتوى الحيّ في البقاء على تقليد الميّت]

مسألة14: إذا قلّد مجتهداً ثمّ مات ، فقلّد غيره ثمّ مات ، فقلّد في مسألة البقاء على تقليد الميّت من يقول بوجوب البقاء أو جوازه، فهل يبقى على تقليد المجتهد الأوّل ، أو الثاني؟ الأظهر البقاء على تقليد الأوّل إن كان الثالث قائلا بوجوب البقاء، ويتخيّر بين البقاء على تقليد الثاني ، والرجوع إلى الحيّ إن كان قائلا بجوازه 1.

1 ـ المفروض في هذه المسألة ما إذا لم يكن المجتهد الثاني ـ الذي قلّده بعد موت الأوّل ـ قائلا بوجوب البقاء على تقليد الميّت ; لأنّ الظاهر أنّ المراد من تقليده إيّاه هو تقليده في جميع المسائل ، لا خصوص مسألة البقاء على تقليد الميّت ، والقول بعدم وجوب البقاء وإن كان يجتمع مع القول بحرمة البقاء ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد غير هذه الصورة ، فينحصر في القول بالجواز .

وجه الظهور : أنّ الظاهر كون المراد من تقليد الثاني هو تقليده اختياراً ، بحيث كان للمكلّف العامّي الرجوع إليه وتقليده ، وكان له البقاء على تقليد الأوّل ، وقد اختار المقلّد الشقّ الأوّل ، فالمفروض في العبارة ظاهراً هو : ما إذا كان الثاني قائلا في مسألة البقاء بجوازه ، ولكنّه لا مانع من توسعة دائرة البحث والتكلّم فيما إذا كان قائلا بالحرمة أيضاً ، فهنا فرضان :

الفرض الأوّل : ما إذاكان المجتهد الثاني قائلا بجواز البقاء ، واختار المكلّف عدمه والرجوع إلى الحيّ في سائر المسائل، وقد مرّ أ نّه المقصود من العبارة، وفيه صورتان:

(الصفحة 226)

إحداهما : ما إذا كان المجتهد الثالث أيضاً قائلا بالجواز .

والأُخرى : ما إذا كان الثالث قائلا بالوجوب .

أمّا الصورة الأُولى : فلا إشكال فيها في جواز البقاء على تقليد الثاني في سائر المسائل ; لأنّ المفروض أنّ المكلّف قد قلّده بعد موت الأوّل ، والثالث الحيّ قائل بجواز البقاء على تقليد الميّت ، فيجوز له البقاء على تقليد الثاني بعد موته ، كما أ نّه يجوز له الرجوع إلى الثالث بلا ريب . وأمّا جواز البقاء على تقليد الأوّل ، فيبتني على ملاحظة أنّ فتوى الثالث بجواز البقاء ، هل يجوز أن تشمل البقاء على تقليد الميّت في مسألة جواز البقاء ، كما تشمل سائر المسائل ، أم لا يمكن شمولها له ؟

فعلى تقدير الإمكان لا مانع من البقاء على تقليد الأوّل ; لأ نّه يجوز للمكلّف استناداً إلى فتوى الثالث الحيّ البقاء على تقليد الثاني في جميع المسائل التي منها مسألة البقاء ، التي حكم الثاني فيها بالجواز ، كما أ نّه على تقدير عدم الإمكان لا مجال له للبقاء ; لأنّ البقاء على الأوّل يصير بلا مستند ; لأنّ المفروض أنّ فتوى الثالث لا تشمل مسألة البقاء . وفتوى الثاني وإن كانت هي الجواز ، لكنّه حيث اختار المكلّف عدمه والرجوع إليه ، يكون البقاء على الأوّل حينئذ عدولا ، كما إذا أراد العدول إلى الأوّل في حياة الثاني ، وقد مرّ عدم جواز هذا النحو من العدول(1) .

والظاهر عدم إمكان الشمول ، من دون فرق بين ما إذا كان نظر الثاني والثالث متّحداً فيما هو الموضوع للحكم بالجواز ، ومتّفقاً من حيث الإطلاق والتقييد أم لا ، ومن دون فرق أيضاً في صورة الاختلاف من هذه الجهة ، بين ما إذا كان نظر الثالث أوسع من الثاني ، كما إذا كان البقاء جائزاً عنده مطلقاً ولو فيما لم يعمل به من


(1) في ص 220 ـ 224 .
(الصفحة 227)

المسائل ، أو لم يتعلّم ، وكان جواز البقاء عند الثاني مقيّداً بما إذا عمل مثلا ، وبين ما إذا كان نظر الثاني أوسع من الثالث .

والدليل على عدم الشمول أمران :

أحدهما : اللغويّة وتحصيل الحاصل ; وذلك لأنّ شمول فتوى الثالث الحيّ بجواز البقاء لفتوى الثاني الميّت بالجواز لا يترتّب عليه أيّ فائدة ; لأنّ الشمول إن كان بلحاظ استفادة الجواز في نفس هذه المسألة ، فمن الواضح أ نّه بعد حكم الحيِّ بالجواز لا حاجة إلى استفادة الجواز من فتوى غيره أيضاً ، وإن كان بلحاظ استفادة الجواز بالإضافة إلى سائر المسائل الفرعيّة ، فمن الواضح أنّها أيضاً لا تحتاج إلى الحكم بالجواز ثانياً ; لأنّ فتوى الحيّ بالجواز صارت موجبة لاتّصاف فتوى الميّت فيها بالحجّية ، فلا تفتفر إلى الاتّصاف بالحجّية ثانياً من طريق فتوى الميّت بجواز البقاء ، التي صارت حجّة لأجل فتوى الحيّ بالجواز ، بل لا يعقل ذلك ; لأنّ الحجّية بعد الحجّيّة ، والمنجّزيّة بعد المنجّزيّة ، والمعذّريّة بعد المعذّريّة غير معقولة .

وهذا فيما إذا كان النظران متّحدين ، أو كان نظر الحيّ أوسع واضح . وأمّا مع كون نظر الميّت أوسع بحيث كان الجواز عند الحيّ مقيّداً بصورة العمل مثلا ، والمفروض أ نّه لم يعمل بجميع المسائل ، فالوجه في عدم الشمول ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ عدم تحقّق العمل بفتوى الميّت في هذه المسألة ; لأنّ المفروض أ نّه لم يبق على تقليد المجتهد الأوّل حتّى يكون بقاؤه عليه عملا بفتوى الثاني بالجواز .

ودعوى أنّ الرجوع إلى الثاني وتقليده أيضاً عمل بفتواه بالجواز في مسألة البقاء ; لأنّ اختيار أحد الطرفين لا يوجب عدم تحقّق العمل بوجه ، مدفوعة بأ نّه يكون كذلك إذا كان مختاره الطرف الآخر ; وهو البقاء الذي لا يجتمع مع الحكم

(الصفحة 228)

بالحرمة . وأمّا إذا كان مختاره الرجوع إلى الثاني وتقليده إيّاه في المسائل ، فلا يعدّ هذا عملا بفتواه بالجواز ؟ ضرورة أنّ الرجوع إليه يجتمع مع الحكم بالحرمة أيضاً ، فكيف يكون عملا بالجواز ؟! فتدبّر جيّداً .

ثانيهما : استحالة أخذ الحكم في موضوع نفسه ; نظراً إلى أنّ جواز البقاء ـ الذي هو حكم ـ كيف يعقل أن يؤخذ في موضوع نفسه ، ويقال بأ نّه يجوز البقاء في جواز البقاء ؟ 

ودعوى أنّ المستحيل إنّما هو أن يؤخذ حكم في موضوع شخصه ، نظراً إلى أنّ مرجعه إلى كون الحكم مفروض التحقّق حين جعله وإنشائه . وأمّا في مثل المقام فلا مانع منه ، نظراً إلى أ نّه لا مانع من أن تكون حجّية فتوى الميّت بجواز البقاء مترتّبة على حجّية فتوى الحيّ به ; لأنّهما فتويان .

مدفوعة جدّاً بأ نّه ليس البحث في حجّية فتوى الحيّ ، بل في إمكان شمول فتواه ـ التي لا إشكال في حجّيتها ـ لفتوى الميّت بجواز البقاء ، ومن المعلوم أنّ جواز البقاء ليس إلاّ حكماً واحداً . غاية الأمر اتّحادهما في هذا الحكم واتّفاقهما في هذه الفتوى ، فكيف يعقل حينئذ أن يصير الحكم موضوعاً في نفسه ، بحيث يصير جواز البقاء ظرفاً ومتعلّقاً لنفس جواز البقاء ؟ كما هو ظاهر .

ولعلّه لما ذكرنا اختار سيّدنا العلاّمة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ في المتن : أنّ العامّي مخيّر بين أن يبقى على تقليد الثاني ، وبين أن يرجع إلى الثالث الحيّ فيما إذا كان قائلا بجواز البقاء ، وقد عرفت أنّ الظاهر كون المفروض في العبارة ما إذا كان الثاني أيضاً قائلا بالجواز ، ولازم ما أفاده عدم جواز البقاء على تقليد الأوّل في هذه الصورة بوجه .

وأمّا الصورة الثانية : وهي ما إذا كان الثالث قائلا بالوجوب ، وقد اختار ـ دام ظلّه ـ في هذه الصورة تعيّن البقاء على تقليد الأوّل ، والوجه فيه : أنّ رجوعه إلى

(الصفحة 229)

الثاني بعد موت الأوّل كان باطلا بمقتضى فتوى الثالث بوجوب البقاء ; لأنّ وظيفة المكلّف كانت من أوّل الأمر البقاء على تقليد الأوّل ، ولم يكن له الرجوع إلى الثاني بعد موت الأوّل . غاية الأمر أ نّه كان معذوراً في ذلك ما دام كان الثاني موجوداً ، والآن ارتفع العذر ويجب عليه البقاء على التقليد الذي كان صحيحاً ; وهو تقليد الأوّل فقط .

نعم ، فيما إذا فرض مجتهدان فقط ، مات أحدهما والآخر حيّ ، وقد قلّد العامّي الأوّل وهو معتقد بجواز البقاء ، والآن يكون الحيّ قائلا بوجوب البقاء ، وقع البحث في أ نّه هل تشمل فتوى الحيّ بالوجوب فتوى الميّت بالجواز ، ومرجعه حينئذ إلى التخيير بين البقاء ، وبين العدول إلى الحيّ ، فيجوز له العدول إلى الحيّ وأخذ فتاويه في سائر المسائل الفرعيّة ، أو أنّها لا تشمل إيّاها ، فيجب عليه البقاء على تقليد الميّت في غير هذه المسألة من سائر المسائل؟

ربما يقال بالعدم ; نظراً إلى أنّ مرجع فتوى الحيّ بوجوب البقاء إلى كون فتاوي الميّت حجّة على مثل هذا المقلّد على نحو التعيين ، ولا يجوز له العدول إلى الغير وأخذ الفتوى منه ، ومرجع فتوى الميّت بالجواز إلى كون فتاواه حجّة على سبيل التخيير ، فإذا قلنا بشمول فتوى الحيّ بالوجوب لفتوى الميّت بالجواز ، يلزم أن تكون سائر فتاوي الميّت متّصفة بالحجّية التعيينيّة والتخييريّة معاً ، وهذا من المستحيل ; لأ نّه يشبه الجمع بين المتناقضين .

والأظهر أ نّه لا مانع عن الشمول ; سواء كان نظرهما متّحداً من حيث ما هو الموضوع للحكم بالوجوب ، أو الجواز ، أو مختلفاً ; وذلك لعدم كون الاتّصاف بالحجّيّتين في رتبة واحدة وعرض واحد ; فإنّ اتّصافها بالحجّيّة التعيينيّة إنّما هو لأجل فتوى الحيّ بالوجوب ، وشمولها لها من دون واسطة ، وبالحجّية التخييريّة

(الصفحة 230)

إنّما هو بلحاظ توسيط فتوى الميّت بالجواز ، وهذا ممّا لا مانع منه أصلا ، كما أنّ فتوى الحيّ بوجوب السورة مثلا في الصلاة ، لا تنافي فتواه بوجوب البقاء على تقليد الميّت ، مع فرض كون فتوى الميّت هو عدم وجوب السورة  ; فإنّ الحكم بالوجوب إنّما هو لاقتضاء اجتهاده له من دون توسيط ، والحكم بعدم الوجوب إنّما هو بلحاظ فتوى الميّت بالعدم ، وثبوت حجّيتها بعد الموت أيضاً كما هو ظاهر . هذا تمام الكلام في الفرض الأوّل .

وأمّا الفرض الثاني : وهو ما إذا كان المجتهد الثاني قائلا بحرمة البقاء ووجوب الرجوع عن الميّت إلى الحيّ ، والمجتهد الثالث قائلا بوجوب البقاء وعدم جواز العدول ، أو بجوازه ، ففيه أيضاً صورتان :

الصورة الأُولى : ما إذا كان الثالث قائلا بوجوب البقاء وعدم جواز العدول ، وفيه أقوال :

أحدها : ما حكي عن الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) في رسالة الاجتهاد والتقليد ممّا يرجع إلى أ نّه بعد عدم إمكان شمول فتوى الحيّ بالوجوب لفتوى الميّت بالحرمة ، نظراً إلى لزوم التناقض يجب عليه البقاء على رأي الثاني في المسائل العمليّة التي رجع فيها بفتوى الثاني عن الأوّل ; لأنّ تقليد الثاني ورجوعه عن الأوّل بالنسبة إلى تلك المسائل وقع صحيحاً ، فيجب البقاء عليه .

ثمّ احتمل(قدس سره) ترجيح الأوّل ; نظراً إلى أنّ تقليد الثاني في المسائل المعدول عنها إنّما هو بتقليده في وجوب الرجوع ، فإذا كان الإفتاء بالبقاء لا يشمله على ما هو المفروض ، فلا يشمل ما يترتّب عليه أيضاً(1) .


(1) رسالة في الاجتهاد والتقليد للشيخ الأنصاري ، ضمن مجموعة رسائل : 66 .
(الصفحة 231)

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ عدم شمول فتوى الحيّ بوجوب البقاء لفتوى الميّت بوجوب الرجوع ليس لأجل التناقض ، بل لأنّ المسألة الواحدة لا تحتمل تقليدين ولا تصلح للرجوع فيها إلى شخصين ، ولو لم يكن اختلاف في البين وكانت الفتويان مترتّبتين ; فإنّه بعد ما رجع فيها إلى فتوى الحيّ بمقتضى حكم العقل ، وأخذها وقلّد الحيّ فيها ، لا يبقى في هذه المسألة مجال للتقليد وموقع للأخذ بفتوى الغير أصلا ; لعدم الفرق بينها وبين سائر المسائل في عدم الاحتمال للتقليدين وعدم القابليّة للرجوع إلى شخصين،فوجه عدم الشمول ماذكرنالاماأفاده من التناقض ـ : أنّ ما أفاد أوّلا من وجوب البقاء على رأي الثاني غير تامّ ; لأ نّه لو كان الملاك فيه هو اتّصاف التقليد الثاني بالصحّة ووقوعه كذلك ، فمن الواضح أنّ التقليد الأوّل أيضاًيكون صحيحاً ومتّصفاً بوصف الصحّة ، ولا مرجّح للتقليد الثاني بعد اتّصاف كليهما بتلك الصفة لو لم نقل باختصاص الوصف بالتقليد الأوّل ، كما هو ظاهر .

ضرورة أ نّه بملاحظة فتوى الثالث بوجوب البقاء ، يستكشف بطلان التقليد الثاني ; لأنّ وظيفته كانت هو البقاء على التقليد الأوّل ، ولم يجز له الرجوع إلى الثاني . غاية الأمر أ نّه كان معذوراً في ذلك لأجل استناده إلى الحجّة ; وهي فتوى الثاني بحرمة البقاء ، ولكنّ المعذوريّة إنّما تدوم ما دام الثاني حيّاً ، فإذا مات وكانت فتوى الحيّ وجوب البقاء ، يستكشف أنّ وظيفته كانت من أوّل الأمر البقاء على التقليد الأوّل ، فبملاحظة فتواه يعلم عدم وقوعه صحيحاً ، فكيف يجب البقاء عليه .

ثانيها : ما اختاره المحقّق الاصفهاني(قدس سره) في رسالة الاجتهاد والتقليد ، وحاصله يرجع إلى وجوب البقاء على تقليد المجتهد الثاني في المسائل العمليّة ، نظراً إلى أ نّه لايلزم التناقض من شمول فتوى الحيّ بوجوب البقاء لفتوى الميّت بوجوب

(الصفحة 232)

الرجوع ; لأنّ رأي الثاني وإن تعلّق بحكم كلّي ـ وهو وجوب الرجوع ـ من دون اختصاصه بمن سبقه في الإفتاء ، لكنّه ليس كلّ ما هو مقتضى الأدلّة ومتعلّق الرأي يصحّ التقليد فيه .

ألا ترى : أنّ مقتضى الأدلّة وجوب التقليد ، مع أ نّه لا يمكن التقليد في أصل لزوم التقليد ; للزوم الدور والتسلسل ، وكذلك المقام ; فإنّه لا يعقل تقليد المفتي بوجوب الرجوع حتّى في الرجوع عن نفسه بعد موته ; فإنّ حجّية رأيه وفتواه بعد موته في هذه المسألة وغيرها على حدّ سواء . فلا يعقل الاستناد إلى رأيه ولو في هذه المسألة بنفس رأيه حدوثاً وبقاءً . وميزان التقليد في المسألة الكلّيّة صحّة العمل على طبقها في جميع أفرادها وإنْ لم يعمل إلاّ في بعضها .

ومن الواضح عدم صحّة العمل على طبقها كلّياً حتّى في الرجوع عنه بعد موته ، أو البقاء على رأيه بعد موته ، فلا محالة لا تعقل حجّية رأيه بوجوب الرجوع إلاّ بالإضافة إلى من سبقه في الإفتاء . ولا بأس حينئذ بشمول الفتوى بوجوب البقاء لهذه المسألة ; فإنّ معنى وجوب الرجوع عن غيره عدم جواز تطبيق العمل على رأي الغير ، والبقاء على هذا الرأي معناه موافقة الثالث للثاني في عدم جواز تطبيق العمل على فتوى الأوّل ورأيه .

ومنه يظهر أ نّه لا يعقل تساوي نسبة وجوب البقاء إلى كلا التقليدين ، بل يترجّح جانب الثاني قهراً ، مضافاً إلى أنّ وجوب البقاء ، إن كان لأجل استصحاب الأحكام المقلّد فيها فالترجيح للثاني ; لانقطاع الاستصحاب في الأوّل بالرجوع إلى الثاني ، وإن كان لاستصحاب حرمة العدول ، فهو أيضاً منقطع بجواز الرجوع

(الصفحة 233)

إلى الثاني(1) ، انتهى ملخّصاً .

ويرد عليه : ما عرفت من عدم احتمال مسألة البقاء على تقليد الميّت لتقليدين ولو كانا مترتّبين ، فمع الرجوع إلى فتوى الحيّ بوجوب البقاء ، لا يبقى مجال للرجوع فيها إلى الغير ; سواء كان هو الميّت أو الحيّ الآخر ، وسواء كان في طوله أو في عرضه ، ومع عدم الشمول لا أثر لما تكلّفه من إثبات اختصاص فتوى الميّت بوجوب الرجوع بخصوص من سبقه بالإفتاء ، حتّى يتحقّق التوافق بين الثاني والثالث على عدم حجّية فتوى المجتهد الأوّل ; ضرورة أنّ ثمرة سعة دائرة هذه الفتوى وضيقها إنّما هي على فرض الشمول ، وبدونه لا ينتج ما أفاده أصلا .

مضافاً إلى ما عرفت من أنّ فتوى الثالث بوجوب البقاء إنّما يكون موضوعها التقليد الصحيح ، وتقليد الثاني لا يكون صحيحاً عند الثالث ; لأ نّه كانت وظيفة المكلّف بحسب رأي الثالث ; هو البقاء على تقليد المجتهد الأوّل ولم يكن له الرجوع إلى الثاني . غاية الأمر أ نّه كان معذوراً في الرجوع إليه ما دام الثاني باقياً ، وبعد موته وفتوى الحيّ بوجوب البقاء يستكشف أ نّه لم يكن له الرجوع إلى الثاني .

ومن هنا ظهر أنّ ما أفاده من ترجيح جانب التقليد الثاني قهراً ممنوع ; لعدم تساويه مع الأوّل ، فضلا عن كونه راجحاً عليه ، كما أنّ التمسّك باستصحاب الأحكام المقلّد فيها لا يوجب ثبوت الرجحان للثاني ; لأنّ جريانه فرع ثبوتها بسبب التقليد الصحيح ، والمفروض ـ بمقتضى فتوى الثالث ـ عدم كون تقليد الثاني تقليداً صحيحاً ; لأ نّه كان يجب عليه البقاء على الأوّل .

ومنه يظهر النظر في اقتضاء استصحاب حرمة العدول ذلك ; لأنّ العدول المحرّم


(1) بحوث في الاُصول ، الاجتهاد والتقليد : 29 ـ 31 .
(الصفحة 234)

إنّما هو العدول عن التقليد الصحيح ، لا عن كلّ تقليد وإن لم يكن متّصفاً بهذا الوصف .

ثالثها : ما اختاره في المستمسك من تعيّن البقاء على تقليد الأوّل ، حيث إنّه بعد بيان أ نّه إذا قلّد بكراً ـ  وهو المجتهد الثالث  ـ في مسألة البقاء ، يمتنع الرجوع إلى عمرو ـ  وهو المجتهد الثاني  ـ في هذه المسألة ; لأنّ المسألة الواحدة لا تحتمل تقليدين مترتّبين ; لأ نّه لو بني على جواز اجتماع المثلين في رتبتين ، فلا أقلّ من لزوم اللغويّة مع اتّفاقهما عملا ، أو التناقض مع اختلافهما .

ولا مجال لتوهّم أ نّه يكون هناك مسألتان لاختلاف موضوعيهما ; نظراً إلى أنّ فتوى الميّت حرمة البقاء على تقليد زيد ـ وهو المجتهد الأوّل ـ وفتوى الحيّ وجوب البقاء على تقليد عمرو ، فلا مانع من الرجوع في كلّ واحدة إلى واحد ، وذلك لأنّ خصوصيّة عمرو ليست مقوّمة للقضيّة الشرعيّة التي يرجع فيها العامّي إلى بكر ; ضرورة أنّ فتواه وجوب البقاء بنحو الكلّيّة ، قال : ومن ذلك يظهر أيضاً أ نّه لو كان رأي بكر وجوب البقاء ، وجب البقاء على تقليد زيد وإن كان رأي عمرو وجوب العدول(1) .

ويرد عليه : أنّ ما أفاده في وجه عدم شمول فتوى الحيّ بوجوب البقاء لفتوى الميّت بوجوب الرجوع وإن كان صحيحاً ، وكذا ما رتّب عليه من الثمرة من وجوب البقاء على تقليد زيد ، إلاّ أنّ ترتّب هذه الثمرة ممّا لم يعلم وجهه ، ولم يظهر من تلك المقدّمة أصلا ، والوجه فيها ما عرفت من عدم كون تقليد الثاني صحيحاً حتّى يجب البقاء عليه ، وعلى تقدير التنزّل عن ذلك والاكتفاء بالصحّة ـ ولو مع انكشاف


(1) مستمسك العروة الوثقى : 1 / 33 ـ 34 .
(الصفحة 235)

الخلاف ـ يجوز البقاء على تقليد كلّ من الأوّلين ، فتدبّر .

الصورة الثانية : ما إذا كان الثاني قائلا بوجوب العدول ، والثالث بجواز البقاء ، وفي هذه الصورة لا إشكال في جواز الرجوع في سائر المسائل العمليّة إلى المجتهد الثالث الحيّ ، والأخذ بفتاويه وتطبيق العمل عليها ; لأنّ المفروض تجويزه البقاء والعدول معاً ، وقول الثاني بوجوب العدول أيضاً يساعده . وأمّا إذا أراد البقاء مستنداً إلى فتوى الثالث بجوازه ، فهل يبقى على تقليد الأوّل أو الثاني ، أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه واحتمالات .

والظاهر هو الوجه الثاني ; لأنّ رجوعه إلى الثاني والأخذ بفتاويه كان صحيحاً على طبق رأيه ورأي الثالث، فالعدول عنه إلى الأوّل ، وتطبيق العمل على فتاويه يكون عدولا، وقد مرّ أنّ هذا النحو من العدول غير جائز(1) ، سيّما إذا لم يكن الثاني والأوّل متساويين من حيث الفضيلة ، بل كان الأوّل مفضولا بالإضافة إليه ، فتأمّل جيّداً .


(1) في ص 220 ـ 224 .
(الصفحة 236)

[انعزال وكيل المجتهد بموته دون المنصوب من قبله]

مسألة 15 : المأذون والوكيل عن المجتهد ـ في التصرّف في الأوقاف ، أو الوصايا ، أو في أموال القُصَّر ـ ينعزل بموت المجتهد . وأمّا المنصوب من قبله ; بأن نصبه متولّياً للوقف ، أو قيّماً على القصّر ، فلا يبعد عدم انعزاله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتحصيل الإجازة ، أو النصب الجديد للمنصوب من المجتهد الحيّ 1 .

1 ـ أمّا الانعزال بالموت في المأذون والوكيل ; فلقيام الإجماع على بطلان الوكالة بموت الموكّل(1) ، مضافاً إلى أنّ الوكالة متقوّمة بالإذن من الموكّل ، والموت يخرجه عن أهليّة التصرّف والإذن ، فلا مجال للنيابة عنه والقيام مقامه ، كما هو ظاهر .

وأمّا عدم الانعزال بالموت في المنصوب من قبله ، كما في المتولّي للوقف ، أو القيّم على الصغير ، فالمحكي عن الإيضاح : أ نّه نفي الخلاف عن عدم انعزال الأولياء والقوّام المجعولين من قبل المجتهد(2) . وقال صاحب الجواهر(قدس سره) بعد حكاية ما في الإيضاح : إن تمّ إجماعاً فذاك ، وإلاّ كان المتّجه ما ذكرنا ; يعني الانعزال . نعم ، لو كان النصب وكيلا أو وليّاً عن الإمام(عليه السلام) ، وكان ذلك جائزاً له لم ينعزل قطعاً(3) .

والمستفاد من هذه العبارة أنّ المجتهد الجاعل للولاية والناصب للولي تارة :يجعلها عن نفسه للولي ، بحيث تكون ولاية الولي من شؤون ولاية المجتهد الذي


(1) مفتاح الكرامة : 7 / 612 ، جواهر الكلام : 27 / 360 . (2) إيضاح الفوائد : 4 / 305 . (3) جواهر الكلام : 40 / 66 .
(الصفحة 237)

ولاّه . واُخرى : يجعلها عن الإمام(عليه السلام) فتكون من شؤون ولاية الإمام (عليه السلام) وإن كان الجاعل لها المجتهد ، وعليه : فالمجتهد واسطة في الثبوت ، كما أ نّه يستفاد منها أنّ النصب بالنحو الأوّل وجوازه ممّا لا إشكال فيه ، ولكن عدم الانعزال فيه يتوقّف على تماميّة الإجماع على خلاف القاعدة المقتضية للانعزال ، وبالنحو الثاني يكون أصل جوازه مشكوكاً ، لكن عدم الانعزال على فرض الجواز مسلّم على طبق القاعدة ; لأ نّه حينئذ وليّ عن الإمام(عليه السلام) ولا تبطل ولايته بموت المجتهد ، ولا ينحصر ذلك بالولاية ، بل يجري في الوكالة أيضاً .

هذا ، ولكن ربما يستشكل في أصل جواز الجعل بكلا النحوين ، بأنّ ذلك مبنيّ على ثبوت الولاية المطلقة في زمان الغيبة ، إذ حينئذ يتمكّن من نصب المتولّي والقيِّم ونحوهما . وأمّا بناءً على عدم ثبوت الولاية المطلقة له ، فلا يجوز له إعطاء هذه المناصب لغيره بعد عدم دلالة دليل عليه ; فإنّ قوله(عليه السلام) في مقبولة عمر بن حنظلة : فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً(1) لا يفيد الولاية كذلك ; فإنّ الحاكم فيها ليس إلاّ بمعنى القاضي ، كما ورد في صحيحة أبي خديجة ، حيث قال : فإنّي قد جعلته قاضياً(2) . بل زاد المستشكل فقال ما ملخّصه :

إنّه لو سلّمنا ثبوت الولاية المطلقة للفقيه على النصب ، فالقدر المتيقّن إنّما هو ولايته على النصب وهو حيّ ، وأمّا ولايته على النصب ـ ما دام كون المنصوب حيّاً وإن مات المجتهد ـ فهي مشكوكة الثبوت ، ومقتضى الأصل العدم . ودعوى جريان


(1) الكافي : 1 / 67 ح10 ، تهذيب الأحكام : 6 / 218 ح514 وص301 ح845 ، وعنهما وسائل الشيعة : 27 / 136 كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 . (2) الكافي : 7 / 412 ح4 ، الفقيه : 3 / 2 ح1 ، تهذيب الأحكام : 6 / 219 ح516 ، وعنها وسائل الشيعة : 27 / 13 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب1 ح5 ، وص139 ب11 ح6 .
(الصفحة 238)

السيرة على إعطاء هذه المناصب من القضاة ، مندفعة بأنّ السيرة على ذلك غير ثابتة ، وأنّ المقدار الثابت أنّ القضاة لهم نصب القيّم والمتولّي حال حياتهم ، وأمّا أنّ لهم النصب إلى الأبد الباقي بعد الموت فلا ، ولا مجال للتمسّك بالاستصحاب بعد كونه من الاستصحابات الجارية في الشبهات الحكميّة غير الجارية عندنا ، وعلى تقدير جريانها أيضاً لا يجري في المقام ; لعدم إحراز الموضوع بعد احتمال أن تكون ولاية القيّم ، أو المتولّي من آثار ولاية القاضي وشؤونها(1) .

ولكنّ الظاهر ـ كما يأتي في محلّه ـ ثبوت الولاية المطلقة للفقيه في عصر الغيبة ، وأنّه يتمكّن من نصب المتولّي والقيّم كما يتمكّن الإمام(عليه السلام) من نصبهما ، ويؤيّده جريان السيرة على إعطاء هذه المناصب ، وبقائها بعد موت الناصب ، بل قد عرفت من الإيضاح دعوى عدم الخلاف فيه ، ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب ، مع أنّه على تقدير وصولها إليه لا مجال للإشكال في جريانه ; لجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة أوّلا ; وعدم الإشكال من ناحية إحراز الموضوع ثانياً ; لأنّ احتمال كون ولاية القيِّم أو المتولّي من آثار ولاية القاضي وشؤونها ، لا يرجع إلاّ إلى احتمال البقاء والعدم ، وإلاّ فالموضوع هو الشخص المنصوب الذي بقاؤه محرز بالوجدان ، فلا وجه للإشكال في الاستصحاب أصلا .

وقد انقدح ممّا ذكرنا أ نّه كما لا ينعزل القيّم أو المتولّي بموت المجتهد فيما إذا كان منصوباً على النحو الثاني المذكور في كلام صاحب الجواهر(قدس سره)  ، كذلك لا ينعزل فيما إذا كان منصوباً على النحو الأوّل أيضاً ، لا لمجرّد قيام الإجماع عليه على تقديره ، بل لأنّ كون ولايته من شؤون ولاية القاضي الجاعل لا تلازم الانعزال بالموت ;


(1) التنقيحفي شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد : 379 ـ 381 .
(الصفحة 239)

لاحتمال عدم كون نيابته عنه من قبيل نيابة الوكيل ، التي تبطل بموت الموكّل إجماعاً(1) وقاعدةً ، بل من قبيل نيابة الوصي غير الباطلة بموت الموصي .

فمجرّد النيابة والتبعيّة لا تلازم الانعزال بالموت ، ولكنّ الاحتياط المذكور في المتن لا ينبغي تركه .


(1) مفتاح الكرامة : 7 / 612 ، جواهر الكلام : 27 / 360 .
(الصفحة 240)

[صحّة الأعمال السابقة في صورة اختلاف المجتهد الحيّ مع الميّت]

مسألة16: إذا عمل عملا ـ من عبادة ، أو عقد ، أو إيقاع ـ على طبق فتوى من يقلِّده ، فمات ذلك المجتهد فقلّد من يقول ببطلانه ، يجوز له البناء على صحّة الأعمال السابقة، ولا يجب عليه إعادتها وإن وجب عليه فيما يأتي ، العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني 1 .

1 ـ وفي العروة بعد حكمه بمثل ما في المتن قال : وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة ، ثمّ مات وقلّد من يقول بنجاسته ، فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحّة وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء . وأمّا نفس ذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته . وكذا في الحلّية والحرمة ، فإذا أفتى المجتهد الأوّل بجواز الذبح بغير الحديد مثلا ، فذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته ، فإن باعه أو أكله حكم بصحّة البيع وإباحة الأكل ، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله ، وهكذا(1) .

أقول : الحكم في المسألة بعدم وجوب الإعادة في العبادات وصحّة المعاملات الواقعة على طبق فتوى المجتهد الأوّل وحلِّية أكل الذبيحة وبيعها ، مبنيّ على مبحث الإجزاء ، الذي وقع البحث فيه مفصّلا في الأُصول ، وقد اختلف فيه على أقوال مختلفة . ولكنّ الذي ينبغي التعرّض له هنا خروج بعض فروض المسألة عن النزاع في باب الإجزاء ، كالاكتفاء بالتسبيحات الأربع مرّة واحدة ; فإنّ مثل ذلك من


(1) العروة الوثقى : 1 / 15 مسألة 53 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>