جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة كتاب الطهارة فصل في المياه « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 181

مسألة 19 ـ يطهّر المطر كلّ ما أصابه من المتنجّسات القابلة للتطهير من الماء والأرض والفرش والأواني; والأقوى اعتبار الامتزاج في الأوّل ولا يحتاج في الفرش ونحوه إلى العصر والتعدّد بل لا يحتاج في الأواني أيضاً إلى التعدّد، نعم إذا كان متنجّساً بولوغ الكلب فالأقوى لزوم التعفير أولاً ثمّ يوضع تحت المطر. فإذا نزل عليه يطهر من دون حاجة إلى التعدّد1.

مسألة 20 ـ الفراش النجس إذا وصل إلى جميعه المطر ونفذ في جميعه يطهر ظاهراً وباطناً ولو أصاب بعضه يطهر ما أصاب ولو أصاب ظاهره ولم ينفذ فيه يطهر ظاهره فقط.

1 ـ قد تقدّم البحث في اعتصام ماء المطر وعدم انفعاله والكلام في هذه المسألة والمسائل الآتية في مطهِّريته وكيفية التطهير به ونقول: المتنجّس الذي يراد تطهيره بماء المطر تارة يكون هو الماء، واُخرى يكون غيره من الأجسام كالثوب والفرش والأواني ونحوها.

والدليل على المطهرية مطلقاً مرسلة الكاهلي عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال: قلت له: يسيل عليَّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر وأرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات عليَّ، وينتضح عليَّ منه والبيت يتوضّأ على سطحه فيكفّ على ثيابنا، قال: مابذا بأس لا تغسله كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر.

فإنّ مفاد ذيلها انّ كلّ متنجّس قابل للتطهير إذا اتّصف بكونه مرئياً للمطر ومائه فقد حصل له الطهارة وزالت النجاسة عنه، وكون الرواية مرسلة لا تقدح في الاعتماد عليها واعتبارها بعد استناد الأصحاب إليها وشيوع عبارة «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر» في الألسن فالاستناد إليها للمطهرية مطلقاً ممّا لا إشكال فيه أصلاً.

الصفحة 182

وربما يستدلّ على تطهير غير الماء من الأجسام المتنجّسة بماء المطر بصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة الواردة في سطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكفّ فتصيب الثوب فقال(عليه السلام) : لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر منه. بتقريب انّ الوكوف هو التقاطر من سقف أو إناء ونحوهما، ووكوف السطح على الغالب إنّما يكون بعد نزول المطر ورسوبه فيه ومن هنا يكف مع انقطاع المطر عنه، وليس هذا إلاّ من جهة رسول المطر فيه، ووكوفه بعد الانقطاع لو لم يكن أغلب فعلى الأقلّ ليس من الفرد النادر والصحيحة دلّت بإطلاقها على عدم البأس بالقطرات النازلة من السطح بإصابة المطر فإنّه لو كان باقياً على نجاسته كان الماء الراسب فيه متنجّساً بعد انقطاع المطر عنه، وعلى الجملة انّ القطرات النازلة من السطح لا يطلق عليها المطر حقيقة لأنّه عبارة عن الماء النازل من السماء بالفعل ومع ذلك فالحكم بطهارتها لا يستقيم إلاّ بطهارة السطح بإصابة المطر.

كما انّه ربّما يستدلّ على تطهير الماء المتنجّس بماء المطر بصحيحة هشام بن الحكم ـ المتقدّمة ـ الواردة في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر بتقريب انّ البول الملاقي للمطر أو غيره من المياه لا يستهلك فيه دفعة بأن يعدمه الماء بمجرّد اختلاطهما وإنّما يستهلكه بعد مرحلتين، وتوضيحه انّ الماء إذا وصل إلى البول وزاد حتى صار بقدره على نحو تساويا في المقدار فهو يخرجه عن البولية كما أنّ الماء يخرج بذلك عن الإطلاق ويصيران مائعاً مركّباً من البول والماء فلا يصدق عليه انّه ماء كما لا يقال إنّه بول وهذه مرحلة ثمّ إذا زاد الماء عن البول تزول عنه الإضافة ويصير ماءً متغيّراً متنجّساً بالبول وهذه مرحلة ثمّ إذا زاد الماء عن البول لا ترتفع نجاسته إلاّ بزوال تغيّره وبالاتصال بماء معتصم فإذا نزل عليه المطر بعد ذلك وبه زاد الماء عن سابقه فهو يوجب استهلاك البول في الماء فالاستهلاك في مرتبة متأخّرة عن

الصفحة 183

الاختلاط بمرحلتين وقد ثبت انّ الماء يتنجّس بالبول في المرحلة الثانية والإمام حكم بطهارته لنزول المطر عليه فالصحيحة تدلّ على أنّ الماء المتنجّس يطهر بنزول المطر عليه.

أقول: امّا الاستدلال الأوّل فيرد عليه انّ صحيحة بن سالم ـ مع قطع النظر عن التعليل فيها لعدم وضوح المراد منه ـ لا دلالة لها على طهارة السطح بإصابة المطر; لأنّ الوكوف إن كان في حال عدم انقطاع المطر ودوام التقاطر فالحكم بعدم البأس بإصابته الثوب أو بالثوب الذي أصابته السماء كذلك لا يكون فيه إشعار فضلاً عن الدلالة على حصول الطهارة للسطح بسبب ذلك، وإن كان في حال الانقطاع وسلّمنا عدم كونه من الفرد النادر فالحكم بعدم البأس بذلك أيضاً لا يلازم حصول الطهارة للسطح لأنّ الملاقاة مع السطح المتنجّس إنّما هي في حال كونه مطراً معتصماً وبعد العبور عنه والرسول في السطح والوكوف بعده لا تكون ملاقاة أصلاً حتى يتنجّس فالحكم بطهارته مع عدم كونه ماء المطر بالفعل يستقيم مع نجاسة السطح أيضاً ودعوى كونه ماءً قليلاً لاقى سطحاً متنجّساً مدفوعة بما عرفت من كونه في حال الملاقاة كان معتصماً وبعد زوال الاعتصام لم تتحقّق الملاقاة أصلاً مضافاً إلى أنّه لم يثبت كون الوكوف من النقطة التي يُبال عليها ولا يكون تمام السطح مبالاً كما لا يخفى. فالإنصاف عدم تمامية هذا الاستدلال.

وامّا الاستدلال الثاني فيدفعه ما أفاده سابقاً في تقريب الاستدلال بالصحيحة على اعتصام ماء المطر من أنّ فرض جريان ماء المطر من الميزاب إنّما يصحّ مع فرض كثرة المطر إذ لا سيلان له مع القلّة ولاسيّما في السطوح القديمة المبناة من اللبنة والطين فإنّ المطر القليل يرسب في مثلهما ومعه لا يمكن أن يسيل كما أنّ سيلان البول من الميزاب يستند غالباً إلى بول رجل أو صبي على السطح لا إلى أبوال جماعة لأنّ

الصفحة 184

السطح لم يعد للبول فيه فهذا الفرض في نفسه يقتضي غلبة المطر على البول لكثرته وقلّة البول.

ضرورة انّ بول صبي أو رجل يستهلك في ماء المطر الكثير دفعة ولا يحتاج الاستهلاك إلى طيّ مرحلتين ويؤيّده انّ ظاهر إطلاق الصحيحة انّه لم يضرّه ذلك ولو كانت الإصابة في أوائل آنات الاختلاط مع أنّه لو كان الاستهلاك مفتقراً إلى تحقّقهما لكان اللاّزم مضى زمان ولو في الجملة حتى يتحقّق الاستهلاك التدريجي على ما فرضه والذي يسهل الخطب عدم الحاجة إلى مثل الصحيحة في ذلك لما عرفت من أنّ مرسلة الكاهلي تكفي لإثبات المطهرية مطلقاً من دون حاجة إلى ضميمة أمر آخر.

ويقع الكلام بعد ذلك في كيفية التطهير بماء المطر.

فنقول: امّا كيفية تطهير الماء المتنجّس بماء المطر فسيأتي البحث عنها في بعض المسائل الآتية فارتقب.

وامّا كيفية تطهير سائر المتنجّسات القابلة للتطهير بسبب ماء المطر فقد اختار الماتن ـ دام ظلّه ـ انّه لا يحتاج في الفرش إلى العصر والتعدّد بل لا يحتاج في الأواني أيضاً إلى التعدّد، نعم إذا كان متنجّساً بولوغ الكلب استشكل في طهارته بدون التعفير بل قوى التعفير أولاً والوضع تحت المطر بعده من دون حاجة إلى التعدّد.

أقول: امّا عدم الاحتياج إلى العصر في مثل الثوب والفرش وإلى التعدّد في مثلهما والأواني فقد يقال في وجهه: إنّ النسبة بين مرسلة الكاهلي وما دلّ على اعتبار التعدّد أو العصر عموم من وجه إذ المرسلة دلّت بعمومها على أنّ كلّ شيء رآه المطر فقد طهر سواء كان ذلك الشيء ممّا يعتبر فيه العصر أو التعدّد أم لم يكن، كما أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على اعتبار العصر أو التعدّد عدم الفرق في ذلك بين أن يصيبه

الصفحة 185

المطر وأن يغسل بماء آخر فيتعارضان في مثل غسل آنية الخمر بالمطر، والترجيح مع المرسلة لما قرّر في محلّه من أنّ العموم مقدّم على الإطلاق في المتعارضين، فإنّ دلالة المرسلة بالوضع والعموم لمكان لفظة «كلّ» فلا يعتبر في إصابة المطر شيء من العصر والتعدّد بل يكتفى في تطهيره بمجرّد رؤية المطر.

وأنت خبير ببطلان هذا الوجه; لأنّ شمول المرسلة للمقام أيضاً بالإطلاق لا بالعموم ضرورة انّ اعتبار العصر أو التعدّد على فرضه لا يوجب التخصيص في المرسلة بإخراج المقام، بل يوجب تقييد الرؤية بتحقّق العصر بعدها أو بعدم كونه مرّة واحدة بداهة انّ التخصيص إنّما هو فيما إذا لم يتحقّق التطهير بماء المطر أصلاً لا فيما إذا تحقّق، غاية الأمر مع إضافة العصر أو التعدّد وهذا من الوضوح بمكان فدلالة كلا الدليلين إنّما هي بالإطلاق ولا مرجح لأحدهما على الآخر..

كما أنّه ربّما يقال في وجه عدم اعتبار شيء من الأمرين في التطهير بماء المطر بأنّه على تقدير تمامية إطلاق الدليلين بنحو يشمل المقام يكون رفع اليد عن إطلاق المرسلة وتقييدها بدليلهما موجباً لإلغاء خصوصية المطر وذلك خلاف ظاهر الرواية جدّاً فيتعيّن العكس أعني تقييد دليلي العصر والتعدّد والأخذ بإطلاقها.

والظاهر عدم تمامية هذا الوجه أيضاً لأنّ ثبوت خصوصية المطر في المقام أيضاً إنّما هو فرع تمامية الإطلاق وتقدّمه على الإطلاق المعارض وإلاّ فلم يقم دليل على ثبوتها فيه أيضاً، ودعوى كونه خلاف الظاهر جدّاً، مندفعة بأنّ الظهور إنّما نشأ من الإطلاق والكلام فعلاً في تقدّمه على المعارض وعدمه.

ودعوى انّه لا يبقى ـ حينئذ ـ فرق بين ماء المطر وبين غيره من المياه لا فيما لا يحتاج إلى الأمرين ولا فيما يحتاج إليهما أو إلى أحدهما.

مدفوعة أيضاً بأنّه لم يثبت كون دليل ماء المطر ناظراً إلى إثبات خصوصية فيه

الصفحة 186

من بين سائر المياه فلعلّ مراده انّه مع عدم كونه ماء مجتمعاً وبالغاً إلى حدّ مخصوص يكون بحكم المجتمع البالغ فتجوز استفادة التطهير منه.

وربّما يستدلّ بوجه ثالث يجري في خصوص العصر وهو انّ الدليل على اعتبار العصر في الغسل إنّما هو أدلّة انفعال الماء القليل لأنّ الماء الداخل في جوف المتنجّس قليلا لاقى متنجّساً فيتنجّس لا محالة مع بقائه في الجوف فلابدّ من إخراجه بالعصر، ومن الواضح انّ هذا الدليل لا يجري في مثل ماء المطر من المياه المعتصمة لعدم انفعالها بملاقاة المتنجّس فلا وجه ـ حينئذ ـ لاعتبار العصر.

وأورد عليه بأنّ دليل اعتبار العصر ليس ما ذكر بل الدليل إنّما هو عدم تحقّق الغسل بدون العصر لأنّ مجرّد إدخال المتنجّس في الماء وإخراجه عنه لا يسمّى غسلاً لا في لغة العرب ولا في غيرها من اللغات كما أنّه لا فرق من هذه الجهة بين المياه أصلاً.

وهنا وجه رابع اختاره بعض الأعلام حيث قال: «الصحيح في وجه عدم اعتبار العصر والتعدّد في الغسل بالمطر أن يتمسّك بصحيحة هشام بن سالم الدالّة على كفاية مجرّد إصابة المطر للمتنجّس في تطهيره معللاًّ بأنّ الماء أكثر... حيث دلّت على طهارة السطح الذي يبال عليه إذا رسب فيه المطر فيستفاد منها انّ للمطر خصوصية من بين سائر المياه تقتضي كفاية إصابته وقاهريته في تطهير المتنجّسات بلا حاجة فيه إلى تعدّد أو عصر».

وقد عرفت انّ الصحيحة مع إجمال العلّة الواردة فيها وعدم وضوح المراد منها لا دلالة لها على طهارة السطح حتّى يستفاد منها الخصوصية المذكورة لعدم الملازمة بين الحكم الوارد فيها وبين طهارة السطح بوجه كما مرّ.

والظاهر انّ الوجه في ذلك قصور أدلّة اعتبار الأمرين عن الشمول للمقام امّا

الصفحة 187

دليل العصر فإن كان هو أدلّة انفعال الماء القليل كما عرفت في الوجه الثالث فعدم شموله لماء المطر وكذا مثله من المياه المعتصمة واضح، وإن كان هو عدم تحقّق عنوان الغسل بدونه كما مرّ في الإيراد على ذلك الوجه فالظاهر تحقّقه بدونه في التطهير بماء المطر فإنّ الارتكاز العرفي في الغسل بماء المطر ليس إلاّ أن يجعل المتنجّس تحته بحيث يراه المطر ويصيب المواضيع المتنجّسة منه ولم يعهد بين العرف أن يعصر حتى يتحقّق الغسل، كما أنّ عنوان التعدّد لا يجري في ماء المطر فإنّه ليس ماء مجتمعاً في محلّ حتّى يتحقّق فيه التعدّد، بل هو قطرات نازلة غير متّصلة وفي مثلها لا مفهوم للتعدّد أصلاً فإنّ كلّ قطرة لها وجود مستقلّ ولا معنى لفرض عدّة منها شيئاً واحداً وفرض عدّة اُخرى شيئاً آخر فتدبّر.

بقي الكلام في حكم الإناء المتنجّس بولوغ الكلب من جهة الحاجة إلى التعفير وعدمها وإن كان التعدّد غير محتاج إليه لما ذكر في وجه عدم اعتباره، والظاهر كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ من أنّ الأقوى الاحتياج إلى التعفير لأنّ دليل مطهّرية المطر ليس بأقوى ممّا دلّ على اعتبار التعفير، بل لا منافاة بين الدليلين أصلاً وذلك لأنّ دليل اعتبار التعفير مفاده انّ ولوغ الكلب في الإناء يوجب تنجّسه بنحو لا يكفي في تطهيره الماء، بل يتوقّف على التعفير بالتراب، وإن شئت قلت: إنّ الولوغ يوجب حصول مواد مسمّاة في العصر الحاضر بـ «الميكرب» للاناء ولا يوجب انعدامها إلاّ التراب والأجزاء الترابية، هذا مفاد دليل اعتبار التعفير.

وامّا دليل المطر فلا دلالة له على أنّ ماء المطر يقوم مقام كلّ مطهّر حتّى يمكن التمسّك بعمومه لمطهرية الكافر أيضاً كإسلام، بل مدلولها انّ ماء المطر يكفي في مطهّرية كلّ شيء يتحقّق الطهارة له بالماء فغاية مدلوله ثبوت خصوصية جميع المياه من جهة التطهير في ماء المطر. وعليه فلا منافاة بينه وبين دليل التعفير أصلاً،

الصفحة 188

وإن أبيت إلاّ عن ثبوت المعارضة بين الدليلين وعدم وجود مرجّح في البين فمقتضى التساقط في مادّة الاجتماع والرجوع إلى استصحاب النجاسة فهيا عدم تحقّق الطهارة بدون التعفير، ولازم ما أفاده بعض الأعلام من كون دلالة المرسلة بالعموم ودلالة الأدلّة الاُخرى بالإطلاق عدم الاحتياج إلى التعفير في المقام مع فرض التعارض، ولكنّك عرفت بطلان هذا المقال وانّ دلالة المرسلة أيضاً بالإطلاق.

الصفحة 189

مسألة 21 ـ إذا كان السطح نجساً فنفذ فيه الماء وتقاطر حال نزول المطر يكون طاهراً وإن كان عين النجس موجوداً على السطح وكان الماء المتقاطر مارّاً عليها; وكذلك المتقاطر بعد انقطاع المطر إذا احتمل كونه من الماء المحتبس في أعماق السقف أو كونه غير مارّ على عين النجس ولا على ما تنجّس بها بعد انقطاع المطر، وامّا لو علم انّه من المارّ على أحدهما بعد انقطاعه يكون نجساً1.

1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لفروع ثلاثة:

أحدها: ما إذا تقاطر السطح النجس حال نزول المطر وقد حكم فيه بالطهارة وإن كان عين النجس موجوداً على السطح وكان الماء المتقاطر قد مرّ عليها يقيناً، والوجه في الحكم بالطهارة ما عرفت من اعتصام ماء المطر وعدم تأثّره بالملاقاة والمفروض عدم انقطاعه فهو ماء مطر لا ينفعل بالملاقاة كما هو ظاهر.

ثانيها: ما إذا كان التقاطر من السطح المذكور بعد انقطاع المطر ولكن احتمل كونه من الماء المحتبس في أعماق السقف أو غير مار على النجس ولا على المتنجّس وقد حكم فيه بالطهارة أيضاً والوجه فيه جريان قاعدة الطهارة لكونه مشكوك الطهارة بعد عدم كونه ماء المطر بالفعل واحتمال عدم ملاقاته مع شيء من النجس والمتنجّس أو كون الملاقاة في حال الاعتصام وعدم الانفعال فهو ماء مشكوك الطهارة لا يجري فيه إلاّ قاعدتها، وقد اعترضنا بذلك على بعض الأعلام فيما تقدّم حيث استدلّ بصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة على مطهّرية ماء المطر لغير الماء من الأعيان المتنجّسة وقلنا بعدم دلالة الصحيحة على طهارة السطح بوجه فراجع.

والعجب منه انّه قد صرّح في المقام بذلك وانّه إذا انقطع المطر ولم ينقطع الوكوف فالظاهر انّ القطرات غير محكومة بالنجاسة لأنّها وإن كانت متّصلة بالسقف وهو رطب متّصل بالعذرة مثلاً إلاّ أنّه لا دليل على تنجّس تمام الجسم الرطب بملاقاة

الصفحة 190

أحد أطرافه نجساً في غير المائعات لعدم قيام الدليل على ذلك مضافاً إلى أنّ لازمه الحكم بنجاسة جميع شوارع البلد فيما إذا رطبت بنزول المطر وتنجّس بعضها بعذرة مثلاً لاتصال الشوارع وهذا كما ترى لا يلتزم به أحد.

ثالثها: ما إذا كان التقاطر من السطح المذكور بعد انقطاع المطر وعلم مروره على النجس أو المتنجّس وانّ المرور كان بعد انقطاع المطر والحكم فيه النجاسة ووجهه واضح.

الصفحة 191

مسألة 22 ـ الماء الراكد النجس يطهر بنزول المطر عليه وامتزاجه به; وبالاتصال بماء معتصم كالكر والجاري والامتزاج به; ولا يعتبر كيفية خاصة في الاتصال، بل المدار على مطلقه ولو بساقية أو ثقب بينهما كما لا يعتبر علو المعتصم أو تساويه مع الماء النجس، نعم لو كان النجس جارياً من الفوق على المعتصم فالظاهر عدم الكفاية في طهارة الفوقاني في حال جريانه1.

1 ـ قد تقدّم الكلام في تطهير الماء الراكد النجس بمثل الكر والجاري وانّ مجرّد الاتصال لا يكفي بل يحتاج إلى الامتزاج أيضاً، والكلام هنا في مقامين:

الأوّل: في التطهير بماء المطر وانّه هل يكفي فيه مجرّد نزوله عليه أو يحتاج إلى الامتزاج أيضاً كسائر المياه المعتصمة بعد الفراغ عن دلالة الدليل على مطهرية ماء المطر للماء المتنجّس أيضاً كسائر المتنجّسات وذلك لدلالة مرسلة الكاهلي المتقدّمة على أنّ كلّ شيء رآه ماء المطر فقد طهر، فالكلام هنا في تعيين المقدار الذي يكفي منه في تطهيره والاحتمالات ثلاثة:

أحدها: كفاية القطرة الواحدة من المطر في تطهير مثل الحياض استناداً إلى إطلاق المرسلة الدالّة على طهارة كلّ شيء رآه المطر لأنّ ماء الحوض بعد فرض اتصال أجزائه شيء واحد متنجّس رآه المطر لصدقه على القطرة الواحدة ولا ينافي ذلك ما تقدّم من عدم صدق المطر على قطرة أو قطرتين لأنّ المقصود هناك ما كان النازل بذلك المقدار فقط والغرض هنا نزول قطرة واحدة من المطر الذي يكون قطرات كثيرة على حوض واحد فماء الحوض شيء واحد يصدق عليه انّه رآه المطر فاللاّزم الحكم بطهارته.

ويدفع هذا الاحتمال انّ ماء الحوض وإن كان شيئاً واحداً لمساوقة الاتصال مع الوحدة كما هو كذلك عرفاً أيضاً إلاّ انّ هذا الشيء الواحد متّصف بأنّه متنجّس

الصفحة 192

بجميع أجزائه فكلّ جزء منه معروض لوصف التنجّس وإذا اُريد تطهيره بماء المطر فاللاّزم رؤية ماء المطر إيّاه، وكيف تكون الرؤية لبعض الأجزاء مطهّرة للجزء الذي لم يتّصف بكونه مرئياً لماء المطر وهذا كسائر المتنجّسات فإذا كان الثوب ـ مثلاً ـ متنجّساً بجميع أجزائه فهل تحصل الطهارة لجميع أجزائه بمجرّد رؤية ماء المطر بعضها فالإنصاف انّ هذا الاحتمال غير تامّ.

ثانيها: الاكتفاء بما إذا أصاب المطر السطح الظاهر من الحوض بتمامه أو بمعظمه على وجه يصحّ عرفاً أن يقال ماء المطر موجود على سطح الحوض نظراً إلى أنّ السطح الفوقاني من الماء قد طهر بما فيه من المطر وإذا طهر هو طهرت الطبقات المتأخّرة لأنّ لها مادّة لأنّ المراد بها مطلق الماء العاصم ومنه ماء المطر.

ويرده ما عرفت مراراً من أنّ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الواردة في البئر المشتملة على التعليل بأنّ له مادّة مفادها اعتبار الامتزاج وحصول الاختلاط فمجرّد وجود المادّة في السطح الفوقاني لا يكفي في تطهير الطبقات المتأخّرة بعد عدم حصول الامتزاج وعدم صدق رؤية ماء المطر إيّاها كما لا يخفى.

نعم قد يستدلّ في المقام على عدم اعتبار الامتزاج بصحيحة هشام بن الحكم المتقدّمة نظراً إلى أنّ إطلاقها يشمل المطر المختلط بالبول بعد زوال تغيّره سواء امتزج معه أيضاً أم لم يمتزج لعدم تقييدها الطهارة بالامتزاج وقد مرّ من المستدلّ انّ الاستهلاك في مثل ذلك يتحقّق بعد مرحلتين والصحيحة لا تشمل إلاّ بعدهما ولكن بعد الشمول لا يختص بما إذا تحقّق الامتزاج بعد زوال التغيّر لعدم تقييدها الطهارة به.

وقد مرّ منّا بين مفاد الصحيحة وانّ موردها ما إذا كان البول قليلاً في الغاية والمطر كثيراً سائلاً من الميزاب وفي مثله يتحقّق الاستهلاك دفعة ولا يتوقّف على

الصفحة 193

طيّ مرحلتين فالاستدلال بها على عدم اعتبار الامتزاج غير تام أيضاً.

ثالثها: اعتبار الامتزاج وهذا هو الأقوى تبعاً للماتن ـ دام ظلّه ـ لدلالة صحيحة ابن بزيع على اعتباره وعدم وجود ما يدلّ على عدمه ولكن لا يخفى انّ الامتزاج أيضاً أمر عرفي يتحقّق عرفاً باختلاط المائين واتصال أجزائهما بنظره فإذا كان عمق الحوض قليلاً يكفي مجرّد نزول المطر الكثير عليه لأنّه بذلك يتحقّق الامتزاج وإذا كان عمقه أزيد من ذلك يحتاج إلى تغيير مكان الاجزاء ولو بإعانة شيء آخر كالخشب ونحوه.

الثاني: في أنّه هل يعتبر في الاتصال كيفية خاصّة أم لا؟ والظاهر انّ الورود في هذا البحث إنّما هو على تقدير عدم اعتبار الامتزاج والقول بكفاية مجرّد الاتصال لأنّ القائل باعتباره لا يرى التطهير ما دام لم يتحقّق الامتزاج ولا نظر له إلى كيفية الاتصال بوجه، وامّا القائل بكفاية مجرّد الاتصال فله أن يبحث في أنّه هل يعتبر في الاتصال الكافي كيفية خاصّة أم لا؟

والظاهر انّه بناء عليه لا يعتبر فيه كيفية أصلا0 لا من جهة الواسطة في تحقّقه ولا من جهة اختلاف السطح.

امّا من الجهة الاُولى فيكفي كلّ ما هو واسطة في تحقّق الاتصال فضلاً عمّا إذا لم تكن واسطة أصلاً فإذا كان هناك ساقية أو ثقب أو مزملة أو شبهها يكفي في تحقّقه لعدم دلالة الدليل على اعتبار أزيد من صدقه والمفروض ثبوته.

وامّا من الجهة الثانية فإذا كان السطحان متساويين أو كان سطح الماء المطهر عالياً فلا إشكال في الاكتفاء به، وامّا إذا كان السطحان مختلفين وكان سطح الماء المتنجّس عالياً فإن لم يكن هناك جريان من الفوق على المعتصم فالظاهر أيضاً كفايته وإن اختلف السطحان لصدق الاتصال، وامّا إذا كان هناك جريان من الماء

الصفحة 194

المتنجّس على الماء المعتصم فالظاهر عدم كفاية هذا الاتصال في طهارة الفوقاني في حال جريانه عليه لأنّ جريانه يمنع عن تأثير الماء المعتصم فيه وغلبته عليه ويعتبر في المطهر على ما هو المرتكز عند العقلاء الغالبية على الشيء المتنجّس والتأثير فيه فتدبّر، هذا تمام الكلام في ماء المطر.

الصفحة 195

مسألة 23 ـ الماء المستعمل في الوضوء لا إشكال في كونه طاهراً ومطهِّراً للحدث والخبث، كما لا إشكال في كون المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهراً ومطهِّراً للخبث، بل الأقوى كونه مطهِّراً للحدث أيضاً1.

1 ـ الماء المستعمل على أقسام ستّة:

الأوّل: ما استعمل في تنظيف مثل الثوب والبدن وتطهيره من القذارات العرفية غير النجسة شرعاً، ولا خلاف في حكمه من حيث كونه طاهراً بذاته ومطهِّراً للمتنجّسات والاحداث.

الثاني: ما استعمل في إزالة الخبث والنجاسة الشرعية وهذا ماء الغسالة التي سيجيء عنها مفصّلاً ـ إن شاء الله تعالى ـ .

الثالث: ما استعمل في رفع الحدث الأصغر، ولا ينبغي الإشكال في أنّه أيضاً طاهر ومطهِّر للأصل وعمومات مطهّرية الماء وإطلاقاتها فيجوز استعماله في رفع الحدث الأكبر ورفع الحدث الأصغر ثانياً ويدلّ على خصوص الأخير أيضاً ما ورد في بعض الأخبار من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان إذا توضّأ أخذ الأصحاب ما سقط من وضوئه من القطرا فيتوضّأون به.

وكيف كان فطهارته من الواضحات وضروريات الفقه بل قيل إنّها من ضروريات المذهب وقد خالف فيه أبو حنيفة فحكم بنجاسته، نجاسة مغلظة ـ تارة ـ ومخففة اُخرى ـ بل صرّح بأنّه لو كان في الثوب منه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز الصلاة فيه ولكنّه ممّا لا يقول به عاقل ولا متفقّه فضلاً عن الفاضل والفقيه ولا غرو فيه لأنّه ليس مثل ذلك بعيد عمّن كان متعمّداً بالمخالفة لأبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق ـ عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما الطاهرين الصلاة والسلام ـ ولم يكن له بدّ منها لأنّه كان مصنوعاً لذلك ومخلوقاً لإمحاء الحقيقة وإطفاء نور الولاية

الصفحة 196

نعوذ بالله من حبّ الجاه والرئاسة.

الرابع: ما استعمل في الأغسال أو الوضوءات التي لا يرتفع بها الحدث أصلاً كالأغسال المندوبة والوضوء التجديدي، والظاهر انّه لا خلاف أيضاً في كونه طاهراً ومطهِّراً للأصل والعمومات وانّ حاله حال قبل الاستعمال.

وقد نسب إلى المفيد(قدس سره) استحباب التنزّه عن الماء المستعمل في الطهارة المندوبة من الغسل والوضوء بل المستعمل في الغسل المستحبّ كغسل اليد للأكل.

وأورد عليه الأصحاب بأنّه ممّا لا دليل عليه من الأخبار وغيرها وإن كان يتسامح في أدلّة السنن لأنّه لابدّ من وجود دليل حتّى يتسامح فيه.

وأجاب عن ذلك الشيخ البهائي(قدس سره) في «الحبل المتين» بأن مستند المفيد(قدس سره) فيما أفاده هو ما رواه محمد بن علي بن جعفر عن الرضا(عليه السلام) في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه... نظراً إلى أنّ إطلاق الغسل في قوله: «قد اغتسل فيه» يشمل الغسل الواجب والمندوب، وتعجب من عدم تنبّه الأصحاب لهذا الحديث حيث أوردوا على المفيد بعدم الدليل.

واعترض عليه صاحب الحدائق(قدس سره) بأنّ صدر الرواية وإن كان مطلقاً إلاّ أنّ ذيلها قرينة على أنّ الرواية قد وردت في ماء الحمّام حيث إنّ الراوي تعجّب من أخبار الإمام (عليه السلام) بإصابة الجذام لمن اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فقال: قلت: إنّ أهل المدينة يقولون انّ فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ من خلق الله ثمّ يكون فيه شفاء من العين؟!

وعليه فالرواية ظاهرة في كراهة الاغتسال من ماء الحمّام الذي يغتسل فيه

الصفحة 197

الجنب وغيره ممّن عدّ في الرواية، ولا دلالة لها على مدّعى المفيد وهو كراهة الاغتسال من الماء المستعمل في الغسل مطلقاً، مضافاً إلى أنّ الرواية تدلّ على كراهة الاغتسال من الماء المستعمل في الغسل «بالضم» ومدّعاه الكراهة مطلقاً ولو في غير الاغسال، وكذا من الماء المستعمل ولو في غير الغسل من الوضوء والغسل «بالفتح» فدليله أخصّ من المدّعى.

والحقّ انّه لا ارتباط لذيل الرواية بصدرها فإنّ الإمام(عليه السلام) بيّن في الصدر حكماً مطلقاً غير مختصّ بماء الحمّام ولا إشعار فيه به وسكت بعد تمام الحكم وبيانه بحيث لو لم يسأل السائل لم يكن للرواية ذيل أصلاً لكن سؤاله عمّا يرتبط بماء الحمّام بقرينة الجواب أوجب إفادة جهة مختصّة بماء الحمّام فلا وجه لجعل الذيل قرينة على اختصاص الصدر، مع أنّ ذكر الزاني عقيب الجنب من الحرام يشعر بأنّ الكراهة ثابتة فيما إذا اغتسل فيه الزاني ولو من غير جنابة وهكذا الناصب الذي هو شرّ الجنب من الحرام والزاني.

ويمكن أن يقال: بأنّ المستفاد من هذه الرواية كراهة الاغتسال من الماء المستعمل في الغسل لا استحباب التنزّه عنه كما أفاده المفيد لعدم إفادة دليل الكراهة استحباب التنزّه عن المكروه بوجه، كما أنّ دليل الوجوب لا يفيد حرمة ترك الواجب، ودليل الحرمة لا يقتضي وجوب ترك الحرام والتحقيق في محلّه.

كما أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذه الرواية وأشباهها إنّما وردت في مقام إرشاد الناس إلى الأخذ بمصالحهم والاجتناب عن مفاسدهم والحفاظ على صحّة أبدانهم بالاجتناب عن مباشرة ماء اجتمعت فيه الأوساخ التي قد تؤدّي إلى سراية الأمراض كما هو الواضح في طبّ اليوم فلا تصير مستندة لما أفاده المفيد ـ حينئذ ـ .

الخامس: ما استعمل في رفع الحدث الأكبر، والكلام فيه يقع في ثلاثة مقامات:

الصفحة 198

الأوّل: الطهارة وعدمها.

الثاني: المطهِّرية وعدمها.

الثالث: جواز استعماله في رفع الحدث الأصغر أو الأكبر ثانياً.

ويدلّ على الأوّلين الأصل وإطلاقات مطهرية الماء إلاّ ما خرج بالدليل ولم يخالف فيه أحد من الأصحاب سوى ابن حمزة في محكي الوسيلة حيث نسب إليه القول بالنجاسة ولكنّه غريب جدّاً.

وامّا الثالث فلا خلاف ظاهراً في أنّه لو كان الماء الذي اغتسل فيه عاصماً كالكر والجاري والبئر يجوز استعماله في رفع الحدث مطلقاً وهو خارج عن محلّ النزاع، إنّما النزاع فيما إذا كان قليلاً غير عاصم والمشهور على جواز استعماله ثانياً في رفع مطلق الحدث استناداً إلى الإطلاقات ، والمخالف في ذلك الصدوقان والمفيد والشيخ الطوسي ـ قدّس الله أسرارهم ـ حيث ذهبوا إلى عدم الجواز استناداً إلى عدّة روايات:

أظهرها رواية عبدالله بن سنان التي تكون مروية على ما في الوسائل عن الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله عن الحسن بن علي عن أحمد بن هلال عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل، فقال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه، وامّا الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به. فإنّها تدلّ على عدم جواز الوضوء والغسل بالماء المستعمل في رفع الحدث مطلقاً بناء على أنّ قوله: «وأشباهه» يكون معطوفاً على الضمير المجرور في «منه» كما هو الأظهر.

واللاّزم التكلّم في الرواية من جهتين: الاُولى سندها، والاُخرى دلالتها.

الصفحة 199

امّا الجهة الاُوى فقد نوقش فيها بأنّ في سندها أحمد بن هلال وقد نسب إلى الغلو ـ تارة ـ وإلى النصب ـ اُخرى ـ وقال الشيخ الأنصاري(قدس سره): «وبعد ما بين المذهبين لعلّه يشهد بأنّه لم يكن له مذهب رأساً» وقد صدر عن العسكري(عليه السلام)اللعن في حقّه فهو ملعون زنديق والرواية ساقطة عن الاعتبار.

ولكن الشيخ الأنصاري(قدس سره) أقام قرائن على انّ هذه الرواية موثقة وإن كان أحمد بن هلال ملعوناً لا مذهب له:

منها: انّ الراوي عن أحمد بن هلال هو الحسن بن علي وهو من بني فضال وبنو فضّال ممّن ورد في شأنهم ـ في الحسن كالصحيح ـ عن العسكري(عليه السلام): «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» مع أنّ هذه الحسنة ممّا يمكن أن يستدلّ بها على جواز العمل بروايات مثل ابن هلال ممّا روى حال الاستقامة، ولذا استدلّ بها الشيخ الجليل أبو القاسم بن روح(قدس سره) حيث أفتى أصحابه بجواز العمل بكتب الشلمغاني فقال ـ بعد السؤال عن كتبه ـ : أقول فيها ما قاله العسكري(عليه السلام) لمّا سُئِل عن كتب بني فضّال: خذوا ما رووا...

وفيه أوّلاً: انّه لم يثبت انّ الحسن بن علي الواقع في سند هذه الرواية هو حسن بن علي الفضّال بل ربما يستظهر عدم كونه من بني فضّال لاختلاف الطبقة.

وثانياً: انّ قوله: خذوا ما رووا يفيد مجرّد وثاقتهم وعدم كذبهم في نقل الأحاديث وعدم صدور الجعل والافتراء منهم في مقام نقل الرواية فهم في هذا المقام كسائر الرواة الموثقين فما نقله عن أحمد بن هلال فهو صادق في نقله عنه بمعنى انّه قد سمع منه واقعاً ولا دلالة في هذا الكلام على صدور الحديث وصدق من رووا عنه كأحمد بن هلال وإلاّ لصار حالهم أعلى بمراتب من مثل زرارة ضرورة انّ مثله لو روى عن ضعيف أو مجهول لا يعتمد على روايته وإن كان هو في أعلى مراتب

الصفحة 200

الوثاقة كما هو ظاهر. والشيخ الجليل لم يستدلّ بهذه الحسنة أصلاً بل أورد مفادها في كتب الشلمغاني من غير إشعار بدلالة الحسنة عليه.

ومنها: انّ الراوي عن ابن فضّال هنا سعد بن عبدالله الأشعري وهو ممّن طعن على ابن هلال حتى قال: ما سمعنا بمتشيّع يرجع من التشيّع إلى النصب إلاّ أحمد بن هلال، وهو في شدّة اهتمامه بترك روايات المخالفين بحيث حكي عنه انّه قال: لقى ابن إبراهيم بن عبد الحميد أبا الحسن الرضا(عليه السلام) فلم يرو عنه فتركت روايته لأجل ذلك فكيف يجوز أن يسمع من ابن فضّال الفطحي ما يرويه عن ابن هلال الناصبي إلاّ أن تكون الرواية في كتاب معتبر مقطوع الانتساب إلى مؤلّفه بحيث لا يحتاج إلى ملاحظة حال الواسطة أو محفوفة بقرائن موجبة للوثوق بها.

وفيه انّ غاية مدلول هذه القرينة كون النقل في حال التشيّع لأنّ اهتمامه إنّما هو بترك روايات المخالفين فالنقل عنه دليل على تشيّعه حال النقل ولكن ذلك لا يكفي في الاعتماد بالرواية لأنّ مجرّد التشيّع غير كاف بل لابدّ من إحراز وثاقة الراوي والنقل عنه لا يكون مثبتاً لذلك.

ومنها: ان ابن هلال روى هذه الرواية عن ابن محبوب، والظاهر قراءته عليه في كتاب ابن محبوب ـ المسمّى بالمشيخة ـ الذي هو أحد الاُصول الموصوفة في أوّل الفقه بالصحّة واعتماد الطائفة عليها، وحكى عن ابن الغضائري الطاعن كثيراً فيمن لا يطعن فيه غيره انّ الأصحاب لم يعتمدوا على روايات ابن هلال إلاّ ما يرويه عن مشيخة ابن محبوب ونوادر ابن أبي عمير، وحكى عن السيد الداماد إلحاق ما يرويه ابن هلال عن الكتابين بالصحاح.

وفيه انّه لا دلاليل على هذا الاستظهار فلعلّه قد رواها عن كتابه الآخر أو سمعها منه ونقلها، مع أنّه لا دليل على اعتبار كلام ابن الغضائري فيه فإنّه يستكشف من

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>