جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، النجاسات و أحكامها « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 402

الموارد التي لا يكون خبر الواحد فيها حجّة والحكم بعدم ثبوتها في جميع الموارد إلاّ ما خرج بالدليل كما هو واضح.

الوجه الثاني: عموم مفهوم آية النبأ وشموله لخبر العادل في الموضوعات خصوصاً مع ملاحظة نزولها في مورد الأخبار بالموضوع وهو ارتداد بني المصطلق على ما هو المذكور في التفاسير.

وفيه: إنّ هذا الوجه إنّما يتمّ على تقدير تمامية الاستدلال بالآية المذكورة لحجّية خبر الواحد في باب الأحكام وقد حقّقنا في مبحث حجّية خبر الواحد من علم الاُصول عدم التمامية فراجع.

الوجه الثالث: وهو العمدة استمرار السيرة العقلائية وجريانها على الأخذ بأخبار الموثّقين والاعتماد عليها فيما يرجع إلى معاشهم ومعادهم وقد أمضاها الشارع بعدم الردع عنها مع كونها بمرئى منه ومسمع، ومن الظاهر عدم اختصاص هذه السيرة بباب دون باب وإن حال الموضوعات الخارجية والأحكام عندهم سواء فلا مناص من الإيكال عليها والحكم بحجّية خبر الواحد في الموضوعات أيضاً.

والجواب: إنّ رواية مسعدة بن صدقة ـ المتقدّمة ـ الدالّة على اعتبار البيّنة رادعة عن هذه السيرة قطعاً لا لأجل كونها في مقام حصر الحجّة في شهادة العين بعد الاستبانة والعلم حتّى ينتقض بالاستصحاب والإقرار وحكم الحاكم. وقد عرفت عدم كونها في هذا المقام أصلاً، بل لأجل انّه لو كان خبر العدل الواحد حجّة في الموضوعات يصير اعتبار البيّنة والحكم بحجّيتها لغواً فإنّ البيّنة على ما مرّ لا تكون في الرواية إلاّ بمعنى شهادة العدلين فإذا كان خبر العدل الواحد حجّة يصير ضمّ الآخر إليه لغواً كالحجر في جنب الإنسان ضرورة انّ الاختلاف بينهما إنّما هو في

الصفحة 403

الوحدة والتعدّد فإذا كانت الوحدة كافية فلا مجال لجعل المتعدّد موضوعاً وليس الفرق بينهما كالفرق بين البيّنة وبين الاستصحاب مثلاً فانّهما متخالفان وجعل أحدهما موضوعاً للحجّية لا ينفي كون الآخر أيضاً كذلك وهذا بخلاف المقام، كما انّه لو قيل بتعميم الحكم لخبر الواحد الثقة ولو لم يكن عادلاً تلزم اللغوية من جهتين فإنّ اعتبار العدالة ـ على ما هو معنى البيّنة في الرواية ـ لا يجتمع مع كفاية الوثاقة كما انّ اعتبار التعدّد لا يجتمع مع كفاية الوحدة فالإنصاف انّ رواية مسعدة الدالّة على اعتبار خبر العدلين في ثبوت الموضوعات تدلّ على عدم الاكتفاء بالواحد مقام المتعدّد وبالوثاقة مقام العدالة فهي صالحة للرادعية عن السيرة المذكورة فلم يثبت حجّية خبر العادل الواحد فضلاً عن الثقة، لأجله استشكل في الاكتفاء به في المتن كما عرفت.

بقي الكلام في هذه المسألة فيما أفاده في المتن من عدم ثبوت النجاسة وكذا الطهارة ما ثبتت نجاسته بالظنّ وإن كان قويّاً وكذا بالشكّ إلاّ في مورد الاستبراء.

أقول: امّا عدم الثبوت بالشكّ فواضح ضرورة انّه القدر المسلّم من مورد جريان أصالة الطهارة الجارية في المقام الأوّل واستصحاب النجاسة الجاري في المقام الثاني فلا مجال للاكتفاء به في ثبوت النجاسة أو الطهارة. نعم قد مرّ البحث في مورد الاستبراء فراجع.

وامّا عدم الثبوت بالظنّ فالظاهر انّه لابدّ من التفصيل بين الظنّ القوي البالغ مرتبة الاطمئنان الذي يعبّر عنه بالعلم العادي العقلائي ويكون احتمال خلافه موهوماً عند العقلاء في الغاية بحيث لا يكون مورداً لاعتنائهم بوجه ولذا يعبّر عنه بالاطمئنان الذي معناه خلوّ الذهن عن الاضطراب الناشئ من الترديد وحصول الطمأنينة والسكون له وبين غيره من الظنون بالقول بحجّية القسم الأوّل فانّه حجّة

الصفحة 404

عقلائية، والنكتة فيه انّ «العلم» في مثل قوله (عليه السلام) : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر، لابدّ وأن يؤخذ من العرف كسائر العناوين والموضوعات المأخوذة في لسان الأدلّة، والاطمئنان الذي يكون احتمال خلافه موهوماً عند العقلاء بحيث لا يعتنون به يكون علماً عندهم وإن لم يكن بعلم عندهم، فما ظنّ نجاسته بالظنّ القوي البالغ مرتبة الاطمئنان نجس بمقتضى قوله (عليه السلام) : فإذا علمت فقد قذر لأنّه من المعلوم نجاسته عرفاً.

ولا فرق فيما ذكرنا من عدم جريان الأصل مع حصول الظنّ القوي البالغ مرتبة الاطمئنان وجريانه فيما إذا لم يبلغ وإن كان الظنّ قوياً بين الاُصول العملية وإن كانت أدلّتها مختلفة حيث إنّه في بعضها قد أخذ الشكّ في الموضوع كدليل الاستصحاب وفي بعضها قد جعل العلم غايته كقوله (عليه السلام) : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر، وذلك ـ أي وجه عدم الفرق ـ انّ الشكّ في اللغة بمعنى خلاف اليقين فيشمل الظنّ والشكّ المصطلح والوهم.

نعم قد عرفت انّ الظنّ القوي البالغ مرتبة الاطمئنان داخل عرفاً في العلم واليقين، وعلى تقدير عدم كونه كذلك لغة يكون مقتضى المقابلة بينه وبين اليقين في أدلّة الاستصحاب هو الحمل على كون المراد به خلاف اليقين.

فانقدح ممّا ذكرنا وجه جريان الاُصول العملية في مورد الظنّ بخلافها وعدم جريانها إذا كان الظنّ علماً عرفاً فتدبّر جيّداً.

الصفحة 405

مسألة 4 ـ العلم الإجمالي كالتفصيلي فإذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما إلاّ إذا لم يكن أحدهما قبل حصول العلم محلاًّ لابتلائه فلا يجب الاجتناب عمّا هو محلّ ابتلائه، وفي المسألة إشكال وإن كان الأرجح بالنظر ذلك، وفي حكم العلم الإجمالي الشهادة بالإجمال إذا وقعت على موضوع واحد، وامّا إذا لم ترد شهادتهما عليه ففيه إشكال فلا يترك الاحتياط فيه وفيما إذا كانت شهادتهما بنحو الإجمال حتّى لديهما 1.

1 ـ أقول: امّا كون العلم الإجمالي ـ الذي يكون المراد به هي الشبهة المحصورة كما يظهر من التفريع ـ كالتفصيلي فلأجل كونه أيضاً منجّزاً عند العقلاء لأنّ التنجيز ليس إلاّ مجرّد صحّة احتجاج المولى على العبد وجواز عقوبته على مخالفة التكليف الواقعي كما يظهر بالمراجعة إلى العقلاء الذين هم المرجع في مثل المقام ممّا يرجع إلى الإطاعة والعصيان وما يترتّب عليهما من استحقاق الجنان والنيران وغيره من الآثار، ومن الواضح انّه لا فرق عندهم في تنجّز التكليف المعلوم بين ما إذا كان تعلّق العلم به على سبيل التفصيل أو كان تعلّقه به على نحو الإجمال بأن كان المعلوم مردّداً بين أمرين أو أزيد، فكما انّه يكون العبد عاصياً مستحقّاً للعقوبة فيما لو ارتكب الخمر المعلوم تفصيلاً كذلك يكون مستحقّاً لها فيما لو شرب جميع الأواني التي يكون في أحدها الخمر إجمالاً أو الآنية المشتملة عليها كما لا يخفى.

وامّا استثناء صورة ما إذا لم يكن أحدهما قبل حصول العلم محلاًّ لابتلائه فهو يبتني على ما هو المشهور بين من تأخّر عن الشيخ الأنصاري (قدس سره) من انّ من شرائط تنجيز العلم الإجمالي كون جميع الأطراف محلاًّ للابتلاء حال حدوث العلم وحصوله، والأصل في هذا الشرط ـ مع انّ القدرة العقلية متحقّقة ـ حكم العرف والعقلاء باستهجان توجّه التكليف بالاجتناب عمّا لا يكون محلّ ابتلائه بأن يقال

الصفحة 406

له: اجتنب عن الخمر الموجودة في الناحية البعيدة من الأرض التي لا تكون محل ابتلاء المكلّف بوجه، أو يقال له: اجتنب عن الخمر الموجودة في القمر ـ مثلاًـ فمن ذلك يستكشف انّ من شرائط حسن توجّه التكليف وعدم استهجانه أن يكون المكلّف به مورداً لابتلاء المكلّف بحيث لو لم يكن هناك تكليف كان من الممكن تحقّقه منه وارتكابه له وعليه فلو كان أحد أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن الابتلاء قبل حصول العلم وحدوثه لا يتحقّق للمكلّف العلم بالتكليف على كل تقدير لأنّ ثبوته انّما هو على تقدير كون متعلّقه غير الطرف الخارج عن محل الابتلاء وهو غير معلوم، فيصحّ أن يقال: إنّ من شرائط تنجيز العلم الإجمالي كون جميع أطرافه مورداً للابتلاء.

هذا ولكن الذي حقّقه الماتن ـ دام ظلّه ـ في مباحثه الاُصولية انّ العلم الإجمالي منجّز على أي نحو كان ـ ولو كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء بالإضافة إلى بعض المكلّفين ـ لعدم توجّه الخطاب الشرعي إلى خصوص ذلك المكلّف حتّى تلزم البشاعة والاستهجان فإنّ الخطابات الشرعية بأجمعها متوجّهة إلى عموم المكلّفين ولا ينحل كلّ واحد منها إلى خطابات متعدّدة حسب تعدّد المكلّفين فانّ الخطاب واحد والمخاطب متعدّد ولا يوجب تعدّد المخاطب تعدّد الخطاب أصلاً، وفي هذا النحو من الخطاب لا مجال لملاحظة أحوال آحاد المكلّفين من حيث ثبوت الابتلاء وعدمه لعدم تحقّق الاستهجان مع عدم الابتلاء بإضافة إلى بعض المكلّفين كما هو ظاهر، وعليه فلا مجال لهذا الاشتراط في باب تنجيز العلم الإجمالي وقد مرّ الكلام في ذلك في بعض المباحث السابقة، ولكنّه يظهر من المتن هذا الميل إلى ما هو المشهور بين الشيخ الأنصاري ومن تأخّر عنه من مدخلية الابتلاء بجميع الأطراف في المنجزية ولعل منشأه انّ الأرجح بالنظر استلزام تعدّد

الصفحة 407

المخاطب لتعدّد الخطاب وانحلال الخطابات الشرعية العامّة إلى الخطابات المتعدّدة حسب تعدّد المكلّفين والتحقيق في محلّه. هذا كلّه فيما يتعلّق بالعلم الإجمالي.

وامّا الشهادة بالإجمال فتارة يكون المراد بها هو قيام البيّنة على نجاسة أحدهما المعيّن ولكنّه تردّد المكلّف بعده بين أن يكون ما قامت البيّنة على نجاسته هل هو هذا الثوب مثلاً أو ذلك الثوب فالإجمال إنّما نشأ من المكلّف من دون أن يكون في أصل الشهادة إجمال، واُخرى يكون المراد بها هو قيام البيّنة على نجاسة أحد الثوبين بنحو الإجمال بأن لم يكن الثوب النجس معلوماً للشاهدين إلاّ بنحو الإجمال ولم يشهدا إلاّ بمثل ذلك.

امّا إذا كان المراد بها المعنى الأوّل فقد فصل فيه في المتن بين ما إذا وقعت الشهادة على موضوع واحد فهي حجّة معتبرة وبين ما إذا لم ترد عليه فاستشكل فيه والظاهر انّ مراده من الموضوع الواحد هي الوحدة النوعية في النجاسة التي يشهدان بها بأن كان مورد الشهادة هي النجاسة الحاصلة من الدم ـ مثلاً ـ أو من البول ـ كذلك ـ ولم يفترقا من هذه الجهة بأن شهد أحدهما بنجاسة الثوب من جهة ملاقاته للدم والاُخرى بنجاسته من ناحية ملاقاة البول، والوجه في حجّية الشهادة الإجمالية في هذه الصورة إطلاق دليل حجّية البيّنة وشمولها للشهادة الإجمالية بهذه الكيفية فإنّ قيام البيّنة على نجاسة الثوب المعيّن لا يخرج عن وصف الحجّية بمجرّد تردّد المكلّف وزوال وصف التعين بنظره، هذا مع وحدة الموضوع، وامّا مع تعدّده وعدم ورود الشهادة على الموضوع الواحد بالمعنى المذكور فالوجه في الاستشكال فيه انّ المستفاد من دليل حجّية البيّنة اعتبارها فيما إذا شهدا بشيء واحد والدم والبول أمران متعدّدان وإن كانا مشتركين في أصل النجاسة إلاّ انّهما نوعان منهما ولهما آثار مختلفة من تعدّد الغسل وعدمه بل الظاهر انّه مع عدم

الصفحة 408

اختلاف الآثار أيضاً يشكل الحكم بالحجّية بعد اختلاف الشاهدين في النوع وإن كانا متوافقين في الجنس فتدبّر.

وامّا إذا كان المراد بها المعنى الثاني الذي يرجع إلى ثبوت الإجمال عند الشاهدين أيضاً فالظاهر انّ مقتضى إطلاق دليل حجّية البيّنة الشمول للشهادة الإجمالية بهذا المعنى أيضاً فانّ قيام البيّنة على نجاسة أحد الإنائين كالعلم بنجاسة أحدهما، فكما انّه يجب الاجتناب عن كليهما مع العلم الإجمالي بالنجاسة كذلك يجب مع قيام البيّنة على النجاسة بنحو الإجمال.

ثمّ إنّ الحكم بالنهي عن ترك الاحتياط في القسمين الأخيرين وبجريان حكم العلم الإجمالي في الشهادة الإجمالية في القسم الأوّل مع انّ حكم العلم الإجمالي ليس إلاّ الاحتياط اللزومي ممّا لا يستقيم فإنّ الاحتياط في جميع الأقسام ـ على هذا ـ احتياط لزومي عقلي فلا اختلاف بينها من هذه الجهة مع انّ المستفاد من العبارة وجود الاختلاف كما انّ التعبير عن وحدة النوع بالموضوع الواحد أيضاً لا يخلو عن مناقشة فانّ الظاهر من عنوان «الموضوع الواحد» كون الشيء الذي تقع الشهادة عليه واحداً بأن شهدا بنجاسة هذا الثوب مثلاً مع انّ المراد منه هو وحدة النوع كما عرفت، إلاّ أن يكون مراد العبارة شيئاً آخر غير ظاهر لنا فتدبّر جيّداً. كما انّ التعبير عن القسم الأوّل والثاني بالشهادة بالإجمال مع انّ الظاهر من هذه العبارة هو القسم الأخير أيضاً غير مستقيم.

الصفحة 409

مسألة 5 ـ لو شهد الشاهدان بالنجاسة السابقة وشكّ في زوالها يجب الاجتناب 1.

1 ـ الوجه في وجوب الاجتناب هو جريان استصحاب النجاسة الثابتة بقيام البيّنة عليها وقد حقّق في باب الاستصحاب انّ جريانه لا يختصّ بما إذا كانت الحالة السابقة معلومة بالعلم الوجداني بل يجري فيما لو كانت الحجّة قائمة عليها والمراد من اليقين المأخوذ في دليل الاستصحاب المحكوم بحرمة نقضه بالشكّ هي الحجّة القائمة الدالّة على ثبوت الحكم أو الموضوع، كما انّ المراد من بالشكّ هو عدم قيام الحجّة على نقض الحجّة السابقة فكما انّ قيام البيّنة على طهارة ما كان في السابقة نجساً يمنع عن جريان استصحاب النجاسة كذلك قيام البيّنة على النجاسة السابق موجب لجريان استصحابها كما لا يخفى.

الصفحة 410

مسألة 6 ـ المراد بذي اليد كل من كان مستولياً عليه سواء كان لملك أو إجارة أو إعارة أو أمانة، بل أو غصب فإذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو المولى أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة، بل وكذا إذا أخبرت المربية للطفل بنجاسة ثيابه، نعم يستثنى من الكلّية المتقدّمة قول المولى بالنسبة إلى عبده فان في اعتبار قوله بالنسبة إلى نجاسة بدن عبده أو جاريته ولباسهما الذي تحت يديهما إشكالاً، بل عدم اعتباره لا يخلو من قوّة خصوصاً إذا أخبر بالطهارة فإنّ الأقوى اعتبار قولهما لا قوله 2.

(2) امّا اعتبار أخبار ذي اليد في الموارد المحكومة بالاعتبار في المتن فلأجل ما عرفت من انّ عمدة الدليل على حجّية قول ذي اليد هي السيرة العقلائية على ترتيب الأثر على قوله والأخذ بخبره ولم يردع عنها في الشريعة والنكتة فيه كونه أعرف بحال ما في يده وخصوصياته، ومن الظاهر عدم الفرق في ذلك بين أنحاء الاستيلاء وأنواع الثبوت في اليد حتّى لو أحرز كون الاستيلاء انّما هو على سبيل الغصب لا يقدح ذلك في اعتبار قول الغاصب من جهة ثبوت النجاسة والطهارة أصلاً، فالملاك هو الاستيلاء الكاشف عن الأعرفية ولأجله يكون اخبار الزوجة والخادمة والمملوكة بالنسبة إلى ثياب الزوج والمولى وظروف البيت وكذا اخبار المربية للطفل معتبراً لجريان السيرة في جميعها.

وامّا استثناء قول المولى بالنسبة إلى نجاسة بدن العبد أو الجارية أو لباسهما الذي تحت يديهما فلأجل انّ المولى لا يكون متصدّياً لطهارة بدن المملوك ولباسه لكونه مستقلاًّ في الوجود والإرادة ومتصدّياً بنفسه لطهارة نفسه وما في يده ونجاستهما وإن كان مملوكاً لا يقدر على شيء.

وبالجملة لم تثبت سيرة من العقلاء على اعتبار قول السيّد في عبده ومتعلّقاته

الصفحة 411

التي كانت باختياره وإرادته. نعم لو اخبر المملوك بنجاسة ثوبه أو غيره ممّا في يده وتحت سلطانه واستيلائه يكون قوله معتبراً، كما انّك عرفت اعتبار قول المملوكة بالإضافة إلى ثياب المولى أيضاً. نعم لو أقرّ المولى بكون العبد أو ثوبه لزيد ـ مثلاً ـ فمقتضى جواز إقرار العقلاء على أنفسهم نفوذ هذا الإقرار وثبوت العبد أو ثوبه لزيد المقرّ له به، ولكن الإقرار غير الإخبار بالنجاسة والملاك فيهما مختلف وإن كان يظهر من بعض الأعلام تبعاً للمحقّق الهمداني (قدس سره) فيما لو اخبر ذو اليد بنجاسة ما كان في يده بعد خروجه عن يده المناقشة في ترتيب الأثر عليه ـ حينئذ ـ نظراً إلى عدم إحراز سيرة العقلاء على قبول قوله في أمثال المقام واحتمال أن تكون السيرة هي مدرك القاعدة المعروفة: «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» حيث إنّه يكشف عن انّ اعتبار قول ذي اليد يدور مدار ملكه واستيلائه ومع انتفائهما لا ينفذ قوله ولا يعتمد عليه قال: «وقد يدعى قيام السيرة على قبول خبره في المقام وبالأخص فيما إذا كان اخباره قريباً من زمان استيلائه كما إذا باع ثوباً من أحد وبعد تسليمه إليه اخبر عن نجاسته، ولا يمكن المساعدة على هذا المعنى لأنّ سيرة العقلاء وإن جرت على قبول اخبار البائع عن نجاسة المبيع إلاّ انّ المستكشف بذلك ليس هو اعتبار قول ذي اليد بعد انقطاع سلطنته ويده وانّما المستكشف هو اعتبار خبر الموثق في الموضوعات الخارجية كما هو معتبر في الأحكام، والذي يدلّنا على ذلك انّ البائع في مفروض المثال لا يعتمد على اخباره عن نجاسة المبيع فيما إذا لم تثبت وثاقته عند المشتري لاحتمال انّ البائع يريد أن يصل بذلك إلى غرضه وهو فسخ المعاملة حيث يبدي للمشتري نجاسته حتّى يرغب عن تملّكه وإبقائه، ومع هذا الاحتمال لا يعتمد على اخباره عند العقلاء».

وأنت خبير بعدم ارتباط قاعدة «من ملك» بالمقام أصلاً وذلك لما عرفت من

الصفحة 412

اعتبار إقرار المولى ونفوذه بالإضافة إلى متعلّقات مملوكه وعدم اعتبار اخباره بنجاستها، كما انّ إقرار المملوكة لا تنفذ بالنسبة إلى ثياب المولى ولكن إخبارها بنجاستها معتبر بلا إشكال فالإقرار لا يرتبط بالاخبار في المقام بوجه فلا مجال لاحتمال كون السيرة هنا هي مدرك القاعدة المعروفة، وامّا السيرة القائمة على اعتبار قول البائع واخباره بنجاسة المبيع بعد تحقّق البيع فالظاهر انّها هي السيرة المتحقّقة في المقام التي يكون موضوعها اخبار ذي اليد أعمّ ممّا إذا كان موثقاً لا السيرة القائمة على اعتبار خبر الموثق في الموضوعات الخارجية والوجه في ذلك مضافاً إلى ما عرفت من عدم اعتبار تلك السيرة وعدم حجّية قول الواحد في الموضوعات وإن كان عادلاً فضلاً عمّا إذا كان موثقاً وضوح وجود الفرق بين البائع وغيره في الاخبار بنجاسة المبيع ولو كان المدرك ما أفاده لم يكن فرق بينهما أصلاً .

الصفحة 413

مسألة 7 ـ لو كان شيء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كلّ منهما في نجاسته، ولو أخبر أحدهما بنجاسته والآخر بطهارته تساقطا، كما انّ البيّنة تسقط عند التعارض، وتقدّم على قول ذي اليد عند التعارض، هذا كلّه لو لم يكن اخبار أحد الشريكين أو إحدى البيّنتين مستنداً إلى الأصل والآخر إلى الوجدان، وإلاّ فيقدّم ما هو مستند إلى الوجدان، فلو أخبر أحد الشريكين بالطهارة أو النجاسة مستنداً إلى أصل والآخر أخبر بخلافه مستنداً إلى الوجدان يقدّم الثاني، وكذا الحال في البيّنة، وكذا لا تقدّم البيّنة المستندة إلى الأصل على قول ذي اليد 1.

1 ـ في هذه المسألة فروع:

1 ـ لو كان شيء بيد شخصين أو أزيد كالشريكين أو الشركاء فهل يسمع قول كلّ واحد منهما أو منهم في نجاسته أم لا؟ الظاهر نعم لاتّصاف الجميع بكونه صاحب اليد واتّصاف الشيء بكونه تحت استيلاء الجميع وإن شئت قلت: ثبوت السيرة العقلائية القائمة على ترتيب الأثر على قول ذي اليد في هذه الصورة أيضاً كما يظهر بمراجعة العقلاء في ذلك.

2 ـ لو اختلف الشريكان في الاخبار بالنجاسة فأخبر أحدهما بثبوتها والآخر بالطهارة فتارة يكون مستند كليهما الأصل والاُخرى الوجدان وثالثة يكون الاختلاف في المستند أيضاً ففي الأوّلين يتساقطان لعدم إمكان اتّصاف كلّ منهما بالحجّية بعد ثبوت التضادّ أو التناقض بين مدلولهما ولا مرجح لأحدهما على الآخر فلا مناص من التساقط وفي الأخير يكون الترجيح مع ما يكون مستنداً إلى الوجدان لأنّ الوجدان لا يكاد يزاحمه الأصل في الحقيقة لا تعارض في البين لأنّ المخبر الذي يكون مستنده الأصل معترف بكونه شاكّاً. غاية الأمر انّ الحكم الظاهري الثابت في مورد الشكّ كقاعدة الطهارة أوجب الحكم بالطهارة مثلاً، وامّا

الصفحة 414

المخبر الذي يكون مستنده الوجدان يدعى العلم بكون الواقع مطابقاً لما أخبر به ومن الواضح عدم ثبوت المنافاة بين الشكّ من أحد وبين العلم من آخر فتدبّر.

3 ـ لو وقع التعارض بين البيّنتين فقامت واحدة منهما على النجاسة والاُخرى على الطهارة فتارة يكون مستند كليهما الأصل، واُخرى الوجدان وثالثة يكون الاختلاف في المستند أيضاً والحكم فيه ما ذكر في الفرع الثاني من التساقط في الفرضين وتقدّم ما يكون مستنداً إلى الوجدان في الفرض الأخير.

4 ـ لو وقع التعارض بين البيّنة وبين قول ذي اليد فقد حكم في المتن أولاً بتقدّم البيّنة عليه واستثنى من ذلك في الذيل ما لو كانت البيّنة مستندة إلى الأصل وظاهره عدم ثبوت التعارض والتساقط ـ حينئذ ـ بل يقدّم قول ذي اليد على البيّنة بعكس ما اُفيد أولاً.

أقول: امّا وجه تقدّم البيّنة بنحو الإجمال على قول ذي اليد انّ مستند حجّية قول ذي اليد ـ على ما عرفت ـ هو بناء العقلاء واستمرار سيرتهم على ذلك ومن الظاهر انّه لا يكون بناء منهم على ترتيب الأثر على قوله فيما إذا قامت أمارة شرعية على خلافه كما انّ الأمر يكون كذلك في اليد التي هي أمارة على الملكية حيث إنّها امارة فيما لم تقم بيّنة على خلافها فاليد في المقام حجّة ـ بمقتضى السيرة ـ فيما لا يكون هناك حجّة غيرها من بيّنة ونحوها من الأمارات.

وامّا الاستثناء الواقع في الذيل فالوجه فيه ما عرفت من انّ البيّنة المستندة إلى الأصل لا تكاد تعارض قول ذي اليد أصلاً لعدم المنافاة بين جهل الشاهدين بالحكم الواقعي وبين ادّعاء العلم به من ذي اليد فاللازم الأخذ بقوله وترتيب الأثر عليه.

نعم لو كان قول ذي اليد أيضاً مستنداً إلى الأصل وجوّزنا الاخبار له في هذه

الصفحة 415

الصورة وقلنا بجريان السيرة أيضاً على العمل به فيها لكان اللازم الالتزام بوقوع المعارضة وتحقّق التساقط فتدبّر. وكان اللازم التعرّض لهذه الصورة خصوصاً بعد التصريح بإمكان أن يكون قول ذي اليد مستنداً إلى الأصل كما قد فرض في تعارض خبري الشريكين، إلاّ أن يقال: إنّ الذيل مشتمل على التعرّض لكلا الفرضين نظراً إلى انّ المذكور فيه هو نفي التقدّم للبيّنة فيما لو كانت مستندة إلى الأصل وهذا يجتمع مع تقدّم قول ذي اليد في أحد الفرضين ووقوع التساقط في الفرض الآخر فتدبّر جيّداً.

الصفحة 416

مسألة 8 ـ لا فرق في ذي اليد بين كونه عادلاً أو فاسقاً، وفي اعتبار قول الكافر إشكال وإن كان الأقوى اعتباره، ولا يبعد اعتبار قول الصبي إذا كان مراهقاً، بل يراعى الاحتياط في المميّز غير المراهق أيضاً 1.

1 ـ لأنّ ملاك اعتبار قول صاحب اليد عند العقلاء ـ ظاهراً ـ كونه أعرف بحال ما في يده وكيفياته ولا فرق فيه عندهم بين كونه عادلاً أو فاسقاً بل ولا بين كونه مسلاً أو كافراً فلو اخبر كافر بأنّ هذا الشيء قد لاقى البول كان إخباره معتبراً عند العقلاء مع كونه تحت يده. نعم مع الشكّ في ثبوت السيرة بالإضافة إلى الكافر يكون مقتضى لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن في مثل السيرة من الأدلّة اللبّية الحكم بعدم الاعتبار، ولكن الظاهر عدم وصول النوبة إليه كما انّ الظاهر اعتبار قول الصبي إذا كان مراهقاً بل إذا كان مميّزاً ولو لم يكن مراهقاً لجريان السيرة في الصبي المميّز مطلقاً.

الصفحة 417

مسألة 9 ـ المتنجّس منجس مع قلّة الواسطة كالاثنين والثلاثة وفيما زادت على الأحوط، وإن كان الأقرب مع كثرتها عدم التنجيس، والأحوط إجراء أحكام النجس على ما تنجّس به فيغسل الملاقى لملاقي البول مرّتين، ويعمل مع الإناء الملاقي للإناء الذي ولغ فيه الكلب في التطهير مثل ذلك الاناء خصوصاً إذا صبّ ماء الولوغ فيه فيجب تعفيره على الأحوط 1.

1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في انّ المتنجّس هل يكون منجساً لملاقيه في الجملة كالنجس أم لا يكون منجساً أصلاً؟ ذهب المشهور إلى الأوّل وخالفهم في ذلك الحلّي والكاشاني (قدس سرهما) وقد استدلّ لهم على ذلك باُمور:

الأوّل: انّ منجسية المتنجّس أمر ضروري يعرفه جميع المتشرّعة وعموم المسلمين من علمائهم وعوامّهم، وقديمهم وجديدهم من غير أن يكون مختصّاً بطائفة دون طائفة وفرقة دون فرقة.

وفيه: انّه إن اُريد بذلك ان تنجيس المتنجّس يكون من ضروريات الدين والشريعة نظير وجوب الصلاة ونحوه من الأحكام التي تثبتت من الدين بالضرورة ويكون إنكارها مستلزماً لإنكار النبوّة وموجباً للكفر ففساده واضح ضرورة انّه لا يكون ضرورياً بهذا المعنى بل يكون من الاُمور النظرية، وكيف يمكن أن يقال بأنّ مثل ابن إدريس والمحدّث الكاشاني المنكرين لمنجسية المتنجّس منكران للضروري بهذا المعنى.

وإن اُريد بذلك كونه من ضروريات الفقه ففيه انّه وإن كان كذلك خصوصاً بين المتأخّرين من الفقهاء إلاّ انّ مجرّد كونه كذلك لا يكشف عن ثبوته في الشريعة المقدّسة، وعلى المجتهد أن يجتهد في مقام الاستنباط عن الدليل والحكم على طبقه.

الصفحة 418

الثاني: ثبوت الإجماع في المسألة حيث أفتى الأصحاب بذلك خلفاً عن سلف ولم ينكر ذلك أحد.

وفيه أوّلاً: ما عرفت من مخالفة الحلّي والكاشاني فكيف يتحقّق الإجماع بهذا المعنى المدّعى.

وثانياً: انّه على فرض تحقّق الإجماع في المسألة لا يكون هذا الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن موافقة المعصوم (عليه السلام) بعد احتمال استناد المجمعين إلى الروايات الكثيرة الواردة فيها الظاهرة في منجسية المتنجّس فالإجماع ليس له اصالة أصلاً.

الثالث: الروايات الكثيرة الدالّة عليه:

ومنها: ما عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الاناء؟ قال: اغسل الإناء. فانّه من الواضح انّ الماء الذي يكون في الإناء يصير بسبب شرب الكلب منه متنجّساً فالأمر بغسل الإناء الذي هو إرشاد إلى نجاسته يدلّ على تنجّسه بملاقاة الماء الواقع فيه كما هو ظاهر.

ومنها: ما رواه المحقّق في المعتبر والشهيد في الذكرى عن العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه. فإنّ الأمر بغسل ما أصابه ظاهر في كون الوضوء منجس له مع كونه متنجّساً. وسيأتي البحث في مفاد الرواية مفصّلاً إن شاء الله تعالى.

ومنها: موثقة عمّار بن موسى الساباطي انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الاناء مراراً، أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلّخة ؟ فقال: إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثمّ يفعل ذلك بعدما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان انّما رآها بعدما فرغ من ذلك وفعله فلا

الصفحة 419

يمسّ من ذلك الماء شيئاً، وليس عليه شيء لأنّه لا يعلم متى سقطت فيه ثمّ قال: لعلّه أن يكون انّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها.

ومنها: رواية معلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافياً؟ فقال: أليس ورائه شيء جاف؟ قلت: بلى، قال: لا بأس انّ الأرض يطهّر بعضه بعضاً. فانّ الماء المتنجّس بملاقاة الخنزير لو لم يكن منجساً للأرض لم يكن موقع لسؤال الإمام (عليه السلام)عن وجود شيء جاف ورائه فاستفصاله (عليه السلام) ظاهر في تنجّس الأرض بالماء المتنجّس الملاقى للخنزير مع انّ قوله (عليه السلام) : الأرض يطهّر بعضها بعضاً، ظاهر في تنجّسها بالبعض في مورد الرواية كما هو غير خفي.

هذا ولكنّه ذكر بعض الأعلام انّ هذه الأخبار أجنبية عمّا هو محلّ الكلام لأنّ المدعي لعدم تنجيس المتنجّس انّما يدّعي ذلك فيما إذا جفّ المتنجّس وزالت عنه عين النجس ثمّ لاقى بعد ذلك شيئاً رطباً، وامّا المائع المتنجّس أو المتنجّس الجامد الرطب قبل أن يجفّ فلم يقل أحد بعدم منجسيته من المتقدّمين والمتأخّرين ولعلّها ممّا يلتزم به الكلّ كما ربما يلوح من محكي كلام الحلّي (قدس سره) وهذه الأخبار المستدلّ بها انّما وردت في المائع المتنجس فهي خارجة عمّا نحن بصدده.

ولا يخفى انّ كون تفصيل الحلّي والكاشاني انّما هو بين المائع المتنجّس أو المائع الجامد الرطب وبين المتنجس الجاف الملاقي للشيء الرطب غير معلوم لنا فانّ ظاهرهما هو التفصيل بين النجس والمتنجّس مطلقاً مع انّ التفصيل بالكيفية المذكورة في نفسه بعيد فتدبّر.

وقد يستدل للمشهور بموثقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال: إذا جفّت فلا بأس

الصفحة 420

بالصلاة عليها. فإنّ فيها احتمالين:

الأوّل: أن يكون مراد السائل بقوله: هل تجوز الصلاة عليها هو السؤال عن السجدة عليها، والجفاف المعلّق عليه نفي البأس في الجواب محمول على الجفاف بإصابة الشمس وعليه فيصير محصّل السؤال انّه هل تجوز السجدة على البارية التي بلّ قصبها بماء قذر؟ فأجاب (عليه السلام) بأنّه إذا جفّت بالشمس وطهرت بذلك فلا بأس. وعليه فلا وجه لاعتبار الجفاف إلاّ تنجّس البارية بالماء المتنجّس.

وما أفاده بعض الأعلام من انّ الموثقة على هذا التقدير أجنبية عمّا نحن فيه لأنّ معناها ـ حينئذ ـ انّ القصب المبلّل بماء قذر إذا جفّ بالشمس طهر ولا مانع معه من أن يسجد عليه، وامّا إذا كان رطباً أو جف بغير الشمس فهو باق على نجاسته ولا يجوز السجود عليه لاعتبار الطهارة فيما يسجد عليه. فغير صحيح لأنّه لو لم يكن الماء المتنجّس منجساً لا يتصوّر مانع عن جواز السجدة عليها حتّى قبل الجفاف لأنّ موضع السجدة وهي البارية طاهر على الفرض وما يكون نجساً من البلل لا يسجد عليه كما هو ظاهر وكأنّه توهّم انّ ما يسجد عليه هو نفس الرطوبة والبلل فتأمّل.

الثاني: أن يكون السؤال عن الصلاة عليها بأن نجعل موضعاً للصلاة ويحمل الجفاف الواقع في الجواب على مطلق الجفاف ـ كما هو الظاهر ـ فيصير معناها انّ القصب المبلّل بالماء القذر لا مانع من أن يصلّى فوقه إذا يبس لعدم سراية النجاسة منه إلى ما أصابه، ومفهومه انّه لا تجوز الصلاة فوقه إذا لم يكن جافّاً لسرايتها إليه وعليه تكون الرواية ظاهرة في المدعى لأنّ محطّ نظر السائل ـ حينئذ ـ انّما هو انّ الحصير حيث كان متنجّساً فتسري نجاسته إلى الثوب فأجاب (عليه السلام) بأنّه لو جفّ الحصير فلا بأس، ومن المعلوم انّه لا وجه لاعتبار الجفاف إلاّ مجرّد سراية النجاسة

الصفحة 421

من الماء أو الحصير إلى ثيابه التي يصلّي فيها على ما هو المفروض وعلى كلا التقديرين يدلّ على المطلوب.

ومن جملة الروايات التي استدلّ بها لإثبات مدعى المشهور ما ورد في غسل الأواني وهي كثيرة أيضاً:

منها: موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُئل عن الكوز والإناء يكون قذراً كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ ذلك الماء ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه ثمّ وقد طهر إلى أن قال: اغسل الاناء الذي تصيب فيه الجزر ميتاً سبع مرّات.

ومنها: موثقته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس، وعن الابريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس وقال في قدح أو اناء يشرب فيه الخمر؟ قال: تغسله ثلاث مرّات، وسُئل أيجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال: لا يخرجه حتّى يدلكه بيده، يغسله ثلاث مرّات. وقوله (عليه السلام): إذا غسل فلا بأس، يفهم منه انّه مع عدم الغسل يكون فيه بأس. ومن المعلوم انّه لا يتصوّر فيه بأس إلاّ تنجّس الخلّ الواقع فيه ونحوه وإطلاقه يشمل ما إذا كان الدن متنجّساً ولم يكن فيه شيء من أجزاء الخمر وذراتها كما هو ظاهر.

نعم يمكن أن يقال بثبوت المعارضة بينها وبين ما عن حفص الأعور قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الدن يكون فيه الخمر ثمّ يجفّف يجعل فيه الخلّ؟ قال: نعم. ولكنّه ـ مضافاً إلى ضعف سنده ـ يمكن أن يكون المراد بالتجفيف فيه هو التجفيف بعد الغسل ومنشأ ذكره انّه حيث كانت الخمر فيه سابقاً فمع الغسل والتجفيف الموجب

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>