جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة كتاب الطهارة فصل في المياه « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 81

واختلاطه بالماء الواقع فيه إنّما يتحقّق تدريجاً بمعنى انّ كلّ ما يخرج منه بالنزح أو غيره يجري من المادّة بمقداره، وـ حينئذ ـ فالماء الخارج من المادّة الموجب لزوال التغيّر وحصول الطهارة طاهر لعدم إمكان أن يكون النجس مطهّراً ـ على ما هو المرتكز عند العرف ـ سواء كان قليلاً أو كثيراً والأوّل هو المتعارف في الآبار وعليه فتدلّ الرواية على اعتصام الماء الجاري وعدم انفعاله مطلقاً ولو كان التعليل راجعاً إلى الذيل.

بل يمكن أن يقال بجواز التعدّي عن مورد الرواية ولو لم يكن فيها تعليل أصلاً لأنّ الخصوصية التي بها يمتاز ماء البئر عن الماء الجاري لا يمكن أن تكون مؤثّرة في الحكم المذكور في الرواية لأنّها ليست إلاّ عبارة عن كون ماء البئر واقعاً في قعر الأرض ومن الظاهر عدم مدخلية هذه الخصوصية في الحكم أصلاً ضرورة انّه لو فرض انّ ماء البئر نبع بحيث صار مساوياً لسطح الأرض ووجهها هل يشكّ أحد في ارتفاع حكمه السابق لخروجه عن عنوان البئرية وهل هو إلاّ كاحتمال دخالة الرجولية في مثل قوله: «رجل شكّ بين الثلاث والأربع» بل المقام أولى كما لا يخفى.

نعم لا محيص عن الاقتصار في مقام التعدّي على خصوص ما كان له مادّة من المياه وامّا الخالي عن المادّة كالكر الراكد فلا يكاد يستفاد حكمه من الصحيحة لا بالإضافة إلى الحكم المذكور في الصدر ولا بالنسبة إلى الحكم المذكور في الذيل ومنه يظهر انّ قول الماتن ـ دام ظلّه ـ : «وما في حكمه» يكون المراد به ما يكون في حكمه من جهة الاشتمال على المادّة كالبئر والنابع الواقف لا ما يكون في حكمه من جهة الاعتصام حتى يشمل الكر، ويؤيّده انّ التعرّض لحكم الكرّ ـ اعتصاماً ونجاسة وزوالها ـ إنّما وقع بعد هذه المسألة فلا يكون فيها تعرّض لحكمه بوجه، نعم جعل الجاري أصلاً والبئر ملحقاً مع أنّه الأصل في الرواية ربّما لا يكون بحسن لكنّه

الصفحة 82

ليس بمهمّ بلحاظ الحكم أصلاً.

ثمّ الظاهر رجوع التعليل الواقع في الصحيحة إلى الذيل وهي الطهارة المستفادة من إيجاب النزح إلى غاية حصول الوصفين وقد عرفت انّ المتفاهم العرفي بناء عليه اعتبار الامتزاج وعليه فهل الظاهر من الصحيحة اعتبار الاستهلاك أيضاً أم لا؟

قد يقال: بأنّ المستفاد منها عدم اعتباره لأنّ ارتفاع الناسة قد علّق فيها على زوال التغيّر، ومن المعلوم انّ زوال التغيّر في البئر لا يكون حاصلاً دفعة بل الزوال إنّما يتحقّق بإخراج الماء منه تدريجاً مع الجريان من المادّة بمقداره كذلك، وـ حينئذ ـ فالنجاسة باقية ما دام التغيّر باقياً ، فلو فرض انّ زوال التغيّر يحصل بإخراج ماء قليل مستهلك في البواقي كما يكون الأمر كذلك في الدفعات الأخيرة، فالمطهر ـ حينئذ ـ يكون هو المقدار الخارج من المادّة بالمقدار القليل الخارج من البئر، فلو كان استهلاك الماء المتغيّر شرطاً في حصول الطهارة يلزم الحكم بالنجاسة مطلقاً لأنّ المطهر يكون ـ حينئذ ـ مستهلكاً في البواقي دون العكس فمفاد الرواية بهذه الملاحظة عدم اعتباره.

ولا يخفى انّ هذا مبني على كون المياه الخارجة من المادّة، الممتزجة بالماء المتغيّر نجسة ما دام كون التغيّر باقياً وهو في محلّ المنع لما عرفت سابقاً انّ المعتبر في انفعال الماء الذي له مادّة ـ أعمّ من الجاري وماء البئر ـ أن يكون التغيّر مسبّباً عن ملاقاته لشيء من الأعيان النجسة، ولا تكفي المجاورة ولا حصول أثر النجاسة في الماء بواسطة المتنجّس أو غيره، وفي المقام لا يكون الأمر كذلك لأنّه لا وجه للقول بنجاسة الماء الخارج من المادّة إلاّ ملاقاته مع الماء المتغيّر المتنجّس بواسطة ملاقاة النجس، فالسبب في نجاسته هو المتنجّس، وقد عرفت انّه لا يكون المتنجّس سبباً لنجاسة غيره بالتغيّر، فالمياه الخارجة من المادّة الواقعة في موضع المياه الخارجة

الصفحة 83

من البئر لا دليل على كونها نجسة لو لم نقل بقيام الدليل على طهارتها وهو كونها مطهّرة والنجس لا يكون صالحاً لحصول الطهارة به، ودعوى انّ زوال التغيّر بنفسه مطهر كما يستفاد من الصحيحة مدفوعة بأنّ المفروض اعتبار الامتزاج وعدم كفاية زوال التغيّر بأيّ وجه اتّفق كما إذا حصل صدفة أو بالدواء ونحوها، وـ حينئذ ـ فتحتمل دخالة الاستهلاك في حصول الطهارة للماء المتغيّر إذ المطهر على هذا التقدير هو جميع المياه الخارجة من المادّة لا خصوص ما يزول به التغيّر، نعم لو تمّ الإجماع على أنّ الماء الواحد له حكم واحد ـ كما قد يدّعى في أكثر الكلمات ـ لكان القول بعدم اعتبار الاستهلاك مستنداً إلى الوجه المذكور موجّهاً لأنّه ـ حينئذ ـ لا يمكن أن يكون لماء البئر قبل حصول الزوال حكمان فلابدّ امّا أن يكون نجساً كما يدّعيه القائل، وامّا طاهراً ولا مجال له بعد فرض عدم تحقّق الزوال كما هو المفروض، وعليه فالمطهر يكون مستهلكاً في البواقي دون العكس كما عرفت.

الصفحة 84

مسألة 11 ـ الراكد بلا مادّة ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان دون الكرّ; سواء كان وارداً عليها أو موروداً، ويطهر بالامتزاج بماء معتصم كالجاري والكر وماء المطر، والأقوى عدم الاكتفاء بالاتصال بلا امتزاج1.

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في انفعال الماء القليل بمجرّد الملاقاة في الجملة وعدمه بنحو السالبة الكلّية، والشهرة العظيمة بين الأصحاب ـ المتقدّمين والمتأخّرين ـ على الانفعال، بل لم يخالف فيه أحد منهم عدا ابن أبي عقيل ـ على ما استثناه البعض ـ وتبعه على ذلك المحدِّث الكاشاني من المتأخّرين، والأخبار الدالّة على الانفعال كثيرة جدّاً ربّما قيل ببلوغها مائتين بل حكي الشيخ الأنصاري عن بعضهم بلوغها ثلاثمائة وإن نوقش في بلوغها هذا المقدار لكنّه لا مجال للمناقشة في تواترها الإجمالي الذي مرجعه إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها مع هذه الكثرة المعجبة وإن كان القول بالانفعال لا يتوقّف على دعوى التواتر أيضاً لوجود روايات صحيحة معتبرة فيها بل يمكن أن يقال بأنّه لا حاجة إلى الرواية أيضاً لأنّ ثبوت العنوانين ـ عنوان الكرّ وعنوان القليل ـ في الفقه وتحقّق الامتياز بينهما لا محالة يكفي في الفرق بينهما من جهة الاعتصام وعدمه وإن كان يمكن أن يقال بأنّ الفرق لعلّه كان من جهة اُخرى غير مرتبطة بالاعتصام والانفعال كالفرق من جهة التطهير بهما إلاّ أنّ الظاهر انّ ذلك الفرق أيضاً متفرّع على الامتياز من الجهة التي هي محلّ البحث، فوجود هذين العنوانين وثبوت الامتياز بينهما قهراً يكفي في إثبات مدّعى المشهور فتدبّر.

والأولى ـ بعد عدم الحاجة إلى نقل روايات الانفعال لكثرتها ووضوح دلالتها ـ نقل طائفة من الروائات التي هي مستند المخالفين ليظهر حالها من حيث الدلالة على مطلوبهم وعدمها ثمّ بيان انّه لو تمّت دلالتها وصحّ سندها فهل الترجيح معها أو مع

الصفحة 85

غيرها فنقول:

1 ـ ما رواه محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الهيثم بن أبي مسروق، عن الحكيم بن مسكين، عن محمد بن مروان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لو انّ ميزابين سالا أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء فاختلطا ثمّ أصابك ما كان به بأس.

وفيه ـ مضافاً إلى مجهولية أكثر رواته ـ انّ الظاهر انّ المراد بميزاب الماء هو ميزاب ماء المطر فتخرج الرواية عمّا نحن فيه، ويؤيّده انّه نقل الكليني(قدس سره) مثل هذه الرواية عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(عليه السلام) مع إضافة الماء إلى المطر.

2 ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين، عن علي بن حديد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قلت له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة، قال: إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبها، وإن كان غير متفسِّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية، وكذلك الجرّة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء، قال : وقال أبو جعفر(عليه السلام) : إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شيء تفسخ فيه أو لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريح تغلب على ريح الماء.

وفيه ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ انّ مضمون هذه الرواية لا يكون مفتى به لأحد من الأصحاب لأنّه لم يعهد من أحد منهم التفصيل في مثل ماء الراوية بين صورة التفسّخ وعدمه، وتفسير التفسّخ بالتغيّر الموجب للنجاسة ـ حتى في الكرّ والماء الجاري وأمثالهما ـ ينافيه ذيل الرواية الدالّ على عدم الانفعال إذا كان أك ثر من راوية بلا فرق بين التفسّخ وعدمه، وعلى استثناء صورة التغيّر ومجيء ريح تغلب

الصفحة 86

على ريح الماء فإنّه لو كان التفسّخ بمعنى التغيّر لم يكن وجه للتصريح بالتعميم أولاً واستثناء بعض الأفراد ثانياً، بل لم يكن ـ حينئذ ـ فرق بينه وبين ماء الراوية وأشباهها من حيث الحكم فلا وجه لتفريق صور المسألة فتدبّر.

هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون ماء الراوية وأشباهها بقدر الكر أو أزيد كما يظهر من تفسيره في «المنجد» بأنّها المزادة من ثلاثة جلود، والاعتبار أيضاً يساعده بعد ملاحظة قلّة الماء في الحجاز المقتضية لتوسعة أوعية الماء وعليه فالرواية لا تدلّ على مطلوبهم أصلاً.

ولكن يرد على ما ذكرنا انّه لم يثبت أن يكون الذيل وهو قوله: «قال أبو جعفر(عليه السلام) ...» ذيلاً لهذه الرواية بل يحتمل أن يكون قولاً مستقلاًّ وكان القائل في قوله: «قال: وقال أبو جعفر(عليه السلام)» هو الشيخ الطوسي(قدس سره) لا زرارة راوي الحديث، ويؤيّده انّه نقل هذا الذيل في الطبع الحديث من كتاب «الرسائل» رواية مستقلّة مع إضافة «واو» قبل قوله: «قال...» وعليه فلا يبقى مجال لبعض المناقشات على الاستدلال.

3 ـ صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إنائه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه. قال: وسألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ فتقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا.

وفيه انّ الظاهر من قوله: «فأصاب انائه» هو العلم بإصابة الدم الإناء لا بإصابته خصوص الماء الموجود فيه أو هو مع الإناء معاً، ويؤيّده بل يدلّ عليه ذيل الرواية، ووجه السؤال عن صلاحية الوضوء منه احتمال إصابته الماء فأجاب(عليه السلام)

الصفحة 87

بأنّه لو كان الدم فيه مستبيناً فلا يصلح، ولو لم يكن بيّناً فلا بأس.

وبالجملة فليس مورد الرواية صورة العلم بملاقاة النجس مع الماء ـ كما هو المفروض في المقام ـ ولو فرض كون موردها ذلك فهي تدلّ على الانفعال في صورة الاستبانة وهو خلاف مدّعاهم، فالرواية إنّما تصلح ـ حينئذ ـ دليلاً لمثل الشيخ(قدس سره)القائل بعدم كون ما لا يدركه الطرف من النجس مؤثّراً في الانفعال بخلاف ما لا تدركه العين ولا تصلح دليلاً للقائل بعدم تأثّر الماء القليل مطلقاً.

4 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن ابن مسكان، قال: حدّثني محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال: يضع يده ثم (و خ د) يتوضّأ ثمّ يغتسل، هذا ممّا قال الله عزّوجلّ: (ما جعل عليكم في الدين من حرج).

وفيه ـ مضافاً إلى جهالة بعض رواته لاشتراك محمد بن ميسر بين ثلاثة ـ انّ المراد من قوله(عليه السلام) ـ : «يضع يده» لم يثبت كونه إدخال اليد في الماء إذ لم يعهد ذلك في الاستعمالات كما يظهر بالتتبّع في مواردها بل من المحتمل أن يكون المراد به رفع اليد والإعراض عنه والإنصراف منه والتوضّي والاغتسال بالماء الآخر أو بعد وجدان الإناء الذي يغرف به خصوصاً لو كان العطف بـ «ثمّ» واستعماله بمعنى الإدخال إنّما هو فيما إذا كان متعلّقه كلمة «فيه» وأشباهها، كما أنّه إذا كان متعلّقه كلمة «عنه» لم يكن ريب في أنّ المراد منه هو رفع اليد والاعراض، ومع عدم ذكر المتعلّق ـ كما في الرواية ـ يحتمل كلا الأمرين ولا معين لأحد الاحتمالين فلا تصلح للاستناد إليها لأحد القولين.

هذا مضافاً إلى أنّ المستفاد من رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) الواردة في

الصفحة 88

الجنب يحمل الركوة(1) أو التور(2) فيدخل اصبعه فيه، انّ الاستشهاد بقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من خرج) إنّما هو لإهراق الماء في صورة قذارة يده فيؤيّد انّ الاستشهاد به في هذه الرواية أيضاً إنّما هو للإعراض عن الماء ورفع اليد عنه.

ثمّ لو سلم كون المراد من وضع اليد إدخالها في الماء وانّ الاستشهاد بالكريمة إنّما هو لرفع اعتبار الكرية في صورة الاضطرار فغاية مدلول الرواية ـ حينئذ ـ هو التفصيل بين صورتي الاختيار والاضطرار وهو ممّا لم يقل به أحد من المتخاصمين، مضافاً إلى أنّ الرواية تكون ـ بناءً عليه ـ من أدلّة الانفعال إذ تدلّ على أنّ حكم الماء القليل في حدّ نفسه هو التأثر بملاقاة النجاسة غاية الأمر انّ الحرج قد أوجب ارتفاعه في صورة انحصار الماء وقذارة اليدين وعدم وجود إناء يغترف به، بل نفس السؤال عن حكم المسألة تدلّ على أنّ انفعال الماء القليل كان مغروساً في أذهانهم، كما أنّ التقييد بعدم وجود إناء كذلك يدلّ على أنّه لو كان الإناء موجوداً لكان حكمه الاغتراف به لئلاّ يلزم التأثّر، وبالجملة يظهر من السؤال عن فروع المسألة ـ في هذه الرواية وأمثالها ـ انّ انقسام الماء إلى قسمين وتأثّره في إحدى الصورتين كان معهوداً في البين وكان هو الداعي إلى السؤال عن تلك الفروع.

ثمّ لا يخفى انّ المراد بقوله(عليه السلام) : «ثمّ (و خ ل) يتوضأ» هو غسل اليد فإنّه كثيراً ما يجيء بهذا المعنى ـ كما في الوافي ـ فلا يتوهّم انّ المراد به الوضوء.

وممّا ذكرنا من الجواب عن الاستدلال بهذه الرواية يظهر الجواب عن


1 ـ الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
2 ـ التور: إناء صغير.

الصفحة 89

الاستدلال بما عن قرب الاسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن جنب أصاب يده جنابة فمسحه بخرقة ثمّ أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها، وإن لم يجد غيره أجزئه. هذا مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على عدم جواز الغسل من الماء الذي أصابته قذارة يد الجنب فراجعها.

5 ـ ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن الحسن، عن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حمّاد الكوفي، عن بشير، عن أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبدالله(عليه السلام) في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلواً للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي.

وفيه ـ مضافاً إلى جهالة ابن حمّاد وبشير فالرواية ضعيفة السند ـ انّ مضمونها لا يناسب شأن الإمام(عليه السلام) ولو قلنا بعدم انفعال الماء القليل خصوصاً بعد وجود ماء آخر غير الماء الموجود في الدلو، بل لا يقع مثل ذلك من كثير من أفراد الناس، مضافاً إلى أنّه قد حكى عن الشيخ(قدس سره) حمله على عذرة ما يؤكل لحمه وإلى احتمال الحمل على التقية أو احتمال أن يكون الدلو كراً أو احتمال أن يكون المراد ما بقي في البئر لا في الدلو وإن كان جلّ هذه الاحتمالات بل كلّها بعيدة والعمدة في الجواب ضعف سند الرواية.

6 ـ ما رواه الكليني عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عمّن ذكره، عن يونس، عن بكار بن أبي بكر، قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر، ثمّ يدخله الحب؟ قال: يصبّ من الماء ثلاثة أكف ثمّ يدلك الكوز.

وفيه ـ مضافاً إلى الإرسال وجهالة بعض الرواة ـ انّ المراد بقوله: «ثمّ يدخله الحب» انّه يريد إدخاله الحب، وإلاّ فلو كان المراد به ظاهره من الادخال فيه حقيقة

الصفحة 90

وملاقاته مع ماء الحب واقعاً لم يكن وجه للأمر بصبّ الماء عليه وذلك الكوز كما هو ظاهر. مع أنّه لا دليل على أنّ ماء الحب كان أقلّ من الكر بل الظاهر كونه كثيراً لما عرفت سابقاً من أنّ أواني المياه والأوعية المعدّة لها في مكة والمدينة كانت كبيرة لعدم وجود الماء الجاري والراكد الذي بمنزلته ـ نوعاً ـ كما لا يخفى.

7 ـ صحيحة زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس.

وفيه: أنّ الظاهر انّ المراد من قوله: «ذلك الماء» هو ماء البئر لا الماء الموجود في الدلو، توضيحه: انّ الدلو الذي يكون من جلد الخنزير والحبل الذي يكون من شعره إنّما كان المتداول هو استعماله في سقي البساتين كما يظهر من بعض الروايات، وامّا ما ينوح به الماء للوضوء والشرب فكان من أجزاء مأكول اللحم، وـ حينئذ ـ فمع كون نجاسة أجزاء الخنزير من الضروريات عندهم، ومن المعلوم انّ مائهم كان منحصراً في الآبار يحتاج الناس إلى السؤال عن حكم ماء البئر مع وقوع أجزاء الخنزير النجسة عليه، فالحكم بعدم البأس إنّما هو راجع إلى عدم نجاسة ماء البئر والصحيحة تكون من أدلّة طهارته ويدلّ على ذلك رواية حسين بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: شعر الخنزير يعمل حبلاً ويستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضّأ منها؟ فقال: لا بأس.

فإنّ الظاهر انّ مورد السؤال هو جواز الشرب والوضوء من ماء البئر الملاقي لشعر الخنزير الذي يجعل حبلاً ـ لا جوازهما من ماء الدلو الذي يكون حبله شعر الخنزير الموجب لوقوع بعض القطرات الملاقية معه في الدلو ومائه، ولا الجواز بمعنى الإباحة ـ في مقابل الحرمة ـ لأصل جعل شعر الخنزير حبلاً والإسقاء بسببه من البئر الكذائية.

الصفحة 91

مع أنّه لم يفرض في الروايتين إلاّ مجرّد كون الحبل من شعر الخنزير من دون أن يضاف إليه كون الدلو من جلده أيضاً، وعليه فيمكن أن يقال: بأنّ ملاقاة القطرات المترشّحة منه لماء الدلو غير معلومة، مع أنّ الكلام في ملاقاة النجاسة مع الماء القليل والروايتان ـ على تقدير الإغماض عن جميع ما ذكرنا ـ واردتان في ملاقاة القطرة الملاقية لشعر الخنزير مع الماء الواقع في الدلو فلقائل أن يقول بعدم الانفعال في مثل هذا الفرض فتدبّر.

8 ـ مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله(عليه السلام) في عجين عجن وخبز ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة؟ قال: لا بأس، أكلت النار ما فيه.

وفيه انّ الرواية تدلّ على الانفعال بل نفس السؤال تدلّ على مفروغيته غاية الأمر انّه حكم الإمام(عليه السلام) فيها بأنّ النار تكون مطهّرة له فهي من أدلّة القائل بالانفعال لا من أدلّة العدم.

9 ـ ما رواه الكليني، عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشا، عن حمّاد بن عثمان، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الاناء ما ينزو من الأرض؟ فقال: لا بأس به.

وفيه أنّه لم يعلم كون المراد صورة العلم بنجاسة الموضع الذي ينزو منه الماء إلى الإناء بل الظاهر انّ مورد السؤال صورة الشكّ، ومجرّد كون المحل ممّا يبال فيه ويغتسل من الجنابة لا يلازم العلم بنجاسة الموضع الذي ينزو منه الماء مع أنّك عرفت انّ الكلام في ملاقاة النجاسة مع الماء القليل وهو غير مفروض في الرواية.

10 ـ موثقة عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهودي؟ فقال: نعم فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟! قال: نعم.

الصفحة 92

وفيه ـ مضافاً إلى اضطراب متن السؤال ـ انّه لا دليل على كون المراد من السؤال صورة العلم بكون الشارب يهودياً بل الظاهر هو السؤال عن مورد الشكّ، مع أنّ مسألة نجاسة أهل الكتاب من المسائل الخلافية المعروفة، والروايات الواردة فيها كلّها تدلّ على طهارته وجواز الأكل والشرب معه في إناء واحد وجواز المساورة معه بلا تخصيص بالماء فهذه المسألة لا ترتبط بالمقام إلاّ على تقدير إثبات نجاستهم قبل الورود فيه.

11 ـ رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه، والسنور، أو شرب منه جمل، أو دابّة أو غير ذلك أيتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال: نعم إلاّ أن تجد غيره فتنزه عنه.

وفيه انّ الظاهر انّ المياه التي كان محلاًّ لولوغ الكلب وشرب الجمل والدابة هي المياه الكثيرة الواقعة خارج البلد، المجتمعة في الغدران مع أنّه ليس محط السؤال هي الطهارة والنجاسة باعتبار ذكر شرب الجمل والدابة في السؤال بل كان محطّه مجرّد ملاقاة الحيوان مع الماء كما لا يخفى.

ولو سلم فغاية مدلول الرواية إطلاق الحكم بالإضافة إلى الكثير والقليل، ولا وجه لحملها على خصوص الصورة الثانية بعد عدم الشاهد عليه فهي قابلة للتقييد بما يدلّ على اعتبار الكرية في اعتصام الماء.

12 ـ رواية الأحول ـ يعني محمد بن النعمان ـ قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : اخرج من الخلاء فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال: لا بأس. رواها الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عنه ورواها الصدوق في العلل عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن، عن رجل عن

الصفحة 93

الغير أو عن الأحول انّه قال: دخلت على أبي عبدالله(عليه السلام) فقال: سل عمّا شئت فارتجت على المسائل، فقال لي: سل ما لكَ؟ فقلت: جعلت فداك الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به؟ فقال: لا بأس، فسكت فقال: أوتدري لِمَ صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا والله، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر.

وفيه: انّ التمسّك إن كان بما رواه الكليني عن الأحول ممّا ورد في خصوص ماء الاستنجاء من دون اشمال على التعليل أصلاً بتقريب انّه لا خصوصية لماء الاستنجاء لعدم الفرق بينه وبين سائر المياه القليلة الملاقية للنجس، فيرد عليه أنّه لا مساغ لإلغاء الخصوصية من الأخبار الواردة في ماء الاستنجاء الدالّة على طهارته ـ بعد فرض دلالتها عليها ـ بعد ملاحظة كثرة الابتلاء به خصوصاً في الحجاز ولاسيما في الأزمنة السابقة التي لم يكن لهم خلاء أصلاً، هذا مضافاً إلى اختصاصه بأحكام لا تجري في غيره كجوازه بثلاثة أحجار وبالخرقة وغير ذلك من الأحكام المختصّة به، وـ حينئذ ـ فيحتمل قويّاً أن يكون لمائه أيضاً حكم مختص به لا يجري في غيره من المياه القليلة، وإلى الفرق بين المقام وبين ماء الاستنجاء حيث إنّ مورده ما إذا ورد الماء على النجاسة فلقائل أن يقول بعدم الانفعال فيه وثبوته في غيره والبحث فيه موكول إلى المقام الثاني.

فانقدح ممّا ذكرنا انّه لا يجوز التمسّك لعدم انفعال الماء القليل باخبار ماء الاستنجاء كما انّه لا يجوز التمسّك بها لحكم الغسالة التي سيجيء البحث عنها إن شاء الله تعالى، وكذلك لا يجوز التمسّك للمقام بأدلّة ماء الحمّام ـ بناءً على عدم اعتبار الكرية لا فيه ولا في مادّته ولا في المجموع كما هو مقتضى التحقيق ـ لعدم جواز إلغاء الخصوصية منها بعد شدّة الابتلاء به واحتمال التسهيل في خصوص موردها كما لا يخفى.

الصفحة 94

وإن كان التمسّك بما رواه الصدوق عن الأحول الدالّ على تعليل نفي البأس عن ماء الاستنجاء ووقع الثوب فيه بكون الماء أكثر من القذر نظراً إلى أنّ مقتضى عموم التعليل عدم البأس في جميع الموارد التي يكون الماء فيها أكثر من القذر من دون اختصاص ذلك بماء الاستنجاء ففيه انّ الرواية على هذا الطريق مرسلة لا يجوز الاعتماد عليها، مع أنّ من المعلوم انّ مجرّد أكثرية الماء من القذر لا يكون مناطاً لعدم البأس ضرورة انّ الماء المتغيّر أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة محكوم بأنّه نجس وإن كان الماء أكثر من القذر، نعم لو اُريد بالأكثرية الغلبة ومرجعها إلى عدم حصول تغيّر له في تلك الأوصاف لكان لما ذكر وجه ولكنّه خلاف ما هو ظاهر فيه كما هو ظاهر.

هذه هي مجموع الروايات الخاصة التي يمكن الاستدلال بها على اعتصام الماء القليل أيضاً، نعم هنا روايات اُخر ربّما يستدلّ بها لكنّه من الواضح انّ الاستدلال بها إنّما هو لتكثير الدليل وإلاّ فلا دلالة بل ولا إشعار فيها أصلاً كما هو ظاهر لمن راجعها، وقد عرفت عدم دلالة شيء من الروايات المتقدّمة على مطلوبهم، ولو سلمت الدلالة في بعضها فهي لا تصلح للمعارضة بعد دلالة الروايات الكثيرة البالغة مائتين أو ثلاثمائة ـ على ما قيل ـ على الانفعال وعدم الاعتصام، وهل تكون مع ذلك معتبرة ومناط الاعتبار ـ وهو بناء العقلاء واستمرار سيرتهم على العمل بأخبار الآحاد ـ موجوداً فيها؟! وهذا بمكان من الوضوح، مضافاً إلى أنّ الشهرة من حيث الفتوى التي هي أوّل المرجّحات ـ كما في مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة بل عند العقلاء أيضاً ـ موافقة لتلك الروايات إذ لم يخالف فيه أحد من الأصحاب إلاّ ابن أبي عقيل ـ من المتقدّمين ـ والفيض الكاشاني ـ من المتأخّرين ـ ولا اعتبار بهما بعد الشذوذ والندرة.

الصفحة 95

وامّا الروايات العامّة التي يمكن التمسّك بها أو وقع الاستدلال بها فمنها: النبوي المعروف المتقدّم الذي وصفه الكاشاني بالاستفاضة وقد عرفت توصيفه بأزيد من ذلك وهو قوله(صلى الله عليه وآله) : «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» ونظيره ما ورد من طرقنا ـ وقد ادّعى فيه التواتر ـ من الأئمّة (عليهم السلام). ممّا يدلّ على هذا المضمون وهو انحصار الانفعال بالتغيّر وعدم حصول التأثّر بدونه فمفادها انّ القلّة ـ بعنوانها ـ لا توجب الانفعال ولا تؤثر في الفرق.

وقد نوقش في الاستدلال بالنبويّ بعدم كونه مروياً من طرقنا وإنّما رواها العامّة بطرقهم فلا رواية حتى تتصف بالاستفاضة والرواية من طرقهم أيضاً لا تبلغ هذه المرتبة فكيف يجوز الاستدلال بها.

ويمكن المناقشة في التمسّك بما ورد من طرقنا بهذا المضمون بأن نقل التواتر كنقل الإجماع في عدم الاعتبار والحجّية، نعم هنا روايات يمكن أن يستفاد منها انّ تمام المناط في الانفعال هو التغيّر مثل رواية القماط أبي خالد انّه سمع أبا عبدالله(عليه السلام)يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة فقال أبو عبدالله(عليه السلام): إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ. وغيرها من الروايات الواردة بهذا المضمون.

والجواب: انّ هذه الروايات غير واردة في خصوص الماء القليل، بل امّا أن يكون موردها خصوص الماء الكثير ويؤيّده انّ النقيع وشبهه يكون مائه كثيراً نوعاً، وامّا أن يكون أعمّ منه ومن القليل، فعلى الأوّل لا ارتباط لها بالمقام، وعلى الثاني لابدّ من رفع اليد عن إطلاقها وحملها على الماء الكثير بقرينة الروايات الكثيرة الدالّة على انفعال الماء القليل كما هو ظاهر.

نعم لو أغمضنا عن المناقشة في سند النبوي وقلنا بما قال به صاحب الذخيرة ـ

الصفحة 96

وفي المحكي عنه ـ من أنّه عمل به الأمّة وقبوله ـ وظاهره انّه مورد لقبول الفريقين معاً، فالوجه في الجواب أن يقال: إنّ دلالته على الحصر لا تبلغ من القوّة بمثابة يمكن لها المعارضة مع روايات الانفعال خصوصاً مع صراحتها وكثرتها.

ثمّ إنّه قد استدلّ المحدِّث الكاشاني (قدس سره) في الوافي على عدم اعتبار الكرية في الاعتصام بوجوه اُخر:

عمدتها انّه لو كان معيار نجاسة الماء وطهارته، نقصانه عن الكر وبلوغه إليه لما جاز إزالة الخبث بالقليل منه بوجه من الوجه مع أنّه جائز بالاتفاق، وذلك لأنّ كلّ جزء من أجزاء الماء الوارد على المحلّ النجس إذا لاقاه كان متنجساً بالملاقاة خارجاً عن الطهورية في أوّل آنات اللقاء، وما لم يلاقه لا يعقل أن يكون مطهراً، والفرق بين وروده على النجاسة ووردها عليه ـ مع أنّه مخالف للنصوص ـ لا يجدي إذ الكلام في ذلك الجزء الملاقي ولزوم تنجّسه، والقدر المستعلي لكونه دون مبلغ الكرية لا يقوى على أن يعصمه بالاتصال عن الانفعال، فلو كانت الملاقاة مناط التنجّس لزم تنجّس القدر الملاقي لا محالة فلا يحصل التطهير أصلاً، وامّا ما تكلّفه بعضهم من ارتكاب القول بالانفعال هنالك من بعد الانفصال عن المحلّ الحامل للنجاسة فمن أبعد التكلّفات، ومن ذا الذي يرتضي القول بنجاسة الملاقي للنجاسة بعد مفارقته عنها وطهارته حال ملاقاته لها بل طهوريته.

وفيه انّ هذه الحجّة ـ لو تمّت ـ فإنّما تختص بخصوص موردها وهو ما إذا كان الماء القليل مستعملاً في التطهير، وامّا في غيره مثل ما إذا وقعت النجاسة في إناء من الماء ـ مثلاً ـ فلا تجري فيه وقد عرفت انّ الكلام في هذا المقام إنّما هو في الايجاب الجزئي في مقابل السلب الكلّي والدليل لا يكون وافياً به هذا مضافاً إلى عدم تماميته في نفسه فإنّا سنبيّن في مبحث الغسالة ـ إن شاء الله تعالى ـ انّه يكفي في الطهورية

الصفحة 97

كون الماء طاهراً قبل الملاقاة، وان تنجسه بالملاقاة لا يكاد يقدح في الطهورية أصلاً فانتظر.

ومنها: انّ ما يستدلّون به على اشتراط الكر مفهومات لا تصلح لمعارضة المنطوقات المبرهن عليها.

والجواب عن هذا الوجه واضح بعد ملاحظة عدم اختصاص الروايات الدالّة على اعتبار الكرية في الاعتصام بخصوص ما يدلّ منها بالمفهوم بل فيها روايات كثيرة تدلّ صريحاً بالمنطوق على ذلك وبعد ملاحظة عدم دلالة شيء من الروايات التي استدلّ بها على العدم على مدّعاه كما عرفت تفصيله وبعد ملاحظة الأمرين لا يبقى مجال لهذا الاستدلال أصلاً.

ومنها: أنّه لو كان ـ يعني الكرية ـ شرطاً لكان أولى المواضع بتعذّر الطهارة مكة والمدينة المشرّفتين، إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة ومن أوّل عصر النبي(صلى الله عليه وآله) إلى آخر عصر الصحابة لم ينقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسات، وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء والذين لا يحترزون عن النجاسات بل الكفّار كما هو معلوم لمن تتبّع.

والجواب: انّ هذا الوجه أيضاً إنّما يصلح دليلاً في مقابل من يدّعى الإيجاب الكلّي، وامّا المدّعى للموجبة الجزئية في مقابل السالبة الكلّية فلا يدفعه هذا الوجه والكلام في المقام إنّما هو في هذا المرام كما تقدّم.

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا محيص عن الالتزام بانفعال الماء القليل في الجملة.

المقام الثاني: في أنّ الانفعال للماء القليل هل يكون ثابتاً مطلقاً وعلى جميع التقادير أو انّه فرق بين ما إذا كان الماء وارداً على النجاسة وعكسه أو بين ما لا

الصفحة 98

يدركه الطرف وما يدركه أو بين ما إذا كان الماء واقعاً في السطح الأعلى وغيره أو بين ما إذا كان الملاقي نجساً وما إذا كان متنجّساً فهنا تفاصيل محتملة ولأكثرها قائل ولابدّ من ملاحظتها فنقول:

التفصيل الأوّل ـ وهو الذي صرّح الماتن ـ دام ظلّه ـ بعدمه ـ هو التفصيل بين ما إذا كانت النجاسة واردة على الماء القليل والعكس بالحكم بالانفعال في الصورة الاُولى دون الثانية، وقد ينسب هذا التفصيل إلى السيّد وابن إدريس(قدس سرهما) ومنشأ النسبة ما ذكره السيّد في الناصريات وما يظهر من السرائر من اختياره لما ذكر فيها والأولى نقل عبارة السيّد حتّى تظهر حال النسبة ولكنّه لابدّ قبله من ملاحظة الفرق بين هذا المقام وبين مسألة الغسالة ـ التي سيجيء البحث فيها إن شاء الله تعالى ـ فإنّ النزاع هنا في الماء الوارد على النجاسة سواء كان مستعملاً للتطهير أم لم يكن كذلك، وسواء ورد الماء على النجاسة وتجاوز عنها أو استقرّ معها كما إذا اختلط الماء بالدم الذي يكون في الإناء ـ مثلاً ـ من دون أن يتحقّق التغيّر بوجه، والبحث هناك في الماء المستعمل للتطهير سواء ورد الماء على النجاسة أو كان موروداً لها فالنسبة بين المقامين عموم من وجه.

إذا عرفت ذلك نقول: قال السيّد في الناصريات: «المسألة الثالثة: لا فرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء، وهذه المسألة لا أعرف فيها نصّاً لأصحابنا ولا قولاً صريحاً، والشافعي يفرّق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه فيعتبر القلّتين في مورد النجاسة على الماء، ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة، وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة، ويقوى في نفسي عاجلاً إلى أن يقع التأمّل لذلك صحّة ما ذهب إليه الشافعي، والوجه فيه انّا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدّى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلاّ

الصفحة 99

بإيراد كرّ من الماء عليه وذلك يشقّ، فدلّ على أنّ الماء إذا ورد على النجاسة لا تعتبر فيه القلّة والكثرة كما يعتبر فيما يرد النجاسة عليه».

وذكر الحلّي بعد نقل عبارة السيّد: «قال محمّد بن إدريس: وما قوى في نفس السيّد هو الصحيح المستمر على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب».

أقول: لا يخفى أنّ ما أفاده السيّد من الوجه دليل على أنّ مراده إنّما هو ماء الغسالة لوضوح عدم جريانه في جميع صور المسألة، بل في خصوص مورد الاجتماع بينها وبين ماء الغسالة، وقد عرفت انّ النزاع هنا أعمّ منه.

ويحتمل أن يكون مراده الفرق بين الماء الأعلى الوارد على النجاسة كماء الابريق الجاري عليها، وبين الماء المتساوي من حيث السطح مع النجاسة أو الأسفل منها فلا ينفعل الماء الأعلى باتصاله بالنجاسة بخلاف غيره من المساوي أو الأسفل، ويؤيّد ذلك ما ذكره الحلّي من أنّه الموافق لأصل المذهب وفتاوى الأصحاب فتدبّر.

وكيف كان فربّما يستدلّ على التفصيل في المقام بقاعدة الطهارة بعد دعوى انّه ليس فيما يدلّ على انفعال الماء إذا لم يكن بالغاً حدّ الكرّ ما يدلّ بعمومه على شمول الحكم لمثل المقام لأنّ أغلب أدلّة اعتبار الكرية في الاعتصام وانفعال الماء القليل واردة في مورد ورود النجاسة على الماء، وما كان من قبيل قوله(عليه السلام): «إذا كان الماء قدر كر لا ينجّسه شيء» لا يستفاد منه إلاّ انفعال الماء القليل في الجملة، والقدر المتيقّن منه غير مثل المقام.

وفيه المنع من عدم استفادة العموم من هذه المفاهيم، توضيحه: انّ الموضوع في المنطوق إنّما هو نفس طبيعة الماء بلا دخالة قيد فيه أصلاً، والحكم المترتّب عليه إنّما هو عدم تنجّسه بملاقاة شيء من النجاسات فيما إذا كان بالغاً حدّ الكر، فإطلاق الموضوع إنّما يفيد عدم مدخلية شيء في ترتّب هذا الحكم عليه، كما أنّ مقتضى

الصفحة 100

وقوع النكرة في سياق النفي إنّما هو عدم تأثير شيء من النجاسات فيه من دون أن يختصّ ذلك بخصوص بعضها، فاستفادة عمومية الحكم وعدم الفرق بين صورة ورود النجاسة على الماء والعكس إنّما هو من إطلاق لفظ «الماء» أو من إطلاق لفظ «الشيء» هذا في المنطوق.

وامّا المفهوم فمن الواضح بقاء اللفظين فيه على إطلاقهما، نعم لا يبقى مجال للقول بشمول الحكم لجميع النجاسات لأنّ استفادة التعميم في المنطوق إنّما هي من وقوع النكرة في سياق النفي، ومن المعلوم انّ نقيض السالبة الكلّية إنّما هي الموجبة الجزئية.

وبالجملة: فحيث إنّ عموم الحكم وشموله لصورتي ورود الماء على النجاسة وورودها عليه إنّما كان مستفاداً من الإطلاق في المنطوق وهو بعينه باق في طرف المفهوم فلا مجال للحكم بعدم دلالة المفهوم على التعميم.

نعم لو كان معنى الإطلاق راجعاً إلى العموم ـ كما ذكره بعض في الاُصول ـ لكان الإطلاق من هذه الحيثية كالعموم بالإضافة إلى افراد النجاسات وأنواعها فكما أنّه يرتفع بإيجاب البعض كذلك هذا أيضاً يرتفع بإيجاب البعض، ولكن الظاهر عدم صحّة هذا المعنى إذ ليس معنى الإطلاق إلاّ الإرسال وعدم التقييد بالقيد، لا العموم لجميع الافراد والحالات. وبعبارة اُخرى مرجع الإطلاق إلى رفض القيود لا إلى ملاحظتها بأجمعها كما لا يخفى.

ويدلّ على بطلان التفصيل أيضاً انّ المتبادر عند المتشرّعة من هذه الأدلّة انّ الوجه في انفعال الماء القليل ليس إلاّ مجرّد الملاقاة مع النجس وعدم استعداد هذه الكمّية للفرار عن التأثّر والانفعال من دون أن يكون فرق بين الصورتين عندهم بل لا يكاد يخطر ببالهم احتمال الفرق أصلاً.

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>