جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجارة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة141)



قلت : هذا الذي ذكرت وإن كان محتملاً أيضاً إلاّ أنّ العمدة في مقام الاستدلال بالرواية عدم ثبوت الدلالة ، بل ولا الإشعار في الجملة الثانية بكون الموضوع لخيار الحيوان ، والمورد له هو البيع كخيار المجلس ، ومجرّد ورود الجملة الاُولى في البيع لايصلح للتقييد .
إن قلت : قد سلّمنا ما ذكر ولكن لا محيص عن اعتبار صدق عنوان الموضوع ; وهو صاحب الحيوان في الإجارة أيضاً ، حتّى يمكن أن يقال بالسراية وإلاّ فلا وجه له ، مع أنّه من الواضح أنّه لايطلق على المستأجر للحيوان عنوان الصاحب ; لأنّ صاحب الحيوان هو المالك له ، والمالك له هو المؤجر دون المستأجر .
قلت : نمنع عن كون الصاحب بمعنى المالك، بل معناه اللغوي هو الملازم والمصاحب ، فصاحب الدار عبارة عمّن كان ساكناً فيها متمتّعاً منها ، سواء كان مالكاً لعينها أو منفعتها أو لم يكن ، ومن المعلوم انطباق عنوان الصاحب بهذا المعنى على مستأجر الحيوان .
إن قلت : غاية ما ثبت ممّا ذكر هو ثبوت الإطلاق للرواية المذكورة ; وهو لايمنع عن ثبوت المقيّد له ، مع أنّ هنا رواية تصلح للتقييد ، وهي رواية ابن فضّال قال : سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول : صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام(1) . فإنّ التقييد بالمشتري يوجب اختصاص الحكم بباب البيع ، وبها يقيد إطلاق الرواية المتقدّمة ، بل يمكن أن يقال : إنّ وصف صاحب الحيوان بالمشتري وعدم التعبير بمثل مشتري الحيوان مع كونه أخصر إنّما هو لأجل كون الغرض توضيح ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله)من كون صاحب الحيوان بالخيار كما في

(1) التهذيب : 7 / 67 ح287 ، وسائل الشيعة : 18 / 10 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب3 ح2 .

(الصفحة142)



الرواية المتقدّمة ، وأنّ مراده من صاحب الحيوان هو المشتري ، وعليه فتصير هذه الرواية حاكمة عليها وناظرة إليها .
هذا كلّه على تقدير أن يكون المشتري بصيغة الفاعل ، بحيث كان وصفاً لصاحب الحيوان ، وأمّا على تقدير أن يكون بصيغة المفعول ووصفاً لنفس الحيوان تكون دلالة الرواية على الاختصاص بالبيع والشراء أوضح .
قلت : ـ مع أنّ شرط حمل المطلق على المقيّد في المثبتين إحراز وحدة المطلوب ; لعدم التنافي بينهما بدونه ضرورة ، وهو غير معلوم الثبوت في المقام فتأمّلـ إنّ الرواية الثانية لا دلالة فيها على الاختصاص بالبيع ; لأنّ التقييد بالمشترىـ بالكسر أو بالفتح ـ إنّما هو لإفادة أنّ المراد بصاحب الحيوان ليس من كان صاحباً له قبل تحقّق المعاملة ، بل المراد هو الذي يصير بالمعاملة صاحباً ، أو لإفادة أنّ المراد بصاحب الحيوان ليس من انتقل إليه الحيوان ولو بعنوان الثمنية ، بل المراد به من كان الحيوان مبيعاً له وهو مشتر بالنسبة إليه ، وعلى التقديرين فلا نظر فيه إلى الاختصاص بالبيع والشراء .
وقد انقدح من جميع ما ذكرناه أنّه يمكن التمسّك برواية زرارة المتقدّمة ; لجريان خيار الحيوان في الإجارة وشبهها ، ولكن لا يخفى عليك أنّ دعوى الإطلاق في الرواية مع كون الجملة الدالّة على ثبوت هذا الحكم مسبوقة بقوله (صلى الله عليه وآله) : «البيّعان» ، ومع كون الظاهر من السياق أنّ الاختلاف بين الخيارين إنّما هو في أمرين فقط : اختصاص الثاني بصاحب الحيوان دون الأوّل ، وكونه مغيى بالثلاث دون الأوّل المغيى بالافتراق أو التفرّق مشكلة جدّاً ، وإن شئت قلت : إنّه لم يحرز كون الرواية بصدد البيان من هذه الجهة ; وهو شرط التمسّك بالإطلاق ، فالحكم بالتعدّي وعدم الاختصاص مشكل .


(الصفحة143)



ثمّ إنّه هل يجوز شرط خيار الحيوان بعنوانه في الإجارة أم لا ؟ الظاهر أنّه إن كان المراد شرط خيار الثلاثة فهو جائز لا مانع منه ، إلاّ أنّه ليس بخيار الحيوان بل هو خيار الشرط ، وإن كان المراد شرط خيار الحيوان بأحكامه المذكورة في باب البيع من كون التلف في الثلاثة من البائع ، وكذا حدوث الحادث عليه ، وكذا غيرهما من أحكام خيار الحيوان المذكورة في محلّه ، فالظاهر أنّ مجرّد الاشتراط لا يصلح لإفادة هذه الأحكام ; لأنّ بعضها ثابت بدون الاشتراط ، والبعض الآخر لايثبت معه إلاّ أن يقال بعدم اختصاص دليل خيار الحيوان بالبيع ، وجريانه في الإجارة أيضاً .
وأمّا خيار الشرط فالمشهور أنّه لا يختص بالبيع ، بل يجري في جميع المعاوضات ، بل استظهر من التذكرة(1) الإجماع عليه(2) ، حيث اقتصر على نقل خلاف الجمهور من دون إشعار في كلامه بثبوت المخالف من الإمامية أيضاً، بل حكي عن كثير من الكتب الفقهية(3) دخوله في كلّ عقد سوى النكاح والوقف والطلاق والإيلاء والعتق .
وكيف كان ، فلا ينبغي الارتياب في جريان خيار الشرط في بعض العقود كالبيع ونحوه ، وفي عدم جريانه في البعض الآخر كبعض العقود المذكورة ، وفي ثبوت الاختلاف في البعض الثالث كالصلح والرهن والوقف والصدقة وبيع الصرف والهبة المعوّضة ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة أنّ مقتضى القاعدة في موارد الشكّ في

(1) تذكرة الفقهاء : 11 / 63، طبعة جديدة .
(2) استظهره المحقّق الرشتي في كتاب الإجارة : 76 .
(3) كشرائع الإسلام : 2 / 23 ، وإرشاد الأذهان : 1 / 375 ، والدروس الشرعية : 3 / 268 ، ومسالك الأفهام : 3/211ـ 212 ، ومجمع الفائدة والبرهان : 8 / 411 ، وكفاية الأحكام : 92 .

(الصفحة144)



ثبوت خيار الشرط فيها هل هو الجريان أو العدم ، وإن كان هذا البحث ليس له كثير فائدة بالنسبة إلى باب الإجارة ; لثبوت الإجماع ظاهراً على ثبوت خيار الشرط فيها ، بل قال المحقّق الرشتي (قدس سره) : لم أعثر على من تأمّل فيه(1) ، إلاّ أنّه يجدي بالإضافة إلى العقود الخالية عن الدليل الخاصّ إثباتاً أو نفياً .
إذا عرفت ذلك نقول : قال الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) : إنّ مقتضى الفتاوى والأدلّة جواز اشتراط الخيار في كلّ عقد أو إيقاع ، إلاّ إذا ثبت وجود مانع عن ذلك ، فعدم الجواز في موارد الخلاف إنّما هو لوجود المانع لا لقصور في أدلّة الاشتراط(2) .
وقال تلميذه المحقّق الرشتي (قدس سره) بعد حكاية كلام شيخه : قلت: قد عرفت في الشروط المنافية لمقتضى العقد أنّ التمييز بين ماهو مقتضى الماهية أو مقتضى الإطلاق مشكل ، بل الظاهر أنّ كلّ حكم ثابت للعقد مقصوداً كان للمتعاقدين أو غير مقصود ، فاشتراط عدمه مناف لمقتضاه ، وعلى هذا يكون الأصل في شرط الخيار الفساد حتّى يثبت الجواز عكس ما ذكره (قدس سره)(3) .
أقول : لابدّ أوّلاً من ملاحظة حال خيار الشرط بالنسبة إلى العقلاء الذين هم الأصل في باب المعاملات ، وأنّه هل يجري في عقودهم التي قد عرفت أنّ كلّها مبنية على اللزوم أم لا ؟ فنقول : لا إشكال في أنّ عقودهم وإن كانت كذلك ـ أي مبنية على اللزوم ـ إلاّ أنّ بناءهم على اعتبار شرط الخيار وصحّته فيها ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة أنّه هل ثبت الردع عن هذا البناء الثابت عند العقلاء المرتكز لديهم أم لا ؟

(1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 79 .
(2) اُنظر كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 5 / 147 .
(3) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 78 ـ 79 .

(الصفحة145)



غاية ما يمكن أن يتشبّث به للردع قوله تعالى : {أوفُوا بِالعُقُودِ}(1) الدالّ على وجوب الوفاء بكلّ عقد ; نظراً إلى أنّ مقتضى عمومه كون الإجارة مثلاً من العقود اللاّزمة ، ومقتضى الإطلاق أنّه لافرق بين صورة شرط الخيار وبين غير هذه الصورة ، فعلى هذا التقريب يمكن دعوى كون الآية الشريفة رادعة عن ذلك البناء الثابت عند العقلاء .
ويرد عليه : أنّ الظاهر كون الآية مسوقة لإفادة وجوب الوفاء بالعقود على النحو المتداول بينهم ، وليست بصدد الردع عن اعتبار شرط الخيار ، خصوصاً مع عدم كون شرط الخيار كالتقايل لاحقاً على العقد المبني على اللزوم ، بل هو يوجب عدم ثبوت اللزوم من حينه كما في أغلب موارد شرط الخيار  .
وبعبارة اُخرى حيث إنّ العقد وقع مقيّداً ومشروطاً بشرط الخيار يكون مقتضى الآية وجوب الوفاء به مع قيده ; لأنّه لا مجال لوجوب الوفاء به خالياً عنه ، وليس الشرط كالتقايل من جهة عدم ارتباطه بالعقد ، وبالجملة فثبوت الإطلاق للآية الشريفة بهذا النحو ممّا لم يدلّ عليه دليل ، وعلى تقديره فالاكتفاء بمثل الإطلاق في الردع عن الأمر المرتكز عند العقلاء الثابت لديهم ممّا لايستقيم ، وهذا نظير ماذكر في باب خبر الواحد ، الذي استقرّ بناء العقلاء على العمل به والاعتماد عليه في اُمورهم ، فإنّه لايمكن الردع عن مثله بما يدلّ بعمومه على عدم جواز متابعة الظنّ ، بل لابدّ من قيام دليل تامّ صريح بل أدلّة كثيرة حتّى تتحقّق الرادعيّة ، والحاصل أنّ بناء العقلاء على شرط الخيار في الإجارة ونحوها كالبيع ، وليس في البين ما يدفع هذا البناء ويردع عن هذه الطريقة .

(1) سورة المائدة 5 : 1 .

(الصفحة146)



ويمكن التمسّك لاعتبار شرط الخيار في مثل الإجارة بعموم دليل الشرط(1) ; لعدم الفرق بين الشروط بالنظر إلى ذلك العموم ، ودعوى كون دليل الشرط لا يدلّ على أزيد من اللزوم فيما إذا كانت الصحّة مفروغاً عنها ، وعليه فلابدّ من إثبات الصحّة بدليل آخر ، مدفوعة بمنع ذلك ولو سلّمنا مثله بالنسبة إلى آية وجوب الوفاء ، وذلك لما عرفت سابقاً من أنّ اشتمال دليل الشرط على استثناء الشرط المخالف لكتاب الله دليل على عدم إفادته مجرّد اللزوم ، وإلاّ يلزم كون الشرط المخالف صحيحاً . غاية الأمر أنّه غير لازم الوفاء ، مع أنّه لا يلائم التعبير عنه بكونه زخرفاً أو باطلاً ، كما لايخفى .
إن قلت : إنّ التمسّك بعموم دليل الشرط للمقام متوقّف على إثبات عدم كون شرط الخيار مخالفاً لكتاب الله، الذي قد عرفت سابقاً أنّ معناه مطلق الأحكام المكتوبة ، سواء كانت في الكتاب أو في السنّة ، وإلاّ فمع الشكّ في ذلك لا مجال للتمسّك فضلاً عن ثبوت المخالفة ـ كما قد يدعى ـ لمنافاته للزوم الثابت بعموم الكتاب أو خصوص السنّة .
قلت : ـ مضافاً إلى ماعرفت سابقاً من اختلاف الأنظار والآراء في تفسير المخالفة ، وإلى أنّ العقلاء والعرف لا يرون شرط الخيار في عقد مخالفاً لدليل لزوم ذلك العقد ، سواء كانت الدلالة عليه بنحو العموم أو على سبيل الخصوص ـ الدليل على عدم الاتصاف بالمخالفة جعل الشارع للخيار في بعض الموارد كخيار المجلس في البيع ، فإنّه يستكشف منه عدم كون الخيار الثابت في برهة من الزمان مخالفاً

(1) وسائل الشيعة : 18 / 16 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب6 ، مستدرك الوسائل : 13 / 300 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب5 .

(الصفحة147)



للحكم بلزوم العقد ، وإلاّ يلزم شبه التخصيص في دليل الشرط بالنظر إلى الاستثناء الواقع فيه ، مع أنّ سياقه آب عن التخصيص ، وكيف يمكن دعواه في مثل قوله (عليه السلام) : كلّ شرط خالف كتاب الله فهو باطل(1) مثلاً ، فمن هذا الطريق يستكشف عدم المنافاة بين الأمرين ، وعدم ثبوت معاندة في البين .
وأدلّ من ذلك مشروعية خيار الشرط بعنوانه في مثل البيع ، ضرورة أنّه لامجال لتوهم كونه شرطاً مخالفاً لكتاب الله مشروعاً في خصوص البيع ونحوه ، فمن الحكم بالصحّة فيه يستكشف عدم المخالفة ، كما هو واضح .
وأمّا ما أفاده المحقّق الرشتي (قدس سره) في مقام المناقشة على هذا الاستكشاف بقوله : غاية مايثبت من أدلّة الخيار في البيع قبوله الفسخ بأسباب خاصّة ، ففي ما عداها يكون اللزوم من مقتضيات الماهية لا يتغيّر بشرط ، ودعوى اقتضاء ثبوته في الجملة ثبوته بالشرط أيضاً ; إذ يكشف ذلك عن عدم كون اللزوم حكماً للماهية منقوضة بالنكاح القابل للفسخ بأسبابه ، وإن لم يقبل التقايل لعدم دليل على دوران تأثير الشرط مداره ، بل مدار قبول الفسخ وعدمه الذي هو موجود في النكاح أيضاً(2) .
فيرد عليه : أنّ قيام الدليل على عدم دخول خيار الشرط في النكاح لا يمنع عن الاستكشاف المذكور الذي مرجعه إلى استفادة عدم كون شرط الخيار مخالفاً للّزوم الثابت للعقد من جعل الشارع له في بعض العقود المبنية على اللزوم .
ويرد على أصل كلامه المتقدّم : أنّ المراد بمخالفة مقتضى العقد ـ كما ذكرناه

(1) اُنظر وسائل الشيعة : 18 / 16 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب6 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 79 .

(الصفحة148)



سابقاً ـ إن كان هي المخالفة لماهية العقد وحقيقته ، كاشتراط عدم ثبوت الملكية في البيع فلا إشكال في أنّ اشتراط الخيار ليس مخالفاً لمقتضى العقد بهذا المعنى ، وإن كان المراد بها هي المخالفة لما يقتضيه العقد بحيث لايمكن التفكيك بينهما لدى العرف والعقلاء ، كاشتراط عدم التصرّف بوجه في المبيع مثلاً ، فكذلك لا إشكال في أنّ اشتراط الخيار لايتّصف بالمخالفة بهذا المعنى ، وإن كان المراد بها هي المخالفة لما يقتضيه إطلاق العقد ، فلا ريب في أنّ هذه المخالفة بعنوانها لاتكون قادحة إلاّ أن ترجع إلى المخالفة لكتاب الله ، فالمهم في المقام هي ملاحظة هذه الجهة ، وقد عرفت أنّ اشتراط الخيار لايكون مخالفاً لكتاب الله .
ويؤيّده أنّه لاخلاف ظاهراً في جواز اشتراط ما عدا الخيار في الإجارة وشبهها ، وفي أنّ تخلّفه يثبت خيار تخلّف الشرط ، وحينئذ يبقى سؤال الفرق بين الخيار الحاصل بسبب التخلّف عمّا اشترط ، والخيار الحاصل بسبب اشتراطه في متن العقد ، فتدبّر .
نعم ، يمكن المناقشة في أصل المطلب بأنّه يحتمل أن يكون شرط الخيار في الإجارة مخالفاً لكتاب الله ; نظراً إلى أنّ المراد بكتاب الله ليس خصوص الواصل منه إلينا ، بل كلّ ما ثبت بالكتاب والسنّة ولو لم يصل ، وعليه فيحتمل ورود دليل في خصوص الإجارة يكون مفاده لزومها وعدم دخول خيار الشرط فيها ، ومع هذا الاحتمال لا مجال لإحراز عدم كونه مخالفاً . ولكن يدفع هذه المناقشة ظهور كون المراد بكتاب الله هو كتاب الله الواصل ، وإلاّ فلا يبقى مجال لإحراز عدم المخالفة في شيء من الموارد المشكوكة ، كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه ربّما يمكن أن يتمسّك لدخول خيار الشرط في الإجارة بقاعدة نفي الضرر ، بناءً على أن تكون نافية لا ناهية ، نظراً إلى أنّ جعل اللزوم فيها ـ مع عدم

(الصفحة149)



كون المتعاملين لهما حقّ جعل الخيار في العقد ـ حكم ضرريّ منفي بتلك القاعدة .
ولكنّه يرد عليه ـ مضافاً إلى عدم ثبوت كون القاعدة نافية كما حقّق في محلّه ، وإلى عدم كون اللزوم الكذائي ضررياً بعد عدم كون أصل العقد صادراً عن غير اختيار ، بل هما مختاران في إيقاعه ، وإلى عدم كون هذه القاعدة مثبتة للخيار الذي هو من الحقوق ، بل غايته نفي اللزوم وإثبات الجواز الذي هو من الأحكام ، ولا يجري فيه النقل والإسقاط ـ : أنّه لو سلّم جميع ذلك يكون مقتضى القاعدة حينئذ نفي اللزوم ، ولا حاجة إلى اشتراط عدمه .
هذا كلّه في شرط الخيار مدّة معيّنة ، ولو شرطه بلا مدّة أو مع ذكر مدّة مجهولة كقدوم الحاج ، أو مدّة مطلقة كأن يقول : «لي الخيار مدّة» فالمسألة مبتنية على ما ذكروه في البيع ; لعدم الفرق بين المقامين . نعم ، من قال هناك بالصحّة والحمل على ثلاثة أيّام كما عن غير واحد من القدماء(1) ; نظراً إلى الروايات الدالّة عليه(2) ، كما حكي عن الخلاف(3) من دعوى وجود أخبار الفرقة به ، فلا يلزمه القول بذلك في المقام بعد عدم وضوح كون تلك الرواية شاملة لغير البيع ، وعدم ظهور كون الخصوصية ملغاة على تقدير عدم الشمول ، فيصير الحكم في المقام الفساد والبطلان على ماهو مقتضى القاعدة .
ثمّ إنّه لا فرق في جواز اشتراط الخيار في الإجارة بين أن يكون المجعول له الخيار أحد المتعاملين المؤجر والمستأجر ، وبين أن يكون أجنبيّاً ، كما أنّه لا فرق بين

(1) كالشيخ المفيد في المقنعة : 592 ، والسيّد في الانتصار : 438 ، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه : 353 ، والقاضي في جواهر الفقه : 54 مسألة 194 ، وابن زهرة في غنية النزوع : 219 .
(2) وسائل الشيعة : 18 / 21 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب9 .
(3) الخلاف : 3 / 20 مسألة 25 .

(الصفحة150)



الإجارة المعيّنة وما في الذمّة ، خلافاً لما نسب إلى بعض العامّة(1) من عدم الجواز في الثانية ، ولكن مقتضى العبارة المتقدّمة في أوّل مبحث الخيار التي حكيناها عن كتاب الخلاف هو أنّ مخالفتهم إنّما هي في الإجارة المعيّنة ، حيث ذكر أنّ الشافعي قال : إنّ الإجارة المعيّنة لايدخلها خيار الشرط قولاً واحداً(2) ، وإن اختار هو عدم الدخول في الإجارة في الذمّة أيضاً ، واستدلّ الشافعي على عدم الدخول في الإجارة المعيّنة بأنّ من شرط هذه الإجارة أن تكون المدّة متصلة بالعقد ، فيقول : «آجرتك سنة من هذا اليوم» فإن شرط خيار الثلاث بطلت ; لأنّ هذه المدّة لايمكن أن ينتفع بها المكتري ، فلا يخلو أن تحتسب على المكري أو على المكتري ، ولا يجوز أن تحتسب على المكتري ; لأنّه استأجر شهراً فلا ينقص عن مدّته ، ولا يجوز أن تحتسب على المكري ، لأنّه إنّما آجر شهراً ، فلو أحتسبنا عليه هذه المدّة لزدنا عليه ، فدلّ ذلك على أنّه لايجوز(3) .
وكيف كان ، فلا فرق عندنا في ذلك ; لعدم كون الخيار مانعاً عن انتفاع المستأجر والاحتساب عليه كما هو ظاهر ، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بخيار الشرط .
وأمّا سائر الخيارات فلا إشكال في أنّ ما كان دليله غير منحصر بباب البيع كأكثر تلك الخيارات يجري في الإجارة ، كخيار الغبن وخيار العيب ، بلا فرق بين ما لم يكن له دليل خاصّ كخيار الغبن ، وبين ما كان له دليل خاصّ أيضاً كخيار العيب وخيار التأخير ، ولكنّه لايثبت في هذا القسم الأحكام الخاصّة ، كالتخيير بين الردّ والأرش في خيار العيب ، واشتراط عدم إقباض المبيع وكون الخيار محدوداً بثلاثة

(1) الخلاف : 3 / 15 مسألة 15 ، تذكرة الفقهاء : 11 / 65 .
(2) تقدّم في ص137 .
(3) راجع الخلاف : 3 / 495 مسألة 12 .

(الصفحة151)



أيّام في خيار التأخير ، وذلك لثبوت تلك الأحكام بالدليل الخاصّ الذي لايجري في غير البيع .
نعم ، يقع الكلام في جواز اشتراط الخيارين بحدودهما والأحكام الخاصّة بهما ، والظاهر أنّه لامانع من ذلك ; لعدم ثبوت ما يمنع عن اشتراط التخيير بين الردّ والأرش على تقدير العيب ، وكذا اشتراط كون الخيار محدوداً بثلاثة ومقيّداً بما إذا لم يقبض، كما هو واضح .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الفرق بين خيار التأخير وخيار العيب بعدم جريان الأوّل في الإجارة دون الثاني ، كما اُفيد في المتن غير واضح ، فإنّه لو كان الملحوظ هي الأدلّة الخاصّة الواردة في الخيارين المثبتة لأحكام خاصّة فلا خفاء في أنّ موردها البيع ، ولا ينبغي توهّم الشمول للإجارة ، وإن كان الملحوظ هو الدليل العامّ المثبت للخيار في مورد التأخير والعيب ونحوهما ، ولا يكون مفاده الأحكام الخاصّة الثابتة في الخيارين ، بل مجرّد ثبوت الخيار ، فالظاهر أنّه لا فرق بملاحظته بين الخيارين أصلاً ، فالفرق لا يعلم له وجه .


(الصفحة152)





(الصفحة153)

[لا تبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة]

مسألة  : لا تبطل الإجارة بالبيع ، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدتها . نعم ، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة . ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري ، وكما لاتبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر لاتبطل ببيعها عليه ، فلو استأجر داراً ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها ، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لا تبعيّة العين ، فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله1 .


1 ـ قد اتّفق أصحابنا الإمامية(1) ، بل وما عدا أبي حنيفة من العامّة(2) على أنّ بيع العين المستأجرة ممّا لا مانع منه ، ولا يتوقّف على إجازة المستأجر ، ولا يوجب بطلان الإجارة مطلقاً ، والظاهر أنّ ذكر البيع إنّما هو من باب المثال ; لأنّه لا خصوصيّة فيه ، بل الهبة والصلح ونحوهما أيضاً كذلك ، وقد وردت في ذلك نصوص كثيرة . والتفصيل أنّ طرف البيع تارةً يكون غير المستأجر ، واُخرى يكون هو المستأجر ، كما أنّ مقتضى ظاهر العنوان تأخّر البيع عن الإجارة وطروّه عليها ، ولكن يمكن فرض التقارن بينهما ، فهنا فروض ثلاثة :

(1) المبسوط : 3 / 239 ، غنية النزوع : 288 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 328 ، رياض المسائل : 6/13 .
(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 328ـ 329 ، المغني لابن قدامة : 6 / 46 ـ 47 ، المجموع للنووي : 15/415ـ 416 ، تبيين الحقائق : 5 / 145 ـ 146 .

(الصفحة154)

1 ـ بيع العين المستأجرة من غير المستأجر

ولا ريب في ذلك نصّاً(1) وفتوى ـ إلاّ من جهة ما يأتي في آخر البحث ـ لا من حيث صحّة البيع ولا من جهة بقاء الإجارة على حالها .
وربّما يتوهّم عدم إمكان اجتماع صحّة البيع مع الإجارة ، فلابدّ من التزام التأويل في النصوص الدالّة عليه ، ويقال في وجهه : إنّ ملك المنفعة تابع لملك العين لابمعنى أنّ مالك المنفعة لابدّ وأن يكون مالكاً للعين ; ضرورة أنّ المستأجر مالك للمنافع دون الذات ، ولا بمعنى أنّ مالك العين لابدّ وأن يكون مالكاً للمنفعة ، كيف والمؤجر مالك للعين دون المنفعة ، بل بمعنى أنّ مالك العين له أن يملك منافعها المملوكة له ، وبعد خروج العين عن ملكه لا تكون المنافع مملوكة له ، فهو نظير ما إذا تلفت العين .
واُجيب عن ذلك بأنّ العين كما يملكها مالكها ملكيّة مرسلة غير موقّتة ، كذلك يملك منافعها ملكيّة مرسلة وله تقطيعها بالإجارة ، فالمنافع التي توجد بعد نقل العين أيضاً مملوكة للمالك الأوّل ، والتنظير بتلف العين ممنوع ; ضرورة أنّه مع التلف لامنفعة هناك لانتفاء موضوعها . نعم ، حكي عن المحقّق الأردبيلي (قدس سره)أنّه قال : ولو كانت المنافاة ثابتة لبطل البيع العارض عليها لا الإجارة(2) ، ولكنّه اُجيب عنه أيضاً بأنّ التبعية إنّما هو من طرف ملك المنفعة لا من ناحية ملك العين .
وكيف كان ، نقول : إنّ البيع والإجارة وإن كان كلّ واحد منهما متعلّقاً بالعين كما

(1) وسائل الشيعة : 19 / 134 ، كتاب الإجارة ب24 .
(2) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 63 .

(الصفحة155)



عرفت ، إلاّ أنّه حيث يكون الغرض في كلّ منهما أمراً يغاير الغرض المترتّب على الآخر ، وليسا بحيث لا يمكن اجتماعهما عند العقلاء كبيعين على شيء واحد أو إجارتين له في زمان واحد ، فلا مانع من تعلّقهما بعين واحدة ; لأنّه لا مضادّة بينهما ، ومن ذلك يظهر أنّه لا حاجة في ما ذكر إلى التمسّك بالإجماع ولا بالنصوص بعد كون القاعدة مقتضية له .
ثمّ إنّه إن كان المشتري عالماً بكون المبيع مسلوب المنفعة في برهة من الزمان فلا إشكال في صحّة البيع ولزومها ، وأمّا إذا كان جاهلاً بذلك فلا كلام في ثبوت الخيار له ; بمعنى التخيير بين ردّ البيع وإمضائه ; وإنّما الكلام في وجه ثبوت الخيار ، وقد ذكر له وجوه :
أحدها : ما حكي عن المشهور(1) من أنّه نقص وعيب ، وقد وجّهه غير واحد(2)بأنّ المراد هو العيب الحكمي ; نظراً إلى أنّ العيب الحقيقي هو النقص أو الزيادة في الخلقة الأصلية ، وهنا ليس كذلك مضافاً إلى أنّ العيب الحقيقي يستلزم التخيير بين الفسخ والإمساك بالأرش ولا يقولون به .
واعترض على هذا التوجيه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بأنّه إن اُريد من العيب الحكمي العيب العرفي بالتوسعة في دائرة العيب ، وعدم القصر على خصوص النقص والزيادة في الخلقة فاللاّزم إجراء أحكام العيب عليه ، ولا يقولون به . وإن اُريد من العيب الحكمي تنزيل سلب المنفعة منزلة العيب في خصوص الخيار دون الأرش

(1) الخلاف : 3 / 499 مسألة 20 ، غنية النزوع : 288 ، إصباح الشيعة : 277 ، مفاتيح الشرائع : 3/102 ، رياض المسائل : 6 / 14 ، وراجع بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 12 .
(2) كالسيّد العاملي في مفتاح الكرامة : 7 / 76 ، والمحقّق الرشتي في كتاب الإجارة : 36 ، والسيّد اليزدي في العروة الوثقى : 5 / 25ـ 26 مسألة 1 .

(الصفحة156)



فالمدّعي يطالب بالدليل على هذا التنزيل(1) .
ويمكن أن يقال ـ تأييداً للمشهور ـ بأنّ نظرهم إلى كون المقام من مصاديق العيب ، ولكن عدم ثبوت الأرش إنّما هو لاختصاص دليله بالعيوب الحقيقية ، كما صرّح بذلك السيّد (قدس سره)في العروة ، حيث قال : إنّ العيب الموجب للأرش ما كان نقصاً في الشيء في حدّ نفسه ، مثل العمى والعرج وكونه مقطوع اليد أو نحو ذلك ، لا مثل المقام الذي تكون العين في حدّ نفسها لا عيب فيها(2) .
ويؤيّده ـ مضافاً إلى أنّ نفس كلمة «الأرش» تقتضي كونها بإزاء منقصة ـ أنّ ثبوت الأرش ممّا لم يعهد عند العقلاء ، فإنّ التخيير بين الفسخ والإمساك بالأرش ، بحيث كان الطرف ملزماً بدفع الأرش على تقدير اختياره ممّا لا سبيل إليه عند العقلاء ، وليس له وجه إلاّ التعبّد من الشرع ، فلابدّ من الاقتصار على موارد ثبوته وهو العيوب الحقيقية لا الاعتبارية . هذا ، ولكنّ البحث في صدق عنوان العيب في المقام فجعل الخيار خيار العيب محلّ نظر .
ثانيها : ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) من أنّ الخيار للجاهل إنّما هو باعتبار اقتضاء إطلاق العقد تعجيل التسليم للانتفاع كما هو الغالب(3) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بأنّه أخصّ من المدّعى ; إذ ربما تكون منفعة السنة الآتية مملوكة بالإجارة ، فلا يمنع من التعجيل في التسليم ، مع أنّ مجرّد وجوب التسليم والتعجيل فيه لا يقتضي الخيار إلاّ إذا وقع موقع الالتزام ، حتّى يثبت الخيار

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 12 .
(2) العروة الوثقى : 5 / 25 ـ 26 مسألة 1 .
(3) جواهر الكلام : 27 / 206 .

(الصفحة157)



بالتخلّف عنه ، وليس تعذّر التسليم في مدّة خاصة موجباً للخيار ، فتدبّر(1) .
أقول : يمكن الجواب عمّا أفاد من كون الدليل أخصّ من المدّعى ، بأنّ التسليم الذي يقتضي إطلاق العقد تعجيله ليس هو التسليم بمجرّده ولو أخذت العين من يده بعده ، بل التسليم بحيث كان اختيار العين بيد المشتري إلى الأبد ، وهذا المعنى مفقود في الصورة المفروضة .
نعم ، يرد على صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه إن كان المراد ثبوت خيار تعذّر التسليم ، فمضافاً إلى منع كون تعذّر التسليم في مدّة خاصة موجباً للخيار كما أفاده المورد ، إلاّ أن يقال : باشتراك الملاك وثبوت المناط فيه أيضاً ، نقول : إنّ التعذّر الموجب للخيار هو التعذّر الطارئ على العقد لا ما كان التسليم متعذّراً حين العقد أيضاً كما في المقام ، وفي مثله يكون مقتضى القاعدة البطلان ; لأنّ من شرائط الصحّة القدرة على التسليم ، إلاّ أن يمنع البطلان فيما كان التعذّر في مدّة خاصة كما أنّه لا يبعد ، وإن كان المراد ثبوت خيار تخلّف الشرط كما ربما يستفاد من قوله : «كما هو الغالب» فيرد عليه أنّ الشرط غير المذكور في العقد لايوجب الخيار إلاّ أن يوجّه بما يأتي تحقيقه .
ثالثها : ما حكي عن غير واحد من أنّه من باب تخلّف الوصف(2) ; لأنّ المشتري إنّما اشتراه بعنوان كونه ذا منفعة فتبيّن خلافه .
وردّ بأنّ الوصف الذي يوجب تخلّفه الخيار هو ما وقع العقد مبنيّاً عليه في مرحلة المعاقدة ، وفي غيره لا يوجب التخلّف الخيار إلاّ أن يوجّه أيضاً بما يأتي .

(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 12 ـ 13 .
(2) الحاكي هو المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 13 ، وذهب إليه المحقّق الحائري في تعليقته على العروة الوثقى : 5 / 25 ، التعليقة 4 .

(الصفحة158)



رابعها : ما عن جامع المقاصد(1) ، بل وحكي عن غيره ممّن سبقه من كونه ضرراً يوجب الخيار .
والظاهر أنّ المراد شمول أدلّة الخيار ـ أي خيار الغبن ـ للمقام ، وإن نوقش في استفادة الخيار من دليل نفي الضرر والضرار كما قد ذكر في محلّه ، والشمول إنّما هو باعتبار كون الغالب اختلاف قيمة العين في حالتي سلب المنفعة وعدمه ، والقيمة المأخوذة في هذه المعاملة إنّما هي القيمة للعين المشتملة على المنفعة ، فالضرر والغبن متحقّق نوعاً . وعليه فلا يشمل الدليل صورة عدم وجود الغبن ، كما إذا كانت مدّة الإجارة قليلة ، أو الثمن أقلّ من القيمة الواقعية بمقدار مال الإجارة .
خامسها : ما أفاده المحقّق الإصفهاني ـ ممّا لا يبعد أن يرجع إليه غير الوجه الأوّل من باقي الوجوه ـ وملخّصه : أنّ خصوصيات المبيع تارةً تكون متعلّقة للأغراض الشخصية من المتعاملين ، ككون العبد كاتباً أو خيّاطاً ، فلا أثر لها إلاّ إذا ذكرت في العقد أو وقع مبنيّاً عليها ، واُخرى من الأغراض النوعية العقلائية ، ككون الدار قابلة للسكنى ، فهي بمنزلة الشرط الضمني والوصف اللبّي الارتكازي ، ولا تحتاج إلى الذكر في العقد(2) .
هذا ، ولكن مقتضى ذلك كون الخيار خيار الشرط أو تخلّف الوصف أو الغبن ، مع أنّه يمكن منعه ، فإنّ اعتبار اشتمال العين على المنفعة على ما هو مقتضى اللبّ والارتكاز ليس من جهة كون المرتكز اتّصاف العين بهذه الصفة ، ولا من جهة اشتراط وجودها ، أو اشتراط المماثلة في المالية ، بل من جهة كون المرتكز تسليم

(1) جامع المقاصد : 7 / 89 ـ 90 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 13 .

(الصفحة159)



العين بعد العقد المتعذّر لأجل الإجارة .
وبعبارة أُخرى النقص الملحوظ في المقام ليس من ناحية العين ولا من جهة العقد ، بل من جهة البائع ; نظراً إلى كون مقتضى إطلاق العقد تعجيل التسليم ، وهو لم يسلّم بسبب الإجارة ، وعليه فالخيار في المقام هو خيار تعذّر التسليم كما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) ، وإرجاعه إلى غيره ممّا لايناسب كما عرفت .
ويؤيّده أنّه بعد المراجعة للعقلاء وسؤالهم عن الجهة الموجبة لجواز فسخ المعاملة، يقولون بأنّ العين متعذّرة التسليم ، ولا يجيبون بتخلّف الشرط أو الوصف ، وتوهّم عدم كون تعذّر التسليم في مدّة خاصّة موجباً للخيار ، مدفوع باشتراكه مع الصورة الاُخرى من حيث المناط ، كما أنّ توهّم كون التعذّر حين العقد موجباً للبطلان مندفع بمنع الايجاب على فرض كون التعذّر موقّتاً .
ثمّ إنّه لو كان البيع الطارئ على الإجارة ممّا يعتبر في صحّته القبض ، كبيع الصرف على ماهو المشهور(1) بأن آجر الدراهم أو الدنانير لشخص ثمّ باعها من شخص آخر ، فإن أمكن الإقباض ولو برضى المستأجر فالظاهر الصحّة ، وإن لم يمكن فالقاعدة تقتضي البطلان .
ثمّ إنّك قد عرفت أنّه لا خلاف في هذا الفرض لا من حيث صحّة البيع ولا من جهة الإجارة ، إلاّ أنّه قد حكي عن ابن الوليد (قدس سره) شيخ الصدوق(2) القول بصحّة البيع إذا اشترط فيه تأخّر التسليم مدّة الإجارة مراعاة لحقّ المستأجر ، ومنشأ هذا القول روايتان :

(1) جواهر الكلام : 24 / 4 .
(2) الفقيه : 3 / 160 .

(الصفحة160)



إحداهما : رواية حسين بن نعيم ، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ـ إلى أن قال :ـ سمعت أبي (عليه السلام) يقول : قال أبو جعفر (عليه السلام) : لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى ، ولكن تبيعه على أنّ الذي اشتراه لا يملك ما اشترى حتّى تنقضي السكنى كما شرط ، وكذا الإجارة . . .(1) فإنّ ظاهره أنّ البيع لا يوجب بطلان الإجارة ولكنّه يعتبر أن يبيع مع هذا الشرط .
والاُخرى : رواية يونس قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) أسأله عن رجل تقبّل من رجل أرضاً أو غير ذلك سنين مسمّـاة ، ثمّ إنّ المقبّل أراد بيع أرضه التي قبّلها قبل انقضاء السنين المسمّـاة ، هل للمتقبِّل أن يمنعه من البيع قبل انقضاء أجله الذي تقبّلها منه إليه ، وما يلزم المتقبّل له ؟ قال : له أن يبيع إذا اشترط على المشتري أنّ للمتقبّل من السنين ماله(2) . ودلالتها أظهر من الاُولى .
ويمكن أن يقال بعدم منافاة هاتين الرواتين للقاعدة التي قد عرفت أنّ مقتضاها صحّة كلا العقدين من دون اعتبار شرط في البيع . غاية الأمر ثبوت الخيار للمشتري الجاهل ، وعرفت أيضاً أنّ القاعدة تغنينا عن التمسّك بالنصوص الواردة في هذا الباب .
وجه عدم المنافاة أنّ الظاهر كون النظر في الروايتين إلى بيان عدم كون البيع ناقضاً للإجارة السابقة ، وهذا يشعر بكون المرتكز في أذهان الناس في ذلك الزمان هو بطلان الإجارة بمجيء البيع ، ويؤيّد ذلك التعبير بقوله (عليه السلام) : «لا ينقض البيع الإجارة» ، وعليه فالمراد من الشرط فيهما هو رعاية حقّ المستأجر ، من دون

(1) الكافي : 7 / 38 ح38 ، الفقيه : 4 / 185 ح649 ، التهذيب : 9 / 141 ح593 ، الاستبصار : 4/104 ح399 ، وسائل الشيعة : 19 / 135 ، كتاب الإجارة ب24 ح3 .
(2) الكافي : 5 / 270 ح1 ، التهذيب : 7 / 208 ح914 ، وسائل الشيعة : 19 / 135 ، كتاب الإجارة ب24 ح4 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>