جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، النجاسات و أحكامها « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 162

الشرب متفرّعاً على وصف الخمرية التنزيلية أو معلولاً له فتدبّر جيّداً. وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية الاستدلال بالموثّقة على نجاسة العصير وإن كان بعض الإشكالات على الاستدلال بها قابل الدفع كما عرفت. وممّا استدلّ به على النجاسة:

صحيحة عمر بن يزيد أو حسنته قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يهدى إليه البختج من غير أصحابنا فقال: إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه وإن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه. بتقريب انّه يستفاد منها انّ للبختج حالتين: الإسكار وهي قبل ذهاب الثلثين وحالة عدم الإسكار وهي بعد ذهابهما والمستحلّ لا يأبى عن إهداء المسكر منه فلا يجوز شربه وبالجملة الرواية تدلّ على ثبوت حالة الإسكار للعصير وقد مرّ عدم اختصاص النجاسة بالخمر بل كل مسكر نجس.

وفيه: أوّلاً خروجه عن محلّ النزاع لأنّ الكلام في العصير غير المسكر ضرورة انّ المسكر لا يحتاج إلى بحث مستقلّ بعد التكلّم في نجاسة المسكر مطلقاً.

وثانياً: انّه لا دلالة للرواية على انّ البختج قبل ذهاب الثلثين مسكر كيف وهو خلاف الوجدان فانّ العصير العنبي المغلي بالنار لا يكون مسكراً ما دام كونه على النار. نعم لو اُخذ من النار وترك مدّة ينقلب إلى الإسكار ولعلّ قوله (عليه السلام): «إن كان ممّن يستحلّ...» إشارة إلى انّ من يستحل المسكر يستحل العصير العنبي قبل ذهاب الثلثين قطعاً.

وثالثاً: إنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية انّ للبختج قسمين: مسكر وغير مسكر ولا دلالة لها بل ولا إشعار فيها بكون مطلق العصير المغلي قبل ذهاب الثلثين مسكراً فانّ البختج كما عرفت يحتمل قويّاً أن يكون هو القسم المخصوص من العصير لا مطلق العصير المطبوخ فثبوت قسم له الإسكار في البختج لا يلازم وجود المسكر

الصفحة 163

في العصير مطلقاً.

ومنها: رواية أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أصل الخمر كيف كان بدء حلالها وحرامها ومتى اتخذ الخمر؟ فقال: إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة اشتهى من ثمارها فأنزل الله عليه قضيبين من عنب فغرسهما فلمّا ان أورقا وأثمرا وبلغا جاء إبليس فحاط عليهما حائطاً فقال آدم: ما حالك يا ملعون؟ قال فقال إبليس: إنّهما لي قال: كذبت فرضيا بينهما بروح القدس فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم عليه قصّته فأخذ روح القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما والعنب في أغصانها حتّى ظنّ آدم انّه لم يبق منه وظنّ إبليس مثل ذلك، قال: فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما، وبقي الثلث فقال الروح: امّا ما ذهب منهما فخط إبليس وما بقى فلك يا آدم.

ومنها: موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ نوحاً لمّا هبط من السفينة غرس غرساً فكان فيما غرس النخلة فجاء إبليس فقلعها إلى أن قال: فقال نوح: ما دعاك إلى قلعها فوالله ما غرست غرساً هو أحبُّ إليّ منها فوالله لا أدعها حتّى اغرسها، فقال إبليس. وأنا والله لا أدعها حتّى أقلعها فقال له جبرئيل: اجعل له فيها نصيباً قال: فجعل له الثلث فأبى أن يرضى فجعل له النصف فأبى أن يرضى وأبى نوح أن يزيده فقال له جبرئيل: احسن يا رسول الله فانّ منك الإحسان فعلم نوح انّه قد جعل له عليها سلطان فجعل نوح له الثلثين، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل واشرب.

وأنت خبير بعدم ظهور شيء من الروايتين في نجاسة العصير. نعم يمكن أن يستفاد منهما الحرمة خصوصاً من الموثقة، والعجب من الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)حيث حكى عنه انّه قال: «إنّ في هذه الأخبار دلالة واضحة على انّ عصير العنب إذا غلى بالنار أو نشّ بنفسه حكمه حكم الخمر إلاّ أن يذهب ثلثاه أو

الصفحة 164

يصير خلاًّ».

ومنها: حسنة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان أبي يقول: إنّ نوحاً حين اُمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه فلمّا أراد أن يغرس العنب قال: هذهالشجرة لي فقال له نوح: كذبت فقال ابليس: فما لي منها؟ فقال نوح: لك الثلثان فمن هناك طاب الطلا على الثلث. فانّ ظاهر قوله (عليه السلام) : فمن هناك طاب الطلا على الثلث، عدم كونه طيباً قبل الثلث ومن الظاهر انّ المراد بالطيب في المقام هو الطاهر في مقابل النجس.

وفيه: انّ الطيب إذا كان مستعملاً في الأموال يكون المراد منه الحلية كما يقال: طاب مال فلان أي صار حلالاً بعد كونه حراماً قوله: طاب الطلا على الثلث أي صار حلالاً بعد ذهاب الثلثين بعد كونه حراماً قبله ويشهد له ما ورد في حديث آخر من قوله (عليه السلام) : «فذلك الحلال الطيب ليشرب منه».

ومنها: ما ورد في حديث في الجواب عن السؤال عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته من قوله (عليه السلام) : «إذا تغيّر عن حاله وغلا فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه. وأنت خبير بأنّ نفي الخير لا دلالة له على النجاسة.

ومنها: ما ورد في فقه الرضا من انّ العصير إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر.

ولا يخفى ما في الاستدلال بها من عدم حجّية الفقه الرضوي وعدم اعتباره عند الأصحاب وعدم ظهور دلالته أيضاً على النجاسة لأنّ الحكم عليه بكونه خمراً انّما هو من باب التنزيل لا الحقيقة ولم يثبت كون التنزيل انّما هو بلحاظ جميع الآثار والأحكام بل في اثر الحرمة الذي هو أظهر الآثار خصوصاً بملاحظة قوله: ولا يحلّ شربه بعد العبارة المتقدّمة.

الصفحة 165

وممّا جعله صاحب الجواهر (قدس سره) مؤكّداً لنجاسة العصير ومؤيّداً لها ما أفاده من قوله: «قد استفاضت الروايات بل كادت تكون متواترة بتعليق الحرمة في النبيذ وغيره على الإسكار وعدمها على عدمه مع استفاضة الروايات بحرمة عصير العنب إذا غلى قبل ذهاب الثلثين، وحملها على التخصيص ليس بأولى من حملها على تحقّق الإسكار فيه بل هو أولى لأصالة عدم التجوّز بل لعلّه متعيّن لعدم القرينة بل قد يقطع به لعدم ظهور شيء من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلية بل ولا إشارة».

وفي كلامه مواقع للنظر:

منها: انّ الروايات الواردة في الخمر والنبيذ والعصير لا دلالة لها على انّ الحرمة معلّقة على الإسكار وعدمها على عدمه بل لم يرد رواية واحدة بنحو ما ذكره من التعليق فضلاً عن استفاضتها أو تواترها. نعم وردت روايات في خصوص النبيذ ومفادها أنّ المسكر منه حرام وهذه الروايات مع ورودها في خصوص النبيذ لا تعرض فيها للتعليق. غاية الأمر انّ تحريم المسكر يستفاد منه عدم حرمة غير المسكر منه فاستفادة الحكم الكلّي ممّا لا وجه لها أصلاً.

ومنها: انّ ترجيح التخصّص على التخصيص ـ فيما إذا دار الأمر بينهما ـ انّما هو فيما إذا كان الترجيح موجباً لتعيين الحكم واستكشاف المراد. وبعبارة اُخرى مورده ما إذا كان المراد غير معلوم كما إذا ورد دليل عام مثل قوله: «أكرم العلماء» ودليل: «لا تكرم زيداً» وتردّد أمر زيد بين أن يكون المراد به هو زيد الجاهل حتّى لا يكون الدليل الثاني مستلزماً للتخصيص أو أن يكون المراد به هو زيد العالم حتّى يكون هناك مخصّص ففي مثل ذلك تجري قاعدة ترجيح التخصّص على التخصيص وتحكم بكون المراد من زيد ـ الذي يحرم أو لا يجب إكرامه ـ هو زيد الجاهل دون

الصفحة 166

العالم، وامّا إذا لم يكن المراد مجهولاً فلا مجرى للقاعدة كما إذا قال بعد الدليل العام: «لا تكرم هذا الرجل المسمّى بزيد» فانّ الشكّ في كون الرجل المعيّن عالماً أو جاهلاً مع وضوح حكم إكرامه بمقتضى الإشارة الموجبة للتعيين لا يوجب الرجوع إلى القاعدة والحكم باتصاف الرجل المعيّن بالجهل، والمقام من هذا القبيل فانّ حكم العصير العنبي من جهة الحرمة معلوم والشكّ في انّ خروجه عن الدليل الدالّ على ان كل ما ليس بمسكر لا يكون بحرام هل هو بنحو التخصّص أو التخصيص لا يوجب ترجيح الأوّل والحكم بأنّ الحرمة انّما هي لأجل الإسكار الموجب للنجاسة أيضاً كما هو واضح.

ومنها: انّ تعليل أولوية التخصّص بأصالة عدم التجوّز ممنوع لما حقّق في محلّه من انّ تخصيص العام لا يكون مستلزماً للتجوّز فيه فانّ التخصيص تصرّف في خصوص الإرادة الجدّية دون الإرادة الاستعمالية التي هي المدار في باب الحقيقة والمجاز فانّ المستعمل فيه في باب العموم انّما هو المعنى الحقيقي العام ولا فرق فيه بين عروض التخصيص له وعدمه.

ومنها: انّ ما أفاده من أنّه لا إشارة في أدلّة الحرمة إلى خروجه عن تلك الكلّية مشعر بأنّه على تقدير ثبوت الظهور أو الإشارة لا يبقى مجال للإشكال في التخصيص مع انّ الدليل المخصّص ـ غالباً بل في جميع الموارد ـ فاقد لهذا الظهور والإشارة كيف ولو كان الدليل المخصّص ناظراً إلى الدليل العام ولو بنحو الإشارة لا يكون مخصّصاً ـ حينئذ ـ بل حاكماً عليه فتدبّر.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لا دليل على نجاسة العصير العنبي ومقتضى القاعدة ـ حينئذ ـ الحكم بالطهارة.

ثمّ إنّه قد فصل ابن حمزة (قدس سره) في «الوسيلة» بين العصير العنبي الذي غلى بنفسه

الصفحة 167

فحكم بحرمته ونجاسته إلى أن يصير خلاًّ، وبين ما إذا غلى بالنار فاختار حرمته قبل ذهاب الثلثين وعدم نجاسته.

وزعم شيخ الشريعة الاصفهاني (قدس سره) انّ تفصيل ابن حمزة لا يكون تفصيلاً في الحكم الشرعي بل يكون لأجل مسكرية ما غلى بنفسه فحكمه بالنجاسة انّما هو لأجل الإسكار لا للتفصيل في العصير وطعن على من زعم انّ ابن حمزة متفرّد في هذا التفصيل بل نسب الغفلة إلى أساطين العلم والفقه قائلاً إنّ مرجع الأقوال ـ عدا شاذ منهم ـ إلى هذا القول وعدّ منهم شيخ الطائفة والحلّي والعلاّمة والمحقّق والفاضل المقداد معتقداً انّ عدّ قولهم مقابلاً لقوله ناش من عدم تحقيق النظر وتدقيق البصر في كلامهم.

ولا بأس بذكر بعض عبارات الأصحاب وكلمات الأعلام حتّى يظهر لك الحال فيما هو مرادهم وما نسب إليهم وإليك عبارة ابن حمزة الذي هو الأساس في هذا المقام; قال في الوسيلة ـ بعد ذكر الأشربة التي تؤخذ من الحيوان ـ : «وأمّا ما يؤخذ من الأشربة من غير الحيوان، ضربان: مسكر وغير مسكر، فالمسكر نجس حرام، ثمّ قال: وغير المسكر ضربان: ربّ وغيره ثمّ قال: وغير الربّ ضربان امّا جعل فيه شيء من المسكرات ويحرم شربه وينجس بوقوع المسكر فيه أو لم يجعل فيه شيء منها، فإن كان عصيراً لم يخل امّا غلى أو لم يغل فإن غلى لم يخل امّا غلى من قبل نفسه أو بالنار، فإن غلى من قبل نفسه حتّى يعود أسفله أعلاه حرم ونجس إلاّ أن يصير خلاًّ بنفسه أو بفعل غيره فيعود حلالاً طيّباً، وإن غلى بالنار حرم شربه حتّى يذهب على النار نصفه ونصف ثلثه ولم ينجس، أو يخضب الإناء ويعلق به ويحلو».

وأنت ترى انّ كلامه ظاهر بل صريح في التفصيل بين المغلى بنفسه والمغلى بغيره ـ أي بالنار ـ من جهة الغاية ومن جهة الحكم بالنجاسة بعد الفراغ عن عدم كونه

الصفحة 168

مسكراً فإنّ قوله: فإن كان عصيراً، تفريع على غير الرب من غير المسكر فليس من التفصيل بين المغلي من قبل نفسه والمغلي بالنار من جهة المسكرية وعدمها في كلامه عين ولا أثر. نعم قد عرفت ثبوت التفصيل من جهتين: إحداهما غاية الحرمة حيث جعلها في المغلي بنفسه صيرورته خلاًّ وفي المغلي بالنار ذهاب الثلثين الذي عبّر عنه بالنصف ونصف الثل أو خضب الاناء وثانيتهما الحكم بالنجاسة في الأوّل دون الثاني، فنسبة التفصيل إليه في المسكرية كما قد عرفت من شيخ الشريعة، غير صحيحة.

وقال الشيخ (قدس سره) في النهاية: «كل ما اُسكر كثيره فالقليل منه حرام لا يجوز استعماله بالشرب والتصرّف فيه إلى أن قال: والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل وحدّ الغليان الذي يحرم ذلك هو أن يصير أسفله أعلاه فإذا غلى حرم شربه وبيعه إلى أن يعود إلى كونه خلاًّ، وإذا غلى العصير على النار لم يجز شربه إلى أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه».

وأنت خبير بأنّ ظاهر كلامه موافقته مع ابن حمزة في غاية الحلية وجعلها في المغلي بالنار ذهاب الثلثين وفي المغلي بنفسه عوده إلى كونه خلاًّ وليس في كلامه إشارة إلى ثبوت التفصيل من جهة النجاسة بل يمكن أن يستظهر من كلامه عدم نجاسة العصير مطلقاً فإنّ ذكر العصير عقيب المسكر لا دلالة له ولا إشعار بكون الغليان المحرم له إنّما هو لأجل الإسكار وعلى تقديره فالتفصيل من هذه الجهة بين المغلي بالنفس والمغلي بالنار لا يستفاد من كلامه قطعاً.

وقال المحقّق في «المعتبر»: «وفي نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردّد امّا التحريم فعليه إجماع فقهائنا إلى أن قال: والوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتّى يذهب الثلثان ووقوف النجاسة على الاشتداد». ولا يظهر من كلامه الموافقة مع

الصفحة 169

ابن حمزة بوجه.

فانقدح انّ ابن حمزة متفرّد بالتفصيل المذكور وهو نجاسة المغلي بنفسه مع عدم إسكاره وعدم النجاسة في المغلي بالنار.

ثمّ إنّ الشيخ المذكور زعم أنّ في المسألة إعضالات لا تنحلّ إلاّ بالالتزام بمسكرية العصير المغلي بنفسه قال في رسالته الموضوعة في هذا الباب المسمّاة بـ «إفاضة القدير»:

الإعضال الأوّل: إنّ الروايات المتضمّنة لحرمة العصير المطبوخ كلّها مغياة بذهاب الثلثين ولم يتّفق التحديد بذهابهما إلاّ فيما تضمن لفظ الطبخ أو ما يساوقه كالبختج والطلا، وامّا الروايات الحاكمة بتحريم العصير بالغليان فكلّها خالية عن التحديد بهما.

وقد جعل هذا الاختلاف شاهداً على انّ العصير المغلي بنفسه مسكر نظراً إلى انّ الغليان إذا اسند إلى الشيء الذي يحدث فيه تارة بسبب واُخرى باقتضاء نفسها، من غير ذكر السبب يكون المراد به هو حصوله بالنفس لا بالسبب.

ولكن يرد عليه:

أوّلاً: إنّ هذه الروايات ـ على فرض كونها كما زعمها ـ لا تدلّ على أكثر من انّ غاية الحرمة فيما غلى بنفسه ليست هي ذهاب الثلثين بل ذهابهما غاية فيما إذا غلى بالنار وانطبق عليه عنوان المطبوخ وشبهه وكيف يمكن استفادة مسكرية العصير المغلي بالنفس من الاختلاف من جهة الغاية كما هو واضح.

وثانياً: إنّ ما أفاده من انّ الغليان إذا اسند إلى الشيء كان المراد به هو حصوله بنفسه لا بالسبب ممّا لا يتمّ ولا يساعده الدليل فانّ المتبادر من الغليان ـ عرفاً ولغةً ـ هو الفوران والقلب بقوّة وهما لا يتحقّقان فيما غلى من قبل نفسه مع انّ كلمات

الصفحة 170

اللغويين مخالفة لما أفاده ففي «المنجد»: غلت القدر جاشت بقوّة الحرارة، وظاهره انّ ما غلى بنفسه لا يطلق عليه الغليان حقيقة، وعن «المجمع»: غلت القدر غلياناً إذا اشتدّ فورانها، فليست مادّة الغليان ظاهرة في الغليان الحاصل من قبل نفس الشيء لو لم تكن ظاهرة في عكسه.

ودعوى: انّه لا مجال لإنكار انّ الغليان إذا اُسند إلى الشيء مطلقاً وبدون ذكر السبب يكون ظاهر إطلاقه ما يحصل للشيء من قبل نفسه.

ممنوعة لأنّه إذا ذكر مطلقاً يكون مقتضى إطلاقه الشمول لجميع الأفراد على البدل من دون فرق بين ما يحصل بنفسه وما يتحقّق بالسبب، والانصراف يحتاج إلى كثرة الاستعمال وهي غير متحقّقة فيه لو لم نقل بتحقّقها في ما يحصل بالسبب كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك ما أفاده بعض الأعلام من أنّ الغليان لا يعقل أن يستند إلى نفس العصير فانّه لو صبّ في ظرف وجعل في ثلاجة أو غيرها ممّا لا تؤثر فيه حرارة خارجية فلا محالة تبقى مدّة من الزمان ولا يحدث فيه الغليان أصلاً، وعليه فالغليان غير مسبّب عن نفس العصير بل دائماً مستند إلى أمر خارجي من نار أو حرارة الهواء والشمس.

وثالثاً: انّ ما استند إليه من الروايات التي ذكر فيها الغليان ولم يتعرّض للتحديد بذهاب الثلثين لا يعطي ما رامه من انّ حدّ الحرمة تبدّل العنوان:

امّا صحيحة حمّاد أو حسنته عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحرم العصير حتّى يغلي. فهي بصدد بيان حكم ما قبل الغليان وانّه ليس بحرام في هذه الصورة لا بيان بقاء الحرمة إلى ذهاب الموضوع وتبدّل العنوان كما هو ظاهر.

وامّا روايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً قال: سألته عن شرب العصير

الصفحة 171

قال: تشرب ما لم يغل، فإذا غلى فلا تشربه، قلت: أيّ شيء الغليان؟ قال: القلب. فهي أيضاً لبيان غاية الحلية وانّها هي الغليان لا غاية الحرمة ولا دلالة لها على كون غاية الحرمة هي تبدّل العنوان ويشهد له ملائمة جعل الغاية لها ذهاب الثلثين أيضاً بقوله فإذا غلى فلا تشربه حتّى يذهب ثلثاه كما لا يخفى.

وامّا موثّقة ذريح قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إذا نشّ العصير أو غلا حرم. فهي كالنص في خلاف مدعاه لأنّه قد حكم فيها بالحرمة على موضوعين أحدهما ما إذا نشّ العصير من قبل نفسه ثانيهما ما إذا غلى العصير ولم يتعرّض للتحديد في شيء منهما فهي مخالفة لدعواه ولذا تشبّث بدعوى انّ الرواية في النسخ المصحّحة من الكافي به «الواو» وفي التهذيب: «أو» وانّ الأوّل أصحّ لأضبطية الكافي من التهذيب.

وفيه: إنّ الرواية على ما هو الموجود في كتب الأخبار والفقه واللغة كمجمع البحرين انّما هي بـ «أو» ولم يشر أحد منهم إلى اختلاف نسخ الكافي أو هي مع غيرها وأضبطية الكافي انّما تجدي إذا ثبت كونها كذلك في الكافي فالأصحّ في الرواية العطف بـ «أو» على ما في الكتب الصحيحة من الأخبار وعليه فالرواية تهدم أساس ما بنى عليه من التفصيل بين ما نش بنفسه أو غلى بغيره.

وامّا مرسلة محمد بن الهيثم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته أيشربه صاحبه؟ فقال: إذا تغيّر عن حاله وغلا فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه. فلا يمكن أن يستظهر منها انّها لبيان حكم خصوص العصير الذي غلى بالنار فقط لأنّه ـ على هذا ـ يكون قوله (عليه السلام): «إذا تغيّر عن حاله وغلا» تكراراً لقول السائل: «العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي» مع انّ ظاهر الجواب إفادة قاعدة كلّية وبيان حكم عام يشمل مورد السؤال وغيره وهي

الصفحة 172

انّ العصير مطلقاً إذا غلى وتغيّر عن حاله... وكيف كان لا وجه لدعوى اختصاصها بما إذا غلى العصير بالنار.

الإعضال الثاني: انّه قد ورد في صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام)انّه قال: كل عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه. وحيث إنّ الحرمة المغياة بذهاب الثلثين قد رتّبت على العصير الذي أصابته النار فيستفاد منها ان ما لم تصبه النار من العصير كما إذا غلى بسبب آخر لا ترتفع حرمته بذهاب الثلثين وإلاّ فما وجه تقييده العصير بما أصابته النار؟! ودعوى انّ القيد توضيحي خلاف ظاهر التقييد لأنّ القيود محمولة على الاحتراز حتّى فيما إذا ورد القيد مورد الغالب كالقيد الثاني في الآية المباركة: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ)(1) فانّه أيضاً احترازي مع وروده مورد الغالب، وامّا القيد الأوّل فيها وهو كونها في حجوركم فقد اُستفيد من الروايات عدم كونه احترازياً لو أغمض عن بعض الروايات الظاهرة في التفصيل بين اللاتي في الحجور وبين غيرهنّ من الربائب.

ولا يمكن أن يكون القيد في الرواية غير احترازي وإنّ وجوده كالعدم لأنّه لو حذف القيد يصير معنى الرواية «انّ كل عصير فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه» مع عدم حرمة العصير غير المغلي فلا محيص هنا أيضاً من التفصيل بين المغلي بالنار والمغلي بغيره.

وفيه: أوّلاً انّه لو سلم صحّة جميع ما أفاده في تفسير الصحيحة ومعنى الرواية نقول إنّ مقتضاه انّ العصير المغلي بالنار حرام وغاية حرمته ذهاب الثلثين والعصير


1 ـ النساء: 23 .

الصفحة 173

المغلي بنفسه حرام وغاية حرمته زوال العنوان وتبدّله امّا كون الحرمة في الثاني مستندة إلى الإسكار الموجب للنجاسة زائدة على الحرمة فمن أي حكم من الرواية يستفاد؟! وبعبارة اُخرى غاية مفاد الصحيحة التفصيل بين المغلي بالنفس والمغلي بالنار من جهة غاية الحرمة ولادلالة لها عليه من جهة النجاسة أيضاً.

وثانياً نقول: إنّ الصحيحة هل تكون بصدد بيان أصل الحرمة وغايتها أو الحرمة فقط دون الغاية أو الغاية فحسب؟ فعلى الأوّلين يصير مقتضى الرواية انّ إصابة النار العصير لها دخل في حرمته بحيث لو لم تصبه النار لا يتحقّق التحريم مع انّ الخصم لا يلتزم به لأنّ العصير المغلي بنفسه مضافاً إلى كونه حراماً نجس أيضاً عنده فالرواية على هذين التقديرين لا تنطبق على مدّعاه، نعم لو كانت الرواية بصدد بيان غاية الحرمة فقط مع كون أصل الحرمة معلوماً للمخاطب وغير مراد إفهامه منها لصحّ ما ذكره ولكنّه خلاف الظاهر فإنّ الإنصاف يمنع عن تخصيص الرواية بكونها في مقام بيان الغاية فقط فلا محيص من أن يقال إنّها بصدد بيان أصل الحرمة وغايتها معاً وقيد: «أصابته النار» انّما ورد لإفادة انّ طبيعة العصير ـ على إطلاقها ـ لا تكون مقتضية للحكم وترتّب الحرمة عليها بل لابدّ في ترتّب حكم الحرمة عليها من ثبوت قيد زائد على أصل الطبيعة وهو إمّا إصابة النار إيّاه وغليانه بسببه كما هو مقتضى الصحيحة أو غليانه بنفسه كما هو مفاد الروايات الكثيرة الاُخر، فانقدح انّ الرواية لا تنطبق على التفصيل المذكور أصلاً.

الإعضال الثالث: انّه قد وقع في موثّقة عمّار ما لم يهتد إلى سرّه أغلب الواقفين عليها، قال عمّار: وصف لي أبو عبدالله (عليه السلام) المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً فقال (عليه السلام) لي: تأخذ ربعاً من زبيب وتنقيه، ثمّ تصبّ عليه اثنى عشر رطلاً من ماء ثمّ تنقعه ليلة فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينش جعلته في تنوّر سخن قليلاً حتّى

الصفحة 174

لا ينش ثم تنزع الماء منه كلّه إلى أن قال: ثمّ تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان ويبقى الثلث.

قال (قدس سره) : «إنّ هذه الفقرة ممّا تحيّر الناظر من وجهين:

أحدهما: انّه إذا نشّ خارج التنوّر فهو بان ينش فيه أولى فكيف داواه بما يضاعفه؟

ثانيهما: انّه أمره بعد ذلك بالتثليث، فالنشيش ليس فيه محذور يخاف منه، ولو فرض خوف فيندفع بعد الغليان والتثليث».

ثمّ حلّ المعضلة بأنّه إذا نش بنفسه حدث فيه الإسكار وبطل المقصود إذ لابدّ من إراقته أو تخليله، فالمراد من قوله (عليه السلام) : «حتّى لا ينش» أي لا ينش بنفسه حتّى حدث فيه الإسكار بخلاف ما نش بالنار فانّه يحل بذهاب الثلثين.

وفيه أوّلاً: ما عرفته في الجواب عن بعض الاعضالات السابقة من انّ غاية ما يستفاد من هذه الرواية انّ غاية الحرمة في العصير المغلي بنفسه هي تبدّل العنوان وفي المغلي بالنار ذهاب الثلثين وأين هو من كون سبب الحرمة في الأوّل هو الإسكار الموجب للتحريم والنجاسة معاً فتدبّر جيّداً.

وثانياً: انّه ليس في الرواية انّ النشيش بنفسه يوجب الحرمة فمن المحتمل ـ قوياًـ أن يكون الأمر بجعله في التنوّر لئلا ينش انّما هو لأجل ترتّب الخواص المرغوبة والآثار المطلوبة عليه بهذه الكيفية، ودعوى انّها بصدد بيان كيفية طبخ العصير الحلال المطبوخ فظاهرها انّه لو نش بنفسه لن يصير حلالاً بالتثليث مدفوعة بعدم إمكان التعويل علهيا في ذلك لأنّه لا يصحّ أن تكون القيود المذكورة المأخوذة فيها دخيلة في الحلّية كأخذ ربع من الزبيب بلا زيادة ولا نقيصة وصبّ اثنى عشر رطلاً من الماء عليه كذلك وغيرهما من القيود، بل نقول إنّه لو لم يكن

الصفحة 175

دليل آخر لما كان يمكن استفادة حرمة ما نشّ بنفسه من هذه الرواية فضلاً عن النجاسة.

وثالثاً: إنّ هذه الرواية مروية بطريقين أحدهما موثق والآخر مرسل والفقرة التي هي محطّ نظره مذكورة في المرسلة فقط ودعوى كونهما روايتين مدفوعة.

والصحيح في توجيه الرواية ما أفاده بعض الأعلام من انّ العصير أو غيره من الأشربة أو الأطعمة القابلة لأن يطرء عليها الضياع والحموضة إذا أصابته الحرارة بكمّ خاص منع عن فسادها ولما طرأت عليها الحموضة، فلو جعلت طعاماً على النار ـ مثلاً ـ في درجة معيّنة من الحرارة ترى انّه يبقى أيّاماً بحيث لو كان بقي على حاله من غير حرارة لفسد من ساعته كما في الصيف.

ويؤيّده انّه (عليه السلام) قال: «جعلته في تنوّر سخن قليلاً» وهو لا يوجب غليانه لقلّة مكثه فيه مع انّ مراده (عليه السلام) لو كان هو غليانه بالنار لعبّر عنه بقوله «فاغله» ولا يحتاج إلى قوله بطوله.

الإعضال الرابع: انّه قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)قال: سألته عن نبيذ قد سكن غليانه فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كل مسكر حرام. وجه الإشكال انّه قد دلّ الجواب سيّما مع ترك الاستفصال على انّ مطلق الغليان في النبيذ يوجب إسكاره غلى بنفسه أو بالنار، بل يدلّ على انّ اندراجه في موضوع الجواب ـ أي في انّه مسكرـ أمر مفروغ عنه عند السائل وهو ـ مع كونه خلاف الوجدان وصريح بعض الروايات يشكل بأنّه لو كان الغليان موجباً لاسكاره لم يكن معنى لجعل ذهاب الثلثين محلّلاً، ثمّ أجاب عنه بأنّ المراد من الغليان ما كان بنفسه فاندراجه تحت الكبرى لما كان مفروغاً عنه أجاب بما أجاب ولا مجال ـ حينئذ ـ للارتياب.

الصفحة 176

وفيه أوّلاً: انّ هذه الرواية قد وردت في النبيذ والكلام في المقام انّما هو في العصير.

وثانياً: إنّ التأمّل في الجواب يعطي انّ مراده (عليه السلام) منه انّه يلزم عليك النظر في النبيذ وملاحظة انّه هل يكون مسكراً أم لا، فإن كان مسكراً فهو حرام وإلاّ فلا، ويرشدك إلى ذلك ملاحظة هذا المثال وهو انّه لو سألت عن حكم الرمّان فأجاب المسؤول بأن كل حامض حرام فهل يستفاد من هذا الجواب انّ كل رمّان حامض وحرام أو انّ الرمان على قسمين حامض وهو حرام وغير حامض وهو ليس بحرام أو انّك ترى بطلان هذا الجواب بعد ثبوت القسمين للرمّان؟ الظاهر هو الثاني كما هو غير خفيّ.

وثالثاً: انّ موضوع السؤال في الرواية هو النبيذ الذي قد سكن غليانه لا أنّه حدث فيه الغليان ولم يسكن بعد فلو فرض ثبوت وصف الإسكار للأوّل فهو لا دلالة له على مسكرية الثاني إذ من المحتمل ـ قويّاً ـ أن يكون السبب في سكون غليانه هي صيرورته مسكراً.

فانقدح من جميع ما ذكرنا بطلان التفصيل المذكور وانّ العصير العنبي طاهر مطلقاً بمقتضى قاعدة الطهارة بعد عدم الدليل على النجاسة والله هو العالم بالحقيقة.

بقي الكلام في هذا المقام في حكم العصير العنبي من جهة الحرمة وقد عرفت انّه نفى الإشكال في المتن عنها إذا غلى بالنار ولم يذهب ثلثاه وهو كذلك فانّ حرمة العصير في الجملة مقطوع بها وقد استفاضت الروايات الدالّة عليها وانّما الإشكال والخلاف قد وقع من جهات:

الجهة الاُولى: في انّ حرمة العصير هل تتحقّق بمجرّد النشيش وإن لم يصل إلى حدّ الغليان كما قوّاه السيّد (قدس سره) في «العروة» أو لا تتحقّق قبل الوصول إلى حدّ الغليان

الصفحة 177

وتتوقّف عليه ولابدّ أوّلاً من بيان معنى النشيش والغليان فنقول: امّا النشيش فقد زعم بعض انّه عبارة عن الصوت الحاصل في الشيء قبل الشروع في الغليان ولكن اللغة لا تساعد ذلك ففي «أقرب الموارد»: نش النبيذ: غلا، وعن «القاموس» انّه الصوت الحادث مقارناً للغليان وامّا الغليان فهو كما عرفت سابقاً عن «المجمع» و«المنجد» هو القلب واشتداد الفوران.

فالبحث في هذه الجهة يتوقّف على كون النشيش حاصلاً قبل الغليان وانّه هل يحرم العصير بمجرّده أو يتوقّف على الوصول إلى حدّ الغليان ولابدّ في استكشافه من ملاحظة الروايات الواردة في الباب فنقول:

منها: صحيحة حمّاد بن عثمان ـ المتقدّمة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحرم العصير حتّى يغلي.

ومنها: صحيحته الاُخرى ـ المتقدّمة أيضاً ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن شرب العصير قال: تشرب ما لم يغل فإذا غلا فلا تشربه، قلت: أيّ شيء الغليان؟ قال: القلب وهاتان الروايتان ظاهرتان في توقّف التحريم على الغليان وعدم حصوله قبله.

ومنها: ما عن ابن أبي عمير عن محمد بن عاصم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بشرب العصير ستّة أيّام. قال ابن أبي عمير: معناه ما لم يغل.

ومنها: مرسلة محمد بن الهيثم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته أيشربه صاحبه؟ فقال: إذا تغيّر عن حاله وغلا فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه.

ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه. والظاهر ولو بقرينة الروايات الاُخر

الصفحة 178

انّ المراد من إصابة النار إيّاه هو غليانه بالنار.

ومنها: موثقة ذريح قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إذا نشّ العصير أو غلا حرم. وظاهر عطف الغليان على النشيش بـ «أو» انّهما متغايران لا بنحو يكون النشيش مقدّمة له وحاصلاً قبله فانّه على هذا التقدير يكون اعتبار الغليان لغواً فانّ الحرمة في جميع الموارد تحدث بالنشيش الحاصل قبله ولا معنى لتحصيل الحاصل. نعم لو كان العطف بالواو ـ كما اعتقده شيخ الشريعة فيما تقدّم من كلامه ـ فيمكن أن يكون المراد منهما واحداً كما قال به أقرب الموارد ويمكن أن يكونا أمرين متقارنين كما عن القاموس.

وكيف كان فالظاهر انّ مستند السيّد (قدس سره) فيما قوّاه من حصول الحرمة بمجرّد النشيش للعصير هي هذه الموثقة وقد عرفت انّه على تقدير الرواية المعروفة لا مجال لفرض كون النشيش حاصلاً قبل الغليان وإلاّ تلزم اللغوية فلا محالة يكونان أمرين متغايرين ولعل التغاير انّما هو من جهة كون النشيش هو الغليان الحاصل للعصير بنفسه أي لأجل الهواء ونحوها والغليان هو ما يتحقّق بالنار ويحصل بإصابتها ويؤيّده ـ مضافاً إلى انصراف لفظ الغليان إلى ما يحصل بالنار ـ تفسيره بالقلب في صحيحة حمّاد المتقدّمة فانّ المراد بالقلب هو تصاعد الأجزاء المتنازلة وانتقالها وتنازل الأجزاء المتصاعدة وتحوّلها وهذا أمر لا يتحقّق بغير النار ولو أبيت عن ذلك فاللازم بمقتضى الجمع بينها وبين الروايات الظاهرة بل الصريحة في عدم حصول الحرمة قبل الغليان هو حمل النشيش على ما ذكرنا وإن كان إطلاق النشيش في مورد الغليان أو العكس كما في رواية ابن أبي عمير المتقدّمة صحيحاً أيضاً وعليه فلا يبقى مجال لدعوى ثبوت الحرمة بمجرّد النشيش الحاصل قبل الغليان وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

الصفحة 179

الجهة الثانية: في انّ ذهاب الثلثين هل يكون غاية للحرمة الحاصلة للعصير مطلقاً أو لخصوص العصير المغلي بالنار، وامّا المغلي بنفسه فغايتها تبدّل العنوان وزوال الموضوع؟ صرّح السيّد (قدس سره) في «العروة» بأنّ ذهاب الثلثين يصيّره حلالاً سواء غلى بالنار أو بنفسه ولكن جماعة من الأصحاب زعموا انّ ذهاب الثلثين غاية الحرمة في خصوص المغلي بالنار، وامّا المغلي بنفسه فغاية حرمته تبدّل العنوان وهو ظاهر عبارتي الشيخ وابن حمزة في النهاية والوسيلة المتقدّمتين، وربّما يستدلّ لهما بمفهوم صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة الدالّة على انّ كل عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه حيث إنّ مفادها انّ كل عصير لم تصبه النار فهو ليس بحرام بالحرمة الكذائية المغياة بذهاب الثلثين فغاية حرمة العصير الذي لم تصبه النار ليست ذهاب الثلثين وليس هناك شيء آخر فلابدّ من الالتزام ببقاء حرمته إلى أن يتبدّل العنوان ويصير خلاًّ مثلاً.

ويرد عليه ما عرفت من انّ مفهوم القضية الوصفية انّ الموصوف وحده مع تجرّده عن الوصف لا يكون موضوعاً للحكم ولا ينافي ذلك قيام وصف آخر مقامه في ثبوت سنخ ذلك الحكم فقوله: «أكرم الإنسان العادل» يستفاد منه انّ طبيعي الإنسان لا يكون موضوعاً لوجوب الإكرام ولا ينافي ذلك قيام العلم مقام العدالة وثبوت وجوب الإكرام للإنسان العالم بدليل آخر ولا يكون بين الدليلين منافاة أصلاً وإن أبيت إلاّ عن كون الوصف علّة منحصرة وحيدة فنحن نمنع المفهوم ـ حينئذ ـ جدّاً ففي المقام نقول إنّ المستفاد من الصحيحة عدم كون العصير بنفسه موضوعاً تامّاً للحكم بالحرمة بل لابدّ من ثبوت وصف زائد على كونه عصيراً فلا ينافي قيام وصف آخر مثل حرارة الشمس والهواء مقام إصابة النار وعليه فالرواية لا تنفي غايتية الذهاب بالإضافة إلى العصير الذي لم تصبه النار فتدبّر.

الصفحة 180

وممّا ذكرنا ظهر الجواب عن الاستدلال لهما برواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) وسُئل عن الطلا فقال: إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال وما كان دون ذلك فليس فيه خير. بتقريب انّ مفهومها انّه إن لم يطبخ حتّى يصير كذا فليس بحلال ويشمل المفهوم ما لو لم يطبخ أصلاً. فانّه يرد عليه ـ مضافاً إلى ضعف المفهوم بهذا النحو فيها جدّاً بعد كون الموضوع هو الطلا الذي هو العصير المطبوخ ـ انّ مفهومها انّ ما طبخ لا حتّى يذهب منه اثنان فليس بحلال كيف وإلاّ يلزم دلالتها على حرمة العصير قبل الطبخ أيضاً.

وقد يستدلّ على كون الغاية مطلقاً ذهاب الثلثين بروايات:

منها: رواية أبي الربيع الشامي ـ المتقدّمة ـ الواردة في منازعة آدم وابليس، المشتملة على انّ الثلث الباقي بعد دخول النار وذهاب الثلثين انّما هو لآدم. بتقريب انّ المستفاد منها انّ التثليث مطلقاً موجب لزوال الحرمة.

ومنها: موثقة زرارة ـ المتقدّمة أيضاً ـ المشتملة على معارضة ابليس ونوح في النخلة، الدالّة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : «فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل واشرب. بتقريب انّ المستفاد منها أيضاً انّ حظّ إبليس هو الثلثان فإذا ذهب فليس فيه نصيب له فهو حلال.

ومنها: سائر الروايات الواردة بهذا المضمون.

والحقّ انّه لا دلالة لشيء منها على ذلك لعدم كون الروايات بصدد بيان غاية الحرمة بوجه ولا إطلاق فيها من هذه الجهة فهل ترى من نفسك أن تقول بأنّه يستفاد منها حرمة نفس العنب أيضاً لوجود نصيب الشيطان فيه أو حرمة طبيعة العصير وان لم يغل بل ولم ينش ـ على تقدير كون النشيش حاصلاً قبل الغليان ـ لوجوب نصيب الشيطان فيه أيضاً.

الصفحة 181

نعم مرسلة ابن الهيثم ـ المتقدّمة ـ المشتملة على قوله (عليه السلام): «إذا تغيّر عن حاله وغلا فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه». تدلّ على العموم ـ بناءً على ما ذكرنا من عموم الجواب وعدم اختصاصه بالعصير المطبوخ بالنار، المذكور في السؤال ـ ولكنّها مرسلة لا مساغ للاتكال عليها والفتوى على طبقها.

وبالجملة: لا دليل على حلّية العصير المغلي بنفسه بذهاب الثلثين والمرجع بعد عدم الدليل استصحاب الحرمة الحاصلة قبل التثليث ولا مجال لاجراء قاعدة الحلّية.

الجهة الثالثة: في انّ التثليث الذي يوجب حلية العصير المغلي بالنار هل يلزم أن يتحقّق بالنار أو يتحقّق بمثل الشمس والهواء أيضاً؟ قد صرّح السيّد (قدس سره) في «العروة» بالثاني حيث قال: وإذا ذهب ثلثاه صار حلالاً سواء كان بالنار أو بالشمس أو بالهواء. والظاهر انّ مستنده في ذلك هي الإطلاقات مع انّه لا إطلاق في المقام يمكن التمسّك به والأخبار المشتملة على حلّية العصير بذهاب الثلثين انّما وردت في خصوص ذهابهما بالنار نحو قوله (عليه السلام) : إن طبخ العصير حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ونظير ذلك.

نعم رواية: «كل عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه» يمكن الاستدلال بها على مذهب السيّد لو كان بصدد بيان أصل الحرمة وغايتها معاً ولكنّه خلاف الظاهر فانّ الظاهر كونها في مقام بيان الحرمة فقط وامّا ذكر الغاية فيصير مجملاً لا يمكن أن يتمسّك بها لغير موردها.

كما انّ مرسلة محمد بن الهيثم يمكن التمسّك بإطلاقها له ـ بناءً على ما ذكرنا في معناها من عموم الجواب ـ ولكنّها مرسلة لا يجوز الاستناد بها.

فلم يبق ممّا يمكن التمسّك به له إلاّ ما ورد في بعض الأخبار من انّ العصير إذا

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>