جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة كتاب الطهارة فصل في المياه « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 261

نهيه أصلاً فإذا علم بوقوع النجاسة في هذا الإناء أو الاناء الواقع في أقصى بلاد المغرب ـ مثلاً ـ لم يعلم تنجّز التكليف على كلّ تقدير . هذه خلاصة ما أفاده الشيخ الأعظم(قدس سره) في الرسالة.

وذكر المحقّق النائيني(قدس سره) على ما في التقريرات ما حاصله: «انّه لا إشكال في اعتبار القدرة العقلية في كلّ من الأمر والنهي، ويختص الثاني بقيد زائد وهي القدرة العادية على فعل المنهي عنه وتركه، ولا يكفي في صحّة النهي مجرّد القدرة العقلية، فإنّ التكليف المطلق بترك ما يكون منتركاً عادةً يكون كالتكليف المطلق بترك ما يكون منتركاً عقلاً من حيث اللغوية والاستهجان، وإنّما زيد هذا القيد في النواهي دون الأمر لأنّ الأمر بالفعل ليس إلاّ لأجل اشتماله على المصلحة الملزمة، ولا يقبح من المولى التكليف بإيجاد ما اشتمل على المصلحة بأيّ وجه أمكن ولو بتحصيل الأسباب الخارجة عن القدرة العادية مع التمكّن العقلي من تحصيلها، وامّا النهي فلأنّه حيث كان الغرض منه مجرّد عدم حصول ما اشتمل على المفسدة، ومع عدم التمكّن العادي من فعله لا تكاد تحصل المفسدة فلا موجب للنهي عنه بل لا يمكن لاستهجانه عرفاً.

فإن قلت: يلزم على هذا عدم صحّة النهي عن كلّ ما لا يحصل الداعي إلى إيجاده كما لو فرض انّ المكلّف بحسب طبعه لا يميل إلى شرب الخمر أصلاً ولو لم يتعلّق به نهي كما يشاهد نظيره بالنسبة إلى ستر العورة وأمثالها ممّن يأبى عن كشفها ولو لم يكن نهي، وذلك ممّا لا يمكن الالتزام به فإنّ لازمه قصر النواهي على من تنقدح في نفسه إرادة الفعل بل وقصر الأوامر على من لم يكن مريداً للفعل مع قطع النظر عن الأمر أصلاً وهو كما ترى.

قلت: فرق بين عدم القدرة عادة على الفعل وبين عدم الإرادة عادة فإنّ القدرة

الصفحة 262

من شرائط حسن الخطاب ولابدّ من أخذها قيداً في التكليف، وامّا إرادة الفعل فليس لها دخل في حسن الخطاب، ولا يعقل أخذها قيداً في التكليف ـ وجوداً أو عدماً ـ لأنّ التكليف إنّما هو لبعث الإرادة فلا يمكن أن يكون مقيّداً بحال وجودها ولا بحال عدمها، فقياس باب الإرادة بباب القدرة ليس في محلّه لعدم استهجان النهي عن فعل ما لا يحصل الداعي إلى إيجاده عادةً، واستهجانه عن فعل ما لا يتمكّن من فعله كذلك، والذي يدلّك على هذا ملاحظة النواهي في الموالي العرفية فإنّه يحسن من المولى النهي عن شرب التتن ـ مثلاً ـ ولو فرض انّ العبد بحسب طبعه لا يميل إلى شرب التتن، بخلاف ما لو لم يكن قادراً على شربه لكونه في أقصى بلاد الهند ـ مثلاً ـ ولا تصل يده إليه» انتهى ملخّص ما في التقريرات.

إذا عرفت ما ذكروه من حديث الابتلاء وشرطيته لتنجّز التكليف المعلوم بالإجمال فاعلم انّ التحقيق في هذا الباب ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ في بحثه الشريف من أنّ الخطابات على قسمين:

القسم الأوّل: هي الخطابات الجزئية المتوجّهة إلى آحاد المكلّفين كلّ واحد منهم مستقلاًّ عن الآخر كالخطاب إلى زيد بالنهي عن شرب الخمر ـ مثلاً ـ وفي هذا القسم لا مجال للإشكال في اشتراط صحّة النهي وحسن الخطاب بعدم كونه تاركاً له لداع نفساني لأنّ النهي إنّما هو لإيجاد الداعي بالنسبة إلى المكلّف، ومع ثبوت الداعي له على الترك يستهجن تكليفه بالنهي عنه فإنّه من القبيح تكليف صاحب المروة الذي لا يكشف العورة بمنظر من الناس ومراهم بالنهي عن الكشف والأمر بالستر وكذا في مثال الخمر يكون التكليف بالاجتناب عن شربه مستهجناً بالإضافة إلى من يجتنب عنه للعلم بإثمه ومضارّه وآثاره السيئة وتبعاته القبيحة، وكذلك باب الأوامر فإنّ الغرض من البعث ليس إلاّ مجرّد إيجاد الداعي للعبد نحو

الصفحة 263

الفعل ومع كونه فاعلاً له ولو مع قطع النظر عن الأمر لداع شهواني نفساني يستهجن ذلك التكليف كما لو أمر المولى عبده بالتنفّس مع صدوره منه عادة وثبوت الداعي له إلى إيجاده دائماً.

نعم فيما إذا كان قصد التقرّب معتبراً في حصول الغرض وسقوط الأمر لما كان وجوده بداعي غير الأمر مؤثّراً في تحقّق المقصود من الأمر ـ الذي هو مجرّد وجود المأمور به من العبد وصدوره في الخارج ـ إلاّ انّ مرجعه أيضاً إلى عدم تحقّق المأمور به بتمام خصوصياته المعتبرة فيه ـ بناء على إمكان أخذ قصد التقرّب في المتعلّق وأخذه فيه كما قد حقّقناه في الاُصول ـ والكلام إنّما هو مع فرض صدور المأمور به من العبد في الخارج بتمام شرائطه وخصوصياته.

القسم الثاني: هي الخطابات الكلّية المتوجّهة إلى عموم المخاطبين بحيث كان الخطاب واحداً والمخاطب متعدّداً كجميع الخطابات الشرعية المتوجّهة إلى عموم الناس فإنّ الخطاب فيها واحد متوجّه إلى العناوين المنطبقة على الناس بعمومهم أو خصوص طائفة منهم كقوله: يا أيّها الناس افعلوا كذا وكذا، أو يا أيّها المستطيع يجب عليك الحجّ.

وبالجملة لا إشكال في وحدة الخطابات الواقعة في الشريعة بمعنى عدم انحلالها إلى خطابات متعدّدة حسب تعدّد المخاطبين، وـ حينئذ ـ فالاستهجان المستلزم لامتناع التكليف ـ بل الخطاب ـ من الشارع الحكيم وعدمه لابدّ وأن يلاحظ بالإضافة إلى ذلك الخطاب العام الواحد المتوجّه إلى المخاطبين المتعدّدين، فإذا فرض أنّهم لا يقدرون ـ بالقدرة العادية ـ على الإتيان بالمنهي عنه بوجه يكون الخطاب منه قبيحاً بعدما عرفت من أنّ النهي إنّما هو لغرض عدم حصول المنهي عنه في الخارج، ومع عدم تحقّقه ولو مع قطع النظر عن النهي ـ كما هو المفروض ـ

الصفحة 264

يستهجن التكليف ، كما أنّه إذا فرض ثبوت الداعي لجميع المخاطبين للإتيان بالمأمور به بحيث لا يكاد يتحقّق منهم الترك أصلاً يكون توجيه الأمر إليهم ولو بالخطاب العام قبيحاً.

وامّا إذا لم يكن الأمر كذلك بأن كان بعض المخاطبين لا يتحقّق له الداعي إلى الإتيان بالمنهي عنه وبعضهم على خلافه ولا تكاد تتميّز الطائفة الاُولى عن الثانية ببعض الجهات المميّزة المشخّصة أو كان كلّهم له داع نفساني إلى الإتيان بالمنهي عنه لما كان التكليف ـ حينئذ ـ قبيحاً، ولما كان توجيه الخطاب العام بالإضافة إليهم مستهجناً، وجميع الخطابات الشرعية الواردة في مقام الأمر والنهي من هذا القبيل فالتكليف بالنهي عن شرب الخمر ـ مثلاً ـ إنّما هو تكليف لجميع الناس من الموجودين حال الخطاب والمعدومين، وخطاب متوجّه إليهم، ولا يكاد ينحلّ إلى تكاليف متعدّدة وخطابات متكثّرة حسب تعدّد المخاطبين وتكثّرهم بحيث يكون حدوث كلّ مكلّف موجباً لحدوث خطاب خاص متوجّه إليه حتّى يلاحظ حال كلّ واحد منهم من حيث ثبوت الداعي له إلى الفعل المنهي عنه، أو ترك المأمور به فيحسن توجّه الخطاب إليه وعدمه قيقبح، بل الملاك في استهجان توجّه الخطاب بنحو العموم وعدمه ما عرفت من ثبوت الداعي للجميع أو للبعض غير النادر وعدمه.

وبالجملة حيث إنّ الخطابات الشرعية بنحو العموم، والملاك في حسنها يغاير ما هو الملاك في حسن الخطاب إلى آحاد المكلّفين فلا محالة تكون متوجّهة إلى جميع الناس وثابتة عليهم، وعدم استحقاق العقوبة في بعض الموارد كصور الجهل والعجز وأمثالهما إنّما هو لتحقّق العذر بالإضافة إلى خصوص المعذور، لا لعدم حسن توجّه الخطاب المستلزم لامتناعه، وذلك لما عرفت من أنّه لا وجه لدعوى

الصفحة 265

انحلال الخطابات الشرعية إلى الخطابات المتعدّدة حسب تعدّد المخاطبين وتكثّرهم حتى يلاحظ حال كلّ واحد منهم من حيث استحسان توجّه الخطاب إليه وعدمه ولعمري انّ هذا من الوضوح بمكان.

وـ حينئذ ـ إذا فرض عدم ابتلاء المكلّف ببعض الأطراف في الشبهة المحصورة فتوجيه الخطاب الخاص إليه بالنهي عن الخمر المردّد بين هذا الاناء والاناء الذي يكون في أقصى بلاد الهند وإن كان مستهجناً مع الإطلاق وعدم التعليق على الابتلاء إلاّ انّه مجرّد فرض لم يوجد في الشريعة لأنّ الخطابات فيها إنّما هي على نحو العموم والمفروض كونه من جملة المخاطبين فالتكليف متوجّه إلى لا محالة ويجب عليه الاجتناب عن الاناء الموجود عنده وإن كان الحرام مردّداً بينه وبين ما لا يكون مورداً لابتلاء المكلّف به عادةً، فما اشتهر بين المتأخّرين من اشتراطهم في وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة كون الجميع مورداً لابتلاء المكلّف ممّا لا يعلم له وجه، ويؤيّده انّه لا يكون بين المتقدّمين من ذكر هذا الشرط عين ولا أثر بل إنّما حدث في الأزمنة المتأخّرة كما عرفت.

ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً انّه من الواضح انّه لا فرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية من هذه الجهة أصلاً، فكما أنّه يشترط في حسن توجيه الخطاب إلى زيد بالنهي عن شرب الخمر ابتلائه به عادة وإلاّ تلزم اللغوية ـ كما عرفت ـ كذلك يشترط في جعل النجاسة له ابتلائه بذلك الشيء المجعول له النجاسة عادةً إذ من المعلوم انّ جعل النجاسة وسائر الأحكام الوضعية إنّما هو لغرض ترتّب الأثر من عدم جواز الصلاة في الشيء النجس وعدم جواز استعماله والانتفاع به مطلقاً أو في الجملة، وغيرهما من الأحكام والآثار، وـ حينئذ ـ فجعل النجاسة على الشيء الذي لا يبتلى به المكلّف عادةً يكون مستهجناً عرفاً فيلزم ـ بناء على

الصفحة 266

قولهم بانحلال الخطابات الشرعية إلى خطابات متعدّدة متكثّرة بمقدار كثرة المخاطبين وتعدّدهم ـ أن تكون الأحكام الوضعية أيضاً كذلك فاللاّزم أن يكون الشيء نجساً بالإضافة إلى من يكون ذلك الشيء مورداً لابتلائه وعدم كونه نجساً بالنسبة إلى من لا يتحقّق له الابتلاء به عادةً لما عرفت من استهجان جعل النجاسة له بعدما فرض من أنّ الأحكام الوضعية مجعولة لغرض ترتّب الأثر مع أنّ ضرورة الفقه تقضي بخلافه فإنّ الشيء المحكوم بالنجاسة نجس بالإضافة إلى جميع الناس لأنّ النجاسة من الاُمور الواقعية التي لا تكاد تختلف باختلاف الأشخاص من حيث الابتلاء وعدمه، نعم يمكن جعل الطهارة الظاهرية للنجس الواقعي بالإضافة إلى الشاكّ الذي لا يكون عالماً بالحالة السابقة أيضاً إلاّ أنّ الكلام في الحكم الواقعي دون الحكم الظاهري كما هو واضح وهكذا سائر الأحكام الوضعية غير النجاسة والطهارة.

وليعلم انّ النقض بالأحكام الوضعية بهذه الكيفية المذكورة إنّما يرد على جميع الأقوال المتشتّتة المختلفة في باب الأحكام الوضعية إلاّ أنّ ورود النقض على مثل الشيخ(قدس سره) في الرسالة ممّن يقول بعدم استقلالها وانتزاعها من الأحكام التكليفية الثابتة في مواردها أوضح وأظهر فتدبّر.

ثمّ إنّ لازم ما ذكروه في المقام من اشتراط تنجّز التكليف المعلوم بالإجمال بصحّة توجّه التكليف على أيّ تقدير انّه لو تردّد الأمر ـ مثلاً ـ بين أن يكون هذا الاناء خمراً أو ذلك الاناء بولاً لا يجب الاجتناب عن شيء من الانائين من جهة الشرب أصلاً; لأنّ توجيه الخطاب بقوله: لا تشرب البول يكون مستهجناً بعد عدم ثبوت الداعي إلى شربه بوجه، والخطاب بقوله: لا تشرب الخمر، لا يعلم ثبوته في القرض وـ حينئذ ـ فلا موجب للاجتناب عن الشرب أصلاً ـ بناءً على قولهم ـ مع

الصفحة 267

أنّ ذلك بعيد جدّاً.

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا من أنّ الخطابات الواردة في الشريعة لا تكاد تنحلّ إلى خطابات متعدّدة حسب تعدّد المخاطبين بل كلّ واحدة منها خطاب واحد والمخاطب فيها متعدّد انّه لو شكّ مكلّف في تحقّق القدرة وعدمه يجب عليه الاحتياط لما عرفت من أنّ عدم استحقاق العقوبة مع عدم القدرة إنّما هو للعذر لا لعدم توجّه التكليف، وـ حينئذ ـ فمرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في ثبوت العذر وعدمه واللاّزم فيه الاحتياط.

وامّا بناءً على الانحلال وكون القدرة شرطاً لثبوت التكليف فالقاعدة مع الشكّ فيها تقتضي الرجوع إلى البراءة لكون الشكّ في الشرط موجباً للشكّ في أصل التكليف المشروط به، والمرجع فيه أصالة البراءة مع أنّهم لا يلتزمون بها، بل يوجبون الاحتياط بهذا أيضاً يؤيّد بل يدلّ على عدم تمامية دعوى الانحلال فتأمّل.

المقام الثاني: في حكم الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة ونقول:

لا يخفى انّ العلم الإجمالي بالحرام المردّد بين أمرين أو اُمور، أو النجاسة المردّدة كذلك لا يؤثّر في صيرورة كلّ واحد من الطرفين أو الأطراف هو الحرام الواقعي أو النجس الواقعي بحيث تصير الأطراف متغيّرة عن الحالة السابقة على العلم الإجمالي ومتلوّنة بلون الواقع فيترتّب على كلّ واحد منها جميع الأحكام المترتّبة على الواقع، فلا يحكم بنجاسة الملاقي لأحد المشتبهين لأجل الملاقاة مع ما هو من أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة لأنّ التنجّس إنّما هو من الأحكام والآثار المترتّبة على ملاقاة النجس الواقعي لا من آثار ملاقاة ما يجب الاجتناب عنه وتلزم المعاملة معه معاملة النجس الواقعي تحفّظاً على الواقع كما هو واضح.

الصفحة 268

نعم قد يقال كما قيل بتنجّس ملاقي أحد المشتبهين، امّا لأنّ معنى الاجتناب عن الأعيان النجسة إنّما هو الاجتناب عنها وعمّا يلاقيها ـ ولو بوسائط ـ ولذا استدلّ صاحب الغنية على تنجّس الماء القليل بملاقاة النجاسة بقوله تعالى: (والرجز فاهجر) بناءً على أنّ تهجر النجاسات لا يتحقّق إلاّ بالتهجر عن ملاقيها، وامّا للملازمة بين نجاسة الأعيان النجسة وما يلاقيها كما تدلّ عليه رواية جابر الجعفي عن أبي جعفر(عليه السلام) انّه أتاه رجل فقال له: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام) : لا تأكله، فقال الرجل: الفأرة أهون عليَّ من أن أترك طعامي لأجلها، فقال أبو جعفر(عليه السلام) : إنّك لم تستخف بالفأرة وإنّما استخففت بدينك، إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء. وجه الدلالة انّه(عليه السلام) جعل ترك الاجتناب عن الطعام استخفافاً بتحريم الميتة، ولولا استلزامه لتحريم ملاقيه لم يكن أكل الطعام استخفافاً بتحريم الميتة، فوجوب الاجتناب عن شيء يستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقيه.

أقول: امّا ما ذكر من أنّ معنى الاجتناب عن شيء إنّما هو الاجتناب عنه وعن ملاقيه فهو محلّ نظر بل منع ضرورة انّه لو لم يكن هناك دليل على نجاسة ملاقي النجس لم يفهم أحد من نفس الأدلّة الدالّة على نجاسة الأعيان النجسة نجاسة ما يلاقيها من سائر الأشياء، ولذا وقع الخلاف في نجاسة الملاقي واختار بعض عدم تنجّس الماء القليل بملاقاة النجس فضلاً عن غيره من سائر الأشياء وقد مرّت الأقوال والتفاصيل المتعدّدة في هذا البحث فراجع.

وامّا قوله تعالى: (والرجز فاهجر) فقد عرفت في ذلك البحث انّه أجنبي عن المقام.

وامّا الرواية فـ ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ يحتمل قويّاً أن يكون مورد السؤال

الصفحة 269

فيها ـ هو وقوع الفأرة في الطعام بحيث تفسّخت فيه وانبثّت أجزائها، فحرمة أكل الطعام إنّما هي من حيث استلزامه لأكل الميتة لا انّ أكله بمنزلة أكلها في الحرمة، والدليل على ذلك انّه جعل ترك الاجتناب عن الطعام استخفافاً بتحريم الميتة، ومن المعلوم انّه لم يقل أحد بأنّ حرمة الشيء تستلزم حرمة ملاقيه، وحمل الحرمة في الرواية على النجاسة ـ مضافاً إلى أنّه خلاف الظاهر من دون قرينة وبيّنة عليه ـ لا دليل عليه أصلاً، والقول بأنّ الطباع تتنفّر من أكل الطعام الكذائي الذي صارت أجزاء الميتة مخلوطة بأجزائه فلا ينبغي حمل مورد السؤال عليه، يدفعه قول السائل: «الفأرة أهون عليَّ من أن أترك طعامي لأجلها» خصوصاً بعد ملاحظة حال الأعراب في صدر الإسلام، وبالجملة الرواية أجنبية عن المقام.

مضافاً إلى أنّه يمكن لنا أن نستدلّ على أنّ الاجتناب عن الشيء لا يكون مساوقاً للاجتناب عن ملاقيه بمفهوم الأدلّة الدالّة على أنّ الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجّسه شيء فإنّ مفهومها انّه إذا لم يبلغ الماء ذلك المقدار يصير نجساً بملاقاة الأعيان النجسة ـ جميعها أو بعضها على الخلاف الذي مرّ الكلام فيه ـ وظاهره انّ الملاقاة تؤثّر في صيرورته نجساً مستقلاًّ بحيث لو لم يجتنب عنه لم يجتنب عن النجس الذي هو نفس الماء الملاقي لا أنّ ترك الاجتناب عنه مساوق لترك الاجتناب عن النجس الملاقى ـ بالفتح ـ فتدبّر جيّداً.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول : الكلام في حكم الملاقي لأحد الأطراف يقع ـ تارةًـ فيما هو مقتضى حكم العقل، و ـ اُخرى ـ فيما تقتضيه الاُصول الشرعية، امّا مقتضى حكم العقل فلا إشكال في أنّه هو جواز ارتكاب الملاقي إذ العقل بعدما حكم بتنجّز التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، المستلزم لوجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة مقدّمة للواقع وتحفّظاً له لا يحكم بوجوب الاجتناب عنها ثانياً على نحو

الصفحة 270

الاستقلال.

توضيحه: إنّك قد عرفت انّ عدم جواز ارتكاب الملاقي ـ بالكسر ـ ليس من شؤون عدم جواز ارتكاب الملاقي ـ بالفتح ـ بحيث كان ارتكابه بمنزلة ارتكابه، ومرجعه إلى أنّه ليس هنا تكليف واحد متعلّق بالأعيان النجسة، غاية الأمر انّ حرمة ارتكاب ما يلاقيها إنّما هي لأجل أنّه بمنزلة ارتكابها إذ ـ بناءً عليه ـ لا إشكال في تنجّس الملاقي ووجوب الاجتناب عنه أيضاً إذ ليس هنا إلاّ تكليف واحد مردّد بين ذاك الطرف وبين الملاقي والملاقى إذ المفروض انّه ليس للملاقي حكم آخر عدا الحكم المتعلّق بالملاقى ـ بالفتح ـ .

بل نقول: انّ هنا حكمين: أحدهما مترتّب على الملاقي على تقدير كونه هو النجس الواقعي، وهو الذي اقتضى العلم الإجمالي تنجّزه المستلزم لوجوب الاجتناب عنه وعن الطرف الآخر.

ثانيهما: مترتّب على الملاقي على تقدير كونه قد لاقى النجس الواقعي، والعلم الإجمالي بثبوته على هذا التقدير لا يؤثّر أصلاً إذ المفروض انّ الملاقى ـ بالفتح ـ والطرف الآخر لا يجوز ارتكابهما بحكم العقل للعلم الإجمالي الأوّل وـ حينئذ ـ لا يحكم العقل ثانياً بوجوب الاجتناب عنهما لكونهما طرفين للعلم الإجمالي الثانوي أيضاً لأنّه يشترط في تنجيزه إمكان تحقّق التكليف على كلّ تقدير وهنا ليس الأمر كذلك.

وبالجملة مقتضى حكم العقل عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ لما ذكر.

وامّا الاُصول الشرعية فقد يقال ـ كما قيل ـ بأنّ طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ ونجاسته مسبّبة عن طهارة الملاقى ـ بالفتح ـ ونجاسته، والأصل الجاري في السبب

الصفحة 271

يكون حاكماً على الأصل الجاري في المسبّب، وحيث إنّه لا يجري الأصل هنا في السبب للمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر فلا مانع من جريان الأصل في المسبّب فيكون الملاقي ـ بالكسر ـ محكوماً بالطهارة والحلّية الشرعيتين.

وهنا شبهة لبعض المحقّقين من المعاصرين وهي انّه لا إشكال في أنّ الحلّية مترتّبة على الطهارة بمعنى أنّ الشكّ في الاُولى مسبّب عن الشكّ في الثانية، كما أنّ الشكّ في طهارة الملاقي مسبّب عن الشكّ في طهارة الملاقى كما عرفت، فالشكّ في طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ يكون في مرتبة الشكّ في حلية الملاقى ـ بالفتح ـ بمعنى انّ كليهما مسبّبان عن الشكّ في طهارته و ـ حينئذ ـ نقول: كما أنّه لا يجري الأصل الموضوعي في الملاقي لمعارضته مع الأصل الموضوعي الجاري في الطرف الآخر، كذلك لا يجري الأصل الحكمي فيه لهذه الجهة.

ومن هنا يظهر عدم جريان أصالة الطهارة في الملاقي لكون الشكّ فيها في مرتبة الشكّ في حلّية الملاقى ـ المفروض عدم جريان الأصل بالإضافة إليها للمعارضة ـ فيبقى من الاُصول الستّة أصالة الحلّية الجارية في الملاقي لسلامتها عن المعارضة والمفروض انّه لا يكون هنا أصل حاكم عليها لأنّ الأصل الحاكم لا يجري للمعارضة.

وبالجملة يجري الأصل الحكمي في الملاقي دون الموضوعي فلا يجب الاجتناب عنه مع أنّه لا يكون محكوماً بالطهارة.

ويمكن الجواب عن الشبهة بأنّ الأدلّة الدالّة على اعتبار الاُصول الشرعية لا تكون شاملة لأطراف العلم الإجمالي بنظر العرف وإن لم يكن مانع عن الشمول بنظر العقل من جهة لزوم التناقض بين الصدر والذيل لما سيجيء من عدم اللزوم إلاّ أنّ العرف لا يقضي بكون الأطراف مشكوكة الحكم حتّى ينطبق عليها موضوع

الصفحة 272

أدلّة الاُصول، وعليه فلا مانع من جريان أصالة الطهارة أيضاً في الملاقي بعد كونه منطبقاً عليه وموضوع تلك الأدلّة.

مع أنّ الشكّ في طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ واقعاً في رتبة الشكّ في حلّية الملاقى ـ بالفتح ـ لا يستدعي عدم جريانه بعد عدم وجود ما هو الملاك لعدم الجريان فيه أصلاً ضرورة انّ عدم جريان أصالة الحلّية في الملاقى ـ بالفتح ـ إنّما هو لأجل المعارضة على ما هو المفروض وهذا الملاك لا يكون بمتحقّق في أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ لعدم ثبوت المعارض لها ومجرّد وقوع الأصلين في رتبة واحدة لا يقتضي اتحاد حكمهما بوجه كيف وقد حكم صاحب الشبهة بجريان أصالة الحلّية في الملاقي ـ بالكسر ـ مع اعترافه بكون الشكّ فيها مسبّباً عن الشكّ في طهارته فمع التسبّب المقتضي للتأخّر إذا لم يكن عدم جريان الأصل في السبب لأجل المعارضة موجباً لعدم جريانه في المسبّب لخلوّه عنها فمع الاتحاد يكون ذلك بطريق أولى كما لا يخفى.

وقد أجاب صاحب الشبهة عنها بوجهين:

أحدهما: ما ربّما يمكن إرجاعه إلى الجواب الأوّل الذي ذكرنا عنها فلا نطيل بذكره.

ثانيهما: انّ الأصل في أطراف العلم الإجمالي لا يكون جارياً للزوم المناقضة بين الصدر والذيل في أدلّة اعتباره و ـ حينئذ ـ الأصلان الجاريان في الملاقي ـ بالكسر ـ يكونان سليمين عن المعارض والحاكم فيكون محكوماً بالطهارة والحلّية معاً.

ويرد عليه عدم لزوم المناقضة أصلاً فإنّه لا تكون تلك الأدلّة مشتملة على الحكمين حتى يقال بتناقضهما فإنّه لا يعقل جعل الحكم على اليقين الذي تكون حجّيته من لوازم ذاته بل مدلول تلك الأدلّة حكم واحد مترتّب على الشكّ، غاية

الصفحة 273

الأمر يكون مبنى حصول العلم، وقد عرفت انّ العقل لا يأبى عن جريانها في أطراف العلم إلاّ أنّ العرف لا يكون مساعداً عليه.

فتلخّص من مجموع ما ذكرنا انّ الملاقى محكوماً بالطهارة والحلّية شرعاً.

ثمّ إنّه قد اشتهر في الألسن وتكرّر في الكلمات انّه مع جريان الأصل في السبب لا يبقى مجال لجريانه في المسبّب أصلاً لأنّه مع جريانه في السبب لا يبقى شكّ في ناحية المسبّب حتى يجري الأصل فيه.

والتحقيق لا يساعد هذا الكلام بنحو الكلّية والعموم بل لا يكون له وجه أصلاً في بعض الموارد:

ولتوضيح ما هو الحقّ لابدّ من تقديم أمر وهو انّه قد اشتهر بينهم أيضاً انّ الاستصحاب الجاري في الموضوعات الخارجية معناه وجوب ترتيب الأثر عليها في الزمان اللاّحق لأنّه حيث لا يكون الحكم ببقائها من وظائف الشارع ـ بما هو شارع ـ فلا محالة يكون معنى حرمة نقض اليقين بالشكّ في تلك الموضوعات وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتّبة عليها في زمان الشكّ، وعلى هذا المعنى يتحقّق الاختلاف في معنى قوله(عليه السلام) : «لا تنقض اليقين بالشكّ» بالنسبة إلى الاستصحاب الجاري في نفس الأحكام الشرعية الذي مرجعه إلى بقاء نفس تلك الأحكام في زمان الشكّ والاستصحاب الجاري في الموضوعات الخارجية الذي مرجعه إلى وجوب ترتيب الآثار الشرعية عليها في ذلك الزمان.

والتحقيق انّ معنى «لا تنقض اليقين بالشكّ» ليس إلاّ وجوب إبقاء المتيقّن في زمان الشكّ مطلقاً سواء كان المتيقّن من الأحكام الشرعية أو من الموضوعات الخارجية، غاية الأمر انّه لا حاجة في الأوّل في إثبات الحكم إلى ضمّ دليل آخر وإضافته إلى أدلّة الاستصحاب بخلاف الثاني فإنّ إثبات الحكم موقوف على ضمّ

الصفحة 274

دليل آخر إليها لأنّ الاستصحاب الجاري في الموضوعات لا يقتضي إلاّ مجرّد بقائها في الزمان اللاّحق فترتّب الحكم عليها يحتاج إلى ضمّ دليل يدلّ على ترتّب الحكم على تلك الموضوعات، فالاستصحاب الجاري في العدالة ـ مثلاً ـ لا يؤثّر إلاّ في بقائها في الزمان اللاّحق تعبّداً، وبهذا يتحقّق موضوع الأدلّة الدالّة على ترتّب بعض الأحكام على العدالة كجواز الاقتداء بصاحبها وجواز الطلاق عنده والأخذ بشهادته وغير ذلك من الأحكام والآثار المترتّبة على موضوع العدالة.

وبالجملة الاستصحاب الجاري في الموضوعات يكون حاكماً على الأدلّة الواقعية لأنّه يقح بسببه موضوعاتها فيتحقّق معنى الحكومة.

ومن هنا يظهر انّه ل و لم يكن الموضوع مترتّباً عليه حكم شرعي في شيء من الأدلّة الشرعية لا يكون الاستصحاب فيه جارياً بوجه لأنّ النتيجة تتوقّف على ثبوت الصغرى والكبرى معاً، فالأولى بدون الثانية كالعكس لا تنتج أصلاً، وقد عرفت انّ الاستصحاب الموضوعي لا يجدي إلاّ في ثبوت ال صغرى وحدها بحيث يحتاج إثبات الحكم إلى ضمّ كبرى إليها وهذا بخلاف الاستصحاب الجاري في الحكم فإنّ إثبات الحكم لا يحتاج إلى أزيد منه وإلاّ فمن الواضح انّه لا يختلف معنى «لا تنقض...» بالنسبة إلى الاستصحابين كما هو ظاهر.

إذا تحقّقت ما ذكرنا تعرف انّ ما ذكروه من أنّ جريان الأصل في السبب يغني عن جريانه في المسبّب ولا يبقى معه مجال له أصلاً، لا يكون تامّاً على نحو العموم بل إنّما يصحّ في خصوص ما لو كان الشكّ في ناحية المسبّب في الأثر الشرعي المترتّب على الموضوع المشكوك ـ وهو الذي يعبّر عنه بالشكّ في ناحية السبب ـ كالشكّ في نجاسة الثوب المغسول بالماء المشكوك الكرية، فإنّ جريان استصحاب الكرية يؤثّر في تحقّق موضوع ما يدلّ على أنّ الغسل بالماء الكر يوجب زوال النجاسة

الصفحة 275

وتنقيح متعلّقه فيرتفع الشكّ في النجاسة أيضاً.

وهذا بخلاف الشكّ في الوضوء الناشئ من الشكّ في تحقّق النوم فإنّه لا يجري استصحاب عدم النوم حتى يرتفع به الشكّ في ارتفاع الوضوء لأنّه لم يجعل في الشريعة حكم مترتّب على عدم النوم حتّى يتحقّق بالاستصحاب موضوعه وينقح به متعلّق الدليل الدالّ على ترتّب الحكم عليه، وبقاء الوضوء مع عدم النوم حكم عقلي منشأه جعل النوم ناقضاً في الشريعة. وبعبارة اُخرى: المجعول في الشرع إنّما هي الطهارة عقيب الوضوء وكون النوم ـ مثلاً ـ ناقضاً له، وامّا بقائه مع عدم الناقض فهو حكم عقلي لا شرعي.

وبالجملة: لا يكون عدم النوم موضوعاً لحكم من الأحكام في الشريعة حتى يجري استصحابه فيترتّب عليه ذلك الحكم بضميمة ذلك الدليل فلا مجال ف المثال إلاّ لاستصحاب الطهارة فقط.

ومن هنا يدفع ما أورد على الصحيحة الاُولى لزرارة التي استدلّ بها على حجّية الاستصحاب من أنّه قد أجرى فيها الاستصحاب في المسبّب دون السبب مع تقدّمه عليه وإن كانا موافقين.

وممّا ذكرنا يظهر حال كثير من الاستصحابات كاستصحاب عدم المانع ووأشباهه فإنّه لا وجه لجريان مثله مع عدم ترتّب الأثر الشرعي عليه، كما أنّه ممّا ذكر ظهر حال كثير من الشبهات: منها ثبوت الوسائط المتعدّدة بالاستصحاب مثل استصحاب بقاء العدالة الذي يترتّب عليه جواز الطلاق عنده ويترتّب عليه وجوب التربّص في المدّة المعيّنة ويترتّب عليه جواز التزويج بعد انقضاء تلك المدّة ويترتّب عليه جواز الوطء ووجوب الإنفاق وغيرهما من الأحكام الكثيرة، فإنّه لا يبقى مجال للإشكال ـ بناءً على ما ذكرنا ـ فإنّ استصحاب العدالة يتحقّق به

الصفحة 276

موضوع ذلك الدليل الذي رتّب فيه الحكم على العدالة فيترتّب عليه تلك الأحكام الكثيرة المترتّبة، وإلاّ فالإشكال بحاله ولا مجال لدفعه بما دفع به الإيراد الوارد على الأخبار مع الواسطة فإنّ ذلك الإيراد قد اندفع بوجوه والذي يمكن توهّم جريانه في المقام انّه حيث تكون حجّية الخبر على نحو القضية الحقيقية فشمول أدلّة الحجّية لقول الشيخ: «أخبرني المفيد» يؤثّر في ثبوت أخبار المفيد تعبّداً فتشمله أدلّة الحجّية. ومن الواضح عدم جريان هذا الجواب في المقام فإنّ قوله(عليه السلام) : «لا تنقض اليقين بالشكّ» لا يشمل في المثال إلاّ الشكّ في العدالة، وامّا سائر الأحكام فلا تكون مشكوكة فلا تكون متعلّقة لليقين السابق والشكّ اللاّحق حتى تشمله أدلّة الاستصحاب وجريان الاستصحاب في العدالة لا يوجب تحقّق فرد تعبّدي من لا تنقض اليقين... لتدفع الشبهة بذلك فلا مناص في دفع الإيراد إلاّ ما ذكرنا.

ومن جميع ما تقدّم ظهر انّ استصحاب الطهارة أو قاعدتها في الملاقى ـ بالفتح ـ لا يفيد بالنسبة إلى طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ أصلاً لأنّه لم تجعل في الشريعة طهارة الثاني مترتّبة على طهارة الأوّل بل المجعول فيها إنّما هي نجاسة الملاقي للنجس وامّا طهارة ملاقي الطاهر فإنّما هي حكم عقلي غير مجعول في الشرع فأصالة الطهارة في الملاقي على تقدير جريانها لا تمنع عن الجريان في الملاقى أصلاً.

إذا عرفت جميع ما ذكرنا فلنرجع إلى ما اُفيد في المتن فنقول:

امّا الحكم بنجاسة الملاقى فيما إذا كانت الحالة السابقة للملاقى ـ بالفتح ـ هي النجاسة فمنشأه جريان استصحاب النجاسة في الملاقي من دون معارض وقد مرّ انّ ترتّب نجاسة الملاقي على نجاسة الملاقى إنّما هو ترتّب شرعي فاستصحاب نجاسة الملاقي يترتّب عليه نجاسة الملاقى بالتقريب الذي عرفت، نعم يمكن المناقشة في أصل جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ولو كان مفاده موافقاً له

الصفحة 277

ولكن المناقشة مبنية امّا على ما ذكرنا من عدم شمول أدلّة الاُصول لأطراف العلم الإجمالي عرفاً وإن لم يكن مانع عن الشمول عقلاً نظراً إلى أنّ العرف لا يقضي بكون الأطراف مشكوكة حتّى ينطبق عليها موضوع تلك الأدلّة، وامّا على ما قد يقال من استلزام الشمول لتحقّق التناقض بين الصدر والذيل، وامّا بناءً على تقدير كون المانع من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي هو لزوم المخالفة القطعية العملية للتكليف المنجز المعلوم بالإجمال فلا مانع من جريانه في مثل الفرض ممّا كان مفاد الأصل موافقاً لذلك التكليف كما هو واضح، كما أنّه على تقدير القول بأنّ المانع من الجريان هو تحقّق التعارض وسقوط الأصلين أو الاُصول لأجله فلا مانع أيضاً من الجريان فيما لو كانت الحالة السابقة في إحداهما هي النجاسة لعدم تحقّق التعارض على هذا التقدير أصلاً فتأمّل جيّداً.

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ الظاهر بناءً على ما ذكرنا الحكم بالطهارة في المورد المفروض.

وامّا مع عدم كون الحالة السابقة في الملاقى ـ بالفتح ـ هي النجاسة فقد اُفيد في المتن انّ فيه تفصيلاً والوجه فيه انّ للمسألة صوراً متعدّدة:

الاُولى: ما إذا كانت الملاقاة بعد العلم الإجمالي وتنجّز التكليف بسببه وهذه الصورة هي التي ذهب المشهور فيها إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي وقد مرّ انّ مقتضى التحقيق جريان أصالة الطهارة والحلّية في الملاقى من دون معارض ولكن بعض الأعلام في الشرح ـ على ما في تقريراته ـ قد فصّل في هذه الصورة تفصيلاً لا بأس بنقله وبما يمكن أن يورد به عليه فنقول:

قال ما ملخّصه: «الصحيح أن يفصل في هذه الصورة بين ما إذا لم يختص أحد الأطراف بأصل غير معارض فنلتزم فيه بطهارة الملاقى وبين ما إذا كان لبعض

الصفحة 278

الأطراف أصل كذلك فنلتزم فيه بوجوب الاجتناب عنه، وتوضيحه انّ الاُصول في أطراف العلم الإجمالي قد تكون متعارضة بأجمعها، سببية كانت أم مسببية، موضوعية أم حكمية. عرضية أم طولية كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائين فإنّ استصحاب عدم ملاقاة النجس في كلّ واحد منهما معارض باستصحاب عدم الملاقاة في الآخر وهما أصلان عرضيان وكذا الحال في استصحاب الطهارة وهما أصلان حكميان ثمّ في المرتبة الثانية قاعدة الطهارة في كلّ منهما معارضة معها في الآخر وهي أصل سببي وفي المرتبة الثالثة أصالة الإباحة كذلك وعلى الجملة لا يمكن الرجوع في هذه الصورة إلى شيء من تلك الاُصول.

وقد يختص أحد أطرافه بأصل غير معارض بشيء كما إذا علمنا بنجاسة هذا الماء أو ذاك الثوب فإنّ استصحاب عدم الملاقاة وكذا قاعدة الطهارة يكون كالفرض الأوّل إلاّ أنّ الماء هنا يختص بأصل آخر لا معارض له في طرف الثوب وهي أصالة الاباحة المقتضية لحلّية شربه وحيث إنّها غير معارضة فلا مانع من جريانها لما ذكرنا من أنّ التنجّز في أطراف العلم الإجمالي لا يكون مستنداً إلى نفسه وإنّما هو مستند إلى تعارض الاُصول وتساقطها وعدم ثبوت المؤمن ـ حينئذ ـ وامّا إذا جرى في أحد أطرافه أصل غير معارض فلا يكون العلم الإجمالي منجّزاً فإنّ الأصل مؤمن من احتمال العقاب على تقدير مصادفته الواقع وبما أنّه غير غير فلا مانع من جريانه لعدم العلم التفصيلي ولا العلم الإجمالي في مورده وقد ذكرنا في محلّه انّ الأصل الجاري في كلّ من الطرفين إذا كان مسانخاً للأصل الجاري في الآخر واختص أحدهما بأصل طولي غير معارض بشيء لا مانع من شمول دليل ذلك الأصل الطولي للطرف المختص به بعد تساقط الأصلين العرضيين بالمعارضة فنقول:

امّا الشقّ الأوّل فملاقي أحد أطراف الشبهة محكوم بالطهارة لجريان

الصفحة 279

الاستصحاب والقاعدة فيه بعد وضوح كونه فرداً آخر من النجس غير الملاقى ـ بالفتح ـ .

وامّا الشقّ الثاني فلا مناص فيه منن الاجتناب عن الملاقى لأنّه وإن كانت أصالة الحلّية في الماء الموجبة لجواز شربه سليمة عن المعارض إلاّ انّ الثوب إذا لاقاه شيء ثالث يتشكّل من ذلك علم إجمالي آخر وهو العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي للثوب أو بحرمة شرب الماء فالأصلان يتعارضان فيجب الاجتناب عن الملاقي كما أنّه يجب الاجتناب عن الماء ـ حينئذ ـ » .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه بناء على تمامية ما أفاده يلزم تقييد وجوب الاجتناب عن الملاقى بما إذا كان الطرف غير الملاقى ـ بالفتح ـ مختصّاً بجريان الأصل فيه ولا ينبغي الإطلاق كما هو ظاهر، وإلى انّه من المستبعد جدّاً أن يكون ملاقاة شيء ثالث مع الثوب موجباً لتغيّر حكم الماء وصيرورة شربه حراماً بعد كونه حلالاً قبل الملاقاة مع عدم حصول تغيّر في الماء أصلاً ـ انّه قد تقرّر في محلّه انّه في أطراف العلم الإجمالي تتعارض جميع الاُصول من دون اعتبار المسانخة والاتحاد في الرتبة مثلاً لو صحل لنا علم إجمالي امّا بنجاسة هذا الماء الواقع في الاناء أو بغصبية ذاك الثوب لا مجال للإشكال في أنّ اصالة الاباحة في جانب الثوب كما أنّها تعارض اصالة الاباحة في الماء كذلك تعارض أصالة الطهارة في الماء مع عدم المسانخة بينهما أصلاً، بل المعارضة ابتداء إنّما هي بين أصالة الاباحة في الثوب واصالة الطهارة في الماء لأنّ العلم الإجمالي إنّما تعلّق بالنجاسة أو الغصبية وهل يمكن أن يلتزم في المثال بأنّ أصالة الاباحة في الثوب تعارض اصالة الطهارة في الماء فتسقطان فتبقى أصالة الاباحة في الماء سليمة عن المعارض فلا مانع من شربه وإن لم تحرز طهارته أو يقال بتعارضها مع أصالة الاباحة في الماء فتبقى أصالة الطهارة فيها باقية من دون

الصفحة 280

معارض فيعامل معه معاملة الطهارة وإن لم يجز شربه كلّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار المسانخة في تحقّق التعارض بين الاُصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي أولاً وعدم كون الوحدة من جانب والتعدّد من الجانب الآخر موجباً لخلوّ الأصل الزائد وسلامته عن المعارض، بل الظاهر انّ الأصل الواحد في طرف يعارض الأصل في الطرف الآخر ولو كان متعدّداً وإلاّ فيلزم ما ذكر من الالتزام امّا بالطهارة في المثال الذي ذكرنا وامّا بالحلّية مع وضوح عدم إمكان الالتزام بشيء منهما كما لايخفى.

الصورة الثانية: ما إذا حصلت الملاقاة والعلم بها قبل حدوث العلم الإجمالي كما إذا علمنا بملاقاة شيء لأحد المائين في زمان وبعد ذلك علمنا بنجاسة أحدهما إجمالاً وقد اختلفت الأنظار في هذه الصورة في وجوب الاجتناب عن الملاقي وعدمه:

فذهب الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة أيضاً نظراً إلى أنّ العلم الإجمالي وإن كان حاصلاً بوجوب الاجتناب عن هذا الماء أو الماء الآخر وملاقيه إلاّ أنّ الشكّ في نجاسة الملاقي مسبّب عن الشكّ في نجاسة الملاقى والأصل الجاري في السبب متقدّم بحسب الرتبة على الأصل الجاري في المسبّب لكنّه حيث يكون الأصل الجاري في السبب مبتلى بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر فيتحقّق التساقط يبقى الأصل الجاري في المسبّب سليماً عن المعارض وعن الأصل الذي يتقدّم عليه رتبة.

وذهب المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفاية إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة لأنّ العلم الإجمالي من أوّل حدوثه قد تعلّق بنجاسة هذا الماء أو الملاقى والملاقي معاً فأحد طرفيه واحد والطرف الآخر متعدّد فهو نظير العلم الإجمالي

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>